مشاهدة النسخة كاملة : النفاق والمنافقون في القرآن الكريم مع تفسير الآيات عند الحافظ ابن كثير رحمه الله
العلمي أمل
2017-07-18, 01:08 PM
النفاق والمنافقون في القرآن الكريم مع تفسير الآيات عند الحافظ ابن كثير رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
وردت كلمة المنافقون بعدة صيغ في القرآن الكريم: وهي المنافقون، والمنافقين، والمنافقات، والنفاق، ونافقوا، ونفاقا... بحسب المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.
لنستعرض تلك الآيات في سياقها مع اعتماد شرح الحافظ ابن كثير رحمه الله... توكلنا على الله سبحانه وتعالى نعم الوكيل ومنه نستمد العون والتوفيق.
العلمي أمل
2017-07-18, 01:35 PM
مدخل
· قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا). قال السعدي:يخبر تعالى عن مآل المنافقين أنهم في أسفل الدركات من العذاب، وأشر الحالات من العقاب.
- فهم تحت سائر الكفار لأنهم شاركوهم بالكفر باللـه ومعاداة رسله، وزادوا عليهم المكر والخديعة والتمكن من كثير من أنواع العداوة للمؤمنين، على وجه لا يشعر به ولا يحس. ورتبوا على ذلك جريان أحكام الإسلام عليهم، واستحقاق ما لا يستحقونه.
- فبذلك ونحوه استحقوا أشد العذاب، وليس لهم منقذ من عذابه ولا ناصر يدفع عنهم بعض عقابه، وهذا عام لكل منافق إلا مَنْ مَنَّ اللـه عليهم بالتوبة من السيئات.ا.هـ
· في الصحيحين عنه صلى اللـه عليه وسلم أنه قال: ( أربع من كن فيه كان منافقا خالصا , ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ; وإذا وعد أخلف ; وإذا عاهد غدر , وإذا خاصم فجر ).
· علامـات النفـاق:
- منها: الكذب في القول، وخيانة الأمانة، وخلف الوعد، والفجور عند اليمين، والغدر في العهد.
- ومنها: الاستهزاء بقيم الدين الإسلامي ومبادئه من الكتاب والسنة، والاستهزاء بالصالحين والأخيار.
- ومنها: التكاسل عن الصلاة، وما أعظم نفاق من ترك المسجد وهو بجواره وترك الصلاة فيه!.
- ومنها: مراءاة الناس بالعمل، وطلب السمعة.
- ومنها: قلة الذكر .
- ومنها حب ما يبغضه اللـه.
· الإعجاب بغير اللغة العربية: قال شيخ الإسلام: من يتعلم اللغات غير اللغة العربية لا لفائدة وإنما للإعجاب والإضرار بالعربية؛ فهي من علامة النفاق، وتجني علامة قصور الإيمان؛ وقلة الاعتزاز بالإيمان .
· ترك الجهاد من خصال النفاق:قال رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم: ]من مات ولم يغز ولم يحدّث به نفسه مات على شعبة من نفاق [. رواه مسلم
قال النووي:المراد أن من فعل هذا فقد أشبه المنافقين المتخلّفين عن الجهاد في هذا الوصف؛ فإن ترك الجهاد أحد شعب النفاق.
من النفاق تأخير الصلاة عن وقتها:لقد توعد اللـه كل من يؤخر الصلاة عن وقتها بالويل والعذاب الشديد
فقال تعالى : ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ) أي: يؤخرونها عن وقتها أو يخرجوها عن وقتها بالكلية كما قال مسروق : وهذا من صفات المنافقين وانظر قول النبي صلى اللـه عليه وسلم فيمن أخر صلاة العصر: ]تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، تلك صلاة المنافق ، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر اللـه فيها إلا قليلاً [. رواه مسلم.
· لـمـز العاملـين للـه:ذكر ابن كثير: أن لمز العاملين للـه , من صفات المنافقين لا يسلم أحد من عيبهم , ولمزهم في جميع الأحوال .
· التعذر عن القيام بأعمال الخير: وعدم المساهمة في ما ينفع الإسلام والمسلمين صفة من صفات المنافقين التي واللـه نخشى على أنفسنا وإخواننا من هذه الصفة الخطيرة التي قد لا يشعر المسلم بها.
ولكم أن تتأملوا هذه الآية التي نزلت في الجد بن قيس أخي بني سلمة عندما قال رسول اللـه صلى اللـه عليه وآله وسلم ذات يوم هل لك يا جد العام في جلاد بني الأصفر. فتعذر كما قال اللـه تعالى ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ).
- قال تعالى: (إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ).
- قال الطبري: وهذا إعلامٌ من الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم سِيمَا المنافقين: أن من علاماتهم التي يُعرفون بها تخلُّفهم عن الجهاد في سبيل الله، باستئذانهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في تركهم الخروجَ معه إذا استنفروا بالمعاذير الكاذبة.
يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، لا تأذننَّ في التخلُّف عنك إذا خرجت لغزو عدوّك، لمن استأذنك في التخلف من غير عذر، فإنه لا يستأذنك في ذلك إلا منافق لا يؤمن بالله واليوم الآخر.
· ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات المنافقين:
قال تعالى: ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَا تُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللـه فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
· الاستهزاء بأهل الإسلام: ومن صفاتهم ، أنهم يصفون أهل الإسلام بأنهم سفهاء العقول ، ضعفاء الرأي ، قليلو التفكير ، وهم في نفس الوقت يرون أنفسهم أهل الرأي الصائب، قال تعالى: ( وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ).
· كانوا يخافون النفاق: قال الحافظ ابن رجب: كان الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح يخافون على أنفسهم النفاق، ويشتد قلقهم وجزعهم منه، فالمؤمن يخاف على نفسه النفاق الأصغر، ويخاف أن يغلب ذلك عليه عند الخاتمة فيخرجه إلى النفاق الأكبر. كما تقدم أن دسائس السوء الخفية توجب سوء الخاتمة .
· قال عمر بن الخطاب لحذيفة رضي اللـه عنهما: يا حذيفة نشدتك باللـه هل سماني لك رسول اللـه منهم قال لا ولا أزكي بعدك أحدا .
· قال الحسن البصري: لو أعلم أني بريء من النفاق كان أحب إلي مما طلعت عليه الشمس.
· قال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى اللـه عليه وسلم، كلهم يخاف النفاق على نفسه .
· قال الحسن البصري: النفاق اختلاف السر والعلانية، والقول والعمل.
· أبعد الناس من النفاق:
قال ابن عمر مولى عفرة: أبعد الناس من النفاق أشدهم تخوفا على نفسه منه، الذي يرى انه لا ينجيه منه شيء، وأقرب الناس منه إذا زكي بما ليس فيه ارتاح قلبه وقَبِله.
· بكـاء الـنـفـاق: هو أن تدمع العين والقلب قاس، فيظهر صاحبه الخشوع، وهو من أقسى الناس قلبا .
· لو هـلك المنافقون: سمع حذيفة رضي اللـه عنه رجلا يقول اللـهم أهلك المنافقين فقال: يا ابن أخي لو هلك المنافقون لاستوحشتم في طرقاتكم من قلة السالك.
· الصادق يخاف النفاق على نفسه.
لا يأمن النفاق إلا منافق ، ولا يخاف النفاق إلا مؤمن . (منقول)
العلمي أمل
2017-07-18, 02:33 PM
مع صيغة المنافقون:
الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَا تُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ التوبة (http://www.alawfa.com/Go.aspx?cn=9) (67)
يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ التوبة (http://www.alawfa.com/Go.aspx?cn=9) (64)
إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ الأنفال (http://www.alawfa.com/Go.aspx?cn=8) (49)
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا الأحزاب (http://www.alawfa.com/Go.aspx?cn=33) (12)
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَا تُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ الحديد (http://www.alawfa.com/Go.aspx?cn=57) (13)
إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ المنافقون (http://www.alawfa.com/Go.aspx?cn=63) (1)
العلمي أمل
2017-08-01, 12:33 PM
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4) }
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْمُنَافِقِينَ : إِنَّهُمْ إِنَّمَا يَتَفَوَّهُونَ بِالْإِسْلَامِ إِذَا جَاءُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّا فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ فَلَيْسُوا كَذَلِكَ، بَلْ عَلَى الضِّدِّ مِنْ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} أَيْ: إِذَا حَضَروا عِنْدَكَ وَاجَهُوكَ بِذَلِكَ، وَأَظْهَرُوا لَكَ ذَلِكَ، وَلَيْسُوا كَمَا يَقُولُونَ: وَلِهَذَا اعْتَرَضَ بِجُمْلَةٍ مُخْبِرَةٍ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ}
ثُمَّ قَالَ: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} أَيْ: فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُطَابِقًا لِلْخَارِجِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْتَقِدُونَ صِحَّةَ مَا يَقُولُونَ وَلَا صِدْقَهُ؛ وَلِهَذَا كَذَّبَهُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اعْتِقَادِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} أَيِ: اتَّقَوُا النَّاسَ بِالْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ والحَلْفات الْآثِمَةِ، لِيُصَدَّقُوا فِيمَا يَقُولُونَ، فَاغْتَرَّ بِهِمْ مَنْ لَا يَعْرِفُ جَلِيَّةَ أَمْرِهِمْ، فَاعْتَقَدُوا أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ فَرُبَّمَا اقْتَدَى بِهِمْ فِيمَا يَفْعَلُونَ وَصَدَّقَهُمْ فِيمَا يَقُولُونَ، وَهُمْ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْبَاطِنِ لَا يَأْلُونَ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ خَبَلا فَحَصَلَ بِهَذَا الْقَدْرِ ضَرَرٌ كَبِيرٌ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وَلِهَذَا كَانَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحم يَقْرَؤُهَا: "اتَّخَذُوا إيمَانَهُمْ جُنَّةً" أَيْ: تَصْدِيقَهُمُ الظَّاهِرَ جُنَّة، أَيْ: تَقِيَّةً يَتَّقُونَ بِهِ الْقَتْلَ. وَالْجُمْهُورُ يَقْرَؤُهَا: {أَيْمَانَهُمْ} جَمْعُ يَمِينٍ.
[وَقَوْلُهُ] {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} أي: إنما قُدّر عليهم
العلمي أمل
2017-08-01, 04:42 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) (سورة المنافقون الآية 7).
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْمُنَافِقِينَ -عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ-أَنَّهُمْ {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ} أَيْ: صَدوا وَأَعْرَضُوا عَمَّا قِيلَ لَهُمُ، اسْتِكْبَارًا عَنْ ذَلِكَ، وَاحْتِقَارًا لِمَا قِيلَ لَهُمْ وَلِهَذَا قَالَ: {وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ } ثُمَّ جَازَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ "بَرَاءَةٌ" وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِيرَادُ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ هُنَالِكَ.
العلمي أمل
2017-08-01, 05:02 PM
من سورة الأنفال الآية 47 :
بسم الله الرحمن الرحيم
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)
[فوددت تقبيل السيوف لأنهالمعت كَبَارِقِ ثَغْرِكِ الْمُتَبَسِّمِ]
فَأَمَرَ تَعَالَى بِالثَّبَاتِ عِنْدَ قِتَالِ الْأَعْدَاءِ وَالصَّبْرِ عَلَى مُبَارَزَتِهِمْ ، فَلَا يَفِرُّوا وَلَا يَنْكُلُوا وَلَا يَجْبُنُوا، وَأَنْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَلَا يَنْسَوْهُ بَلْ يَسْتَعِينُوا بِهِ وَيَتَّكِلُوا عَلَيْهِ، وَيَسْأَلُوهُ النَّصْرَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، وَأَنْ يُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي حَالِهِمْ ذَلِكَ. فَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ ائْتَمَرُوا، وَمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ انْزَجَرُوا، وَلَا يَتَنَازَعُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ أَيْضًا فَيَخْتَلِفُوا فَيَكُونَ سَبَبًا لِتَخَاذُلِهِمْ وَفَشَلِهِمْ.
{وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} أَيْ: قُوَّتُكُمْ وَحِدَّتُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْإِقْبَالِ، {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
وَقَدْ كَانَ لِلصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -فِي بَابِ الشَّجَاعَةِ وَالِائْتِمَارِ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَامْتِثَالِ مَا أَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ -مَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنَ الْأُمَمِ وَالْقُرُونِ قَبْلَهُمْ، وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ بِبَرَكَةِ الرَّسُولِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَهُمْ، فَتَحُوا الْقُلُوبَ وَالْأَقَالِيمَ شَرْقًا وَغَرْبًا فِي الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ، مَعَ قِلَّةِ عَدَدهم بِالنِّسْبَةِ إِلَى جُيُوشِ سَائِرِ الْأَقَالِيمِ، مِنَ الرُّومِ وَالْفُرْسِ وَالتُّرْكِ وَالصَّقَالِبَة ِ وَالْبَرْبَرِ والحبُوش وَأَصْنَافِ السُّودَانِ والقبْط، وَطَوَائِفِ بَنِي آدَمَ، قَهَرُوا الْجَمِيعَ حَتَّى عَلَتْ كَلِمَةُ اللَّهِ، وَظَهَرَ دِينُهُ عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ، وَامْتَدَّتِ الْمَمَالِكُ الْإِسْلَامِيَّ ةُ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً، فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ أَجْمَعِينَ، وَحَشَرَنَا فِي زُمْرَتِهِمْ، إِنَّهُ كَرِيمٌ وَهَّابٌ.
{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) }
يَقُولُ تَعَالَى بَعْدَ أَمْرِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِخْلَاصِ فِي الْقِتَالِ فِي سَبِيلِهِ وَكَثْرَةِ ذِكْرِهِ، نَاهِيًا لَهُمْ عَنِ التَّشَبُّهِ بِالْمُشْرِكِين َ فِي خُرُوجِهِمْ مِنْ دِيَارِهِمْ {بَطَرًا} أَيْ: دَفْعًا لِلْحَقِّ، {وَرِئَاءَ النَّاسِ} وَهُوَ: الْمُفَاخَرَةُ وَالتَّكَبُّرُ عَلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ أَبُو جَهْلٍ -لَمَّا قِيلَ لَهُ: إِنَّ الْعِيرَ قَدْ نَجَا فَارْجِعُوا -فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَرِدَ مَاءَ بَدْرٍ، وَنَنْحَرَ الجُزُر، وَنَشْرَبَ الْخَمْرَ، وَتَعْزِفَ عَلَيْنَا الْقِيَانُ، وَتَتَحَدَّثَ الْعَرَبُ بِمَكَانِنَا فِيهَا يَوْمَنَا أَبَدًا، فَانْعَكَسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَجْمَعُ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا وَرَدُوا مَاءَ بَدْرٍ وَرَدُوا بِهِ الْحِمَامَ، ورُمُوا فِي أَطْوَاءِ بَدْرٍ مُهَانِينَ أَذِلَّاءَ، صَغَرَةً أَشْقِيَاءَ فِي عَذَابٍ سَرْمَدِيٍّ أَبَدِيٍّ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} أَيْ: عَالِمٌ بِمَا جَاءُوا بِهِ وَلَهُ، وَلِهَذَا جَازَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ شَرَّ الْجَزَاءِ لهم.
العلمي أمل
2017-08-02, 10:04 AM
من سورة التوبة الآيات 62-64 :
بسم الله الرحمن الرحيم
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64)
{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) }
قَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ} الْآيَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَخِيَارُنَا وَأَشْرَافُنَا، وَإِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا، لَهُمْ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ. قَالَ: فَسَمِعَهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ لَحَقٌّ، وَلَأَنْتَ أَشَرُّ مِنَ الْحِمَارِ. قَالَ: فَسَعَى بِهَا الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى الرَّجُلِ فَدَعَاهُ فَقَالَ: "مَا حَمَلَكَ عَلَى الَّذِي قُلْتَ؟ " فَجَعَلَ يَلْتَعِنُ، وَيَحْلِفُ بِاللَّهِ مَا قَالَ ذَلِكَ. وَجَعَلَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ صَدِّقِ الصَّادِقَ وَكَذِّبِ الْكَاذِبَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ}
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا} أَيْ: أَلَمْ يَتَحَقَّقُوا وَيَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ حَادَّ اللَّهَ، أَيْ: شَاقَّهُ وَحَارَبَهُ وَخَالَفَهُ، وَكَانَ فِي حَدٍّ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ فِي حدٍّ {فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا} أَيْ: مُهَانًا مُعَذَّبًا، {ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} أَيْ: وَهَذَا هُوَ الذُّلُّ الْعَظِيمُ، وَالشَّقَاءُ الْكَبِيرُ.
{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنزلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) }
قَالَ مُجَاهِدٌ: يَقُولُونَ الْقَوْلَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يَقُولُونَ: عَسَى اللَّهُ أَلَّا يُفْشِيَ عَلَيْنَا سِرَّنَا هَذَا.
وَهَذِهِ الْآيَةُ شَبِيهَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [المجادلة: 8]
العلمي أمل
2017-08-02, 10:25 AM
من سورة التوبة الآيتان 67-68 :
بسم الله الرحمن الرحيم
الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَا تُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَا تِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)
بْنُ حُمَيّر: وَاللَّهِ لوددتُ أَنِّي أُقَاضَى عَلَى أَنْ يُضْرَبَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا مِائَةَ جَلْدَةٍ، وإما نَنْفَلتُ أَنْ يُنَزَّلَ فِينَا قُرْآنٌ لِمَقَالَتِكُمْ هَذِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فِيمَا بَلَغَنِي -لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: "أَدْرِكِ الْقَوْمَ، فَإِنَّهُمْ قَدِ احْتَرَقُوا، فَسَلْهُمْ عَمَّا قَالُوا، فَإِنْ أَنْكَرُوا فَقُلْ: بَلَى، قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا". فَانْطَلَقَ إِلَيْهِمْ عَمَّارٌ، فَقَالَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ، فَقَالَ وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَجَعَلَ يَقُولُ وَهُوَ آخِذٌ بحَقَبها: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، [فَأَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} ] فَقَالَ مُخَشّن بْنُ حُمّير: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَعَدَ بِيَ اسْمِي وَاسْمُ أَبِي. فَكَانَ الَّذِي عُفِيَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُخَشّن بْنُ حُمّير، فَتَسَمَّى عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُقْتَلَ شَهِيدًا لَا يُعْلَمُ بِمَكَانِهِ، فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ أَثَرٌ
وَقَالَ قَتَادَةُ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} قَالَ: فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَرَكْبٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَسِيرُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالُوا: يَظُنُّ هَذَا أَنْ يَفْتَحَ قُصُورَ الرُّومِ وَحُصُونَهَا. هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ. فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا قَالُوا، فَقَالَ: "عَليَّ بِهَؤُلَاءِ النَّفَرِ". فَدَعَاهُمْ، فَقَالَ: "قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا". فَحَلَفُوا مَا كُنَّا إِلَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ.
وَقَالَ عِكْرِمة فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَفَا عَنْهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ، إِنِّي أَسْمَعُ آيَةً أَنَا أعنَى بِهَا، تَقْشَعِرُّ مِنْهَا الْجُلُودُ، وتجيب مِنْهَا الْقُلُوبُ، اللَّهُمَّ، فَاجْعَلْ وَفَاتِي قَتْلًا فِي سَبِيلِكَ، لَا يَقُولُ أَحَدٌ: أَنَا غُسِّلْتُ، أَنَا كُفِّنْتُ، أَنَا دُفِنْتُ، قَالَ: فَأُصِيبَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، فَمَا أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا وَقَدْ وُجِدَ غَيْرُهُ
وَقَوْلُهُ: {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} أَيْ: بِهَذَا الْمَقَالِ الَّذِي اسْتَهْزَأْتُمْ بِهِ {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً} أَيْ: لَا يُعْفى عَنْ جَمِيعِكُمْ، وَلَا بُدَّ مِنْ عَذَابِ بَعْضِكُمْ، {بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} أَيْ: مُجْرِمِينَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ الْفَاجِرَةِ الْخَاطِئَةِ.
{الْمُنَافِقُون وَالْمُنَافِقَا تُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَا تِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) }
يَقُولُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى خِلَافِ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَمَّا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، كَانَ هَؤُلَاءِ {يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} أَيْ: عَنِ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، {نَسُوا اللَّهَ} أَيْ: نسوا ذكر الله، {فَنَسِيَهُمْ} أي: عاملهم
العلمي أمل
2017-08-02, 10:34 AM
من سورة التوبة الآيتان 73-74 :
بسم الله الرحمن الرحيم
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِي نَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74) }
أَمَرَ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجِهَادِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِي نَ وَالْغِلْظَةِ عَلَيْهِمْ، كَمَا أَمَرَهُ بِأَنْ يَخْفِضَ جَنَاحَهُ لِمَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ مَصِيرَ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِي نَ إِلَى النَّارِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعَةِ أَسْيَافٍ، سَيْفٍ لِلْمُشْرِكِينَ : {فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التَّوْبَةِ:5] وَسَيْفٍ لِلْكُفَّارِ أَهْلِ الْكِتَابِ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التَّوْبَةِ:29] وَسَيْفٍ لِلْمُنَافِقِين َ: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِي نَ} [التَّوْبَةِ:73، التَّحْرِيمِ:9] وَسَيْفٍ لِلْبُغَاةِ: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الْحُجُرَاتِ:9]
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يُجَاهَدُونَ بِالسُّيُوفِ إِذَا أَظْهَرُوا النِّفَاقَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِي نَ} قَالَ: بِيَدِهِ، [فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ] فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَكْفَهِرَّ فِي وَجْهِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِجِهَادِ الْكُفَّارِ بِالسَّيْفِ، وَالْمُنَافِقِي نَ بِاللِّسَانِ، وَأَذْهَبَ الرِّفْقَ عَنْهُمْ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: جَاهِدِ الْكُفَّارَ بِالسَّيْفِ، وَاغْلُظْ عَلَى الْمُنَافِقِينَ بِالْكَلَامِ، وَهُوَ مُجَاهَدَتُهُمْ . وَعَنْ مُقَاتِلٍ، وَالرَّبِيعِ مِثْلُهُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: مُجَاهَدَتُهُمْ إِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ.
وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، لِأَنَّهُ تَارَةً يُؤَاخِذُهُمْ بِهَذَا، وَتَارَةً بِهَذَا بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ، واللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} قَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ اقْتَتَلَ رَجُلَانِ: جُهَني وَأَنْصَارِيٌّ، فعلا الجهني على الأنصاري، فقال عبد اللَّهِ لِلْأَنْصَارِ: أَلَا تَنْصُرُوا أَخَاكُمْ؟ وَاللَّهِ مَا مَثَلُنَا وَمَثَلُ مُحَمَّدٍ إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: "سمِّن كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ"، وَقَالَ: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْهَا الأذَلَّ} [الْمُنَافِقُونَ :8] فَسَعَى بِهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ، فَجَعَلَ يَحْلِفُ بِاللَّهِ مَا قَالَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةَ
وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: فَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: حَزِنْتُ عَلَى مَنْ أُصِيبَ بالحرَّة مِنْ قَوْمِي، فَكَتَبَ إِلَيَّ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَبَلَغَهُ شِدَّةُ حُزْنِي، يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ، اغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَلِأَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ" -وَشَكَّ ابْنُ الْفَضْلِ فِي أَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ -قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ: فَسَأَلَ أَنَسًا بَعْضُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَقَالَ: هُوَ الَّذِي يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَوْفَى اللَّهُ لَهُ بِأُذُنِهِ". وَذَاكَ حِينَ سَمِعَ رَجُلًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَقُولُ -وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ -: لَئِنْ كَانَ هَذَا صَادِقًا فَنَحْنُ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ، فَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: فَهُوَ وَاللَّهِ صَادِقٌ، وَلَأَنْتَ شَرٌّ مِنَ الْحِمَارِ. ثُمَّ رُفع ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَجَحَدَهُ الْقَائِلُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ تَصْدِيقًا لِزَيْدٍ -يَعْنِي قَوْلَهُ: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا} الْآيَةَ.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ. إِلَى قَوْلِهِ: "هَذَا الَّذِي أَوْفَى اللَّهُ لَهُ بِأُذُنِهِ" وَلَعَلَّ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيح، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِإِسْنَادِهِ ثُمَّ قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ. فَذَكَرَ مَا بَعْدَهُ عَنْ مُوسَى، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.
وَالْمَشْهُورُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّهَا كَانَتْ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَلَعَلَّ الرَّاوِيَ وَهَم فِي ذِكْرِ الْآيَةِ، وَأَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ غَيْرَهَا فَذَكَرَهَا، واللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ "الْأُمَوِيُّ" فِي مَغَازِيهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخَذَنِي قَوْمِي فَقَالُوا: إِنَّكَ امْرُؤٌ شَاعِرٌ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَعْتَذِرَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بِبَعْضِ الْعِلَّةِ، ثُمَّ يَكُونُ ذَنْبًا تَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهُ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَكَانَ مِمَّنْ تَخَلَّفَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ ، وَنَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ مِنْهُمْ، مِمَّنْ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الجُلاس بْنُ سُوَيد بْنِ الصَّامِتِ، وَكَانَ عَلَى أُمِّ عُمَير بْنِ سَعْدٍ، وَكَانَ عُمَيْرٌ فِي حِجْرِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ بِمَا ذَكَرَ مِمَّا أَنْزَلَ فِي الْمُنَافِقِينَ ، قَالَ الْجُلَاسُ: وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ صَادِقًا فِيمَا يَقُولُ لَنَحْنُ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ [قَالَ] فَسَمِعَهَا عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ فَقَالَ: والله -يا جلاس -إنك لأحب
العلمي أمل
2017-08-02, 11:03 AM
من سورة التوبة الآيات 75-78 :
بسم الله الرحمن الرحيم
وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78)
وَسَعْدُ بْنُ زُرَارَةَ وَقَيْسُ بْنُ فَهْدٍ، وَسُوَيْدٌ وَدَاعِسٌ مِنْ بَنِي الْحُبُلِيِّ، وَقَيْسُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ، وَزَيْدُ بْنُ اللَّصِيتِ، وَسُلَالَةُ بْنُ الْحِمَامِ، وَهُمَا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَظْهَرَا الْإِسْلَامَ
وَقَوْلُهُ: {وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} أَيْ: وَمَا لِلرَّسُولِ عِنْدَهُمْ ذَنْبٌ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَغْنَاهُمْ بِبَرَكَتِهِ وَيُمْنِ سِفَارَتِهِ، وَلَوْ تَمَّتْ عَلَيْهِمُ السَّعَادَةُ لَهَدَاهُمُ اللَّهُ لِمَا جَاءَ بِهِ، كَمَا قَالَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلْأَنْصَارِ: "أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلالا فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي؟ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي؟ " كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ.
وَهَذِهِ الصِّيغَةُ تُقَالُ حَيْثُ لَا ذَنْبَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [الْبُرُوجِ:8] وَكَمَا قَالَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلَّا أَنْ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ".
ثُمَّ دَعَاهُمُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى التَّوْبَةِ فَقَالَ: {فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} أَيْ: وَإِنْ يَسْتَمِرُّوا عَلَى طَرِيقِهِمْ {يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا} أَيْ: بِالْقَتْلِ وَالْهَمِّ وَالْغَمِّ، {وَالْآخِرَةِ} أَيْ: بِالْعَذَابِ وَالنَّكَالِ وَالْهَوَانِ وَالصَّغَارِ، {وَمَا لَهُمْ فِي الأرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} أَيْ: وَلَيْسَ لَهُمْ أَحَدٌ يُسْعِدُهُمْ وَلَا يُنْجِدُهُمْ، وَلَا يُحَصِّلُ لَهُمْ خَيْرًا، وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُمْ شَرًّا.
{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلامُ الْغُيُوبِ (78) }
يَقُولُ تَعَالَى: وَمِنَ الْمُنَافِقِينَ مَنْ أَعْطَى اللَّهَ عَهْدَهُ وَمِيثَاقَهُ: لَئِنْ أَغْنَاهُ مِنْ فَضْلِهِ لَيَصَّدَّقَنَّ مِنْ مَالِهِ، وَلَيَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ. فَمَا وَفَّى بِمَا قَالَ، وَلَا صَدَقَ فِيمَا ادَّعَى، فَأَعْقَبَهُمْ هَذَا الصَّنِيعُ نِفَاقًا سَكَنَ فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عِياذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَدْ ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ ، مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فِي "ثَعْلَبَةَ بْنِ حَاطِبٍ الْأَنْصَارِيِّ".
وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ هَاهُنَا وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ مُعان بْنِ رِفَاعة، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَاطِبٍ الْأَنْصَارِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادع الله أن يرزقني مَالًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ قَلِيلٌ تُؤَدِّي شُكْرَهُ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ لَا تُطِيقُهُ". قَالَ: ثُمَّ قَالَ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِثْلَ نَبِيِّ اللَّهِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ شِئْتُ أَنْ تَسِيرَ مَعِيَ الْجِبَالُ ذَهَبًا وَفِضَّةً لَسَارَتْ". قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَئِنْ دَعَوْتَ اللَّهَ فَرَزَقَنِي مَالًا لَأُعْطِيَنَّ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ ارْزُقْ ثَعْلَبَةَ مَالًا". قَالَ: فَاتَّخَذَ غَنَمًا، فَنَمَتْ كَمَا يَنْمُو الدُّودُ، فَضَاقَتْ عَلَيْهِ الْمَدِينَةُ، فَتَنَحَّى عَنْهَا، فَنَزَلَ وَادِيًا مِنْ أَوْدِيَتِهَا، حَتَّى جَعَلَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فِي جَمَاعَةٍ، وَيَتْرُكَ مَا سِوَاهُمَا. ثُمَّ نَمَتْ وكَثُرت، فَتَنَحَّى حَتَّى تَرَكَ الصَّلَوَاتِ إِلَّا الْجُمُعَةَ، وَهِيَ تَنْمُو كَمَا يَنْمُو الدُّودُ، حَتَّى تَرَكَ الْجُمُعَةَ. فَطَفِقَ يَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، يَسْأَلُهُمْ عَنِ الْأَخْبَارِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا فَعَلَ ثَعْلَبَةُ"؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اتَّخَذَ غَنَمًا فَضَاقَتْ عَلَيْهِ الْمَدِينَةُ. فَأَخْبَرُوهُ بِأَمْرِهِ فَقَالَ: "يَا وَيْحَ ثَعْلَبَةَ، يَا وَيْحَ ثَعْلَبَةَ، يَا وَيْحَ ثَعْلَبَةَ". وَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} الْآيَةَ [التَّوْبَةِ: 103] قَالَ: وَنَزَلَتْ عَلَيْهِ فَرَائِضُ الصَّدَقَةِ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَيْنِ عَلَى الصَّدَقَةِ: رَجُلًا مِنْ جُهَيْنَة، وَرَجُلًا مِنْ سُلَيْمٍ، وَكَتَبَ لَهُمَا كَيْفَ يَأْخُذَانِ الصَّدَقَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ لَهُمَا: "مُرا بِثَعْلَبَةَ، وَبِفُلَانٍ -رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ -فَخُذَا صَدَقَاتِهِمَا". فَخَرَجَا حَتَّى أَتَيَا ثَعْلَبَةَ، فَسَأَلَاهُ الصَّدَقَةَ، وَأَقْرَآهُ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ إِلَّا جِزْيَةٌ. مَا هَذِهِ إِلَّا أُخْتُ الْجِزْيَةِ. مَا أَدْرِي مَا هَذَا انْطَلِقَا حَتَّى تفرُغا ثُمَّ عُودا إِلَيَّ. فَانْطَلَقَا وَسَمِعَ بِهِمَا السُّلَمِيُّ، فَنَظَرَ إِلَى خِيَارِ أَسْنَانِ إِبِلِهِ، فَعَزْلَهَا لِلصَّدَقَةِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَهُمَ ا بِهَا فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا: مَا يَجِبُ عَلَيْكَ هَذَا، وَمَا نُرِيدُ أَنْ نَأْخُذَ هَذَا مِنْكَ. قَالَ: بَلَى، فَخُذُوهَا، فَإِنَّ نَفْسِي بِذَلِكَ طَيِّبَةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ لَهُ. فَأَخَذُوهَا مِنْهُ. فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ صَدَقَاتِهِمَا رَجَعَا حَتَّى مَرَّا بِثَعْلَبَةَ، فَقَالَ: أَرُونِي كِتَابَكُمَا فَنَظَرَ فِيهِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ إِلَّا أُخْتُ الْجِزْيَةِ. انْطَلِقَا حَتَّى أَرَى رَأْيِي. فَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهُمَا قَالَ: "يَا وَيْحَ ثَعْلَبَةَ" قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمَا، وَدَعَا لِلسُّلَمِيِّ بِالْبَرَكَةِ، فَأَخْبَرَاهُ بِالَّذِي صَنَعَ ثَعْلَبَةُ وَالَّذِي صَنَعَ السُّلَمِيُّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ } إِلَى قَوْلِهِ: {وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} قَالَ: وَعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ أَقَارِبِ ثَعْلَبَةَ، فَسَمِعَ ذَلِكَ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَاهُ فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ. قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ كَذَا وَكَذَا. فَخَرَجَ ثَعْلَبَةُ حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ صَدَقَتَهُ، فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ مَنَعَنِي أَنْ أَقْبَلَ مِنْكَ صَدَقَتَكَ". فَجَعَلَ يَحْثُو عَلَى رَأْسِهِ التُّرَابَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " [هَذَا] عَمَلُكَ، قَدْ أَمَرْتُكَ فَلَمْ تُطِعْنِي". فَلَمَّا أَبَى أَنْ يَقْبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فقُبِض رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ شَيْئًا. ثُمَّ أَتَى أَبَا بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حِينَ اسْتُخْلِفَ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ مَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَمَوْضِعِي مِنَ الْأَنْصَارِ، فَاقْبَلْ صَدَقَتِي. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمْ يَقْبَلْهَا مِنْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، فَقُبِضَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَقْبَلْهَا. فَلَمَّا وَلِي عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَتَاهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اقْبَلْ صَدَقَتِي. فَقَالَ: لَمْ يَقْبَلْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَبُو بَكْرٍ، وَأَنَا أَقْبَلُهَا مِنْكَ! فَقُبِضَ وَلَمْ يَقْبَلْهَا؛ ثُمَّ وَلِيَ عُثْمَانُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، [فَأَتَاهُ] فَسَأَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ صَدَقَتَهُ، فَقَالَ: لَمْ يَقْبَلْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ، وَأَنَا أَقْبَلُهَا مِنْكَ! فَلَمْ يَقْبَلْهَا مِنْهُ، وَهَلَكَ ثَعْلَبَةُ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} أَيْ: أَعْقَبَهُمُ النِّفَاقَ فِي قُلُوبِهِمْ بِسَبَبِ إِخْلَافِهِمُ الْوَعْدَ وَكَذِبِهِمْ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ" وَلَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ، واللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلامُ الْغُيُوبِ} يُخْبِرُهُمْ تَعَالَى أَنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، وَأَنَّهُ أَعْلَمُ بِضَمَائِرِهِمْ وَإِنْ أَظْهَرُوا أَنَّهُ إِنْ حَصَلَ لَهُمْ أَمْوَالٌ تَصَدَّقُوا مِنْهَا وَشَكَرُوا عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى عَلَّامُ الْغُيُوبِ، أَيْ: يَعْلَمُ كُلَّ غَيْبٍ وَشَهَادَةٍ، وَكُلَّ سِرٍّ وَنَجْوَى، وَيَعْلَمُ مَا ظَهَرَ وَمَا بَطَنَ.
{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِين َ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) }
وَهَذِهِ أَيْضًا مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ : لَا يَسْلَمُ أَحَدٌ مِنْ عَيْبِهِمْ وَلَمْزِهِمْ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، حَتَّى وَلَا الْمُتَصَدِّقُو نَ يَسْلَمُونَ مِنْهُمْ، إِنْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِمَالٍ جَزِيلٍ قَالُوا: هَذَا مِرَاءٌ، وَإِنْ جَاءَ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا. كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الصَّدَقَةِ كُنَّا نَتَحَامَلُ عَلَى ظُهُورِنَا، فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ، فَقَالُوا: مُرَائِي. وَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ، فَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا. فَنَزَلَتْ {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِين َ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ} الْآيَةَ.
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا فِي صَحِيحِهِ، مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ قَالَ: وَقَفَ علينا رجل في
العلمي أمل
2017-08-02, 12:10 PM
من سورة التوبة الآية 101 :
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)
{وَالسَّابِقُون الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) }
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ رِضَاهُ عَنِ السَّابِقَيْنِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَرِضَاهُمْ عَنْهُ بِمَا أعدَّ لَهُمْ مِنْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ.
قَالَ الشَّعْبِيُّ: السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَنْ أَدْرَكَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ .
وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ: هُمُ الَّذِينَ صَلَّوْا إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: مرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِرَجُلٍ يَقْرَأُ: {وَالسَّابِقُون الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ} فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَقَالَ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذَا؟ فَقَالَ: أبيُّ بْنُ كَعْبٍ. فَقَالَ: لَا تُفَارِقْنِي حَتَّى أَذْهَبَ بِكَ إِلَيْهِ. فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ عُمَرُ: أَنْتَ أَقْرَأْتَ هَذَا هَذِهِ الْآيَةَ هَكَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وسمعتَها مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نَعَمْ. لَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَنَّا رَفَعَنَا رَفْعَةً لَا يَبْلُغُهَا أَحَدٌ بَعْدَنَا، فَقَالَ أبيُّ: تَصْدِيقُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الْجُمُعَةِ:3] وَفِي سُورَةِ الْحَشْرِ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ} [الْحَشْرِ:10] وَفِي الْأَنْفَالِ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ} [الْأَنْفَالِ:75] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ (1)
قَالَ: وَذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا بِرَفْعِ "الْأَنْصَارِ" عَطْفًا عَلَى {وَالسَّابِقُون الأوَّلُونَ}
فَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ الْعَظِيمُ أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ عَنِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ: فَيَا وَيْلُ مَنْ أَبْغَضَهُمْ أَوْ سَبَّهم أَوْ أَبْغَضَ أَوْ سبَّ بَعْضَهُمْ، وَلَا سِيَّمَا سيدُ الصَّحَابَةِ بَعْدَ الرَّسُولِ وَخَيْرُهُمْ وَأَفْضَلُهُمْ، أَعْنِي الصِّدِّيقَ الْأَكْبَرَ وَالْخَلِيفَةَ الْأَعْظَمَ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي قُحَافَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِنَّ الطَّائِفَةَ الْمَخْذُولَةَ مِنَ الرَّافِضَةِ يُعَادُونَ أَفْضَلَ الصَّحَابَةِ ويُبغضونهم ويَسُبُّونهم، عِياذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُقُولَهُمْ مَعْكُوسَةٌ، وَقُلُوبَهُمْ مَنْكُوسَةٌ، فَأَيْنَ هَؤُلَاءِ مِنَ الْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ، إِذْ يسبُّون مَنْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ؟ وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَإِنَّهُمْ يَتَرَضُّونَ عَمَّنْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَيَسُبُّونَ مَنْ سَبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيُوَالُونَ مَنْ يُوَالِي اللَّهَ، وَيُعَادُونَ مَنْ يُعَادِي اللَّهَ، وَهُمْ مُتَّبِعُونَ لَا مُبْتَدِعُونَ، وَيَقْتَدُونَ وَلَا يَبْتَدُونَ وَلِهَذَا هُمْ حِزْبُ اللَّهِ الْمُفْلِحُونَ وَعِبَادُهُ الْمُؤْمِنُونَ.
{وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) }
__________
(1) تفسير الطبري (14/438) .
العلمي أمل
2017-08-02, 12:25 PM
من سورة التوبة الآيات 97-99 :
بسم الله الرحمن الرحيم
الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99)
أَخْبَرَ تَعَالَى عَنِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ أَنَّهُمْ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِمْ، {قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ} أَيْ: لَنْ نُصَدِّقَكُمْ، {قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ} أَيْ: قَدْ أَعْلَمَنَا اللَّهُ أَحْوَالَكُمْ، {وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} أَيْ: سَيُظْهِرُ أَعْمَالَكُمْ لِلنَّاسِ فِي الدُّنْيَا، {ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أَيْ: فَيُخْبِرُكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ ، خَيْرِهَا وَشَرِّهَا، وَيُجْزِيكُمْ عَلَيْهَا.
ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ سَيَحْلِفُونَ مُعْتَذِرِينَ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَلَا تُؤَنِّبُوهم، {فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ} احْتِقَارًا لَهُمْ، {إِنَّهُمْ رِجْسٌ} أَيْ: خُبثاء نَجِسٌ بَوَاطِنُهُمْ وَاعْتِقَادَاتُ هُمْ، {وَمَأْوَاهُمْ} فِي آخِرَتِهِمْ {جَهَنَّمُ} {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} أَيْ: مِنَ الْآثَامِ وَالْخَطَايَا.
وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ وَإِنْ رَضُوا عَنْهُمْ بِحَلِفِهِمْ لَهُمْ، {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} أَيِ: الْخَارِجِينَ عَنْ طَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، فَإِنَّ الْفِسْقَ هُوَ الْخُرُوجُ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْفَأْرَةُ "فُوَيسقة" لِخُرُوجِهَا مِنْ جُحرها لِلْإِفْسَادِ، وَيُقَالُ: "فَسَقَتِ الرُّطَبَةُ": إِذَا خَرَجَتْ مِنْ أَكْمَامِهَا
{الأعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الأعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنَ الأعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) }
أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ فِي الْأَعْرَابِ كُفَّارًا وَمُنَافِقِينَ وَمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّ كُفْرَهُمْ وَنِفَاقَهُمْ أَعْظَمُ مِنْ غَيْرِهِمْ وَأَشَدُّ، وَأَجْدَرُ، أَيْ: أَحْرَى أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، كَمَا قَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: جَلَسَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى زَيْدِ بْنِ صَوْحان وَهُوَ يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ، وَكَانَتْ يَدُهُ قَدْ أُصِيبَتْ يَوْمَ نهاوَند، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : وَاللَّهِ إِنَّ حَدِيثَكَ لَيُعْجِبُنِي، وَإِنَّ يَدَكَ لَتُرِيبُنِي فَقَالَ زَيْدٌ: مَا يُريبك مِنْ يَدِي؟ إِنَّهَا الشِّمَالُ. فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : وَاللَّهِ مَا أَدْرِي، الْيَمِينَ يَقْطَعُونَ أَوِ الشمالَ؟ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ صَدَقَ اللَّهُ: {الأعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ}
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عن وهب بْنِ مُنَبِّه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ سَكَنَ الْبَادِيَةَ جَفَا، وَمَنِ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَل، وَمَنْ أَتَى السُّلْطَانَ افْتُتِنَ".
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيّ ُ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ.
وَلَمَّا كَانَتِ الْغِلْظَةُ وَالْجَفَاءُ فِي أَهْلِ الْبَوَادِي لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ مِنْهُمْ رَسُولًا وَإِنَّمَا كَانَتِ الْبَعْثَةُ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [يُوسُفَ:109] وَلَمَّا أَهْدَى ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ تِلْكَ الْهَدِيَّةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فردَّ عَلَيْهِ أَضْعَافَهَا حَتَّى رَضِيَ، قَالَ: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَلَّا أَقْبَلَ هَدِيَّةً إِلَّا مِنْ قُرشي، أَوْ ثَقَفي أَوْ أَنْصَارِيٍّ، أَوْ دَوْسِيّ" ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا يَسْكُنُونَ الْمُدُنَ: مَكَّةَ، وَالطَّائِفَ، وَالْمَدِينَةَ، وَالْيَمَنَ، فَهُمْ أَلْطَفُ أَخْلَاقًا مِنَ الْأَعْرَابِ: لِمَا فِي طِبَاعِ الْأَعْرَابِ مِنَ الْجَفَاءِ.
حَدِيثُ [الْأَعْرَابِيِّ] فِي تَقْبِيلِ الْوَلَدِ: قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْب قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيْر، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَدِمَ نَاسٌ مِنَ الْأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: أتقبِّلون صِبْيَانَكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالُوا: وَلَكِنَّا وَاللَّهِ مَا نقبِّل. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَأمْلكُ أَنْ كَانَ اللَّهُ نَزَعَ مِنْكُمُ الرَّحْمَةَ؟ ". وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: "مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ"
وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أَيْ: عَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعَلِّمَهُ الْإِيمَانَ وَالْعِلْمَ، {حَكِيمٌ} فِيمَا قَسَّمَ بَيْنَ عِبَادِهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ، لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، لِعَلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ.
وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ مِنْهُمْ {مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ} أَيْ: فِي سَبِيلِ اللَّهِ {مَغْرَمًا} أَيْ: غَرَامَةً وَخَسَارَةً، {وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ} أَيْ: يَنْتَظِرُ بِكُمُ الْحَوَادِثَ وَالْآفَاتِ، {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} أَيْ: هِيَ مُنْعَكِسَةٌ عَلَيْهِمْ وَالسَّوْءُ دَائِرٌ عَلَيْهِمْ، {وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أَيْ: سَمِيعٌ لِدُعَاءِ عِبَادِهِ، عَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ النَّصْرَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الْخُذْلَانَ.
وَقَوْلُهُ: {وَمِنَ الأعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ} هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الْمَمْدُوحُ مِنَ الْأَعْرَابِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ مَا يُنْفِقُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قُرْبَةً يَتَقَرَّبُونَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَيَبْتَغُونَ بِذَلِكَ دُعَاءَ الرَّسُولِ لَهُمْ، {أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ} أَيْ: أَلَا إِنَّ ذَلِكَ حَاصِلٌ لَهُمْ، {سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
العلمي أمل
2017-08-02, 04:20 PM
من سورة الأحزاب الآيات 1-3 :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِي نَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا (3) } .
هَذَا تَنْبِيهٌ بِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى، فَإِنَّهُ تَعَالَى إِذَا كَانَ يَأْمُرُ عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ بِهَذَا، فَلأن يَأْتَمِرَ مِنْ دُونِهِ بِذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى. وَقَدْ قَالَ طَلْق بْنُ حَبِيبٍ: التَّقْوَى: أَنْ تَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ، عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ، تَرْجُو ثَوَابَ اللَّهِ، وَأَنْ تَتْرُكَ مَعْصِيَةَ اللَّهِ، عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ، مَخَافَةَ عَذَابِ اللَّهِ.
وَقَوْلُهُ: {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِي نَ} أَيْ: لَا تَسْمَعْ مِنْهُمْ وَلَا تَسْتَشِرْهُمْ، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} أَيْ: فَهُوَ أَحَقُّ أَنْ تَتَّبِعَ أَوَامِرَهُ وَتُطِيعَهُ، فَإِنَّهُ عَلِيمٌ بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ، حَكِيمٌ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ. وَلِهَذَا قَالَ: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} أَيْ: مِنْ قُرْآنٍ وَسُنَّةٍ، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} أَيْ: فَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ.
{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} أَيْ: فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ وَأَحْوَالِكَ، {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا}
العلمي أمل
2017-08-02, 04:33 PM
من سورة الأحزاب الآيات 11-13 :
هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13)
وَقَوْلُهُ: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ} أَيِ: الْأَحْزَابُ {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} تَقَدَّمَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ، {وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} أَيْ: مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَالْفَزَعِ، {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} .
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: ظَنَّ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الدَّائِرَةَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّ اللَّهَ سَيَفْعَلُ ذَلِكَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} : ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ كُلَّ ظَنٍّ، وَنَجَمَ النِّفَاقُ حَتَّى قَالَ مُعَتّب بْنُ قُشَيْرٍ -أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ -: كَانَ مُحَمَّدٌ يَعِدُنا أَنْ نَأْكُلَ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَأَحَدُنَا لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْغَائِطِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ} : ظُنُونٌ مُخْتَلِفَةٌ، ظَنَّ الْمُنَافِقُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ يُسْتَأْصَلُونَ ، وَأَيْقَنَ الْمُؤْمِنُونَ أَنَّ مَا وَعَدَ اللَّهُ وَرَسُولَهُ حَقٌّ، وَأَنَّهُ سَيُظْهِرُهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَاصِمٍ الْأَنْصَارِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ (ح) وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ -يَعْنِي: ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ، مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ -عَنْ ُرَتْيج بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قُلْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ مِنْ شَيْءٍ نَقُولُ، فَقَدْ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نَعَمْ، قُولُوا: اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا، وَآمِنْ رَوْعاتنا". قَالَ: فَضَرَبَ وُجُوهَ أَعْدَائِهِ بِالرِّيحِ، فَهَزَمَهُمْ بِالرِّيحِ.
وَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ .
{هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا (13) }
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ ذَلِكَ الْحَالِ، حِينَ نَزَلَتِ الْأَحْزَابُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، وَالْمُسْلِمُون َ مَحْصُورُونَ فِي غَايَةِ الْجُهْدِ وَالضِّيقِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِهُمْ: أَنَّهُمُ ابتُلوا واختُبروا وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا، فَحِينَئِذٍ ظَهَرَ النِّفَاقُ، وَتَكَلَّمَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ.
{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا} أَمَّا الْمُنَافِقُ، فَنَجَمَ نِفَاقُهُ، وَالَّذِي فِي قَلْبِهِ شُبْهَةٌ أو
وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15)
حَسِيْكَة، ضَعُف حَالُهُ فَتَنَفَّسَ بِمَا يَجِدُهُ مِنَ الْوَسْوَاسِ فِي نَفْسِهِ؛ لِضَعْفِ إِيمَانِهِ، وَشِدَّةِ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ ضِيقِ الْحَالِ.
وَقَوْمٌ آخَرُونَ قَالُوا كَمَا قَالَ اللَّهُ: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ} يَعْنِي: الْمَدِينَةَ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ: "أُرِيتُ [فِي الْمَنَامِ] دارَ هجرتكُم، أَرْضٌ بَيْنَ حَرّتين فَذَهَبَ وَهْلي أَنَّهَا هَجَر، فإذا هي يثرب"، وَفِي لَفْظٍ: "الْمَدِينَةُ".
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ الْبَرَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "من سَمَّى الْمَدِينَةَ يَثْرِبَ، فَلْيَسْتَغْفِر ِ اللَّهَ، هِيَ طَابَةٌ، هِيَ طَابَةٌ" .
تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيُقَالُ: إِنَّمَا كَانَ أَصْلُ تَسْمِيَتِهَا "يَثْرِبَ" بِرَجُلٍ نَزَلَهَا مِنَ الْعَمَالِيقَ، يُقَالُ لَهُ: يَثْرِبُ بْنُ عُبَيْلِ بْنِ مَهْلَابِيلَ بْنِ عَوْصِ بْنِ عِمْلَاقِ بْنِ لَاوِذَ بْنِ إِرَمَ بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ. قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ، قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ لَهَا [فِي التَّوْرَاةِ] أَحَدَ عَشَرَ اسْمًا: الْمَدِينَةُ، وَطَابَةُ، وَطَيِّبَةُ، الْمِسْكِينَةُ، وَالْجَابِرَةُ، وَالْمُحِبَّةُ، وَالْمَحْبُوبَة ُ، وَالْقَاصِمَةُ، وَالْمَجْبُورَة ُ، وَالْعَذْرَاءُ، وَالْمَرْحُومَة ُ.
وَعَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَالَ: إِنَّا نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ يَقُولُ اللَّهُ لِلْمَدِينَةِ: يَا طِيبَةُ، وَيَا طَابَةُ، وَيَا مِسْكِينَةُ [لَا تَقْلِي الْكُنُوزَ، أَرْفَعُ أَحَاجِرَكِ عَلَى أَحَاجِرِ الْقُرَى] .
وَقَوْلُهُ: {لَا مُقَامَ لَكُمْ} أَيْ: هَاهُنَا، يَعْنُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقَامِ الْمُرَابِطَةِ، {فَارْجِعُوا} أَيْ: إِلَى بُيُوتِكُمْ وَمَنَازِلِكُمْ . {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ} : قَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُمْ بَنُو حَارِثَةَ قَالُوا: بُيُوتُنَا نَخَافُ عَلَيْهَا السَّرَقَ. وَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ.
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَنَّ الْقَائِلَ لِذَلِكَ هُوَ أَوْسُ بْنُ قَيظيّ، يَعْنِي: اعْتَذَرُوا فِي الرُّجُوعِ إِلَى مَنَازِلِهِمْ بِأَنَّهَا عَورة، أَيْ: لَيْسَ دُونَهَا مَا يَحْجُبُهَا عَنِ الْعَدُوِّ، فَهُمْ يَخْشَوْنَ عَلَيْهَا مِنْهُمْ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ} أَيْ: لَيْسَتْ كَمَا يَزْعُمُونَ، {إِنْ يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا} أَيْ: هَرَبًا مِنَ الزَّحْفِ.
{وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلا يَسِيرًا (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الأدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولا (15) }
العلمي أمل
2017-08-02, 04:45 PM
من سورة الأحزاب الآيتان 23-24 :
بسم الله الرحمن الرحيم
{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (24) }
لمَّا ذَكَرَ عَنِ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ نَقَضُوا الْعَهْدَ الَّذِي كَانُوا عَاهِدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ، وَصَفَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّهُمُ اسْتَمَرُّوا عَلَى الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ وَ {صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} ، قَالَ بَعْضُهُمْ: أَجْلَهُ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: عَهْدَهُ. وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى الْأَوَّلِ.
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا} أَيْ: وَمَا غَيَّرُوا عَهْدَ اللَّهِ، وَلَا نَقَضُوهُ وَلَا بَدَّلُوهُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا نَسَخْنَا الصُّحُف ، فَقَدْتُ آيَةً مِنْ "سُورَةِ الْأَحْزَابِ" كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا، لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ إِلَّا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ -الَّذِي جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَتَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ -: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}
العلمي أمل
2017-08-02, 04:52 PM
من سورة الأحزاب الآيات 45-48 :
بسم الله الرحمن الرحيم
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا (47) وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِي نَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا (48) } .
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا فُلَيْح بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ. قَالَ: أَجَلْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِصِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَسْتَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ ، وَلَنْ يقبضَه اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ، بِأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا".
العلمي أمل
2017-08-02, 05:02 PM
من سورة الأحزاب الآيات 59-62 :
بسم الله الرحمن الرحيم
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُون َ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا (62) } .
يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا رَسُولَهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا، أَنْ يَأْمُرَ النِّسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ -خَاصَّةً أَزْوَاجَهُ وَبَنَاتِهِ لِشَرَفِهِنَّ -بِأَنْ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ، لِيَتَمَيَّزْنَ عَنْ سِمَاتِ نِسَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ وَسِمَاتِ الْإِمَاءِ. وَالْجِلْبَابُ هُوَ: الرِّدَاءُ فَوْقَ الْخِمَارِ. قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَعُبَيْدَةُ، وَقَتَادَةُ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيّ ُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِزَارِ الْيَوْمَ.
قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ: الْجِلْبَابُ: الْمِلْحَفَةُ، قَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ هُذَيْلٍ تَرْثِي قَتِيلًا لَهَا:
تَمْشي النُّسور إِلَيْهِ وَهْيَ لاهيةٌ ... مَشْيَ العَذَارى عَلَيْهِنَّ الجَلابيبُ
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَمَرَ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ إذا خرجن من بيوتهن في حَاجَةٍ أَنْ يُغَطِّينَ وُجُوهَهُنَّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِنَّ بِالْجَلَابِيبِ ، وَيُبْدِينَ عَيْنًا وَاحِدَةً.
وَقَالَ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: سَأَلْتُ عَبيدةَ السَّلْمَانِيَّ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} ، فَغَطَّى وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ وَأَبْرَزَ عَيْنَهُ الْيُسْرَى.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: تُغَطِّي ثُغْرَة نَحْرِهَا بِجِلْبَابِهَا تُدْنِيهِ عَلَيْهَا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الظَّهراني فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنِ ابْنِ خُثَيْم، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} ، خَرَجَ نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الْغِرْبَانُ مِنَ السَّكِينَةِ، وَعَلَيْهِنَّ أَكْسِيَةٌ سُودٌ يَلْبَسْنَهَا .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: وَسَأَلْنَاهُ يَعْنِي: الزُّهْرِيَّ -: هَلْ عَلَى الْوَلِيدَةِ خِمَارٌ مُتَزَوِّجَةٌ أَوْ غَيْرُ مُتَزَوِّجَةٍ؟ قَالَ: عَلَيْهَا الْخِمَارُ إِنْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً، وَتُنْهَى عَنِ الْجِلْبَابِ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُنَّ أَنْ يَتَشَبَّهْنَ بِالْحَرَائِرِ إِلَّا مُحَصَّنَاتٍ . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} .
وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إِلَى زِينَةِ نِسَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، إِنَّمَا يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ؛ لَا لِحُرْمَتِهِنَّ ، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} .
وَقَوْلُهُ: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} أَيْ: إِذَا فَعَلْنَ ذَلِكَ عُرِفْنَ أنَّهن حَرَائِرُ، لَسْنَ بِإِمَاءٍ وَلَا عَوَاهِرَ، قَالَ السُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: { [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ] قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنْ فُسَّاقِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَخْرُجُونَ بِاللَّيْلِ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلَامُ إِلَى طُرُقِ الْمَدِينَةِ، يَتَعَرَّضُونَ لِلنِّسَاءِ، وَكَانَتْ مَسَاكِنُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ضَيِّقة، فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ خَرَجَ النِّسَاءُ إِلَى الطُّرُقِ يَقْضِينَ حَاجَتَهُنَّ، فَكَانَ أُولَئِكَ الْفُسَّاقُ يَبْتَغُونَ ذَلِكَ مِنْهُنَّ، فَإِذَا رَأَوُا امْرَأَةً عَلَيْهَا جِلْبَابٌ قَالُوا: هَذِهِ حُرَّةٌ، كُفُّوا عَنْهَا. وَإِذَا رَأَوُا الْمَرْأَةَ لَيْسَ عَلَيْهَا جِلْبَابٌ، قَالُوا: هَذِهِ أَمَةٌ. فَوَثَبُوا إِلَيْهَا .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَتَجَلْبَبْنَ فَيُعْلَمُ أَنَّهُنَّ حَرَائِرُ، فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُنَّ فَاسِقٌ بِأَذًى وَلَا رِيبَةٍ.
وَقَوْلُهُ: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} أَيْ: لِمَا سَلَفَ فِي أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُنَّ عِلْمٌ بِذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُتَوَعِّدًا لِلْمُنَافِقِين َ، وَهُمُ الَّذِينَ يُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ وَيُبْطِنُونَ الْكُفْرَ: {وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} قَالَ عِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُ: هُمُ الزُّنَاةُ هَاهُنَا {وَالْمُرْجِفُو َ فِي الْمَدِينَةِ} يعني: الذين يقولون: "جاء الْأَعْدَاءُ" وَ"جَاءَتِ الْحُرُوبُ"، وَهُوَ كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ، لَئِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَنْ ذَلِكَ وَيَرْجِعُوا إِلَى الْحَقِّ {لَنُغْرِيَنَّك بِهِمْ} قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ: لنسلطنَّك عَلَيْهِمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: لنحرّشَنَّك بِهِمْ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَنُعْلِمَنَّكَ بِهِمْ.
{ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا} أَيْ: فِي الْمَدِينَةِ {إِلا قَلِيلا * مَلْعُونِينَ} حَالٌ مِنْهُمْ فِي مُدَّةِ إِقَامَتِهِمْ فِي الْمَدِينَةِ مُدَّةً قريبة مطرودين مبعدين، {أَيْنَمَا ثُقِفُوا} أَيْ: وُجِدُوا، {أُخِذُوا} لِذِلَّتِهِمْ وَقِلَّتِهِمْ، {وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا} .
ثُمَّ قَالَ: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} أَيْ: هَذِهِ سُنَّتُهُ فِي الْمُنَافِقِينَ إِذَا تَمَرَّدُوا عَلَى نِفَاقِهِمْ وَكُفْرِهِمْ وَلَمْ يَرْجِعُوا عَمَّا هُمْ فِيهِ، أَنَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ يُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ وَيَقْهَرُونَهُ مْ، {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا} أَيْ: وَسُنَّةُ اللَّهِ فِي ذَلِكَ لَا تُبَدَّلُ وَلَا تُغَيَّرُ.
العلمي أمل
2017-08-02, 05:28 PM
من سورة الأحزاب الآيتان 72-73 :
بسم الله الرحمن الرحيم
{إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَا تِ وَالْمُشْرِكِين َ وَالْمُشْرِكَات ِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73) }
قَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي بِالْأَمَانَةِ: الطَّاعَةُ، وَعَرَضَهَا عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يَعْرِضَهَا عَلَى آدَمَ، فَلَمْ يُطِقْنَهَا ، فَقَالَ لِآدَمَ: إِنِّي قَدْ عرضتُ الأمانة على السموات وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَلَمْ يُطِقْنَهَا ، فَهَلْ أَنْتَ آخِذٌ بِمَا فِيهَا؟ قَالَ: يَا رَبِّ، وَمَا فِيهَا؟ قَالَ: إِنْ أَحْسَنْتَ جُزِيتَ، وَإِنْ أَسَأْتَ عُوقِبْتَ. فَأَخَذَهَا آدَمُ فتحمَّلها، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} .
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، الْأَمَانَةُ: الْفَرَائِضُ، عرضها الله على السموات وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ، إِنْ أَدَّوْهَا أَثَابَهُمْ. وَإِنْ ضَيَّعُوهَا عَذَّبَهُمْ ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ وَأَشْفَقُوا مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَلَكِنْ تَعْظِيمًا لِدِينِ اللَّهِ أَلَّا يَقُومُوا بِهَا، ثُمَّ عَرَضَهَا عَلَى آدَمَ فَقَبِلَهَا بِمَا فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} يَعْنِي: غِرًا بِأَمْرِ اللَّهِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الآية: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} قَالَ: عُرِضَتْ عَلَى آدَمَ فَقَالَ: خُذْهَا بِمَا فِيهَا، فَإِنْ أَطَعْتَ غَفَرت لَكَ، وَإِنْ عَصَيت عَذَّبْتُكَ. قَالَ: قَبِلْتُ، فَمَا كَانَ إِلَّا قَدْرُ مَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، حَتَّى أَصَابَ الْخَطِيئَةَ.
وَقَدْ رَوَى الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَرِيبًا مِنْ هَذَا. وَفِيهِ نَظَرٌ وَانْقِطَاعٌ بَيْنَ الضَّحَّاكِ وَبَيْنَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالضَّحَّاكُ، والحسن البصري، وغير واحد: [أَلَا] إِنَّ الْأَمَانَةَ هِيَ الْفَرَائِضُ.
وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ الطَّاعَةُ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ [قَالَ] : قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: مِنَ الْأَمَانَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ اؤْتُمِنَتْ عَلَى فَرْجِهَا.
وَقَالَ قَتَادَةُ: الْأَمَانَةُ: الدِّينُ وَالْفَرَائِضُ وَالْحُدُودُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ.
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: الْأَمَانَةُ ثَلَاثَةٌ: الصَّلَاةُ، وَالصَّوْمُ، وَالِاغْتِسَالُ مِنَ الْجَنَابَةِ.
وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهَا، بَلْ هِيَ مُتَّفِقَةٌ وَرَاجِعَةٌ إِلَى أَنَّهَا التَّكْلِيفُ، وَقَبُولُ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي بِشَرْطِهَا، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ قَامَ بِذَلِكَ أُثِيبَ، وَإِنْ تَرَكَهَا عُوقِبَ، فَقَبِلَهَا الْإِنْسَانُ عَلَى ضَعْفِهِ وَجَهْلِهِ وَظُلْمِهِ، إِلَّا مَنْ وَفَّقَ اللَّهُ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُغِيرَةِ [الْبَصْرِيُّ] ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ وَاقَدٍ -يَعْنِي: أَبَا عُمَرَ الصَّفَّارَ -سَمِعْتُ أَبَا مَعْمَرٍ -يَعْنِي: عَوْنَ بْنَ مَعْمَرٍ -يُحَدِّثُ عَنِ الْحَسَنِ -يَعْنِي: الْبَصْرِيَّ -أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الآية: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ} قَالَ: عَرَضَهَا عَلَى السَّبْعِ الطِّبَاقِ الطَّرَائِقِ الَّتِي زُيِّنَتْ بِالنُّجُومِ، وَحَمَلَةِ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، فَقِيلَ لَهَا: هَلْ تَحْمِلِينَ الْأَمَانَةَ وَمَا فِيهَا؟ قَالَتْ: وَمَا فِيهَا؟ قَالَ: قِيلَ لَهَا: إِنْ أَحْسَنْتِ جُزِيت، وَإِنْ أَسَأْتِ عُوقِبْتِ. قَالَتْ: لَا. ثُمَّ عَرَضَهَا عَلَى الْأَرْضِينَ السَّبْعِ الشِّدَادِ، الَّتِي شُدَّتْ بِالْأَوْتَادِ، وَذُلِّلَتْ بِالْمِهَادِ، قَالَ: فَقِيلَ لَهَا: هَلْ تَحْمِلِينَ الْأَمَانَةَ وَمَا فِيهَا؟ قَالَتْ: وَمَا فِيهَا؟ قَالَ: قِيلَ لَهَا: إِنْ أَحْسَنْتِ جُزِيتِ، وَإِنْ أَسَأْتِ عُوقِبْتِ. قَالَتْ: لَا. ثُمَّ عَرَضَهَا عَلَى الْجِبَالِ الشُّمِّ الشَّوَامِخِ الصِّعَابِ الصِّلَابِ، قَالَ: قِيلَ لَهَا: هَلْ تَحْمِلِينَ الْأَمَانَةَ وَمَا فِيهَا؟ قَالَتْ: وَمَا فِيهَا؟ قَالَ: قِيلَ لَهَا: إِنْ أَحْسَنْتِ جُزِيتِ، وَإِنْ أَسَأْتِ عُوقِبْتِ. قَالَتْ: لَا.
وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: إِنَّ اللَّهَ حِينَ خلق خلقه، جمع بين الإنس والجن، والسموات والأرض والجبال، فبدأ بالسموات فَعَرَضَ عَلَيْهِنَّ الْأَمَانَةَ وَهِيَ الطَّاعَةُ، فَقَالَ لَهُنَّ: أَتَحْمِلْنَ هَذِهِ الْأَمَانَةَ، وَلَكِنْ عَلَى الْفَضْلِ وَالْكَرَامَةِ وَالثَّوَابِ فِي الْجَنَّةِ ... ؟ فَقُلْنَ: يَا رَبِّ، إِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ هَذَا الْأَمْرَ، وَلَيْسَتْ بِنَا قُوَّةٌ، وَلَكِنَّا لَكَ مُطِيعِينَ. ثُمَّ عَرَضَ الْأَمَانَةَ عَلَى الْأَرْضِينَ، فَقَالَ لَهُنَّ: أَتَحْمِلْنَ هَذِهِ الْأَمَانَةَ وَتَقْبَلْنَهَا مِنِّي، وَأُعْطِيكُنَّ الْفَضْلَ وَالْكَرَامَةَ ؟ فَقُلْنَ: لَا صَبْرَ لَنَا عَلَى هَذَا يَا رَبِّ وَلَا نُطِيقُ، وَلَكِنَّا لَكَ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ، لَا نَعْصِيكَ فِي شَيْءٍ تَأْمُرُنَا بِهِ. ثُمَّ قَرَّبَ آدَمَ فَقَالَ لَهُ: أَتَحْمِلُ هَذِهِ الْأَمَانَةَ وَتَرْعَاهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا؟ فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ آدَمُ: مَا لِي عِنْدَكَ؟ قَالَ: يَا آدَمُ، إِنْ أَحْسَنْتَ وَأَطَعْتَ وَرَعَيْتَ الْأَمَانَةَ، فَلَكَ عِنْدِي الْكَرَامَةُ وَالْفَضْلُ وَحُسْنُ الثَّوَابِ فِي الْجَنَّةِ. وَإِنْ عَصَيْتَ وَلَمْ ترْعَها حَقَّ رعايتها وَأَسَأْتَ، فَإِنِّي مُعَذِّبُكَ وَمُعَاقِبُكَ وَأُنْزِلُكَ النَّارَ. قَالَ: رَضِيتُ [يَا] رَبِّ. وتَحمَّلها ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَدْ حَمَّلْتُكَهَا. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ} . رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قال: عرضها على السموات فَقَالَتْ: يَا رَبِّ، حَمَّلْتَنِي الْكَوَاكِبَ وَسُكَّانَ السَّمَاءِ وَمَا ذَكَرَ، وَمَا أُرِيدُ ثَوَابًا وَلَا أَحْمِلُ فَرِيضَةً. قَالَ: وَعَرَضَهَا عَلَى الْأَرْضِ فَقَالَتْ: يَا رَبِّ، غَرَسْتَ فِيَّ الْأَشْجَارَ، وَأَجْرَيْتَ فِيَّ الْأَنْهَارَ وَسُكَّانَ الْأَرْضِ وَمَا ذَكَرَ، وَمَا أُرِيدُ ثَوَابًا وَلَا أَحْمِلُ فَرِيضَةً. وَقَالَتِ الْجِبَالُ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} فِي عَاقِبَةِ أَمْرِهِ. وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ جُرَيْج.
وَعَنِ ابْنِ أَشْوَعَ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا عَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِنَّ حَمَلَ الْأَمَانَةَ، ضَجَجْنَ إِلَى اللَّهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ ، وَقُلْنَ: رَبَّنَا. لَا طَاقَةَ لَنَا بِالْعَمَلِ، وَلَا نُرِيدُ الثَّوَابَ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ الْمُوصِلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ} [الْآيَةَ] ، فَقَالَ الْإِنْسَانُ: بَيْنَ أُذُنِي وَعَاتِقِي فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : إِنِّي مُعينك عَلَيْهَا، أَيْ: مُعِينُكَ عَلَى عَيْنَيْكَ بِطَبَقَتَيْنِ، فَإِذَا نَازَعَاكَ إِلَى مَا أَكْرَهُ فَأَطْبِقْ. وَمُعِينُكَ عَلَى لِسَانِكَ بِطَبَقَتَيْنِ، فَإِذَا نَازَعَكَ إِلَى مَا أَكْرَهُ فَأَطْبِقْ. وَمُعِينُكَ عَلَى فَرَجِكَ بِلِبَاسٍ، فَلَا تَكْشِفْهُ إِلَى مَا أَكْرَهُ.
ثُمَّ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ نَحْوَ هَذَا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا يُونُسَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَرَضَ عَلَيْهِنَّ الْأَمَانَةَ أَنْ يَفْتَرِضَ عَلَيْهِنَّ الدِّينَ، وَيَجْعَلَ لَهُنَّ ثَوَابًا وَعِقَابًا، وَيَسْتَأْمِنَه ُنَّ عَلَى الدِّينِ. فَقُلْنَ: لَا نَحْنُ مُسَخَّرَاتٌ لِأَمْرِكَ، لَا نُرِيدُ ثَوَابًا وَلَا عِقَابًا. قَالَ : وَعَرَضَهَا اللَّهُ عَلَى آدَمَ فَقَالَ: بَيْنَ أُذُنِي وَعَاتِقِي. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: أَمَّا إذْ تَحَمَّلْتَ هَذَا فَسَأُعِينُكَ، أَجْعَلُ لِبَصَرِكَ حِجَابًا، فَإِذَا خَشِيتَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ لَكَ فَأَرْخِ عَلَيْهِ حِجَابَهُ، وَأَجْعَلُ لِلِسَانِكَ بَابًا وَغَلَقًا، فَإِذَا خَشِيتَ فَأَغْلِقْ، وَأَجْعَلُ لِفَرَجِكَ لِبَاسًا فَلَا تَكْشِفْهُ إِلَّا عَلَى مَا أَحْلَلْتُ لَكَ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو السَّكُوني، حَدَّثَنَا بقِيَّة، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الْأَمَانَةَ وَالْوَفَاءَ نَزَلَا عَلَى ابْنِ آدَمَ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ، فَأُرْسِلُوا بِهِ، فَمِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ، وَمِنْهُمْ نَبِيٌّ، وَمِنْهُمْ نَبِيٌّ رَسُولٌ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ، وَنَزَلَتِ الْعَرَبِيَّةُ وَالْعَجَمِيَّة ُ، فَعَلِمُوا أَمْرَ الْقُرْآنِ وَعَلِمُوا أَمْرَ السُّنَنِ بِأَلْسِنَتِهِم ْ، وَلَمْ يَدَعِ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ مِمَّا يَأْتُونَ وَمَا يَجْتَنِبُونَ وَهِيَ الْحُجَجُ عَلَيْهِمْ، إِلَّا بَيَّنَهُ لَهُمْ. فَلَيْسَ أَهْلُ لِسَانٍ إِلَّا وَهُمْ يَعْرِفُونَ الْحَسَنَ وَالْقَبِيحَ، ثُمَّ الْأَمَانَةُ أَوَّلُ شَيْءٍ يُرْفَعُ وَيَبْقَى أَثَرُهَا فِي جُذُورِ قُلُوبِ النَّاسِ، ثُمَّ يُرْفَعُ الْوَفَاءُ وَالْعَهْدُ وَالذِّمَمُ وَتَبْقَى الْكُتُبُ ، فَعَالِمٌ يَعْمَلُ، وَجَاهِلٌ يَعْرِفُهَا وَيُنْكِرُهَا وَلَا يَحْمِلُهَا، حَتَّى وَصَلَ إِلَيَّ وَإِلَى أُمَّتِي، وَلَا يَهْلِكُ عَلَى اللَّهِ إِلَّا هَالَكٌ، وَلَا يُغْفِلُهُ إِلَّا تَارِكٌ. فَالْحَذَرَ أَيُّهَا النَّاسُ، وَإِيَّاكُمْ وَالْوَسْوَاسَ الْخَنَّاسَ، فَإِنَّمَا يَبْلُوكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا .
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِي ُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَوَّامِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، وَأَبَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ ، عَنْ خُليَد العَصَري ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَمْسٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ إِيمَانٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ: مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِن َّ، وَأَعْطَى الزَّكَاةَ مِنْ مَالِهِ طَيِّبَ النَّفْسِ بِهَا -وَكَانَ يَقُولُ، وَايْمُ اللَّهِ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ -[وَصَامَ رَمَضَانَ، وَحَجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَاعَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا] ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ". قَالُوا: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، وَمَا أَدَاءُ الْأَمَانَةِ؟ قَالَ: الْغَسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمَنِ ابْنَ آدَمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ دِينِهِ غَيْرَهُ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَوَّامِ عِمْرَانَ بْنِ دَاور الْقِطَّانِ، بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا: حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ الذُّنُوبَ كُلَّهَا -أَوْ قَالَ: يُكَفِّرُ كُلَّ شَيْءٍ -إِلَّا الْأَمَانَةَ، يُؤْتَى بِصَاحِبِ الْأَمَانَةِ فَيُقَالُ لَهُ: أدِّ أَمَانَتَكَ. فَيَقُولُ: أَنَّى يَا رَبِّ وَقَدْ ذَهَبَتِ الدُّنْيَا؟ فَيُقَالُ لَهُ: أدِّ أَمَانَتَكَ. فَيَقُولُ: أَنَّى يَا رَبِّ، وَقَدْ ذَهَبَتِ الدُّنْيَا؟ فَيُقَالُ لَهُ: أدِّ أَمَانَتَكَ. فَيَقُولُ: أَنَّى يَا رَبِّ وَقَدْ ذَهَبَتِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ. فَيُذْهَبُ بِهِ إِلَى الْهَاوِيَةِ، فَيَهْوِي فِيهَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى قَعْرِهَا، فَيَجِدُهَا هُنَالِكَ كَهَيْئَتِهَا، فَيَحْمِلُهَا فَيَضَعُهَا عَلَى عَاتِقِهِ، فَيَصْعَدُ بِهَا إِلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ، حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ زلَّت فَهَوَى فِي أَثَرِهَا أَبَدَ الْآبِدِينَ". وَقَالَ: وَالْأَمَانَةُ فِي الصَّوْمِ، وَالْأَمَانَةُ فِي الْوُضُوءِ، وَالْأَمَانَةُ فِي الْحَدِيثِ، وَأَشَدُّ ذَلِكَ الْوَدَائِعُ. فَلَقِيتُ الْبَرَاءَ فَقُلْتُ: أَلَا تَسْمَعَ إِلَى مَا يَقُولُ أَخُوكَ عَبْدُ اللَّهِ؟ فَقَالَ: صَدَقَ.
قَالَ شَرِيكٌ: وَحَدَّثَنَا عَيَّاشٌ الْعَامِرِيُّ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رضي اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ: "الْأَمَانَةُ فِي الصَّلَاةِ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ" . إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَلَمْ يُخْرِّجُوهُ.
وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأَمَانَةِ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ :
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنَ قَدْ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الْآخَرَ، حَدَّثَنَا "أَنَّ الْأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جِذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ فَعَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ". ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِ الْأَمَانَةِ، فَقَالَ: "يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ [الْوَكْتِ، فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ] الْمَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتُهُ [عَلَى رِجْلِكَ، تَرَاهُ مُنتبرا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ". قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ حَصًى فَدَحْرَجَهُ] عَلَى رِجْلِهِ، قَالَ: "فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ لَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ، حَتَّى يُقَالَ: إِنْ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا، حَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ: مَا أَجْلَدَهُ وَأَظْرَفَهُ وَأَعْقَلَهُ. وَمَا فِي قَلْبِهِ حَبَّةٌ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ. وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيُّكُمْ بَايَعْتُ، إِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَيُرَدَنَّهُ عَلَيَّ دِينُهُ، وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا لَيَرُدُنَّهُ عَلِيَّ سَاعِيهِ، فَأَمَّا الْيَوْمُ فَمَا كُنْتُ أُبَايِعُ مِنْكُمْ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا".
وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، بِهِ .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلَا عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا: حِفْظ أَمَانَةٍ، وصِدْق حَدِيثٍ، وحُسْن خَلِيقَةٍ، وعِفَّة طُعمة".
هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ .
وَقَدْ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْعَلَّافُ الْمِصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ حُجَيرة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلَا عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا: حِفْظُ أَمَانَةٍ، وَصِدْقُ حَدِيثٍ، وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ، وَعِفَّةُ طُعْمَةٍ". فَزَادَ فِي الْإِسْنَادِ: "ابْنُ حُجَيرة"، وَجَعَلَهُ مِنْ مسند ابن عمر .
العلمي أمل
2017-08-02, 05:45 PM
من سورة الحديد الآيات 12-15 :
بسم الله الرحمن الرحيم
{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِ مْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَا تُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15) }
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبَرًا عَنِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَصَدِّقِي نَ: أَنَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يسعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فِي عَرصات الْقِيَامَةِ، بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ، كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} قَالَ: عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ يَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ، مِنْهُمْ مَن نُورُهُ مِثْلُ الْجَبَلِ، وَمِنْهُمْ مَن نُورُهُ مِثْلُ النَّخْلَةِ، وَمِنْهُمْ مَن نُورُهُ مِثْلُ الرَّجُلِ الْقَائِمِ، وَأَدْنَاهُمْ نُورًا مَن نُورُهُ فِي إِبْهَامِهِ يتَّقد مَرَّةً وَيُطْفَأُ مَرَّةً ورواه بن أبي حاتم وبن جَرِيرٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يُضِيءُ نُوره مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى عَدن أَبْيَنَ وَصَنْعَاءَ فَدُونَ ذَلِكَ، حَتَّى إِنَّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يُضِيءُ نُورُهُ مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ"
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ حُصَين، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ جُنَادة بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: إِنَّكُمْ مَكُتُوبُونَ عِنْدَ اللَّهِ بِأَسْمَائِكُمْ ، وَسِيمَاكُمْ وحُلاكم، وَنَجْوَاكُمْ وَمَجَالِسِكُمْ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قِيلَ: يَا فُلَانُ، هَذَا نُورُكُ. يَا فُلَانُ، لَا نُورَ لَكَ. وَقَرَأَ: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ}
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: لَيْسَ لِأَحَدٍ إِلَّا يُعْطَى نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا انْتَهَوْا إِلَى الصِّرَاطِ طُفِئَ نُورُ الْمُنَافِقِينَ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ أَشْفَقُوا أَنْ يُطْفَأَ نُورُهُمْ كَمَا طُفئ نُورُ الْمُنَافِقِينَ ، فَقَالُوا: رَبَّنَا، أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا.
وَقَالَ الْحَسَنُ [فِي قَوْلِهِ] {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} يَعْنِي: عَلَى الصراط.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمِّي عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْر يُحَدِّثُ: أَنَّهُ سَمِع أَبَا الدَّرْدَاءِ وَأَبَا ذَرٍّ يُخْبِرَانِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالسُّجُودِ، وَأَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ بِرَفْعِ رَأْسِهِ، فَأَنْظُرُ مِنْ بَيْنِ يَدِي وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فَأَعْرِفُ أُمَّتِي مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ". فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، كَيْفَ تَعْرِفُ أُمَّتَكَ مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ، مَا بَيْنَ نُوحٍ إِلَى أُمَّتِكَ؟ قَالَ: "أَعْرِفُهُمْ، مُحَجَّلون مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنَ الْأُمَمِ غَيْرِهِمْ، وَأَعْرِفُهُمْ يُؤْتَون كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ ، وَأَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ، وَأَعْرِفُهُمْ بِنُورِهِمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَذُرِّيَّتِهِم ْ
وَقَوْلُهُ {وَبِأَيْمَانِه مْ} قَالَ الضَّحَّاكُ: أَيْ وَبِأَيْمَانِهِ مْ كُتُبُهُمْ، كَمَا قَالَ: {فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} [الْإِسْرَاءِ: 71] .
وَقَوْلُهُ: {بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ} أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ: بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ، أَيْ: لَكُمُ الْبِشَارَةُ بِجَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، {خَالِدِينَ فِيهَا} أَيْ: مَاكِثِينَ فِيهَا أَبَدًا {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} .
وَقَوْلُهُ: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَا تُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} وَهَذَا إِخْبَارٌ مِنْهُ تَعَالَى عَمَّا يَقَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْعَرَصَاتِ مِنَ الْأَهْوَالِ الْمُزْعِجَةِ، وَالزَّلَازِلِ الْعَظِيمَةِ، وَالْأُمُورِ الْفَظِيعَةِ وَإِنَّهُ لَا يَنْجُو يَوْمَئِذٍ إِلَّا مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَعَمِلَ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ، بِهِ وَتَرَكَ مَا عَنْهُ زَجَرَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا عَلَى جِنَازَةٍ فِي بَابِ دِمَشْقَ، وَمَعَنَا أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ، فَلَمَّا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ وَأَخَذُوا فِي دَفْنِهَا، قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ قَدْ أَصْبَحْتُمْ وَأَمْسَيْتُمْ فِي مَنْزِلٍ تَقْتَسِمُونَ فِيهِ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ، وَتُوشِكُونَ أَنْ تَظْعَنُوا مِنْهُ إِلَى مَنْزِلٍ آخَرَ، وَهُوَ هَذَا-يُشِيرُ إِلَى الْقَبْرِ-بَيْتُ الْوَحْدَةِ، وَبَيْتُ الظُّلْمَةِ، وَبَيْتُ الدُّودِ، وَبَيْتُ الضِّيقِ، إِلَّا مَا وَسَّعَ اللَّهُ، تَنْتَقِلُونَ مِنْهُ إِلَى مُوَاطِنِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّكُمْ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ [حَتَّى] يَغْشَى النَّاسَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ، فَتَبْيَضَّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدَّ وُجُوهٌ، ثُمَّ تَنْتَقِلُونَ مِنْهُ إِلَى مَنْزِلٍ آخَرَ فَتَغْشَى النَّاسَ ظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ يُقَسَّمُ النُّورُ فَيُعْطَى الْمُؤْمِنُ نُورًا وَيُتْرَكُ الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ فَلَا يُعْطَيَانِ شَيْئًا، وَهُوَ الْمَثَلُ الَّذِي ضَرَبَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، قَالَ {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النُّورِ: 40] ، فَلَا يَسْتَضِيءُ الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ بِنُورِ الْمُؤْمِنِ كَمَا لَا يَسْتَضِيءُ الْأَعْمَى بِنُورِ الْبَصِيرِ، وَيَقُولُ الْمُنَافِقُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا} وَهِيَ خدعة الله التي خدع بِهَا الْمُنَافِقِينَ حَيْثُ قَالَ: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النِّسَاءِ:142] . فَيَرْجِعُونَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي قُسِّمَ فِيهِ النُّورُ، فَلَا يَجِدُونَ شَيْئًا فَيَنْصَرِفُونَ إِلَيْهِمْ وَقَدْ ضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ، {بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} الْآيَةَ. يَقُولُ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: فَمَا يَزَالُ الْمُنَافِقُ مُغْتَرًّا حَتَّى يُقَسَّمَ النُّورُ، وَيُمَيِّزَ اللَّهُ بَيْنَ والمؤمن المنافق.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ حَيْوَةَ، حَدَّثَنَا أَرْطَأَةُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: تُبْعَثُ ظُلْمَةٌ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ وَلَا كَافِرٍ يَرَى كَفَّهُ، حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ بِالنُّورِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَيَتْبَعُهُمُ الْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُونَ: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} .
وَقَالَ العَوْفي، وَالْضَّحَّاكُ، وَغَيْرُهُمَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بَيْنَمَا النَّاسُ فِي ظُلْمَةٍ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ نُورًا فَلَمَّا رَأْي الْمُؤْمِنُونَ النُّورَ تَوَجَّهُوا نَحْوَهُ، وَكَانَ النُّورُ دَلِيلًا مِنَ اللَّهِ إِلَى الْجَنَّةِ، فَلَمَّا رَأَى الْمُنَافِقُونَ الْمُؤْمِنِينَ قَدِ انْطَلَقُوا اتَّبَعُوهُمْ، فَأَظْلَمَ اللَّهُ عَلَى الْمُنَافِقِينَ ، فَقَالُوا حِينَئِذٍ: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} فَإِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ فِي الدُّنْيَا. قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: {ارْجِعُوا} مِنْ حَيْثُ جِئْتُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ، فَالْتَمِسُوا هُنَالِكَ النُّورَ.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلَّوَيْهِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى الْعَطَّارُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ أَبُو حُذَيْفَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ يَدْعُو النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِهِمْ سِتْرًا مِنْهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَأَمَّا عِنْدَ الصِّرَاطِ فَإِنَّ اللَّهَ يُعْطِي كُلَّ مُؤْمِنٍ نُورًا، وَكُلَّ مُنَافِقٍ نُورًا، فَإِذَا اسْتَوَوْا عَلَى الصِّرَاطِ سَلَبَ اللَّهُ نُورَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَا تِ فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ : {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ: {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} [التَّحْرِيمِ: 8] . فَلَا يَذْكُرُ عِنْدَ ذَلِكَ أَحَدٌ أَحَدًا" وَقَوْلُهُ: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} قَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ: هُوَ حَائِطٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ النَّارِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: هُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ} [الْأَعْرَافِ: 46] . وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
{بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ} أَيِ: الْجَنَّةُ وَمَا فِيهَا {وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} أَيِ: النَّارُ. قَالَهُ قتادة، وبن زيد، وغيرهما.
قال بن جَرِيرٍ: وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ السُّورَ سورُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ عِنْدَ وَادِي جَهَنَّمَ. ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرْقِيِّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ، عن أبي العوام- مُؤَذِّنِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ-قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: إِنَّ السُّورَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} هُوَ السُّورُ الشَّرْقِيُّ بَاطِنُهُ الْمَسْجِدُ وَمَا يَلِيهِ، وَظَاهِرُهُ وَادِي جَهَنَّمَ.
ثُمَّ رُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ، نَحْوُ ذَلِكَ. وَهَذَا مَحْمُولٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهَذَا تَقْرِيبَ الْمَعْنَى وَمِثَالًا لِذَلِكَ، لَا أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي أُرِيدَ مِنَ الْقُرْآنِ هَذَا الْجِدَارُ الْمُعَيَّنُ وَنَفْسُ الْمَسْجِدِ وَمَا وَرَاءَهُ مِنَ الْوَادِي الْمَعْرُوفِ بِوَادِي جهنم؛ فإن الجنة في السموات فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ، وَالنَّارَ فِي الدَّرَكَاتِ أَسْفَلَ سَافِلِينَ. وَقَوْلُ كَعْبِ الْأَحْبَارِ: إِنَّ الْبَابَ الْمَذْكُورَ فِي الْقُرْآنِ هُوَ بَابُ الرَّحْمَةِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ، فَهَذَا مِنْ إِسْرَائِيلِيَّ اتِهِ وتُرّهاته. وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِذَلِكَ: سورٌ يُضْرَب يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِيَحْجِزَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِي نَ، فَإِذَا انْتَهَى إِلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ دَخَلُوهُ مِنْ بَابِهِ، فَإِذَا اسْتَكْمَلُوا دُخولهم أُغْلِقَ الْبَابُ وَبَقِيَ الْمُنَافِقُونَ مِنْ وَرَائِهِ فِي الْحَيْرَةِ وَالظُّلْمَةِ وَالْعَذَابِ، كَمَا كَانُوا فِي الدَّارِ الدُّنْيَا فِي كَفْرٍ وَجَهْلٍ وَشَكٍّ وَحَيْرَةٍ {يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ} أَيْ: يُنَادِي الْمُنَافِقُونَ الْمُؤْمِنِينَ: أَمَا كُنَّا مَعَكُمْ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا، نَشْهَدُ مَعَكُمُ الْجُمُعَاتِ، وَنُصَلِّي مَعَكُمُ الْجَمَاعَاتِ، وَنَقِفُ مَعَكُمْ بِعَرَفَاتٍ، وَنَحْضُرُ مَعَكُمُ الْغَزَوَاتِ، وَنُؤَدِّي مَعَكُمْ سَائِرَ الْوَاجِبَاتِ؟ {قَالُوا بَلَى} أَيْ: فَأَجَابَ الْمُؤْمِنُونَ الْمُنَافِقِينَ قَائِلِينَ: بَلَى، قَدْ كُنْتُمْ مَعَنَا، {وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأمَانِيُّ} قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: أَيْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاللَّذَّاتِ وَالْمَعَاصِي وَالشَّهَوَاتِ {وَتَرَبَّصْتُم } أَيْ: أَخَّرْتُمُ التَّوْبَةَ مِنْ وَقْتٍ إِلَى وَقْتٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: {وَتَرَبَّصْتُم } بِالْحَقِّ وَأَهْلِهِ {وَارْتَبْتُمْ} أَيْ: بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ {وَغَرَّتْكُمُ الأمَانِيُّ} أَيْ: قُلْتُمْ: سَيُغْفَرُ لَنَا. وَقِيلَ: غَرَّتْكُمُ الدُّنْيَا {حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ} أَيْ: مَا زِلْتُمْ فِي هَذَا حَتَّى جَاءَ الْمَوْتُ {وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} أَيِ: الشَّيْطَانُ.
قَالَ قَتَادَةُ: كَانُوا عَلَى خَدْعَةٍ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَاللَّهِ مَا زَالُوا عَلَيْهَا حَتَّى قَذَفَهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ.
وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِلْمُنَافِقِين َ: إِنَّكُمْ كُنْتُمْ مَعَنَا [أَيْ] بِأَبْدَانٍ لَا نِيَّةَ لَهَا وَلَا قُلُوبَ مَعَهَا، وإنما كنتم في حيرة وشك فكنتم تُراؤون النَّاسَ وَلَا تَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا.
قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ الْمُنَافِقُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ أَحْيَاءً يُنَاكِحُونَهُم ْ وَيَغُشُّونَهُم ْ وَيُعَاشِرُونَه ُمْ، وَكَانُوا مَعَهُمْ أَمْوَاتًا، وَيُعْطَوْنَ النُّورَ جَمِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُطْفَأُ النُّورُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ إِذَا بَلَغُوا السُّورَ، ويُماز بَيْنَهُمْ حِينَئِذٍ.
وَهَذَا الْقَوْلُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَا يُنَافِي قَوْلَهُمُ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ عَنْهُمْ، حَيْثُ يَقُولُ-وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ-: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [الْمُدَّثِّرِ: 38-47].
العلمي أمل
2017-08-03, 10:58 AM
من سورة النساء مع الآيات 60-63 وتفسيرها :
بسم الله الرحمن الرحيم
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلا بَلِيغًا (63) } .
هَذَا إِنْكَارٌ مِنَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى مَنْ يَدَّعِي الْإِيمَانَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْأَنْبِيَاءِ الْأَقْدَمِينَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُرِيدُ التَّحَاكُمَ فِي فَصْلِ الْخُصُومَاتِ إِلَى غَيْرِ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، كَمَا ذُكِرَ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّهَا فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَرَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ تَخَاصَمَا، فَجَعَلَ الْيَهُودِيُّ يَقُولُ: بَيْنِي وَبَيْنَكَ مُحَمَّدٌ. وَذَاكَ يَقُولُ: بَيْنِي وَبَيْنَكَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ. وَقِيلَ: فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ ، مِمَّنْ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ، أَرَادُوا أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى حُكَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ . وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَالْآيَةُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَإِنَّهَا ذَامَّةٌ لِمَنْ عَدَلَ عَنِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَتَحَاكَمُوا إِلَى مَا سِوَاهُمَا مِنَ الْبَاطِلِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالطَّاغُوتِ هَاهُنَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ [وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا] } .
وَقَوْلُهُ: {يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} أَيْ: يُعْرِضُونَ عَنْكَ إِعْرَاضًا كَالْمُسْتَكْبِ رِينَ عَنْ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنِ الْمُشْرِكِينَ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [لُقْمَانَ:21] هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ بِخِلَافِ الْمُؤْمِنِينَ، الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا [وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ] } [النُّورِ: 51] .
{فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) }
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى فِي ذَمِّ الْمُنَافِقِينَ : {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أَيْ: فَكَيْفَ بِهِمْ إِذَا سَاقَتْهُمُ الْمَقَادِيرُ إِلَيْكَ فِي مَصَائِبَ تَطْرُقُهُمْ بِسَبَبِ ذنوبهم واحتاجوا إليك في ذلك،
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)
{ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} أَيْ: يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكَ وَيَحْلِفُونَ: مَا أَرَدْنَا بِذَهَابِنَا إِلَى غَيْرِكَ، وَتَحَاكُمِنَا إِلَى عَدَاكَ إِلَّا الْإِحْسَانَ وَالتَّوْفِيقَ، أَيِ: الْمُدَارَاةَ وَالْمُصَانَعَة َ، لَا اعْتِقَادًا مِنَّا صِحَّةَ تِلْكَ الْحُكُومَةِ، كَمَا أَخْبَرَنَا تَعَالَى عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى [أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ] فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [الْمَائِدَةِ:52] .
وَقَدْ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ : حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ الحَوْطِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: كَانَ أَبُو بَرْزَة الْأَسْلَمِيُّ كَاهِنًا يَقْضِي بَيْنَ الْيَهُودِ فِيمَا يَتَنَافَرُونَ فِيهِ فَتَنَافَرَ إِلَيْهِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ [يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ] (2) } إِلَى قَوْلِهِ: {إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا}
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} [أَيْ] هَذَا الضَّرْبُ مِنَ النَّاسِ هُمُ الْمُنَافِقُونَ ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ وَسَيَجْزِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، فَاكْتَفِ بِهِ يَا مُحَمَّدُ فِيهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِظَوَاهِرِهِمْ وَبَوَاطِنِهِمْ ؛ وَلِهَذَا قَالَ لَهُ: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} أَيْ: لَا تُعَنِّفْهُمْ عَلَى مَا فِي قُلُوبِهِمْ {وَعِظْهُمْ} أَيْ: وَانْهَهُمْ عَلَى مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ النِّفَاقِ وَسَرَائِرِ الشَّرِّ {وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلا بَلِيغًا} أَيْ: وَانْصَحْهُمْ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ بِكَلَامٍ بَلِيغٍ رَادِعٍ لَهُمْ.
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمَا (65) }
يَقُولُ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ} أَيْ: فُرِضَتْ طَاعَتُهُ عَلَى مَنْ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِمْ وَقَوْلُهُ: {بِإِذْنِ اللَّهِ} قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ لَا يُطِيعُ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِي. يَعْنِي: لَا يُطِيعُهُمْ إِلَّا مَنْ وَفَّقْتُهُ لِذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [آلِ عِمْرَانَ:52] أَيْ: عَنْ أَمْرِهِ وَقَدْرِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَتَسْلِيطِهِ إِيَّاكُمْ عَلَيْهِمْ.
وقوله: {وَلَوْ أَنْهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} يُرْشِدُ تَعَالَى الْعُصَاةَ وَالْمُذْنِبِين َ إِذَا وَقَعَ مِنْهُمُ الْخَطَأُ وَالْعِصْيَانُ أَنْ يَأْتُوا إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَسْتَغْفِرُو ا اللَّهَ عِنْدَهُ، وَيَسْأَلُوهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُمْ، فَإِنَّهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَحِمَهُمْ وَغَفَرَ لَهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ: {لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}
وَقَدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: الشَّيْخُ أَبُو نَصْرِ بْنُ الصَّبَّاغِ فِي كِتَابِهِ "الشَّامِلِ" الْحِكَايَةَ الْمَشْهُورَةَ عَنْ العُتْبي، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَمِعْتُ اللَّهَ يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} وَقَدْ جِئْتُكَ مُسْتَغْفِرًا لِذَنْبِي مُسْتَشْفِعًا بِكَ إِلَى رَبِّي ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
يَا خيرَ مَنْ دُفنَت بِالْقَاعِ (1) أعظُمُه ... فَطَابَ منْ طِيبِهِنَّ القاعُ والأكَمُ ...
نَفْسي الفداءُ لقبرٍ أَنْتَ ساكنُه ... فِيهِ العفافُ وَفِيهِ الجودُ والكرمُ ...
ثُمَّ انْصَرَفَ الْأَعْرَابِيُّ فَغَلَبَتْنِي عَيْنِي، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ فَقَالَ: يَا عُتْبى، الحقْ الْأَعْرَابِيَّ فَبَشِّرْهُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ له (2) .
__________
(1) في أ: "في القاع".
(2) ذكر هذه الحكاية النووي في المجموع (8/217) وفي الإيضاح (ص498) ، وزاد البيتين التاليين: أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته ... على الصراط إذا ما زلت القدم
وصاحباك فلا أنساهما أبدا ... مني السلام عليكم ما جرى القلم
وساقها بقوله: "ومن أحسن ما يقول: ما حكاه أصحابنا عن العتبي مستحسنين له ثم ذكرها بتمامها"، وابن كثير هنا لم يروها ولم يستحسنها بل نقلها كما نقل بعض الإسرائيليات في تفسيره، وهي حكاية باطلة، وقصة واهية، استدل بها بعض الناس بجواز التوسل بالرسول صلى الله عليه سلم بعد وفاته، والرد عليها بأربعة أمور ذكرها الشيخ الفاضل صالح آل الشيخ في كتابه: "هذه مفاهيمنا" (ص76) .
أولا: ما دام أنها ليست من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا فعل خلفائه الراشدين، وصحابته المكرمين، ولا من فعل التابعين، والقرون المفضلة، وإنما هي مجرد حكاية عن مجهول نقلت بسند ضعيف، فكيف يحتج بها في عقيدة التوحيد، الذي هو أصل الأصول، وكيف يحتج بها وهي تعارض الأحاديث الصحيحة التي نهي فيها عن الغلو في القبور، والغلو في الصالحين عموما، وعن الغلو في قبره، والغلو فيه صلى الله عليه وسلم خصوصا، وأما من نقلها من العلماء أو استحسنها فليس ذلك بحجة تعارض بها النصوص الصحيحة وتخالف من أجلها عقيدة السلف، فقد يخفى على بعض العلماء ما هو واضح لغيرهم، وقد يخطئون في نقلهم ورأيهم، وتكون الحجة مع من خالفهم.
وما دمنا قد علمنا طريق الصواب، فلا شأن لنا بما قاله فلان أو حكاه فلان، فليس ديننا مبنيا على الحكايات والمنامات، وإنما هو مبني على البراهين الصحيحة.
ثانيا: قد تخفى بعض المسائل والمعاني على من خلع الأنداد، وتبرأ من الشرك وأهله، كما قال بعض الصحابة: "اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر، إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده ما قاله أصحاب موسى: (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) " حديث صحيح.
والحجة في هذا: أن هؤلاء الصحابة، وإن كانوا حديثي عهد بكفر، فهم دخلوا في الدين بلا إله إلا الله، وهي تخلع الأنداد، وأصناف الشرك، وتوحد المعبود، فمع ذلك ومع معرفة قائليها الحقة بمعنى لا إله إلا الله، خفي عليهم بعض المسائل من أفرادها، وإنما الشأن أنه إذا وضح الدليل، وأبينت الحجة، فيجب الرجوع إليها والتزامها، والجاهل قد يعذر، كما عذر أولئك الصحابة في قولهم: "اجعل لنا ذات أنواط"، وغيرهم من العلماء أولى باحتمال أن يخفى عليهم بعض المسائل ولو في التوحيد والشرك.
ثالثا: كيف يتجاسر أحد أن يعارض نصوص كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بقول حكاه حاك مستحسنا له، والله سبحانه يقول: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) [النور: 63] .
قال الإمام أحمد: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته، يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة) أتدري ما الفتنة؟.
الفتنة: الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك. رواه عن أحمد الفضل بن زياد وأبو طالب، ولعله في كتاب "طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم" لأحمد رحمه الله.
فطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمة على طاعة كل أحد، وإن كان خير هذه الأمة أبا بكر وعمر، كما قال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر.
فكيف لو رأى ابن عباس هؤلاء الناس الذين يعارضون السنة الثابتة، والحجة الواضحة بقول أعرابي في قصة العتبى الضعيفة المنكرة.
إن السنة في قلوب محبيها أعظم وأغلى من تلك الحجج المتهافتة، التي يدلي بها صاحب المفاهيم البدعية، تلك المفاهيم المبنية على المنامات والمنكرات، فاعجب لهذا، وجرد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحذار ثم حذار من أن ترد الأحاديث الصحيحة وتؤمن بالأخبار الباطلة الواهية، فيوشك بمن فعل ذلك أن يقع في قلبه فتنة فيهلك.
رابعا: ما من عالم إلا ويرد عليه في مسائل اختارها إما عن رأي، أو عن ضعف حجة، وهم معذورون قبل إيضاح المحجة بدلائلها، ولو تتبع الناس شذوذات المجتهدين ورخصهم، لخرجوا عن دين الإسلام إلى دين آخر، كما قيل: من تتبع الرخص تزندق، ولو أراد مبتغ الفساد والعدول عن الصراط أن يتخذ له من رخصهم سلما يرتقي به إلى شهواته لكان الواجب على الحاكم قمعه وصده، وتعزيره، كما هو مشهور في فقه الأئمة الأربعة، وغيرهم.
وما ذكر ففيه أن من أحال لتبرير جرمه على قول عالم، عُلم خطؤه فيه أنه يقبل منه ولا يؤخذ بالعتاب.
اللهم احفظ علينا ديننا، وتوحيدنا.
العلمي أمل
2017-08-03, 11:26 AM
من سورة النساء مع الآيات 88-91 وتفسيرها :
بسم الله الرحمن الرحيم
{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلا (88) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا (89) إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُم ْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا (90) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (91) }
يَقُولُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي الْمُنَافِقِينَ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ ذَلِكَ، فقال الإمام أحمد: حَدَّثَنَا بَهْز، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى أُحُد، فَرَجَعَ نَاسٌ خَرَجُوا مَعَهُ، فَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةٌ تَقُولُ: نَقْتُلُهُمْ. وَفِرْقَةٌ تَقُولُ: لَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهَا طَيْبة، وَإِنَّهَا تَنْفِي الخَبَث كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ".
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ .
وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسار فِي وَقْعَةِ أُحُدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ رَجَعَ يَوْمَئِذٍ بِثُلُثِ الْجَيْشِ، رَجَعَ بِثَلَاثِمِائَة ٍ وَبَقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبْعِمِائَةٍ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ كَانُوا بِمَكَّةَ، قَدْ تَكَلَّمُوا بِالْإِسْلَامِ، كَانُوا يُظَاهِرُونَ الْمُشْرِكِينَ، فَخَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ يَطْلُبُونَ حَاجَةً لَهُمْ، فَقَالُوا: إِنْ لَقِينَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ فَلَيْسَ عَلَيْنَا مِنْهُمْ بَأْسٌ، وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا أُخْبِرُوا أَنَّهُمْ قَدْ خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ، قَالَتْ فِئَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: ارْكَبُوا إِلَى الْجُبَنَاءِ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّهُمْ يُظَاهِرُونَ عَلَيْكُمْ عَدُوَّكُمْ. وَقَالَتْ فِئَةٌ أُخْرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! أَوْ كَمَا قَالُوا: أَتَقْتُلُونَ قَوْمًا قَدْ تَكَلَّمُوا بِمِثْلِ مَا تَكَلَّمْتُمْ بِهِ؟ أمِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ لَمْ يُهَاجِرُوا وَلَمْ يَتْرُكُوا دِيَارَهُمْ تُسْتَحَلُّ دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ . فَكَانُوا كَذَلِكَ فِئَتَيْنِ، وَالرَّسُولُ عِنْدَهُمْ لَا يَنْهَى وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ عَنْ شَيْءٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ}
رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَقَدْ رُوي عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَغَيْرِهِمْ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنِ ابنٍ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي تَقَاوُلِ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فِي شَأْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، حِينَ اسْتَعْذَرَ مِنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي قَضِيَّةِ الْإِفْكِ.
وَهَذَا غَرِيبٌ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} أَيْ: رَدَّهُمْ وَأَوْقَعَهُمْ فِي الْخَطَأِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أَرْكَسَهُمْ} أَيْ: أَوْقَعَهُمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَهْلَكَهُمْ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَضَلَّهُمْ.
وَقَوْلُهُ: {بِمَا كَسَبُوا} أَيْ: بِسَبَبِ عِصْيَانِهِمْ وَمُخَالَفَتِهِ مُ الرَّسُولَ وَاتِّبَاعِهِمُ الْبَاطِلَ.
{أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلا} أَيْ: لَا طَرِيقَ لَهُ إِلَى الْهُدَى وَلَا مَخْلَصَ لَهُ إِلَيْهِ.
ثُمَّ قَالَ: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} أَيْ: هُمْ يَوَدُّونَ لَكُمُ الضَّلَالَةَ لِتَسْتَوُوا أَنْتُمْ وَإِيَّاهُمْ فِيهَا، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِشِدَّةِ عَدَاوَتِهِمْ وَبُغْضِهِمْ لَكُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا} أَيْ: تَرَكُوا الْهِجْرَةَ، قَالَهُ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَظْهَرُوا كُفْرَهُمْ {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} أي: لا توالوهم وَلَا تَسْتَنْصِرُوا بِهِمْ عَلَى الْأَعْدَاءِ مَا دَامُوا كَذَلِكَ.
ثُمَّ اسْتَثْنَى اللَّهُ، سُبْحَانَهُ مِنْ هَؤُلَاءِ فَقَالَ: {إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} أي: إلا الذين لجؤوا وَتَحَيَّزُوا إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مُهَادَنَةٌ أَوْ عَقْدُ ذِمَّةٍ، فَاجْعَلُوا حُكْمَهُمْ كَحُكْمِهِمْ. وَهَذَا قَوْلُ السُّدِّيِّ، وَابْنِ زَيْدٍ، وَابْنِ جَرِيرٍ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعان، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيَّ حَدَّثَهُمْ قَالَ: لَمَّا ظهر -يعني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ وأُحُد، وَأَسْلَمَ مَنْ حَوْلَهُمْ قَالَ سُرَاقَةُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَبْعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى قَوْمِي -بَنِي مُدْلج -فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَنْشُدُك النِّعْمَةَ. فَقَالُوا: صَهٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دَعُوهُ، مَا تُرِيدُ؟ ". قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَبْعَثَ إِلَى قَوْمِي، وَأَنَا أُرِيدُ أَنَّ تُوَادِعَهُمْ، فَإِنْ أَسْلَمَ قَوْمُكَ أَسْلَمُوا وَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا لَمْ تَخْشُن قُلُوبُ قَوْمِكَ عَلَيْهِمْ. فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَقَالَ: "اذْهَبْ مَعَهُ فَافْعَلْ مَا يُرِيدُ". فَصَالَحَهُمْ خَالِدٌ عَلَى أَلَّا يُعِينُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ أَسْلَمَتْ قُرَيْشٌ أَسْلَمُوا مَعَهُمْ، [وَمَنْ وَصَلَ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّاسِ كَانُوا عَلَى مِثْلِ عَهْدِهِمْ] فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ}
وَرَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَقَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} فكان من وَصَلَ إِلَيْهِمْ كَانُوا مَعَهُمْ عَلَى عَهْدِهِمْ وَهَذَا أَنْسَبُ لِسِيَاقِ الْكَلَامِ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي قِصَّةِ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ فَكَانَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي صُلْحِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي صُلْحِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ وَعَهْدِهِمْ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: نَسَخَهَا قَوْلُهُ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ] } [التَّوْبَةِ: 5] .
وَقَوْلُهُ: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ [أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ] } الْآيَةَ، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ آخَرُونَ مِنَ المُسْتَثنَين عَنِ الْأَمْرِ بِقِتَالِهِمْ، وَهُمُ الَّذِينَ يَجِيئُونَ إِلَى الْمَصَافِّ وَهُمْ حَصِرَةٌ صُدُورُهُمْ أَيْ: ضَيِّقَةٌ صُدُورُهُمْ مُبْغضين أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ، وَلَا يَهُونُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا أَنْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ مَعَكُمْ، بَلْ هُمْ لَا لَكُمْ وَلَا عَلَيْكُمْ. {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُم ْ} أَيْ: مِنْ لُطْفِهِ بِكُمْ أَنْ كَفَّهُمْ عَنْكُمْ {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} أَيِ: الْمُسَالَمَةَ {فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلا} أَيْ: فَلَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَقْتُلُوهُمْ، مَا دَامَتْ حَالُهُمْ كَذَلِكَ، وَهَؤُلَاءِ كَالْجَمَاعَةِ الَّذِينَ خَرَجُوا يَوْمَ بِدْرٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، فَحَضَرُوا الْقِتَالَ وَهُمْ كَارِهُونَ، كَالْعَبَّاسِ وَنَحْوِهِ، وَلِهَذَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومئذ عن قتل العباس وعبّر بأسره.
وَقَوْلُهُ: {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ [كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا] } الْآيَةَ، هَؤُلَاءِ فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ كَمَنْ تَقَدَّمَهُمْ، وَلَكِنْ نِيَّةُ هَؤُلَاءِ غَيْرُ نِيَّةِ أُولَئِكَ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مُنَافِقُونَ يُظْهِرُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَصْحَابِهِ الْإِسْلَامَ؛ لِيَأْمَنُوا بِذَلِكَ عِنْدَهُمْ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَذَرَارِيهِمْ وَيُصَانِعُونَ الْكَفَّارَ فِي الْبَاطِنِ، فَيَعْبُدُونَ مَعَهُمْ مَا يَعْبُدُونَ، لِيَأْمَنُوا بِذَلِكَ عِنْدَهُمْ، وَهُمْ فِي الْبَاطِنِ مَعَ أُولَئِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ [إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ] } [الْبَقَرَةِ: 14] وَقَالَ هَاهُنَا: {كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا} أَيْ: انْهَمَكُوا فِيهَا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْفِتْنَةُ هَاهُنَا: الشِّرْكُ. وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، كَانُوا يَأْتُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسَلِّمُونَ رِيَاءً، ثُمَّ يَرْجِعُونَ إِلَى قُرَيْشٍ فَيَرْتَكِسُونَ فِي الْأَوْثَانِ، يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ أَنْ يَأْمَنُوا هَاهُنَا وَهَاهُنَا، فَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ إِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوا وَيُصْلِحُوا؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ} أَيْ: عَنِ الْقِتَالِ {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } أَيْ: أَيْنَ لَقِيتُمُوهُمْ {وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا} أَيْ: بيِّنا وَاضِحًا.
العلمي أمل
2017-08-03, 11:37 AM
من سورة النساء مع الآيات 136-140 وتفسيرها :
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نزلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا (136) }
يَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالدُّخُولِ فِي جَمِيعِ شَرَائِعِ الْإِيمَانِ وَشُعَبِهِ وَأَرْكَانِهِ وَدَعَائِمِهِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ، بَلْ مِنْ بَابِ تَكْمِيلِ الْكَامِلِ وَتَقْرِيرِهِ وَتَثْبِيتِهِ وَالِاسْتِمْرَا رِ عَلَيْهِ. كَمَا يَقُولُ الْمُؤْمِنُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الْفَاتِحَةِ: 6] أَيْ: بَصِّرنا فِيهِ، وَزِدْنَا هُدَى، وَثَبِّتْنَا عَلَيْهِ. فَأَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ} [الْحَدِيدِ: 28] .
وَقَوْلُهُ: {وَالْكِتَابِ الَّذِي نزلَ عَلَى رَسُولِهِ} يَعْنِي: الْقُرْآنَ {وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزلَ مِنْ قَبْلُ} وَهَذَا جِنْسٌ يَشْمَلُ جَمِيعَ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَة ِ، وَقَالَ فِي الْقُرْآنِ: {نزلَ} ؛ لِأَنَّهُ نَزَلَ مُفَرَّقًا مُنَجَّمًا عَلَى الْوَقَائِعِ، بِحَسَبِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْعِبَادُ إِلَيْهِ فِي مَعَادِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ، وَأَمَّا الْكُتُبُ الْمُتَقَدِّمَة ُ فَكَانَتْ تَنْزِلُ جُمْلَةً وَاحِدَةً؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزلَ مِنْ قَبْلُ} ثُمَّ قَالَ {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا} أَيْ: فَقَدْ خَرَجَ عَنْ طَرِيقِ الْهُدَى، وَبَعُدَ عَنِ الْقَصْدِ كُلَّ الْبُعْدِ.
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا (137) بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) وَقَدْ نزلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) }
يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّنْ دَخَلَ فِي الْإِيمَانِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ، ثُمَّ عَادَ فِيهِ ثُمَّ رَجَعَ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى ضَلَالِهِ وَازْدَادَ حَتَّى مَاتَ، فَإِنَّهُ لَا تَوْبَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ، وَلَا يَجْعَلُ لَهُ مِمَّا هُوَ فِيهِ فَرَجًا وَلَا مَخْرَجًا، وَلَا طَرِيقًا إِلَى الْهُدَى؛ وَلِهَذَا قَالَ: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا}
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبَدَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ جُمَيع، عَنْ سِمَاك، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} قال: تَمَّمُوا عَلَى كُفْرِهِمْ حَتَّى مَاتُوا. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْمُعَلَّى، عَنْ عَامِرٍ الشّعْبي، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: يُسْتَتَابُ الْمُرْتَدُّ، ثَلَاثًا، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا}
ثُمَّ قَالَ: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} يَعْنِي: أَنَّ الْمُنَافِقِينَ مِنْ هَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا، فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، بِمَعْنَى أَنَّهُمْ مَعَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ، يُوَالُونَهُمْ وَيُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ، وَيَقُولُونَ لَهُمْ إِذَا خَلَوْا بِهِمْ: إِنَّمَا نَحْنُ مَعَكُمْ، إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ . أَيْ بِالْمُؤْمِنِين َ فِي إِظْهَارِنَا لَهُمُ الْمُوَافَقَةَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ فِيمَا سَلَكُوهُ مِنْ مُوَالَاةِ الْكَافِرِينَ: {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ} ؟
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى بِأَنَّ الْعِزَّةَ كُلَّهَا لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلِمَنْ جَعَلَهَا لَهُ. كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فَاطِرٍ: 10] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الْمُنَافِقُونَ : 8] .
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا التَّهْيِيجِ عَلَى طَلَبِ الْعِزَّةِ مِنْ جَنَابِ اللَّهِ، وَالِالْتِجَاءِ إِلَى عُبُودِيَّتِهِ، وَالِانْتِظَامِ فِي جُمْلَةِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَهُمُ النُّصْرَةُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ.
ويُنَاسبُ أَنْ يُذْكَرَ هَاهُنَا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ حُمَيْد الْكِنْدِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيِّ، عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنِ انْتَسَبَ إِلَى تِسْعَةِ آبَاءٍ كُفَّارٍ، يُرِيدُ بِهِمْ عِزًّا وَفَخْرًا، فَهُوَ عَاشِرُهُمْ فِي النَّارِ".
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ وَأَبُو رَيْحَانَةَ هَذَا هُوَ أَزْدِيٌّ، وَيُقَالُ: أَنْصَارِيٌّ. اسْمُهُ شَمْعُونُ بِالْمُعْجَمَةِ ، فِيمَا قَالَهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ غَيْرُهُ: بِالْمُهْمَلَةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ [تَعَالَى] {وَقَدْ نزلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} أَيْ: إِذَا ارْتَكَبْتُمِ النَّهْيَ بَعْدَ وُصُولِهِ إِلَيْكُمْ، وَرَضِيتُمْ بِالْجُلُوسِ مَعَهُمْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يُكْفَرُ فِيهِ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيُسْتَهْزَأُ وَيُنْتَقَصُ بِهَا، وَأَقْرَرْتُمُو هُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ شَارَكْتُمُوهُم ْ فِي الَّذِي هُمْ فِيهِ. فَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [أَيْ] فِي الْمَأْثَمِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَار عَلَيْهَا الخَمْر" .
وَالَّذِي أُحِيلَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ النَّهْيِ فِي ذَلِكَ، هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ [حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ] } [الْأَنْعَامِ: 68] قَالَ مُقَاتِلُ بُنُ حَيَّانَ: نَسَخَت هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْأَنْعَامِ. يَعْنِي نُسخَ قَوْلُهُ: {إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} لِقَوْلِهِ {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأنعام: 69] .
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} أَيْ: كَمَا أَشْرَكُوهُمْ فِي الْكُفْرِ، كَذَلِكَ شَارَكَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ فِي الْخُلُودِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ أَبَدًا، وَجَمَعَ بَيْنَهُمْ فِي دَارِ الْعُقُوبَةِ وَالنَّكَالِ، وَالْقُيُودِ وَالْأَغْلَالِ. وَشَرَابِ الْحَمِيمِ والغِسْلين لا الزّلال.
العلمي أمل
2017-08-03, 12:33 PM
تتمة :
بسم الله الرحمن الرحيم
{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) }
يُخْبِرُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ لَيْسُوا أَهْلًا لِلِاسْتِغْفَار ِ، وَأَنَّهُ لَوِ اسْتَغْفَرَ لَهُمْ، وَلَوْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لَهُمْ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ السَّبْعِينَ إِنَّمَا ذُكِرَتْ حَسْمًا لِمَادَّةِ الِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ فِي أَسَالِيبِ كَلَامِهَا تَذْكُرُ السَّبْعِينَ فِي مُبَالَغَةِ كَلَامِهَا، وَلَا تُرِيدُ التَّحْدِيدَ بِهَا، وَلَا أَنْ يَكُونَ مَا زَادَ عَلَيْهَا بِخِلَافِهَا.
وَقِيلَ: بَلْ لَهَا مَفْهُومٌ، كَمَا رَوَى الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: "أَسْمَعُ رَبِّي قَدْ رَخَّصَ لِي فِيهِمْ، فَوَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَن َّ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ! فَقَالَ اللَّهُ مِنْ شِدَّةِ غَضَبِهِ عَلَيْهِمْ: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الْمُنَافِقُونَ :6]
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَمَّا ثَقُل عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، انْطَلَقَ ابْنُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ أَبِي قَدِ احْتُضَرَ، فَأُحِبُّ أَنْ تَشْهَدَهُ وَتُصَلِّيَ عَلَيْهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا اسْمُكَ". قَالَ الْحُبَابُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: "بَلْ أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، إِنَّ الْحُبَابَ اسْمُ شَيْطَانٍ". قَالَ: فَانْطَلَقَ مَعَهُ حَتَّى شَهِدَهُ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ وَهُوَ عَرِقٌ، وَصَلَّى عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: أَتُصَلِّي عَلَيْهِ [وَهُوَ مُنَافِقٌ] ؟ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ قَالَ: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} وَلَأَسْتَغْفِر َنَّ لَهُ سَبْعِينَ وَسَبْعِينَ وَسَبْعِينَ".
وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُرْوَة بْنِ الزُّبَيْرِ وَمُجَاهِدِ بْنِ جُبَير، وقَتَادَةَ بْنِ دِعَامة. رواها ابن جرير بأسانيده.
{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) }
يَقُولُ تَعَالَى ذَامّا لِلْمُنَافِقِين َ الْمُتَخَلِّفِي نَ عَنْ صَحَابَةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ بَعْدَ خُرُوجِهِ، {وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا} مَعَهُ {بِأَمْوَالِهِم وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا} أَيْ: بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: {لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ} ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْخُرُوجَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ كَانَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، عِنْدَ طِيبِ الظِّلَالِ وَالثِّمَارِ، فَلِهَذَا قَالُوا {لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ} قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ: {قُلْ} لَهُمْ: {نَارُ جَهَنَّمَ} الَّتِي تَصِيرُونَ إِلَيْهَا بِسَبَبِ مُخَالَفَتِكُمْ {أَشَدُّ حَرًّا} مِمَّا فَرَرْتُمْ مِنْهُ مِنَ الْحَرِّ، بَلْ أَشَدُّ حَرًّا مِنَ النَّارِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّناد، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "نَارُ بَنِي آدَمَ الَّتِي يُوقِدُونَ بِهَا جزءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا [مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ" فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةٌ. قَالَ إِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا] أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، بِهِ
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ نَارَكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، وَضُرِبَتْ بِالْبَحْرِ مَرَّتَيْنِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا جَعَلَ [اللَّهُ] فِيهَا مَنْفَعَةً لِأَحَدٍ" وَهَذَا أَيْضًا إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ عَبَّاسٍ الدُّورِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُوقِدَ عَلَى النَّارِ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى احمرَّت، ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى ابيضَّت، ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ، فَهِيَ سَوْدَاءُ كَاللَّيْلِ الْمُظْلِمِ". ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ غَيْرَ يَحْيَى كَذَا قَالَ. وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ محمد بن الحسين بن مُكْرَمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمِّهِ، عَنْ شَرِيكٍ -وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ -بِهِ. وَرَوَى أَيْضًا ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التَّحْرِيمِ:6] قَالَ: "أُوقد عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ، وَأَلْفَ عَامٍ حَتَّى احْمَرَّتْ، وَأَلْفَ عَامٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ، فَهِيَ سَوْدَاءُ كَاللَّيْلِ، لَا يُضِيءُ لَهَبُهَا"
وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ تَمَّامِ بْنِ نَجِيح -وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ -عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: "لَوْ أَنَّ شَرَارَةً بِالْمَشْرِقِ -أَيْ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ -لَوَجَدَ حَرَّهَا مَنْ بِالْمَغْرِبِ"
وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الْحَدَّادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شَبِيبٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ كَانَ هَذَا الْمَسْجِدُ مِائَةَ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَتَنَفَّسَ فَأَصَابَهُمْ نَفَسُهُ، لَاحْتَرَقَ الْمَسْجِدُ وَمَنْ فِيهِ" غَرِيبٌ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمَنْ لَهُ نَعْلَانِ وشِرَاكان مِنْ نَارٍ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ، لَا يَرَى أَحَدًا مِنْ أَهْلِ النَّارِ أشدُّ عَذَابًا مِنْهُ، وَإِنَّهُ أَهُوَنُهُمْ عَذَابًا". أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ
وَقَالَ مُسْلِمٌ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْر حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَنْتَعِلُ بِنَعْلَيْنِ مِنْ نَارٍ، يَغْلِي دِمَاغُهُ مِنْ حَرَارَةِ نَعْلَيْهِ"
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا رَجُلٌ يُجْعَلُ لَهُ نَعْلَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ"
وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، رجاله على شرط مسلم، والله أعلم.
العلمي أمل
2017-08-03, 04:07 PM
تتمة :
بسم الله الرحمن الرحيم
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابنُ أَبِي عُمَر العَدَني قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ {لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ} قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حوَّلَ سُفْيَانُ وَجْهَهُ عَلَى يَمِينِهِ، وَنَظَرَ بِعَيْنِهِ شَزْرا، ثُمَّ قَالَ: هُمْ هَذَا.
وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّ هَذَا السِّيَاقَ كُلَّهُ نَزَلَ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ كَمَا سَنُورِدُهُ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.
وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ: وَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة -يَعْنِي مَرْجعَه مِنْ أُحُدٍ-وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ -كَمَا حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ-لَهُ مَقَامٌ يَقُومه كُلَّ جُمُعة لَا ينُكر، شَرَفًا لَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَمِنْ قَوْمِهِ، وَكَانَ فِيهِمْ شَرِيفًا، إِذَا جَلَسَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ قَامَ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، أَكْرَمَكُمُ اللَّهُ بِهِ، وَأَعَزَّكُمْ بِهِ، فَانْصُرُوهُ وعَزّروه، وَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا. ثُمَّ جَلَسَ، حَتَّى إِذَا صَنَعَ يَوْمَ أُحد مَا صَنَع -يَعْنِي مَرْجِعَهُ بِثُلُثِ الْجَيْشِ-وَرَجَعَ النَّاسُ قَامَ يَفْعَلُ ذَلِكَ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ، فَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ بِثِيَابِهِ مِنْ نَوَاحِيهِ وَقَالُوا: اجْلِسْ، أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ، لَسْتَ لِذَلِكَ بِأَهْلٍ، وَقَدْ صنعتَ مَا صنعتَ. فَخَرَجَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَكَأَنَّمَا قُلْتُ بَجْرًا؛ أَنْ قُمت أُشَدِّدُ أَمْرَهُ. فَلَقِيَهُ رِجَالٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِبَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالُوا: وَيْلَكَ. مَا لَكَ؟ قَالَ: قمتُ أُشَدِّدُ أَمْرَهُ، فَوَثَبَ عَلَيَّ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَجْذِبُونَنِي وَيُعَنِّفُونَن ِي، لَكَأَنَّمَا قُلْتُ بَجْرًا، أَنْ قُمْتُ أُشَدِّدُ أَمْرَهُ. قَالُوا: وَيْلَكَ. ارْجِعْ يَسْتَغْفِرْ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَبْتَغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي
وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، وَذَلِكَ أَنَّ غُلَامًا مِنْ قَرَابَتِهِ انْطَلَقَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَحَدَّثَهُ بِحَدِيثٍ عَنْهُ وَأَمْرٍ شَدِيدٍ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ يَحْلِفُ بِاللَّهِ وَيَتَبَرَّأُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَقْبَلَتِ الْأَنْصَارُ عَلَى ذَلِكَ الْغُلَامِ فَلَامُوهُ وعَذَموه وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ مَا تَسْمَعُونَ، وَقِيلَ لِعَدُوِّ اللَّهِ: لَوْ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَجَعَلَ يَلْوِي رَأْسَهُ، أَيْ: لَسْتُ فَاعِلًا
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ سَعِيدِ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا نَزَلَ مَنْزِلًا لَمْ يَرْتَحِلْ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ بَلَغَهُ أنَّ عبدَ الله ابن أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ قَالَ: {لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْهَا الأذَلَّ} فَارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ آخِرَ النَّهَارِ، وَقِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ: ائْتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَسْتَغْفِرَ لَكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ } إِلَى قَوْلِهِ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ}
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَقَوْلُهُ: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ خَرَجَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، بَلْ رَجَعَ بِطَائِفَةٍ مِنَ الْجَيْشِ. وَإِنَّمَا الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِ الْمَغَازِي وَالسِّيَرِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ المُرَيسيع، وَهِيَ غَزْوَةُ بَنِي المصطلق.
العلمي أمل
2017-08-04, 02:53 PM
من سورة آل عمران مع الآيات 166-173 وتفسيرها :
بسم الله الرحمن الرحيم
وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُ مْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168) وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)
{وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا لاتَّبَعْنَاكُم ْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لإخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168) }
يَقُولُ تَعَالَى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ} وَهِيَ مَا أُصِيبَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحد مِنْ قَتْلِ السَّبْعِينَ مِنْهُمْ {قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} يَعْنِي: يَوْمَ بَدْر، فَإِنَّهُمْ قَتَلُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ سَبْعِينَ قَتِيلًا وَأَسَرُوا سَبْعِينَ أَسِيرًا {قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} أَيْ: مِنْ أَيْنَ جَرَى عَلَيْنَا هَذَا؟ {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ}
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذَكَرَهُ أَبِي، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا قُرَاد أَبُو نُوحٍ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا سِمَاك الْحَنَفِيُّ أَبُو زُميل، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنِي عُمَر بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يومُ أُحُدٍ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، عُوقِبُوا بِمَا صَنَعُوا يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ أَخْذِهِمُ الفِدَاء، فَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ وفَرَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، وكُسرت رَبَاعِيتُه وهُشمَت البَيْضَة عَلَى رَأْسِهِ، وَسَالَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} بِأَخْذِكُمُ الْفِدَاءَ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَزْوان، وَهُوَ قُرَاد أَبُو نُوحٍ، بِإِسْنَادِهِ وَلَكِنْ بِأَطْوَلَ مِنْهُ، وَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، حَدَّثَنَا إسماعيل بن عُلَيَّة عَنِ ابْنِ عوْن، عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبيدة قَالَ سُنَيد -وَهُوَ حُسَيْنٌ-: وَحَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنْ جَرير، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبيدة، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَرِه مَا صَنَعَ قومُك فِي أَخْذِهِمُ الْأُسَارَى، وَقَدْ أَمَرَكَ أَنْ تُخَيِّرَهُمْ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يُقدموا فَتَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْفِدَاءَ، عَلَى أَنْ يُقْتَل مِنْهُمْ عِدَّتُهُمْ. قَالَ: فَدَعَا رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناسَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَشَائِرُنَا وَإِخْوَانُنَا، أَلَا نَأْخُذُ فِدَاءَهُمْ فَنتَقوّى بِهِ عَلَى قِتَالِ عَدُوِّنَا، وَيَسْتَشْهِدُ مِنَّا عِدَّتُهُمْ، فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا نَكْرَهُ؟ قَالَ: فَقُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ رَجُلًا عِدَّةَ أُسَارَى أَهْلِ بَدْرٍ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الحَفْري، عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، بِهِ. ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ. وَرَوَى أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هشَام نَحْوَهُ. وَرَوَى عَنِ ابْنِ سِيرِين عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، والسديِّ: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} أَيْ: بِسَبَبِ عِصْيَانِكُمْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَمَرَكُمْ أَنْ لَا تَبْرَحُوا مِنْ مَكَانِكُمْ فَعَصَيْتُمْ، يَعْنِي بِذَلِكَ الرُّمَاةَ {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أَيْ: وَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، لَا مُعَقبَ لِحُكْمِهِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:
{وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ} أَيْ: فِرَارُكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَدُوِّكُمْ وَقَتْلُهُمْ لِجَمَاعَةٍ مِنْكُمْ وَجِرَاحَتُهُمْ لِآخَرِينَ، كَانَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، وَلَهُ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ. [وَقَوْلُهُ] {وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ} أَيِ: الذين صبروا وثبتوا ولم يتزلزلوا.
{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا لاتَّبَعْنَاكُم ْ} يَعْنِي [بِذَلِكَ] أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ الَّذِينَ رَجَعُوا مَعَهُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، فَاتَّبَعَهُمْ مَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يُحَرِّضُونَهُم ْ عَلَى الْإِيَابِ وَالْقِتَالِ وَالْمُسَاعَدَة ِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {أَوِ ادْفَعُوا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَير، وَالضَّحَّاكُ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَالْحَسَنُ، والسُّدِّي: يَعْنِي كَثروا سَوَادَ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: ادْفَعُوا بِالدُّعَاءِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: رَابِطُوا. فتعلَّلوا قَائِلِينَ: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا لاتَّبَعْنَاكُم ْ} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنُونَ لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَلْقَوْنَ حَرْبًا لَجِئْنَاكُمْ، وَلَكِنْ لَا تَلْقَوْنَ قِتَالًا.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا، كُلهم قَدْ حَدَّثَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يَعْنِي حِينَ خَرَجَ إِلَى أُحُدٍ-فِي أَلْفِ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ بالشَّوط -بَيْنَ أُحُدٍ وَالْمَدِينَةِ-انْحَازَ عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ بِثُلُثِ النَّاسِ، وَقَالَ أَطَاعَهُمْ فَخَرَجَ وَعَصَانِي، وَوَاللَّهِ مَا نَدْرِي عَلَامَ نقتُل أَنْفُسَنَا هَاهُنَا أَيُّهَا النَّاسُ، فَرَجَعَ بِمَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ النَّاسِ مِنْ قَوْمِهِ أَهْلِ النِّفَاقِ وَأَهْلِ الرَّيْبِ، وَاتَّبَعَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمرو بْنِ حَرَامٍ أَخُو بَنِي سَلمة، يَقُولُ: يَا قَوْمِ، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ أَنْ تَخْذُلُوا نَبِيَّكُمْ وَقَوْمَكُمْ عِنْدَمَا حَضَرَ مِنْ عَدُوِّكُمْ، قَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكُمْ تُقَاتِلُونَ مَا أَسْلَمْنَاكُمْ وَلَكِّنَا لَا نَرَى أَنْ يَكُونَ قِتَالٌ. فَلَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ وأبَوْا إِلَّا الِانْصِرَافَ عَنْهُمْ، قَالَ: أَبْعَدَكُمُ اللَّهُ أَعْدَاءَ اللَّهِ، فسيُغْنى اللَّهُ عَنْكُمْ. وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قال اللَّهُ تَعَالَى: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإيمَانِ} اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى أَنَّ الشَّخْصَ قَدْ تَتَقَلَّبُ بِهِ الْأَحْوَالُ، فَيَكُونُ فِي حَالٍ أَقْرَبَ إِلَى الْكُفْرِ، وَفِي حَالٍ أَقْرَبَ [إِلَى] الْإِيمَانِ؛ لِقَوْلِهِ: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإيمَانِ}
ثُمَّ قَالَ: {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} يَعْنِي: أَنَّهُمْ يَقُولُونَ الْقَوْلَ وَلَا يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ هَذَا: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا لاتَّبَعْنَاكُم ْ} فَإِنَّهُمْ يَتَحَقَّقُونَ أَنَّ جُنْدًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ جَاءُوا مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ، يَتَحَرَّقُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِسَبَبِ مَا أُصِيبَ مِنْ سَرَاتِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُمْ أَضْعَافُ الْمُسْلِمِينَ، أَنَّهُ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ لَا مَحَالَةَ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} .
وَقَوْلُهُ: {الَّذِينَ قَالُوا لإخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} أَيْ: لَوْ سَمِعُوا مِنْ مَشُورَتِنَا عَلَيْهِمْ فِي الْقُعُودِ وَعَدَمِ الْخُرُوجِ مَا قُتِلُوا مَعَ مَنْ قُتِلَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أَيْ: إِنْ كَانَ القُعود يَسْلَم بِهِ الشَّخْصُ مِنَ الْقَتْلِ وَالْمَوْتِ، فَيَنْبَغِي، أَنَّكُمْ لَا تَمُوتُونَ، وَالْمَوْتُ لَا بُدَّ آتٍ إليكم ولو كنتم في بُرُوجٍ مُشَيّدة، فَادْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. قَالَ مُجَاهِدٌ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سلول.
{فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُو نَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) }
العلمي أمل
2017-08-04, 03:13 PM
من سورة العنكبوت الآيتان 10-11 وتفسيرهما :
بسم الله الرحمن الرحيم
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11)
وَمَعَ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ بِالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا، فِي مُقَابَلَةِ إِحْسَانِهِمَا الْمُتَقَدِّمِ، قَالَ: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} أَيْ: وَإِنْ حَرَصا عَلَيْكَ أَنْ تُتَابِعَهُمَا عَلَى دِينِهِمَا إِذَا كَانَا مُشْرِكَيْنِ، فَإِيَّاكَ وَإِيَّاهُمَا، لَا تُطِعْهُمَا فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ مَرْجِعَكُمْ إِلَيَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَجْزِيكَ بِإِحْسَانِكَ إِلَيْهِمَا، وَصَبْرِكَ عَلَى دِينِكَ، وَأَحْشُرُكَ مَعَ الصَّالِحِينَ لَا فِي زُمْرَةِ وَالِدَيْكَ، وَإِنْ كُنْتَ أَقْرَبَ النَّاسِ إِلَيْهِمَا فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْمَرْءَ إِنَّمَا يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ مَنْ أَحَبَّ، أَيْ: حُبًّا دِينِيًّا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُ مْ فِي الصَّالِحِينَ} .
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاك بْنُ حَرْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُصعَب بْنَ سَعْدٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ، قَالَ: نَزَلَتْ فيَّ أَرْبَعُ آيَاتٍ. فَذَكَرَ قِصَّةً، وَقَالَتْ أُمُّ سَعْدٍ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَكَ اللَّهُ بِالْبَرِّ؟ وَاللَّهِ لَا أطعَمُ طَعَامًا وَلَا أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى أَمُوتَ أَوْ تَكْفُرَ، قَالَ: فَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُطْعِمُوهَا شَجَروا فَاهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ} الْآيَةَ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) } .
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ صِفَاتِ قَوْمٍ مِنَ [الْمُكَذِّبِينَ] الَّذِينَ يَدَّعُونَ الْإِيمَانَ بِأَلْسِنَتِهِم ْ، وَلَمْ يَثْبُتِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ، بِأَنَّهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ فِتْنَةٌ وَمِحْنَةٌ فِي الدُّنْيَا، اعْتَقَدُوا أَنَّ هَذَا مِنْ نِقْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِمْ، فَارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي فِتْنَتَهُ أَنْ يَرْتَدَّ عَنْ دِينِهِ إِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ. وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الْحَجِّ: 11] .
ثُمَّ قَالَ: {وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} أَيْ: وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ قَرِيبٌ مِنْ رَبِّكَ -يَا مُحَمَّدُ -وَفَتْحٌ وَمَغَانِمُ، لَيَقُولُنَّ هَؤُلَاءِ لَكُمْ: إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ، أَيْ [كُنَّا] إخوانكم في الدين.
العلمي أمل
2017-08-04, 03:20 PM
من سورة الفتح مع الآيات 4-7 وتفسيرها :
بسم الله الرحمن الرحيم
{هُوَ الَّذِي أَنزلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَا تِ وَالْمُشْرِكِين َ وَالْمُشْرِكَات ِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7) }
يَقُولُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَنزلَ السَّكِينَةَ} أَيْ: جَعَلَ الطُّمَأْنِينَة َ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَنْهُ: الرَّحْمَةُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: الْوَقَارُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ. وَهُمُ الصَّحَابَةُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ، الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَانْقَادُوا لِحُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَلَمَّا اطْمَأَنَّتْ قُلُوبُهُمْ لِذَلِكَ، وَاسْتَقَرَّتْ، زادهم إيمانًا مع إيمانهم.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَا الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَلَى تَفَاضِلِ الْإِيمَانِ فِي الْقُلُوبِ.
ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَانْتَصَرَ مِنَ الْكَافِرِينَ، فقال: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ} أَيْ: وَلَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ مَلَكًا وَاحِدًا لَأَبَادَ خَضْرَاءَهُمْ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى شَرَّعَ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْجِهَادَ وَالْقِتَالَ، لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ وَالْحُجَّةِ الْقَاطِعَةِ، وَالْبَرَاهِينِ الدَّامِغَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} ، قَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَنَسٍ: قَالُوا: هَنِيئًا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لَكَ فَمَا لَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} أَيْ: مَاكِثِينَ فِيهَا أَبَدًا. {وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} أَيْ: خَطَايَاهُمْ وَذُنُوبَهُمْ، فَلَا يُعَاقِبُهُمْ عَلَيْهَا، بَلْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ وَيَغْفِرُ، وَيَسْتُرُ وَيَرْحَمُ وَيَشْكُرُ، {وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا} ، كَقَوْلِهِ {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمرن: 185] .
وَقَوْلُهُ: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَا تِ وَالْمُشْرِكِين َ وَالْمُشْرِكَات ِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ} أَيْ: يَتَّهِمُونَ اللَّهَ فِي حُكْمِهِ، وَيَظُنُّونَ بِالرَّسُولِ وَأَصْحَابِهِ أَنْ يُقْتَلُوا وَيَذْهَبُوا بِالْكُلِّيَّةِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ} أَيْ: أَبْعَدَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} .
ثُمَّ قَالَ مُؤَكِّدًا لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِانْتِقَامِ مِنَ الْأَعْدَاءِ -أَعْدَاءِ الإسلام من الكفرة والمنافقين-: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} .
العلمي أمل
2017-08-04, 03:31 PM
من سورة الحشر مع الآيات 11-17 وتفسيرها :
بسم الله الرحمن الرحيم
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُ مْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (12) لأنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُم ْ جَمِيعًا إِلا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14) كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) }
{فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17) }
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الْمُنَافِقِينَ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَضْرَابِهِ، حِينَ بُعِثُوا إِلَى يَهُودِ بَنِي النَّضِيرِ يَعدُونهم النَّصْرَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُ مْ} قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} أَيْ: لَكَاذِبُونَ فِيمَا وَعَدُوهُمْ بِهِ إِمَّا أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُمْ قَوْلًا مِنْ نِيَّتِهِمْ أَلَّا يَفُوا لَهُمْ بِهِ، وَإِمَّا أَنَّهُمْ لَا يَقَعُ مِنْهُمُ الَّذِي قَالُوهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ } أَيْ: لَا يُقَاتِلُونَ مَعَهُمْ، {وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ} أَيْ: قَاتَلُوا مَعَهُمْ {لَيُوَلُّنَّ الأدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} وَهَذِهِ بِشَارَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {لأنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ} أَيْ: يَخَافُونَ مِنْكُمْ أَكْثَرَ مِنْ خَوْفِهِمْ مِنَ اللَّهِ، كَقَوْلِهِ: {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} [النِّسَاءِ: 77] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ}
ثُمَّ قَالَ {لَا يُقَاتِلُونَكُم ْ جَمِيعًا إِلا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ} يَعْنِي: أَنَّهُمْ مِنْ جُبنهم وهَلَعهم لَا يَقْدِرُونَ عَلَى مُوَاجَهَةِ جَيْشِ الْإِسْلَامِ بِالْمُبَارَزَة ِ وَالْمُقَابَلَة ِ بَلْ إِمَّا فِي حُصُونٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ مُحَاصَرِينَ، فَيُقَاتِلُونَ للدفع عنهم ضرورة.
ثُمَّ قَالَ {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} أَيْ: عَدَاوَتُهُمْ [فِيمَا] بَيْنَهُمْ شَدِيدَةٌ، كَمَا قَالَ: {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الْأَنْعَامِ: 65] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} أَيْ: تَرَاهُمْ مُجْتَمِعِينَ فَتَحْسَبُهُمْ مُؤْتَلِفِينَ، وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ غَايَةَ الِاخْتِلَافِ.
قَالَ: إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: يَعْنِي: أَهْلَ الْكِتَابِ وَالْمُنَافِقِي نَ {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ}
ثُمَّ قَالَ: {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالسُّدِّيُّ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: [يَعْنِي] كَمَثَلِ مَا أَصَابَ كَفَّارَ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يَعْنِي: يَهُودَ بَنِي قَيْنُقَاعَ. وَكَذَا قَالَ قتادة، ومحمد ابن إِسْحَاقَ.
وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ، فَإِنَّ يَهُودَ بَنِي قَيْنُقَاعَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجْلَاهُمْ قَبْلَ هَذَا.
وَقَوْلُهُ: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ} يَعْنِي: مَثَلُ هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ فِي اغْتِرَارِهِمْ بِالَّذِينِ وَعَدُوهُمُ النَّصْرَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ ، وَقَوْلِ الْمُنَافِقِينَ لَهُمْ: {وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُ مْ} ثُمَّ لَمَّا حَقَّتِ الْحَقَائِقُ وجَدَّ بِهِمُ الْحِصَارُ وَالْقِتَالُ، تَخَلَّوْا عَنْهُمْ وَأَسْلَمُوهُمْ لِلْهَلَكَةِ، مِثَالُهُمْ فِي هَذَا كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ سَوَّلَ لِلْإِنْسَانِ -وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ-الْكُفْرَ، فَإِذَا دَخَلَ فِيمَا سَوَّلَهُ تَبَرَّأَ مِنْهُ وَتَنَصَّلَ، وَقَالَ: {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}
وقد ذكر بعضهم هاهنا قِصَّةً لِبَعْضِ عُبَّادِ بَنِي إِسْرَائِيلَ هِيَ كَالْمِثَالِ لِهَذَا الْمَثَلِ، لَا أَنَّهَا الْمُرَادَةُ وَحْدَهَا بِالْمَثَلِ، بَلْ هِيَ مِنْهُ مَعَ غَيْرِهَا مِنَ الْوَقَائِعِ الْمُشَاكِلَةِ لَهَا، فَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:
حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْل، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ نَهِيك قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: إِنْ رَاهِبًا تَعَبَّدَ سِتِّينَ سَنَةً، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ أَرَادَهُ فَأَعْيَاهُ، فَعَمَدَ إِلَى امْرَأَةٍ فأجنَّها وَلَهَا إِخْوَةٌ، فَقَالَ لِإِخْوَتِهَا: عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقَسِّ فَيُدَاوِيَهَا. قَالَ: فَجَاءُوا بِهَا إِلَيْهِ فَدَاوَاهَا، وَكَانَتْ عِنْدَهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَوْمًا عِنْدَهَا إِذْ أَعْجَبَتْهُ، فَأَتَاهَا فَحَمَلَتْ، فَعَمَدَ إِلَيْهَا فَقَتَلَهَا، فَجَاءَ إِخْوَتُهَا، فَقَالَ الشَّيْطَانُ لِلرَّاهِبِ: أَنَا صَاحِبُكَ، إِنَّكَ أَعْيَيْتَنِي، أَنَا صَنَعْتُ هَذَا بِكَ فَأَطِعْنِي أُنَجِّكَ مِمَّا صَنَعْتُ بِكَ، فَاسْجُدْ لِي سَجْدَةً. فَسَجَدَ لَهُ، فَلَمَّا سَجَدَ لَهُ قَالَ: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ، إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} .
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} قال: كانت امْرَأَةٌ تَرْعَى الْغَنَمَ، وَكَانَ لَهَا أَرْبَعَةُ إِخْوَةٍ، وَكَانَتْ تَأْوِي بِاللَّيْلِ إِلَى صَوْمَعَةِ رَاهِبٍ. قَالَ: فَنَزَلَ الرَّاهِبُ ففجَر بِهَا، فَحَمَلَتْ، فَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ لَهُ: اقْتُلْهَا ثُمَّ ادْفِنْهَا، فَإِنَّكَ رَجُلٌ مُصدَّق يسمع قولك. فقتلها ثم دفتها. قَالَ: فَأَتَى الشيطانُ إِخْوَتَهَا فِي الْمَنَامِ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ الرَّاهِبَ صَاحِبَ الصَّوْمَعَةِ فجَر بِأُخْتِكُمْ، فَلَمَّا أَحْبَلَهَا قَتَلَهَا ثُمَّ دَفَنَهَا فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا. فَلَمَّا أَصْبَحُوا قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ رُؤْيَا مَا أَدْرِي أَقُصُّهَا عَلَيْكُمْ أَمْ أَتْرُكُ؟ قَالُوا: لَا بَلْ قُصَّهَا عَلَيْنَا. قَالَ: فَقَصَّهَا، فَقَالَ الْآخَرُ: وَأَنَا وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ، فَقَالَ الْآخَرُ: وَأَنَا وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ. فَقَالُوا: فَوَاللَّهِ مَا هَذَا إِلَّا لِشَيْءٍ. قَالَ: فَانْطَلَقُوا فَاسْتَعْدَوْا مَلِكَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الرَّاهِبِ، فَأَتَوْهُ فَأَنْزَلُوهُ ثُمَّ انْطَلَقُوا بِهِ فَلَقِيَهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ: إِنِّي أَنَا الَّذِي أَوْقَعْتُكَ فِي هَذَا، وَلَنْ يُنْجِيَكَ مِنْهُ غَيْرِي، فَاسْجُدْ لِي سَجْدَةً وَاحِدَةً وَأُنْجِيكَ مِمَّا أَوْقَعْتُكَ فِيهِ. قَالَ: فَسَجَدَ لَهُ، فَلَمَّا أَتَوْا بِهِ مَلكهم تَبَرأ مِنْهُ، وأُخِذَ فَقُتِلَ .
وَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، نَحْوُ ذَلِكَ. وَاشْتُهِرَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ أَنَّ هَذَا الْعَابِدَ هُوَ بَرْصِيصَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذِهِ الْقِصَّةُ مُخَالِفَةٌ لِقِصَّةِ جُرَيج الْعَابِدِ، فَإِنَّ جُرَيْجًا اتَّهَمَتْهُ امْرَأَةٌ بَغي بِنَفْسِهَا، وَادَّعَتْ أَنَّ حَملها مِنْهُ، وَرَفَعَتْ أَمْرَهُ إِلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ، فأمر به فأنزل من صومعته وخُربت صَوْمَعَتُهُ وَهُوَ يَقُولُ: مَا لَكُمْ؟ مَا لَكُمْ؟ فَقَالُوا: يَا عَدُوَّ اللَّهِ، فَعَلْتَ بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: جُرَيْجٌ: اصْبِرُوا. ثُمَّ أَخَذَ ابْنَهَا وَهُوَ صَغِيرٌ جِدًّا ثُمَّ قَالَ: يَا غُلَامُ، مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ أَبِي الرَّاعِي -وَكَانَتْ قَدْ أَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَحَمَلَتْ مِنْهُ-فَلَمَّا رَأَى بَنُو إِسْرَائِيلَ ذَلِكَ عَظَّمُوهُ كُلُّهُمْ تَعْظِيمًا بَلِيغًا وَقَالُوا: نُعِيدُ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ: لَا بَلْ أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ، كَمَا كَانَتْ.
وَقَوْلُهُ: {فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا} أَيْ: فَكَانَتْ عَاقِبَةُ الْآمِرِ بِالْكُفْرِ وَالْفَاعِلِ لَهُ، وَتَصَيُّرُهُمَ ا إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدَيْنِ فِيهَا، {وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} أَيْ: جَزَاءُ كُلِّ ظَالِمٍ.
العلمي أمل
2017-08-04, 04:19 PM
من سورة التحريم مع الآيتان 9-10 :
بسم الله الرحمن الرحيم
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِي نَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) }
يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجِهَادِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِي نَ، هَؤُلَاءِ بالسلاح والقتال، وهؤلاء بإقامة
الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ، {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} أَيْ: فِي الدُّنْيَا، {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} أَيْ: فِي الْآخِرَةِ .
ثُمَّ قَالَ: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ كَفَرُوا} أَيْ: فِي مُخَالَطَتِهِمُ الْمُسْلِمِينَ وَمُعَاشَرَتِهِ مْ لَهُمْ، أَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْدِي عَنْهُمْ شَيْئًا وَلَا يَنْفَعُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، إِنْ لَمْ يَكُنِ الْإِيمَانُ حَاصِلًا فِي قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمَثَلَ فَقَالَ: {اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ} أَيْ: نَبِيَّيْنِ رَسُولَيْنِ عِنْدَهُمَا فِي صُحْبَتِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا يُؤَاكِلَانِهِم َا وَيُضَاجِعَانِه ِمَا وَيُعَاشِرَانِه ِمَا أَشَدَّ الْعِشْرَةِ وَالِاخْتِلَاطِ {فَخَانَتَاهُمَ } أَيْ: فِي الْإِيمَانِ، لَمْ يُوَافِقَاهُمَا عَلَى الْإِيمَانِ، وَلَا صَدَّقَاهُمَا فِي الرِّسَالَةِ، فَلَمْ يُجْد ذَلِكَ كلَه شَيْئًا، وَلَا دَفَعَ عَنْهُمَا مَحْذُورًا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} أَيْ: لِكُفْرِهِمَا، {وَقِيلَ} أَيْ: لِلْمَرْأَتَيْن ِ: {ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} وَلَيْسَ الْمُرَادُ: {فَخَانَتَاهُمَ } فِي فَاحِشَةٍ، بَلْ فِي الدِّينِ، فَإِنَّ نِسَاءَ الْأَنْبِيَاءِ معصوماتٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي الْفَاحِشَةِ؛ لِحُرْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ، كَمَا قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ النُّورِ.
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ قَتَّةَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {فَخَانَتَاهُمَ } قَالَ: مَا زَنَتَا، أَمَّا امْرَأَةُ نُوحٍ فَكَانَتْ تُخْبِرُ أَنَّهُ مَجْنُونٌ، وَأَمَّا خِيَانَةُ امْرَأَةِ لُوطٍ فَكَانَتْ تَدُلُّ قَوْمَهَا عَلَى أَضْيَافِهِ.
وَقَالَ العَوفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتْ خِيَانَتُهُمَا أَنَّهُمَا كَانَتَا عَلَى عَورتيهما فَكَانَتِ امْرَأَةُ نُوح تَطَلع عَلَى سِرِّ نُوح، فَإِذَا آمَنَ مَعَ نُوحٍ أَحَدٌ أَخْبَرَتِ الْجَبَابِرَةَ مَنْ قَوْمِ نُوحٍ بِهِ، وَأَمَّا امْرَأَةُ لُوطٍ فَكَانَتْ إِذَا أَضَافَ لُوطٌ أَحَدًا أَخْبَرَتْ بِهِ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِمَّنْ يَعْمَلُ السُّوءَ.
وَهَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَغَيْرُهُمْ.
[وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَا بَغَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ، إِنَّمَا كَانَتْ خِيَانَتُهُمَا فِي الدِّينِ] .
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بعضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى ضَعْفِ الْحَدِيثِ الَّذِي يأثرُه كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: مَنْ أَكَلَ مَعَ مَغْفُورٍ لَهُ غُفِرَ لَهُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا أَصْلَ لَهُ، وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا عَنْ بَعْضِ الصَّالِحِينَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْتَ قُلْتَ: مَنْ أَكَلَ مَعَ مَغْفُورٍ لَهُ غُفِرَ؟ قَالَ: "لَا وَلَكِنِّي الْآنَ أَقُولُهُ" .
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.