مشاهدة النسخة كاملة : (الصفات الفعلية)
محمدعبداللطيف
2017-07-15, 01:13 PM
يقول الشيخ عبد الرحمن البراك ----إن مِنَ المعلوم بالضرورة عقلًا وشرعًا أن الله لم يزل موجودًا وموصوفًا بجميع صفات الكمال؛ من الحياة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والإرادة، والكلام، والعزة، والحكمة، والرحمة، والخلق، والرَّزْق، والعفو، والمغفرة، ونحو ذلك من الصفات الذاتية والصفات الفعلية الذاتية، فكلها ثابتة للرب سبحانه أزلًا وأبدًا، فلم يزل ولا يزال -سبحانه- حيًا قيومًا، عليمًا حكيمًا، غفورًا رحيمًا، خالقًا رازقًا، سميعًا بصيرًا، عفوًا قديرًا، فعالًا لما يريد.
فصفاته الذاتية -سبحانه- لازمةٌ لذاته ولا تتعلقُ بها المشيئة.
وأما صفاتُهُ الذاتية الفعلية، فالأسماء المتضمنة لها لازمة له، لا تتوقف على المشيئة، مثل: العفُوُّ، والغفور، والخالق، والرازق، فإنه لم يزل سبحانه ولا يزال مستحقًا لهذه الأسماء وما تتضمنه من الصفات، ولكنَّ أثرَها ومتعلَّقَها تابعٌ للمشيئة، فتقول: إنه تعالى يخلق ما شاء إذا شاء، ويرزق مَنْ يشاء ويغفر لمن يشاء.
وما كان تابعًا للمشيئة فليس هو من لوازم ذاته، ومِنْ هذا النوع: صفة الفعل وصفة الكلام، فإنه تعالى لم يزل متكلمًا بما شاء إذا شاء، ولم يزل فعالًا لما يريد، وآحادُ كلامه، وآحادُ فعله ليس من لوازم ذاته، فمن آحاد كلامه: نداؤه الأبوين، وقولُه للملائكة: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا} [الحجر: 28]، وقوله لآدم: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة: 35]، وكلامه - سبحانه- لا نفاد له، كما قال: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109].
وآحاد أفعاله - سبحانه - التي تدلُّ عليها أسماؤه، وأنواعُ أفعاله التي ليس له منها اسم = هي التي تُعرف عند أهل العلم بـ(الصفات الفعلية): كاستوائه على العرش، ونزوله إلى السماء الدنيا، وخلقه للسماوات والأرض، وحبِّه وبُغضه لمن شاء، وأنه تعالى يبسط الرزق لمن يشاء، ويَقْدِرُه على مَنْ يشاء، ويؤتي الملك من يشاء وينْزِعه ممن يشاء، ويُعِزُّ من يشاء ويذل من يشاء...إلى غير ذلك من أفعاله التي تكون بقدرته ومشيئته وحكمته.
فلا يقال في شيء من هذه الأفعال إنه قديم، ولهذا لا يقال: إنه تعالى لم يزل مستويًا على العرش ، ولم يزل نازلًا إلى السماء الدنيا، ولم يزل قائلا: يا موسى، أو قائلا للملائكة: إني خالق بشرًا ، أو لم يزل غاضبًا، أو محبًا، أو مبغضًا، أو فرحًا، أو ضاحكًا؛ لتوقف هذه الأفعال على أسبابها ومتعلَّقاتها، وهذه الأسبابُ والمتعلَّقات متوقفةٌ على مشيئته سبحانه، فتدخل هذه الأفعالُ كلُّها في أنه فعّال لما يريد، فهذا وصفٌ لازم له سبحانه.
فلم يزل ولا يزال فعّالاً لما يريد، ولا يلزم في الأزل أن يريد كلَّ فعل؛ لأنه لا يلزم في الأزل أن يريد أسبابَها ومتعلقاتِها، بل ذلك في حُكم الإمكان، لكمال قدرته وأنه لم يزل عل كل شيء قديرا، وأما- وقوع هذه الأفعال ومتعلقاتِها وأسبابها فيتوقف نفيه وإثباته على الدليل .
ولهذا؛ فإنَّ تسلسلَ المخلوقاتِ ودوامَها في الماضي، الذي ينكره أكثرُ أهل الكلام، ويقولون: إنه ممتنع= لا ريب أنه ممكن؛ لأن ذلك لازمُ قدرةِ الرَّبِّ سبحانه.
وشبهة القائلين بامتناعِ حوادثَ لا أول لها (ويعبر عنه بتسلسل الحوادث، ودوام الحوادث) = هي اعتقادهم أنه يلزم من ذلك قِدَمُ العالم مع الله، وهو الذي تقول به الفلاسفة، فَرَدُّوا الباطلَ بباطلٍ حين قالوا بامتناع دوام الحوادث، فإنه يستلزم أن الله كان غيرَ قادر ثم صار قادرًا.
والحق أنه لا يلزمُ مِن دوامِ المخلوقات في الماضي (الذي معناه: ما من مخلوق إلا وقبله مخلوق، إلى ما لا نهاية) لا يلزم منه قدم شيء من المخلوقات مع الله، بحيث يكونُ مقارنًا لوجوده في الأزل؛ لأنَّ المخلوقَ متأخرٌ عن الخالق ضرورة، وعلى هذا؛ فكل مخلوق يُفْرَضُ فإنَّهُ مسبوقٌ بعدَمِ نفسه؛ لأنه حادثٌ بعد أَنْ لم يكن، فالقِدَمُ المطلقُ -الذي لا بداية له- لله وحده.
فعُلِم مما تقدم أنَّ كلَّ ما تقتضيه أسماؤه - سبحانه- وصفاتُهُ مِنْ أفعاله ومفعولاته فإنما يكون بمشيئته، والجزْمُ بوقوعه أو عدَمِ وقوعه يتوقَفُ على الدليل، فإن النَّافي في مثل هذا عليه الدليل كما على المثبت.
وظاهر كلام شيخ الإسلام رحمه الله أن تسلسل المخلوقاتِ في الماضي واقعٌ، ويَبْني ذلك على أنَّ الله لم يزل على كل شيءٍ قديرًا وفعالًا لما يريد، ولكنَّه لا يُعَيِّنُ جنسًا ولا نوعًا من المخلوقات، ولا نوعًا من الأفعال.
ومَنْ قال من أهل السنة: إنَّ أولَ مخلوقٍ مطلقًا هو القلمُ (ومعناه أنَّ الله لم يخلق شيئًا قبله)؛ فشبهته حديثُ عُبَادة رضي الله عنه عند أبي داود والترمذي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أوَّلُ ما خلَقَ اللهُ القَلَمُ)) على رواية رفع (أول) و(القلم)، والحديث جاء بألفاظ هذا أحدها.
ورجَّح ابنُ القيم في كتابه التبيان روايةَ ((أوَّلَ ما خلق اللهُ القلَمَ)) بنصب الكلمتين، وأنَّ العرشَ مخلوقٌ قبلَهُ، فلا يدلُّ الحديثُ على أنَّ القلمَ هو أولُ المخلوقاتِ مطلقًا.
أم علي طويلبة علم
2017-07-15, 04:26 PM
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح العقيدة الواسطية(1/ 78-79):
" والصفات الفعلية هي الصفات المتعلقة بمشيئته، وهي نوعان:
صفات لها سبب معلوم، مثل: الرضى، فالله عز وجل إذا وجد سبب الرضى، رضي، كما قال تعالى:{ إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم}.
وصفات ليس لها سبب معلوم، مثل: النزول إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر.
ومن الصفات ما هو صفة ذاتية وفعلية باعتبارين، فالكلام صفة فعلية باعتبار آحاده، لكن باعتبار أصله صفة ذاتية، لأن الله لم يزل ولا يزال متكلماً، لكنه يتكلم بما شاء متى شاء" .
محمدعبداللطيف
2017-07-16, 01:26 PM
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح العقيدة الواسطية(1/ 78-79):
" والصفات الفعلية هي الصفات المتعلقة بمشيئته، وهي نوعان:
صفات لها سبب معلوم، مثل: الرضى، فالله عز وجل إذا وجد سبب الرضى، رضي، كما قال تعالى:{ إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم}.
وصفات ليس لها سبب معلوم، مثل: النزول إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر.
ومن الصفات ما هو صفة ذاتية وفعلية باعتبارين، فالكلام صفة فعلية باعتبار آحاده، لكن باعتبار أصله صفة ذاتية، لأن الله لم يزل ولا يزال متكلماً، لكنه يتكلم بما شاء متى شاء" . بارك الله فيكِ
عصام البجائي
2017-07-25, 08:57 PM
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح العقيدة الواسطية(1/ 78-79):
" والصفات الفعلية هي الصفات المتعلقة بمشيئته، وهي نوعان:
صفات لها سبب معلوم، مثل: الرضى، فالله عز وجل إذا وجد سبب الرضى، رضي، كما قال تعالى:{ إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم}.
وصفات ليس لها سبب معلوم، مثل: النزول إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر.
ومن الصفات ما هو صفة ذاتية وفعلية باعتبارين، فالكلام صفة فعلية باعتبار آحاده، لكن باعتبار أصله صفة ذاتية، لأن الله لم يزل ولا يزال متكلماً، لكنه يتكلم بما شاء متى شاء" .
خضتم فيما سكت عنه السلف , فليتكم أطعتموهم إذ قالوا (أمروها كما جاءت)
أبو البراء محمد علاوة
2017-07-25, 10:16 PM
خضتم فيما سكت عنه السلف , فليتكم أطعتموهم إذ قالوا (أمروها كما جاءت)
سئل الشيخ ابن عثيمين: معنى: (أمرُّوها كما جاءت)، في الأسماء والصفات:
سئل أحد السلف رضي الله عنهم عن الأسماء والصفات فقال: أمرُّوها كما جاءت. ما معنى ذلك؟ وهل هذا القول منسوب إلى أحد السلف؟
الجواب
هذا القول منسوب إلى عموم السلف، يقولون في آيات الصفات وأحاديثها: أمروها كما جاءت بلا كيف، فقولهم: أمروها كما جاءت يعني: لا تتعرضوا لها بتحريف، أي بتأويل يخرجها عن ظاهرها، ويتضمن هذا القول أيضًا إثبات معانيها، وأنه ليس المراد مجرد إثبات اللفظ؛ لأن نصوص الصفات في كتاب الله وسنة رسوله ألفاظ جاءت لإثبات معناها، لا أن نمرها على ألسنتنا دون أن نفهم المعنى، فكأنهم يقولون: أمروها على معناها المراد بها لا تغيروها. وقولهم: بلا كيف، أي: لا تكيفوها، وليس المعنى بلا اعتقاد كيفية لها؛ لأن لها كيفية ضرورة إثباتها، إذ لا يمكن إثبات شيء لا كيفية له، فيكون المعنى: بلا كيف، أي: بلا تكييف لها، لا تكيفوها، لا تقولوا: كيفية وجه الله كذا وكذا، ولا كيفية يديه كذا وكذا، ولا كيفية عينيه كذا وكذا، لأن الله تعالى أجل وأعظم من أن يدرك العباد كيفية صفاته.
وفي هذا القول المشهور عن السلف رد على طائفتين منحرفتين:
إحداهما: طائفة التعطيل، التي سلبت عن الله تعالى جميع معاني صفاته، وجعلتها ألفاظًا لا معنى لها، أو جعلت لها معاني مخالفة لظاهر اللفظ؛ لأن الذين لم يمروها على ما جاءت انقسموا إلى قسمين: قسم قالوا: لا معنى لها إطلاقًا، وليس علينا إلا إمرار لفظها دون التعرض لمعناها.
وقسم آخر قالوا: نتعرض للمعنى، لكن حملوا المعنى على خلاف ظاهرها، وأثبتوا لها معاني من عند أنفسهم لا دليل عليها من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا من أقوال الخلفاء والصحابة.
فالأول: طائفة المعتزلة والجهمية ومن سلك سبيلهم من معطلي الصفات، والثانية: طريقة الأشاعرة ومن سلك سبيلهم ممن حرفوا نصوص الصفات إلى معانٍ ابتكروها من عقولهم، ولم ينزل الله بها سلطانًا، ولم يثبتوا إلا ما زعموا أن العقل يدل عليه، كالصفات السبع التي أثبتتها طائفة الأشعرية، وأنكروا من الصفات ما العقل أدل عليه من دلالة العقل على هذه الصفات التي أثبتوها. على كل حال الجملة الأولى فيها رد على طائفتين:
الأولى: من عطلت المعاني مطلقًا.
والثانية: من أثبتت معاني لا دليل عليها، وربما تكون الطائفة الثانية أشد مخالفة من الطائفة الأولى؛ لأن الطائفة الأولى أمسكت وقالت: لا نثبت معنى، فنفت المعنى، وهذا نفي بلا علم بلا شك.
والثانية نفت المعنى المراد وأثبتت معنى آخر لا يدل عليه اللفظ، فصار في ذلك جنايتان: الجناية الأولى: نفي المعنى الذي هو ظاهر اللفظ، والثانية: إثبات معنى لا يدل عليه اللفظ، نسأل الله الهداية للجميع.
أما قولهم: بلا كيف، فهو رد على طائفة منحرفة على ضد الطائفتين المعطلتين، وهي طائفة الممثلة الذين قالوا: نثبت لله الصفات، ولكنها على مثل ما كان من صفات المخلوقين: فوجه الله تعالى- على زعمهم، تعالى الله عن قولهم- يكون على مثل أجمل وجه بشري، وهكذا بقية صفاته عز وجل. وهؤلاء أيضًا خالفوا قول الله تعالى خبرًا: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ). وعصوا أمر الله تعالى نهياً في قوله: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
وخلاصة الجواب أن معنى قول السلف: أمروها كما جاءت: أثبتوا هذه الألفاظ مع معانيها التي دلت عليها، وهو ما يفهم من ظاهرها، على الوجه اللائق بالله عز وجل. وقولهم: بلا كيف، رد على الممثلة، أي: لا تكيفوها، وليس المعنى لا تعتقدوا لها كيفية؛ لأن لها كيفية، مجرد القول بإثباتها يستلزم أن يكون لها كيفية، لكنها غير معلومة، ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله في استواء الله على عرشه: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة).
<span style="font-family:traditional arabic;"><font size="5"><span style="color: rgb(0, 0, 255);">
http://فتوى.com/f/267/
وينظر هذا الموضوع هنا في المجلس:
المقصود بقول السلف أمروها كما جاءت (http://majles.alukah.net/t66256/)
أبو البراء محمد علاوة
2017-07-25, 10:32 PM
شبهة القائلين بأن الصحابة والتابعين كانوا يفوضون معاني الصفات والرد عليها
وممن زعم هذه الشبهة الشهرستاني؛ حيث يقول: (اعلم أن جماعة كثيرة من السلف كانوا يثبتون لله تعالى، صفات أزلية من العلم، والقدر, الحياة, والإرادة, والسمع, والبصر, والكلام, والجلال, والإكرام, والجود, والإنعام, والعزة, والعظمة, ولا يفرقون بين صفات الذات وصفات الفعل, بل يسوقون الكلام سوقاً واحداً, وكذلك يثبتون صفات خبرية، مثل اليدين، والوجه، ولا يؤولون ذلك، إلا أنهم يقولون: هذه الصفات قد وردت في الشرع فنسميها صفات خبرية، ولما كان المعتزلة ينفون الصفات, والسلف يثبتونها سمي السلف صفاتية, والمعتزلة معطلة, فبالغ بعض السلف في إثبات الصفات إلى حد التشبيه بصفات المحدثات، واقتصر بعضهم على صفات دلت الأفعال عليها، وما ورد به الخبر، فافترقوا فرقتين:
فمنهم من أوله على وجه يحتمل ذلك اللفظ, ومنهم من توقف في التأويل، وقال عرفنا بمقتضى العقل أن الله تعالى ليس كمثله شيء، فلا يشبه شيئاً من المخلوقات, ولا يشبهه منها شيء, وقطعنا بذلك، إلا أنا لا نعرف معنى اللفظ الوارد فيها؛ مثل قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [ طه:5] ومثل قوله: خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، ومثل قوله: وَجَاء رَبُّكَ [الفجر:22]، إلى غير ذلك, ولسنا مكلفين بمعرفة تفسير هذه الآيات وتأويلها، بل التكليف قد ورد بالاعتقاد بأنه لا شريك له، وليس كمثله شيء، وذلك قد أثبتناه يقيناً, ثم إن جماعة من المتأخرين زادوا على ما قله السلف، فقالوا لا بد من إجرائها على ظاهرها، فوقعوا في التشبيه الصرف؛ وذلك على خلاف ما اعتقده السلف) (1) .
وقال السيوطي: (وجمهور أهل السنة، منهم السلف، وأهل الحديث على الإيمان بها، وتفويض معناها المراد منها إلى الله تعالى, ولا نفسرها مع تنزيهنا له عن حقيقتها) (2) . ويقول حسن السقاف: (وبقيت مسألة، ولا شك أن السلف كانوا يفوضون الكيف والمعنى، وهو المراد بالتفويض عند إطلاقه بلا شك) (3) .
هذه بعض أقوال من نسبوا التفويض إلى السلف، رضوان الله عليهم، حيث يلمح من عبارة الشهرستاني أن السلف تطور مذهبهم من الإثبات إلى القول بالتأويل أو التفويض، وهذا زعم باطل لا أساس له فإن السلف، وأولهم الصحابة رضوان الله عليهم مذهبهم الإثبات ما حادوا عنه إلى قول من الأقوال المبتدعة، وكذلك فعل السيوطي عندما أغفل مذهب السلف المثبت لمعاني الصفات مع عدم تعرضهم للكيفية.
ويذكر شيخ الإسلام سبب نشوء هذه الشبهة فيقول عن المفوضة: (هم طائفة من المنتسبين إلى السنة، وأتباع السلف، تعارض عندهم المعقول والمنقول، فأعرضوا عنها جميعاً بقلوبهم وعقولهم، بعد أن هالهم ما عليه أصحاب التأويل من تحريف للنصوص، وجناية على الدين، فقالوا في أسماء الله وصفاته، وما جاء في ذكر الجنة والنار, والوعد والوعيد إنها نصوص متشابهة لا يعلم معناها إلا الله تعالى وهم طائفتان من حيث إثبات ظواهر النصوص ونفيها، الأولى تقول: المراد بهذه النصوص خلاف مدلولها الظاهر، ولا يعرف أحد من الأنبياء, ولا الملائكة, ولا الصحابة, ولا أحد من الأمة، ما أراد الله بها، كما لا يعلمون وقت الساعة.
الثانية تقول: بل تجري على ظاهرها، وتحمل عليه، ومع هذا، فلا يعلم تأويلها إلا الله تعالى فتناقضوا؛ حيث أثبتوا لها تأويلاً يخالف ظاهرها، وقالوا، مع هذا بأنها تحمل على ظاهرها.
وهم أيضاً طائفتان؛ من حيث علم الرسول صلى الله عليه وسلم بمعاني النصوص الأولى تقول: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم معاني النصوص المتشابهة، لكنه لم يبين للناس المراد منها، ولا أوضحه إيضاحاً يقطع النزاع، وهذا هو المشهور عنهم، والثانية تقول: وهم الأكابر منهم، أن معاني هذه النصوص المتشابهة لا يعلمها إلا الله، لا الرسول، ولا جبريل، ولا أحد من الصحابة، والتابعين, وعلماء الأمة، وعند الطائفتين أن هذه النصوص إنما أنزلت للابتلاء، والمقصود منها تحصيل الثواب بتلاوتها، وقراءتها، من غير فقه، ولا فهم) (4) .
وقد اشتبه على بعض المعاصرين قول بعض السلف (أمرّوها كما جاءت) فظنوا أن هذا القول موافق لمذهب القائلين بالتفويض (5) ويبطل شيخ الإسلام هذه الدعوى، فيقول: (والمقصود هنا التنبيه، على أصول المقالات الفاسدة التي أوجبت الضلالة في باب العلم، والإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وأن من جعل الرسول غير عالم بمعاني القرآن الذي أنزل إليه، ولا جبريل جعله غير عالم بالسمعيات، ولم يجعل القرآن هدى، ولا بياناً للناس, وهم مخطئون فيما نسبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم, وإلى السلف من الجهل كما أخطأ في ذلك أهل التحريف والتأويلات الفاسدة، وسائر أصناف الملاحدة) (6) .
ثم ذكر قول الأوزاعي: (كنا والتابعون متوافرون، نقول إن الله تعالى ذكره، فوق عرشه، ونؤمن بما وردت فيه السنة من صفاته) (7)
ونسب للأوزاعي, ومكحول, والزهري، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، والليث بن سعد قولهم عن الأخبار التي جاءت في الصفات, فقالوا: أمرّوها كما جاءت بلا كيف (8) ، فقولهم رضي الله عنهم: (أمروها كما جاءت) رداً على المعطلة، وقولهم: بلا كيف رداً على الممثلة، وكان مالك بن أنس إذا ذكر عنده من يدفع أحاديث الصفات يقول: (قال عمر بن عبدالعزيز: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سنناً، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله، وقوة على دين الله، ليس لأحد من خلق الله تغييرها، ولا النظر في شيء خالفها, من اهتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور, ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين، ولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً) (9) .
وعندما سئل مالك بن أنس، عن الاستواء أثبت المعنى، وترك القول بالكيفية، فقد جاءه رجل، فقال: يا أبا عبدالله, الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5], كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء، ثم قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعاً، ثم أمر به أن يخرج (10) ، فقول مالك وربيعة موافق لقول الباقين أمرّوها كما جاءت بلا كيف، فإنما نفوا علم الكيفية، ولم ينفوا حقيقة الصفة، ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا: الاستواء حينئذ لا يكون معلوماً بل مجهولاً بمنزلة حروف المعجم، وأيضاً فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى، وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية, إذا أثبت الصفات، وأيضاً فقولهم: أمروها كما جاءت يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه، فإنها جاءت ألفاظ دالة على معاني، فلو كانت دلالتها منتفية، لكان الواجب أن يقال: أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير المراد, أو أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة, وحينئذ فلا تكون قد أمرت كما جاءت, ولا يقال حينئذ بلا كيف، إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول (11) .
وقال أبو الفضل إسحاق بن أحمد بن غانم العلثي (ت634هـ) في رسالة إلى عبد الرحمن بن الجوزي ينكر عليه أشياء، ومن جملتها التأويل، وزعمه أن جماعة من السلف فوضوا معنى الصفات، قال: (ثم تعرضت لصفات الخالق تعالى كأنها صدرت لا من صدر سكن فيه احتشام العلي العظيم، ولا أملاها قلب مليء بالهيبة والتعظيم، وزعمت أن طائفة من أهل السنة الأخيار تلقوها، وما فهموا وحاشاهم من ذلك بل كفوا عن الثرثرة، والتشدق، ولا عجزاً بحمد الله عن الجدال والخصام, ولا جهلاً بطرق الكلام, وإنما أمسكوا عن الخوض في ذلك عن علم ودراية لا عن جهل وعماية) (12) .
ويرى شيخ الإسلام أن القول بالتفويض يفضي إلى (القدح في الرب جلا وعلا وفي القرآن الكريم، وفي الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وذلك بأن يكن الله تعالى أنزل كلاماً لا يفهم, وأمر بتدبر ما لا يتدبر, وبعقل ما لا يعقل, وأن يكون القرآن الذي هو النور المبين والذكر الحكيم سبب لأنواع الاختلافات، والضلالات، بل يكون بينهم، وكأنه بغير لغتهم، وأن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبلغ البلاغ المبين، ولا بين للناس ما نزل إليهم، وبهذا يكون قد فسدت الرسالة، وبطلت الحجة، وهو الذي لم يتجرأ عليه صناديد الكفر) (13) .
وهكذا تبدو لنا خطورة القول بالتفويض الذي رده علماء السلف، وجعلوه بدعة تقابل بدعة التأويل، وأن القول به هو إزراء بمقام النبوة، ومقام الصحابة، وسلف الأمة جمعاء؛ فهموا مراد ربهم، وعبدوه العبادة الحقة، وآمنوا بأسمائه، وصفاته كما جاءت في الكتاب والسنة، وهم فوق جميع أهل العقول، والأفهام لا يدانيهم في هذه المكانة أحد على الإطلاق كما قال الإمام الشافعي، رحمه الله، (إنهم فوقنا في كل عقل, وعلم، وفضل، وسبب ينال به علم, أو يدرك به صواب، ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا) (14) . (15)
<span id="enc-15" class="rs_skip rs_preserve" title="" style="cursor:pointer" data-toggle="tooltip" data-original-title="<strong>
http://www.dorar.net/enc/aqadia/1233
أبو البراء محمد علاوة
2017-07-25, 10:45 PM
https://www.youtube.com/watch?v=4YiE-jVcN0U
أم علي طويلبة علم
2017-07-26, 07:15 AM
خضتم فيما سكت عنه السلف , فليتكم أطعتموهم إذ قالوا (أمروها كما جاءت)
أحسن الله إليكم، علينا فهم آيات الصفات وأحاديثها على منهج السلف الصالح (أمروها كما جاءت)،
وهذا مقتطف مما نقله الأخ أبو البراء بارك الله فيه عن مراد السلف من (أمروها كما جاءت) وهي:
...هذا القول منسوب إلى عموم السلف، يقولون في آيات الصفات وأحاديثها: أمروها كما جاءت بلا كيف،
فقولهم: أمروها كما جاءت يعني: لا تتعرضوا لها بتحريف، أي بتأويل يخرجها عن ظاهرها، ويتضمن هذا القول أيضًا إثبات معانيها، وأنه ليس المراد مجرد إثبات اللفظ؛ لأن نصوص الصفات في كتاب الله وسنة رسوله ألفاظ جاءت لإثبات معناها، لا أن نمرها على ألسنتنا دون أن نفهم المعنى، فكأنهم يقولون: أمروها على معناها المراد بها لا تغيروها. وقولهم: بلا كيف، أي: لا تكيفوها،
وليس المعنى بلا اعتقاد كيفية لها؛ لأن لها كيفية ضرورة إثباتها، إذ لا يمكن إثبات شيء لا كيفية له، فيكون المعنى: بلا كيف، أي: بلا تكييف لها، لا تكيفوها، لا تقولوا: كيفية وجه الله كذا وكذا، ولا كيفية يديه كذا وكذا، ولا كيفية عينيه كذا وكذا، لأن الله تعالى أجل وأعظم من أن يدرك العباد كيفية صفاته.
وفي هذا القول المشهور عن السلف رد على طائفتين منحرفتين:
إحداهما: طائفة التعطيل، التي سلبت عن الله تعالى جميع معاني صفاته، وجعلتها ألفاظًا لا معنى لها، أو جعلت لها معاني مخالفة لظاهر اللفظ؛ لأن الذين لم يمروها على ما جاءت انقسموا إلى قسمين:
قسم قالوا: لا معنى لها إطلاقًا، وليس علينا إلا إمرار لفظها دون التعرض لمعناها.
وقسم آخر قالوا: نتعرض للمعنى، لكن حملوا المعنى على خلاف ظاهرها، وأثبتوا لها معاني من عند أنفسهم لا دليل عليها من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا من أقوال الخلفاء والصحابة.
فالأول: طائفة المعتزلة والجهمية ومن سلك سبيلهم من معطلي الصفات،
والثانية: طريقة الأشاعرة ومن سلك سبيلهم ممن حرفوا نصوص الصفات إلى معانٍ ابتكروها من عقولهم، ولم ينزل الله بها سلطانًا، ولم يثبتوا إلا ما زعموا أن العقل يدل عليه، كالصفات السبع التي أثبتتها طائفة الأشعرية، وأنكروا من الصفات ما العقل أدل عليه من دلالة العقل على هذه الصفات التي أثبتوها...
...وقد اشتبه على بعض المعاصرين قول بعض السلف (أمرّوها كما جاءت) فظنوا أن هذا القول موافق لمذهب القائلين بالتفويض ويبطل شيخ الإسلام هذه الدعوى، فيقول:
(والمقصود هنا التنبيه، على أصول المقالات الفاسدة التي أوجبت الضلالة في باب العلم، والإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وأن من جعل الرسول غير عالم بمعاني القرآن الذي أنزل إليه، ولا جبريل جعله غير عالم بالسمعيات، ولم يجعل القرآن هدى، ولا بياناً للناس, وهم مخطئون فيما نسبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم, وإلى السلف من الجهل كما أخطأ في ذلك أهل التحريف والتأويلات الفاسدة، وسائر أصناف الملاحدة).
ثم ذكر قول الأوزاعي: (كنا والتابعون متوافرون، نقول إن الله تعالى ذكره، فوق عرشه، ونؤمن بما وردت فيه السنة من صفاته)
...فقولهم رضي الله عنهم: (أمروها كما جاءت) رداً على المعطلة،
وقولهم: بلا كيف رداً على الممثلة،
وكان مالك بن أنس إذا ذكر عنده من يدفع أحاديث الصفات يقول:
(قال عمر بن عبدالعزيز: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سنناً، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله، وقوة على دين الله، ليس لأحد من خلق الله تغييرها، ولا النظر في شيء خالفها, من اهتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور, ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين، ولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً).
وعندما سئل مالك بن أنس، عن الاستواء أثبت المعنى، وترك القول بالكيفية، فقد جاءه رجل، فقال: يا أبا عبدالله, الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5], كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء، ثم قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعاً، ثم أمر به أن يخرج،
فقول مالك وربيعة موافق لقول الباقين أمرّوها كما جاءت بلا كيف، فإنما نفوا علم الكيفية، ولم ينفوا حقيقة الصفة، ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا: الاستواء حينئذ لا يكون معلوماً بل مجهولاً بمنزلة حروف المعجم، وأيضاً فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى، وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية, إذا أثبت الصفات،
وأيضاً فقولهم: أمروها كما جاءت يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه، فإنها جاءت ألفاظ دالة على معاني، فلو كانت دلالتها منتفية، لكان الواجب أن يقال: أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير المراد, أو أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة, وحينئذ فلا تكون قد أمرت كما جاءت, ولا يقال حينئذ بلا كيف، إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول.
...ويرى شيخ الإسلام أن القول بالتفويض يفضي إلى (القدح في الرب جلا وعلا وفي القرآن الكريم، وفي الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وذلك بأن يكن الله تعالى أنزل كلاماً لا يفهم, وأمر بتدبر ما لا يتدبر, وبعقل ما لا يعقل, وأن يكون القرآن الذي هو النور المبين والذكر الحكيم سبب لأنواع الاختلافات، والضلالات، بل يكون بينهم، وكأنه بغير لغتهم، وأن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبلغ البلاغ المبين، ولا بين للناس ما نزل إليهم، وبهذا يكون قد فسدت الرسالة، وبطلت الحجة، وهو الذي لم يتجرأ عليه صناديد الكفر).
وهكذا تبدو لنا خطورة القول بالتفويض الذي رده علماء السلف، وجعلوه بدعة تقابل بدعة التأويل، وأن القول به هو إزراء بمقام النبوة، ومقام الصحابة، وسلف الأمة جمعاء؛ فهموا مراد ربهم، وعبدوه العبادة الحقة، وآمنوا بأسمائه، وصفاته كما جاءت في الكتاب والسنة، وهم فوق جميع أهل العقول، والأفهام لا يدانيهم في هذه المكانة أحد على الإطلاق كما قال الإمام الشافعي، رحمه الله، (إنهم فوقنا في كل عقل, وعلم، وفضل، وسبب ينال به علم, أو يدرك به صواب، ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا).
محمدعبداللطيف
2017-07-26, 12:47 PM
علينا فهم آيات الصفات وأحاديثها على منهج السلف الصالح
بارك الله فيك وفى أخانا الفاضل أبو البراء محمد علاوة على توضيحه لمنهج السلف فى فهم (أمروها كما جاءت)- وهذا مزيد بيان من كلام شيخ الاسلام-يقول شيخ الإسلام ابن تيمية
(فقول ربيعة ومالك : الاستواء غير مجهول موافق لقول الباقين
(أمروها كما جاءت بلا كيف ) فإنما نفوا علم الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة .
ولو كان القوم آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا : ( الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ) ولما قالوا : ( أمروها كما جاءت بلا كيف) فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوما بل مجهولا بمنزلة حروف المعجم
وأيضا فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبت الصفات.
وأيضا فإن من ينفي الصفات الجزئية - أو الصفات مطلقا - لا يحتاج إلى أن يقول ( بلا كيف ) فمن قال : ( إن الله ليس على العرش ) لا يحتاج أن يقول ( بلا كيف ) فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر فلما قالوا : بلا كيف؟
وأيضا فقولهم ( أمروها كما جاءت ) يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه فإنها جاءت ألفاظا دالة على معاني فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال : ( أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد . أو أمروا لفظها مع اعتقاد أن من الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة ) وحينئذ تكون قد أمرت كما جاءت ولا يقال حينئذ ( بلا كيف ) إذا نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول). [ الفتوى الحموية ) ص 109 مطبعة السنة المحمدية ----------------------------و يقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله : (( فقد اخبر -رضي الله عنه- بأن نفس الاستواء معلوم وأن كيفية الاستواء مجهولة وهذا بعينه قول أهل الإثبات وأما النفاة فما يثبتون استواء حتى تجهل كيفيته بل عند هذا القائل الشاك وأمثاله إن الاستواء مجهول غير معلوم وإذا كان الاستواء مجهولا لم يحتج أن يقال الكيف مجهول لا سيما إذا كان الاستواء منتفيا فالمنتفي المعدوم لا كيفية له حتى يقال هي مجهولة أو معلومة وكلام مالك صريح في إثبات الاستواء وأنه معلوم وان له كيفية لكن تلك الكيفية مجهولة لنا لا نعلمها نحن ولهذا بدع السائل الذي سأله عن هذه الكيفية فان السؤال إنما يكون عن أمر معلوم لنا ونحن لا نعلم كيفية استوائه وليس كل ما كان معلوما وله كيفية تكون تلك الكيفية معلومة لنا )) (( القاعدة المراكشية ) ضمن مجموع الفتاوى ( 5/181)------------------ويقول رحمه الله تعالى (أمروها كما جاءت ) وفي رواية بلا كيف قال:( فقولهم رضى الله عنهم أمروها كما جاءت رد على المعطلة وقولهم بلا كيف رد على الممثلة والزهرى ومكحول هما أعلم التابعين فى زمانهم)----ويقول رحمه الله (أمرّوها كما جاءت . يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه، وتحذير الناس من التماس معان مخالفة للمعنى المتبادر من اللفظ ، فإنها جاءت ألفاظاً دالة على معاني فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال:
أمرّوا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة)
[مجموع فتاوى ابن تيمية]------------------------------- يقول الامام بن باز رحمه الله-بل يجب إمرار الصفات كما جاءت على ظاهرها اللائق بالله جل وعلا بغير تحريف ولا تعطيل ، ولا تكييف ولا تمثيل ، فالله جل جلاله أخبرنا عن صفاته وعن أسمائه، وقال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فعلينا أن نمرها كما جاءت، وهكذا قال أهل السنة والجماعة: أمروها كما جاءت بلا كيف ، أي أمروها كما جاءت بغير تحريف لها ولا تأويل ولا تكييف ، بل يقر بها كما جاءت على ظاهرها وعلى الوجه الذي يليق بالله جل وعلا، ومن دون تكييف ولا تمثيل . فيقال في قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى وأمثالها من الآيات إنه استواء يليق بجلال الله وعظمته، لا يشبه استواء المخلوقين، ومعناه عند أهل الحق: العلو والارتفاع. وهكذا يقال في العين، والسمع والبصر واليد والقدم ، وغير ذلك من الصفات الثابتة لله جل وعلا والواردة في النصوص الشرعية ، وكلها صفات تليق بالله سبحانه، لا يشابهه فيها الخلق جل وعلا، وعلى هذا سار أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم من أئمة السنة ، كالأوزاعي والثوري ومالك وأبي حنيفة وأحمد وإسحاق وغيرهم من أئمة المسلمين رحمهم الله جميعا . ومن ذلك قوله تعالى في قصة نوح: وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا الآية، وقوله سبحانه في قصة موسى: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي فسرها أهل السنة بأن المراد بقوله سبحانه: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا أي أنه سبحانه سيرها برعايته جل وعلا ، حتى استوت على الجودي، وهكذا قوله في قصة موسى: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي أي على رعايته سبحانه وتوفيقه للقائمين على تربيته عليه الصلاة والسلام.
وهكذا قوله سبحانه للنبي صلى الله عليه وسلم: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا أي أنك تحت كلاءتنا وعنايتنا وحفظنا . وليس هذا كله من التأويل ، بل ذلك من التفسير المعروف في لغة العرب، وأساليبها ومن ذلك الحديث القدسي، وهوقول الله سبحانه: من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة يمر كما جاء عن الله سبحانه وتعالى، من غير تحريف ولا تكييف ولا تمثيل، بل على الوجه الذي أراده الله سبحانه وتعالى، وهكذا نزوله سبحانه في آخر الليل، وهكذا السمع والبصر، والغضب والرضا، والضحك والفرح، وغير ذلك من الصفات الثابتة، كلها تمر كما جاءت على الوجه الذي يليق بالله من غير تكييف، ولا تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل، عملا بقوله سبحانه : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وما جاء في معناها من الآيات. أما التأويل للصفات وصرفها عن ظاهرها فهو مذهب أهل البدع من الجهمية والمعتزلة، ومن سار في ركابهم، وهو مذهب باطل أنكره أهل السنة والجماعة، وتبرءوا منه، وحذروا من أهله والله ولي التوفيق.--------------------------------
قال العلامة حافظ الحكمي -رحمه الله تعالى- في " سُلم الوصول إلى عِلم الأصول ":
وكُـلُّ ما لـه مِن الصِّفـات... أثْبَتَهـا في مُحكَـمِ الآيـاتِ
أوْ صَحَّ فيما قالَه الرَّسـولُ ... فَحقُّـهُ التسليـمُ والقبــولُ
نُمِـرُّها صريحةً كمَـا أتَتْ ... مع اعتِقادِنـا لِما لـه اقتضتْ
مِن غير تحريفٍ ولا تعطيلِ ...وغيـرِ تكييـفٍ ولا تمثيـلِ
بل قولُنا؛ قـولُ أئمةِ الهُدى ... طُوبى لمَن بِهديِهم قد اهتدَى
وسَمِّ ذا النوعِ مِن التوحيـدِ ... توحيدَ إثبـاتٍ بلا تـرديـدِ
قد أفصح الوحيُ المُبينُ عنه ... فالتمِسْ الهُـدى المنيرَ منهُ
لا تتبعْ أقـوالَ كـلِّ مـاردِ ... غاوٍ مُضـلٍّ مـارقٍ مُعـاندِ
فليس بعـد رَدِّ ذا التِّبيـانِ ... مثقـالُ ذرةٍ مـن الإيمـانِ
عصام البجائي
2017-07-26, 01:16 PM
إخوتي لم نر أحدا من السلف قسم الصفات الفعلية إلى ذوات أسباب و غير ذوات أسباب و قال عن ذوات الأسباب أنها متى حصلت أسبابها حصلت , فهذا مجاوزة للحد الذي وقف عنده السلف .ثم إن السبب مؤثر في مسببه فمن قال إن صفات الله تكون متى كانت أسبابها جعل هذه الأسباب مؤثرة في ذات الله عز و جل بل جعل الله متأثرا بمخلوقاته و هذا سوء أدب مع الله جل و علا .
أما قضية التفويض و قول القائل نثبت المعنى و نفوض الكيف فسفسطة لاغير فليس ثم إلا لفظ و معنى و الكيف المتوهم جزء من المعنى فمن أثبت المعنى أثبت معه الكيف ولا بد و من فرق في الكيف فقد فرق في المعنى .
صفة النزول كمثال
لو قال القائل ينزل الله جل و علا نزولا يليق بجلاله و عظيم سلطانه لصدق و بر , لكن قوله (ينزل بذاته) و (ينزل حقيقة) مجاوزة في الحد و تعدي على النص . ثم يقال لهذا القائل هل نزول الله بانتقال أم لا ؟ فإن قال نعم تعدى و اعتدى وإن قال لا قلنا لا يعرف نزول بغير انتقال فإن قال هذا في المخلوقات لا في الخالق و أنا أثبت نزولا بلا انتقال قلنا هذا عين التفويض .
أبو البراء محمد علاوة
2017-07-26, 01:43 PM
بارك الله فيك وفى أخانا الفاضل أبو البراء محمد علاوة على توضيحه لمنهج السلف فى فهم (أمروها كما جاءت)-
[/RIGHT]
وفيك بارك الله
محمدعبداللطيف
2017-07-26, 02:29 PM
إخوتي لم نر أحدا من السلف قسم الصفات الفعلية إلى ذوات أسباب و غير ذوات أسباب الاجابة -بل تقسيم السلف للصفات ثابت واذا اردت نقلته لك -الا اذا كنت تقصد بالسلف الجهمية والمعتزلة و بعض الاشاعرة وغيرهم مما نفو الصفات الفعلية وان الله يفعل لحكمة وسبب- نعم ليس هذا التقسيم عندهم لانهم نفوه بل نفوا ايضا الحكمة والتعليل فى افعال الله----و سبق ان اوضحنا توقف الأفعال على أسبابها ومتعلَّقاتها فى كلام الشيخ البراك -بقوله-(الصفات الفعلية): كاستوائه على العرش، ونزوله إلى السماء الدنيا، وخلقه للسماوات والأرض، وحبِّه وبُغضه لمن شاء، وأنه تعالى يبسط الرزق لمن يشاء، ويَقْدِرُه على مَنْ يشاء، ويؤتي الملك من يشاء وينْزِعه ممن يشاء، ويُعِزُّ من يشاء ويذل من يشاء...إلى غير ذلك من أفعاله التي تكون بقدرته ومشيئته وحكمته.
فلا يقال في شيء من هذه الأفعال إنه قديم، ولهذا لا يقال: إنه تعالى لم يزل مستويًا على العرش ، ولم يزل نازلًا إلى السماء الدنيا، ولم يزل قائلا: يا موسى، أو قائلا للملائكة: إني خالق بشرًا ، أو لم يزل غاضبًا، أو محبًا، أو مبغضًا، أو فرحًا، أو ضاحكًا؛ لتوقف هذه الأفعال على أسبابها ومتعلَّقاتها، وهذه الأسبابُ والمتعلَّقات متوقفةٌ على مشيئته سبحانه، فتدخل هذه الأفعالُ كلُّها في أنه فعّال لما يريد، فهذا وصفٌ لازم له سبحانه.
فلم يزل ولا يزال فعّالاً لما يريد، ولا يلزم في الأزل أن يريد كلَّ فعل؛ لأنه لا يلزم في الأزل أن يريد أسبابَها ومتعلقاتِها، بل ذلك في حُكم الإمكان، لكمال قدرته وأنه لم يزل عل كل شيء قديرا، وأما- وقوع هذه الأفعال ومتعلقاتِها وأسبابها فيتوقف نفيه وإثباته على الدليل .-------------------هل يفعل الله لحكمة ولغاية ؟ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
( هذه المسألة كبيرة من أجَلِّ المسائل الكبار التي تكلم فيها الناس وأعظمها شعوباوفروعاً، وأكثرها شبهاً ومحارات، فإن لها تعلقاً بصفات الله تعالى وبأسمائه وأفعاله، وأحكامه من الأمر والنهي والوعد والوعيد، وهي داخلة في خلقه وأمره، فكل مافي الوجود متعلق بهذه المسألة، فإن المخلوقات جميعها متعلقة بها وهي متعلقة بالخالق سبحانه وكذلك الشرائع كلها الأمر والنهي والوعد والوعيد متعلقة بها، وهي متعلقة بمسائل القدر والأمر، وبمسائل الصفات والأفعال، وهذه جوامع علوم الناس، فعلم الفقه الذي هو الأمر والنهي متعلق بها ,
وقد تكلم الناس في تعليل الأحكام الشرعية والأمر والنهي، كالأمر بالتوحيد والصدق والعدل والصلاة والزكاة والصيام والحج، والنهي عن الشرك والكذب والظلم والفواحش، هل أمر بذلك لحكمة ومصلحة وعلةاقتضت ذلك؟ أم ذلك لمحض المشيئة وصرف الإرادة؟------ويقول بن القيم رحمه الله - الله سبحانه حكيم , لا يفعل شيئا عبثا ولا لغير معنى ومصلحة وحكمة , فأفعاله سبحانه صادرة عن حكمه بالغة لأجلها فعل , وقد دل كلامه وكلام رسوله على هذا في مواضع لا تكاد تحصى )
عصام البجائي
2017-07-26, 02:48 PM
تعليل أفعال الله جل و علا مسألة أخرى , مرادي أيها الأخ الفاضل أن تأصيلات و تقعيدات المتأخرين ممن ينتسبون إلى السلف ما أنزل الله بها من سلطان , حيث جاوزوا الساحل الذي وقف عنده السلف و خاضوا فيما تورع عنه الأئمة فوقعوا في بعض ما منه فروا .
أبو البراء محمد علاوة
2017-07-26, 03:15 PM
تعليل أفعال الله جل و علا مسألة أخرى , مرادي أيها الأخ الفاضل أن تأصيلات و تقعيدات المتأخرين ممن ينتسبون إلى السلف ما أنزل الله بها من سلطان , حيث جاوزوا الساحل الذي وقف عنده السلف و خاضوا فيما تورع عنه الأئمة فوقعوا في بعض ما منه فروا .
-وإن كان- فلا مانع من التقعيدات والتأصيلات طالما لم تخرج عن أصول أهل السنة والجماعة، وقد قيل: (لا مُشاحة في الاصطلاح).
عصام البجائي
2017-07-26, 03:17 PM
لا حول و لا قوة إلا بالله
أبو البراء محمد علاوة
2017-07-26, 03:34 PM
لا حول و لا قوة إلا بالله
؟؟؟
أبو البراء محمد علاوة
2017-07-26, 03:38 PM
لا حول و لا قوة إلا بالله
ذكر جميل جليل، قليل المبنى عظيم المعنى، فيه من التوحيد والإجلال والتوقير لله سبحانه وتعالى، وفيه من التوكل والاستعانة بالله سبحانه وبحمده، هي كلمة من تحت العرش، وغرس من غراس الجنة، وباب من أبوابها، وكنز من كنوزها.
إنها (لاحول ولاقوة إلا بالله)، هذه الكلمة وذلك الذكر العظيم أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من خمسة من أصحابه رضوان الله عليهم في أحاديث متفرقة من الإكثار من قولها.
أبو البراء محمد علاوة
2017-07-26, 03:43 PM
لا حول و لا قوة إلا بالله
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (هذه الكلمة كلمة استعانة لا كلمة استرجاع وكثير من الناس يقولها عند المصائب بمنزلة الاسترجاع ويقولها جزعًا لا صبرًا). [الاستقامة: (2/ 81)، والفتاوى الكبرى: (2 / 390)].
أم علي طويلبة علم
2017-07-26, 05:37 PM
...و قول القائل نثبت المعنى و نفوض الكيف فسفسطة لاغير فليس ثم إلا لفظ و معنى و الكيف المتوهم جزء من المعنى فمن أثبت المعنى أثبت معه الكيف ولا بد و من فرق في الكيف فقد فرق في المعنى .
صفة النزول كمثال
لو قال القائل ينزل الله جل و علا نزولا يليق بجلاله و عظيم سلطانه لصدق و بر , لكن قوله (ينزل بذاته) و (ينزل حقيقة) مجاوزة في الحد و تعدي على النص . ثم يقال لهذا القائل هل نزول الله بانتقال أم لا ؟ فإن قال نعم تعدى و اعتدى وإن قال لا قلنا لا يعرف نزول بغير انتقال فإن قال هذا في المخلوقات لا في الخالق و أنا أثبت نزولا بلا انتقال قلنا هذا عين التفويض .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"فتأويل الصفات هو الحقيقة التي انفرد الله بعلمها، وهو الكيف المجهول الذي قال فيه السلف كمالك وغيره: الاستواء معلوم، والكيف مجهول. فالاستواء معلوم يعلم معناه وتفسيره ويترجم بلغة أخرى، وهو من التأويل الذي يعلمه الراسخون في العلم، وأما كيفية ذلك الاستواء، فهو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله تعالى.
وقد رُوي عن ابن عباس رضي الله عنه ما ذكره عبد الرزاق وغيره في تفسيرهم عنه أنه قال: تفسير القرآن على أربعة أوجه ".
قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح الفتوى الحموية ص112-119 :
هذا البحث مهم جدا؛ وذاك لأنّ لفظ (التأويل) لفظ جاء في الكتاب والسنة، وجاء به اصطلاح جديد عند علماء الأصول، وتداخل المصطلحات فيما يأتي به العلماء من مصطلح يكون بخلاف المراد بالمصطلح الشرعي؛ يُحدث لَبْسًا كثيرا إلا عند المحقق من أهل العلم، وذلك أنّ العلماء قد يحتاجون إلى وضع اصطلاح لمعنى من المعاني أو شيء من العلوم.
فإذا كان هذا اللفظ الذي اصطلح عليه لمعنى من المعاني بتعريفه موجودا في الكتاب والسنة بمعنى آخر وقع الالتباس؛ في أن المتعاطي لذلك العلم يظن أن المراد بلفظ (التأويل) فيما يرد في الكتاب والسنة هو المراد به في ذلك العلم، وهذا له نظائر ذكرت لكم بعضها فيما مضى، ومنها لفظ (التأويل) هذا فإنه لفظ قد جاء في القرآن وجاء في السنة.
ففي القرآن مثلا قول الله جل وعلا ﴿يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ﴾،
﴿وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ﴾،
وقال جل وعلا ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾،
وقال جل وعلا ﴿فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾،
فهذه النصوص فيها استعمال لفظ (تأويل) وهذا اللفظ يراد منه ما تؤول إليه حقيقة الشيء، ما يؤول إليه الشيء أو تؤول إليه حقيقته؛ لأنه مأخوذ من آل يؤول بمعنى صار يصير، آل الشيء إلى كذا وكذا يؤول إلى كذا، ومعلوم أن الكلام قسمان:
إنشاء: وهو الأمر والنهي والطلب والاستخبار ونحو ذلك.
وخبر.
فالإنشاء له تأويل, والخبر له تأويل؛ يعني: في النصوص.
فتأويل الإنشاءات امتثالها؛ تأويل الأمر امتثال الأمر، وتأويل النهي امتثال النهي يعني البعد عنه, وذاك لأنه ما تؤول إليه حقيقة الشيء، هذا التأويل.
فحقيقة الأمر بالشيء من الآمر يؤول إلى أنَّ المطلوب امتثاله، وحقيقة ما يؤول إليه النهي أن المطلوب الانتهاء عنه، فأوامر الله جل وعلا ونواهيه تأويلها امتثال الأمر والانتهاء عن النهي.
والأخبار مثل الخبر عن الجنة والنار والخبر عن صفات الله جل وعلا، الخبر عن العذاب, عن النعيم, عن ما يكون في عرصات يوم القيامة، وأشباه ذلك من المغيبات، أو ما يكون من المغيب في الدنيا بعد زمن تنزل القرآن، فهذه تأويلها وقوعها؛ لأنها هي الحقيقة التي تؤول إليها كما قال جل وعلا (هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ)؛ يعني ما تؤول إليه حقيقة تلك الأخبار للوعد والوعيد، وما تؤول إليه الحقيقة هو وقوعها.
لهذا قال (يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) يعني: يوم يأتي وقوع ذلك، وما تؤول إليه تلك الأخبار من وقوعها كما أخبر الله جل وعلا ﴿يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ﴾.إلى آخر الآيات.
هذه المغيبات التي أخبر الله جل وعلا بها؛ إما من صفاته أو أفعاله أو الجنة والنار أو ما سيكون في المستقبل أو أخبار الملائكة إلى آخره، ما تؤول إليه حقيقة الخبر منقسم إلى:
المعنى الذي يُفهم منه وقوع الشيء.
والكيفية لوقوعه.
المعنى والكيفية، فاجتماع المعنى والكيفية يُقال له: تأويل، وهو أتم التأويل؛ يعني: ما تؤول إليه حقيقة إخبار الله عن صفاته هو معناها، وكيفية اتصاف الله بها، ما تؤول إليه حقيقة نعيم الجنة -مما أخبر الله به- هو معنى ذلك وكيفيته.
فإذن وقوع تلك الأخبار هو تأويلها، وما تؤول إليه حقيقتها؛ إما أن يكون آيِلاً تأويلا لمعناها؛ حيث نفهم الوقوع بمعنى معين، وإما أن يكون تأويلا لكيفيتها؛ يعني: مع المعنى.
ولهذا جاء إثبات فهم التأويل، وجاء نفيه، تأويل المغيبات، نقول: نعلم التأويل ولا نعلمه؛ فنعلمه باعتبار، ولا نعلمه باعتبار؛ فإذا أريد بالتأويل ما تؤول إليه حقيقته من حيث وقوعه من جهة المعنى فقط فإن هذا نعلمه؛ لأن القرآن جاء بلفظ عربي مبين، وعلى هذا وقْف من وقَف من السلف على قوله تعالى ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾.
فيعلم الراسخون في العلم التأويل، والله جل وعلا يعلم تأويله، والمراد بعلم الراسخين أنهم يعلمون تأويل المعنى.
والنوع الثاني من تأويل الخبر أن تعلم الكيفية وهذا هو الذي في المغيبات لا يعلمه إلا الله جل وعلا، وعلى هذا قول من وقف من السلف على لفظ الجلالة (اللَّهُ) وعدّه وقفا لازما (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) يعني الكيفية.
لهذا في تفسير الأحلام ﴿وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ﴾، ﴿هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ﴾
يعني: أنّ التأويل في الكتاب والسنة يُراد منه ما تؤول إليه حقيقة الشيء، وهذا الشيء قد يكون إنشاء؛ أمر أو نهي، وقد يكون خبرا.
ففي الإنشاء آية النساء ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾، لأنه هناك أمر ونهي.
﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾؛ يعني من جهة إنفاذ أمر الله، ونهيه.
والخبر مثل ما في آية آل عمران وآية الأعراف وفي غيرها.
جاء أهل الاصطلاح وعرّفوا التأويل بأنه صرف اللفظ من الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لقرينة، وبعضهم يعرِّف التأويل بقوله صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه إلى غيره لقرينة.
وهؤلاء الذين عرَّفوا بهذا التعريف، الكلام الصحيح، ويُحتاج إليه في الفقه في بعض الأشياء، وهذا التأويل منه ما هو صحيح في نفسه، ومنه ما هو ضعيف، ومنه ما هو باطل لا يصح أن يسمى تأويلا حتى عند الأصوليين.
فإذن هذا القسم من التأويل، يُدَّعى في أشياء أنها تأويل وهو لا يصح عليها التأويل حتى في اصطلاح أهل الأصول.
في نصوص الصفات -وهو ما الكلام عليه الآن- يُقال: هذه الآية ليس المراد بها الظاهر، وإنما المراد بها كذا، وهذا هو الذي يسمى التأويل، وتأويلها كذا؛ بمعنى: أن هذا اللفظ في الصفات ليس مرادا، والمراد كذا للتأويل.
والتأويل غير المجاز، الظاهر والمؤول غير الحقيقة والمجاز، فهذا التأويل ظنَّه أصحابه حقا لمجيء النصوص به في قوله (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) فعرّفوا التأويل باصطلاحهم، وحملوا هذا التعريف على ما جاء في النصوص فوقع الخلط، والباطل.
والصواب في هذا:
أن التأويل على شرح الأصوليين صحيح إذا تمت شروطه، ولكن إنما ينقل اللفظ عن ظاهره المتبادر منه إذا لم يكن الظاهر مرادا، هذا شرطه، بحيث إنه يُنقل اللفظ عن الظاهر إلى غيره، يُنقل عن الاحتمال الراجح إلى المرجوح، إذا ظهر أنَّ هذا الاحتمال الراجح غير مراد، أو أنَّ الظاهر غير مراد.
ولهذا يتناقض بعض أهل التفويض مثل ما ذكر لكم شيخ الإسلام من أتباع الأئمة الأربعة يقولون: تُمرّ على ظاهرها أو تُجرى على ظواهرها وتأويلها كذا، ما يستقيم، هذا غلط حتى في تعريف التأويل عند أهله، فلا يقال:
تجرى على ظاهرها ولا يعلم تأويلها إلا الله، هذا تناقض؛ لأن معنى: تجرى على ظاهرها: أنك لم تحتج إلى التأويل فتفهم المعنى على الظاهر.
فإذن لا إعمال لتعريف التأويل هنا.
فإذن تعريف التأويل يكون النزاع أدق فيه مع من يقول: هذا اللفظ ظاهره غير مراد، وإنما المراد كذا وكذا من الاحتمال المرجوح لقرينة كذا وكذا.
وأما من قال الظاهر مراد ولا يَعلم المعنى إلا الله، فهذا خلط من الكلام وتناقض، مثل ما ذكر لك الشيخ تقي الدين رحمه الله.
إذن يبقى الكلام مع من يقول بتعريف التأويل على نحو ما ذكرنا.
وجوابه فيما يورد من آيات الصفات أن الظاهر هو الذي ينبغي أن يفهم الكلام عليه؛ ظاهر اللفظ، أو ظاهر الكلام؛ لأن السلف قالوا: أمروها كما جاءت، وقال بعضهم تجرى على ظاهرها، وإجراؤها على ظاهرها ليس راجعا إلى لفظ، وإنما يرجع إلى اللفظ والتركيب جميعا، فإجراء الكلام على ظاهره يعني: ما تفهمه من الكلام على ظاهره، والكلام هذا قد يكون كلمة وقد يكون جملة، فإذا قلنا بهذا فلا احتياج إلى إدخال التأويل في نصوص الغيبيات أصلا، وذلك لسببين:
الأول: أنَّ نصوص الغيبيات لا يُعلم فيها المعنى والكيفية جميعا حتى نقول:
إنَّ الاحتمال الراجح غير مراد وإنما المراد الاحتمال المرجوح، ومن المتقرر أنَّ صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه أو عن الاحتمال الراجح في تعريف التأويل مشروط بعدم مناسبة الاحتمال الراجح أو الظاهر، كما ذكرتُ لك.
وهذا في نصوص الغيبيات غير متحقق؛ لأننا لا نعلم حقيقة الكيفية وإنما نعلم تأويلها بمعنى المعنى؛ نعلم معناها، أما الكيفية فلا.
فإذن صرفُها ليس له وجه لأنَّ الحقيقة بكمالها معنى وكيفية لا نعلمها، وإنما نعلم المعنى فقط، والمعنى لا يخوِّلنا أن نصرف اللفظ عن احتماله الراجح؛ لأن اللفظ مشتمل على معنى وكيفية، والكيفية غير معلومة فلا بد من إبقاء دلالة اللفظ على ما هي عليه. هذا واحد.
الثاني: أن ظاهر الكلام إذا فهمناه فإننا لا نحتاج معه إلى التأويل؛ لأنَّ ظاهر الكلام يُفهم المراد.
مثال ذلك قول الله جل وعلا ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا﴾، في قوله(أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ) ليس ظاهر الكلام أننا نرى ربنا جل وعلا في الدنيا وكيف يمد الظل في الدنيا, ليس هذا ظاهر الكلام، وإنما الذي يفهمه العربي من ذلك (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ) يعني إلى بديع صَنعته وإلى بديع قدرته سبحانه وتعالى.
فإذن ظاهر الكلام يفهم منه العربي شيئا لا يحتاج الذي يريد فهمه إلى أن ينظر إلى كلمة فيه؛ لأنه إذا نظر إلى كلمة حجبته عن رؤية الكل، فلهذا احتاج كثير من العجم إلى التأويل؛ لأنهم ما يفهمون الكلام إلا بتركيب أفراده كلمة كلمتين ثلاثة.
أما الكلام بعمومه ليس عندهم من فهم إلا بفهم مفرداته، مثلا: عندما تأتي تدرس اللغة الإنجليزية أو تدرس لغة أخرى، حتى تفهم الجملة لابد أن تحللها، تقول: هذه معناها كذا، وهذه معناها كذا، ثم تتصور الجميع، العربي الذي يفهم العربية لا يحتاج إلى أن يحلل الألفاظ، وإنما يفهمه جميعا بفهم واحد، وهو المسمّى: الظاهر التركيبي.
فإذن الظاهر يكون ظاهر الكلام بتركيبه، وهو الذي يُفهم منه، وهذا لا يُحتاج معه إلى التأويل.
مثاله أيضا: قول الله جل وعلا ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾، ظاهر هذه الآية واضح في أنها ليست من آيات الصفات وإنما المقصود بها الكلام عن القبلة، (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) يعني الوُجْهَة؛ وُجْهَة الله وهي القبلة.
ومثال ذلك أيضا قوله جل وعلا في سورة النحل ﴿فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾،
(فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ) يعني: أتاه جل وعلا بعذابه، بقدرته من القواعد، وليس في الآية كما يفهمها أي عربي صحيح العربية أنّ المقصود منها إتيان الله جل وعلا بذاته إلى ذلك المكان؛ إلى قواعده فيهدمه جل وعلا بإتيانه بذاته من القواعد، ليس هذا هو ظاهر الكلام؛ لأن ظاهر الكلام (فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْفُ) المقصود هنا: الإتيان بالصفات، ليس إتيان الذات، هذا واضح من ظاهر الكلام.
ولهذا لا أحد لا من السلف ولا من الخلف يقول هنا: تأويلها أن المراد هنا بالإتيان إتيان الله، وتأويلها هو كذا وكذا وإنما المقصود هو الإتيان بالصفات.
وقالوا –يعني أهل التأويل-: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾، وجاء أمر ربك، فتلحظ من الكلام أنه على هذا التأويل ظاهر الكلام يضطرب ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾، يصبح المعنى: وجاء أمر ربك والملك صفا صفا، هذا تلحظ أن المعنى اختلّ بهذا.
ولهذا نقول: الظاهر هنا –ما يفهم من ظاهر الكلام- هذا غير ما أولوا به، وإنما هو على ظاهره من أن المجيء هو صفة وهكذا.
فإذن المقصود هنا: أنّ الظاهر تارة يُفهم بكلمة، وتارة يفهم من تركيب، فما أُدعي فيه التأويل من المواطن التي أُحتيج فيها إلى التأويل مثل الأمثلة التي ذكرنا، فإنا نقول: ليس ثمَّ تأويل فيها هنا على اصطلاحكم، وإنما هذا ظاهر فالكلام لم يزل باقيا على ظاهره، والمقصود به الكلام التركيبي.
فتحصلنا من هذا البحث: أنَّ التأويل صار له ثلاث استعمالات: اثنان منها جاءت في الكتاب والسنة، وواحد في اصطلاح المتأخرين، وهو الذي حملوا آيات الصفات عليه وهذا باطل لأنه:
أولا: لفظ محدث اصطلاحي، فلا تحكم الاصطلاحات على النصوص.
وثانيا: ما ذكرنا من أن ذلك يُبطل دِلالة الأخبار الغيبية، وهذا باطل أيضا.
محمدعبداللطيف
2017-07-27, 02:29 PM
قال عن ذوات الأسباب أنها متى حصلت أسبابها حصلت , فهذا مجاوزة للحد الذي وقف عنده السلف .ثم إن السبب مؤثر في مسببه فمن قال إن صفات الله تكون متى كانت أسبابها جعل هذه الأسباب مؤثرة في ذات الله عز و جل بل جعل الله متأثرا بمخلوقاته و هذا سوء أدب مع الله جل و علا .
. جواب ذلك-- يقول بن القيم رحمه الله فى شفاء العليل
قالت النفاة- قد أجلبتم علينا بما استطعتم من خيل الأدلة ورجلها فاسمعوا الآن ما يبطله ثم أجيبوا عنه إن أمكنكم الجواب-- فنقول ما قاله أفضل متأخريهم محمد بن عمر الرازي: "كل من فعل فعلا لأجل تحصيل مصلحة أو لدفع مفسدة فإن كان تحصيل تلك المصلحة أولى من عدم تحصيلها كان ذلك الفاعل قد استفاد بذلك الفعل تحصيل ذلك" ومن كان كذلك كان ناقصا بذاته مستكملا بغيره وهو في حق الله محال وإن كان تحصيلها وعدمه بالنسبة إليه سواء فمع ذلك لا يحصل الرجحان فامتنع تحصيلها ثم أورد سؤالا وهو لا يقال حصولها واللاحصولها بالنسبة إليه وإن كان على التساوي إلا أن حصولها للعبد أولى من عدم حصولها له فلأجل هذه الأولوية العائدة إلى العبد يرجح الله سبحانه الوجود على العدم ثم أجاب بأنا نقول تحصيل تلك المصلحة وعدم تحصيلها له إما أن يكونا متساويين بالنسبة إلى الله أو لا يستويان وحينئذ يعود التقسيم المذكور--- قال المثبتون الجواب عن هذه الشبهة من وجوه--أحدها أن قولك أن كل من فعل لغرض يكون ناقصا بذاته مستكملا بغيره ما تعني بقولك أنه يكون ناقصا بذاته أتعني به أنه يكون عادما لشيء من الكمال الذي لا يجب أن يكون له قبل حدوث ذلك المراد أم تعني به أن يكون عادما لما ليس كمالا قبل وجوده أم تعني به معنى ثالثا فإن عنيت الأول فالدعوى باطلة فإنه لا يلزم من فعله لغرض حصوله أولى من عدمه أن يكون عادما لشيء من الكمال الواجب قبل حدوث المراد فإنه يمتنع أن يكون كمالا قبل حصوله وإن عنيت الثاني لم يكن عدمه نقصا فإن الغرض ليس كمالا قبل وجوده وما ليس بكمال في وقت لا يكون عدمه نقصا فيه فما كان قبل وجوده عدمه أولى من وجوده وبعد وجوده وجوده أولى من عدمه لم يكن عدمه قبل وجوده نقصا ولا وجوده بعد عدمه نقصا بل الكمال عدمه قبل وقت وجوده وجوده وقت ووجوده وإذا كان كذلك فالحكم المطلوبة والغايات من هذا النوع وجودها وقت وجودها هو الكمال وعدمها حينئذ نقص وعدمها وقت عدمها كمال ووجودها حينئذ نقص وعلى هذا فالنافي هو الذي نسب النقص إلى الله لا المثبت وإن عنيت به أمرا ثالثا فلا بد من بيانه حتى ننظر فيه الجواب الثاني--- إن قولك يلزم أن يكون ناقصا بذاته مستكملا بغيره أتعني به أن الحكمة التي يجب وجودها إنما حصلت له من شيء خارج عنه أم تعني أن تلك الحكمة نفسها غير له وهو مستكمل بها فإن عنيت الأول فهو باطل فإنه لا رب غيره ولا خالق سواه ولم يستفد سبحانه من غيره كمالا بوجه من الوجوه بل العالم كله إنما استفاد الكمال الذي فيه منه سبحانه وهو لم يستفد كماله من غيره كما لم يستفد وجوده من غيره وإن عنيت الثاني فتلك الحكمة صفته سبحانه وصفاته ليست غيرا له فإن حكمته قائمة به وهو الحكيم الذي له الحكمة كما أنه العليم الذي له العلم والسميع الذي له السمع والبصير الذي له البصر فثبوت حكمته لا يستلزم استكماله بغير منفصل عنه كما أن كماله سبحانه بصفاته وهو لم يستفدها من غيره الجواب الثالث ------------أنه سبحانه إذا كان إنما يفعل لأجل أمر هو أحب إليه من عدمه كان اللازم من ذلك حصول مراده الذي يحبه وفعل لأجله وهذا غاية الكمال وعدمه هو النقص فإن من كان قادرا على تحصيل ما يحبه وفعله في الوقت الذي يحب على الوجه الذي يحب فهو الكامل حقا لا من لا محبوب له أو له محبوب لا يقدر على فعله الجواب الرابع أن يقال أنت ذكرت في كتبك أنه لم يقم على نفي النقص عن الله دليل عقلي واتّبعت في ذلك الجويني وغيره وقلتم إنما ينفى النقص عنه عز وجل بالسمع وهو الإجماع فلم تنفوه عن الله عز وجل بالعقول ولا بنص منقول عن الرسول بل بما ذكرتموه من الإجماع وحينئذ فإنما ينفى بالإجماع ما انعقد الإجماع على نفيه والفعل بحكمه لم ينعقد الإجماع على نفيه فلم تجمع الأمة على انتفاء التعليل لأفعال الله فإذا سميت أنت ذلك نقصا لم تكن هذه التسمية موجبة لانعقاد الإجماع على نفيها فإن قلت أهل الإجماع أجمعوا على نفي النقص وهذا نقص قيل نعم الأمة مجمعة على ذلك ولكن الشأن في هذا الوصف المعني أهو نقص فيكون قد أجمعت على نفيه فهذا أول المسألة والقائلون بإثباته ليس هو عندهم نقصا بل هو عين الكمال ونفيه عين النقص وحينئذ فنقول في الجواب الخامس أن إثبات الحكمة كمال كما تقدم تقريره ونفيه نقص والأمة مجمعة على انتفاء النقص عن الله بل العلم بانتفائه عن الله تعالى من أعلى العلوم الضرورية المستقرة في فطر الخلق فلو كانت أفعاله معطلة عن الحكم والغايات المحمودة لزم النقص وهو محال ولزوم النقص من انتفاء الحكم أظهر في العقول والفطر والعلوم الضرورية والنظرية من لزوم النقص من إثبات ذلك وحينئذ فتقول في الجواب السادس النقص إما أن يكون جائزا أو ممتنعا فإن كان جائزا بطل دليلك وإن كان ممتنعا بطل دليلك أيضا فبطل الدليل على التقديرين الجواب السابع أن النقص منتف عن الله عز وجل عقلا كما هو منتف عنه سمعا والعقل والنقل يوجب اتصافه بصفات الكمال والنقص هو ما يضاد صفات الكمال فالعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام والحياة صفات كمال وأضدادها نقص فوجب تنزيهه عنها لمنافاتها لكماله وأما حصول ما يحبه الرب تعالى في الوقت الذي يحبه فإنما يكون كمالا إذا حصل على الوجه الذي يحبه فعدمه قبل ذلك ليس نقصا إذ كان لا يحب وجوده قبل ذلك الجواب الثامن أن يقال الكمال الذي يستحقه سبحانه وتعالى هو الكمال الممكن أو الممتنع فالأول مسلم والثاني باطل قطعا فلم قلت أن وجود الحادث في غير وقته الذي وجد فيه ممكن بل وجود الحادث في الأزل ممتنع فعدمه لا يكون نقصا الجواب التاسع أن عدم الممتنع لا يكون كمالا فإن الممتنع ليس بشيء في الخارج وما ليس بشيء لا يكون عدمه نقصا فإنه إن كان في المقدور ما لا يحدث إلا شيئا بعد شيء كان وجوده في الأزل ممتنعا فلا يكون عدمه نقصا وإنما يكون الكمال وجوده حين يمكن وجوده، الجواب العاشر ---أن يقال أنه تعالى أحدث أشياء بعد أن لم يكن محدثا لها كالحوادث المشهودة حتى أن القائلين بكون الفلك قديما عن عله موجبة يقرون بذلك ويقولون أنه يحدث الحوادث بواسطته وحينئذ فنقول هذا الإحداث إما أن يكون صفة كمال وإما أن لا يكون فإن كان صفة كمال فقد كان فاقدا لها قبل ذلك وإن لم يكن صفة كمال فقد اتصف بالنقص فإن قلت نحن نقول بأنه ليس صفة كمال ولا نقص قيل فهلا قلتم ذلك في التعليل وأيضا فهذا محال في حق الرب تعالى فإن كل ما يفعله يستحق عليه الحمد وكل ما يقوم من صفاته فهو صفة كمال وضده نقص وقد ينازع النظار في الفاعلية هل هي صفة كمال أم لا وجمهور المسلمين من جميع الفرق يقولون هي صفة كمال وقالت طائفة ليست صفة كمال ولا نقص وهو قول أكثر الأشعرية فإذا التزم له هذا القول قيل له الجواب من وجهين أحدهما أن من المعلوم تصريح العقل أن من يخلق أكمل ممن لا يخلق كما قال تعالى:
{أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} وهذا استفهام إنكار يتضمن الإنكار على من سوى بين الأمرين يعلم أن أحدهما أكمل من الآخر قطعا ولا ريب أن تفضيل من يخلق على من لا يخلق في الفطر والعقول كتفضيل من يعلم على من لا يعلم ومن يقدر على من لا يقدر ومن يسمع ويبصر على من لا يسمع ولا يبصر ولما كان هذا مستقرا في فطر بني آدم جعله الله تعالى من آلة توحيده وحججه على عباده قال تعالى: {ضَرَبَ الله مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ وَضَرَبَ الله مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وقال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُون} وقال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ} وقال تعالى: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ} فمن سوى بين صفة الخالقية وعدمها فلم يجعل وجودها كمالا ولا عدمها نقصا فقد أبطل حجج الله وأدلة توحيده وسوى بين ما جعل بينهما أعظم التفاوت وحينئذ فنقول في الجواب الحادي عشر إذا كان الأمر كما ذكرتم فلم لا يجوز أن يفعل لحكمة يكون وجودها وعدمها بالنسبة إليه سواء كما أنه عندكم لم يحدث ما يحدثه مع كون الإحداث والخلق وعدمه بالنسبة إليه سواء مع أن هذه إرادة لا تعقل في الشاهد فقولوا مثل ذلك في الحكمة وأن ذلك لا يعقل لا سيما والفعل عندكم هو المفعول المنفصل فجوزوا أيضا أن يفعل لحكمة منفصلة وأنتم إنما قلتم ذلك فرارا من قيام الحوادث به ومن التسلسل فكذلك قولوا بنظير ذلك في الحكمة والذي يلزم أولئك فهو نظير ما يلزمكم سواء، الجواب الثاني عشر أن يقال العقل الصريح يقضي بأن من لا حكمة لفعله ولا غاية يقصدها به أولى بالنقص ممن يفعل لحكمة كانت معدومة ثم صارت موجودة في الوقت الذي اقتضت حكمته إحداث الفعل فيه فكيف يسوغ لعاقل أن يقول فعله للحكمة يستلزم النقص وفعله لا لحكمة لا نقص فيه، الجواب الثالث عشر أن هؤلاء النفاة يقولون أنه سبحانه يفعل ما يشاء من غير اعتبار حكمة فيجوزون عليه كل ممكن حتى الأمر بالشرك والكذب والظلم والفواحش والنهي عن التوحيد والصدق والعدل والعقاب وحينئذ فنقول إذا جازت عليه هذه المرادات وليس في إرادتها نقص وهذا مراد فلا نقص فيه فقولهم من فعل شيئا لشيء كان ناقصا بدونه قضية كلية ممنوعة العموم وعمومها أولى بالمنع من قول القائل من أكرم أهل الجهل والظلم والفساد وأهان أهل العلم والعدل والبر كان سفيها جائرا وهذا عند النفاة جائز على الله ولم يكن به سفيها جائرا وكذلك قول القائل من أرسل إماءه وعبيده يفجر بعضهم ببعض ويقتل بعضهم بعضا وهو قادر على أن يكفيهم كان سفيها والله قد فعل ذلك ولم يدخل في عموم هذه القضية فكذا القضية الكلية التي ادعوا ثبوتها في محل النزاع أولى أن تكون باطلة منتقضة، الجواب الرابع عشر أنه لو سلم لهم أنه مستكمل بأمر حادث لكان هذا من الحوادث المرادات وكل ما هو حادث مراد عندهم فليس بقبيح فإن القبيح عندهم ليس إلا مخالفة الأمر والنهي والله ليس فوقه آمر ولا ناه فلا ينزه عندهم عن شيء من الممكنات البتة إلا ما أخبر بأنه لا يكون فإنهم ينزهونه عن كونه لمخالفة حكمته والقبيح عندهم هو الممتنع الذي لا يدخل تحت القدرة وما دخل تحت القدرة لم يكن قبيحا ولا مستلزما نقصا عندهم وجماع ذلك بالجواب الخامس عشر أنه ما من محذور يلزم من تجويز فعله لحكمة إلا والمحاذير التي يلزم من كونه يفعل لا لحكمة أعظم امتناعا فإن كانت تلك المحاذير غير ممتنعة كانت محاذير إثبات الحكمة أولى بعدم الامتناع وإن كانت محاذير إثبات الحكمة ممتنعة فمحاذير نفيها أولى بالامتناع، الجواب السادس عشر أن فعل الحي العالم الاختياري لا لغاية ولا لغرض يدعوه إلى فعله لا يعقل بل هو من الممتنعات لهذا لا يصدر إلا من مجنون أو نائم أو زائل العقل فإن الحكمة والعلة الغائية هي التي تجعل المريد مريدا فإنه إذا علم بمصلحة الفعل ونفعه وغايته انبعثت إرادته إليه فإذا لم يعلم في الفعل مصلحة ولا كان له فيه غرض صحيح ولا داع يدعوه إليه فلا يقع منه إلا على سبيل العبث هذا الذي لا يعقل العقلاء سواه وحينئذ فنفي الحكمة والعلة والغاية عن فعل أحكم الحاكمين نفي لفعله الاختياري في الحقيقة وذلك أنقص النقص وبالله التوفيق.-[ شفاء العليل] (https://ar.wikisource.org/wiki/%D8%B4%D9%81%D8%A7%D8%A1_%D8%A 7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%8 4/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%A8 _%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%8 6%D9%8A_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8% B9%D8%B4%D8%B1%D9%88%D9%86)-هل علمت الان اخى الكريم عصام البجائي ان ما تدعيه من نفى ان الله سبحانه يفعل لعلة ولحكمة ان ذلك هو انقص النقص وينقلب قولك ان هذا سوء أدب مع الله جل و علا . ينقلب عليك - وكما قيل رمتنى بدائها وانسلت
أبو مالك المديني
2017-07-29, 02:06 PM
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (هذه الكلمة كلمة استعانة لا كلمة استرجاع وكثير من الناس يقولها عند المصائب بمنزلة الاسترجاع ويقولها جزعًا لا صبرًا). [الاستقامة: (2/ 81)، والفتاوى الكبرى: (2 / 390)].
المبحث الثالث: دلائل (( لا حول ولا قوة إلاّ بالله )) العقدية:
إنَّ هذه الكلمة العظيمة التي سبق ذكر بعض فضائلها وبيان شيء من ميزاتها ومحاسنها ذاتُ دلالات عميقة ومعان جليلة تشهد بحسنها، وتدل على كماله وعظم شأنها وكثرة عوائدها وفوائدها.
وإنَّ أحسن ما يستعان به على فهم دلالاتها ومعرفة معانيها ومقاصدها قولُ النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه:" ألا أدلك على كلمة من تحت العرش من كنز الجنة ؟ تقول:لا حول ولا قوة إلاّ بالله، فيقول الله عز وجل: أسلم عبدي واستسلم" .
وقد روى ابن عبد الهادي في كتابه " فضل لا حول ولا قوة إلاّ بالله " بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((من قال بسم الله فقد ذكر اللهَ، ومن قال الحمد لله فقد شكر الله، ومن قال: الله أكبر فقد عظّم اللهَ، ومن قال: لا إله إلاّ الله فقد وحّد الله، ومن قال:لا حول ولا قوة إلاّ بالله فقد أسلم واستسلم وكان له بها كنزٌ من كنوز الجنة )) .
وروي عن ابن عمر أنَّه قال: (( سبحان الله هي صلاة الخلائق، والحمد لله كلمة الشكر، ولا إله إلاّ الله كلمة الإخلاص، والله أكبر تملأ ما بين السماء والأرض، وإذا قال: لا حول ولا قوة إلاّ بالله، قال الله تعالى: أسلم واستسلم)) .
فهي كلمة إسلام واستسلام، وتفويض وتبرّؤ من الحول والقوّة إلاّ بالله، وأنَّ العبد لا يملك من أمره شيئاً، وليس له حيلةٌ في دفع شر، ولا قوةٌ في جلب خير إلاّ بإرادة الله تعالى ، فلا تحوّل للعبد من معصية إلى طاعة، ولا من مرض إلى صحة، ولا من وهن إلى قوة، ولا من نقصان إلى كمال وزيادة إلاّ بالله، ولا قوة له على القيام بشأن من شؤونه، أو تحقيق هدفٍ من أهدافه أو غاية من غاياته إلاّ بالله العظيم، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فأزمّةُ الأمور بيده سبحانه، وأمور الخلائق معقودةٌ بقضائه وقدره، يصرفها كيف يشاء ويقضي فيها بما يريد، ولا رادّ لقضائه، ولا معقّب لحكمه، فما شاء كان كما شاء في الوقت الذي يشاء، على الوجه الذي يشاء من غير زيادة ولا نقصان، ولا تقدّم ولا تأخر، له الخلق والأمر، وله الملك والحمد، وله الدنيا والآخرة، وله النعمة والفضل ،وله الثناء الحسن، شملت قدرته كلَّ شيء، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ،{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} ، ومن كان هذا شأنه فإنَّ الواجب الإسلامُ لألوهيته والاستسلام لعظمته، وتفويض الأمور كلِّها إليه، والتبرّؤُ من الحول والقوة إلاّ به، ولهذا تعبّد الله عباده بذكره بهذه الكلمة العظيمة التي هي باب عظيم من أبواب الجنة وكنز من كنوزها.
فهي كلمة عظيمةٌ تعني الإخلاص لله وحده بالاستعانة، كما أنَّ كلمة التوحيد لا إله إلاّ الله تعني الإخلاص لله بالعبادة، فلا تتحقق لا إله إلاّ الله إلاّ بإخلاص العبادة كلِّها لله، ولا تتحقق لا حول ولا قوة إلاّ بالله إلاّ بإخلاص الاستعانة كلِّها لله، وقد جمع الله بين هذين الأمرين في سورة الفاتحة أفضل سورة في القرآن، وذلك في قوله {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فالأوّل تبرّؤٌ من الشرك، والثاني تبرّؤٌ من الحول والقوّة، وتفويضٌ إلى الله عز وجل، والعبادة متعلّقة بألوهية الله سبحانه، والاستعانة متعلّقة بربوبيّته، العبادة غاية، والاستعانة وسيلة، فلا سبيل إلى تحقيق تلك الغاية العظيمة إلاّ بهذه الوسيلة: الاستعانة بالله الذي لا حول ولا قوة إلاّ به.
ويمكن أن نلخص الدلالات العقدية لهذه الكلمة العظيمة في النقاط التالية:
1 – أنَّها كلمة استعانة بالله العظيم، فحريٌّ بقائلها والمحافظ عليها أن يظفر بعون الله له وتوفيقه وتسديده.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (( وقول " لا حول ولا قوة إلاّ بالله " يوجب الإعانةَ؛ ولهذا سنّها النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال المؤذّن: حيّ على الصلاة، فيقول المجيب: لا حول ولا قوة إلاّ بالله، فإذا قال: حي على الفلاح، قال المجيب: لا حول ولا قوة إلاّ بالله.
وقال المؤمن لصاحبه:{وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ} ولهذا يؤمر بهذا من يخاف العين على شيء، فقوله:ما شاء الله، تقديره: ما شاء الله كان، فلا يأمن؛ بل يؤمن بالقدر ويقول: لا قوّة إلاّ بالله، وفي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه المتفق عليه ،أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:"هي كنز من كنوز الجنة" والكنز مال مجتمع لا يحتاج إلى جمع؛ وذلك أنَّها تتضمن التوكل والافتقار إلى الله تعالى.
ومعلوم أنَّه لا يكون شيء إلاّ بمشيئة الله وقدرته، وأنَّ الخلق ليس منهم شيء إلاّ ما أحدثه الله فيهم، فإذا انقطع طلب القلب للمعونة منهم وطلبها من الله فقد طلبها من خالقها الذي لا يأتي بها إلاّ هو، قال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} وقال تعالى:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} وقال تعالى:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وقال تعالى:{قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} .
وقال صاحب يس:{أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} ولهذا يأمر الله بالتوكل عليه وحده في غير موضع، وفي الأثر: من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن سره أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يده)) .
ولهذا ورد في السنة مشروعية قول هذه الكلمة عند خروج المسلم من منزله لقضاء أموره الدينية أو الدنيوية استعانةً بالله واعتماداً عليه، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من قال – يعني إذا خرج من بيته – بسم الله، توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله تعالى، يقال له: كفيت، ووقيت، وهديت، وتنحى عنه الشيطان، فيقول لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي " رواه أبو داود والترمذي، وقال حديث حسن صحيح.
ولهذا أيضاً جعل بعض أهل العلم هذه الكلمة في مستهل ومفتتح مؤلفاتهم طلباً للإعانة من الله عز وجل كما في مقدمة صريح السنة للطبري، والأربعين في دلائل التوحيد للهروي، والصفات للدار قطني وغيرها.
2 - تضمنها الإقرار بربوبيّة الله وأنَّه وحده الخالق لهذا العالم، المدبّر لشؤونه، المتصرف فيه بحكمته ومشيئته، لا يقع شيءٌ في هذا العالم من حركة أو سكون، أو خفض أو رفع، أو عز أو ذل، أو عطاء أو منع إلاّ بإذنه، يفعل ما يشاء ولا يُمانع ولا يُغالب، بل قد قهر كلَّ شيء، ودان له كلُّ شيء، كما قال تعالى:{أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ، وقال تعالى:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} ، وقال تعالى:{يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} ، فالقائل لتلك الكلمة مقرٌّ بهذا،مذعن به، معترف أنَّ أموره كلَّها بيد ربّه ومليكه وخالقه لا قدرة له على شيء ولا حول ولا قوة إلاّ بإذن ربّه ومولاه، وبتوفيق سيّده ومليكه، ولهذا إليه يلجأ، وبه يستعين، وعليه يعتمد في كلِّ أحواله وفي جميع شؤونه.
3 – تضمنها الإقرار بأسماء الله وصفاته، إذ القائل لهذه الكلمة ـ ولا بد ـ مقرٌّ بأنَّ المدعو المقصود الملتجأ إليه بهذه الكلمة غنيٌّ بذاته، وكلُّ ما سواه فقيرٌ إليه، قائم بذاته وكلُّ ما سواه لا يقوم إلاّ به، قديرٌ لذاته وكلُّ ما سواه عاجز لا قدرة له إلاّ بما أقدره، متصف بجميع صفات الكمال ونعوت العظمة والجلال، وكلُّ ما سواه ملازمه النقص، وليس الكمال المطلق إلاّ له سبحانه وتعالى، فلعظمة أسمائه وكمال نعوته وصفاته استحق أن يقصد وحده، وأن لا يلجأ إلاّ إليه.
4 – وفي هذا دلالةٌ وإشارة إلى التلازم بين التوحيد العلمي بقسميه: توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، والتوحيد العملي الذي هو توحيد الألوهية.
فإنَّ العبد إذا أقرّ بربوبية الله وكماله في أسمائه وصفاته فإنَّ ذلك يستلزم أن لا يلجأ إلاّ إليه، ولا يقصد أحداً سواه، وإن لم يفعل ذلك فإنَّه لا يكون موحداً بمجرد إقراره بربوبيّة الله وإيمانه بأسماء الله وصفاته، فلو أقرّ بما يستحقه الرب تعالى من الصفات، ونزهه عن كلِّ ما ينزه عنه، وأقرّ بأنه وحده خالق كلِّ شيء لم يكن من أهل الإيمان والتوحيد ما لم يشهد أنَّه لا إله إلاّ الله، ويعمل بمقتضى ذلك فلا يعبد إلاّ إيّاه، ولا يتوكل إلاّ عليه، ولا يعمل إلاّ لأجله.
5 – تضمنها الإقرار بألوهية الله، وأنَّه وحده المعبود بحق ولا معبود بحق سواه، وذلك في قوله (( إلاّ بالله )).
والله معناه كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: (( ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين )) ، وقد جمع رضي الله عنه في هذا التفسير بين ذكر الألوهية وهي الوصف المتعلق بالله من هذا الاسم فهو سبحانه المألوه المعبود المرجو المطاع الذي لا يستحق العبادة أحدٌ سواه، وبين وصف العبد وهو العبودية؛ إذ إنَّ عباد الله هم الذين يعبدونه ويألهونه ويقومون بطاعته وحده لا شريك له.
ثم إنَّ هذا الاسم مستلزمٌ لجميع أسماء الله الحسنى دالٌ عليها بالإجمال، والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين له، ولهذا كان من خصائص هذا الاسم أنَّ الله جلّ وعلا يضيف سائر الأسماء إليه كقوله:{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} ويقال: العزيز الحكيم الرحيم من أسماء الله، ولا يقال الله من أسماء الرحمن، فلهذا الاسم شأنه ومكانته وخصائصه.
قال ابن منده – رحمه الله -: (( فاسم الله معرفة ذاته، منع الله عز وجل خلْقَه أن يتسمّى به أحدٌ من خلقه، أو يدعى باسمه إله من دونه، جعله أوّلَ الإيمان، وعمود الإسلام، وكلمة الحق والإخلاص، ومخالفة الأضداد والإشراك فيه، يحتجز القائل من القتل، وبه تفتتح الفرائض وتنعقد الأيمان، ويستعاذ من الشيطان، وباسمه يفتتح ويختم الأشياء، تبارك اسمه ولا إله غيره )) .
6 – تضمنها الإيمان بقضاء الله وقدره، ولهذا ترجم لها الإمام البخاري في كتاب القدر من صحيحه بقوله: (( باب: لا حول ولا قوة إلاّ بالله ))، ودلالة هذه الكلمة على الإيمان بالقدر ظاهرة؛ إذ فيه تسليم العبد واستسلامه وتبرّؤه من الحول والقوة، وأنَّ الأمورَ إنَّما تقع بقضاء الله وقدره.
قال ابن بطال: (( كان عليه [الصلاة و]السلام معلِّماً لأمته فلا يراهم على حالة من الخير إلاّ أحبّ لهم الزيادة، فأحبّ للذين رفعوا أصواتهم بكلمة الإخلاص والتكبير أن يضيفوا إليها التبرّي من الحول والقوّة فيجمعوا بين التوحيد والإيمان بالقدر )) .
7 – أنّ فيها معنى الدعاء الذي هو روح العبادة ولبُّها، وقد ذكر الإمام البخاري – رحمه الله – في كتاب الدعوات من صحيحه باباً بعنوان: (( باب قول لا حول ولا قوّة إلاّ بالله))، فهي من جملة الأدعية النبوية النافعة المشتملة على معاني الخير وجوامع الكلم.
8 – أنَّ فيها الإيمان بمشيئة الله النافذة، وأنَّ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنّ مشيئة العبد تحت مشيئة الله، كما قال الله تعالى:{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} فلا قدرة للعبد على القيام بما يشاء من الخير وما يريده من المصالح إلاّ أن يشاء الله، قال الله تعالى:{وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ} .
9 – أنَّ فيها الإقرارَ من العبد بفقره واحتياجه إلى ربّه في جميع أحواله وكافة شؤونه، كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} .
وقد بيّن الله سبحانه في هذه الآية الكريمة أنّ فقر العباد إليه أمر ذاتي لهم لا ينفك عنهم، وهو ثابتٌ لهم لذواتهم وحقائقهم من كلِّ وجه، لا غنى لهم عن ربّهم وسيّدهم طرفة عين ولا أقلّ من ذلك.
قال ابن القيم – رحمه الله -: (( اعلم أنَّ كلَّ حي – سوى الله – فهو فقيرٌ إلى جلب ما ينفعه ودفع ما يضرّه، والمنفعة للحيّ من جنس النعيم واللذّة، والمضرّة من جنس الألم والعذاب، فلا بد من أمرين: أحدهما هو المطلوب المقصود المحبوب الذي ينتفع به ويتلذذ به، والثاني هو المعين الموصل المحصل لذلك المقصود والمانع لحصول المكروه والدافع له بعد وقوعه.
فهاهنا أربعة أشياء: أمر محبوب مطلوب الوجود، والثاني أمر مكروه مطلوب العدم، والثالث الوسيلة إلى حصول المحبوب، والرابع الوسيلة إلى دفع المكروه، فهذه الأمور الأربعة ضرورية للعبد، بل ولكلِّ حي سوى الله، لا يقوم صلاحه إلاّ بها.
إذا عرف هذا فالله سبحانه هو المطلوب المعبود المحبوب وحده لا شريك له، وهو وحده المعين للعبد على حصول مطلوبه، فلا معبود سواه ولا معين على المطلوب غيره، وما سواه هو المكروه المطلوب بعده، وهو المعين على دفعه، فهو سبحانه الجامع للأمور الأربعة دون ما سواه، وهذا معنى قول العبد{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فإنَّ هذه العبادة تتضمن المقصود المطلوب على أكمل الوجوه، والمستعان هو الذي يستعان به على حصول المطلوب ودفع المكروه، فالأوّل من مقتضى ألوهيّته، والثاني من مقتضى ربوبيّته )) .
10- أهمية الارتباط بالله في جميع الأمور الدينية والدنيوية ،وإذا صح هذا الأمر من العبد قوي يقينه وزاد إخلاصه وعظمت ثقته بالله ،والمؤمن الصادق يصحبه هذا الأمر في كلِّ أحواله وجميع شؤونه، فهو في صلاته وصيامه وحجه وبره وغير ذلك من أمور دينه يطلب الحولَ والقوّة على تحقيق ذلك والقيام به وتتميمه من الله تعالى، وفي جلبه للرزق وطلبه للمباح وغير ذلك من أمور دنياه يطلب الحول والقوة على تحصيل ذلك ونيله من الله تبارك وتعالى، فهو معتمد على الله في جلب حوائجه وحظوظه الدنيوية ودفع مكروهاته ومصائبه، ومعتمد على الله في حصول ما يحبّه هو ويرضاه من الإيمان واليقين والصلاة والصيام والحج والجهاد والدعوة وغير ذلك.
11 – أنّ فيها رداًّ على القدريّة النفاة، الذين ينفون قدرة الله ويجعلون العبد هو الخالق لفعل نفسه دون أن يكون لله عليه قدرة، فقول العبد (( لا حول ولا قوّة إلاّ بالله )) فيه إثبات القدرة والمشيئة لله، وأنّ حول العبد وقوّته إنَّما يكون بالله، ولهذا كانت هذه الكلمة متضمنةً الردّ على القدريّة النافين لذلك.
قال ابن بطال: (( هذا بابٌ جليل في الردّ على القدرية؛ وذلك أنَّ معنى لا حول ولا قوة إلاّ بالله أي: يخلق الله له الحول والقوّة وهي القدرة على فعله للطاعة أو المعصية كما ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنَّ الباري تعالى خالق لحول العبد وقدرته على مقدوره، وإذا كان خالقاً للقدرة فلا شك أنَّه خالق للشيء المقدور)) .
12 – أنَّ فيها رداًّ على الجبرية النافين لمشيئة العبد وقدرته القائلين بأنَّ الإنسان مجبور على فعل نفسه، وأنَّه كالورقة في مهب الريح لا حول له ولا قدرة،فقول (( لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ))متضمنٌ إبطال ذلك وتكذيبه، وذلك لتضمنها إثبات القوّة والحول للعبد، وأنَّ ذلك إنَّما يقع له بمشيئة الله وقدرته{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} .
فهذه بعض دلالات هذه الكلمة العظيمة، وشيء من معانيها الجليلة الدالة على رفعة مكانتها وعظم شأنها وكثرة فوائدها وعوائدها والله تعالى أعلم.
المبحث الرابع: في التنبيه على بعض المفاهيم الخاطئة حول (( لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ))
مر معنا في المباحث السابقة معنى هذه الكلمة العظيمة وشيء من فضائلها، وذكر جملة من دلائلها العقدية، وسيكون الحديث في هذا المبحث عن ذكر بعض المفاهيم الخاطئة المتعلقة بهذه الكلمة سواء في لفظها أو في معناها.
1 – فمن ذلك أنَّ من الناس من يخطئ في استعمال هذه الكلمة فيجعلها كلمة استرجاع ولا يفهم منها معنى الاستعانة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (( وذلك أنّ هذه الكلمة ( أي: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله ) هي كلمة استعانة لا كلمة استرجاع، وكثيرٌ من الناس يقولها عند المصائب بمنزلة الاسترجاع، ويقولها جزعاً لا صبراً )) .
2– ومن ذلك ما حكاه بعض أهل اللغة أنّه يقال فيها ((لا حيل ولا قوّة إلاّ بالله)) .
قال النووي – رحمه الله: (( وحكى الجوهري لغةً غريبة ضعيفة أنَّه يقال لا حيل ولا قوّة إلاّ بالله بالياء ،وقال الحيل والحول بمعنى )) .
3 – ومن ذلك اختصار بعض العوام لها عند نطقها بقولهم ((لا حول الله ))، وهذا من الاختصار المخلِّ، مع ما فيه من الغفلة عن كمال الأذكار الشرعية في مبانيها ومعانيها.
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – عن ذلك فقال: (( كأنّهم يريدون (( لا حول ولا قوّة إلاّ بالله )) فيكون الخطأ فيها في التعبير، والواجب أن تعدل على الوجه الذي يراد بها فيقال (( لا حول ولا قوّة إلاّ بالله)) .
4 – ومن ذلك تحريف معناها عن غير وجهه وصرف دلالاتها عن مقصودها بالتأويلات البعيدة والتحريفات الباطلة، كقول يحيى بن ربيع الأشعري (( فإنَّها – أي كلمة لا حول ولا قوّة إلاّ بالله – توقف على كلِّ جهة ما يليق بها، وتجعل للعبد قدرة كسبية حالية، وتجعل الإسناد للرب سبحانه وتعالى عن كلِّ شريك في ذاته وصفاته وأفعاله، وتثبت الاقتدار من العبد، وتثبت أحوالاً بلا واسطة وقدرة في جبر، وهذا من الحُكْم العجيب جاءهم ليوافق قوله لا حول ولا قوّة إلاّ بالله على نصّها من غير تأويل )) .
قلت: بل هو عين التأويل الباطل، حيث جعل هذه الكلمة دالة على قول الأشاعرة بأنَّ العبد له قدرة غير مؤثرة يسمونها الكسب، ومحصل ذلك تقرير قول الجبرية القائلين بنفي القدرة عن العبد؛ إذ لا فرق بين من يثبت للعبد قدرة غير مؤثرة، وبين من ينفي قدرته أصلاً، ولهذا صرح هنا بأنَّها (( قدرة في جبر )) لأنَّها قدرة غير مؤثرة، وغاية ذلك أنَّ العبد مجبور على فعل نفسه كقول الجهمية سواء، والله أعلم.
http://majles.alukah.net/t4429/
أبو المجد الفراتي
2017-07-29, 10:08 PM
أما قضية التفويض و قول القائل نثبت المعنى و نفوض الكيف فسفسطة لاغير فليس ثم إلا لفظ و معنى و الكيف المتوهم جزء من المعنى فمن أثبت المعنى أثبت معه الكيف ولا بد و من فرق في الكيف فقد فرق في المعنى .
صفة النزول كمثال
لو قال القائل ينزل الله جل و علا نزولا يليق بجلاله و عظيم سلطانه لصدق و بر , لكن قوله (ينزل بذاته) و (ينزل حقيقة) مجاوزة في الحد و تعدي على النص . ثم يقال لهذا القائل هل نزول الله بانتقال أم لا ؟ فإن قال نعم تعدى و اعتدى وإن قال لا قلنا لا يعرف نزول بغير انتقال فإن قال هذا في المخلوقات لا في الخالق و أنا أثبت نزولا بلا انتقال قلنا هذا عين التفويض .
الْقَوْلُ فِي الصِّفَاتِ كَالْقَوْلِ فِي الذَّاتِ; فنحن نعلم أن للّه عزّ وجلّ ذاتاً، ونعلم معنى كلمة ذات (في حقّ الله عزّ وجل)،لكن لا نعلم كيفيتها، وكذلك الْعِلْمُ بِكَيْفِيَّةِ الصِّفَةِ يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ بِكَيْفِيَّةِ الْمَوْصُوفِ.
وكما قال الإمام مالك رحمه الله لما سئل عن الاستواء، قال: (الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة).
مثل في إثبات المعنى ونفى التفويض:
أننا نؤمن أنّ للهّ يَديْن لقوله سبحانه (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) بلا كيف .. وأنهما صفتان لذاته سبحانه ~هذا إثبات معنى~. ولا نقول إنا لا نعلم معنى (يَدان ) كما تقوله المفوضة.
وفي صفة النزول، نؤمن أنّ الله عزّ وجل ينزل بذاته نزولا يليق به، ولا يخلو منه العرش، كما قال الامام أحمد رضي الله عنه. والى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
سامي يمان سامي
2017-07-30, 01:40 AM
هل ( تبديل سيئات التائبين حسنات ) و ( نفي التعذيب قبل بعث رسول ) صفات فعلية؟ فنتعامل معها بنفس الآداب؟ يعني تماما مثلما نتعامل مع صفات الاستواء والرحمة والمحبة ونفي الظلم؟ نفس الآداب أقصد لا نسأل كيف ( كيف يبدل - كيف يوقف التعذيب ) ولا نستشكل ويكون في أنفسنا شيء تجاه أفعال الله سبحانه ( يعني لا نطرح تساؤلات مثل كيف يجعل من أذنب مثل من لم يذنب - وكيف انسان يلقى الله مشركا ثم يدخل الجنة ) ولا نصرفها عن المعنى الظاهر الذي يفهمه المخاطب ( المعنى الذي يفهمه لمذنب المنغمس في المعاصي عندما يقرأ نصوص التبديل فيحث نفسه على التوبة ولا ينخذل بحياته التي أضاعها .. , والمعنى الذي يفهمه الحريص طالب الحق الذي أمضى حياته على فعل خطأ .. ثم علم .. فكاد يموت من الخوف والرعب لا يكاد يستجمع شتات ذهنه ليستغفر .. لكنه عندما يقرأ نصوص الإعذار تهدأ نفسه وتطمئن ويحسن الظن بربه ) ... أليس صرف التبديل والإعذار عن هذه المعاني هو مثل تأويل المحبة والرحمة عن معانيها ؟
محمدعبداللطيف
2017-07-30, 02:12 PM
هل ( تبديل سيئات التائبين حسنات ) و ( نفي التعذيب قبل بعث رسول ) صفات فعلية؟ فنتعامل معها بنفس الآداب؟ يعني تماما مثلما نتعامل مع صفات الاستواء والرحمة والمحبة ونفي الظلم؟ نفس الآداب
جزاك الله خيرا اخى الكريم سامي يمان سامي -نعم ينظر بنفس الآداب وهى تعلق الصفات الفعلية بالحكمة البالغة- يقول ابن القيم: ومن تأمل سريان آثار الأسماء والصفات في العالم تبين له أن مصدر قضاء هذه الجنايات من العبيد وتقديرها هو من كمال الأسماء والصفات، والأفعال، إلى أن قال: فله في كل ما قضاه وقدره الحكمة البالغة والآيات الباهرة-وأكمل الناس عبودية هو المتعبد بجميع الأسماء والصفات التي يطلع عليها البشر، فلا تحجبه عبودية اسم عن عبودية اسم آخر، كمن يحجبه التعبد باسمه (القدير) عن التعبد باسمه (الحليم) و (الرحيم) أو يحجبه التعبد باسمه (المعطي) عن عبودية اسمه (المانع) أو عبودية اسمه الرحيم، العفو الغفور عن عبودية اسمه المنتقم الجبار مثلاً إلى أن قال: هذه طريقة الكمل من السائرين----من آثار الأسماء الحسنى والصفات العلى تلك المعاني التي يجدها العبد في عبوديته القلبية التي تثمر التوكل على الله والاعتماد عليه وحفظ جوارحه وخطرات قلبه وضبط هواجسه حتى لا يفكر إلا في مرضاته يرضى لله ويحب لله وفي الله، به يسمع وبه يبصر ومع ذلك هو واسع الرجاء وحسن الظن بربه وهما أثران من آثار معرفته لجوده وكرمه وبره وإحسانه، وإنه عفو يحب العفو وإنه واسع الرحمة.--هكذا يظهر جلياً آثار أسمائه العفو الغفار التواب الحليم اللطيف، وأن الذي تقتضيه حكمته سبحانه أنه يقدر الأرزاق والآجال وغيرها لحكمة يعلمها ولا يعلمها غيره، لأنه لا يفعل ما يفعل ولا يقدر إلا لحكمة، وكذلك تقدير الذنوب والمعاصي. إنما يقدرها ويبتلي بها عباده لحكمة خفية ولطيفة.
ولعل من الحكم في تقديرها - والله أعلم- حبه تعالى لعبودية التوبة والإنابة، والقضاء على داء الإعجاب والكبر والأنانية ليعرف العبد قدر نفسه وأنه ليس بشيء إلا بالله وأنه لا حول له ولا قوة إلا بالله، ولو لم يحفظه لهلك في يد عدوه (الشيطان) وإن لم تدركه رحمة ربه لبقي أسيراً في قبضة عدوه، ولكن الله اللطيف الغفار هو الذي ينقذه ويخلصه من الأسر إذا قرع بابه
أقصد لا نسأل كيف ( كيف يبدل - كيف يوقف التعذيب ) ولا نستشكل ويكون في أنفسنا شيء تجاه أفعال الله سبحانه ( يعني لا نطرح تساؤلات مثل كيف يجعل من أذنب مثل من لم يذنب - وكيف انسان يلقى الله مشركا ثم يدخل الجنة )أهل السنة والجماعة يثبتون التعليل في أفعال الله - عز وجل -، وأن أفعال الله سبحانه وتعالى الكونية وأوامره الكونية والشرعية كلها مرتبطة بحكم عظيمة كما قال سبحانه {حكمة بالغة فما تغن النذر} -- يقول الشيخ صالح ال الشيخ-أن الله سبحانه وتعالى يفعل الفعل لعلة، ويأمر بالأمر لعلة.
وهذه العلة هي حكمته - عز وجل - لإيجاد ذلك الشيء.
وهذا في الأمور الكونية وفي الأمور الشرعية.
فما أحدثه الله - عز وجل - في ملكوته أمرا فحدث فله حكمة - عز وجل - من إيجاده.
وما أمر الله - عز وجل - به في الشرع من الأحكام التشريعية أو نهى عنه فهو لعلة.
فالله سبحانه يأمر في الشرع بما مصلحته راجحة أو تامة، وينهى في الشرع عن ما مفسدته تامة أو راجحة.
فإذا أهل السنة والجماعة يثبتون التعليل في أفعال الله - عز وجل -، وأن أفعال الله سبحانه وتعالى الكونية وأوامره الكونية والشرعية كلها مرتبطة بحكم عظيمة كما قال سبحانه {حكمة بالغة فما تغن النذر}[القمر:5].
إذا تبين ذلك ففي القرآن إثبات أفعال الله - عز وجل - معللة، وتنزيه الله - عز وجل - عن أن يفعل الفعل لا لعلة كما قال سبحانه {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين(16) لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين(17) بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق}[الأنبياء:16-18].
وقال أيضا - عز وجل - للسموات والأرض {ما خلقناهما إلا بالحق}[الدخان:39]، وقال - عز وجل - {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير}[الحج:62]، وفي الأشياء الشرعية -الأوامر والنواهي- الأدلة على التعليل كثيرة جدا جدا.
المقصود من هذا أن الله سبحانه وتعالى إذا كانت أفعاله معللة، فأفعاله - عز وجل - لم يفعلها في مخلوقاته مباشرة دون وسائط؛ بل جعل الله - عز وجل - إيصال الفعل إلى نهايته منوطا بأسباب، وكل سبب يحدث مسببا.
ولهذا قال أهل السنة بإثبات التعليل في أفعال الله - عز وجل - والأسباب.--
لا نطرح تساؤلات مثل كيف يجعل من أذنب مثل من لم يذنب - وكيف انسان يلقى الله مشركا ثم يدخل الجنة ---يقول الشيخ بن عثيميين- ردا على السفارينى فى قوله-جاز للمولى يعذب الورى من غير ما ذنب ولا جرم جرى
قولاً باطلاً مخالفاً للكتاب والسنة، ومخالفاً لما تقتضيه أسماء الله وصفاته، وأما التعليلان المذكوران فهما أيضاً غير صحيحين بالنسبة لهذه المسالة؛ لأنه إذا قال: كل فعل من أفعال الله فهو جميل، قلنا: لا جميل في تعذيب المطيع، وإذا قال: لأنه عن فعله لا يسأل، قلنا: هذا في منع السبب المقتضي للثواب أو العقاب، فإذا هدى شخصاً وأضل شخصاً فإنه لا يسأل، لكن إذا وجد الضلال أو الهدى فإنه لابد أن يترتب عليهما مقتضاهما من ثواب في الهدى، وعقاب في الضلال.
ثم قال المؤلف رحمه الله:
فإن يثب فإنه من فضله وإن يعذب فبمحض عدله
(إن يثب) يعني إن يثب المطيع فإنه من فضله، وهذا صحيح؛ فهو سبحانه إذا أثاب المطيع فإن ذلك فضله، ولكن هذا الفضل أوجبه الله على نفسه، وإذا كان الله أوجبه على نفسه فلا يمكن أن يتخلف هذا الموجب، ولهذا فإن قول المؤلف: (فإن يثب فإنه من فضله) حق وصدق، فإن الله إن يثب فهو من فضله، بل إن الله عز وجل يثيب على العمل أكثر من العمل، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، فعشر الأمثال ثابتة وما زاد فهو نافلة وهو فضل الله عز وجل.
ونحن نسلم بهذا ولكننا نقول: هذا الفضل كان واجباً على الله بإيجابه إياه هو على نفسه سبحانه وتعالى، فهو الذي أوجب على نفسه أن يثيب المطيع، وإذا كان لكرمه عز وجل أوجب على نفسه أن يثيب المطيع فإن هذا الإيجاب لن يتخلف، لأنه لو تخلف - وحاشاه من ذلك - لكان مخلفاً للميعاد، والله عز وجل لا يخلف الميعاد، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ) (فصلت: الآية 46) ، وقال تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (الزلزلة: 7)) فلابد أن يوجد هذا الذي وعد الله به.
ثم إن الله يثبت فإنه من فضله، سواء أثاب المطيع على عمله بالطاعة، أو عفا عن المجرم، فإن عفوه عن المجرم يعتبر إثابة؛ لأن ترك العقوبة إحسان، وإذا عفا عن المجرم فهو بفضله، والعفو عن المجرم محتمل إلا إذا كان الإجرام شركاً، ودليله قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (النساء: الآية 48) .
وقوله: (وإن يعذب فبمحض عدله) وهذا صحيح؛ لأن الله إذا عذب فبعدله، لكن متى يكون العذاب عدلاً؟ نقول: إذا وجد سببه صار عدلاً، أما إذا لم يوجد فإنه يكون ظلماً.
وظاهر كلام المؤلف: (أن يعذب) مطلقاً، لقوله: (وجاز للمولى يعذب الورى) ولكننا نقول: إن هذا الظاهر إن كان مراداً للمؤلف فهو غير صحيح وإن أراد بقوله (إن يعذب) على الإساءة فهذا صحيح، فإنه إن يعذب على الإساءة فبمحض العدل، لأنه لا يعذب على الإساءة إلا بمثل السيئة، قال تعالى: (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (الأنعام: الآية 160) يعني لو جزي بأكثر لكان ظلماً ولكنهم لا يظلمون.وانظر إلى تمام العدل وتمام الفضل أن السيئة بمثلها لا تزيد، والحسنة بعشر أمثالها، والعدل أن تكون الحسنة بمثلها، أو السيئة بعشر أمثالها، لكن ليتبين فضل الله صارت الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها، ومع ذلك فإن هذه السيئة قابلة للمغفرة، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (النساء: الآية 48) أما ثواب الحسنة فهو غير قابل للإسقاط، فإن لم يزد لم ينقص، وهذا أيضاً يظهر به تمام فضل الله عز وجل؛ حيث إن السيئة بسيئة قابلة للعفو، والحسنة بعشر أمثالها غير قابلة للنقص، بل هي باقية، وما زاد على العشر يمكن أن يكون إلى سبعمائة ضعف، بل إلى أضعاف كثيرة.
إذا قوله: (إن يعذب فبمحض عدله) قول صحيح إن أراد به من أساء، أما إن أراد به - حتى من أحسن - فليس بصحيح؛ لأنه لو عذب المحسن لكان هذا ظلماً، والله عز وجل منزه عن الظلم.
وقول المؤلف: (إن يعذب فبمحض عدله) أراد بذلك الاحتجاج لقوله، وفي الحقيقة أنه حجة عليه؛ لأننا نقول: التعذيب يكون عدلاً إذا وجد سببه وإذا لم يوجد سببه فليس بعدل[شرح السفارينية]
سامي يمان سامي
2017-07-30, 04:56 PM
جأهل السنة والجماعة يثبتون التعليل في أفعال الله
نعم صدقت, وأنا أثبت التعليل والحكمة , إنما أنني لما قرأت السؤالين: "كيف يجعل من أذنب مثل من لم يذنب" ( قرأته في موضوع سابق لك نقلا عن ابن القيم رحمه الله ) , والسؤال الثاني " كيف لا يعذب من لاقاه مشركا" أقرأه دائما في احتجاجات منكري أهل الفترة .. أفهم من هذه الاسئلة الاعتراض على ظاهر تبديل الحسنات سيئات ( في الصفة الأولى ) والاعتراض على ظاهر الإعذار وعدم التعذيب ( في الصفة الثانية ) وليست بحثا عن حكمة وتعليل .. وأتعجب كيف تمر هكذا بدون أن ينكرها أحد .. لأنها فظيعة .. تذكرني بقول الذي قال كيف اسجد له وانا من نار .. أو قول الآخر والله لا يغفر الله لك .. لكن إن كنت تقصد في تساؤلك "كيف يجعل من أذنب مثل من لم يذنب" بحثا عن تعليل وحكمة فالحمدلله زال إشكالي في هذا السؤال .. وبقي إشكالي مع من لا يعذرون بالجهل ..
هؤلاء ( أي الذين لا يعذرون بالجهل ).. أتعجب كيف الردود عليهم لا تتناسب مع عظم جرمهم .. لماذا لا يتم الرد والإغلاظ عليهم مثل الرد على منكري العلو والاستواء ومأولي الرحمة والمحبة.. بل إنهم يُحاورون ويُجادلون كأنهم غلطوا في مسألة فقهية فرعية .. ولهذا تمادوا وظنوا أنهم على شيء .. لكنهم في الحقيقة تجاوزوا المشبهة .. فإن كان المشبهة ينسبون إلى الرب صفات المخلوقين .. فهؤلاء ينسبون إليه صفة ينزهون عنها المخلوقين .. لو أعطيته مثالا عن مدير في إحدى الدوائر .. تمدح بأنه لا يعاقب على مخالفة قرار إلا بعد أن يصدر هذا القرار .. ثم عاقب موظفا .. ولما سأله الموظف كيف ولم يصلني القرار .. قال المدير نعم اصدرت القرار وكتبته ثم وضعته في الدرج .. وها أنا ذا أعاقبك على مخالفته .. هذه المسألة نستقبحها في المخلوق .. هي ذاتها التي ينسبونها للرب لما ينفون الإعذار ويؤلون المعنى الظاهر من (نفي التعذيب قبل بعث الرسول) .. إنما دخلوا في تفريعات الفطرة وغيرها ونسوا المسألة العظيمة الأهم .. سواء خلق الله الفطرة أم لم يخلقها .. إذا تمدح الرب بصفة فإن تأويلها بعد التمدح أشد وأفظع من نفيها قبل التمدح .. لأنها تجمع نفي الصفة مع نسب الخداع والكذب للرب تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .. لو إنسانا سكت ولم يقل شيء .. لكان قول القائل: هذا الرجل لا يعطي شيئا .. مذمة .. لكن إذا تمدح هذا الإنسان بأنه كريم .. فقال القائل: نعم هو كريم وسيعطيك ألف ريال ثم يسترجعها منك في نفس الوقت .. هذا القول الثاني أفظع من الأول وأذم .. وهذه هي حقيقة قولهم عندما أولوا بعث الرسول وإقامة الحجة الرسالية بشتى التأوليات .. . قولهم شنيع جدا مثل السب والشتيمة .. لكن الرد عليها لم يكن بنفس درجة فظاعة قولهم لهذا تمادوا وفتنوا الناس .. صحيح أنني جاهل ومبتدئ والمفروض ألا أخوض في هذه المسائل .. لكن هذه المسألة " الإعذار بالجهل" مسألة مهمة جدا في عبادتي لربي .. لأنني أعاني من تلبيس عقل وتلبيس نفس وشيطان بصورة لا أجد نظيرها عند أحد .. ولولا أني أعلم أن ربي يعذر بالجهل لما استطعت أن أتحرك خطوة إلى الأمام ولا تجرأت أن أقول كلمة واحدة.. ولقد قرأت عن الخلاف في هذه المسألة الشيء الكثير .. ولقد كنت أحوقل واسترجع وأتوتر جدا عندما أقرأ ردود طلبة العلم كأن الخلاف فيها سائغ ومعتبر .. لماذا لا يراها الناس مثلما أراها؟ .. أنها مسألة صفة لأفعال الرب .. والغلط فيها مثل الغلط في العلو والاستواء ونفي الظلم .. وليست مسألة زيد أو عبيد أشرك ويجب أن يجازى على شركه أو لا يجازى وهل علم زيد أو جهل .. لهذا كان موضوعك فرصة لأطرح تساؤلي وإشكالاتي .. عندي كلام كثير في هذا لكن أتهيب قوله .. لكني أكره جدا .. وأتأزم نفسيا وتتوقف حياتي عندما أقرأ كلاما لأناس ينتسبون إلى العلم والسلف .. ينسبون إلى الرب أفعال أو ينفون عنه أفعال .. ثم أجد أن تطبيق أثر تلك الصفة التي ينسبونها مستحيل على أرض الواقع .. كيف يتحرك الإنسان حركة واحدة إذا كان 1)يعلم أنه إنسان يطرأ عليه الجهل والخطأ ومن ضمنها أفعال الكفر .. ثم 2) يزعم أن ربه لا يعذر بالجهل وفي نفس الوقت 3)يعلم أن مصير الكفر نار جهنم خالدا مخلدا فيها .. كيف يجرؤ على فعل حركة واحدة أو نطق كلمة إذا اجتمعت هذه القواعد في عقله ؟.. حالة مستحيلة! إلا إن كان لا يأخذ تقعيداته التي يسطرها في صفحات النت على محمل الجد ويجعلها مجرد "مدارسة" و "لذة العلم" ..
أخي كما قلت لك أنا جاهل ومبتدئ .. لكن عندي هذه الأفكار التي سطرتها وكنت أخاف التكلم فيها خوفا من القول على الله بلا علم .. لأنه سبق وأن قلت على الله بلا علم .. وظننت أني أدافع عن دين الله وعن صفات الله .. لكن لاختلاط عقلي بالفلسفة وثقافة الغرب ولغلبة الغرور والعجب بنفسي وقعت في أغلاط شنيعة بل كانت كفرا .. ولما اكتشفتها جاءني وسواس شديد فصرت أخاف أن أتكلم بشيء .. لأن نفسي خدعتني سابقا وصورت لي الكفر والتألي على الله دفاعا عن دين الله وانتصارا للإسلام على العلمانية .. فمالذي يضمن لي أنها لن تخدعني لاحقا وتصور لي كفرا آخر بأنه عقيدة السلف؟ ... ولهذا أنا بين شيئين .. بين استحساني وفرحي بالنتائج التي أصل إليها وأطمئن إليها من قرائتي لعقيدة السلف... وبين الخوف من التصريح بها ( اي النتائج وآثار الصفات ) والعمل بمقتضاها خوفا من الكلام على الله بغير علم .. أنما أقرأ النصوص ( خصوصا نصوص صفات الرب وأفعاله ) وأفهم وأعتقد لكن أخفي في صدري ولا أمحص وأسأل خوفا من الغلط خوفا من التكلم ..حتى السؤال في منتدى أخاف منه لأني أبدأ الكتابة كأني أسأل وينتهي بي الأمر أن أقرر معتقدا .. ثم آتي يوم القيامة أُسأل عنه .. أو قد يضل بسببه من يقرأه .. أو يكون سؤالي فيه شبهة تؤثر في طالب علم وتصرفه عن الحق ..وغيرها من المخاوف .. وهكذا ظللت عشر سنين لوحدي مع أفكاري ومع نفسي والشيطان .. ولك أن تتصور دهاليز الوسواس التي دخلتها .. خوفي ورهبتي من العلم والكلام فيه جعلني انصرف عنه إلى اشياء أخرى انغمست فيها حتى فسد عقلي وفسد القياس وفسدت الفطرة وفسد كل شيء .. .. الآن يجب أن أمحص معتقداتي وأخزي الشيطان.. لأني أعلم يقينا أنه ليس في حياتي أي شيء ذو أهمية إلا هذه المعتقدات في قلبي إن كانت سليمة نجوت .. أخي هل في الكلام الذي قلته عن غلط؟ أو فيه سوء ادب مع الله؟ أو فيه كفر أو معصية؟ أو فيه تأويل أو أي شيء لا يجوز .. لا تبخل على أخيك بأي نصيحة وملاحظة ..
محمدعبداللطيف
2017-07-30, 07:15 PM
أفهم من هذه الاسئلة الاعتراض على ظاهر تبديل الحسنات سيئات ( في الصفة الأولى )جزاك الله خيرا اخى الكريم سامي يمان سامي--- الكلام على هذه المسألة استوفينا الكلام عليه على هذا الرابط[تبديل السيئات حسنات] (http://majles.alukah.net/t160858/)
والاعتراض على ظاهر الإعذار وعدم التعذيب ( في الصفة الثانية ) وليست بحثا عن حكمة وتعليل قد بينا فى مواضيع اخرى ان الاعذار لكمال اوصافه وحكمته سبحانه وتعالى وانه جل وعلا تمدح بكمال الإنصاف ، وأنه لا يعذب حتى يقطع حجة المعذب بإنذار الرسل في دار الدنيا ، لأن ذلك الإنصاف الكامل ، والإعذار الذي هو قطع العذر علة لعدم التعذيب ، فلو عذب إنسانا واحدا من غير إنذار لاختلت تلك الحكمة التي تمدح الله بها ، ولثبتت لذلك الإنسان الحجة التي أرسل الله الرسل لقطعها ، كما بينه بقوله : رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=890&idto=890&bk_no=64&ID=754#docu)الآية [ 4 \ 165 ] ، وقوله : ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=890&idto=890&bk_no=64&ID=754#docu)----يقول ابن القيم رحمه الله : والله يقضي بين عباده يوم القيامة بحكمه وعدله ولا يعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل. -و يقول ابن القيم رحمه الله :
" فهو يحب أن يُعذَر على عقاب المجرمين المخالفين لكتبه ورسله ، ولا يلام على ذلك ، ولا يذم عليه ، ولا ينسب فيه إلى جور ولا ظلم ، كما يحب أن يُحمد على إحسانه وإنعامه وأياديه عند أوليائه وأهل كرامته . وحمده متضمن هذا وهذا ، فهو محمود على عدله في أعدائه وإحسانه إلى أوليائه ، كما قال تعالى : (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الزمر/75 ، فأخبر عن حمد الكون أجمعه له عقيب قضائه بالحق بين الخلائق ، وإدخال هؤلاء إلى جنته وهؤلاء إلى ناره ، وحذف فاعل الحمد إرادة لعمومه وإطلاقه ، حتى لا يسمع إلا حامد له من أوليائه وأعدائه ، كما قال الحسن البصري : لقد دخلوا النار وإن حمده لفي قلوبهم ، ما وجدوا عليه حجة ولا سبيلا ، وهو سبحانه قد أعذر إلى عباده ، وأقام عليهم الحجة " انتهى من " الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة " (4/1496).
--ويقول بن القيم رحمه الله- أن العذاب يستحق بسببين، أحدهما: الإعراض عن الحجة وعدم إرادتها والعمل بها وبموجبها، والثاني: العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها، فالأول كفر إعراض، والثاني كفر عناد، وأما الجهل مع عدم قيام الحجة، وعدم التمكن من معرفتها، فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل- .
وبقي إشكالي مع من لا يعذرون بالجهل ..
هؤلاء ( أي الذين لا يعذرون بالجهل ).. يقول الشيخ صالح آل الشيخ: (وهنا خاض قوم من المعاصرين خوضاً سيئاً في منهج الدعوة، هل كان منهج دعوة الشيخ محمد وأئمة الدعوة هل كانوا يعذرون بالجهل أو لا يعذرون بالجهل؟ ونحو ذلك من الألفاظ، وهذه لم تكن أصلاً عندهم بهذا اللفظ؛ نعذره بالجهل أو لا نعذره، وإنما كانت المسألة مرتبطة بأصل شرعي آخر وهي: هل بلغته الحجة؟ أو لم تبلغه الحجة؟ والحجة المناسبة وغير المناسبة) ا. هـ [محاضرة منهج الإمام محمد بن عبد الوهاب في العقيدة] ويقول -.فرقٌ بين شرطنا لإقامة الحجة، وبين الامتناع من الحكم بالشرك، من قام به الشرك الأكبر فهو مشرك ترتب عليه آثار ذلك الدنيوية، أنه لا يستغفر له ولا تؤكل ذبيحته ولا يضحى له ونحو ذلك من الأحكام، وأما الحكم عليه بالكفر الظاهر والباطن فهذا موقوف حتى تقام عليه الحجة، فإن لم تقم عليه الحجة فأمره إلى الله – جل وعلا -.
هذا تحقيق كلام أهل العلم في هذه المسألة وهي مسألة مشهورة دقيقة موسومة بمسألة العذر بالجهل). [شرح مسائل الجاهلية/ الشريط الرابع] -----------------ويقول الشيخ صالح آل الشيخ: (فإن المتلبس بالشرك يُقال له مشرك سواءً أكان عالما أم كان جاهلاً، والحكم عليه بالكفر يتنوع:
فإن أُقيمت عليه الحجة؛ الحجة الرسالية من خبير بها ليزيل عنه الشبهة وليُفهمه بحدود ما أنزل الله على رسوله التوحيد وبيان الشرك فتَرَك ذلك مع إقامة الحجة عليه فإنه يُعدّ كافرا ظاهراً وباطناً.
وأما المعرض فهنا يعامل في الظاهر معاملة الكافر، وأما باطنه فإنه لا نحكم عليه بالكفر الباطن إلا بعد قيام الحجة عليه؛ لأنه من المتقرر عند العلماء أن من تلبس بالزنا فهو زان، وقد يؤاخذ وقد لا يؤاخذ، إذا كان عالماً بحرمة الزنا فزنى فهو مؤاخذ، وإذا كان أسلم للتو وزنى غير عالم أنه محرم فالاسم باق عليه؛ لكن -يعني اسم الزنا باق أنه زانٍ واسم الزنا عليه باق- لكن لا يؤاخذ بذلك لعدم علمه.
وهذا هو الجمع بين ما ورد في هذا الباب من أقوال مختلفة.
إذا تمدح الرب بصفة فإن تأويلها بعد التمدح أشد وأفظع من نفيها قبل التمدح .. لأنها تجمع نفي الصفة مع نسب الخداع والكذب للرب تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا نعم صحيح جزاك الله خيرا----------------------
الله جل جلاله هو الذي يحكم في خلقه كما أراد، ولا يحتاج لشاهد قد يخطئ أو يقول زوراً، بل سبحانه وتعالى يعلم كل شيء، ولا تخفى عليه خافية لذلك فحكمه الحق والعدل، قال تعالى : ( فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ الله بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ) الأعراف : 87 فلم يزل حكيماً قبل أن يحكم، ولا ينبغي ذلك لغيره
وهو سبحانه وتعالى ( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?bk_no=49&ID=1679&idfrom=1638&idto=1661&bookid=49&startno=6#docu) ) يخبر تعالى عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء ، جليلها وحقيرها ، صغيرها وكبيرها ، دقيقها ولطيفها ، فإنه تعالى يعلم العين الخائنة وإن أبدت أمانة ، ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر، ، وقال تعالى : ( مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدً ) الكهف : 26
فهو سبحانه الحاكم النافذ حكمه في ملكه ؛ الذي لاراد لقضائه , ولا معقب لحكمه وهو الحكم بين عباده , المظهر الحق من الباطل , المنتصف للمظلوم من الظالم , لايقع في وعده ريب, ولا في فعله عيب ,
الله عز وجل هو الذي يحكم بين عباده بعدله وقسطه فلا يظلم مثقال ذرة ، ولا يحمل أحداً وزر أحد، ولا يجازي العبد بأكثر من ذنبه ويؤدي الحقوق إلى أهلها. فلا يدع صاحب حق إلا وصل إليه حقه . وهو العدل في تدبيره وتقديره، وأفعاله كلها جارية على سنن العدل والاستقامة ليس فيها شائبة جور أصلاً، فهي كلها بين الفضل والرحمة، وبين العدل والحكمة . فإنه لا يأخذ إلا بذنب، ولا يعذب إلا بعد إقامة الحجة ، وأقواله كلها عدل، فهو لا يأمر إلا بما فيه مصلحة خالصة أو راجحة. ولا ينهى إلا عما مضرته خالصة أو راجحة وكذلك حكمه بين عباده يوم فصل القضاء، ووزنه لأعمالهم عدل لا جور فيه. قال تعالى : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين } ------ويقول بن القيم رحمه الله
وقال أهل السنة والحديث ومن وافقهم: الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وهو سبحانه حكم عدل، لا يضع الشيء إلا في موضعه الذي يناسبه ويقتضيه العدل والحكمة والمصلحة، وهو سبحانه لا يفرق بين متماثلين ولا يساوي بين مختلفين، ولا يعاقب إلا من يستحق العقوبة، ويضعها موضعها لما في ذلك من الحكمة، ولا يعاقب أهل البر والتقوى. اهـ.
سامي يمان سامي
2017-07-30, 08:09 PM
الحمدلله .. ما أجمل هذا الكلام .. مثل صب الماء البارد على قلب ملتهب .. جعله الله في ميزان حسناتك.
سامي يمان سامي
2017-07-30, 08:15 PM
الله يسعدك مثلما اسعدتني .. ياخي الذي تكتبه وتنقله يجلب الفرح والسرور والطمأنينة.
محمدعبداللطيف
2017-07-30, 09:33 PM
الله يسعدك مثلما اسعدتني .. ياخي الذي تكتبه وتنقله يجلب الفرح والسرور والطمأنينة.بارك الله فيك أخى الكريم سامى يمان سامى
اسعدك الله في الدارين
حفظك الله من كل ما يؤرقك
وانار الرحمن دربك بالايمان
وشرح صدرك بالقران
ورفع الله قدرك بين خلقه
وغفر ذنبك وفرج همك ونفس كربك وابدل عسرك يسرا واتاك سؤلك ورزقك رؤيته وسقاك من حوض نبيه واعانك على ذكره وشكره وحسن عبادته وثبت قلبك على دينه وصرفه على طاعته ورزقك الله نفسا مطمئنه بلقائه وتقنع بعطائه وترضى بقضائه وجعل عملك صالحا ولوجه خالصا وجعلك من الصفوه الذين يدخلون الجنه بغير حساب ولاعقاب .
أبو البراء محمد علاوة
2017-07-31, 02:03 PM
الله يسعدك مثلما اسعدتني .. ياخي الذي تكتبه وتنقله يجلب الفرح والسرور والطمأنينة.
أسعدك الله، وبارك الله فيك، وفي الأخ الفاضل: محمد عبداللطيف، ودام بيننا الحب والسرور.
محمدعبداللطيف
2017-08-01, 12:24 PM
أسعدك الله، وبارك الله فيك، وفي الأخ الفاضل: محمد عبداللطيف، ودام بيننا الحب والسرور.أسعدك الله، وبارك الله فيك أخى الكريم أبو البراء محمد علاوة
أبو البراء محمد علاوة
2017-08-01, 03:27 PM
أسعدك الله، وبارك الله فيك أخى الكريم أبو البراء محمد علاوة
آمين، وإياكم يالحبيب
عصام البجائي
2017-08-02, 12:10 PM
نرجو من الإخوة إن رغبوا في المناقشة و التعاون على البر و التقوى أن لا يستكثروا من النقول الطويلة المبسوطة .
قلنا إن مسألة تعليل أفعال الخالق مسألة أخرى , و الحديث إنما هو عن ما سماه البعض بالصفات ذوات السبب قائلا : إنها متى وجدت أسبابها وجدت , فنرجو من الإخوة أن يجيبوا من يسأل فيقول : أيكون ضحك البارئ جل و علا بإرادته أم بغير إرادته ؟
محمدعبداللطيف
2017-08-02, 02:01 PM
أيكون ضحك البارئ جل و علا بإرادته أم بغير إرادته ؟يكون بإرادته عِنْدَ وُجُودِ مُقْتَضِيهِ وسببه، وَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يَضْحَك مِنْهُ.--عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ ، وَقُرْبِ غِيَرِهِ ) قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَ يَضْحَكُ الرَّبُّ، قَالَ: (نَعَمْ) ، قُلْتُ: لَنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا "و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَضْحَكُ مِنْ إِيَاسَةِ الْعِبَادِ وَقُنُوطِهِمْ ، وَقُرْبِهِ مِنْهُمْ ) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، أَوَ يَضْحَكُ رَبُّنَا؟ قَالَ: (أَيْ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّهُ لَيَضْحَكُ) ، قَالَ: فَقُلْتُ إِذًا لَا يَعْدِمُنَا مِنْهُ خَيْرًا إِذَا ضَحِكَ " حسنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، في " مجموع الفتاوى " (3/ 139) ، وحسنه – أيضا – بطرقه : الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" (2810) ، وانتصر لذلك ابن القيم بقوة ، قال رحمه الله :
" هَذَا حَدِيثٌ كَبِيرٌ جَلِيلٌ ، تُنَادِي جَلَالَتُهُ وَفَخَامَتُهُ وَعَظَمَتُهُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِشْكَاةِ النُّبُوَّةِ ، لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن المدني ، وَرَوَاهُ أَئِمَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي كُتُبِهِمْ ، وَتَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ ، وَقَابَلُوهُ بِالتَّسْلِيمِ وَالِانْقِيَادِ ، وَلَمْ يَطْعَنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِيهِ ، وَلَا فِي أَحَدٍ مِنْ رُوَاتِهِ ...-------------- واعكس عليك السؤال اخى الكريم عصام البجائي هل يضحك الله جل وعلا بلا مقتضى وسبب- وأرجو الاجابة كما أجبتك
عصام البجائي
2017-08-02, 03:17 PM
لو صح حديث أبي رزين لكان قاضيا لكنه حديث ضعيف و تحسين الألباني بمجموع الطرق فيه ما فيه , قال الألباني في السلسلة الصحيحة
(2810) : (هذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات رجال مسلم غير وكيع بن عدس، ويقال: " حدس " بالحاء بدل العين، قال الذهبي في " الميزان ":" لا يعرف، تفرد عنه يعلى بن عطاء ". وقال الحافظ في " التقريب ": " مقبول ". قلت: يعني عند المتابعة كما نص عليه في المقدمة، وقد توبع كما يأتي.)انتهى كلام الألباني .
فهذا تضعيف للطريق الأولى المشهورة عن وكيع بن حدس , أما المتابعة فقال الألباني بعد ذلك بأسطر( والآن جاء وقت تخريج المتابع فأقول : رواه عبد الرحمن بن عياش السمعي الأنصاري القبائي - من بني عمرو بن عوف - عن دلهم بن الأسود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي عن أبيه عن عمه لقيط بن عامر - قال دلهم: وحدثنيه أبي: الأسود عن عاصم بن لقيط أن لقيطا خرج وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. الحديث بطوله في صفحتين كبيرتين، وفيه مرفوعا: " وعلم [الله] يوم الغيث يشرف عليكم، آزلين مشفقين، فيظل يضحك قد علم أن غيركم إلى قرب ". قال لقيط: لن نعدم من رب يضحك خيرا. أخرجه عبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " (4 / 13) و " السنة " (1120) هكذا، وابن خزيمة في " التوحيد " (122 - 125) والطبراني في " المعجم الكبير " ( 19 / 211 - 214) وليس لابن خزيمة إسناد دلهم الثاني عن عاصم بن لقيط، وهو للطبراني دون الأول، ولذلك قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 340) : " رواه عبد الله والطبراني بنحوه، وأحد طريقي عبد الله إسنادها متصل، ورجالها ثقات، والإسناد الآخر وإسناد الطبراني مرسل عن عاصم بن لقيط أن لقيطا... ". قلت: وقوله: ".. ثقات "فهو من تساهله الذي عرف به، فإن كلا من عبد الرحمن السمعي ودلهم بن الأسود وأبيه ثلاثتهم لا يعرفون إلا بهذا الإسناد ، وقد صرح الذهبي في " الميزان " في ترجمة دلهم بأنه لا يعرف. وأشار فيه إلى أن الآخرين كذلك، لأنه ليس لهما إلا راو واحد. نعم نقل الحافظ في ترجمةالأسود عن الذهبي أنه قال فيه: " محله الصدق ". ولا أدري وجهه، وقد قال الحافظ فيه وفي كل من الآخرين: " مقبول ". وثلاثتهم تفرد بتوثيقهم ابن حبان(4 / 32 و 6 / 291 و 7 / 71) وهو عمدة الهيثمي في قوله السابق! من أجل ذلك كنت ضعفت هذا الإسناد في حديث الرؤية المشار إليه في الطريق الأولى، ولكنني حسنت متنه لمجموع الطريقين كما تراه مخرجا في " ظلال الجنة " (459) ...) انتهى كلام الألباني . فانظر كيف جعل سلسلة من المجاهيل متابعا لوكيع بن حدس , فالإسناد الثاني الذي عده متابعة إسناد ساقط لا عبرة به, ولبعض المتأخرين طرق عجيبة في التقوية بما يسمونه متابعات و شواهد .
أما قول ابن القيم فقال الألباني بعد ذلك بأسطر (والخلاصة أن الحديث بمجموع الطريقين حسن عندي، ولعله الذي يعنيه
ابن تيمية بقوله: " حديث حسن " في " العقيدة الواسطية " بخلاف ابن القيم فقد صحح الحديث بطوله في " زاد المعاد " في (الوفود) وقال: " هذا حديث كبير جليل، تنادي جلالته وفخامته وعظمته على أنه قد خرج من مشكاة النبوة.. "! قلت: ثم ذكر من رواه من الأئمة، ولم يعرج على الكلام على أحد من رواته المجهولين، وبمثل ذاك الكلام الخطابي لا تصحح الأحاديث!..) انتهى كلام الألباني.
أما جوابا على سؤالك أخي فأقول (الله يضحك بإرادته متى شاء وجد السبب أم لم يوجد ) , و الإشكال في مثل هذه الصفات التي يسمونها ذوات الاسباب أن إثبات معانيها المعروفة يؤدي إلى القول بأنها تكون دون إرادة الله فالضحك و الغضب و الرضى صفات انفعالية أي سببها خارج عن إرادة محلها , و كثير من العلماء ينزه الله عن هذا بل بعض هذا مروي عن السلف قال الدارمي في الرد على المريسي : (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أبنا سُفْيَانُ قَالَ: "مَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا فَأَبْغَضَهُ، وَمَا أَبْغَضَ عَبْدًا فَأَحَبَّهُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْبُدُ الْأَوْثَانَ وَهُوَ عبد الله ) هذا تصحيف و الصحيح "وهو عند الله سعيد" كما أخرجه أبونعيم فِي الْحِلْية 29/7 قَالَ: حَدثا سُلَيْمَان بن أَحْمد ثَنَا أَحْمد بن عَليّ الْخُزَاعِيّ ثَنَا مُحَمَّد بن كثير، قَالَ: قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: "مَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا فَأَبْغَضَهُ، ومَا أبغضه فَأَحَبَّهُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْبُدُ الْأَوْثَانَ وَهُوَ عِنْد الله سعيد" و ماقال سفيان هذا إلا تنزيها لله جل وعلا من أن يكون في ملكه ما لا يعلمه .
محمدعبداللطيف
2017-08-02, 11:03 PM
لم تجب على السؤال اخى الكريم عصام البجائى هل صفة الضحك او الغضب او الفرح والرضا والكراهيه والحب والمقت و غيرها من الصفات الفعلية الثابتة يفعلها الله بلا مقتضى وسبب ارجوا الاجابة على السؤال واليك بعض الصفات الفعلية من القرآن حتى لا تحتج بالضعف- -كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ-----كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ -وقوله: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ -وقولـه تعالى: وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّـهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [النور: 9].
2- وقولـه: كلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى [طه: 81].
3- وقولـه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ [الممتحنة: 13].
· الدليل من السنة:
1- حديث: ((إنَّ رحمتي غلبت غضبي)) (2) .
2- حديث الشفاعة الطويل، وفيه: ((إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله...) أيكفيك هذا اخى الكريم عصام البجائى-السؤال أيغضب الله بلا مقتضى وسبب----وقال الحافظ ابن القيم: (والعذاب إنما ينشأ من صفة غضبه، وما سُعِّرت النار إلا بغضبه) (6) .
وقال الشيخ ابن عثيمين: (غضب الله عزَّ وجلَّ صفة من صفاته الفعلية؛ لأنه يتعلق بمشيئته، وقد سبق لنا القول بأن كل صفة ذات سبب فإنها من الصفات الفعلية وهو حقيقي) ------------حديث: ((لله أفرح بتوبة عبده ... )) وفي لفظٍ: ((أشد فرحاً)) وهو في
الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود وأنس بن مالك وأبي هريرة والنعمان بشير والبراء بن عازب رضي الله عنهم. انظر: البخاري (6308 و 6309) ، ومسلم (4927- 4933) .فالله عَزَّ وجلَّ فرحهُ لا يشبه فرح أحد من خلقه؛ لا في ذاته، ولا في أسبابه، ولا في غاياته؛ فسببه كمال رحمته وإحسانه التي يحب من عباده أن يتعرَّضوا لها، وغايته إتمام نعمته على التائبين المنيبين.
عصام البجائي
2017-08-03, 12:33 AM
سبق و أجبتك أخي لا يكون شيء إلا بمشيئة الله و أنا لا أسميها أسبابا فإن الأسباب تؤثر في مسبباتها و تعالى الله عن ذلك . خذ غضبه تعالى مثلا وخذ كفر عباده لما تسميه أنت سببا مثلا , فلا نقول متى حصل الكفر كان الغضب بل الله جل و علا يغضب متى شاء بخلاف العبد الذي لا سلطة له على نفسه . و الغضب إن أثبتناه لله تعالى بهذا المعنى (المتعلق بالمشيئة) صار غير المعنى المعقول من لغة العرب لذلك صار كثير من الأئمة إلى التفويض أو التأويل و هكذا القول في بقية الصفات التي من جنس الغضب .
محمدعبداللطيف
2017-08-03, 01:24 AM
سبق و أجبتك أخي لا يكون شيء إلا بمشيئة الله و أنا لا أسميها أسبابا فإن الأسباب تؤثر في مسبباتها و تعالى الله عن ذلك . خذ غضبه تعالى مثلا وخذ كفر عباده لما تسميه أنت سببا مثلا , فلا نقول متى حصل الكفر كان الغضب بل الله جل و علا يغضب متى شاء بخلاف العبد الذي لا سلطة له على نفسه . و الغضب إن أثبتناه لله تعالى بهذا المعنى (المتعلق بالمشيئة) صار غير المعنى المعقول من لغة العرب لذلك صار كثير من الأئمة إلى التفويض أو التأويل و هكذا القول في بقية الصفات التي من جنس الغضب .قررنا فى كثير من المواضع بطلان مذهب المفوضة الذين يفوضون علم معاني آيات الصفات ويدعون أن هذا هو مذهب السلف وقد ضلوا فيما ذهبوا إليه، وكذبوا فيما نسبوه إلى السلف، فإن السلف إنما يفوضون علم الكيفية دون علم المعنى، وقد تواترت النقول عنهم بإثبات معاني هذه النصوص إجمالاً أحياناً، وتفصيلاً أحياناً، فمن الإجمال قولهم: " أمروها كما جاءت بلا كيف " ومن التفصيل ما سبق عن مالك في الاستواء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه " درء تعارض العقل والنقل " المعروف باسم " العقل والنقل" 1/16 المطبوع على هامش منهاج السنة 1/201 تحقيق رشاد سالم " وأما التفويض فمن المعلوم أن الله أمرنا بتدبر القرآن، وحضنا على عقله وفهمه، فكيف يجوز مع ذلك أن يراد منا الإعراض عن فهمه ومعرفته وعقله". إلى أن قال: " فعلى قول هؤلاء يكون الأنبياء والمرسلون لا يعلمون معاني ما أنزل الله عليهم من هذه النصوص، ولا الملائكة، ولا السابقون الأولون، وحينئذ فيكون ما وصف الله به نفسه في القرآن، أو كثير مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه، بل يقولون كلاماً لا يعقلون معناه". قال: " ومعلوم أن هذا قدح في القرآن، والأنبياء إذ كان الله أنزل القرآن وأخبر أنه جعله هدى وبياناً للناس، وأمر الرسول أن يبلغ البلاغ المبين، وأن يبين للناس ما نزل إليهم، وأمر بتدبر القرآن وعقله، ومع هذا فأشرف ما فيه وهو ما أخبر به الرب عن صفاته، أو عن كونه خالقاً لكل شيء وهو بكل شيء عليم، أو عن كونه أمر، ونهى، ووعد وتوعد، أو عما أخبر به عن اليوم الآخر لا يعلم أحد معناه فلا يعقل، ولا يتدبر، ولا يكون الرسول بين للناس ما نزل إليهم، ولا بلغ البلاغ المبين، وعلى هذا التقدير فيقول كل ملحد ومبتدع: الحق في نفس الأمر ما علمته برأيي وعقلي، وليس في النصوص ما يناقض ذلك، لأن تلك النصوص مشكلة متشابهة، ولا يعلم أحد معناها ومالا يعلم أحد معناه لا يجوز أن يستدل به، فيبقى هذا الكلام سداً لباب الهدى والبيان من جهة الأنبياء، وفتحاً لباب من يعارضهم ويقول : إن الهدى والبيان في طريقنا لا في طريق الأنبياء، لأنا نحن نعلم ما نقول ونبينه بالأدلة العقلية، والأنبياء لم يعلموا ما يقولون، فضلاً عن أن يبينوا مرادهم، فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد". اهـ كلامه رحمه الله. --وقال الدكتور عبد الله الجبرين في تسهيل العقيدة الإسلامية: مما ينبغي التنبيه عليه هنا أن أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم يؤمنون بأن جميع صفات الله جل وعلا الثابتة في الكتاب والسنة صفات حقيقية، لا مجازية، وقد نقل الحافظ ابن عبد البر الأندلسي المالكي المولود سنة ـ 368هـ ـ إجماع أهل السنة على ذلك، وذكر غير واحد من المتقدمين إجماع السلف على ذلك، فالسلف يعتقدون أن الظاهر المتبادر من لفظ الصفة معنى حقا يليق بجلال الله تعالى فيثبتون المعنى الذي يدل عليه لفظ الصفة الوارد في الكتاب أو السنة، فمثلاً يثبتون المعنى الذي يدل عليه لفظ العزة في قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ ـ وهذا المعنى هو: القدرة والغلبة، وكذلك يثبتون المعنى الذي يدل عليه لفظ: استوى ـ في قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ـ وهذا المعنى هو: العلو والاستقرار.. وهكذا بقية الصفات، لأن الله تعالى خاطب عباده في كتابه بلسان عربي مبين، والنبي صلى الله عليه وسلم خاطب أمته بألفاظ عربية صريحة، فوجب إثبات المعنى الحقيقي الذي يدل عليه اللفظ الوارد في القرآن أو السنة في لغة العرب، وهذا هو مقتضى الإيمان بهما ومقتضى الانقياد لما جاء فيهما، بهذا يعلم بطلان مذهب المفوضة الذين يقولون: نؤمن بالصفات الواردة في النصوص، لكن لا نثبت المعنى الذي يدل عليه لفظ الصفة، وإنما نفوض علم معناه إلى الله تعالى، وهذا مذهب حادث بعد القرون المفضلة، والسلف بريئون منه، فقد تواترت الأقوال عن السلف بإثبات معاني الصفات، وتفويضهم الكيفية إلى علم الله عز وجل. اهـ.---يقول الشيخ بن عثيمين- المفوض لا يدرج معنى أصلا، المفوض لا يثبت معنى، يعني هؤلاء المفوضة نقرأ عليهم قول الله تعالى : (( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ... )) [الحشر:22] إلى آخر السورة سبعة عشرة اسما، ما معناها ؟ قال: والله ما ندري، ما نثبت، تثبت أن له رحمه ؟ قال: ما أدري، تثبت أنه ملك له الملك ؟ قال: ما أدري أنا علي أن أقرأ القرآن وبس، وفكنا من شرك، هل يعقل أن يكون هذا مذهبا لأهل السنة ؟ هذا مذهب للجهال، وعلماء السنة والحمد لله فيهم العلماء الفحول الذين جمعوا بين العلم بالمعقول والمنقول.
ثم يا سبحان الله هل يمكن أن نقول أن أبا بكر وعمر وعثمان وعلي ابن مسعود وابن عباس وغيرهم يقرؤون القرآن وهم لا يعرفون معناه في أسماء الله وصفاته، إن كنا نعتقد هذا فهو أكبر قدح في الصحابة، بل إنهم يقولون إن الرسول صلى الله عليه وسلم يحدث بالحديث ولا يدري معناه، قالوا إنه قال: ( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حيث يبقى ثلث الليل الآخر ) ما هو معناه يا رسول الله، قال: والله ما أدري، هل يعقل هذا؟ لكن عند المضايقات في المناظرة تجد الإنسان يرتقى مرتقا صعبا هو نفسه يعرف أنه غير صواب لو تأمل. -----------------------------------------------------------------------------قال ابن باز رحمه الله :
" لا يجوز تأويل الصفات , ولا صرفها عن ظاهرها اللائق بالله , ولا تفويضها , بل هذا كله من اعتقاد أهل البدع , أما أهل السنة والجماعة فلا يؤولون آيات الصفات وأحاديثها ولا يصرفونها عن ظاهرها ولا يفوضونها , بل يعتقدون أن جميع ما دلت عليه من المعنى كله حق ثابت لله لائق به سبحانه لا يشابه فيه خلقه أما التأويل للصفات وصرفها عن ظاهرها فهو مذهب أهل البدع من الجهمية والمعتزلة ومن سار في ركابهم، وهو مذهب باطل أنكره أهل السنة وتبرؤوا منه وحذروا من أهله. والله ولي التوفيق." انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (2 /106-107) .
محمدعبداللطيف
2017-08-03, 01:23 PM
سبق و أجبتك أخي لا يكون شيء إلا بمشيئة الله و أنا لا أسميها أسبابا فإن الأسباب تؤثر في مسبباتها و تعالى الله عن ذلك . خذ غضبه تعالى مثلا وخذ كفر عباده لما تسميه أنت سببا مثلا , فلا نقول متى حصل الكفر كان الغضب بل الله جل و علا يغضب متى شاء بخلاف العبد الذي لا سلطة له على نفسه . و الغضب إن أثبتناه لله تعالى بهذا المعنى (المتعلق بالمشيئة) صار غير المعنى المعقول من لغة العرب لذلك صار كثير من الأئمة إلى التفويض أو التأويل و هكذا القول في بقية الصفات التي من جنس الغضب .هذا الكلام بعد ان تأملته جيدا وجدت أن حقيقته نفى لصفات الله الفعلية فقولك
فلا نقول متى حصل الكفر كان الغضب بل الله جل و علا يغضب متى شاء هل يغضب متى شاء بدون علة ومقتضى وسبب--السؤال هنا اخى الكريم عصام البجائي هل ترضى لنفسك ان تغضب بلا سبب او تضحك بلا مقتضى وسبب وان تفرح بلا مقتضى وسبب وان تغفر بلا مقتضى[ واسباب داعيه اليه ] -اتظن ان الله لا يغضب عليك بسبب وصفه بالنقص وترجع ذلك الى محض المشيئة لا شك ان ذلك فى حقيقته هو نفى لصفة الغضب فنفى مقتضيات الصفات وآثارها ودواعيها واسبابها هو فى حقيقتة نفى للصفات الفعلية لله تعالى فما يقال فى صفة الغضب يقال فى جميع الصفات الفعلية فيؤل بك الامر الى التعطيل وهو اخبث المذاهب------ معلوم لدى جميع العقلاء حتى انت ان من يفعل هذه الاشياء بلا مقتضى واسباب داعيه اليه- انه معدود من جملة المجانين فكذلك من اعظم النقص ان تصف الله بانه يفعل لا لعلة اى سبب اقتضى هذا الفعل بحجة التأثر والتأثير وهذه الحجة هى نفس حجة المعطلة- فى حلول الحوادث التى بسببها نفوا جميع الصفات قالوا من كان محلا للحوادث فهو حادث وبهذه الطريقة نفوا جميع الصفات وجئت انت هنا بنفس الطريقه تنفى صفات الله الفعلية بحجة التأثر والتأثير فالتأثر والتاثير فى الحقيقة من صفات الحى الفعال الذى يفعل ما يريده ويشاءه لعلة غائية إقتضت ذلك الفعل لعلة وسبب ومقتضى- هذا هو الكمال- والنقص ان يفعل لا لعلة او سبب اقتضى ذلك -ينظر الى التأثر والتأثير من جهة الكمال او النقص ينظر هل مقتضيات الصفات والاسباب الداعية للفعل كما او نقص - ونقول من باب قياس الأَوْلَى اذا كان الكمال فى افعال المخلوق العاجز الفقير المحتاج الى الله ان تكون باسبابها ومقتضياتها وخلوها عن هذه الاسباب تكون عبثا واشبه بافعال المجانين -فالرب جل وعلا اولى بهذا الكمال لانه الكامل فى اوصافه وافعاله---وأنت اخى الكريم عصام البجائي كما لا ترضى لنفسك ان تضحك بدون سبب او تغضب بدون سبب اقتضى ذلك فما لا ترضاه لنفسك من النقص لا ترضاه لله --ماذا يقول لك الناس اذا ضحكت او غضبت او فرحت وقتما تشاء بلا سبب سيقولون بملئ أفواههم [مجنون ] فكيف بالله عليك ان تنسب هذا النقص الى الرب جل وعلا الذى له الكمال المطلق من جميع الوجوه ان العلة الغائية هي التي تجعل المريد مريدا فإنه إذا علم بمصلحة الفعل ونفعه وغايته انبعثت إرادته إليه فإذا لم يعلم في الفعل مصلحة ولا كان له فيه غرض صحيح [ولا داع يدعوه إليه] فلا يقع منه إلا على سبيل العبث هذا الذي لا يعقل العقلاء سواه وحينئذ فنفي الحكمة والعلة والغاية عن فعل أحكم الحاكمين نفي لفعله الاختياري في الحقيقة وذلك أنقص النقص-----سبيل النجاه اخى الكريم عصام البجائي فى درء تعارض العقل والنقل واتباع المنهج القويم فى فهم صفات الله الفعلية وارجو منك اخى الكريم ان تدقق فى هذا الكلام الاخير فإن فيه خيركم لو تعقلون - فيه الكفاية لمن اراد الهداية
أبو البراء محمد علاوة
2017-08-03, 03:45 PM
سبق و أجبتك أخي لا يكون شيء إلا بمشيئة الله و أنا لا أسميها أسبابا فإن الأسباب تؤثر في مسبباتها و تعالى الله عن ذلك
وما الذي جعلك تقول: أن الأسباب تؤثر في مسبباتها؟
عصام البجائي
2017-08-03, 10:07 PM
أيها الأخ الكريم مهلا , ليست صفات الخالق كصفات المخلوقين حتى تقيس هذه بهذه , فالمخلوق يغضب و يفرح لسبب خارج عن إرادته فلا يتحكم في مشاعره و عواطفه , أتعتقد أن الله جل و علا كذلك , بل حتما ستقول لا , إذن أفعال الله جل وعلا لا تكون إلا بإرادته بخلاف المخلوق.
أما التفويض فأعلم أنك تظنه بدعة و تسميه مذهب الجهل أو التجهيل و تظن أن مذهب السلف ما تقرر عندك من إثبات المعنى و تفويض الكيف , لكن المتأمل المنصف - و الإنصاف عزيز - لكلام السلف في هذه المسائل يجده أقرب إلى تفويض المعاني منه إلى تفويض الكيف (و إن كنت لا أفرق بين الكيف و المعنى) , وليس هذا جهلا بمعاني النصوص كما يلقن البعض بل تفويض لحقائقها مع علم بغاياتها و خطاباتها فحديث النزول مثلا لم يأت لتقرير فعل النزول أصلا بل تبعا و إنما غايته إرشاد العباد إلى فضل الدعاء في ثلث الليل الأخير . فمن عرف هذا فلا عليه إن لم يعرف معنى النزول , بخلاف من قال إن معنى ضحك الباري هو المعنى المتبادر من كلام العرب فإذا فتحت معاجم اللغة وجدتهم يقولون (..الضحك معروف و هو انبساط الوجه و ظهور الأسنان بسبب السرور...) فإن واجهته بهذا قال لا هذا معنى ضحك المخلوقات , فإن قلت له إذن ما المعنى الذي تثبته لضحك الباري قال المعنى المعروف من كلام العرب فإن قلت له اذكره قال هو معروف و هكذا..... مذهب لا ينضبط , فلو وقفوا حيث وقف السلف و قالوا بمثل قولهم سلموا فأما أن يقولوا نثبت المعنى و نفوض الكيف فهذا عين السفسطة .
محمدعبداللطيف
2017-08-03, 11:32 PM
أيها الأخ الكريم مهلا , ليست صفات الخالق كصفات المخلوقين حتى تقيس هذه بهذه القياس هنا قياس الأولى فيجوز وهو طريقة القرآن والسنة- قياس الأولى ليس غير ؛ لقوله تعالى : وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى ، أي الصّفة العليا الَّتي يستحيل معها وجود المثل . والمراد بالصّفة الجنس فتعمّ جميع صفات الكمال. وهذا المعنى يتضمّن أمرين :
أحدهما : تنزيه الله عن المثل ؛ وقد بنى العلماء على هذا الأصل تحريم قياس المساواة بين الخالق والمخلوق تمثيلاً كان أو شمولاً ؛ فلا يجوز أن يستدلّ على الخالق بقياس تمثيلي يستوي فيه الأصل والفرع ، ولا بقياس شمولي يستوي أفراده ؛ لأنّ الله لا مثل له ؛ فلا يجوز أن يمثّل بغيره ، ولا أن يدخل تحت قضيّته كليّة يستوي أفرادها .
والثّاني : استحقاق الله تعالى لأعلى صفات الكمال المنافية لجميع النقائص . وقد بنى العلماء على هذا المعنى مشروعيّة الاستدلال بصفات المخلوق على صفات الخالق عن طريق قياس الأولى ؛ فكلّ ما ثبت للمخلوق من صفات الكمال المطلق فإنّ الخالق أولى به ، وكل ما تنزّه عنه المخلوق من صفات النّقص فإنّ الخالق أولى بالتنزّه عنه
وسياق الآية يبيّن دلالتها على صحّة الاعتبار بين الخالق والمخلوق بطريق الأولى ؛ فإنّ الله تعالى يقول : وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ . وَإذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ . يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ . لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ؛ فإذا كانت الأنوثة نقصًا وعيبًا لا يرضاه المشرك لنفسه ، ويكره أن يضاف إليه ، فإنّ الخالق أولى بالنزاهة عن الولد النّاقص المكروه ؛ لأنّ الله تعالى له المثل الأعلى المشتمل على كلّ كمال وللمشرك مثل السّوء المشتمل على كلّ نقص ! وهذه الحجّة لبيان تناقض المشركين ؛ لأنّ انتفاء الولد مطلقًا معلوم من النّصوص الأخرى
وممّا يعضد دلالة الآية على صحّة قياس الأولى ، واعتباره طريقًا شرعيًّا في الاستدلال بصفات المخلوق على صفات الخالق طردًا وعكسًا النّصوص الآتية : ـ
ـ قوله تعالى : فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ، فجعل ما في المخلوق من قوّة وشدّة يدلّ بطريق الأولى على قوّة الخالق وشدّته ؛ لأنّ الخالق أحقّ بالكمال من المخلوق
ـ قوله تعالى : اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ[ العلق : 3 ] ، أي الأفضل من غيره في الكرم الجامع للمحاسن ؛ فيقتضي أنّه أحقّ بجميع المحامد ؛ وهي صفات الكمال ؛ فهو الأحقّ بالإحسان والرّحمة والحكمة والقدرة والعلم والحياة وسائر صفات الكمال
ـ قوله تعالى : وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ[ البقرة : 255 ] ؛ فإنّ اسم العليّ يدلّ على علوّ الذات والقهر والقدر ، وعلوّ القدر يتضمّن الدّلالة على أنّه الأحق بجميع صفات الكمال ؛ فكلّ ما في المخلوق من كمال مطلق فإنّ الله أحق به ؛ لأنّه أعلى من المخلوقات قدرًا
ـ قوله تعالى : ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ . وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فأبطل الشّرك بقياس الأولى ؛ فالعاقل لا يقبل ألبتة المساواة بين مخلوق يملك ويقدر وآخر لا يملك ولا يقدر فلأن لا يقبل التماثل في الحقوق والكمالات بين الأوثان العاجزة المملوكة وبين من له المثل الأعلى من باب أولى
ـ قوله تعالى : ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ- فنزّه نفسه عن الشّريك بمثل مضروب بطريق الأولى ؛ فالسيّد من الخلق يتنزّه عن مشاركة مماليكه في حقوقه على الرّغم من قصور ملكه ؛ فيكون المالك الكامل أولى بالنزاهة عن الشّركاء ؛ لأنّ المخلوق لا يملك إلاّ بعض منافع عبيده ، والخالق يملك أعيان عباده وأفعالهم ؛ فلا يخرج عن ملكه شيء ألبتة
روى ابن أبي عاصم بسنده عن أبي رزين رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال : ((قلت : يا رسول الله ! أكلّنا يرى ربّه يوم القيامة ؟ قال : أكلّكم يرى القمر مخليا به ؟ قال : نعم ، قال : اللّه أعظم )) ؛ فأثبت الرؤية لجميع المؤمنين دون تضام وازدحام وقت النّظر بالقياس على رؤية القمر ؛ فإنّه إذ كان ذلك ممكنًا في رؤية المخلوق فإمكانه في رؤية الخالق أولى ؛ لأنّه أعظم وأولى بالكمال من كلّ موجود . -ويقول شيخ الاسلام--- كل كمال لا نقص فيه بوجه ثبت للمخلوق فالخالق أحق به من وجهين
أحدهما أن الخالق الموجود الواجب بذاته القديم أكمل من المخلوق القابل للعدم المحدث المربوب الثاني أن كل كمال فيه فإنما استفاده من ربه وخالقه فإذا كان هو مبدعا للكمال وخالقا له كان من المعلوم بالاضطرار أن معطي الكمال وخالقه ومبدعه أولى بأن يكون متصفا به من المستفيد المبدع المعطي - ويقول- ان الكمال المقصود في هذه القاعدة ( الذي اتصف به المخلوق) ليس هو الكمال النسبي و إنما الكمال المطلق الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه فهذا الذي يستحقه الله سبحانه و تعالى
فالمخلوق يغضب و يفرح لسبب خارج عن إرادته فلا يتحكم في مشاعره و عواطفه -هذا هو ما اوقعك فى التعطيل وإن سميته تفويض وتأويل- تنفى الغضب لان لمخلوق يغضب و يفرح لسبب خارج عن إرادته فلا يتحكم في مشاعره و عواطفه ---- و لأن الغضب غليان الدم في القلب، وهي صفة المخلوق، ولا يجوز أن نثبتها للخالق-- الاجابة -نقول: يلزمك أخى الكريم عصام البجائي- أن تنفى إذًا الإرادة التي تثبتها؛ لأنها ميل القلب إلى اختيار أحد الشيئين، وهذا ما يوصف به المخلوق، فكيف وصفتم به الخالق؟! فإن قلت: إنما أثبت إرادة تليق بالله، نقول : وكذلك نحن نثبت لله فرحًا ومحبة وغضبًا ورضًا يليق بالله سبحانه وتعالى.-----------------------------المعطلة الذين نفوا عن الله صفاته، إنما فعلوا ذلك خشية أن يقعوا في التشبيه، فهم يزعمون مثلًا أنهم إذا أثبتوا أن الله مستوٍ على عرشه: أنهم شبهوه بالمخلوق، فيؤولون الصفة طلبًا للتنزيه، حتى قالوا:
وكل نصٍّ أوهم التشبيهَا أوِّلْه أو فوِّض ورُمْ تنزيهَا
وهذا من سوء اعتقادهم وسوء فهمهم؛ فإنهم بدؤوا بالتشبيه، وانتهوا بالتعطيل، يعني: أنهم فهموا الآيات خطأ ابتداءً، فظنوا أنها تعني بظاهرها التشبيه، فأرادوا تنزيه الله عن هذا التشبيه الذي ظنوه، فأولوا الصفات، فانتهَوا إلى تعطيل الصفة عن الله؛ أي: إنهم وقعوا في التشبيه أولًا، فانتهى بهم الأمر إلى التعطيل.
ثم إن هذا المعطل وقع في شر مما فر منه؛ فإنه إذا نفى عن الله صفة اليد مثلًا، فقد شبهه بالمقطوع، أو بمن لا يد له، بناءً على فهمه، وإذا نفى الاستواء، وقال: هو بمعنى الاستيلاء، لكان مشبهًا لله بملوك الدنيا، وهذا كله من شؤم البدعة وتحكيم العقول على الشرع. والصحيح من عقيدة أهل السنة خلاف ذلك: فإنهم يثبتون الصفات لله كما وردت في الآيات والأحاديث، لكنهم يفوضون كيفية الصفات، ولا يخوضون في ذلك؛ ولذلك قال الإمام مالك - فيما صح عنه - إجابة لمن سأله عن كيفية الاستواء، قال: (الاستواء معلومٌ، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)، فأثبت الاستواء، ولم يتعرَّضْ للكيفية.-------تفويض المعنى هو الذي قال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية وقال فيه غيره أيضا (إن التفويض هو شر المذاهب) وذلك لأنّ تفويض المعنى يرجع إلى عدم العلم به، ولهذا صنفهم ابن تيمية في أول درء التعارض: إلى أنَّ من فوّض فهو من أهل التجهيل، يعني الذين يقولون إنه لا يوجد أحد يعلم معنى الصفات، ما يوجد أحد، الصحابة يعلمون؟
لا، هذه المعاني مجهولة حتى إن بعضهم يقول حتى النبي لا يعلم هذه المعاني، إنما هو إثبات ألفاظ دون معاني لها، فنفوض المعنى لأنه لا معنى معقول من هذه الصفات.
ولاشك أنَّ مذهب المفوضة هو شر المذاهب؛ لأنه يقتضي تجهيل الصحابة رَضِيَ اللهُ عنْهُم بل يقتضي أنَّ في القرآن كلاماً وآيات كثيرة لا أحد يعلم معناها، ومعلوم أنَّ أكثر القرآن في الغيبيات ولذلك جاء أول آية في القرآن في امتداح الذين يؤمنون بالغيب يعني في سورة البقرة -الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ- والإيمان بالغيب يقتضي الإيمان بالكيفيات والله أعلم بها، والإيمان بمعاني ما دلنا ربنا به على الغيب، نؤمن بها على ظاهرها؛ يعني على ما دلت عليه لغة العرب.
نعم معلوم أنَّ المعاني في الشيء الواحد تتفاوت، فمثلاً إذا أخذت السمع، إذا أخذت البصر، إذا أخذت القوة، خذ القوة مثلا والقدرة، الكائن الضعيف، النملة لها قوة ولها قدرة ولها نطق ولها سمع ولها بصر، فأصل القوة موجود فيها؛ يعني معنى القوة موجود فيها، ما هو أعلى منها في الخِلْقة من جهة مثلاً الهرة موجود عندها قوة، لاشك موجود عندها، بصر موجود عندها سمع، موجود عندها قدرة على أشياء، خذ الأعلى منها الأعلى إلى أن تصل إلى الإنسان إلى أن تصل من الحيونات إلى ما هو من جهة القوة والقدرة أقوى من الإنسان يعني بذاته يعني من جهة الحوانات المفترسة كالأسد ونحو ذلك.
إذاً القوة قدر مشترك، القدرة قدر مشترك؛ لكن نقول إنه مادام أنها في النملة مختلفة عن الإنسان، نقول: لا فالإنسان ماله قوة لأنَّ قوة النملة هذه، هذا تحديد للصفة ببعض أفردها، ببعض من يتصف بها وهذا جناية على المعنى الكلي؛ لأنَّ اللغة العربية كليات، فيها كليات المعاني،أما الذي يوجد في الخارج فيه الذوات نعم نقول جدار جبل يد أشياء هذه تتصورها؛ لكن من جهة المعاني، المعاني تتصور هذا المعنى بالإضافة إلى من اتصف به.
ولهذا شيخ الإسلام انتبه لقوة هذا المعنى في الرد في المبتدعة الصفاتية والجهمية وغيرهم، فقرَّرَهُ في كتابه التدمرية كما تعلمون.
إذاً فتفويض المعنى، المعنى أصلاً متفاوت فإذا فوضنا المعنى معناه أننا لا نعلم أي قدر من المعنى، وهذا لاشك أنه نفي وجهالة بجميع دلالات النصوص على الأمور الغيبية، وهذا باطل؛ لأنَّ القرآن حجة، وجعله الله دالاً على ما يجب له وما يتّصف به ربنا من نعوت الجلال والجمال والكمال.[شرح الطحاوية]
محمدعبداللطيف
2017-08-04, 01:16 PM
, فلو وقفوا حيث وقف السلف و قالوا بمثل قولهم سلموا فأما أن يقولوا نثبت المعنى و نفوض الكيف فهذا عين السفسطة . مذهب السلف اخى الكريم عصام البجائي الإيمان بظاهر النصوص وأن لا يتجاوزوا القرآن والحديث فيها، وأن يكون هذا الإيمان إيمان بالكتاب إيمان بذات الصفة إثباتا مع قطع الطمع في إدراك الكيفية.
فيكون مع ذلك أن السلف يثبتون الصفات سواء هذا الإثبات هو إثبات معنى لا إثبات كيفية للصفة، وإثبات المعنى معناه أن الصفات الذاتية أو الصفات الفعلية للرب جل جلاله وتقدست أسماؤه، هذه الصفات لها معاني مختلفة، فليس معنى صفة الوجه هو معنى صفة اليد أو اليدين لله جل وعلا، وليس معنى صفة اليد هو معنى صفة الاستواء، وليس معنى صفة الاستواء هو معنى صفة الرحمة، وليس معنى صفة الرحمة هو معنى صفة الإرادة، وليس معنى صفة الغضب هو معنى الانتقام، وهكذا، فهذه الصفات التي وصف الله جل وعلا بها نفسه أو وصفه بها رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تختلف لما اختلفت ألفاظها اختلف صفات الله جل وعلا بها، ومعناه أن كل صفة...
فمن ذلك صفة الوجه لله جل جلاله كما في قوله ?وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ?[الرحمن:27]، وكما في قوله جل وعلا ?فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ?[البقرة:115]، عند من قال إنها من آيات الصفات، ونحو ذلك مما فيه إثبات الصفة الجليلة ويدل عليه من السنة قوله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» والأدلة في إثبات هذه الصفات كثيرة معروفة.
فالوجه نقول فيه إن الوجه معروف في اللغة، أو معروف عند الناس، والمعروف هو المعنى الكلي لا المعنى الإضافي؛ لأن الصفات بعامة -ليس المقصود صفات الله جل وعلا- ما يحصل في الناس أو في الخليقة لكها في ثَم معاني كلية وثَم معاني إضافية، المعاني الكلية هذه ليست موجودة في الواقع؛ لكنها موجودة في اللغة موجودة في الإدراك؛ لكن المعاني الإضافية هذه هي التي تُدرك لأنّها رئيت أو عرفت إلى آخره، إذا نظرت أنه مثلا لصفة الوجه بعامة -ليس لله- فإن كل أحد يسمع كلمة وجه يدرك المعنى الكلي له أنه مكان أنه صفة شريفة تحصل بها المواجهة، وأنها أشرف ما في الموجود ونحو ذلك، مما يكون بعامة يعني يحصل له معرفة للوجه يتصور الوجه هو شيء معين؛ يعني من حيث المعنى الكلي، إذا جاء على المعنى الإضافي، إذا قيل له وجه لا بد يحدد هل هو وجه إنسان يتصور وجه الإنسان على نحو ما رأى، وجه حمار أو ثور على وجه ما رأى، وجه عصفور فيتصوره على نحو ما رأى، ووجه كذا وكذا فيتصوره على نحو ما رأى.
لهذا المعنى الكلي هو الذي يثبت في الصفات؛ لأن المعنى الإضافي لا ندركه، المعنى الإضافي لا يدرك، وهذا المعنى الكلي ليس شرطا أن يكون موجدا في اللغة، لماذا؟ لأن كتب اللغة مبنية ببيان الاضافيات لا ببيان الكليات، وقليل منها من يذكر أحيانا المعنى الكلي.
ممن يذكر المعنى الكلي ابن فارس في مقاييس اللغة، ويذكرها وتارة يغلب عليه النظر في الإضافي؛ ولكن كثير يذكر المعنى الكلي.
إذا تقرر هذا فإذن لا نقول إن هذه الصفات إثبات المعنى فيها هو إثبات عو إثبات بلازمها، وإنما نقول إثبات الصفة هو إمرارها كما جاءت على ظاهرها ولا نقول إن الوجه معناه كذا أو أن ينطبع في ذهنه أن الوجه معناه كذا، إنما نقول الوجه لله جل وعلا صفة وهو غير صفة اليدين إذا جاء في النصوص تفسير لآثار الوجه أو لعمل اليدين مثل ما قلت في اليدين يقبض يبسط ويرفع ويقبض بيده اليمنى القسط وبيده الأخرى كذا، مثل ما جاء في النصوص نمرها كما جاءت؛ ولكن لا تفسر بلازم، وعدم التفسير باللازم لأجل أن لا يفضي إلى محظورين:
المحظور الأول أن تفسيرها باللازم يذهب الكلية اللغوية، والكلية اللغوية هي الإمرار كما جاءت، والتفسير باللازم لاشك أنه سيفضي ستفسرها باللازم عند البشر، مثل قلت في القدم في السؤال هي التي يوطأ بها، القدم سميت بذلك أنها هي التي تتقدم ما عند الانتقال هي التي تتقدم؛ ولكن هذا أيضا يدخل فيه الحس الإضافي.
ولذلك نقول إن إثبات الصفات إثبات كما جاء والمهم فيها كوننا لا نقول نفوض المعنى، فإثبات المعنى معناه الإيقان بأن الوجه غير اليدين واليدين غير القدم، والقدم غير الساق، والعينان غير السمع، والبصر غير السمع وغير الكلام، والرحمة غير الإرادة، الغضب غير الرضا، والغضب غير إرادة الانتقام، وهكذا كل صفة مستقلة بمعنى من المعاني، الغضب غير الرضا معروف يعني تدركه أنت؛ لكن قد إدراك الإنسان له إدراك بآثاره؛ لكن هو أن الغضب غير الرضا لكن هو الغضب على حقيقة في الله لا يقتضي ذلك؛ لكنه يتصور الأثر فيما يعرف، فينطبع في ذهنه شيئان:
الأمر الأول أن الغضب صفة غير الرضا لاشك بالمقابل لها تماما.
الثاني أن آثار الغضب يحذرها ويخافه.
فإذن إثبات الصفة هنا إثبات وجود وهي إثبات تمايز وتغاير بينها وبين الصفات الأخرى دون إثبات للوازم إلا إذا وردت النصوص. الذين يقولون: نحن نؤمن بألفاظ الكتاب والسنة دون إيمانٍ بمعانيها لأن معانيها قد تختلف. والجواب أن هذا غلط بل معاني الكتاب والسنة هي على المعنى العربي فالقرآن نزل بلسان عربي، والنبي ( تكلم بلسان عربي، فلهذا وجب أن يُؤْمَنَ بالكتاب والسنة على ما تقتضيه لغة العرب، وعلى ما يدل عليه اللسان العربي، وهذا أصل من الأصول لكن إذا اشتبه عليك المعنى؛ كلمة في القرآن ما علمت معناها, حديثا إمّا في الصفات أو في الغيبيات لم تعلم معناه، نقول نؤمن به لفظا نكت- ومعنىً؛ يعني معناه مفهوم، لكن على مراد الله، ومراد رسوله (، وهذا هو الذي جاء في الآية حيث قال جل وعلا(فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا([آل عمران:7].القرآن نزل بلسان عربي مبين، نزل ليهتدي به الناس، كذلك السنة، فلا يوجد نص يشتبه على جميع أهل العلم وعلى الأمة, لا، وهذا القول بأنه هناك ما يشتبه على الجميع، ولا يفهم معناه الجميع، هذا إنما هو قول أهل البدع.-[صالح ال الشيخ]-
لكن المتأمل المنصف - و الإنصاف عزيز - لكلام السلف في هذه المسائل يجده أقرب إلى تفويض المعاني منه إلى تفويض الكيف (و إن كنت لا أفرق بين الكيف و المعنى) , وليس هذا جهلا بمعاني النصوص كما يلقن البعض بل تفويض لحقائقها مع علم بغاياتها و خطاباتهاسبق توضيح ذلك بما يغنى عن اعادته ولكن مزيد بيان قول السلف (أمروها كما جاءت) فيه إثبات المعنى، وقولهم (بلا كيف) دليل آخر على أنهم يثبتون المعنى؛ لأن من لا يثبت المعنى لا يحتاج أن يقول (بلا كيف)، وإنما الذي يحتاج إلى أن ينفي الكيفية لم يثبت المعنى، فلما نفي السلف الكيفية في إثبات الصفات دلّ ذلك على أنهم يثبتون المعنى، ولكن ينفون العلم بالكيفية، وهذا ظاهر أيضا في قول ربيعة ومالك (الاستواء غير مجهول) يعني علمه، فإن الاستواء في لغة العرب يدل على العلو، يقول العربي إذا كان مرتفعا استوي إلي يعني ارتفع، إلي استوى على الدابة يعني أُعْلُ عليها، استوي على الكرسي يعني أُعْلُ عليه، وعلى هذا قول الله جل وعلا ?فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ?[المؤمنون:28]، يعني علوتم على الفلك واستقررتم عليها.[صالح ال الشيخ]
عصام البجائي
2017-08-04, 02:07 PM
عفوا أخي , لا يكن في نفسك علي شيء مما سأقول فما أريد إلا الإصلاح مااستطعت و ما توفيقي إلا بالله رب العالمين , و لكنكم قوم ملقنون و الناس عندكم إما على مذهبكم أو على مذهب الجهمية , وكل من خالفكم و ناقشكم حشرتم له ما لقنتم من ردود على ما ترونه شبها . فماورد في حديثي قط كلام عن الصفات الذاتية بل كلامي في الصفات الاختيارية و ما نفيت عن الله غضبا ولافرحا ولا ضحكا بل قلت إن معاني هذه الصفات مضافة إلى الله غير معانيها مضافة إلى المخلوق و أنتم تقولون إن معناها واحد فلما سألناكم عن هذا المعنى حرتم جوابا . و عفوا أخي فكل ما ذكرته -أنت- ردا على ماقلته-أنا- قد مر علينا مرارا حتى مللناه و ما نقلته -أنت- عن الشيخ صالح كلام ضعيف من الناحية العلمية يدل على عدم إلمام و تحقيق لمثل هذه المسائل (
ثم إن هذا المعطل وقع في شر مما فر منه؛ فإنه إذا نفى عن الله صفة اليد مثلًا، فقد شبهه بالمقطوع، أو بمن لا يد له، بناءً على فهمه
) ....(
فإثبات المعنى معناه الإيقان بأن الوجه غير اليدين واليدين غير القدم
) , صدق من قال إذا تكلم الرجل في غير فنه أتى بالعجائب .
و الخلاصة أخي أنكم أوتيكم من جهات :
لم تفهموا معنى التفويض .
لم تحققوا في ما نقل إليكم من أنه مذهب السلف .
لم تفهموا ما ينتج عن قاعدتكم (إثبات المعنى على لغة العرب و تفويض الكيف).
جراءتكم الزائدة على تخطئة الأئمة من المخالفين و تسليمكم العجيب لأقوال الأئمة من الموافقين .
و للحديث بقية أخي ..
محمدعبداللطيف
2017-08-04, 03:28 PM
فماورد في حديثي قط كلام عن الصفات الذاتية بل كلامي في الصفات الاختيارية و ما نفيت عن الله غضبا ولافرحا ولا ضحكا بل قلت إن معاني هذه الصفات مضافة إلى الله غير معانيها مضافة إلى المخلوق [/RIGHT]نعم أعلم انك تثبت الصفات الذاتية- والدليل قولى يلزمك أخى الكريم عصام البجائي- أن تنفى إذًا الإرادة التي تثبتها؛ لأنها ميل القلب إلى اختيار أحد الشيئين، وهذا ما يوصف به المخلوق، فكيف وصفتم به الخالق؟! فإن قلت: إنما أثبت إرادة تليق بالله، نقول : وكذلك نحن نثبت لله فرحًا ومحبة وغضبًا ورضًا يليق بالله سبحانه ------------
بل كلامي في الصفات الاختيارية و ما نفيت عن الله غضبا ولافرحا ولا ضحكا بل قلت إن معاني هذه الصفات مضافة إلى الله غير معانيها مضافة إلى المخلوق هنا السؤال اخى الكريم عصام البجائي ما هى المعانى التى تثبتها هل هى إمرارها كما جاءت على ظاهرها -هل هى الإيمان بظاهر النصوص وأن لا يتجاوزوا القرآن والحديث فيها، وأن يكون هذا الإيمان إيمان بالكتاب إيمان بذات الصفة إثباتا مع قطع الطمع في إدراك الكيفية.إثبات معنى لا إثبات كيفية للصفة، --ام ان المقصود بقولك
إن معاني هذه الصفات مضافة إلى الله غير معانيها مضافة إلى المخلوق هل تقصد صرف المعنى الظاهر الى التأويل والمجاز- هذا قطعا ما تقصده-------وإليك ما نعتقده فى الحقيقة والمجاز---الكلمة تنقسم إلى حقيقة ومجاز، وكذلك الكلام أثناء تركيبه ينقسم إلى حقيقة ومجاز.
ما هي الحقيقة؟ الحقيقة بقاء اللفظ على معناه الأول، مثل ما يمثلون به أسد حقيقة لهذا الحيوان المفترس المعروف، شجرة حقيقة في هذا النبت المعروف هذا وضعها الأول.
المجاز هو نقل اللفظ من معناه الأول إلى معنى ثان لمناسبة بينهما أو لعلاقة بينهما، هذا المجاز، ولاحظ أن كثيرا يخلطون بين الحقيقة والمجاز وبين الظاهر والتأويل، فيخلطون بين المجاز والتأويل، المجاز شيء والتأويل شيء آخر.
إذن المجاز نقل اللفظ، أما التأويل صرف اللفظ، المجاز نقل اللفظ من وضعه الأول إلى وضع ثان لعلاقة بينهما، مثل أنْ تقول فلان أسد، لا تريد به الحيوان المفترس، لكن تريد فلان أسد في الشجاعة، فَنَقَلَ اللفظ من معناه الأول إلى معنى جديد.
وهذا الذي ذَكر من انقسام الكلام إلى حقيقة ومجاز دَرَجَ عليه جلّ الأصوليين، بل أكثر العلماء في القرون المتأخرة ما بعد القرن الثالث الهجري، وهذا التقسيم إنما ظهر من جهة المعتزلة، وذلك أنه لما احتج عليهم أهل السنة بردّ صرفهم لآيات الصفات وآيات الأسماء عمّا هي عليه من المعاني أتوا بما يسمى بالمجاز، وأنّ هذه ألفاظ نقلت من معناها الأول إلى معنى جديد لعلاقة بينهما، وبالتأويل، وهو أنهم صرفوها لمعنى جديد، والتحقيق في هذه المسألة ولا يتسع المقام لتفصيل الكلام؛ أنّ لغة العرب لا تعرف في ألفاظها إلا الحقيقة؛ فليس ثَم عندهم مجاز، والحقيقة عندهم تارة تكون إفرادية؛ حقيقة في اللفظ بمفرده، وتارة تكون تركيبية، وهي المفهومة من تركيب الكلام.
الحقيقة الإفرادية مثل الأسد هو الأسد؛ حيوان مفترس.
الحقيقة التركيبية هي التي ادعى فيها المدّعون المجاز، مثل أنْ يقال فلان أسد، قال كلمة أسد، هذه مجاز عن الرجل الشجاع لأنه لا يُعنى بها المعنى الأول.
فنقول العرب استعمالها لتركيب كلامها لا تنظر حين التركيب إلى الألفاظ، وإنما تنظر إلى دلالة الألفاظ حال التركيب، فالألفاظ تدل حال التركيب على معنى لا ينتقل معه الذهن من المعنى الأول إلى معنى جديد، مثلا نقول زيد أسد مباشرة ما دام قال زيد أسد لا يأتي للذهن الأسد الذي هو حيوان مفترس، ثم ينتقل منه إلى الرجل الشجاع لقرينة وجود زيد، وإنما مباشرة لما قال زيد أسد علِمَ أن المراد تشبيه زيد بالأسد في شجاعته، وهذه حقيقة تركيبية، وهي التي يدعي فيها المخالفون أنها مجاز، مثلا في القرآن في قول الله تعالى ?فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ?[النحل:26] قال (فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ) معلوم هنا الذي يتبادر للذهن أول ما يسمع السامع هذا الكلام (أَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ) أنه ليس إتيان الله لهذا(6) المكان بذاته، وإنما أتى بقدرته، لأنه قال (فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْفُ) فيفهم من حقيقة الكلام هذا المعنى، ولا يمكن أن يفهم منه أنه يمكن أن يكون الإتيان بالذات فيُصرف عنه لأجل أنه قال (مِنَ الْقَوَاعِدِ) ونحو ذلك، فهذا يسمى حقيقة تركيبية، وهي التي أو يشبهها الذي يسميه أولئك المجاز، قال تعالى ?أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ?[الفرقان:45] لا يمكن أنْ يفهم عربي أن المراد (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ) يعني ألم تر إلى ذات ربك، إنما المراد يَفهم من قوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ) ألم تر إلى قدرة ربك كيف مد الظل، وهذا ليس مجازا، وإنما هو حقيقة تركيبية، الحقيقة هي التي تُعنى عند العرب بالكلام؛ لأنّ الحقيقة ما هي؟ هي إظهار الحقيقة بهذا الكلام، فصار الكلام حقيقة، لأنّه تظهر به حقيقة الأمر، فالكلام كله حقيقة، هذه الحقيقة تارة تكون إفرادية في اللفظ، وتارة تكون تركيبية في الكلام جميعا، وهنا مثّل بأمثلة يأتي الكلام عليها.
لكن هذه الحقيقة بمثل قوله تعالى ? وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا?[يوسف:82].
تعريف المجاز الذي عرفوه به: أنّ المجاز نَقْلُ اللفظ من معناه الأول إلى معنى ثان. وهذا يسمونه المجاز الناقص؛ لأنه حُذفت منه أهل القرية، أصل الكلام واسأل أهل القرية، نقول أنّ هذا الكلام مفهوم، ولا نقول أنّ ثَمّ مجاز؛ لأنّ المستمع لهذا الكلام يعلم أنّ القرية من حيث هي جدران وأبنية أنّه ليس المراد الجدران والأبنية، وإنما المراد أنْ يُسأل من يصح أن يُنسب إليه أنّه يسأل وهم أهل القرية، فقوله (وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ) من الذي يصح أنْ يسأل؟ أهل القرية، فلهذا يكون الكلام بتركيبته يفيد حقيقة، هذه تسمى حقيقة تركيبية تُستفاد من تركيب الكلام، لكن لو أتى بمفردها وقيل القرية يُعنى بها أهل القرية لم تكن حقيقة إفرادية، ولكن لما استعملت بهذا التركيب صات حقيقة تركيبية، ومن مثل قوله ?وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا?[يوسف:82] يعني أهل العير، ونحو ذلك من أنواع كثيرة أُدُّعي أنها مجاز في القرآن.
بقي أنْ نقول أنّ الأصوليين اختلفوا في وجود المجاز في اللغة، فمنهم من قال بوجوده في اللغة وهم الكثرة الكاثرة، وهناك قلة أفراد من المحققين نفوا وجود المجاز في اللغة؛ قالوا كلام العرب كلُّه حقيقة. (فيكون الخلاف في قول المجاز في القرآن عقديا إذا أُدُّعي أنّ آيات الصفات فيها مجاز، أو أنّ الآيات التي فيها العقائد -آيات الغيب التي فيها الخبر عن الغيب ونحو ذلك- أنّ فيها مجاز؛ إذا أدعي أن فيها مجاز صار الخلاف عقديا، لأنّ هذا مسلك المبتدعة.--------------والقرآن والسنة جاءا لتعريف العباد ما لمعبودهم من الصفات ، وهذا لا يتم إلا بحمل الكلام على حقيقته ، كما هو الأصل في الكلام ، وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم هذا القرآن العظيم ، بلّغهُ بلفظه ومعناه ، ولم ينقل عنه حرف واحد في أن صفة من الصفات ينبغي أو يلزم تأويلها ، أو أن ظاهرها غير مراد ، أو أنها تفيد التشبيه ، أو نحو ذلك من الألفاظ التي يطلقها أهل التعطيل والتأويل ، وهي قدح في القرآن ، وقدح في الرسول المأمور بالبلاغ والبيان ، إذ لو كان شيء مما ذكروه موجودا للزمه أن يبينه ، ولا يكتمه . فكيف وقد ثبت في جملة من الأحاديث الصحيحة المتفق على صحتها إثبات هذه الصفات ، وزيادة غيرها عليها كالنزول والقدم والضحك والفرح ، دون أن يصحبها كلمة واحدة في صرفها عن ظاهرها ، ودون استشكال من صحابي واحد عن ظاهرها ومعناها المعقول منها ، فلو كان فيها ما ظاهره نقص أو تشبيه - وحاشا الكتاب والسنة أن يكون فيهما ذلك - لبينه المعصوم ، ولنبه عليه ، ولاستشكله أهل الحجى ، ولهُم كانوا على الخير أقوى ، وأحرص ، وألزم .
ولما ظهرت البدع ، ووجد من يقول : إن هذه الصفات ليست على الحقيقة ، بل على المجاز ، كما هو قول الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم ، تكلم السلف والأئمة بما يبين أنها على الحقيقة لا على المجاز ، وكلامهم في ذلك مستفيض مشهور ، قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله (280 هـ): " ونحن قد عرفنا بحمد الله تعالى من لغات العرب هذه المجازات التي اتخذتموها دُلسة وأُغلوطة على الجهال ، تنفون بها عن الله حقائق الصفات بعلل المجازات ، غير أنا نقول : لا يُحكم للأغرب من كلام العرب على الأغلب ، ولكن نصرف معانيها إلى الأغلب حتى تأتوا ببرهان أنه عنى بها الأغرب ، وهذا هو المذهب الذي إلى العدل والإنصاف أقرب ، لا أن تعترض صفات الله المعروفة المقبولة عند أهل البصر فنصرف معانيها بعلة المجازات " انتهى من "نقض الرادرمي على بشر المريسي" (2/755).وقال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري رحمه الله (310 هـ) : " فإن قال لنا قائل : فما الصواب في معاني هذه الصفات التي ذكرت ، وجاء ببعضها كتاب الله عز جل ووحيه، وجاء ببعضها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قيل: الصواب من هذا القول عندنا: أن نثبت حقائقها على ما نعرف من جهة الإثبات ونفي التشبيه ، كما نفى عن نفسه جل ثناؤه فقال : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) إلى أن قال : " فنثبت كل هذه المعاني التي ذكرنا أنها جاءت بها الأخبار والكتاب والتنزيل على ما يُعقل من حقيقة الإثبات------" أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها ، وحملها على الحقيقة لا على المجاز ، إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك ، ولا يحدون فيه صفة محصورة ، وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها ، ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة ، ويزعمون أن من أقر بها مشبه ، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود . والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة والحمد لله " انتهى من "التمهيد" (7/ 131، 145).
عصام البجائي
2017-08-04, 08:47 PM
طال بنا الحديث أخي فهلم إلى الخلاصة , نزول الباري جل و علا فعل يفعله كل ليلة كما أخبر , أنا عصام البجائي لا أعرف معناه لكن يقابله عند العبد النزول أو قل أقرب ما يعقله العبد إلى هذا الفعل هو النزول , و النزول معناه في لغة العرب بل في كل اللغات هو الانتقال من أعلى إلى أسفل , أنت تثبت المعنى الظاهر للنزول فأخبرني - فقهك الله في الدين- عن هذا المعنى بجواب مباشر , قل - حفظك الله- معنى نزول الباري هو كذا وكذا ...
فإن عجزت عن ذلك فأنت من المفوضين .
محمدعبداللطيف
2017-08-04, 09:53 PM
نزول الباري جل و علا فعل يفعله كل ليلة كما أخبر, أنا عصام البجائي لا أعرف معناه لكن يقابله عند العبد النزول أو قل أقرب ما يعقله العبد إلى هذا الفعل هو النزول , و النزول معناه في لغة العرب بل في كل اللغات هو الانتقال من أعلى إلى أسفل , أنت تثبت المعنى الظاهر للنزول فأخبرني - فقهك الله في الدين- عن هذا المعنى بجواب مباشر , قل - حفظك الله- معنى نزول الباري هو كذا وكذا ...
.توهّم تعارض النزول إلى السماء الدنيا مع الاستواء على العرش والعلو فوق السماء ناشئ عن قياس الخالق على المخلوق ، وإذا كان الإنسان لا يتصوَّر بعقله غيبيات مخلوقة كنعيم الجنة فكيف يستطيع أن يتصور الخالق عز وجل علام الغيوب ، فنؤمن بما ورد من الاستواء والنزول والعلو لله ونثبته كما يليق بجلاله وعظمته و ليس معنى نزول الله عز وجل إلى السماء الدنيا أن الله سبحانه يحل فيها تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، قال شيخ الإسلام: وَالرَّبُّ رَبٌّ، وَالْعَبْدُ عَبْدٌ، لَيْسَ فِي ذَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، وَلَا فِي مَخْلُوقَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَاتِهِ: وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِاَللَّهِ يَعْتَقِدُ حُلُولَ الرَّبِّ تَعَالَى بِهِ، أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ وَلَا اتِّحَادَهُ بِهِ.
-قال شيخ الإسلام رحمه الله ، وروح العبد في بدنه لا تزال ليلاً ونهاراً إلى أن يموت ووقت النوم تعرج . وقال رحمه الله.والرب سبحانه لا يشغله سمع عن سمع ولا تغلطه المسائل بل هو سبحانه يكلم العباد يوم القيامة ويحاسبهم لا يشغله هذا عن هذا . قيل لابن عباس : كيف يكلمهم يوم القيامة كلهم في ساعة واحدة ؟ قال : كما يرزقهم في ساعة واحدة وقد قال صلى الله عليه وسلم { ما منكم من أحد إلا سيخلو به ربه كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=537&idto=538&bk_no=22&ID=336#docu) } . والله سبحانه في الدنيا يسمع دعاء الداعين ويجيب السائلين ; مع اختلاف اللغات وفنون الحاجات . والواحد منا قد يكون له قوة سمع يسمع كلام عدد كثير من المتكلمين كما أن بعض المقرئين يسمع قراءة عدة ; لكن لا يكون إلا عددا قليلا قريبا منه والواحد منا يجد في نفسه قربا ودنوا وميلا إلى بعض الناس الحاضرين والغائبين ; دون بعض ويجد تفاوت ذلك الدنو والقرب . والرب تعالى واسع عليم وسع سمعه الأصوات كلها وعطاؤه الحاجات كلها .
لا تقاس أفعال الله على أفعال مخلوقاته ولا ذاته المقدسة ولا صفاته الكاملة .. بل الله في نفس اللحظة يرى ويسمع ويعلم بمخلوقاته جميعا رغم مرور الأوقات واختلاف الأمكنة ، وإن كنا نحن لا نستطيع تصور كيفية ذلك ..
، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: مذهب السلف والأئمة أنه مع نزوله إلى سماء الدنيا لا يزال فوق العرش لا يكون تحت المخلوقات ولا تكون المخلوقات محيطة به قط، بل هو العلي الأعلى: العلي في دنوه، القريب في علوه، ولهذا ذكر غير واحد إجماع السلف على أن الله ليس في جوف السماوات، ولكن طائفة من الناس قد يقولون: إنه ينزل ويكون العرش فوقه ويقولون: إنه في جوف السماء وإنه قد تحيط به المخلوقات وتكون أكبر منه، وهؤلاء ضلال جهال مخالفون لصريح المعقول وصحيح المنقول، كما أن النفاة الذين يقولون: ليس داخل العالم ولا خارجه جهال ضلال مخالفون لصريح المعقول وصحيح المنقول، فالحلولية والمعطلة متقابلان. انتهى.
وقالت اللجنة الدائمة للإفتاء في الممكلة السعودية: لا تعارض بين نزوله تعالى إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من كل ليلة مع اختلاف الأقطار وبين استوائه عز وجل على العرش، لأنه سبحانه لا يشبه خلقه في شيء من صفاته، ففي الإمكان أن ينزل كما يشاء نزولا يليق بجلاله في ثلث الليل الأخير، بالنسبة إلى كل قطر، ولا ينافي ذلك علوه واستواءه على العرش، لأننا في ذلك لا نعلم كيفية النزول ولا كيفية الاستواء، بل ذلك مختص به سبحانه، بخلاف المخلوق فإنه يستحيل في حقه أن ينزل في مكان ويوجد بمكان آخر في تلك اللحظة ـ كما هو معلوم ـ إلا الله عز وجل فهو على كل شيء قدير، ولا يقاس ولا يمثل بهم، لقوله عز وجل: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ ـ وقوله سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.---قال الإمام أبو سعيد الدارمي بعد أن ذكر ما يثبت النُّزول من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فهذه الأحاديث قد جاءت كلها وأكثر منها في نزول الرب تبارك وتعالى في هذه المواطن، وعلى تصديقها والإيمان بها أدركنا أهل الفقه والبصر من مشايخنا، لا ينكرها منهم أحد، ولا يمتنع من روايتها)) وقال الإمام محمد ابن خزيمة: (باب: ذكر أخبار ثابتة السند صحيحة القوام، رواها علماء الحجاز والعراق عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول الرب جل وعلا إلى السماء الدنيا كل ليلة: نشهد شهادة مقر بلسانه، مصدق بقلبه، مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نُزول الرب، من غير أن نصف الكيفية؛ لأنَّ نبينا المصطفى لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلى سماء الدنيا، وأعلمنا أنه يَنْزل، والله جل وعلا لم يترك ولا نبيه عليه السلام بيان ما بالمسلمين الحاجة إليه من أمر دينهم؛ فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من ذكر النُّزول، غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفية النُّزول.
وفي هذه الأخبار ما بان وثبت وصح أنَّ الله جل وعلا فوق سماء الدنيا الذي أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنه يَنْزل إليه، إذ محال في لغة العرب أن يقول: نزل من أسفل إلى أعلى، ومفهوم في الخطاب أنَّ النُّزول من أعلى إلى أسفل)قال شـيخ الإسلام رحمه الله في تفسير سورة الإخلاص: (فالرب سبحانه إذا وصفه رسوله بأنه يَنْزِل إلى سماء الدنيا كل ليلة، وأنه يدنو عشية عرفة إلى الحجاج، وأنه كلَّم موسى بالوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة، وأنه استوى إلى السماء وهي دخانٌ، فقال لها وللأرض: ائتيا طَوْعاً أو كَرْهاً؛ لم يلزم من ذلك أن تكون هذه الأفعال من جنس ما نشاهده من نزول هذه الأعيان المشهودة، حتى يُقال: ذلك يستلزم تفريغ مكان وشغل آخر) ابن القيم نقلاً عن أبي القاسم اللالكائي (وقد تأوَّل قومٌ من المنتسبين إلى السنة والحديث حديث النُّزُول وما كان نحوه من النصوص التي فيها فعل الرب اللازم كالإتيان والمجيء والهبوط ونحو ذلك) ورد على ذلك مثبتاً هذه الصفات، وقال بعد أن ذكر روايات ابن منده لحديث النُّزُول: (فهذا تلخيصُ ما ذكره عبدالرحمن بن منده مع أنه استوعب طرق هذا الحديث وذكر ألفاظه مثل قولـه: ((يَنْزل ربنا كل ليلة إلي السماء الدنيا إذا مضى ثلث الليل الأوَّل فيقول: أنا الملك من ذا الذي يسألني فأعطيه، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، فلا يزال كذلك إلى الفجر)) وفى لفظ: ((إذا بقي من الليل ثلثاه يَهْبِطُ الرب إلى السماء الدنيا)) وفى لفظ: ((حتى ينشق الفجر ثم يرتفع)) وفى رواية: ((يقول لا أسأل عن عبادي غيري، من ذا الذي يسألني فأعطيه)) وفى رواية عمرو بن عبسة: ((أنَّ الرب يَتَدَّلى في جوف الليل إلى السماء الدنيا)--- ---------- يقول الامام بن باز-هذا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو القائل عليه الصلاة والسلام: ((ينزل ربنا تبارك وتعالي إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقي ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى ينفجر الفجر))متفق على صحته، وقد بين العلماء أنه نزول يليق بالله وليس مثل نزولنا، لا يعلم كيفيته إلا هو سبحانه وتعالى فهو ينزل كما يشاء، ولا يلزم من ذلك خلو العرش فهو نزول يليق به جل جلاله، والثلث يختلف في أنحاء الدنيا وهذا شيء يختص به تعالى لا يشابه خلقه في شيء من صفاته؛ كما قال سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وقال جل وعلا: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا والآيات في هذا المعنى كثيرة، وهو سبحانه أعلم بكيفية نزوله، فعلينا أن نثبت النزول على الوجه الذي يليق بالله، ومع كونه استوى على العرش، فهو ينزل كما يليق به عز وجل ليس كنزولنا، إذا نزل فلان من السطح خلا منه السطح، وإذا نزل من السيارة خلت منه السيارة فهذا قياس فاسد له؛ لأنه سبحانه لا يقاس بخلقه، ولا يشبه خلقه في شيء من صفاته. كما أننا نقول استوى على العرش على الوجه الذي يليق به سبحانه، ولا نعلم كيفية استوائه، فلا نشبهه بالخلق ولا نمثله، وإنما نقول استوى استواء يليق بجلاله وعظمته، ولما خاض المتكلمون في هذا المقام بغير حق حصل لهم بذلك حيرة عظيمة حتى آل بهم الكلام إلى إنكار الله بالكلية، حتى قالوا: لا داخل العالم ولا خارج العالم، ولا كذا ولا كذا، حتى وصفوه بصفات معناها العدم وإنكار وجوده سبحانه بالكلية، ولهذا ذهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل السنة والجماعة تبعاً لهم فأقروا بما جاءت به النصوص من الكتاب والسنة، وقالوا لا يعلم كيفية صفاته إلا هو سبحانه، ومن هذا ما قاله مالك رحمه الله: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) يعني عن الكيفية، ومثل ذلك ما يروى عن أم سلمة رضي الله عنها عن ربيعه بن أبي عبد الرحمن شيخ مالك رحمهما الله: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان بذلك واجب)، ومن التزم بهذا الأمر سلم من شبهات كثيرة ومن اعتقادات لأهل الباطل كثيرة عديدة، وحسبنا أن نثبت ما جاء في النصوص وأن لا نزيد على ذلك، وهكذا نقول يسمع ويتكلم ويبصر، ويغضب ويرضى على وجه يليق به سبحانه، ولا يعلم كيفية صفاته إلا هو، وهذا هو طريق السلامة وطريق النجاة، وطريق العلم وهو مذهب السلف الصالح، وهو المذهب الأسلم والأعلم والأحكم، وبذلك يسلم المؤمن من شبهات المشبهين، وضلالات المضللين، ويعتصم بالسنة والكتاب المبين، ويرد علم الكيفية إلى ربه سبحانه وتعالى، والله سبحانه ولي التوفيق.
عصام البجائي
2017-08-04, 10:23 PM
عدنا من حيث بدأنا , قال شـيخ الإسلام رحمه الله في تفسير سورة الإخلاص: (فالرب سبحانه إذا وصفه رسوله بأنه يَنْزِل إلى سماء الدنيا كل ليلة، وأنه يدنو عشية عرفة إلى الحجاج، وأنه كلَّم موسى بالوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة، وأنه استوى إلى السماء وهي دخانٌ، فقال لها وللأرض: ائتيا طَوْعاً أو كَرْهاً؛ لم يلزم من ذلك أن تكون هذه الأفعال من جنس ما نشاهده من نزول هذه الأعيان المشهودة، حتى يُقال: ذلك يستلزم تفريغ مكان وشغل آخر) إذا لم يكن ذلك من جنس ما نشاهده من نزول هذه الأعيان المشهودة فهو نزول لا يدرك معناه و هو عين التفويض .
لا زلت أنتظر الإجابة في معنى نزول الباري .
أبو البراء محمد علاوة
2017-08-04, 11:48 PM
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عصام البجائي http://majles.alukah.net/images/metro/lime/buttons/viewpost-left.png (http://majles.alukah.net/t161987-2/#post862393) سبق و أجبتك أخي لا يكون شيء إلا بمشيئة الله و أنا لا أسميها أسبابا فإن الأسباب تؤثر في مسبباتها و تعالى الله عن ذلك
وما الذي جعلك تقول: أن الأسباب تؤثر في مسبباتها؟
يبقى السؤال؟
محمدعبداللطيف
2017-08-05, 01:02 PM
قال شـيخ الإسلام رحمه الله في تفسير سورة الإخلاص: (فالرب سبحانه إذا وصفه رسوله بأنه يَنْزِل إلى سماء الدنيا كل ليلة، وأنه يدنو عشية عرفة إلى الحجاج، وأنه كلَّم موسى بالوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة، وأنه استوى إلى السماء وهي دخانٌ، فقال لها وللأرض: ائتيا طَوْعاً أو كَرْهاً؛ لم يلزم من ذلك أن تكون هذه الأفعال من جنس ما نشاهده من نزول هذه الأعيان المشهودة، حتى يُقال: ذلك يستلزم تفريغ مكان وشغل آخر) إذا لم يكن ذلك من جنس ما نشاهده من نزول هذه الأعيان المشهودة فهو نزول لا يدرك معناه و هو عين التفويض .
لا زلت أنتظر الإجابة في معنى نزول الباري .
شيخ الاسلام يثبت اصل المعنى انت اخى الكريم تنفى اصل المعنى وكمال المعنى اما نحن فنثبت اصل المعنى اما كمال المعنى فهذا لا يحيط احد بعلمه لانه ليس فى قدرة البشر قال جل وعلا ولا يحيطون به علما -- إثبات الصفات إثبات للصفة مع المعنى، والمعنى يشترك المخلوق مع الخالق فيه في أصل الصفة، في أصل المعنى دون كماله، كما أنه المخلوق يوصف بالوجود والله جل وعلا يوصف بالوجود فبينهما اشتراك في أصل المعنى دون تمامه ودون حقيقته، كذلك يوصف المخلوق بالسمع، والله جل وعلا يوصف بالسمع وللمخلوق سمع يناسبه، ولله جل وعلا سمع كامل متنزه عن النقائص.. وما يليق بجلاله وعظمته جل وعلا.فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره ) ، فهو جل وعلا الذي سمى نفسه السميع وسمى المخلوق بالسميع ، وبين السميع والسميع قدر مشترك من المعنى ، وهذا المعنى هو أصل السمع ، والسمع الذي في المخلوق يناسب ذاته والسمع الذي لله جل وعلا يناسب ذاته وهذا على أصل القاعدة المقررة وهي : أن القول في الصفات كالقول في الذات يُحتذى فيه حذوه ويُنهج فيه منهاجه ، لأن الصفة كل صفة تناسب الموصوف فسمع المخلوق يناسب ذاته وسمع الله جل وعلا يناسب ذاته ما بين الصفتين من القدر المشترك هذا هو ما يجمعهما في أصل اللغة من المعنى العام أما المناسبة مناسبة للذات فهذه لخارج الأصل العام ولهذا فإن لله جل وعلا من الصفات أكملها ، وله من كل صفة كمال أكمل تلك الصفة وأعظمها وأشملها أثرا وأعمها متعلقا ، وهذا لا يعني بحال المماثلة ، وإنما القدر المشترك في أصل المعنى هذا لا ينفيه أهل السنة لأن الله جل وعلا أنزل القرآن بلسان عربي مبين ومعنى ذلك أن الكلمات التي فيها ذكر الأسماء والصفات أنها تفهم باللغة اشتراك المخلوقات التي لها سمه وبصر في السمع والبصر اشتراك في أصل المعنى، ولكل سمع وبصر بما قُدِّر له وما يناسب ذاته، فإذا كان كذلك ولم يكن وجود السمع والبصر في الحيوان وفي الإنسان مقتضيا لتشبيه الحيوان بالإنسان، فكذلك إثبات السمع والبصر للملك الحي القيوم ليس على وجه المماثلة للسمع والبصر في الإنسان أو في المخلوقات، فلله جل وعلا سمع وبصر يليق به، كما أن للمخلوق سمع وبصر يليق بذاته الحقيرة الوضيعة، فسمع الله كامل مطلق من جميع الوجوه لا يعتريه نقص، وبصره كذلك، واسم الله السميع هو الذي استغرق كل الكمال من صفة السمع، وكذلك اسم الله البصير هو الذي استغرق كل الكمال في صفة البصر.وأهل السنة والجماعة إذا قالوا: إن الله جل وعلا لا يماثله شيء ولا يشابهه شيء. يعنون بالمشابهة المماثلة، أما المشابهة التي هي الاشتراك في المعنى فنعلم قطْعا أنّ الله جل وعلا لم ينفها؛ لأنه سبحانه سمّى نفسه بالملك?مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ?[الفاتحة:4]، ?الْمَلِكُ الْحَقُّ?(6) وسمى بعض خلقه بالملك?وَقَالَ الْمَلِكُ?(7) وأشباه ذلك من الآيات، وكذلك سمّى نفسه بالعزيز، وسمّى بعض خلقه بالعزيز، وكذلك جعل نفسه سبحانه سميعا، وأخبرنا بصفة السمع له، والبصر، والقوّة، والقدرة، والكلام، والاستواء، والرحمة، والغضب، والرضا وأشباه ذلك، وأثبت هذه الأشياء للمخلوق؛ للإنسان فيما يناسبه منها، فدل على أن الاشتراك في اللفظ وفي بعض المعنى ليس هو التمثيل الممتنِع؛ لأن كلام الله جل وعلا حق وبعضه يفسر بعضا، فنفى المماثلة سبحانه بقوله ?لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ?[الشورى:11]، وأثبت اشتراكا في الصفة، وإذا قلتُ اشتراكا ليس معنى ذلك أنها من الأسماء المشتركة في الصفات، لكن أثبت اشتراكا في الوصف يعني شركة فيه، فإن الإنسان له ملك والله جل وعلا له الملك، والإنسان له سمع والله جل وعلا له سمع، والإنسان له بصر والله جل وعلا له بصر، وهذا الإثبات فيه قدْر من المشابهة، لكنها مشابهة في أصل المعنى، وليست مشابهة في تمام المعنى ولا في الكيفية، فتحصّل من ذلك أن المشابهة ثلاثة أقسام:
(الأولى: مشابهة في الكيفية، وهذا ممتنع.
(والثاني: مشابهة في تمام الاتصاف ودلالة الألفاظ على المعنى بكمالها، وهذا ممتنع.
(والثالث: مشابهة في معنى الصفة؛ في أصل المعنى، وهو مطلق المعنى وهذا ليس بمنفي.
ولهذا صار نفي التمثيل، ونفي المثيل، ونفي المثلية صار شرعيا؛ لأنه واضح؛ دلالته غير مجملة، وأما لفظ المشابهة فإن دلالته مجملة فلم يأتِ نفيه.
ونحن نقول: إن الله جل وعلا لا يماثله شيء ولا يشابهه شيء سبحانه وتعالى. ونعني بقولنا (لا يشابهه شيء) معنى المماثلة في الكيفية أو المماثلة في تمام الاتصاف بالصفة وتمام دلالة اللفظ على كمال معناه.الناس، فتأويل كل خبر في الأمور الغيبية هو حقيقته التي هي عليه، فتأويل الجنة هو حقيقة الجنة، تأويل النار حقيقة النار، فهذه الأخبار التي اخبر الله جل وعلا بها من الغيبيات تأويلها هي حقائقها في الأمور الغيبية، ولهذا قال جل وعلا ?وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ?[آل عمران:7] على من وقف عند لفظ الجلالة؛ لأن أحدا لا يعلم التأويل إلا الله؛ يعني تأويل المتشابه، يُعنى بهذا التأويل ما تؤول إليه حقائق هذه الأشياء يعني ما هي عليه وهذه لا يعلمها إلا الله، لا يعلم حقيقة الصفات إلا الله، لا يعلم حقيقة الجنة إلا الله، لا يعلم حقيقة النار إلا الله، لا يعلم حقيقة يوم القيامة إلا الله، لا يعلم حقيقة ما في السماء إلا الله، لا يعلم حقيقة الصراط وأحوال البرزخ إلا الله جل وعلا.
فهذه الحقائق لا يعلمها إلا الله؛ لكن المسلم يعلم المعاني في الأمور الغيبية، أُخبرنا في الأمور الغيبية بأشياء لها معنى فنعتقدها، وأما حقيقة ما هي عليه بكمالها من جهة المعنى والكيفية، هذه لا يعلمها إلا الرب جل وعلا، لهذا صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ليس في الجنة من دنياكم إلا الأسماء. يعني أنك تعرف أصل المعنى، أما الحقائق فالمسألة ليست بمقدور الناس أن يفهموا حقيقة ما في الجنة.
حقائق الأخبار إذن، حقيقة الخبر من جهة تمام المعنى ومن جهة كيفية الأمور الغيبية هذه لا يعلمها إلا الله، فيكون الوقف عند الآية ?وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ? والراسخون في العلم لا يعلمون تأويل الأخبار بمعنى حقائق الغيبيات على ما هي عليه من جهة الكيفية ومن جهة تمام المعنى.
إذا لم يكن ذلك من جنس ما نشاهده من نزول هذه الأعيان المشهودة فهو نزول لا يدرك معناه و هو عين التفويض .حقيقة الخبر من جهة تمام المعنى ومن جهة كيفية الأمور الغيبية هذه لا يعلمها إلا الله فهذه الحقائق لا يعلمها إلا الله؛ لكن المسلم يعلم المعاني في الأمور الغيبية، أُخبرنا في الأمور الغيبية بأشياء لها معنى فنعتقدها، وأما حقيقة ما هي عليه بكمالها من جهة المعنى والكيفية، هذه لا يعلمها إلا الرب جل وعلا، لهذا صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ليس في الجنة من دنياكم إلا الأسماء. يعني أنك تعرف أصل المعنى، أما الحقائق فالمسألة ليست بمقدور الناس أن يفهموا تمام الاتصاف بالصفة وتمام دلالة اللفظ على كمال معناه. وقد ضربت لك اخى الكريم بعض الامثلة قبل ذلك ومنها انروح العبد في بدنه لا تزال ليلاً ونهاراً إلى أن يموت ووقت النوم تعرج تعرج وتذهب الى اعلى عليين وهى فى بدن الانسان--وكذلك القمر يكون مع الانسان بل مع جميع من يظهر عليهم فى وقت واحد واذا مشوا يمشى معهم وهو فى مكانه فى السماء وكذلك يوم القيامه نثبت الرؤية لجميع المؤمنين دون تضام وازدحام وقت النّظر بالقياس على رؤية القمر ؛ فإنّه إذ كان ذلك ممكنًا في رؤية المخلوق فإمكانه في رؤية الخالق أولى ؛ لأنّه أعظم وأولى بالكمال من كلّ موجود . فعلينا أن نثبت النزول على الوجه الذي يليق بالله، ومع كونه استوى على العرش، فهو ينزل كما يليق به عز وجل ليس كنزولنا، إذا نزل فلان من السطح خلا منه السطح، وإذا نزل من السيارة خلت منه السيارة فهذا قياس فاسد له؛ لأنه سبحانه لا يقاس بخلقه، ولا يشبه خلقه في شيء من صفاته. كما أننا نقول استوى على العرش على الوجه الذي يليق به سبحانه، ولا نعلم كيفية استوائه، فلا نشبهه بالخلق ولا نمثله، وإنما نقول استوى استواء يليق بجلاله وعظمته إثبات المعنى معناه الإيقان بأن الوجه غير اليدين واليدين غير القدم، والقدم غير الساق، والعينان غير السمع، والبصر غير السمع وغير الكلام، والرحمة غير الإرادة، الغضب غير الرضا، والغضب غير إرادة الانتقام، وهكذا كل صفة مستقلة بمعنى من المعاني، اخى الكريم ما تثبتونه من الصفات الذاتية هل تقولون انها بلا معانى اى انه لا فرق بين صفة الحياة او صفة العلم او صفة الارادة او صفة السمع او صفة البصر هل كل هذه الصفات لا تدل على معنى هل هى الفاظ مجردة فما الفرق بينها اذا هذا مالا يعقله العقلاء لذلك قال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية وقال فيه غيره أيضا (إن التفويض هو شر المذاهب) وذلك لأنّ تفويض المعنى يرجع إلى عدم العلم به-ولاشك أنَّ مذهب المفوضة هو شر المذاهب؛ لأنه يقتضي تجهيل الصحابة رَضِيَ اللهُ عنْهُم بل يقتضي أنَّ في القرآن كلاماً وآيات كثيرة لا أحد يعلم معناها، ومعلوم أنَّ أكثر القرآن في الغيبيات ولذلك جاء أول آية في القرآن في امتداح الذين يؤمنون بالغيب يعني في سورة البقرة -الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ- والإيمان بالغيب يقتضي الإيمان بالكيفيات والله أعلم بها، والإيمان بمعاني ما دلنا ربنا به على الغيب، نؤمن بها على ظاهرها؛ يعني على ما دلت عليه لغة العرب.
أبو المجد الفراتي
2017-08-07, 01:12 PM
لا زلت أنتظر الإجابة في معنى نزول الباري .
قال الخلال في كتاب السنة: (أخبرني جعفر بن محمد الفريابي، حدثنا أحمد ابن محمد المقدمي، حدثنا سلميان بن حرب، قال: سأل بشر بن السري حماد بن زيد فقال: يا أبا إسماعيل، الحديث الذي جاء «ينزل الله إلى السماء الدنيا» يتحول من مكان إلى مكان؟ فسكت حماد بن زيد، ثم قال: هو في مكانه، يقرب من خلقه كيف يشاء) .
درء تعارض العقل والنقل، الجزء الثاني (24-25).
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.