المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عدم اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات



محمد بن عبدالله
2007-03-24, 03:49 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:

فإن من أهم المسائل وأكثرها أثرًا في علم الحديث: مسألة زيادة الثقة، وهي مما كثر الخلاف حوله، والكلام فيه، واختلفت فيه الأنظار، وتباينت فيه المناهج.

ولستُ هنا بصدد الكلام عن أحوال الزيادة من حيث القبول والرد، والمناهج المختلفة في ذلك، فإن لذلك مجالاتٍ أخرى، إنما أريد بيان أمرٍ تتابع عليه جمعٌ من المتأخرين؛ ثم عامة المعاصرين، في ردّ زيادة الثقة.

وذلك أنهم اشترطوا لردِّ زيادة الثقة: كونها منافية لمعنى أصل الحديث، حيث تتعارض الزيادة التي زادها الثقة مع أصل الحديث الذي رواه من لم يذكر تلك الزيادة، وهذه الحال التي يُلجأ حينها - عندهم - إلى الترجيح في الزيادة. وأما حيث لا تنافي؛ فإن الزيادة مقبولة، ويُجمع بينها وبين أصل الحديث.

ولهذا يكثر قولهم في الاعتراض على من ردّ بعض الزيادات: "هذه الزيادة غير منافية، فلا وجه لردها"، وقولهم في بحث بعض الزيادات: "زيادة الثقة مقبولة ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق"، ونحو ذلك.

وأساس هذا هو متابعة الأصوليين والفقهاء في كون الجمع قبل الترجيح، وهذا ليس من منهج نقاد أهل الحديث - في نقد الحديث - في شيء، كما سيظهر جليًّا - إن شاء الله تعالى -.

فسأذكر - بعون الله - أمثلةً لتصرفات بعض كبار الأئمة مع زيادات ثقات ليست منافيةً لمعنى أصل الحديث.

تمهيـد مهم:

قد يُخالف القارئُ الإمامَ في حكمه على الزيادة، إلا أن المقصود بيان منهج الإمام في التعامل مع ما وصلَهُ هو مما صورته: زيادة ثقة.

فإن الإمام يحكم على الرواية التي بين يديه، التي تمثّل "زيادة ثقة"، وقد يستدرك الباحث على الإمام بأنه لم ينفرد بها راويها، أو نحو ذلك، إلا أن ذلك لا يقضي على المثال، لأن المقصود أن نعرفَ منهج الإمام في التعامل مع تلك الزيادة التي ينظر فيها، ونطرُدَهُ في الزيادات المشابهة لها التي لم نجد له فيها كلامًا؛ ليكون حكمنا كحكمه لو تكلّم في تلك الزيادات.

فالمراد هنا ليس بيان الحكم النهائي على كل زيادة تُذكر، إنما المراد: بيان كيفية تعامل الأئمة مع تلك الزيادة على صورتها التي وصلتهم، وذلك لأخذ المنهج في التعامل مع سائر الزيادات التي تصلنا كما وصلت تلك الزيادةُ الأئمةَ.

وقد بيّن شيئًا من منهج التعامل مع تصرفات الأئمة وأمثلتهم على القواعد والمصطلحات= الشيخ إبراهيم اللاحم في شرح الموقظة ( الشريط الرابع عشر )، وكلامه - رعاه الله - قيّم ومهم.

ولعلي أضع الأمثلة على دفعات، وقد يتخلل ذلك بعض تنظيرات الأئمة، وكلام بعض المشايخ الفضلاء. والله الموفق والمعين.

ملحوظة: استفدت بعض الأمثلة من:
- الشاذ والمنكر وزيادة الثقة، لعبد القادر المحمدي،
- العلة وأجناسها عند المحدثين، لمصطفى باحو،
- قواعد العلل وقرائن الترجيح، لعادل الزرقي.
ويحسن للناظر في هذا الموضوع الرجوع إلى هذه الكتب والإفادة منها.

محمد بن عبدالله
2007-03-24, 03:50 PM
المثـال الأول:

أخرج ابن أبي شيبة (10356) عن أبي خالد الأحمر، وابن زنجويه في الأموال (2391) من طريق ابن المبارك، ومسلم (985) من طريق حاتم بن إسماعيل، وأبو داود (1618) وأبو يعلى (1227) وابن حبان (3307) من طريق يحيى بن سعيد القطان، وابن خزيمة (2413) من طريق حماد بن مسعدة،

وأخرج الشافعي في السنن المأثورة (380) - وراوي السنن من طريق الشافعي هو الطحاوي؛ وأخرجه من طريقه أيضًا في بيان مشكل الآثار (3421) -، والحميدي في مسنده (742)، وأبو داود (1618) - ومن طريقه البيهقي في الكبرى (4/172) - عن حامد بن يحيى، والنسائي في الصغرى (5/52) والكبرى (2293) - وعنه الطحاوي في بيان مشكل الآثار (3420) - عن محمد بن منصور، وابن خزيمة (2414) عن عبد الجبار بن العلاء، والدارقطني (2/146) من طريق العباس بن يزيد وسعيد بن يحيى بن الأزهر الواسطي، كل هؤلاء عن سفيان بن عيينة،

ستتهم - أبو خالد الأحمر وابن المبارك وحاتم بن إسماعيل ويحيى القطان وحماد بن مسعدة وابن عيينة - عن محمد بن عجلان، عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال: "لا أخرج أبدًا إلا صاعًا، إنا كنا نخرج على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاعًا من تمر أو شعير أو أقط أو زبيب"، هذا لفظ يحيى القطان.

إلا أن لسفيان بن عيينة فيه زيادة، بيانها في مراحل روايته الآتية - وتقسيم المراحل لزيادة البيان، وإلا فقد تكون غير دقيقة إلى حدٍّ ما -:

الأولى: أثبت حامد بن يحيى وسعيد بن الأزهر عنه زيادة: "أو صاعًا من دقيق"، وروجع فيها - كما في رواية العباس بن يزيد عنه -؛ فقال: "بلى، هو - يعني: الدقيق - فيه".

فقد كان سفيان يثبت لفظة "الدقيق" ويؤكدها.

الثانية: قال محمد بن منصور: ( ثم شك سفيان؛ فقال: "دقيق أو سلت" )، فأثبت محمد بن منصور وعبد الجبار بن العلاء عنه قوله: "من سلت"، وجمع بين السلت والدقيق العباس بن يزيد،

الثالثة: كان الأئمة ينكرون على سفيان بن عيينة هذه الزيادة مع أنه كان يثبتها متأكدًا منها ( سواءً كانت الدقيق أو السلت )، قال أبو داود: ( قال حامد - يعني: ابن يحيى -: "فأنكروا عليه الدقيق" )، وقد بيّن العباسُ بن يزيد بعضَ مَنْ أنكر؛ قال: ( فقال له علي بن المديني - وهو معنا -: "يا أبا محمد، أحدٌ لا يذكر في هذا: ( الدقيق )" ).

قال حامد بن يحيى: "فتركه - يعني: الدقيق - سفيانُ"، أي: لم يَعُدْ يرويه، وعلى هذا جاءت رواية الشافعي والحميدي عنه.

قال أبو داود: "فهذه الزيادة وهمٌ من ابن عيينة"، وأشار النسائي إلى إعلال هذه الزيادة؛ قال - في الكبرى -: "لا أعلم أحدًا قال في هذا الحديث: ( دقيقًا ) غير ابن عيينة".

الخلاصة:
روى سفيان بن عيينة هذا الحديث بزيادة الدقيق - أو السلت؛ على شكّه -، وسفيان هو "أحد الأعلام، ثقة ثبت حافظ إمام"، ولكن خالفه:
1- أبو خالد الأحمر،
2- وابن المبارك،
3- وحاتم بن إسماعيل،
4- ويحيى بن سعيد القطان،
5- وحماد بن مسعدة،

وهؤلاء بين ثقة ثبت حافظ وثقة وصدوق.

ولما كان ذلك كذلك؛ "أنكر" الأئمة هذه الزيادة عليه، وممن أنكر:
1- جمعٌ من النقاد؛ قال حماد بن يحيى: "فأنكروا عليه الدقيق"، وهذا يفيد أن أئمة النقد في عصره أنكروا عليه،
2- ومنهم: علي بن المديني،
وبعد هذا الإنكار، توقف سفيان بن عيينة في الزيادة؛ فكان لا يرويها، وهذا قبولٌ منه - رحمه الله - لكلام النقاد،
3- ثم أنكرها بعد: أبو داود،
4- والنسائي،
5- وابن خزيمة؛ قال في التبويب على هذه الحديث: "باب إخراج السلت صدقة الفطر إن كان ابن عيينة ومن دونه حفظه..."،
6- والبيهقي؛ قال: "رواه جماعة عن ابن عجلان، منهم حاتم بن إسماعيل، ومن ذلك الوجه أخرجه مسلم في الصحيح، ويحيى القطان وأبو خالد الأحمر وحماد بن مسعدة وغيرهم = فلم يذكر أحدٌ منهم الدقيق غير سفيان، وقد أُنكر عليه فتركه".

النظر في حال الزيادة:
هذه الزيادة زيادة في متن الحديث، وليست منافيةً لمعنى أصل الحديث من أي وجه، فالأصل فيه تعداد بعض الأموال التي تُخرَجُ في الزكاة، وهذه الزيادة ذكرُ مالٍ لم يُذكر في الأصل.

النتيجة:
أنكر الأئمة على أحد الثقات الأثبات زيادةً زادها وليس فيها منافاة لمعنى أصل الحديث، فقبل راويها إنكارهم - مع أنه كان متأكدًا منها أولاً -، وصار يتركها، "لأنه علم أنه لم يتابع عليها؛ فخشي الوهم" (الشاذ والمنكر، للمحمدي، ص324).

ولو كانت المنافاة تشترط عند أئمة الحديث لِرَدِّ زيادات الثقات؛ لَصَاحَ بذلك سفيان بن عيينة على من أنكر عليه، ولَمَا قبل منهم إنكارهم - خاصةً أنه كان كالمتأكد من زيادته -، وهذا لازمُ القول باشتراط المنافاة.

فائدة: في هذا المثال أمران:
1. ابتداء الأئمة إنكارَ زيادة الثقة - ولو كان ثبتًا حافظًا - إذا تبيّن خطؤها ولو لم تكن منافية لمعنى أصل الحديث،
2. وقبول الأئمة ذلك الإنكار.

يتبع - بعون الله -.

قارئ
2007-03-24, 05:01 PM
جزيت خيرا وفي انتظار التالي

محمد بن عبدالله
2007-03-25, 06:12 PM
وإياك أخي قارئ .

---

المثـال الثاني:

أخرج أبو داود الطيالسي (ص317) وأحمد (2/480) والطحاوي في شرح المعاني (1/21) وابن عبد البر في التمهيد (18/267) من طريق شعبة،
وابن راهويه في مسنده (257) - وعنه النسائي في الكبرى (9797) - وابن أبي شيبة (1829) - وعنه ابن ماجه (363) - وأحمد (2/253، 424) وابن عساكر في تاريخ دمشق (5/95) من طريق أبي معاوية،
وابن أبي شيبة (36243) عن أبي أسامة حماد بن أسامة،
وابن راهويه (256) عن جرير،
ومسلم (279) من طريق إسماعيل بن زكريا،
والدارقطني (1/63) من طريق عبد الواحد بن زياد،
والطبراني في الأوسط (7644) والصغير (942) من طريق أبان بن تغلب، وفي الصغير (256) من طريق عبد الرحمن بن حميد،

وأخرج مسلم (279) والنسائي في الصغرى (1/53، 176) والكبرى (65) والبيهقي (1/239، 256) من طريق علي بن حجر، وابن الجارود (51) وابن خزيمة (98) - وعنه ابن حبان (1296) - والدارقطني (1/64) من طريق إسماعيل بن الخليل، وأبو عوانة في مسنده (538) من طريق عبد الله بن محمد الكرماني، والبيهقي (1/18) من طريق منجاب بن الحارث، أربعتهم عن علي بن مسهر،

ثمانيتهم - شعبة وأبو معاوية وأبو أسامة وجرير وإسماعيل بن زكريا وعبد الواحد بن زياد وأبان بن تغلب وعبد الرحمن بن حميد - عن الأعمش، عن أبي صالح وأبي رزين، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات"، وبعضهم يذكر أبا صالح وحده، وآخرون أبا رزين وحده، وجمعهما قومٌ، وزاد بعضهم ألفاظًا أخرى في غير تطهير الإناء.

وقد انفرد علي بن مسهر في روايته بزيادة لفظ الإراقة؛ قال: "فليرقه، ثم ليغسله..."، وفي ألفاظ: "فليهرقه".

الخلاصة:
روى علي بن مسهر هذا الحديث بزيادة الإراقة، وعلي ثقة، فُضّل على أبي معاوية الضرير - على حفظ أبي معاوية -، ولكن خالفه:
1- شعبة بن الحجاج،
2- وأبو معاوية الضرير،
3- وأبو أسامة حماد بن أسامة،
4- وجرير بن عبد الحميد،
5- وإسماعيل بن زكريا،
6- وعبد الواحد بن زياد،
7- وأبان بن تغلب،
8- وعبد الرحمن بن حميد،
وهؤلاء بين ثقة ثبت حافظ وثقة وصدوق.

ولما كان ذلك كذلك؛ خطَّأ الأئمة عليَّ بن مسهر في هذه الزيادة:
1- فأخرج روايتَهُ مسلمٌ، ثم أتبعها مباشرة برواية إسماعيل بن زكريا، وقال: "ولم يقل: ( فليرقه )"، فأشار مسلم بهذا إلى خطأ علي بن مسهر بهذه الزيادة، وأنه مُخالَفٌ فيها،
2- وقال النسائي: "لا أعلم أحدًا تابع علي بن مسهر على قوله: ( فليرقه )"، وهذه إشارة من النسائي إلى خطئه في تفرده هذا،
3- قال ابن حجر في الفتح (1/275): ( وقال حمزة الكناني: "إنها غير محفوظة" )،
4- وقال ابن حجر في التلخيص (1/23): ( وقال ابن منده: تفرد بذكر الإراقة فيه عليُّ بن مسهر، ولا يُعرف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بوجهٍ من الوجوه إلا من روايته" )،
5- وقال ابن عبد البر في معرض الردّ على من احتج بهذه الزيادة: "أما هذا اللفظ في حديث الأعمش: ( فليهرقه )؛ فلم يذكره أصحاب الأعمش الثقات الحفاظ؛ مثل شعبة وغيره".

النظر في حال الزيادة:
هذه الزيادة زيادة في متن الحديث، وليست منافيةً لمعنى أصل الحديث من أي وجه، فالأصل فيه الأمر بغسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب، وفي هذه الزيادة الأمر بإراقة الإناء ثم غسله، ويظهر عدم التنافي من أن الغَسْل موجود في الأصل وفي رواية الزيادة.

النتيجة:
خطَّأ غير واحد من الأئمة المتقدمين أحد الثقات في زيادته زيادةً ليس فيها منافاة لمعنى أصل الحديث، وهذا دليلٌ أكيد على عدم اشتراط المنافاة لِرَدِّ زيادات الثقات عندهم.

ولو كانت المنافاة مشترطة؛ لما قال حمزة في الزيادة: "غير محفوظة"، ولَمَا ردّ ابن عبد البر الاستدلال بها بتفرد راويها، ولَمَا أشار غيرهما إلى خطأ راويها إذ تفرد بها.


يتبع - بإذن الله -.

طلال
2007-04-14, 01:38 PM
بارك الله فيك وأحسن إليك..
فوائد نافعة أخي محمد وخصوصاً الإشارة إلى الشريط الرابع عشر من شرح الموقظة وهو في غاية النفاسة خصوصاً كلامه عن (تداخل المصطلحات) أجود ما يكون..غفر الله للشيخ اللاحم ولكم.

الدراقطني في السنن لمّا أخرج طريق علي بن مسهر عقّب بعد ذلك بقوله:صحيحٌ إسناده حسن ورواته كلهم ثقات.
أما يشكل كون الامام الدارقطني وقد –حتماً- اطلّع على الطرق جميعها عن الأعمش ..أقول أما يشكل عدم إشارته ولا إيماءه إلى شذوذ لفظة (فليرقه) ؟


كذلك: الحديث عند ابن خزيمة (1/51) لم يذكر علي بن مسهر وإنما ذكر (ابن علي) ولا أدري أهو تصحيف أم اسمٌ عُرف به علي بن مسهر ..الله أعلم.

وفقكم الله لكل خير.
وبانتظار المثال الثالث حتى نتابع ونستفيد وربما نفيد.
ولعل الله ييسر عودة تأمل للمثال الأول.

حمد
2007-04-17, 02:52 PM
جزاك الله أخي محمد .
استفدت منك جزاك الله خيراً .
أردتُ تطبيق ما استفدته منك على زيادة محمد بن سيرين في حديث أبي هريرة : بذكر التتريب .
فتوقّفت ،
فما رأيك في انفراده بها عن أصحاب أبي هريرة ؟
سنن أبي داود ج1/ص19
قال أبو داود : وأما أبو صالح وأبو رزين والأعرج وثابت الأحنف وهمام بن منبه وأبو السدي عبد الرحمن رووه عن أبي هريرة ولم يذكروا التراب .

وهل انفرد بها فعلاً - ممن سمع من أبي هريرة - أم تابعه أخوه كما ذكر صاحب كتاب :
طرح التثريب شرح التقريب ج2/ ص117
وقال في السنن بعد أن رواه من رواية أبي رافع عن أبي هريرة : حديث غريب إن كان حفظه معاذ فهو حسن لأن التراب في هذا الحديث لم يروه ثقة غير ابن سيرين . قلت : تابعه عليه أخوه يحيى بن سيرين فيما رواه البزار ...

بحثت عن متابعة أخيه عند البزار ولم أجدها .

حمد
2007-04-18, 09:53 PM
لي مخرج من هذا الإشكال أرجو من مشرفنا التعليق عليه :

وهو أنّ زيادة الثقة إذا خالفه فيها الجمع الكثير فهو كما تفضلتم ،
إلا إن كان أثبتَ الناس في المرويّ عنه وكان حفظه قويّاً جداً .
كابن سيرين في أبي هريرة .

فهو المقدَّم في أبي هريرة :
الجرح والتعديل ج7/ص280
نا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل فيما كتب إلي قال : سمعت أبي يقول : محمد بن سيرين في أبي هريرة لا يتقدم عليه أحد وهو فوق أبي صالح ذكوان .

ما الرأي ؟

شتا العربي
2007-04-20, 01:39 AM
ملحوظة: استفدت بعض الأمثلة من:
- الشاذ والمنكر وزيادة الثقة، لعبد القادر المحمدي،
- العلة وأجناسها عند المحدثين، لمصطفى باحو،
- قواعد العلل وقرائن الترجيح، لعادل الزرقي.
ويحسن للناظر في هذا الموضوع الرجوع إلى هذه الكتب والإفادة منها.
شكرا لك ... بارك الله فيك ...

وهل هذه الكتب متوفرة على الشبكة مصورة بي دي إف؟

وهل يمكنكم توفيرها مشكورا لكم مقدما؟

شكرا لك ... بارك الله فيك ...

شتا العربي
2007-04-20, 07:00 PM
إعادة التذكير بالسؤال السابق

شكرا لك ... بارك الله فيك ...

محمد بن عبدالله
2007-04-20, 08:09 PM
أخي العزيز طلالاً : وفيك بارك الله ، جزاك الله خيرًا .

وما نقلتَهُ عن الدارقطني ربما أشكل ، إلا أن حكم الدارقطني قد يكون على أصل الحديث ، ولا يلزم منه أنه يصحح كل لفظة بعينها فيه - مقارب لما قيل عن تصرف الشيخين في صحيحيهما - .

وربما كان الدارقطني يوازن بين الراويتين اللتين أمامه : رواية عبد الواحد ورواية علي بن مسهر ، فرأى أن مثل هذه زيادة حافظ على حافظ ؛ فتقبل .

وربما كان نظر إلى أن لفظ الإهراق مذكور في روايات أخرى من حديث أبي هريرة ، فتسمّح في قبوله في هذه الرواية .

على أنه قد قيل - وفيه بُعْدٌ - : إن الأحكام على الأسانيد في سنن الدارقطني ليست لأبي الحسن ، بل للبرقاني أبي بكر راوي السنن .

* وبخصوص إسناد ابن خزيمة ، فما في المطبوع خطأ ، بدلالة رواية ابن حبان الإسنادَ نفسَهُ عن ابن خزيمة - كما سبق في التخريج - ، وأن ابن حجر نقل الإسناد على الصواب في إتحاف المهرة (14/482) .


أخي حمد : وإياك ، وفقك الله .
والمثال الذي ذكرتَهُ يصلح للتمثيل به على أن أبا داود لما أشار إلى إعلال رواية محمد بن سيرين لم ينظر إلى عدم منافاتها أصل الحديث .
وأما كون الزيادة تقبل إذا كان الراوي أثبت الناس في شيخه ، فهذا مما أشرتُ إليه بقولي :

ولستُ هنا بصدد الكلام عن أحوال الزيادة من حيث القبول والرد، والمناهج المختلفة في ذلك
ومن ذلك أيضًا : الحكم على تلك الزيادة ، فإنه يحتاج إلى تخريج للحديث ونظر فيه .
ومقصودي هنا : النظر في جزئية أن الأئمة لا يشترطون أن تكون الزيادة المردودة منافيةً من جهة المعنى لأصل الحديث .

أخي شتا العربي : لم أرَ هذه الكتب على الإنترنت ، ولا أستطيع توفيرها - للأسف - ، وفقك الله .


مثـالٌ ثالث:

أخرج مالك (135) - ومن طريقه الشافعي في مسنده (1503) والبخاري (306) وأبو داود (283) والنسائي في الكبرى (223) وابن المنذر في الأوسط (807) وأبو عوانة (928) والطحاوي في شرح المعاني (1/102) وبيان المشكل (2735) وابن حبان (1350) والطبراني في الكبير (24/358) والدارقطني (1/206) والبيهقي (1/324) -،
وعبد الرزاق (1165) - وعنه ابن راهويه (565) - عن معمر،
وعبد الرزاق (1166) - ومن طريقه الطبراني في الكبير (24/357) - عن ابن جريج،
وابن راهويه (565) والطوسي في الأربعين (7) والطبراني في الكبير (24/357) من طريق سفيان الثوري،
والحميدي (193) - ومن طريقه الطبراني في الكبير (24/358) والبيهقي (1/327) وابن عبد البر (16/61، 22/104) - والبخاري (320) والبيهقي (1/327) من طريق سفيان بن عيينة،
وأحمد (6/194) والدارقطني (1/206) من طريق يحيى القطان،
وابن سعد في الطبقات (10/233) وابن أبي شيبة (1344) - ومن طريقه البيهقي (1/324) - وابن راهويه (563) - وعنه النسائي (1/122، 184) والنسوي في الأربعين (23) - وأحمد (6/194) ومسلم (333) والترمذي (125) وابن ماجه (621) وأبو عوانة (927) وابن أبي داود في مسند عائشة (36) من طريق وكيع،
وابن راهويه (563) - وعنه النسائي (1/122، 184) والنسوي في الأربعين (23) - والترمذي (125) من طريق عبدة بن سليمان،
وابن راهويه (563) - وعنه النسوي في الأربعين (23) - والبخاري (228) ومسلم (333) والترمذي (125) والنسائي (1/122، 184) والدارقطني (1/206) والبيهقي (1/344) وابن عبد البر في التمهيد (22/104) من طريق أبي معاوية الضرير،
والدارمي (774) وابن الجارود (112) وأبو عوانة (927) والبيهقي (1/323، 324) من طريق جعفر بن عون،
والبخاري (325) وابن المنذر (808) والدارقطني (1/206) - ومن طريقه وطريق آخر البيهقي (1/324) - من طريق أبي أسامة،
والبخاري (331) وأبو داود (282) والبغوي في الجعديات (2676) والطبراني في الكبير (24/360) والبيهقي (1/324) من طريق زهير بن معاوية،
ومسلم (333) والبيهقي (1/329) من طريق عبد العزيز بن محمد،
ومسلم (333) والبيهقي (1/324) من طريق عبد الله بن نمير،
ومسلم (333) وابن أبي داود في مسند عائشة (36) من طريق جرير،
والنسائي (1/186) من طريق ابن المبارك،
والنسائي في الصغرى (1/186) والكبرى (224) من طريق خالد بن الحارث،
وابن المنذر في الأوسط (805) والبيهقي (1/324) وابن عبد البر في التمهيد (22/104، 105) من طريق محمد بن كناسة،
وابن المنذر (807) وأبو عوانة (928) والطحاوي في شرح المعاني (1/102) وبيان المشكل (2735) من طريق عمرو بن الحارث وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي والليث بن سعد،
وابن أبي داود في مسند عائشة (36) من طريق محمد بن فضيل،
وأبو عوانة (929) والطبراني في الكبير (24/361) وفي الأوسط (4281) من طريق أيوب السختياني،
والطحاوي (1/103) من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد،
والطبراني في الكبير (24/359) من طريق شعبة،
وفيه (24/360) من طريق زائدة بن قدامة،
وفيه (24/361) من طريق مسلمة بن قعنب،
وفيه (24/361) من طريق عبد العزيز بن أبي حازم،
والبيهقي (1/329، 2/402) من طريق محاضر بن المورع،
وذكر الدارقطني في العلل (14/138) - غير من سبق - رواية إبراهيم بن طهمان، وزفر بن الهذيل، وسعيد بن يحيى اللخمي، والمفضل بن فضالة، وعثمان بن سعيد الكاتب، ووهيب، وعلي بن مسهر، وعباد بن عباد، وداود العطار، ومالك بن سعير، وعيسى بن يونس، وأبو بدر، وابن هشام بن عروة، وعلي بن غراب، وعباد بن صهيب،

وأخرج والبيهقي (1/116) من طريق أبي الربيع ، كلهم عن حماد بن زيد،
والدارمي (779) والطحاوي في شرح المعاني (1/103) وبيان المشكل (2734) من طريق الحجاج بن منهال، وأبو يعلى (4486) عن إبراهيم بن الحجاج السامي، وابن عبد البر في التمهيد (22/104) من طريق عفان، ثلاثتهم - الحجاج وإبراهيم وعفان - حماد بن سلمة،
والطحاوي في شرح المعاني (1/102) وبيان المشكل (2732) والطبراني في الكبير (24/360) وابن عبد البر في التمهيد (22/103) من طريق أبي حنيفة،
وابن حبان في صحيحه (1354) من طريق أبي حمزة السكري،
وفيه (1355) من طريق أبي عوانة،
والطبراني في الكبير (24/361) من طريق الحجاج بن أرطأة،
وابن عبد البر في التمهيد (16/95) من طريق يحيى بن هاشم،
وذكر الدارقطني في العلل (14/140) رواية محمد بن عجلان ويحيى بن سليم الطائفي،

كل هؤلاء - وهم تسعة وأربعون رجلاً - عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قالت فاطمة بنت أبي حبيش لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إني لا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي"، هذا لفظ الشافعي عن مالك عن هشام.

وألفاظ الرواة في العموم متقاربة، قال الدارقطني - بعد أن ذكر من سبق نقلهم عنه وغيرَهم -: "واتفقوا في متنه أيضًا على قوله: ( وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي )، إلا أن مالكًا قال: ( فإذا [ذهب] قدرها ) " ا.هـ.
لكن بعض الرواة - وهم: حماد بن زيد وحماد بن سلمة وأبو حنيفة وأبو حمزة وأبو عوانة والحجاج بن أرطأة ويحيى بن هاشم ومحمد بن عجلان ويحيى بن سليم - قالوا: "فاغسلي عنك الدم وتوضئي وصلي"، ولبعضهم نحو هذه الكلمة، فزادوا لفظ الوضوء.

وذكر الترمذي في روايته أن أبا معاوية ذكر لفظ الوضوء، إلا أن سائر الرواة عن أبي معاوية لا يذكرونه، فإن صح أن هنادًا شيخ الترمذي ذكره عن أبي معاوية؛ فلعله أخطأ، قال ابن رجب في الفتح (2/71، 72): "وكذلك رويت من طريق أبي معاوية، عن هشام، خرجه الترمذي عن هناد عنه، وقال: قال أبو معاوية في حديثه: وقال: ( توضئي لكل صلاة، حتى يجيء ذلك الوقت ). والصواب: أن هذا من قول عروة، كذلك خرجه البخاري في كتاب الوضوء عن محمد بن سلام عن أبي معاوية عن هشام فذكر الحديث، وقال في آخره: قال: وقال أبي: ( ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت ). وكذلك رواه يعقوب الدورقي عن أبي معاوية، وفي حديثه: ( فإذا أدبرت فاغسلي الدم ثم اغتسلي )، قال هشام: قال أبي: ( ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت ). وخرجه إسحاق بن راهويه عن أبي معاوية، وقال في حديثه: قال هشام: قال أبي: ( وتوضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت )".

وأما رواية حماد بن سلمة، فإن من رواها عنه مثبتًا لفظ الوضوء: الحجاج بن منهال، وإبراهيم بن الحجاج السامي، وخالفهما عفان، قال: ( فاغسلي عنك الدم ثم تطهري وصلي )، قال هشام: كان عروة يقول: "الغسل" الأول، ثم "الطهر" بعد.
وإبراهيم بن الحجاج له أوهام، وعفّان مقدّم على الحجاج إذا اختلفا. قال ابن رجب في الفتح (2/71): "وقد رويت لفظة الوضوء من طريق حماد بن سلمة عن هشام، خرجه الطحاوي من طريق حجاج بن منهال عن حماد. ورواه عفان عن حماد، ولفظه: ( فاغسلي عنك الدم، ثم تطهري وصلي، قال هشام: كان عروة يقول: "الغسل" الأول، ثم قال بعد: "والطهر" )" ا.هـ.

وأنكر بعض الأئمة زيادة الوضوء، ولما كانت أشهر الروايات التي جاءت تلك الزيادة فيها: رواية حماد بن زيد = أنكرها الأئمة عليه وحدَهُ، فإنه قد خالف نحو أربعين لم يذكروها!

ولسنا هنا بصدد الحكم على هذه الزيادة، وهل توبع حماد بن زيد عليها أم لا، وهل يُتابع الأئمة على إنكارهم إياها أم لا، بل المراد بيان تصرف الأئمة مع مثل زيادة حماد. وراجع التمهيد الذي قدّمتُ أول هذا المبحث.

إنكار الأئمة الزيادة:
1- أسند مسلم روايات جمع فيهم حماد بن زيد، ثم قال: "وفي حديث حماد بن زيد زيادة حرف تركنا ذكره"، وفسّر البيهقي الحرف بأنه زيادة "توضئي"،
2- وقال النسائي: "لا أعلم أحدًا ذكر في هذا الحديث: ( وتوضئي ) غير حماد بن زيد، وقد روى غير واحد عن هشام ولم يذكر فيه: ( وتوضئي )"، وكلام النسائي واضح في أنه يُعلّ هذه الزيادة بأنه لم يذكرها الرواة الآخرون عن هشام، ولذلك قال في الكبرى: "حديث مالك عن هشام عن أبيه أصح ما يأتي في المستحاضة"،
3- ونقل الطحاوي في الاعتراض على هذه الزيادة، قال: "فعارضهم معارض فقال: أما حديث أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - الذي رواه عن هشام عن عروة؛ فخطأ، وذلك أن الحفاظ عن هشام بن عروة رووه على غير ذلك..."،
4- وقال البيهقي عقب نقله كلام مسلم المتقدم: "وهذا لأن هذه الزيادة غير محفوظة"، وقال في موضع آخر: "وقد روي فيه زيادة الوضوء لكل صلاة، وليست بمحفوظة".

النظر في حال الزيادة:
هذه الزيادة زيادة في متن الحديث، وليست منافيةً لمعنى أصل الحديث من أي وجه، فالأصل فيه أمر المستحاضة أن تغسل عنها الدم وتصلي، وفي هذه الزيادة إضافة الوضوء إلى ذلك.

النتيجة:
خطَّأ غير واحد من الأئمة المتقدمين أحد الثقات الأثبات في زيادته زيادةً ليس فيها منافاة لمعنى أصل الحديث، وهذا دليلٌ أكيد على عدم اشتراط المنافاة لِرَدِّ زيادات الثقات عندهم.

ولو كانت المنافاة مشترطة؛ لما قال أعرض عن هذه الزيادة مسلم، ولَمَا أعلّها النسائي، ولَمَا قال البيهقي فيها: "غير محفوظة".

تنبيه: حتى لو رجحنا أن حماد بن زيد توبع في هذه الرواية، وأنه صحَّ عن غيره ذِكْرُها = فما حالُ تسعةِ نفرٍ أمام أربعين - بعضُ آحادهم أوثق من التسعة مجتمعين! -؟!!


يتبع - بإذن الله -.

شتا العربي
2007-04-20, 09:18 PM
أخي شتا العربي : لم أرَ هذه الكتب على الإنترنت ، ولا أستطيع توفيرها - للأسف - ، وفقك الله
شكرا لك ... بارك الله فيك ...

طلال
2007-04-27, 03:33 AM
شكرا لك وبارك الله فيك واحسن اليك اخي محمد

محمد بن عبدالله
2007-05-23, 04:51 AM
وإياكما ، وفقكما الله .

مثـالٌ رابع:

قال الإمام مسلم في التمييز (ص211، 212):
"ذِكْرُ روايةٍ فاسدةٍ بَيِّنٍ خَطَؤها بخلاف الجماعةِ من الحفاظ:
حدثني القاسم بن زكريا بن دينار، ثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر: كان الناس يخرجون صدقة الفطر في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - صاع شعير أو تمر أو سلت أو زبيب، فلما كان عمر وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء.
وسنذكر - إن شاء الله - من رواية أصحاب نافع بخلاف ما روى عبد العزيز:
ثنا عبد الله بن مسلمة وقتيبة قالا: ثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير... وساقَهُ.
وعبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر،
وأيوب، عن نافع،
والليث، عن نافع،
والضحاك، عن نافع،
وابن جريج، أخبرني أيوب بن موسى عن نافع،
ومحمد بن إسحاق، عن نافع،
وإسماعيل بن علية ويزيد بن زريع، عن أيوب، عن نافع،
والضحاك بن عثمان، ومحمد بن إسحاق.
فهؤلاء الأجلة من أصحاب نافع قد أطبقوا على خلاف رواية ابن أبي رواد في حديثه صدقة الفطر، وهم سبعة نفر، لم يذكر أحد منهم في الحديث السلت ولا الزبيب، ولم يذكروا في أنه جعل مكان تلك الأشياء نصف صاع حنطة. إنما قال أيوب السختياني وأيوب بن موسى والليث في حديثهم: فعدل الناس به بعد نصف صاع من بر.
فقد عَرَفَ مَنْ عَقَلَ الحديثَ وأسباب الروايات حين يتابع هؤلاء من أصحاب نافع على خلاف ما روى ابن أبي رواد، فلم يذكروا جميعًا في الحديث إلا الشعير والتمر".
انتهى كلام مسلم - رحمه الله -.

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (9/355، 356): "ورواه ابن أبي رواد عبد العزيز عن نافع عن ابن عمر... وذكر في حديثه هذا: ( صاعًا من تمر أو شعير أو سلت أو زبيب )، ولم يقل ذلك عن نافع أحد غيره، وليس ممن يحتج به في حديث نافع إذا خالفه حفاظ أصحاب نافع، وهم عبيد الله بن عمر ومالك وأيوب...".

حال الزيادة:
ليست هذه الزيادة التي زادها ابن أبي رواد تُنافي أو تخالف ما ذكره الرواة الآخرون الذين عدّهم الإمام مسلم. فإن الرواة الآخرين عدّوا أصنافًا من الطعام الذي يُخرَج في صدقة الفطر، وعدها ابن أبي رواد، إلا أنه زاد فيها: "السلت والزبيب".

النتيجة:
خطَّأ هذان الإمامان - مسلم وابن عبد البر - أحد الثقات في زيادته زيادةً ليس فيها منافاة لمعنى أصل الحديث، وهذا دليلٌ أكيد على عدم اشتراط المنافاة لِرَدِّ زيادات الثقات عندهم.


يتبع - بعون الله - ، وفي الجعبة بعضٌ من نصوص العلماء والمشايخ التي تؤيد ما أذكره ، ومن النقولات التي تثبت أن الخلل واقع عند عامة المتأخرين والمعاصرين في اشتراطهم المنافاة لرد زيادات الثقات .

محمد بن عبدالله
2007-05-30, 11:46 PM
المثـال الخامس:
أخرج أبو داود في سننه (333) من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر قال: دخلت في الإسلام، فأهمني ديني، فأتيت أبا ذر، فقال أبو ذر: إني اجتويت المدينة، فأمر لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذود وبغنم، فقال لي: "اشرب من ألبانها "، قال حماد: ( وأشك في "أبوالها" )، فقال أبو ذر: فكنت أعزب عن الماء، ومعي أهلي، فتصيبني الجنابة، فأصلي بغير طهور، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنصف النهار، وهو في رهط من أصحابه، وهو في ظل المسجد، فقال "أبو ذر؟"، فقلت: نعم، هلكت يا رسول الله، قال: "وما أهلكك؟"، قلت: إني كنت أعزب عن الماء، ومعي أهلي، فتصيبني الجنابة، فأصلي بغير طهور، فأمر لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بماء فجاءت به جارية سوداء بعس يتخضخض، ما هو بملآن، فتسترت إلى بعيري فاغتسلت، ثم جئت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا ذر إن الصعيد الطيب طهور وإن لم تجد الماء إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك".

قال أبو داود: "رواه حماد بن زيد عن أيوب لم يذكر ( أبوالها )".

فأبو داود يشير إلى أن حماد بن زيد خالف حماد بن سلمة، فزاد حماد بن سلمة كلمة: "وأبوالها"، ولم يذكرها حماد بن زيد.

وصرّح أبو داود بحكمه في هذه الزيادة، فقال - عقب ما سبق -: "هذا ليس بصحيح"، وقال - كما في سؤالات الآجري (1/402) -: "حماد بن سلمة وَهِمَ فيه، زاد فيه: ( وأبوالها )".

حال الزيادة:
يرى الناظر أن كلمة: "وأبوالها" لا تنافي أصل الحديث في المعنى، ومع ذلك ردها هذا الإمام، ووهّم الذي زادها ( وهو حماد بن سلمة )، مع أنه معدود في الثقات الحفاظ، وذلك بالقرائن التي أحاطت بزيادة حماد بن سلمة فدلّت على خطئه في هذه الزيادة.

النتيجة:
لم يشترط أبو داود المنافاة في رد الزيادة، وإلا لكان قال: إن هذه الزيادة لا تنافي أصل الحديث، وزيادة الثقة مقبولة، كما يقول مثل ذلك كثير من المتأخرين والمعاصرين!


المثـال السادس:
أخرج عبد الرزاق (1688) - ومن طريقه الطبراني في الكبير (8165) -،
وابن أبي شيبة (7453) - وعنه ابن ماجه (1021) - عن وكيع،
والحاكم (941) من طريق إبراهيم بن أبي الليث عن الأشجعي،
والبيهقي (2/292) من طريق الحسين بن حفص،
وأخرج أحمد (6/396) والترمذي (571) والنسائي (2/52) وابن خزيمة (876) من طريق يحيى بن سعيد القطان،

خمستهم - عبد الرزاق ووكيع والأشجعي والحسين بن حفص ويحيى القطان - عن سفيان الثوري، عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن طارق بن عبد الله المحاربي قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صليت فلا تبزق بين يديك ولا عن يمينك، ولكن ابزق عن يسارك أو تحت قدمك"، هذا لفظ وكيع.

وقد زاد يحيى بن سعيد القطان البزق خلف المصلي، قال: "وابصق خلفك وعن شمالك...".

قال الحافظ ابن رجب في الفتح (3/130، 131): "وقد أنكر الإمام أحمد هذه اللفظة في هذا الحديث، وهي قوله: ( خلفك )، وقال: لم يقل ذلك وكيع ولا عبد الرزاق.

قال الدارقطني: هي وهم من يحيى بن سعيد، ولم يذكرها جماعة من الحفاظ من أصحاب سفيان، وكذلك رواه أصحاب منصور عنه، لم يقل أحد منهم: ( ابزق خلفك )" ا.هـ، وكلمة الإمام أحمد قالها بعقب إخراجه الرواية في مسنده.

حال الزيادة:
لا تنافي هذه الزيادة التي زادها القطان ما عليه رواية الرواة الآخرين، فإنهم جميعًا اتفقوا في لفظهم، ولكن يحيى بن سعيد انفرد عنهم بهذه الزيادة.

النتيجة:
أنكر الإمامان أحمد والدارقطني على جبل الحفظ يحيى القطان زيادته، ووهّماه فيها، وقد تبين أنها غير منافية لمعنى أصل الحديث، وهذا دليلٌ أكيد على عدم اشتراط المنافاة لِرَدِّ زيادات الثقات عندهم.

يتبع - بإذن الله - .

محمد بن عبدالله
2007-06-17, 08:11 PM
المثـال السابع:
أخرج أبو داود الطيالسي في مسنده - من رواية يونس بن حبيب عنه (ص77) - ومن طريقه ابن منده في الإيمان (107) - عن شعبة وأبي الأحوص،

وأخرجه ابن حبان (210) من طريق النضر بن شميل عن شعبة،

وقد رواه جماعة عن أبي الأحوص،

كلاهما - شعبة وأبو الأحوص - عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون الأودي، عن معاذ بن جبل، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "أتدري ما حق الله على العباد"، قال: الله ورسوله أعلم، قال: "فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحقهم إذا فعلوا ذلك أن لا يعذبهم"، هذا لفظ أبي داود الطيالسي عنهما.

وقد رواه غير واحد عن أبي الأحوص، فقالوا:... قال معاذ بن جبل: كنت ردف النبي - صلى الله عليه وسلم - على حمار يقال له: ( عفير )، فقال: "يا معاذ...".

قال ابن منده - بعد أن ذكر رواية أبي الأحوص من غير طريقٍ -: "رواه جماعة عن أبي الأحوص، وفيه زيادة أن الحمار يقال له: ( عفير )، ورواه أبو مسعود عن أبي داود عن شعبة وفيه هذه الزيادة، وهو وهم"، وأبو مسعود هو أحمد بن الفرات الرازي.

حال الزيادة:
لا يمكن بحال أن تكون هذه الزيادة منافية لمعنى أصل الحديث، بل هي زيادة في بيان اسم الحمار الذي ركبه النبي - صلى الله عليه وسلم -.

النتيجة:
خطّأ الحافظ أبو عبد الله ابن منده أبا مسعود أحمدَ بن الفرات - وهو من الثقات الحفاظ - في هذه الزيادة، وحكم عليه بالوهم فيها، مع أن زيادته ليست منافية من أي وجه لمعنى أصل الحديث.

وأما على مناهج المتأخرين ممن تأثر بالأصوليين والفقهاء، فإن هذه الزيادة ليست منافية، فهي مقبولة!


المثـال الثامن:
أخرج عبد الرزاق (10297) وأبو يعلى (6019) من طريق سفيان الثوري،
وابن أبي شيبة (15983) عن أبي معاوية،
وأحمد (2/259) عن عبد الواحد بن واصل،
وأبو داود (2093) - ومن طريقه ابن عبد البر في التمهيد (19/99) - من طريق يزيد بن زريع،
وأبو داود (2093) - ومن طريقه وطريق أخرى ابن عبد البر (19/99) - والطحاوي في شرح المعاني (4/364) وبيان المشكل (5728) من طريق حماد بن سلمة،
والترمذي (1109) من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي،
والنسائي في الصغرى (6/87) والكبرى (5381) والطحاوي في شرح المعاني (4/363) وبيان المشكل (5729) من طريق يحيى بن سعيد القطان،
وأبو يعلى (7328) - وعنه ابن حبان (4086) - من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة،
وابن حبان (4079) من طريق زائدة بن قدامة،
وتمام في الفوائد (1702) والبيهقي في معرفة السنن والآثار (10/50) وابن عساكر في تاريخ دمشق (44/157) من طريق عبد الوهاب بن عطاء،
والبيهقي (7/120) وابن عبد البر في التمهيد (19/99) من طريق أسباط بن محمد،

وأخرج أبو داود (2094) عن محمد بن العلاء عن عبد الله بن إدريس،

كل الاثنا عشر راويًا - الثوري وأبو معاوية وعبد الواحد ويزيد بن زريع وحماد بن سلمة والدراوردي ويحيى القطان وابن أبي زائدة وزائدة وعبد الوهاب بن عطاء وأسباط وعبد الله بن إدريس - عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها"، هذا لفظ القطان، وللبقية مثله أو نحوه.
إلا أن ابن إدريس قال: "فإن بكت أو سكتت"، قال أبو داود: "... ابن إدريس عن محمد بن عمرو بهذا الحديث بإسناده، زاد فيه؛ قال: ( فإن بكت أو سكتت )، زاد: ( بكت )".

قال أبو داود: "وليس: ( بكت ) بمحفوظ، وهو وهمٌ في الحديث، الوهم من ابن إدريس أو من محمد بن العلاء".

حال الزيادة:
ظاهرٌ أن الزيادة لم تجئ منافيةً لمعنى أصل الحديث، فالحديث في سكوت اليتيمة إذا استُؤذنت، وزادت هذه الرواية البكاء، وهو موجود في بعض الآثار الأخرى.

النتيجة:
حكم أبو داود بأن هذه الزيادة غير محفوظة، وهي وهمٌ من راويها، إلا أنه لم يتيقّن من الواهم والمخطئ فيها، هل هو ابن إدريس، أم محمد بن العلاء، فجعل الوهم من أحدهما.
وعبد الله بن إدريس أحد الثقات الأعلام، ومحمد بن العلاء بن كريب ثقة حافظ.
ولم يشترط أبو داود المنافاة في الزيادة ألبتة، وإلا لَمَا كان حكم بوهم الزيادة مع أنه غير متيقّن من الواهم فيها، ومع أن الزائد واحدٌ من ثقتين حافظين.


يتبع - بإذن الله - .

ابن عقيل
2007-06-17, 10:36 PM
1- فأخرج روايتَهُ مسلمٌ، ثم أتبعها مباشرة برواية إسماعيل بن زكريا، وقال: "ولم يقل: ( فليرقه )"، فأشار مسلم بهذا إلى خطأ علي بن مسهر بهذه الزيادة، وأنه مُخالَفٌ فيها،
2
وفقك الله
المعروف عن الإمام مسلم رحمه الله أنه قال: (عرضت كتابي هذا المسند على أبي زرعة الرازي فكل ما أشار أن له علة تركته وكل ما قال إنه صحيح وليس له علة أخرجته)
فكيف حكمت على مسلم رحمه الله بأنه حكم على علي بن مسهر بالخطأ وعلى زيادته بالمخالفة!؟
ومن سلفك في هذا الفهم عن الإمام مسلم؟

أرجو الإفادة

محمد بن عبدالله
2007-06-18, 08:12 AM
بارك الله فيكم .

المعروف عن الإمام مسلم رحمه الله أنه قال: (عرضت كتابي هذا المسند على أبي زرعة الرازي فكل ما أشار أن له علة تركته وكل ما قال إنه صحيح وليس له علة أخرجته)
في هذه الحكاية نظر :
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=23919


فكيف حكمت على مسلم رحمه الله بأنه حكم على علي بن مسهر بالخطأ وعلى زيادته بالمخالفة!؟
ومن سلفك في هذا الفهم عن الإمام مسلم؟
أرجو الإفادة
لم أحكم على مسلم بأنه "حكم" على علي بن مسهر بالخطأ ، بل ذكرتُ أن مسلمًا "أشار" إلى ذلك .
وأما كونه حكم على زيادة عليٍّ بالمخالفة ، فإنه في غاية الظهور في سياق مسلم للحديث ، ويمكنك مراجعته .

وهذه طريقة مسلم في الإشارة إلى العلل في الأسانيد والمتون ، فإن في الصحيح دقائق من هذا النوع ينبغي التفطُّن لها ، وقد أشار النووي إلى شيء من ذلك في بعض مواضع شرحِهِ الصحيحَ ، وفي مقدمة مسلم ما يشير إلى ذلك أيضًا .

ومما يفيد في معرفة قصد مسلم : منهجُهُ - الذي تبيَّن في بعض هذا الموضوع - في التعامل مع الزيادات المشابهة ( من حيث تحقّق أسباب الرد مع عدم المنافاة ) .

وجزاكم الله خيرًا .

ابن عقيل
2007-06-18, 09:04 AM
وفيك بارك وجزاك
ولكن أخي محمد بن عبد الله بصرنا الله وإياك بالحق
قلت:

بارك الله فيكم .
في هذه الحكاية نظر :
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=23919
.

هل طعن في هذه القصة من بعد الإمام مسلم الى يومنا غير فضيلة الأخ الفقيه ومن فهم فهمه؟
ثم هل علمت يقيناً بأن الإمام مسلم لم يتقدم بعذره لأبوزرعة كما تقدم بعذره لأبن وارة!؟
ثم لماذا لم يبين الإمام مسلم لأبن وارة (منهجه)كما أكتشفه المكتشفون اليوم
وأنه أراد بيان دقائق العلل في صحيحه بهذه الطريقة!!؟

أقصد كان حرياً بمسلم رحمه الله أن يعتذر لأبن وارة وغيره بأن هذه طريقته (المزعومة) في بيان العلل !!

أفلا نتدبر

وأما قولك:

وأما كونه حكم على زيادة عليٍّ بالمخالفة ، فإنه في غاية الظهور في سياق مسلم للحديث ، ويمكنك مراجعته .

هذا الفهم خاطئ وفقك الله
والصحيح بأن مسلم أورد طريق علي بن مسهر وأورد زيادته (فليرقه) بدون إيراد كامل المتن لتكراره وليس لبيان أنه مخالف فيها.
فهي زيادة حافظ حفظ ما لم يحفظ غيره.


وهذه طريقة مسلم في الإشارة إلى العلل في الأسانيد والمتون ، فإن في الصحيح دقائق من هذا النوع ينبغي التفطُّن لها ،
إن صح هذا القول فالواجب ألا يسمى (صحيح مسلم) ولكن يسمى (علل مسلم) !!؟

أو يسمى (جامع الصحيح والعلل) للإمام مسلم !!!؟

ثبتنا الله وإياك أخي على الفهم الصحيح

محمد بن عبدالله
2007-06-18, 05:53 PM
اللهم آمين .
وفقك الله .

لست أحب التشعب والخروج عن صلب الموضوع وتشتيته ، فلن أطيل في هذه القضية ، فإنها من المضايق ، وفيها أخذ ورد وكتابات كثيرة ، ولن نستطيع الإحاطة بها هنا .
ويدفعني لعدم الإطالة أيضًا سبب أذكره لاحقًا - إن شاء الله تعالى - .

هل طعن في هذه القصة من بعد الإمام مسلم الى يومنا غير فضيلة الأخ الفقيه ومن فهم فهمه؟
الظاهر أن ما استدل به الشيخ عبد الرحمن صحيح وكافٍ في إثارة الشك في هذه القصة التي لا ندري رواتها .


أقصد كان حرياً بمسلم رحمه الله أن يعتذر لأبن وارة وغيره بأن هذه طريقته (المزعومة) في بيان العلل !!
أفلا نتدبر
إنما أنكر عليه أبو زرعة - ونحوه لابن واره - إدخال الرجال الضعفاء وأهل البدع ، وحصر الأحاديث الصحيحة في هذا المصنَّف .
ولو أُنكر عليه وجود بعض الإشارات إلى العلل - ولم يُنكر ذلك ؛ لاحتماله - ، لكان لِمَا قلتَهُ وجه .


والصحيح بأن مسلم أورد طريق علي بن مسهر وأورد زيادته (فليرقه) بدون إيراد كامل المتن لتكراره وليس لبيان أنه مخالف فيها.
قد حبّذتُ لك - أخي - أن ترجع إلى الصحيح ، ولعلك لم تفعل ، أو فعلت ونقلت من حفظك ؛ فوهمت .

هذا سياق مسلم :
قال - رحمه الله - :
( وحدثني علي بن حجر السعدي ، حدثنا علي بن مسهر ، أخبرنا الأعمش ، عن أبي رزين وأبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرار " ،
وحدثني محمد بن الصباح ، حدثنا إسماعيل بن زكريا ، عن الأعمش بهذا الإسناد مثله ، ولم يقل : " فليرقه " ) ا.هـ .

فلما أسند الرواية التي في متنها قوله : " فليرقه " ، أسند بعدها رواية أخرى لم يذكر متنها ، إلا أنه ذكر أن راويها ( إسماعيل بن زكريا ) خالف علي بن مسهر ، فلم يقل : " فليرقه " .
فبيّن أن عليًّا مُخالَفٌ في زيادته هذه .
ومن غير المستبعد أن مسلمًا وقف على غير رواية كرواية إسماعيل بن زكريا ، لكنه لم يخرج إلا روايته للعذر الذي أبداه للبرذعي .


إن صح هذا القول فالواجب ألا يسمى (صحيح مسلم) ولكن يسمى (علل مسلم) !!؟
أو يسمى (جامع الصحيح والعلل) للإمام مسلم !!!؟
الأمر واسع .
والبخاري يشير إلى العلل في صحيحه وينص عليها ، ولم يسمِّه بمثل ما ذكرت .

على أني ذكرتُ أنه يبيّن قصدَ مسلم : " منهجُهُ - الذي تبيَّن في بعض هذا الموضوع - في التعامل مع الزيادات المشابهة ( من حيث تحقّق أسباب الرد مع عدم المنافاة ) " ،
وأن في مقدمة مسلم إشارةً إلى ذلك ، وذكر النووي شيئًا منه .

وعلى أنه لو سلمنا بأن مسلمًا صحح الزيادة ؛ فإن هذا لا يُسقط أحكام الأئمة الآخرين عليها ، وإن أسقطها ؛ فإن هذا لا يسقط الأمثلة الأخرى .

والله أعلم .

ابن عقيل
2007-06-19, 01:32 AM
سلاماً عليك أخي محمد

قلت:

الظاهر أن ما استدل به الشيخ عبد الرحمن صحيح وكافٍ في إثارة الشك في هذه القصة التي لا ندري رواتها.
أذناً لا سلف للشيخ عبد الرحمن في هذا الفهم لا من المتأخرين ولا من المتقدمين كما يفرق البعض.
وهذا الإنكار فيه مجازفة لقول تؤاطا على قبوله جمهور أهل العلم من السلف والخلف!!؟

وأما قولك:

إنما أنكر عليه أبو زرعة - ونحوه لابن واره - إدخال الرجال الضعفاء وأهل البدع ، وحصر الأحاديث الصحيحة في هذا المصنَّف .
ولو أُنكر عليه وجود بعض الإشارات إلى العلل - ولم يُنكر ذلك ؛ لاحتماله - ، لكان لِمَا قلتَهُ وجه .
.
بل الواجب من الخبير بالعلل (ابو زرعة) أن يُنكر هذه العلل الدقيقة قبل إنكاره إدخال الضعفاء وأهل البدع, فهو العالم بالعلل ولا تخفى عليه إن وجدت حقاً !!

فإن قلنا بإحتمال إنكار أبو زرعة على مسلم وجود هذه العلل مع تسميته لمسنده بالصحيح, لكان الواجب أن يبين له مسلم رحمه الله معتذراً بقول القائل بأنه منهج يسير عليه في بيان دقائق العلل كما أعتذر رحمه الله لأبن وارة في إدخاله الضعفاء وأهل البدع !؟

فكيف يُنكر أبو زرعة ما يُتعذر منه ولا يُنكر مالا تستقيم معه التسمية بالصحيح !؟

فإن قلنا قد خفي على أبو زرعة رحمه الله هذه الدقائق في كتاب يشتمل على الألاف من الأحاديث, وجب علينا القول بأن المعاصر أدرك ما خفي على المتقدمين من علماء العلل المبرزين فيها وهذا لا يقوله عاقل فضلاً عن طالب علم فضلاً عن عالم.

وقولك عفا الله عني وعنك:

قد حبّذتُ لك - أخي - أن ترجع إلى الصحيح ، ولعلك لم تفعل ، أو فعلت ونقلت من حفظك ؛ فوهمت .

نعم قد وهمت ومن يوهم أذا العبد الفقير ابن عقيل لم يوهم , وحسبي أنني أوصلت ما أردت أيصاله لمن فهم مني.
بل قد زدتني يقين جزاك الله خيراً على أن علي بن مسهر قد حفظ ما لم يحفظ غيره ,
وذلك لأن من منهج مسلم إيراد حجته أولاً ثم يتبعه بما يشهد له تارة بما يوازي الحديث الأول وتارة بأقل منه في الدرجة والأصل الصحة في الجميع.

وأخيراً وليس أخراً وأعتذر إن أثقلت عليك
قولك:

والبخاري يشير إلى العلل في صحيحه وينص عليها ، ولم يسمِّه بمثل ما ذكرت .
على أني ذكرتُ أنه يبيّن قصدَ مسلم : " منهجُهُ - الذي تبيَّن في بعض هذا الموضوع - في التعامل مع الزيادات المشابهة ( من حيث تحقّق أسباب الرد مع عدم المنافاة ) " ،
وأن في مقدمة مسلم إشارةً إلى ذلك ، وذكر النووي شيئًا منه .
.
نعم إن صرح صاحب الصحيح ونص على علة قبلنا قول من يقول بأنه منهج للمصنف, وأما التعلق بعبارة وردت في مقدمة مسلم رحمه الله قوله: (وسنزيد إن شاء الله تعالى شرحاً وإيضاحاً في مواضع من الكتاب عند ذكر الأخبار المعللة, إذا أتينا عليها....)
فهل ما تسميه (إشارة) يا محمد يصح أن نسميه شرحاً أو أيضاحاً !!
وهلا تدبرت قول مسلم رحمه الله (إذا أتينا عليها)!؟
وقد ذكر الحاكم والبيهقي وجمع من أهل العلم أن المنية اخترمت الإمام مسلم قبل إخراج القسم الثاني وهو ما رواه المستورون.

فهل يسمى بعذ هذا قول مسلم رحمه الله بأنه تصريح أو نص على العلل المزعومة!؟


وأتفق معك في قولك:


وعلى أنه لو سلمنا بأن مسلمًا صحح الزيادة ؛ فإن هذا لا يُسقط أحكام الأئمة الآخرين عليها ، وإن أسقطها ؛ فإن هذا لا يسقط الأمثلة الأخرى .
والله أعلم

لا شك بأن العلل لا تخلو من كتاب خلا كتاب الله جل وعلا
ولكن من الظلم والتجني نسبة العلل لصاحب كتاب يشترط على نفسه الصحة وبدون أن يصرح أو ينص على هذه العلل المزعومة.

وأما بحثك في زيادة الثقة وموجب ردها وفقك الله للوصول الى الحق فيه
فمشكلتك التي لمستها بأنك تبني على أسس معاصرة مخالفة لما أستقر عند جهابذة علم الحديث من أمثال الذهبي وابن القيم وابن حجر وكفى بهذه الأسماء مثلاً , والله المستعان

محمد بن عبدالله
2007-08-07, 06:20 PM
وعليك السلام ورحمة الله.
وفقك الله.

إن كان في جعبتك اعتراضات علمية تنقض ما في هذا الموضوع، فأتحفنا بها نستفد، أما مجرد حكاية أنك مقلد لبعض الأئمة من المتأخرين، فليس ذلك بشيء.

وأنا لم أقتصر في هذه الأمثلة على إعلالات المتقدمين وأقوالهم، بل في ثناياها كلام لبعض أجلة الأئمة المتأخرين ممن سار على نهج المتقدمين وسلك مسلكهم وطرق طريقتهم، ولم يتأثر بما أدخله الفقهاء والأصوليون في علوم الحديث ومناهج النقد - كما تأثر كثير من المتأخرين -.

والأمثلة واضحة غاية، لا تحتاج إلى كثير تأمل لفهم طريقة الأئمة في إعلال زيادات الثقات، ولبيان بطلان اشتراط المنافاة، وأنه لم يكن يخطر للأئمة ببال.

ولم آتِ ببدعٍ من القول في استنتاجي من هذه الأمثلة، فقد سبقني إليها بعض علماء الحديث المتأخرين والمعاصرين، وسآتي إلى شيء من ذلك - بعون الله -.

والله الموفق.

المثـال التاسع:
أخرج أبو داود الطيالسي (ص163، 177) - ومن طريقه البيهقي (4/239) وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3357) - وأحمد (4/18، 215) والنسائي في الكبرى (3315، 6710) وابن قانع في معجم الصحابة (1/285) والطبراني في الكبير (6197) وابن عدي في الكامل (5/235) وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3356) من طريق شعبة،
وعبد الرزاق (7587) - ومن طريقه الطبراني في الكبير (6193) - وابن أبي شيبة (9797) وأحمد (4/17) والترمذي (695) من طريق سفيان الثوري،
وابن أبي شيبة (9796) - وعنه ابن ماجه (1699) - وابن خزيمة (2067) من طريق محمد بن فضيل،
وأحمد (4/18، 214) والترمذي (695) من طريق أبي معاوية،
والدارمي (1701) من طريق ثابت بن يزيد،
وأبو داود (2355) والحاكم (1575) والبيهقي (4/238) من طريق عبد الواحد بن زياد،
والفريابي في الصيام (67) من طريق مروان بن معاوية الفزاري،
والنسائي في الكبرى (3319) والطبري في المنتخب من ذيل المذيل (ص66) ابن خزيمة (2067) والطبراني في الكبير (6196) من طريق حماد بن زيد،
والنسائي في الكبرى (3325، 6709) من طريق هشام بن حسان،
وابن ماجه (1699) من طريق عبد الرحيم بن سليمان،
والبغوي في الجعديات (2153) من طريق شريك،
والطبراني في الكبير (6195) والبيهقي في فضائل الأوقات (141) من طريق عبد العزيز بن المختار،
والبيهقي في معرفة السنن والآثار (6/288) من طريق حفص بن غياث،

وأخرج الشافعي في رواية حرملة - كما في معرفة السنن للبيهقي (6/287) -، والحميدي (823) - ومن طريقه الطبراني في الكبير (6194) -، وأحمد (4/17، 214)، والترمذي (658، 695) - ومن طريقه البغوي في شرح السنة (1684) - والفريابي في الصيام (65) والنسائي في الكبرى (3320، 6707) عن قتيبة، والفريابي في الصيام (66) عن أبي قدامة، وابن خزيمة (2067) عن عبد الجبار بن العلاء، والبغوي في الجعديات (2153) - ومن طريقه البغوي في شرح السنة (1743) - والبيهقي في معرفة السنن والآثار (6/288) من طريق علي بن الجعد، سبعتهم عن سفيان بن عيينة،

كلهم - أربعة عشر راويًا - عن عاصم الأحول، عن حفصة بنت سيرين، عن الرباب، عن سلمان بن عامر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور"، هذا لفظ الثوري، وقد قصّر شعبة في أكثر الروايات عنه بذكر الرباب، وذكرها عنه أبو داود الطيالسي.

إلا أن سفيان بن عيينة زاد في روايته، قال: "فليفطر على تمر؛ فإنه بركة"، ذكرها كل الرواة عنه عدا أحمد بن حنبل وعلي بن الجعد - على احتمال في رواية الأخير -.

قال النسائي عقب رواية سفيان: "هذا الحرف: ( فإنه بركة ) لا نعلم أن أحدًا ذكره غير ابن عيينة، ولا أحسبه محفوظًا".

حال الزيادة:
قوله: ( فإنه بركة ) ليس بمنافٍ للحديث - كما هو ظاهر -، بل هو زيادة تعليلية في التمر.

النتيجة:
بيّن النسائي أن سفيان بن عيينة - وهو الحافظ الإمام - تفرد بهذه الزيادة، وأشار إلى أنها غير محفوظة، مع أنها لا تنافي الحديث.
وهذا دليلٌ على أنه لا يشترط لرد زيادة الثقة: منافاتها لمعنى أصل الحديث، ولو كان يشترط ذلك؛ ما ردّ هذه الزيادة مع أنها مجرد تعليل للأمر بالإفطار على التمر، ولَقَال: سفيان بن عيينة حافظ إمام، وهذه الزيادة غير منافية؛ فهي مقبولة!



المثـال العاشر:
سئل الدارقطني - كما في العلل (2/159) - عن حديث سعيد بن المسيب عن عمر في تكبيرات الجنازة قال: "كل ذلك قد كان، أربع وخمس، فأمر الناس بأربع".
فقال: رواه شعبة عن عمرو بن مرة عن سعيد، حدث به النضر بن محمد عنه، ولفظه عمر: ( "كبرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم أربعًا وخمسًا"، فأمر عمر بأربع يعني تكبير العيد والجنائز )، تفرد بهذا اللفظ النضر بن محمد عن شعبة، وبقوله: "يعني العيدين والجنائز"، وذِكْرُ العيدين وهمٌ فيه، ورواه غندر وأبو النضر ويحيى القطان وعلي بن الجعد عن شعبة بهذا الإسناد، ولفظه ما ذكرناه أولاً، ولم يذكروا تكبير العيد، وهو الصواب.

حال الزيادة:
لا ينافي ذكر العيدين ما ذُكر في الحديث أولاً، وهو صلاة الجنازة.

النتيجة:
خطّأ الدارقطني النضر بن محمد الجرشي - وهو من الثقات - في زيادته هذه، مع أنها غير منافية لمعنى أصل الحديث، وهذا دليلٌ على عدم اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات.

يتبع - بعون الله -.

عدنان البخاري
2007-08-08, 12:38 PM
/// أخانا الكريم الفاضل محمَّد بن عبدالله.. وفَّقه الله ونفع به
/// موضوع نافعٌ قيِّمٌ، بارك الله في جهودك ونفع بما تكتب، واصل وصلك الله بكرمه.

وليد الدلبحي
2007-08-08, 01:53 PM
بارك الله فيك يا شيخ محمد، ولا حرمك الله الأجر، واصل وصلك الله بطاعته، فلا تحرمنا من هذه الدرر البهية.

محمد بن عبدالله
2007-08-11, 06:06 AM
الشيخ الكريم عدنان: أحسن الله إليك، وجزاك خيرًا.
الأخ الشيخ وليدًا: وفيك بارك الله، وفقك الله وسددك ونفع بك.


أمثلة إضافية أنقلها كما هي دون تعليق، وتصرفات الأئمة فيها في غاية الوضوح والدلالة على المقصود لمن تأمل منخلعًا من ربقة التعصب والتقليد، والله الهادي:

1- قال أبو داود (1616): «حدثنا عبد الله بن مسلمة، ثنا داود - يعني: ابن قيس -، عن عياض بن عبد الله، عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر عن كل صغير وكبير حر أو مملوك صاعًا من طعام، أوصاعًا من أقط، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من زبيب، فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجًّا أو معتمرًا، فكلم الناس على المنبر، فكان فيما كلم به الناس أن قال: إني أرى أن مُدَّين من سمراء الشام تعدل صاعًا من تمر، فأخذ الناس بذلك. فقال أبو سعيد: فأما أنا فلا أزال أخرجه أبدًا ما عشت».
قال أبو داود: «رواه ابن علية وعبدة بن سليمان وغيرهما عن ابن إسحاق عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام عن عياض عن أبي سعيد بمعناه، وذكر رجل واحد فيه عن ابن علية: " أو صاعًا من حنطة "، وليس بمحفوظ:
حدثنا مسدد أخبرنا إسماعيل، ليس فيه ذكر الحنطة».

وقال ابن خزيمة (2419): «حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، حدثنا ابن علية، عن محمد بن إسحاق، حدثني عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام، عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح، قال: قال أبو سعيد - وذكروا عنده صدقة رمضان - فقال: لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صاع تمر أو صاع حنطة أو صاع شعير أو صاع أقط. فقال له رجل من القوم: لو مُدَّين من قمح؟ فقال: لا، تلك قيمة معاوية، لا أقبلها ولا أعمل بها».
قال أبو بكر: «ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد غير محفوظ، ولا أدري ممن الوهم».

2- قال أبو داود (1701): «حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن سويد بن غفلة، قال: غزوت مع زيد بن صوحان وسلمان بن ربيعة فوجدت سوطًا، فقالا لي: اطرحه، فقلت: لا، ولكن إن وجدت صاحبه وإلا استمتعت به، قال: فحججت، فمررت على المدينة، فسألت أبي بن كعب، فقال: وجدت صرة فيها مائة دينار، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: " عرفها حولاً "، فعرفتها حولاً، ثم أتيته، فقال: " عرفها حولاً "، فعرفتها حولاً، ثم أتيته، فقال: " عرفها حولاً "، فعرفتها حولاً، ثم أتيته، فقلت: لم أجد من يعرفها، فقال: " احفظ عددها ووعاءها ووكاءها، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها "، وقال: ولا أدري أثلاثاً قال: " عرفها "، أو مرة واحدة؟
حدثنا مسدد، ثنا يحيى، عن شعبة، بمعناه قال: " عرفها حولاً "، وقال: ثلاث مرار، قال: فلا أدري قال له ذلك في سنة أو في ثلاث سنين.
حدثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، ثنا سلمة بن كهيل، بإسناده ومعناه، قال في التعريف قال: " عامين أو ثلاثة "، وقال: " اعرف عددها ووعاءها ووكاءها "، زاد: " فإن جاء صاحبها فعرف عددها ووكاءها فادفعها إليه "».
قال أبو داود: «ليس يقول هذه الكلمة إلا حماد في هذا الحديث، يعني: " فعرف عددها ".
حدثنا قتيبة بن سعيد، ثنا إسماعيل بن جعفر، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن يزيد مولى المنبعث، عن زيد بن خالد الجهني، أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن اللقطة، قال: " عرفها سنة، ثم اعرف وكاءها وعفاصها، ثم استنفق بها، فإن جاء ربها فأدها إليه "، فقال: يا رسول الله، فضالة الغنم؟ فقال: " خذها، فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب "، قال: يا رسول الله، فضالة الإبل؟ فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى احمرت وجنتاه، أو احمر وجهه، وقال: " ما لك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها حتى يأتيها ربها "».
إلى أن قال (1708): «حدثنا موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد وربيعة، بإسناد قتيبة ومعناه، وزاد فيه: " فإن جاء باغيها فعرف عفاصها وعددها؛ فادفعها إليه "، وقال حماد أيضًا عن عبيد الله بن عمر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله».
قال أبو داود: «وهذه الزيادة التي زاد حماد بن سلمة في حديث سلمة بن كهيل ويحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر وربيعة: " إن جاء صاحبها فعرف عفاصها ووكاءها فادفعها إليه "، ليست بمحفوظة: " فعرف عفاصها ووكاءها "».

3- قال النسائي في سننه الصغرى (5/130): «أخبرنا نوح بن حبيب القومسي، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا ابن جريج، قال: قال: حدثني عطاء، عن صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه، أنه قال: ليتني أرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ينزل عليه، فبينا نحن بالجعرانة والنبي - صلى الله عليه وسلم - في قبة، فأتاه الوحي، فأشار إليَّ عمر أن تعال، فأدخلت رأسي القبة، فأتاه رجل قد أحرم في جبة بعمرة متضمخ بطيب، فقال: يا رسول الله، ما تقول في رجل قد أحرم في جبة؟ إذ أنزل عليه الوحي، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يغط لذلك، فسري عنه، فقال: " أين الرجل الذي سألني آنفًا؟ "، فأتي بالرجل، فقال: " أما الجبة فاخلعها، وأما الطيب فاغسله، ثم أحدِثْ إحراماً "».
قال أبو عبد الرحمن: «" ثم أحدِثْ إحرامًا " ما أعلم أحدًا قاله غير نوح بن حبيب، ولا أحسبه محفوظًا».

4- وقال النسائي في سننه الكبرى (3300): «أنبأ محمد بن منصور، قال: حدثنا سفيان، عن طلحة بن يحيى، عن عمته عائشة بنت طلحة، عن عائشة قالت: دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلنا: إن عندنا حيسًا قد خبأناه لك. قال: " قربوه "، فأكل، وقال: " إني قد كنت أردت الصوم، ولكن أصوم يومًا مكانه "».
قال أبو عبد الرحمن: «هذا خطأ، قد روى هذا الحديث جماعة عن طلحة، فلم يذكر أحد منهم: " ولكن أصوم يومًا مكانه "».

وقد حمّل الدارقطنيُّ الخطأ فيه راويًا آخر عن سفيان، قال في سننه (2/177): «حدثنا الحسين بن إسماعيل، ثنا محمد بن عمرو بن العباس الباهلي، ثنا سفيان بن عيينة، حدثنيه طلحة بن يحيى، عن عمته عائشة، عن عائشة أم المؤمنين قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " إني أريد الصوم "، وأهدي له حيس، فقال: " إني آكل وأصوم يومًا مكانه ".
لم يروه بهذا اللفظ عن ابن عيينة غير الباهلي، ولم يتابع على قوله: " وأصوم يومًا مكانه "، ولعله شُبّه عليه - والله أعلم -؛ لكثرة من خالفه عن ابن عيينة».

وردَّه البيهقي، قال في سننه (4/275): «وليس كذلك، فقد حدث به ابن عيينة في آخر عمره، وهو عند أهل العلم بالحديث غير محفوظ».
ثم أسند عن الشافعي قوله: «سمعت سفيان عامة مجالسه لا يذكر فيه: " سأصوم يومًا مكانه "، ثم عرضته عليه قبل أن يموت بسنة، فأجاب فيه: " سأصوم يومًا مكانه "».
ثم قال البيهقي: «وروايته عامة دهره لهذا الحديث لا يذكر فيه هذا اللفظ، مع رواية الجماعة عن طلحة بن يحيى لا يذكره منهم أحد، منهم: سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج وعبد الواحد بن زياد ووكيع بن الجراح ويحيى بن سعيد القطان ويعلى بن عبيد وغيرهم= تدل على خطأ هذه اللفظة».

5- قال الدارقطني في السنن (2/22): «حدثنا إسماعيل بن العباس الوراق، حدثنا محمد بن حسان الأزرق، ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن أبي أيوب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " الوتر حق واجب، فمن شاء أوتر بثلاث فليوتر، ومن شاء أن يوتر بواحدة فليوتر بواحدة ".
قوله: " واجب " ليس بمحفوظ، لا أعلم تابع ابن حسان عليه أحد».

6- قال الدارقطني في السنن (3/49): «ثنا محمد بن سهل بن الفضيل الكاتب، نا علي بن زيد الفرائضي، نا الربيع بن نافع، نا معاوية بن سلام، عن يحيى بن أبي كثير، أخبرني عبد الله بن يزيد، أن أبا عياش أخبره أنه سمع سعد بن أبي وقاص يقول: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الرطب بالتمر نسيئة.
تابعه حرب بن شداد عن يحيى، وخالفه مالك وإسماعيل بن أمية والضحاك بن عثمان وأسامة بن زيد= رووه عن عبد الله بن يزيد ولم يقولوا فيه: " نسيئة "، واجتماع هؤلاء الأربعة على خلاف ما رواه يحيى يدل على ضبطهم للحديث، وفيهم إمام حافظ وهو مالك بن أنس».

7- أخرج البيهقي في الكبرى (4/227) من طريق محمد بن المسيب الأرغياني، ثنا محمد بن عقبة، حدثني أبي،
قال ابن المسيب: وحدثني عبد السلام - يعني: ابن عبد الحميد -، أنبأ عمر والوليد،
قالوا: أنبأ الأوزاعي، حدثني الزهري، ثنا حميد بن عبد الرحمن بن عوف، قال: حدثني أبو هريرة، قال: بينا أنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل، فقال: يا رسول الله، هلكت وأهلكت، قال: ويحك وما شأنك، قال: وقعت على أهلي في رمضان، قال: فأعتق رقبة... وذكر الحديث.
ثم قال البيهقي: «ضعف شيخنا أبو عبد الله الحافظ - رحمه الله - هذه اللفظة: " وأهلكت "، وحملها على أنها أدخلت على محمد بن المسيب الأرغياني، فقد رواه أبو علي الحافظ عن محمد بن المسيب بالإسناد الأول دون هذه اللفظة، ورواه العباس بن الوليد عن عقبة بن علقمة دون هذه اللفظة، ورواه دحيم وغيره عن الوليد بن مسلم دونها، ورواه كافة أصحاب الأوزاعي عن الأوزاعي دونها، ولم يذكرها أحد من أصحاب الزهري عن الزهري، إلا ما روي عن أبي ثور عن معلى بن منصور عن سفيان بن عيينة عن الزهري، وكان شيخنا يستدل على كونها في تلك الرواية أيضًا خطأ بأنه نظر في كتاب الصوم تصنيف المعلى بن منصور بخط مشهور، فوجد فيه هذا الحديث دون هذه اللفظة، وأن كافة أصحاب سفيان رووه عنه دونها».

8- قال ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود (1/295): «أما حديث سلمة، فالصحيح فيه الاقتصار على ذكر الجنابة دون الحيض، وليست لفظة الحيضة فيه محفوظة، فإن هذا الحديث رواه أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه وعمرو الناقد وابن أبي عمر، كلهم عن ابن عيينة عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله، إني امرأة أشد ضفر رأسي، فأنقضه لغسل الجنابة؟ فقال: لا. ذكره مسلم عنهم.
وكذلك رواه عمرو الناقد عن يزيد بن هارون عن الثوري عن أيوب بن موسى، ورواه عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن الثوري عن أيوب، وقال: أفأنقضه للحيضة والجنابة؟ قال مسلم: وحدثنيه أحمد الدارمي، أخبرنا زكريا بن عدي، أخبرنا يزيد - يعني: ابن زريع -، عن روح بن القاسم، قال: حدثنا أيوب بهذا الإسناد، وقال: أفأحله وأغسله من الجنابة؟ ولم يذكر الحيضة.
فقد اتفق ابن عيينة وروح بن القاسم عن أيوب فاقتصر على الجنابة،
واختلف فيه عن الثوري، فقال يزيد بن هارون عنه كما قال ابن عيينة وروح، وقال عبد الرزاق عنه: أفأنقضه للحيضة والجنابة؟
ورواية الجماعة أولى بالصواب، فلو أن الثوري لم يختلف عليه لترجحت رواية ابن عيينة وروح، فكيف وقد روى عنه يزيد بن هارون مثل رواية الجماعة؟!
ومن أعطى النظر حقه علم أن هذه اللفظة ليست محفوظة في الحديث».

9- وقال - أي: ابن القيم - في تهذيب السنن (7/19) في التعليق على حديث الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: ( جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أفطر في رمضان...، فأتي بعرق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعًا، وقال فيه: " كله أنت وأهل بيتك، وصم يومًا، واستغفر الله " )، قال - وكلامه نفيسٌ غاية -:
«هذه الزيادة ( وهي الأمر بالصوم ) قد طعن فيها غير واحد من الحفاظ، قال عبد الحق: وطريق حديث مسلم أصح وأشهر، وليس فيها: " صم يومًا "، ولا تكميله [كذا] التمر، ولا الاستغفار، وإنما يصح حديث القضاء مرسلاً، وكذلك ذكره مالك في الموطأ، وهو من مراسيل سعيد بن المسيب، رواه مالك عن عطاء بن عبد الله الخراساني عن سعيد بالقصة، وقال: " كله وصم يومًا مكان ما أصبت ".
والذي أنكره الحفاظ ذكر هذه اللفظة في حديث الزهري، فإن أصحابه الأثبات الثقات؛ كيونس وعقيل ومالك والليث بن سعد وشعيب ومعمر وعبد الرحمن بن خالد= لم يذكر أحد منهم هذه اللفظة، وإنما ذكرها الضعفاء عنه؛ كهشام بن سعد وصالح بن أبي الأخضر وأضرابهما.
وقال الدارقطني: رواتها ثقات، رواه ابن أبي أويس عن الزهري، وتابعه عبد الجبار بن عمر عنه، وتابعه أيضًا هشام بن سعد عنه. قال: وكلهم ثقات.
وهذا لا يفيد صحة هذه اللفظة، فإن هؤلاء إنما هم أربعة، وقد خالفهم من هو أوثق منهم وأكثر عددًا وهم أربعون نفسًا، لم يذكر أحدٌ منهم هذه اللفظة، ولا ريب أن التعليل بدون هذا مؤثر في صحتها، ولو انفرد بهذه اللفظة من هو أحفظ منهم وأوثق، وخالفهم هذا العدد الكثير، لوجب التوقف فيها، وثقة الراوي شرط في صحة الحديث لا موجبة، بل لا بد من انتفاء العلة والشذوذ، وهما غير منتفيين في هذه اللفظة».

10- أخرج البخاري (664) قال: حدثنا عمر بن حفص بن غياث، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، قال الأسود: كنا عند عائشة - رضي الله عنها -، فذكرنا المواظبة على الصلاة، والتعظيم لها، قالت: لما مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرضه الذي مات فيه، فحضرت الصلاة، فأذن، فقال: " مروا أبا بكر فليصل بالناس "، فقيل له: إن أبا بكر رجل أسيف، إذا قام في مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس، وأعاد، فأعادوا له، فأعاد الثالثة، فقال: " إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس "، فخرج أبو بكر، فصلى، فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - من نفسه خفة، فخرج يتهادى بين رجلين، كأني أنظر رجليه تخطان من الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخر، فأومأ إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن مكانك، ثم أتي به حتى جلس إلى جنبه.
قيل للأعمش: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي وأبو بكر يصلي بصلاته والناس يصلون بصلاة أبي بكر؟ فقال برأسه: نعم.
رواه أبو داود عن شعبة عن الأعمش بعضه.
وزاد أبو معاوية: جلس عن يسار أبي بكر، فكان أبو يصلي قائمًا.

قال ابن رجب في الفتح (6/70، 71) معلِّقًا: «وليس في هذه الرواية تعيين الجانب الذي أجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه من أَبي بكر: هل هو جانبه الأيمن أو الأيسر؟ وقد ذكر البخاري أن أبا معاوية زاد في حديثه عن الأعمش: " فجلس عن يسار أبي بكر "، وقد خرج البخاري فيما بعد عن قتيبة، عن أبي معاوية كذلك....
وخرجه مسلم من رواية وكيع وأبي معاوية، كلاهما عن الأعمش، وفي حديث أبي معاوية عنده: فجاء رسول الله حتى جلس عن يسار أبي بكر...
وأما ذكر جلوسه عن يسار أبي بكر، فتفرد بذلك أبو معاوية عن الأعمش، وأبو معاوية وإن كان حافظًا لحديث الأعمش خصوصًا، إلا أن ترك أصحاب الأعمش لهذه اللفظة عنه توقع الريبة فيها، حتى قال الحافظ أبو بكر ابن مفوّز المعافري: إنها غير محفوظة، وحكاه عن غيره من العلماء».

11- قال ابن حجر في الفتح (2/265): «فائدة: وقع في أمالي الجرجاني عن أبي العباس الأصم عن بحر بن نصر عن ابن وهب عن يونس في آخر هذا الحديث: ( وما تأخر )، وهي زيادة شاذة فقد رواه ابن الجارود في المنتقى عن بحر بن نصر بدونها، وكذا رواه مسلم عن حرملة، وابن خزيمة عن يونس بن عبد الأعلى، كلاهما عن ابن وهب، وكذلك في جميع الطرق عن أبي هريرة، إلا أني وجدته في بعض النسخ من ابن ماجه عن هشام بن عمار وأبي بكر بن أبي شيبة، كلاهما عن تبن عيينة بإثباتها، ولا يصح؛ لأن أبا بكر قد رواه في مسنده ومصنفه بدونها، وكذلك حفاظ أصحاب ابن عيينة: الحميدي وابن المديني وغيرهما».

تنبيه: قد يأتي من كلام ابن حجر ما يرد تصرفه المنقول هذا، وذلك شيءٌ مما يُذكر عنه - رحمه الله - أنه قد يوافق الأئمة في التطبيق، إلا أنه قد يخالفهم في التنظير، ونَفَسُهُ في التطبيق أقوى منه في التنظير، وهو يوافق الأئمة في مواضع دون مواضع، والله أعلم.

والأمثلة كثيرة، وإنما أردتُ تسليط الضوء على بُعْد هذا الشرط المشترط غاية البُعد عن منهج أئمة الحديث ونقّاده، الذين منهم يؤخذ هذا العلم، وعلى نهجهم فيه يُسار.
وهذا الشرط أدخله من أدخله في علم الحديث متأثرًا بكلام الأصوليين والفقهاء، وتابعه - إن لم يكن: قلّده! - كثير من المتأخرين والمعاصرين، دون تمحيص ونظر، ويأتي بيان ذلك.

والعجب أنهم مع ذلك يقولون في تعريف الشاذ: ما رواه المقبول مخالفًا لمن هو أقوى منه، ويعلّون بذلك بعض الروايات المرفوعة بالروايات الموقوفة، مع أن الرفع ما هو إلا زيادة ثقة غير منافية للروايات الأخرى - في التجويزات العقلية التي تقابل فهم المعاني في زيادات المتون -!

فيمكن أن يُجَوَّز أن الراوي وقفه مرة ورفعه مرة، فلا تعارض إذن بين رواية الرواة عنه؛ من وقف ومن رفع!
ثم رأيت الشيخ أبا الحسن مصطفى بن إسماعيل وافق ذلك في إتحاف النبيل (2/184، 185).

وهذا كله لا يجري على قواعد الأئمة الكبار، فإنهم لا يشترطون التنافي لرد زيادة الثقة - كما ظهر جليًّا واضحًا -.

بل هاهنا أمرٌ محتملٌ - في نظري، وإن كنت مخطئًا فَلَنَبّهني الإخوة -، هو أن اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات في المتون= لغوٌ ليس خلفه كبير أثر!
وذلك من وجهين:
أحدهما: أن وقوع ذلك قليل أو نادر، ولا أدري هل له مثال واقعي في حديثٍ ما أم لا!
ووافق الشيخ مصطفى بن إسماعيل ذلك فيما رأيتُهُ بعدُ في إتحاف النبيل (1/229، 230).

ثانيهما: أنهم يقولون: لا نلجأ إلى الترجيح إلا عند التضارب والتنافي بين الزيادة وأصل الحديث معنىً، وأما عند عدم التنافي فالزيادة مقبولة.
وهذا كلام لا حاجة لذكره، وشرطٌ لا حاجة لاشتراطه، فإن الترجيح لازمٌ - ولا بد - عند وقوع التنافي في متن حديثٍ واحد، فلا يمكن أصلاً أن تقبل زيادة منافية لأصل الحديث! فإن ذلك من نسبة التضارب والتناقض إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو عنه منزَّه.
فما دام التنافي واقعًا، فلا محيص عن الترجيح: إما أصل الحديث، وإما الزيادة.

وهذا يبين متانة علم الأئمة المتقدمين وقوة نظرهم ودقيق فحصهم، فإنهم لم يشترطوا هذا الشرط الذي لا تقوم قائمته عند النظر الصحيح.

يتبع - بحول الله -: بيان نسبة عدم اشتراط المنافاة إلى أكثر المحدثين عامة، وإلى بعضهم خاصة.

ابن عقيل
2007-08-11, 09:45 PM
الأخ محمد بن عبد الله هدانا الله وإياه لما يحب سبحانه ويرضى

لا تضجر يا أخي من مراجعة أخيك , فلعلك تفيده إذا لم يكن كلامه لك نافعاً , وهذا المجلس أسمه المجلس العلمي وفقك الله وليسوا كل من فيه ائمة من أصحاب الإجتهاد المطلق , وما صاحبكم إلا متعلم يروم الفائدة لنفسه والخير لإخوانه.

وأنا أعترضت عليك عندما تبنيت وجه نظر المليباري نحو صحيح مسلم ولم أتطرق لأصل الموضوع.

والأن سأتطرق لأصل الموضوع إن شئت وفقك الله:
إن كنت تريد أن تثبت قولك بـ(عدم اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات) يجب عليك إيراد نصوص للائمة بهذا الشأن وليس مجرد أمثلة وصلت الأن ل21 مثال .

فلو قارنت النسبة بين ما تجمعه من أمثلة مع عدد الأحاديث المنافية لقولك لعلمت صدق قولي.

وتعلم وفقك الله ولا يخفى عليك بأن ائمة الحديث في السابق واللاحق وإن قعّدوا القواعد وأصّلوا المسائل ولكنهم لا يطردونها في كل رواية وفي كل راوي.

فالمنافاة من أقوى العلل عند وجود الزيادات ولكن الائمة لا يهملون القرائن الأخرى ويضعونها في الإعتبار وهذا حال كل إمام في السابق واللاحق.

ولكن الفرق بارك الله فيك أن المتأخرين أحتاجوا لوضع منهاج تُدرس لطلبتهم وهي أصول ولها أستثناءت.

فالمتقدمين في التفسير أو في الفقه أو في القراءات لم يكونوا في حاجة لتدوين هذه العلوم ولكنها تؤخذ جملة في طلبهم كلاٌ حسب العلم الذي يتعلمه وهذا هو الفرق , وكذلك المصطلح فلم يكن هناك مقرر أسمه المصطلح يأخذه الطالب عن شيخه ولكنه ولسعة حافظتهم يستطيعوا لحكم على الزيادة بإستحضار الروايات في زمن معين فيحكم عليها بالقَبول أو الرد إن وجد ما يعارضها سواء بالمنافة أو بغيرها.

فالفرق في الألية بين المتقدمين والمتأخرين وهذا في كل علم وليس في المصطلح فقط

فلا شك بأن المنافاة أصل معتبر في رد زيادة الثقة ولكنها ليست شرط لا يتجاوز سواء عند المتقدمين أو المتأخرين كما أن زيادة الثقة ليست مقبولة دائماً ولو أوهمت القواعد عند البعض ذلك. والله أعلم

عبد الباسط بن يوسف الغريب
2007-08-11, 11:10 PM
جزاك الله خيرا وبارك فيك
بالنسبة للمثال الثالث
قرر ابن رجب رحمه الله في كتابه فتح الباري (1|306) ما ذكرته في بحثك هذا
فقال عن زيادة :توضئي لكل صلاة
:" والصواب أن هذا من قول عروة كذلك خرجه البخاري في كتاب الوضوء عن محمد بن سلام عن أبي معاوية عن هشام فذكر الحديث وقال في آخره قال : وقال أبي : ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت .
وكذلك رواه يعقوب الدورقي عن أبي معاوية وفي حديثه :" فإذا أدبرت فاغسلي الدم ثم اغتسلي " قال هشام : قال أبي : ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت .
وخرجه إسحق بن راهويه عن أبي معاوية وقال في حديثه قال : قال هشام قال أبي : وتوضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت .
وكذلك روى الحديث عيسى بن يونس عن هشام وقال في آخر الحديث وقال هشام : تتوضأ لكل صلاة .
ثم نقل قول الدارقطني الذي قدمته في بحثك ثم قال : والصواب أن لفظة الوضوء مدرجة في الحديث من قول عروة .

محمد بن عبدالله
2007-08-15, 11:48 PM
بارك الله فيكم.
الشيخ عبد الباسط: نفع الله بك وجزاك خيرًا، وابن رجب - رحمه الله - أحد من حرر منهج المتقدمين في مسائل شتى، وسار على طريقتهم، وانتقد دخول مناهج الأصوليين والفقهاء في نقد الحديث.


اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات في المتون= لغوٌ ليس خلفه كبير أثر!
وذلك من وجهين:
أحدهما: أن وقوع ذلك قليل أو نادر، ولا أدري هل له مثال واقعي في حديثٍ ما أم لا!
ووافق الشيخ مصطفى بن إسماعيل ذلك فيما رأيتُهُ بعدُ في إتحاف النبيل (1/229، 230).
ومن لازم هذا أن يكون اشتراط المنافاة عودةً بالحكم على زيادة الثقة إلى القبول المطلق، إذ إن الزيادات المنافية قليلة جدًّا أو نادرة، وسائر الزيادات مقبولة لعدم المنافاة! فعادت الزيادة مقبولة مطلقًا؛ عدا مواضع نادرة لم يوقَف على شيء منها!



بيان نسبة عدم اشتراط المنافاة إلى أكثر المحدثين عامة، وإلى بعضهم خاصة:
أخرج مسلم في صحيحه (465) قال: حدثني محمد بن عباد، حدثنا سفيان، عن عمرو، عن جابر، قال: كان معاذ يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يأتي فيؤم قومه، فصلى ليلة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء، ثم أتى قومه فأمهم، فافتتح بسورة البقرة، فانحرف رجل، فسلّم، ثم صلى وحده وانصرف، فقالوا له: أنافقت يا فلان؟ قال: لا والله، ولآتين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلأخبرنه. فأتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إنا أصحاب نواضح، نعمل بالنهار، وإن معاذًا صلى معك العشاء، ثم أتى فافتتح بسورة البقرة. فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على معاذ، فقال: " يا معاذ، أفتان أنت؟ اقرأ بكذا واقرأ بكذا "...
وأخرجه البيهقي (3/85) من طريق محمد بن عباد، ثم قال: «لم يقل أحد في هذا الحديث: " وسلم " إلا محمد بن عباد...».
قال النووي في المجموع (4/246): «... وقد أشار البيهقي إلى الجواب عن هذا الإشكال، فقال: لا أدري هل حُفظت هذه الزيادة التي في مسلم؛ لكثرة من روى هذا الحديث عن سفيان دون هذه الزيادة، وإنما انفرد بها محمد بن عباد عن سفيان.
وهذا الجواب فيه نظر، لأنه قد تقرر وعُلم أن المذهب الصحيح الذي عليه الجمهور من أصحاب الحديث والفقه والأصول: قبول زيادة الثقة،
لكن يعتضد قولُ البيهقي بما قررناه في علوم الحديث أن أكثر المحدثين يجعلون مثل هذه الزيادة شاذًّا ضعيفًا مردودًا، فالشاذ عندهم أن يرووا ما لا يرويه سائر الثقات، سواء خالفهم أم لا. ومذهب الشافعي وطائفة من علماء الحجاز: أن الشاذ ما يخالف الثقات، أما ما لا يخالفهم فليس بشاذ، بل يحتج به، وهذا هو الصحيح وقول المحققين».

فقد أبان النووي - رحمه الله - أن مذهب أكثر المحدثين: الحكم بشذوذ اللفظة التي زادها ثقة من بين ثقات، بغضِّ النظر عن كونها موافقة لما رواه أولئك الثقات أو مخالفة.
وهذا هو ذاتُهُ: عدم اشتراط المنافاة في ردِّ زيادات الثقات.

وإن كان النووي قد اختار مع ذلك خلاف هذا المذهب، ونسبه إلى جمهور المحدثين والفقهاء والأصوليين، وهذا يبيِّن أن اشتراط المنافاة إنما كان مذهبًا للفقهاء والأصوليين، ووافقهم عليه من وافقهم من أهل الحديث، فاشترطه كذلك. وأما أكثر المحدثين، وهم عامة المتقدمين النقاد؛ فإنهم لا ينظرون إلى المنافاة، وهذا موافق لما بينته الأمثلة التي سُردت في هذا الموضوع. والحمد لله على توفيقه.

وقد بيّن الإمام ابن رجب أن الإمام أحمد بن حنبل لم يشترط المنافاة والمخالفة في رد زيادة الثقة، ونفى نسبة اشتراط المنافاة إلى الشافعي، قال في شرح العلل (2/632-637) - وأنقل كلامه بطوله، فإنه نفيس ومهم -:
«وقال أحمد أيضًا في حديث ابن فضيل عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي عطية عن عائشة في تلبية النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكر فيها: " والملك لك، لا شريك لك " = قال أحمد: " وهم ابن فضيل في هذه الزيادة، ولا تعرف هذه عن عائشة، إنما تعرف عن ابن عمر "، وذكر أن أبا معاوية روى الحديث عن الأعمش بدونها، وخرجه البخاري بدونها أيضاً من طريق الثوري عن الأعمش، وقال: " تابعه أبو معاوية ". قال الخلال: " أبو عبد الله لا يعبأ بمن خالف أبا معاوية في الأعمش، إلا أن يكون الثوري "، وذكر أن هذه الزيادة رواها ابن نمير وغيره أيضًا عن الأعمش.
وكذلك قال أحمد في رواية الميموني: " حديث أبي هريرة في الاستسعاء يرويه ابن أبي عروبة، وأما شعبة وهمام فلم يذكراه، ولا أذهب إلى الاستسعاء ".
فالذي يدل عليه كلام الإمام أحمد في هذا الباب: أن زيادة الثقة للفظةٍ في حديثٍ من بين الثقات إن لم يكن مبرزًا في الحفظ والتثبت على غيره ممن لم يذكر الزيادة ولم يتابع عليها= فلا يقبل تفرده، وإن كان ثقة مبرزًا في الحفظ على من لم يذكرها، ففيه عنه روايتان، لأنه قال مرة في زيادة مالك: " من المسلمين ": " كنت أتهيبه، حتى وجدته من حديث العمريين "، وقال مرة: " إذا انفرد مالك بحديث هو ثقة، وما قال أحد بالرأي أثبت منه "، وقال في حديث أيوب عن نافع عن ابن عمر المرفوع: " من حلف فقال: إن شاء الله، فلا حنث عليه " =: " خالفه الناس: عبيد الله وغيره فوقفوه ".
وأما أصحابنا الفقهاء فذكروا في كتب أصول الفقه في هذه المسألة روايتين عن أحمد: بالقبول مطلقًا، وعدمه مطلقًا، ولم يذكروا نصًّا له بالقبول مطلقًا، مع أنهم رجحوا هذا القول، ولم يذكروا به نصًّا عن أحمد، وإنما اعتمدوا على كلام له لا يدل على ذلك، مثل قوله في فوات الحج جاء فيه روايتان إحداهما فيه زيادة دم، قال: " والزائد أولى أن يؤخذ به ".
وهذا ليس مما نحن فيه فإن مراده أن الصحابة روي عن بعضهم فيمن يفوته الحج أن عليه القضاء، وعن بعضهم: عليه القضاء مع الدم، فأخذ بقول من زاد الدم. فإذا روي حديثان مستقلان في حادثة في أحدهما زيادة، فإنها تقبل من الثقة، كما لو انفرد الثقة بأصل الحديث. وليس هذا من باب زيادة الثقة، ولا سيما إذا كان الحديثان موقوفين عن صحابيين، وإنما قد يكون أحيانًا من باب المطلق والمقيد.
وأما مسألة زيادة الثقة التي نتكلم فيها هاهنا فصورتها أن يروي جماعة حديثًا واحدًا بإسناد واحد ومتن واحد، فيزيد بعض الرواة فيه زيادة لم يذكرها بقية الرواة.
ومن الأصحاب من قال في هذه المسألة:
- إن تعدد المجلس الذي نقل فيه الحديث قُبلت الزيادة، وإن كان المجلس واحدًا وكان الذي ترك الزيادة جماعة لا يجوز عليهم الوهم لم تقبل الزيادة،
- وإن كان ناقل الزيادة جماعة كثيرة قبلت، وإن كان راوي الزيادة واحدًا والنقصان واحدًا قدم أشهرهما وأوثقهما في الحفظ والضبط،
- قالوا: وإن خالفت الزيادة ظاهر المزيد عليه لم تقبل، وحملوا كلام أحمد في حديث السعاية على ذلك،
وليس في كلام أحمد تعرض لشيء من هذا التفصيل، وإنما يدل كلامه على ما ذكرناه أولاً...»،

إلى أن قال ابن رجب:
«وحكى أصحابنا الفقهاء عن أكثر الفقهاء والمتكلمين قبول الزيادة إذا كانت من ثقة ولم تخالف المزيد، وهو قول الشافعي، وعن أبي حنيفة أنها لا تقبل، وعن أصحاب مالك في ذلك وجهين. وفي حكاية ذلك عن الشافعي نظر، فإنه قال في الشاذ: هو أن يروي ما يخالف الثقات، وهذا يدل على أن الثقة إذا انفرد عن الثقات بشيء أنه يكون ما انفرد به عنهم شاذًّا غير مقبول، والله أعلم».

وقال ابن خزيمة - كما في القراءة خلف الإمام للبيهقي (ص138) والنكت لابن حجر (2/688، 689) -: «لسنا ندفع أن تكون الزيادة في الأخبار مقبولة من الحفاظ، ولكن إنما نقول: إذا تكافأت الرواة في الحفظ والإتقان والمعرفة بالأخبار، فزاد حافظ متقن عالم بالأخبار كلمةً؛ قبلت زيادته، لا أن الأخبار إذا تواردت بنقل أهل العدالة والحفظ والإتقان بخبر، فزاد راوٍ ليس مثلهم في الحفظ والإتقان زيادةً؛ أن تلك الزيادة تكون مقبولة»، ولفظ العبارة الأخيرة في النكت: «فإذا تواردت الأخبار، فزاد وليس مثلهم في الحفظ زيادة؛ لم تكن تلك الزيادة مقبولة».

فنفى ابن خزيمة قبول زيادة الثقة إذا لم يزدها غيره من الثقات ممن هو أوثق منه وأحفظ، ولم ينظر في قضية المنافاة، ولم يتطرق إلى اشتراطها في رد الزيادة. وانظر كلام البيهقي بعقب نقل كلامه.

وسئل الدارقطني - كما في سؤالات السلمي (ص360) - عن الحديث إذا اختلف فيه الثقات، مثل أن يروي الثوري حديثًا، ويخالفه فيه مالك، والطريق إلى كل واحد منهما صحيح؟
قال: «يُنظر ما اجتمع عليه ثقتان يُحكم بصحته، أو جاء بلفظة زائدة تثبت، تقبل تلك الزيادة من متقن، ويحكم لأكثرهم حفظًا وثبتًا على من دونه».

فذكر في كلامه قبولَ الزيادة بالنظر إلى عدد من زادها وإتقانه، وردَّها بالنظر إلى الأحفظ والأثبت.
ولم ينظر في الرد إلى المنافاة، بل قرر أنه يُحكم للأحفظ والأثبت على من كان دونه، بلا تطرق إلى قضية المنافاة أو ذكر لها، وظاهر هذا أنه يستوي في الحكم الذي ذكره ما كانت الزيادة فيه منافية، وما لم تكن فيه كذلك.
ويبيّنه تصرفه في غير موضع في سننه وعلله، وسبق نقل شيء من ذلك عنه في الأمثلة.

والأمثلة المذكورة مبيّنة بجلاء أنه لم يكن يخطر للأئمة ببالٍ أن يقبلوا زيادة أو يردّوا ردَّها لعدم منافاتها معنى أصل الحديث، وليُبرز لنا من سار في فلك اشتراط المنافاة نصًّا عن إمام من أئمة الحديث المتقدمين النقاد= قَبِل فيه زيادة ثقة لعدم منافاتها، أو أبى على غيره ردَّها لذلك، ولا أظنه يجد.

وقد بيَّن النصُّ الذي نقلتُهُ آنفًا عن النووي أن أهل الحديث من المتأخرين اشترطوا المنافاة في رد زيادات الثقات.
حيث إنهم قبلوا زيادة الثقة إذا لم تنافِ أصل الحديث ولو تفرد بها واحد عن جماعة، أو ثقةٌ عن أوثق، ولا يرجحون بين الجماعة والواحد والثقة والأوثق إلا إذا نافت الزيادةُ أصلَ الحديث.
فإذا تفرد ثقةٌ عن ثقاتٍ بزيادة، واستحقت الردَّ بسبب ذلك - عند المتقدمين -= أوجدوا شرط المنافاة هذا، فلم يردوها حتى تنافي أصل الحديث.
ولذلك فقد عارضوا - في غير موضع - الأئمةَ المتقدمين وغيرَهم ممن ضعّف بعض زيادات الثقات= بأنها زياداتٌ غيرُ منافية لأصل الحديث؛ فهي مقبولة.

وقد تبيّن جليًّا فيما سبق أن الأئمة لا ينظرون إلى مسألة المنافاة هذه، ويردون زيادات الثقات إذا استحقت الردَّ ولو كانت غير منافية لأصل الحديث.

ومما يثبت ما ذكرتُ عن المتأخرين: نصوصٌ عن ثلة منهم - رحمهم الله جميعًا -، منها:

قال النووي في شرح مسلم (5/94): «وأما قول سهيل: " إحدى عشرة إحدى عشرة "، فلا ينافي رواية الأكثرين: " ثلاثًا وثلاثين "، بل معهم زيادة يجب قبولها، وفي رواية: " تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير "، وفي رواية: أن التكبيرات أربع وثلاثون، وكلها زيادات من الثقات يجب قبولها»،

وقال في المجموع (3/425): «واحتجوا في أن الأنف لا يجب بالأحاديث الصحيحة المطلقة في الأمر بالجبهة من غير ذكر الأنف، وفي هذا الاستدلال ضعف، لأن روايات الأنف زيادة من ثقة، ولا منافاة بينهما»،

ونقل ابن التركماني في الجوهر النقي (2/155) قول أبي علي النيسابوري في زيادة ( وإذا قرأ فأنصتوا ): «خالف جرير عن التيمي أصحاب قتادة كلهم»، ثم قال - أي: ابن التركماني -: «ولا نسلم أنه خالفهم، بل زاد عليهم، وزيادة الثقة مقبولة»،

وقال ابن حجر في النزهة: «وزيادة راويهما - أي: الصحيح والحسن - مقبولة، ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق، ممن لم يذكر تلك الزيادة، لأن الزيادة:
إما أن تكون لا تنافي بينها وبين رواية من لم يذكرها، فهذه تقبل مطلقًا؛ لأنها في حكم الحديث المستقل الذي ينفرد به الثقة ولا يرويه عن شيخه غيره،
وإما أن تكون منافية، بحيث يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى، فهذه التي يقع الترجيح بينها وبين معارضها، فيقبل الراجح ويرد المرجوح»،

وقال الشوكاني في نيل الأوطار (1/667): «... والزيادة إنما تقبل مع عدم منافاة الأصل، فيُصار حينئذ إلى التعارض...»، بل ذهب الشوكاني إلى أبعد من ذلك، فادعى الإجماع على اشتراط المنافاة!!
قال في النيل (4/140): «... ومما يؤيد الرفع في حديث ابن عمر - أعني: قوله: " وإلا فقد عتق عليه ما عتق " -: أن الذي رفعه مالك، وهو أحفظ لحديث نافع من أيوب، وقد تابعه عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب - كما قال البيهقي -، ولا شك أن الرفع زيادة معتبرة لا يليق إهمالها - كما تقرر في الأصول وعلم الاصطلاح -، وما ذهب إليه بعض أهل الحديث من الإعلال لطريق الرفع بالوقف في طريق أخرى لا ينبغي التعويل عليه، وليس له مستند، ولا سيما بعد الإجماع على قبول الزيادة التي لم تقع منافية مع تعدد مجالس السماع...».

والذي ذكر أنه لا ينبغي التعويل عليه، وليس له مستند= هو لبُّ علم العلل، وهو منهج أئمة الحديث النقاد الحفاظ، وذلك أظهر من الشمس في رابعة النهار، والله المستعان!

وقد تابعهم في هذا المنهج كثير من المعاصرين، ومن ذلك:

قال الشيخ الألباني - رحمه الله رحمةً واسعة - في تمام المنة (ص222) في الكلام على زيادة: " ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها " في حديث وائل بن حجر في صفة الصلاة: «فمن الخطأ الجلي رد التحريك المذكور فيها لتفرد زائدة بن قدامة به دون سائر أصحاب عاصم بن كليب، وذلك لأمرين:
الأول: أنهم رووا الإشارة، وهي لا تنافي التحريك كما تقدم،
الثاني: ثقة زائدة، وشدة تثبته في روايته عن شيوخه...»،

وقد رأيتُ الشيخ الألباني - رحمه الله - مشى على الصواب في إعلال لفظة: " ولا يحركها " في حديث عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه - كما في الضعيفة (12/136) وتمام المنة (ص218) وضعيف أبي داود (1/368-370) -، ولا أدري وجهَ التفريق في التعامل مع زيادة: " يحركها " والزيادة المذكورة، فالصورة واحدة، وسبب الإعلال موجود في الزيادتين، بل هو أظهر في زيادة: " يحركها " منه في الأخرى!

وقد أشار لذلك الشيخ مقبل الوادعي - رحمه الله -، قال الشيخ أحمد بن علي بن مثنى القفيلي في كتابه " بغية الطالب المبتدي من أدلة صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - " (ص151): ( اجتمع شيخنا أبو عبد الرحمن الوادعي - رحمه الله - بشيخنا الإمام العلامة أبي إبراهيم محمد بن عبد الوهاب الوصابي - حفظه الله - قبل خمس سنوات أو أكثر بدار الحديث بدماج بعد صلاة العصر، وكنت حاضرًا معهما، فدار نقاش حول هذه الزيادة - يعني: زيادة: " يحركها يدعو بها " -، فقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب - حفظه الله -: إن زائدة بن قدامة ثقة، وإن الشيخ الألباني قد صحح هذه الزيادة.
فأجابه شيخنا أبو عبد الرحمن - رحمه الله -، فقال: " إن الشيخ الألباني قد حكم على زيادة تفرد بها زائدة في حديث آخر وخالف راويين بالشذوذ، وهو في هذا الحديث قد خالف خمسة عشر راويًا، فإذا لم تكن هذه الزيادة شاذة، فليس في الدنيا شاذ " ا.هـ كلامه - رحمه الله - أو بمعناه ).

وقال في اللقاء مع طلاب العلم بمكة: «فزيادة الثقة إن كانت مخالفة لأصلها - أي: المزيد عليه - مخالفةً لا يمكن التوفيق بينهما، حينئذ نرجع إلى الأدلة، إن كانت منافية رجعنا إلى الأدلة، وإن كانت غير منافية فالأصل فيها القبول؛ لأن هذه الزيادة بمنزلة متن مستقل يأتي به إمام من الأئمة، يرويه محدث عن محدث ثقة عن ثقة إلى أن يصل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -...
فحكم الزيادة إذا كانت غير منافية: القبول، نقبلها كما نقبل النصوص المستقلة التي جاءتنا عن طريق الأفراد، والتي تفرد بها حافظ عن حافظ, حافظ ثقة عن حافظ ثقة.
وإذا جاءت منافية أو نرى ظاهرهما التعارض فنحاول الجمع بينهما، كما إذا تعارض نصان صحيحان، فإننا في الخطوة الأولى نحاول أن نوفق ونجمع بين هذين النصين الذين ظاهرهما التعارض، كذلك نفعل في زيادة الثقة: نحاول أن نجمع بينها وبين ما يظهر أنه معارض لها، فإن أمكن الجمع بدون تعسف فالحمد لله, وإذا ما أمكن؛ فحينئذ نرجع إلى الترجيح كما نفعل مع الأحاديث والنصوص المستقلة تمامًا».

إلى غيرها من النصوص عن المتأخرين والمعاصرين في ذلك، وهي كثيرة، بل كتب ( عطية بن صدقي أبو أسماء المصري ) مقدماتٍ في زيادة الثقة قبل بحثه في إثبات زيادة: " يحركها " في حديث وائل بن حجر= أكّد فيها اشتراط المنافاة، وجمع الأقوال في ذلك، وقدّم له كتابَهُ: الشيخ مشهور حسن سلمان، وعلي الحلبي، وهو بعنوان: " رفع الملام عن من (كذا!) حرك إصبعه من التحيات إلى السلام ".


يتبع - بعون الله -.

محمد بن عبدالله
2007-08-17, 05:46 PM
ومن ذلك - أي: مما يثبت ما أنسبه للمتأخرين - ما نافح به المباركفوري في تحفة الأحوذي بقوة عن اشتراط المنافاة، ورد ردًّا طويلاً على النيموي الحنفي صاحب كتاب ( آثار السنن )، لأنه ذكر أن المنافاة غير مشترطة في رد زيادة الثقة.

وفيما يلي نقل كلام المباركفوري، مع مناقشته وبيان أوجه الخلل الواقع فيه، والله الموفق:

قال المباركفوري في تحفة الأحوذي (2/82-85):

«قال النيموي في آثار السنن - بعد ذكر حديث هلب الطائي -: ( رواه أحمد، وإسناده حسن، لكن قوله: " على صدره " غير محفوظ )، يعني أنه شاذ، وبيّن وجه كونه شاذًّا غير محفوظ: أن يحيى بن سعيد القطان خالف في زيادة قوله: " على صدره " غير واحد من أصحاب سفيان وسماك، فإنهم لم يذكروا هذه الزيادات، وعرف الشاذ بأنه ما رواه الثقة مخالفًا في نوع من الصفات لما رواه جماعة من الثقات أو من هو أوثق منه وأحفظ، وأعمّ من أن تكون المخالفة منافية للرواية الأخرى أم لا، وادّعى أن هذا هو مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وابن معين والبخاري وغيرهم من المحدثين المتقدمين، واستدل عليه بأن هذا يُفهم من صنيعهم في زيادة: " ثم لا يعود " في حديث ابن مسعود، و " فصاعدًا " في حديث عبادة، و " إذا قرأ فانصتوا " في حديث أبي هريرة وأبي موسى الأشعري، وكذلك في كثير من المواضع، حيث جعلوا الزيادات شاذة، بزعمهم أن راويها قد تفرد بها، مع أن هذه الزيادات غير منافية لأصل الحديث.
قلت: تعريف الشاذ هذا الذي ذكره صاحب آثار السنن ليس بصحيح، وليس هو مذهب المحدثين المتقدمين البتة. وجه عدم صحته: أنه يلزم منه أن يكون كل زيادة زادها ثقة ولم يزدها جماعة من الثقات أو لم يزدها من هو أوثق منه وليست منافية لأصل الحديث= شاذة غير مقبولة، واللازم باطل فالملزوم مثله.
والدليل على بطلان اللازم: أن كل زيادة هذا شأنها قبلها المحدثون المتقدمون، كالشافعي والبخاري وغيرهما، وكذا قبلها المتأخرون، إلا أن ظهرت لهم قرينة تدل على أنها وهم من بعض الرواة، فحينئذ لا يقبلونها».
وكلامه هذا غير مستقيم، فإن من أهم القرائن التي استعملها الأئمة في رد زيادات الثقات: مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، وهذه القرينة كأقوى ما يكون في الدلالة على أن الزيادة وهم من الراوي، والنصوص وتصرفات الأئمة تفيض بمثل ذلك، والمخالفة حاصلة بأن ثقةً زاد زيادةً، ولم يزدها أكثر منه أو أوثق، وهذا ظاهر في نصوص الأئمة فيما سبق ويأتي.
فقوله أولاً: «كل زيادة هذا شأنها قبلها المحدثون المتقدمون، كالشافعي والبخاري وغيرهما» ويقصد بقوله: «هذا شأنها»: الزيادة التي زادها ثقة ولم يزدها الأوثق منه وليست منافية= يناقض قوله في الآخر: «إلا أن ظهرت لهم قرينة تدل على أنها وهم من بعض الرواة، فحينئذ لا يقبلونها»؛ لما سبق من أن كون الأوثق لم يزدها هي القرينة الدالة على أنها وهم ممن لم يزدها، والشافعي والبخاري وغيرهما من المحدثين المتقدمين لا يقبلون الأوهام!

قال المباركفوري:

«ألا ترى أن الإمام البخاري - رحمه الله - قد أدخل في صحيحه من الأحاديث ما تفرد به بعض الرواة بزيادة فيه غير منافية ولم يزدها جماعة من الثقات أو من هو أوثق منه وأحفظ، وقد طعن بعض المحدثين بإدخال مثل هذه الأحاديث في صحيحه، ظنًّا منهم أن مثل هذه الزيادات ليست بصحيحة، وقد أجاب المحققون عن هذا الطعن بأن مثل هذه الزيادات صحيحة: قال الحافظ في مقدمة الفتح: " فالأحاديث التي انتقدت عليهما أي البخاري ومسلم تنقسم أقسامًا... "، ثم بيّن الحافظ والقسم الأول والثاني، ثم قال: " القسم الثالث منها: ما تفرد به بعض الرواة بزيادة فيه دون من هو أكثر عددًا أو أضبط ممن لم يذكرها، فهذا لا يؤثر التعليل به، إلا إن كانت الزيادة منافية بحيث يتعذر الجمع، أما إذا كانت الزيادة لا منافاة فيها بحيث يكون كالحديث المستقل فلا، اللهم إلا إن وضح بالدلائل القوية أن تلك الزيادة مدرجة في المتن من كلام بعض رواته، فما كان من هذا القسم فهو مؤثر، كما في الحديث الرابع والثلاثين " انتهى. وأيضًا: قال الحافظ فيها: " قال الدارقطني: أخرج البخاري حديث أبي غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: نظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل يقاتل المشركين، فقال: " هو من أهل النار... " الحديث، وفيه: " إن العبد ليعمل فيما يرى الناس عمل أهل الجنة، وإنه لمن أهل النار، ويعمل فيما يرى الناس عمل أهل النار، وهو من أهل الجنة، وإنما الأعمال بالخواتيم "، قال: وقد رواه ابن أبي حازم ويعقوب بن عبد الرحمن وسعيد الجمحي عن أبي حازم فلم يقولوا في آخره: " وإنما الأعمال بالخواتيم ". قال الحافظ: " زادها أبو غسان، وهو ثقة حافظ، فاعتمده البخاري " انتهى».
كلام ابن حجر الذي نقله المباركفوري موافق لمذاهب المتأخرين، وهو اجتهاد منه - رحمه الله - في تفسير صنيع البخاري قد لا يوافق عليه.
ويمكن أن يجاب عن المثال الذي ذكره المباركفوري بأمرين:
الأول: أن النظر في المنافاة وعدمها عند المتأخرين شرطٌ يتبع مقدمةً لا بد من تحققها، وهي أن تكون الزيادة محتملة الرد، بسبب كون الزائد مخالَفًا من أوثق أو أكثر.
وبيان ذلك:
أن المتأخرين نظروا إلى انفراد الثقة بالزيادة دون الأوثق أو الأكثر، فجعلوا هذا يفضي إلى احتمال رد الزيادة، دون أن يستقل بذلك، ثم نظروا إلى المنافاة، فإن نافت الزيادة أصل الحديث؛ قوي احتمال الرد، فردوها، وإن لم تنافِ؛ بقي الأمر على الاحتمال، فقوّوا جانب الثقة، وقبلوا الزيادة.
فلا يصح النظر في المنافاة عند المتأخرين إلا بعد تحقق المقدمة الأولى.
ولعل المقدمة لم تتحقق عند البخاري في هذه الزيادة حتى ننظر في كونه نظر إلى المنافاة أو لا، فربما كان يصحح الزيادة لا لعدم المنافاة، إنما لأن راويها حافظ إمام، ولا يضيره أن يقصر غيره ممن هو دونه في الحفظ والثقة بالزيادة، فلا يذكرها.

الأمر الثاني: أن اعتماد مذهب البخاري بمثال أو مثالين مهيع خاطئ مجانب للصواب، فإنه قد نُسب إلى البخاري بهذه الطريقة أنه يقبل زيادة الثقة مطلقًا!
قال ابن رجب في شرح العلل (2/638): «وذكر - أي الخطيب - في الكفاية حكايةً عن البخاري: أنه سئل عن حديث أبي إسحاق في النكاح بلا ولي؟ قال: " الزيادة من الثقة مقبولة، وإسرائيل ثقة ". وهذه الحكاية - إن صحت - فإنما مراده الزيادة في هذا الحديث، وإلا فمن تأمل كتاب تاريخ البخاري تبين له قطعًا أنه لم يكن يرى أن زيادة كل ثقة في الإسناد مقبولة».
فمناهج العلماء لا يُعتمد فيها على نصٍّ أو نصّين مقتطعين من وفرة نصوص، وفي ما اقتُطع احتمال أيضًا!
والبخاري لم يشترط المنافاة في نصوص أخرى، وكلامه فيها واضح، ويأتي طرف منها.

ويُنبّه إلى أن البخاري قد أخرج روايتين مما أشار إليه الدارقطني؛ مما ليس فيه زيادة: " الأعمال بالخواتيم " = في صحيحه (2898، 4202، 4207).

والحق أن هذه الزيادة تصلح مثالاً لكون الأئمة لا يشترطون عدم المنافاة لرد الزيادة من الثقة، ذلك أن مسلمًا أخرج الحديث في كتاب الإيمان، باب " غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه... " (112) وفي كتاب القدر " باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه... " = من رواية يعقوب بن عبد الرحمن، وهو ثقة، وتنكب عن رواية أبي غسان مع أنه أوثق من يعقوب بمراحل، وكأنها إشارة منه إلى إعلال هذه الرواية، لذا قال الدارقطني بعد أن ذكر رواية البخاري: " وأخرجه مسلم من حديث يعقوب فقط ".
كما أعلّها الدارقطني في التتبع (ص201) - وقد نقله الحافظ - والأفراد - كما في أطرافه (2164) -.
وأما البخاري، ففي النفس شيء من اعتماد أنه يصحح الزيادة، وإن صح عنه فهو اختلاف نظر بين المتقدمين، والجاري على القاعدة تصرف مسلم والدارقطني، والله أعلم.

وحتى لو صح أن البخاري يصححها، فمثالٌ واحد لتصرُّفٍ من البخاري في حديثٍ= لا يكفي البتة في إثبات منهجٍ لعامة أئمة الحديث المتقدمين تدلُّ أقوالهم وتصرفاتهم على خلافه.

قال المباركفوري:

«وقد صرح بقبول مثل هذه الزيادة ابن التركماني في الجوهر النقي والحافظ الزيلعي في نصب الراية في مواضع عديدة، بل أشار النيموي نفسه في كتابه آثار السنن أيضًا بقبول مثل هذه الزيادة في موضع منه، حيث قال: " فزيادته - أي: زيادة الحميدي - تقبل جدًّا، لأنها ليست منافية لمن هو أوثق منه " انتهى.
فلما ظهر بطلان اللازم ثبت بطلان الملزوم، أعني بطلان تعريف الشاذ الذي ذكره صاحب آثار السنن من عند نفسه.
فإن قلت: فما تعريف الشاذ الذي عليه المحققون؟
قلت: قال الحافظ بن حجر في مقدمة فتح الباري: " وأما المخالفة وينشأ عنها الشذوذ والنكارة، فإذا روى الضابط أو الصدوق شيئًا، فرواه من هو أحفظ منه أو أكثر عددًا بخلاف ما روى، بحيث يتعذر الجمع على قواعد المحدثين، فهذا شاذ " انتهى.
فهذا التعريف هو الذي عليه المحققون، وهو المعتمد، قال الحافظ في شرح النخبة: " فإن خولف بأرجح منه لمزيد ضبط أو كثرة عدد أو غير ذلك من وجوه الترجيحات، فالراجح يقال له: المحفوظ، ومقابله وهو المرجوح يقال له: الشاذ "، إلى أن قال: " وعرف من هذا التقرير أن الشاذ ما رواه المقبول مخالفًا لمن هو أولى منه، وهو المعتمد في تعريف الشاذ بحسب الاصطلاح " انتهى.
والمراد من المخالفة في قوله: " مخالفًا ": المنافاة، دون مطلق المخالفة، يدل عليه قول الحافظ في هذا الكتاب: " وزيادة راويهما - أي: الصحيح والحسن - مقبولة ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق ممن لم يذكر تلك الزيادة، لأن الزيادة إما أن تكون لا تنافي بينها وبين رواية من لم يذكرها، فهذه تقبل مطلقا؛ لأنها في حكم الحديث المستقل الذي يتفرد به الثقة ولا يرويه عن شيخه غيره، وإما أن تكون منافية بحيث يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى، فهذه هي التي يقع الترجيح بينها وبين معارضها، فيقبل الراجح ويرد المرجوح " انتهى.
وقال الشيخ ابن حجر الهيتمي في رسالته المتعلقة بالبسملة: " الشاذ اصطلاحًا فيه اختلاف كثير، والذي عليه الشافعي والمحققون: أن ما خالف فيه راوٍ ثقة بزيادة أو نقص في سند أو متن ثقاتٍ لا يمكن الجمع بينهما مع اتحاد المروي عنه " انتهى.
وقال الشيخ عمر البيقوني في منظومته في مصطلح أهل الحديث:

وما يخالف ثقة فيه الملا * * * فالشاذ والمقلوب قسمان تلا
قال الشارح الشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني: " ( وما يخالف ثقة فيه ) بزيادة أو نقص في السند أو المتن ( الملا ) أي: الجماعة الثقات فيما رووه، وتعذر الجمع بينهما، ( فالشاذ ) كما قاله الشافعي وجماعة من أهل الحجاز، وهو المعتمد كما صرح به في شرح النخبة؛ لأن العدد أولى بالحفظ من الواحد، وعليه فما خالف الثقة فيه الواحد الأحفظ شاذ، وفي كلام ابن الصلاح وغيره ما يُفهِمه " انتهى.
وقال العلامة المجد صاحب القاموس في منظومته في أصول الحديث:

ثم الذي ينعت بالشذوذ * * * كل حديث مفرد مجذوذ
خالف فيه الناس ما رواه * * * لأن روى ما لا يروى سواه
قال الشيخ سليمان بن يحيى بن عمر بن مقبول الأهدل في شرحه المسمى بالمنهل الروي: " الشاذ لغةً: المنفرد، يقال: شذ يشذ شذوذًا إذا انفرد، وأما إصطلاحًا ففيه اختلاف كثير، ومقتضى ما ذكره الناظم الإشارة إلى قولين: الأول: ما ذهب إليه الشافعي وجماعة من أهل الحجاز: أنه ما رواه الثقة مخالفًا لرواية الناس - أي: الثقات - وإن كانوا دونه في الحفظ والإتقان، وذلك لأن العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد، وألحق ابن الصلاح بالثقات الثقة الأحفظ، وسواء كانت المخالفة بزيادة أو نقص في سند أو متن إن كانت لا يمكن الجمع بين الطرفين فيهما مع اتحاد المروي " انتهى».
ونقوله هذه كلها تدل على أن المتأخرين يشترطون المنافاة لرد زيادة الثقة، وذلك يخالف منهج أئمة النقد المتقدمين - كما بان في هذا الموضوع -.

قال المباركفوري:

«فإن قلت: فلم لم يقبل المحدثون المتقدمون كالشافعي وأحمد بن حنبل وابن معين والبخاري وأبي داود وأبي حاتم وأبي علي النيسابوري والحاكم والدارقطني وغيرهم= زيادة: " ثم لا يعود " في حديث ابن مسعود، وزيادة " فصاعدًا " في حديث عبادة، وزيادة " وإذا قرأ فأنصتوا " في حديث أبي هريرة وأبي موسى الأشعري، ولم يجعلوها محفوظة، مع أن هذه الزيادات غير منافية لأصل الحديث؟
قلت: إنما لم يقبلوا هذه الزيادات لأنه قد وضح لهم دلائل على أنها وهم من بعض الرواة كما بينوه وأوضحوه، لا لمجرد أن راويها قد تفرد بها كما زعم النيموي.
وإنما أطنبنا الكلام في هذا المقام لئلا يغتر القاصرون بما حقق النيموي في زعمه الفاسد».
وقد سبقت الإجابة على قوله الأخير هذا، بأن من أوضح الدلائل على وقوع الوهم من بعض الرواة: أن يخالفه غيره من الرواة؛ أكثر منه أو أوثق...، فيتركوا هذه الزيادة، وينفرد هو بذكرها.

وقد نصّ أبو حاتم الرازي على أن العلة في قوله: " ثم لا يعود ": أن غير الثوري لم يذكره، وذكره هو وحده، قال - كما في العلل (1/96) -: «هذا خطأ، يُقال: وهم فيه الثوري، وروى هذا الحديث عن عاصم جماعة، فقالوا كلهم: ( إن النبي - صلى الله عليه وسلم - افتتح فرفع يديه، ثم ركع فطبق وجعلها بين ركبتيه )، ولم يقل أحد ما رواه الثوري».

كما أعلّ البخاري زيادة: " فصاعدًا " في حديث عبادة= بقوله - في جزء القراءة (ص36، 37) -: «وعامة الثقات لم يتابع معمرًا في قوله: " فصاعدًا "، مع أنه قد أثبت فاتحة الكتاب»، وأعلّها ابن حبان بقوله - كما في الإحسان (5/87) -: «تفرد به معمر عن الزهري دون أصحابه».

وأعلّ مسلم بن الحجاج زيادة: " وإذا قرأ فأنصتوا " في حديث أبي موسى الأشعري بقوله - كما في صحيحه (ح404) -: «وفي حديث جرير عن سليمان التيمي عن قتادة من الزيادة: " وإذا قرأ فأنصتوا "، وليس في حديث أحد منهم»، وأعلّها أبو داود السجستاني بقوله - كما في سننه (ح973) -: «وقوله: " فأنصتوا " ليس بمحفوظ، لم يجئ به إلا سليمان التيمي في هذا الحديث»، وأعلّها أبو علي النيسابوري الحافظ بقوله - كما في سنن البيهقي (2/156) -: «خالف جرير عن التيمي أصحاب قتادة كلهم في هذا الحديث، والمحفوظ عن قتادة رواية هشام الدستوائي وهمام وسعيد بن أبي عروبة ومعمر بن راشد وأبي عوانة والحجاج بن الحجاج ومن تابعهم على روايتهم» قال البيهقي: يعني دون هذه اللفظة، وأعلّها الدارقطني بقوله - في السنن (1/330) -: «وكذلك رواه سفيان الثوري عن سليمان التيمي، ورواه هشام الدستوائي وسعيد وشعبة وهمام وأبو عوانة وأبان وعدي بن أبي عمارة كلهم عن قتادة، فلم يقل أحد منهم: " وإذا قرأ فأنصتوا "، وهم أصحاب قتادة الحفاظ عنه»، وقال أيضًا - كما في العلل (7/254) -: «والصواب من ذلك: ما رواه سعيد وهشام ومن تابعهما عن قتادة وسليمان التيمي من الثقات، وقد زاد عليهم قوله: " وإذا قرأ فأنصتوا "، ولعله شُبه عليه؛ لكثرة من خالفه من الثقات».

وأعلّها النسائي في حديث أبي هريرة بقوله - كما في السنن الكبرى (1/320) -: «لا نعلم أن أحدًا تابع بن عجلان على قوله: " وإذا قرأ فأنصتوا "»، ولذا قال البيهقي - كما في السنن (2/156) -: «وهو وهم من ابن عجلان».

فهذه نصوص بعض الحفاظ في الزيادات التي ذكرها المباركفوري، ويظهر بجلاءٍ شديدٍ فيها أنهم أعلّوا الزيادات بسبب تفرد بعض الثقات بها، دون غيرهم من الثقات - الأكثر أو الأوثق -. وهذا يدل على خطأ ما زعمه المباركفوري من أنهم لم يعلوا تلك الزيادات " لمجرد أن راويها قد تفرد بها ".

وهو يبين أن ما قاله النيموي صواب، والله تعالى أعلم.


يتبع - بإذن الله -.

محمد بن عبدالله
2007-08-19, 06:14 PM
وقد بين بعضُ العلماء والمشايخ من أهل العلم بالحديث في هذا العصر عدم اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات، ومن ذلك:

سئل الشيخ مقبل بن هادي الوادعي - رحمه الله - في المقترح (س155) حول تقسيم ابن الصلاح لزيادة الثقة، فقال: «هم يشترطون في رد الزيادة أن تكون منافية، لكن الذي يظهر أن الزيادة نفسها - كون أنها زيادة - تنافي، من الأمثلة على هذا: الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي موسى، وفيه زيادة في بيان كيفية الصلاة: " إذا قرأ فأنصتوا "، فالإمام الدارقطني ينتقد هذه الزيادة، ويقول: إنه تفرد بها سليمان التيمي، ويوافقه النووي - رحمه الله تعالى - على هذا، ويقول: إن الحفاظ - إشارة إلى جمع، إضافة إلى الدارقطني - ضعفوا هذه الزيادة. فالذي يظهر أن الزيادة بمجردها تعتبر منافاة».

ونقل الأخ الكريم أبو حمزة الأزهري السلفي، قال: سألت الشيخ محمد عمرو بن عبد اللطيف: هل يشترط ركن المخالفة للحكم على الحديث بالشذوذ؟ أعني: أن البعض يشترط عدم إمكان الجمع قبل الحكم بالشذوذ، وإلا حكم بأن ذلك من زيادة الثقة، ومثلت للشيخ بصنيع الشيخ الألباني - رحمه الله - في حديث زائدة بن قدامة في صفة التشهد.
فأجاب الشيخ: «لا اعتبار بالمنافاة, بل العبرة بتحرير كل لفظة على حدة».
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showpost.php?p=253285&postcount=9

وقال الشيخ أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل المصري في إتحاف النبيل (1/111-113): «فإن قيل: إن بعض طلبة العلم يقول: الزيادة تقبل إلا أن تكون منافية لأصل الحديث، فإذا كانت منافية لأصل ما سيقت له فحين ذاك لا تقبل، أما إذا أمكن الجمع بينهما على طريقة التخصيص مع العموم أو التقييد مع المطلق= فتقبل.
قلت: وهذا قول للحافظ ابن حجر، وله قول آخر يردها لمجرد التفرد.
والذي ينظر في كتب العلل والكتب التي اعتنت بهذا الشأن، يجد أن العلماء يعلّون اللفظة الزائدة في الحديث وإن كان معناها لا ينافي الأصل الذي سيقت له، فمثلاً: حديث: " صدقة الفطر صاع من بر، وصاع من تمر... " إلى آخر الحديث، وفيه: " على كل نفس حر وعبد ذكر وأنثى من المسلمين " أخرجه البخاري (1503) ومسلم (984). فزيادة: " من المسلمين " تفرد بها مالك - رحمه الله تعالى -، والعلماء أنكروا على مالك هذه الزيادة، مع أن هذه الزيادة لا تنافي الأصل الذي سيقت له.
والعلماء الذين دافعوا عن مالك ما قالوا: إن هذه الزيادة لا تنافي الأصل، وإنما قالوا: إن مالكًا توبع عليها، فأثبتوا بالمتابعة هذه الزيادة.
وأوضح من ذلك الحديث الذي في صحيح مسلم في كيفية الصلاة، والنبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يقول: " إذا قرأ فأنصتوا "، أعلّ الحفاظ هذه الكلمة بالرغم من أنها تناسب وتلائم الآية: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ ﴾، ولا تنافي الأصل الذي سيقت له، وهناك من ينفي شذوذها أصلاً.
وأيضًا زيادة أخرى في حديثٍ أخرجه مسلم - رحمه الله - في ولوغ الكلب أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا أولاهن أو إحداهن أو الثامنة بالتراب ".
وفي بعض الروايات زيادة في مسلم: " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه "، والعلماء ضعفوا كلمة: " فليرقه " هذه، مع أنه لا يغسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب إلا بإراقة ما فيه.
والذي يقرأ كتب العلل ويتتبع هذه المسألة يجد أن العلماء يضعفون الزيادة لمجرد مخالفة راويها من هو أوثق منه، سواء في العدد أو في الوصف والمنزلة...» إلى آخر كلام الشيخ أبي الحسن، وانظر (2/189) من كتابه، ولم أطلع عليه إلا بعد انتهائي من كتابة هذا البحث، والحمد لله رب العالمين.

ويُنظر لزامًا كتابه المذكور (2/164-189) ففيه تفصيل طويل، وبيان جيد لمنهج الأئمة في زيادات الثقات.

خاتمـة:
وبعد،
فقد اتضح لكل ناظر أن الأئمة لم يكونوا يقبلون زيادة الثقة في المتن لعدم منافاتها معنى أصل الحديث، أو يشترطون المنافاة في ردها:
- حيث سردت أمثلة عديدة لزيادات ليس فيها وجه منافاة لأصل الحديث، وردها الأئمة مع ذلك، مع ثقة أصحابها وحفظهم، بل بعضهم في أعلى درجات الحفظ، والأمثلة أكثر مما ذُكر هنا، والمراد إبراز بعض النماذج،
- ومن ذكر من الأئمة ردَّ الزيادة نظر إلى تفرد راويها بذكرها، وترك الآخرين لها، ولم ينظر إلى المنافاة،
- ونسب النووي عدم اشتراط المنافاة إلى أكثر المحدثين، وبين ابن رجب أن الإمام أحمد لم ينظر إلى هذا الشرط،
- ومن اشترط المنافاة في رد زيادات المتون فإنه لا يشترطها في رد زيادات الأسانيد، وكلاهما صورة واحدة يجب أن يكون الحكم فيها واحدًا،
- وشرط المنافاة قليل الأثر أو معدومه عمليًّا، فتطبيقاته نادرة أو قليلة جدًّا، وإن وجدت الزيادة المنافية؛ فالترجيح لازم بدون اشتراط أصلاً،
- واشتراط المنافاة قد يعود بالحكم على زيادة الثقة إلى القبول المطلق، وهذا ما ينفيه الأئمة أهل الحديث متقدمهم ومتأخرهم.

وهذا آخر ما كتبته في هذه المسألة، وقد أُخذ عليَّ أني أكثرتُ من الأمثلة، والأمر من الوضوح بما لا يحتاج معه إلى ذلك، ولكن لعل في الزيادة خير.
والله أعلم وأحكم، وهو الموفق للصواب.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تم عصر الأحد السادس من شعبان عام ثمانية وعشرين وأربعمئة وألف.

آل عامر
2007-08-20, 03:20 PM
الشيخ الكريم والمشرف الحبيب / محمد بن عبدالله
جزاك الله خيرا ، ونفع بما كتبت ،وأسأل الكريم رفعة لك في الدنيا ،وفوز بالجنة في الآخرة

الدكتور صالح محمد النعيمي
2007-08-21, 01:18 PM
بارك الله لنا فيك ، واجدت واحسنت ، وشكرا على طول نفسك .... وجعل الله ماتكتب في ميزان حسناتك(يا شيخ محمد)

محمد بن عبدالله
2007-08-27, 08:53 AM
الشيخين الكريمين: وإياكما، أحسن الله إليكما.

من المفيد إضافة صياغة جديدة لإثبات نسبة اشتراط المنافاة إلى المتأخرين:
فإن على ذلك أدلة على صنفين - مما سبق نقلُهُ وذكرُهُ في أصل الموضوع -:
الصنف الأول: ظاهر نصوصهم، ومن ذلك:
1- قال النووي في المجموع (4/246): " ... وقد أشار البيهقي إلى الجواب عن هذا الإشكال، فقال: لا أدري هل حُفظت هذه الزيادة التي في مسلم؛ لكثرة من روى هذا الحديث عن سفيان دون هذه الزيادة، وإنما انفرد بها محمد بن عباد عن سفيان.
وهذا الجواب فيه نظر، لأنه قد تقرر وعُلم أن المذهب الصحيح الذي عليه الجمهور من أصحاب الحديث والفقه والأصول: قبول زيادة الثقة،
لكن يعتضد قولُ البيهقي بما قررناه في علوم الحديث أن أكثر المحدثين يجعلون مثل هذه الزيادة شاذًّا ضعيفًا مردودًا، فالشاذ عندهم أن يرووا ما لا يرويه سائر الثقات، سواء خالفهم أم لا.
ومذهب الشافعي وطائفة من علماء الحجاز: أن الشاذ ما يخالف الثقات، أما ما لا يخالفهم فليس بشاذ، بل يحتج به، وهذا هو الصحيح وقول المحققين ".

فالنووي يتكلم هنا عن الشاذ في سياق الكلام عن زيادة ثقة في المتن، فكلامه إذن في ( زيادة الثقة المردودة ).
وقد نصَّ النووي على أن " الصحيح، وقول المحققين ": أن الشاذ ( يعني - هنا -: زيادة الثقة المردودة ): ما يخالف ( يعني: ينافي، بدلالة السياق ) الثقات، دون ما لا يُخالف، وهذا يدل على أن زيادة الثقة تردُّ عند كونها منافية، ولا تردُّ عند كونها غير منافية،
وهذا هو مرادنا: اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات.


2- قال ابن حجر في النزهة: " لأن الزيادة:
إما أن تكون لا تنافي بينها وبين رواية من لم يذكرها، فهذه تقبل مطلقًا؛ لأنها في حكم الحديث المستقل الذي ينفرد به الثقة ولا يرويه عن شيخه غيره،
وإما أن تكون منافية، بحيث يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى، فهذه التي يقع الترجيح بينها وبين معارضها، فيقبل الراجح ويرد المرجوح ":

فالقسم الثاني الذي ذكره ابن حجر هو قسم ( زيادة الثقة المردودة )، ويظهر في كلام ابن حجر فيه أن الزيادة إنمـا تردّ عند وجود القسم الثاني هذا فقط، تأمل قوله: " فهذه التي يقع الترجيح بينها وبين معارضها... "، فما سواها - في مفهوم كلام ابن حجر - لا يُرجَّح بين زائدها وتاركها؛ فتقبل.
ويدلُّ على هذا: أن الزيادة في كلام ابن حجر قسمان: قسمٌ يُقبل؛ وهو ما لا منافاة فيه، وقسم يُرجَّح فيه؛ وهو ما كانت فيه المنافاة، فالزيادة المقبولة لا تخرج عن القسم الأول، والزيادة المردودة لا تخرج عن القسم الثاني،
وحصرُ الردِّ في تحقُّق القسم الثاني يعني: حصرَ الردِّ في كون الزيادة " منافية، بحيث يلزم من قبولها رد الزيادة الأخرى "،
وهذا مرادنا: فإن حصر الرد في وجود المنافاة= هو اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات.

3- قال المباركفوري في التحفة: " وعرَّف - يعني: النيموي - الشاذَّ بأنه ما رواه الثقة مخالفًا في نوع من الصفات لما رواه جماعة من الثقات أو من هو أوثق منه وأحفظ، وأعمّ من أن تكون المخالفة منافية للرواية الأخرى أم لا... "،

ثم قال: " قلت: تعريف الشاذ هذا الذي ذكره صاحب آثار السنن ليس بصحيح، وليس هو مذهب المحدثين المتقدمين البتة. وجه عدم صحته: أنه يلزم منه أن يكون كل زيادة زادها ثقة ولم يزدها جماعة من الثقات أو لم يزدها من هو أوثق منه وليست منافية لأصل الحديث= شاذة غير مقبولة، واللازم باطل فالملزوم مثله ".

وكلام النيموي ثم المباركفوري هنا في الشاذ من زيادات المتون، وهي ( زيادة الثقة المردودة ).
فنقل المباركفوري أن النيموي يردُّ الزيادة عند مخالفتها من أي وجه، ثم نصَّ - المباركفوري - على أنه - النيموي - يردُّ الزيادة حتى لو كانت غير منافية، وفي نصِّه هذا إشعارٌ بأن هذه الجملة هي محل النظر في كلام النيموي،
ثم بيَّن ذلك، فقال بعد أن ذكر أن تعريف النيموي غير صحيح: " وجه عدم صحته: أنه يلزم منه أن يكون كل زيادة زادها ثقة ولم يزدها جماعة من الثقات أو لم يزدها من هو أوثق منه وليست منافية لأصل الحديث= شاذة غير مقبولة، واللازم باطل "،
فنصَّ هنا مرةً أخرى على عدم المنافاة، وأبطل أن تُردَّ الزيادة مع كونها غير منافية.
فردُّ الزيادة مع عدم المنافاة خطأٌ وباطلٌ عند المباركفوري، وهذا هو مرادنا: اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات.
وفي بقية كلام المباركفوري ما يدل على اشتراط المنافاة أيضًا.

الصنف الثاني: تصرُّفاتهم:
ولعل هذا المجال أرحب من سابقه.
فمن ذلك:
1- قال النووي في المجموع (3/425): " واحتجوا في أن الأنف لا يجب بالأحاديث الصحيحة المطلقة في الأمر بالجبهة من غير ذكر الأنف، وفي هذا الاستدلال ضعف، لأن روايات الأنف زيادة من ثقة، ولا منافاة بينهما "،
فرفض النووي ردَّ الزيادة، لعدم المنافاة،
ومتى يكون الردّ صحيحًا إذن عند النووي؟ إذا كان ثمَّ منافاة.
وهذا هو اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات.

2- نقل ابن التركماني في الجوهر النقي (2/155) قول أبي علي النيسابوري في زيادة ( وإذا قرأ فأنصتوا ): «خالف جرير عن التيمي أصحاب قتادة كلهم»، ثم قال - أي: ابن التركماني -: " ولا نسلم أنه خالفهم، بل زاد عليهم، وزيادة الثقة مقبولة "،
فرفض ابن التركماني اعتبار هذه الزيادة مخالفة مردودة، فهو يرى أنها زيادة غير مخالفة؛ ويظهر أنه لأنها غير مخالفة من جهة المعنى ( أي: غير منافية )، وعليه: فقد رفض ابن التركماني ردَّ الزيادة؛ لأنها غير منافية،
فمتى يكون الرد صحيحًا إذن عنده؟ إذا كان ثمَّ منافاة.
وهذا هو اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات.

3- قال الألباني في تمام المنة (ص222) في الكلام على زيادة: " ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها " في حديث وائل بن حجر في صفة الصلاة: " فمن الخطأ الجلي رد التحريك المذكور فيها لتفرد زائدة بن قدامة به دون سائر أصحاب عاصم بن كليب، وذلك لأمرين:
الأول: أنهم رووا الإشارة، وهي لا تنافي التحريك كما تقدم... "،
فرفض الألباني قبول الزيادة؛ لأنها غير منافية.
ويكون ردّ الزيادة مقبولاً إذا كانت منافية، وهذا هو اشتراط المنافاة في رد زيادات الثقات.

انظيدحبي
2007-12-25, 02:24 PM
شكرا لك ... بارك الله فيك ...
وهل هذه الكتب متوفرة على الشبكة مصورة بي دي إف؟
وهل يمكنكم توفيرها مشكورا لكم مقدما؟
شكرا لك ... بارك الله فيك ...
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما الأول والثاني فموجودان في هذا الموقع المبارك وأما الثالث فإن وجدته فارشدني إليه

انظيدحبي
2007-12-27, 05:46 PM
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شكرا لك ... بارك الله فيك ...
لقد خدمتني خدمة لتقدر بثمن فان هدا الموضوع جزء من بحثي ولقد استوقفني هدا الشرط وتناقشت فيه مع بعض الطلبة ولكن داء التقليد دب في العقول وأود أن تكمل جميلك فتدلني علي هدا الكتاب الدي نوهتبه { ويُنظر لزامًا كتابه المذكور (2/164-189) ففيه تفصيل طويل، وبيان جيد لمنهج الأئمة في زيادات الثقات.}ولك الشكر ولي معك عودة أخري معك إن شاء الله

محمد بن عبدالله
2007-12-27, 09:21 PM
الأخ (انظيدحبي): وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
شكر الله لك، وأعانك في شأنك.
وداء التقليد مستشرٍ عند كثير، وبعضهم يجمع إليه التعصب الأعمى، وذلك أسوأ، والله المستعان.

أما الكتاب المذكور (كتاب السليماني)؛ فموجود هنا:
http://www.waqfeya.com/open.php?cat=12&book=177

والكتابان الآخران (كتابا المحمدي وباحو) رُفعا على الإنترنت بعد هذا الموضوع، ولم أر بعدُ كتاب الزرقي.

وجزاكم الله خيرًا.

انظيدحبي
2007-12-30, 01:38 PM
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شكرا لك ... بارك الله فيك ...
الكتابان أي كتابي باحو والمحمدي حملتهما من> فترة وبارك الله فيك وجزاك الله خيرا وجعل دلالتك علي كتاب المأربي في حسناتك فالدال علي الخير كفاعله والكتاب جاري تحميله وأقترح عليك أن تطرح موضوع الشاد وعلاقته بزيادة الثقة للمناقشة والبحث فان لي فيه بعض الاشكاليات

انظيدحبي
2008-01-21, 09:29 PM
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شكرا لك ... بارك الله فيك ...
الكتابان أي كتابي باحو والمحمدي حملتهما من> فترة وبارك الله فيك وجزاك الله خيرا وجعل دلالتك علي كتاب المأربي في حسناتك فالدال علي الخير كفاعله والكتاب جاري تحميله وأقترح عليك أن تطرح موضوع الشاد وعلاقته بزيادة الثقة للمناقشة والبحث فان لي فيه بعض الاشكاليات
لا زلت في انتظار ردكم وبارك الله فيكم والسلام عليكم

محمد بن عبدالله
2008-01-22, 12:36 AM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أعتذر أخي (انظيدحبي) عن ذلك في الفترة الحالية.
وأرجو أن تبادر فتطرح ما لديك من إشكاليات حول هذه القضية في موضوع مستقل، وستجد -بإذن الله- فوائد، سواء مني أو من غيري.
وجزاك الله خيرًا.

أبو مريم هشام بن محمدفتحي
2008-01-22, 09:33 AM
سلام عليكم،
فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو،
أما بعد،

فينبغي أن أتوجه بجزيل الشكر إلى من تسبب في رفع هذا الموضوع القيم، حتى أراه:

كما أسأل الله تعالى أن يجزي أخانا محمد بن عبد الله كل خير على هذا الجهد الطيب،

لقد وفرت علينا جهدا كبيرا في الرد على بعض الإخوة الذي نحوا نحواً خلاف ما كان عليه الحفاظ،

لكن، لو جمعته في ملفٍ واحد ............... أحسن الله إليك يا أخي

(صحيحٌ أنه نهاية الفصل الدراسي الأول، لكن لعل هذا لا يكلفك دقائق، وعموم النفع مرجو من الله تبارك وتعالى)

بارك الله في جهودك،


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أعتذر أخي (انظيدحبي) عن ذلك في الفترة الحالية.
وأرجو أن تبادر فتطرح ما لديك من إشكاليات حول هذه القضية في موضوع مستقل، وستجد -بإذن الله- فوائد، سواء مني أو من غيري.
وجزاك الله خيرًا.

محمد بن عبدالله
2008-01-22, 05:04 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيك أبا مريم.
والملف في المرفقات.
وليس شاغلي نهاية الفصل، أحسن الله إليك.

أبو مريم هشام بن محمدفتحي
2008-01-23, 07:24 AM
سلام عليكم،
فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو،
أما بعد،

فسلمت يمينك، وجزاك الله تعالى كل خير،


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيك أبا مريم.
والملف في المرفقات.
وليس شاغلي نهاية الفصل، أحسن الله إليك.

انظيدحبي
2008-01-26, 06:20 PM
بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
أشكرك جزيل الشكر وسوف أبدأ إن شاء الله بطرح الموضوع

انظيدحبي
2008-02-17, 09:20 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أعتذر أخي (انظيدحبي) عن ذلك في الفترة الحالية.
وأرجو أن تبادر فتطرح ما لديك من إشكاليات حول هذه القضية في موضوع مستقل، وستجد -بإذن الله- فوائد، سواء مني أو من غيري.
وجزاك الله خيرًا.السلام عليكم فعلت ما أشرت به علي وكتبت في الموضوع تحت عنوان إشكاليات حول الحديث الشاذ وأنا أنتظر ما وعتني به من فوائد فلاتبخل بها علي وأنا في انتظار ردك

أبو رقية الذهبي
2008-07-24, 09:33 AM
للمتابعة

رضا الحملاوي
2013-03-14, 01:56 PM
جزاكم الله خيرا

أبو زُرعة الرازي
2013-03-14, 02:15 PM
بحثُ قيمٌ جداً لا حرمكم الله تعالى الأجر .