تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مباحث في الحاكمية : المبحث الثاني : ما يحكم حقيقة هو الكتاب وليس القاضي



أبو شعيب
2008-05-25, 08:19 AM
بسم الله الرحمن الرحيم ،

هذا المبحث أصل لما سيأتي بعده إن شاء الله ، وكل سابق أصل لما بعده .

حقيقة الحكم إنما هي للكتاب وليس للقاضي ، وإنما جُعل القاضي مستنبطاً ومستخلصاً لحكم الكتاب .. والدليل على ذلك ما يلي ..

قال الله تعالى : { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [البقرة : 213]

قال الطبري في تفسيره :

{ وأنْزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بـالـحَقّ لِـيَحْكُمَ بَـيْنَ النّاسِ فِـيـما اخْتَلَفُوا فِـيهِ } يعنـي بذلك : لـيحكم الكتاب - وهو التوراة - بـين الناس فـيـما اختلف الـمختلفون ، فـيه فأضاف جل ثناؤه الـحكم إلـى الكتاب ، وأنه الذي يحكم بـين الناس دون النبـيـين والـمرسلـين ، إذ كان من حكم من النبـيـين والـمرسلـين بحكم ، إنـما يحكم بـما دلهم علـيه الكتاب الذي أنزل الله - عزّ وجل - ، فكان الكتاب بدلالته علـى ما دل وصفه علـى صحته من الـحكم حاكماً بـين الناس ، وإن كان الذي يفصل القضاء بـينهم غيره
وكذلك الأمر في قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ } [آل عمران : 23]

إذا تبين هذا ، علمنا أنه في مسألة تكفير المتحاكم إلى الطاغوت لا ينظر إلى من سيقضي بين المتخاصمين ، ولكن بأي شيء سيقضي هذا القاضي .

فمن ذهب إلى طاغوت (كأحد رؤوس الصوفية المشركين) يحكم بالقرآن والسنة في كثير من أمور القضاء ، كالنكاح مثلاً ، وتحاكم إليه رجل في إحدى هذه الأمور ، طالباً حكم القرآن والسنة ، فهذا لا يكفر ونيّته اتباع حكم الله تعالى .. لكنه قد يأثم لاتخاذ هذا الكافر قاضياً .

والله أعلم ..

وفي ما يلي من مباحث ستتوضح القضية أكثر إن شاء الله تعالى .

أبو فاطمة الحسني
2008-05-25, 01:19 PM
مهلا أبا شعيب,

المحكوم به لا يمكن أن يحكم مجردا عن طاغوت يحكم به, والله سمى إيمان المتحاكم زعما, وأمر بالكفر بالطاغوت الذي يتحاكم إليه من دونه, ولا نجد في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم تقييد لذلك بالمحكوم به دون الحاكم

ثم هذا الذي وافق الشرع في بعض أحكامه وافقه مصادفة, فهو فيه حاكم بهواه أو بقانونه وهذه طواغيت, ومجرد الموافقة للشرع بغير انقياد لا أثر لها, حتى يكون القصد هو التحاكم للكتاب والانقياد له

قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله:

" وصار هذا الدين الجديد هو القواعد الأساسية التي يتحاكم إليها المسلمون في أكثر بلاد الإسلام ويحكمون بها سواء منها ما وافق في بعض أحكامه شيئا من أحكام الشريعة وما خالفها. وكله باطل وخروج, لأن ما وافق الشريعة إنما وافقها مصادفة, لا اتباعا لها, ولا طاعة لأمر الله ورسوله. فالموافق والمخالف كلاهما مرتكس في حمأة الضلالة, يقود صاحبه إلى النار. لا يجوز لمسلم أن يخضع له أو يرضى ". حكم الجاهلية 34-35.

أبو شعيب
2008-05-25, 01:32 PM
أخي الكريم ، بارك الله فيك ..

لعلك لم تع ما قلته ..

فأنا لم أذكر الأحكام الطاغوتية الموافقة لشرع الله ظاهراً .. بل إنما عنيت أحكاماً مردها الكتاب والسنة ، وضربت في ذلك مثلاً وهو القاضي الكافر ، الذي يدعي الإسلام ، كحال كثير من كفرة أهل البدع ومشركيهم ، كالصوفية والجهمية وغيرهم ، ولكنه يرد بعض المسائل إلى القرآن والسنة في النـزاع ، كمسألة النكاح أو الحدود الشرعية ، وهو واقع في ناقض أو أكثر من نواقض الإسلام ..

فهو لا يحكم بتشريع آخر ، ولا بدستور وضعي ، بل يحكم بعين حكم الله .

خذ مثلاً آخر .. رجل درس الأحكام الفقهية ، وعيّن قاضياً شرعياً في دولة إسلامية ، ولكنه لا يصلي ..

قد يأثم من يأتي إليه لفض النـزاع ، ولكن هل هذا داخل في قوله تعالى : { يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت } ، وهو يقضي بالناس بشرع الله ؟

فالسؤال هنا : هل يكفر من يتحاكم إليه وهو يعلم أنه يحكم بحكم القرآن ؟ .. أم أن العبرة ليست فيمن يفصل في القضاء ، وإنما بأي حكم يكون هذا الفصل ؟

أبو فاطمة الحسني
2008-05-25, 01:55 PM
والآيات التي ذكرتها نحو قوله تعالى: { وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ } لا بد من الجمع بينها وبين آيات أخرى كقوله تعالى { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله }

أبو فاطمة الحسني
2008-05-25, 02:02 PM
أخي الكريم هذا الإطلاق لا يصح:

( إذا تبين هذا ، علمنا أنه في مسألة تكفير المتحاكم إلى الطاغوت لا ينظر إلى من سيقضي بين المتخاصمين ، ولكن بأي شيء سيقضي هذا القاضي )

فأما إن كان طاغوتا ولكنه ليس طاغوت حكم - بمعنى أنه ينقاد بالكلية لحكم الشرع في أقضيته لأنه شرع الله وليس مجرد مصادفة - أو لم يكن طاغوتا وإنما كان مرتدا, وفرض أنه ينقاد للشرع في أحكامه مع ردته من وجه آخر, فلا شك في عدم جواز التحاكم إليه وعدم نفوذ أقضيته, فقد ذكر الفقهاء عدم نفوذ أقضية من دون هؤلاء من الخوارج ونحوهم على خلاف بينهم, وأما الكفار والمرتدين فلم يقل أحد بنفوذ أقضيتهم إذا حكموا ولا جوز احد التحاكم إليهم ابتداء

وأما ما فوق ذلك فيحتاج لنظر, والله أعلم

أبو شعيب
2008-05-25, 02:23 PM
بارك الله فيك أخي ،

لم أقل بجواز ، ولقد قررت التأثيم في هذه المسألة .. ولكنني أتكلم عن الشرك هنا .. هل من يفعل ذلك في قاض عُلم كفره ، وعُلم كذلك أنه يرد مسائل الأحكام إلى كتاب الله .. لا ، بل ويذكر لك الدليل من القرآن والسنة .

فهل المتحاكم إلى مثل هذا يقع في الشرك الأكبر أم لا ؟ .. أنا متفق معك في كونه آثماً لكون هذا القاضي غير مؤتمن ، ولكن كما ذكرت ، فليس ذلك محور حوارنا .

أما الآية التي ذكرت ، وهي قوله تعالى : { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله } .. فلا تناقض ما ذهبت إليه .. فالله - عز وجل - أنزل الكتاب ليحكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - .. فالحكم عائد إلى الكتاب كذلك . وهذا ما ذكره الطبري - رحمه الله - .

فأصل الحكم هو حكم الكتاب ، الذي هو حكم الله .. كما قال تعالى : { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } [الشورى : 10]

والقاضي إنما يجعل مستنبطاً لحكم الكتاب ومستخلصاً له .. فليس الحكم حكمه ، وإنما هو حكم الكتاب .. وأظن أن المسألة واضحة بذلك .

والله أعلم

أبو فاطمة الحسني
2008-05-25, 04:32 PM
القاضي يحكم بحكم الكتاب, فالكتاب يُحكم به, ولذلك ورد الذم على من يحكم بغير ما أنزل الله

وإذا أردت أن تنفي الكفر عن من تحاكم لقاضٍ كافر ينقاد لأحكام الكتاب والسنة , فمن حيث أنه ليس بطاغوت, لا من حيث أنه ليس بحاكم وأن الكتاب هو الحاكم, فهذا غير صحيح, والآيات التي أوردتها لا تدل عليه, وغاية ما فيها أن الكتاب هو الحاكم, وقد استفيد من غيرها أن القاضي حاكم يحكم بالكتاب, فالأمران لا ينفكان

أبو شعيب
2008-05-25, 05:04 PM
جزاك الله خيراً ،

القاضي يحكم بالكتاب .. فالحكم مرده للكتاب في آخر الأمر .. والقاضي منقاد لحكم الكتاب ، فبه يقضي ، وبه يقول .. أظن أن المسألة واضحة .

فأصل الحكم هو للكتاب الذي يلتزم به القاضي .. وكما ذكر الطبري في تفسيره .

أما قولك :


وإذا أردت أن تنفي الكفر عن من تحاكم لقاضٍ كافر ينقاد لأحكام الكتاب والسنة , فمن حيث أنه ليس بطاغوت, لا من حيث أنه ليس بحاكم وأن الكتاب هو الحاكم, فهذا غير صحيح, والآيات التي أوردتها لا تدل عليه, وغاية ما فيها أن الكتاب هو الحاكم, وقد استفيد من غيرها أن القاضي حاكم يحكم بالكتاب, فالأمران لا ينفكان
هذا لم يكن مرادي في بداية الأمر .. ولم أذكره أصلاً .. لعلّك تعجّلت في الحكم .

إنما جعلت مناط التكفير في كنه الحكم الذي يتحاكم إليه الناس ، وليس في من سيحكم فيهم .

فإنهم إن تحاكموا إلى القرآن وكان القاضي بينهم كافراً ، لا يكفرون .
وإن تحاكموا إلى قانون الطاغوت ، يكفرون .

ثم تقول : (فمن حيث أنه ليس بطاغوت) .. هل معنى هذا أن التحاكم إلى الكافر الغير طاغوت ليس تحاكماً إلى الطاغوت ؟

مثاله : رجل تخاصم مع آخر إلى نصارني ليحكم بينهما .. أليس هذا تحاكماً إلى الطاغوت ؟ أم يشترط في هذا النصراني أن يكون طاغوتاً مشرعاً مع الله حتى يكفر المتخاصمان ؟

وقد ضربت مثالاً فيمن يتحاكم إلى طاغوت من أهل البدع (قل داعية إلى عبادة القبور) ، يحكم بالقرآن والسنة في مسائل النكاح والحدود .. فهل من يتحاكم إليه في الأمور المعلوم أنه يحكم فيها بالقرآن والسنة يكفر ؟ .. وهل يعد التحاكم إليه من التحاكم إلى الطاغوت المكفر ؟

ولعلي في المبحث الثالث أوضح هذه المسألة أكثر بمزيد أدلة - إن شاء الله -.

أبو فاطمة الحسني
2008-05-25, 06:11 PM
لا يا أبا شعيب, نحن نتكلم عن كافر ليس بطاغوت من جهة أن كفره كان لشرك عنده أو كفر غير شرك وكفر الحكم بغير ما أنزل الله, فهذا إن كان منقادا لحكم الله في قضاؤه طائعا للشرع فليس بطاغوت حكم, وهذا إنما يتصور في من كان مسلما وتلبس بنواقض الإسلام, وهو يتأول تأولا لا يعذر به

أما النصراني فلا يتصور أنه ينقاد لحكم الله ويحكم به, فمتى انتصب للحكم بين الناس صار طاغوت يتحاكم إليه من دون الله, ولو وافق حكمه أحيانا الشريعة للمصادفة أو أمر آخر غير الانقياد والطواعية لحكم الله

مناط تكفير المتحاكم عندي هو كون المتحاكم إليه طاغوتا, سواء كان قانونا يحكم به, أو حاكما يشرك مع الله في حكمه وإن وافق الشرع في بعض الأحيان, وكلاهما يسمى طاغوتا, وكلاهما يقع التحاكم إليه, وذلك لشمول النصوص للأمرين

أرجو أن يكون قد اتضح لك ما أراه في المسألة, والله أعلم

أبو شعيب
2008-05-25, 06:56 PM
السلام عليكم ،

بارك الله فيك أخي الكريم ،

مع أنني لا أرى تبايناً في معتقدنا في المسألة .. فلو تأملت ، فكلانا يرى نفس الأمر ولكن باختلاف التعبير ..

تقول :

مناط تكفير المتحاكم عندي هو كون المتحاكم إليه طاغوتا, سواء كان قانونا يحكم به, أو حاكما يشرك مع الله في حكمه وإن وافق الشرع في بعض الأحيان, وكلاهما يسمى طاغوتا, وكلاهما يقع التحاكم إليه, وذلك لشمول النصوص للأمرين
مآل كلامنا واحد لو تأملت .. فأنت تكفر المتحاكم إلى القاضي الطاغوت لأن حكمه طاغوتي .. بمعنى أنه يشرع مع الله .. فالمتحاكم إليه إنما يتحاكم إلى هذا الحكم الكافر .. فالمسألة تعود إلى أصلها وهو : أن مناط التكفير في التحاكم إلى الطاغوت هو في كنه الحكم ..

فمتى ما كان القاضي يحكم بشرع الله ، فالمتحاكم إليه لا يكفر .. ولكن إن كان يحكم بغير شرع الله ، ويحاكم إلى هواه (بمعنى يشّرع القوانين) أو إلى أحكام كفرية أخرى ، فالتحاكم إليه كفر أكبر .. ليس بسبب شخصه هو ، ولكن لأن الأحكام التي يصدرها إنما هي أحكام طاغوتية ، وليست إسلامية ، وإن وافقت الإسلام ظاهراً .

يكفيك آية : { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ } [المائدة : 43] .. في إثبات أن التحاكم إنما هو مبني على نوع الحكم .

فأنا لا أرى اختلافاً في معتقدنا في هذه المسألة ، اللهم إلا إن أخطأت فهمك ..

على أي حال ، سأشرع الآن في كتابة المبحث الثالث ، لعله يوضح لك ما اعتاص عليك من كلامي ، إن شاء الله .

أبو فاطمة الحسني
2008-05-25, 09:22 PM
صبرا أبا شعيب,

رجلان نصا في عقد بينهما على أن النزاع يفصل فيه وفق الشريعة الإسلامية, وذهبا لقاض بريطاني أو كندي يحكم بينهما وفق الشريعة, مع أنه طاغوت يحكم بغير ما أنزل الله, وهو إنما يحكم بينهما في هذه القضية لأجل قانونه الذي يعتبر شرط العاقد, لا أنه ينقاد بذلك للشرع

هنا يكون المناط المحكوم به أو الحاكم ؟

أنا أرى أنه يصدق عليهما أنهما تحاكما لطاغوت, وأرى دخول العذر بالتأويل هنا لظنهما أن المهم الحكم الذي يحكم به, وأما الحاكم فغاية ما فيه أنه واسطة اضطروا لها

أبو شعيب
2008-05-26, 05:07 AM
السلام عليكم ،

بل يكون المناط فيما حُكم به ، بغض النظر عمّن يحكم .

تأمل أخي الكريم المثال الذي أوردته ، تجد ما يلي :

أن الحكم الذي سيصدره هذا القاضي ليس من دينه ولا من شرعه ، بل وربما يعتقد بطلانه في قرارة نفسه ، ولكنه إجابة لشرط العقد ، أفتى للمسلم بما يقرره دين الإسلام .

فهو لم يشرّع هذا الحكم الإسلامي من قبل حتى نقول : إن هذا الحاكم ردّ التنازع إلى قانونه أو شريعته الطاغوتية .. بل ردّه في تلك الواقعة إلى كتاب الله تعالى ..

ولا أدري أخي الكريم ما شأن الانقياد للشرع بالنسبة للحاكم في مسألتنا هذه .. فإن كان هو كافر لعدم انقياده للشرع ، ولكنه يفتي بحسب ما يذكره الشرع ، فكيف يكفر المتحاكم إليه ؟ .. هل نحكم على المتحاكمين بدين ومعتقد القاضي ؟

ففي مثالك هذا ، لو أن هذا القاضي يذكر له الأدلة من القرآن والسنة على حكمه ، وهو (أي المتحاكم المسلم) لا يعتقد بشريعته ، ولا بأحقيته في التشريع ، فعلم حكم الله من خلال هذا القاضي ، وبالدليل من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.. فاتبعه .. ليس احتراماً للقاضي وقانونه ، ولكنه وضح له حكم الله فاتبعه .. فهل هذا كفر ؟

ثم أود أن أسألك أخي الفاضل ، ما العلة في كون التحاكم إلى الطاغوت كفراً ؟

لو أنك تقرأ جميع آيات التحاكم ستجد أنها قائمة أساساً على الاتباع والانقياد .. وأن التحاكم إنما جُعل لكشف وتجلية الحكم الشرعي في أمر ما حتى يُتبّع ويُطاع .

فالتحاكم وسيلة إلى الطاعة .. وليس مطلوباً لذاته ، بل لغايته .

فإن كان هذا الرجل علم حكم الله بواسطة هذا القاضي الطاغوت ، فهذا لا يضره في أصل دينه ، خاصة إن كان من أهل العلم ويعرف حكم الله في هذه الواقعة .

لذلك ترى جمعاً من أهل العلم جعلوا التحاكم إلى الطاغوت جائزاً في الضرورة الملحة .. فهم لا يرونه كفراً بذاته ، وإنما لاعتبارات أخرى متعلقة به .. وهو : الانقياد الظاهر والباطن .. فوضعوا شروطاً تدرأ حكم الكفر عن صاحبها إن حققها .

وفي هذه المباحث التي أكتبها ، ستجد ذلك جلياً ، إن شاء الله .

والله أعلم .

أبو فاطمة الحسني
2008-05-26, 06:24 AM
أسألك أخي - بعد إذنك - الأسئلة التالية:

1- الحاكم الكافر الذي يحكم بغير ما أنزل الله وينتصب قاضيا بين الناس فيتحاكمون إليه من دون الله, ولكنه في بعض الأحيان بطلب من المتحاكمين يحكم بينهم بكتاب الله, هل هو طاغوت أم لا ؟

2- الحاكم السابق ذكره هل يجوز التحاكم إليه في غير ضرورة؟ ولماذا ؟

3- رجلان تحاكما إلى قاض كافر يحكم بقانون ما, وهما يقولان أن القانون في هذه المسألة المتنازع فيها يوافق الشريعة أو لا يصادم الشريعة, هل هذا من التحاكم للطاغوت أم لا ؟

4- الحاكم السابق ذكره هل يجوز التحاكم إليه في غير ضرورة؟ ولماذا ؟

أبو شعيب
2008-05-26, 08:37 AM
السلام عليكم ،

1 - نعم ، طاغوت .. وإنما يُستعان به في تلك الحال لإنفاذ حكم الله تعالى ، حيث إنه يرد التنازع إلى كتاب الله فيحكم بما يقتضيه .

2- لا يجوز ، لأنه من تولية الكافر على المؤمن ، والله - عز وجل - يقول : { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً } ..

3- نعم ، هو من التحاكم إلى الطاغوت .. فإن ما سيَنفُذ هو حكم غير شريعة الله ، وما سيُتبع هو غير حكم الله . مع علمي أن بعض مشايخنا الفضلاء جعلوا هذه المسألة كالأولى ، لكنني لم أجد دليلاً عليها .

لاحظ أنه في الأولى رد المسألة إلى دين الإسلام ، وفي الثانية إلى دين الطاغوت .

فإن قلت لي إن الطاغوت في الأولى غير منقاد لشرع الله ، قلت لك ولكن المتحاكم إليه منقاد ، ولا يرضى إلا بحكم القرآن .

وكذلك ، فإن الحاكم الطاغوت يقضي بما خالف هواه ، حيث إن القرآن ليس دينه ولا شريعته ، وإنما ردّ التنازع إليه إجابة لطلب المتنازعين .

4- عندي أنه لا يجوز ، لأنه صار شرعاً طاغوتياً متبعاً ، حتى وإن وافق ظاهره الإسلام ، فحقيقته غير ذلك .

هذا ، والله أعلم .

وأرجو يا أخي الكريم أن نهتم ابتداء بالتأصيل لهذه المسائل قبل الخوض فيها .

فإني قد سألتك سؤالاً .. ما علّة كون التحاكم إلى الطاغوت كفراً ؟ .. هل هو مجرّد الذهاب إليه ؟ أم هو طلب حكمه واتباعه فيه ؟

أبو فاطمة الحسني
2008-05-26, 01:26 PM
السلام عليكم ،
1 - نعم ، طاغوت .. وإنما يُستعان به في تلك الحال لإنفاذ حكم الله تعالى ، حيث إنه يرد التنازع إلى كتاب الله فيحكم بما يقتضيه .


إذا قد تحاكما إلى الطاغوت, ودخلا في حكم الآية: { ألَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا } النساء - (60)

والتفريق بين إذا ما كان طاغوتا يحكم بالشرع بناءا على نصوص قانونه التي تتيح ذلك عند طلب المتعاقدين, وما إذا كان يحكم بقانونه بما يوافق الشرع لا دليل عليه, بل أقد أمر الله بالكفر بالطاغوت بما يتضمن ترك التحاكم إليه مطلقا, وجعل من تحاكم إليه غير كافر به, مما يدل على أن طاغوت الحكم كشخص تعتبر البراءة منه, ولا يتوقف ذلك على النظر لما سيحكم به, فكيف إذا كان حكمه بالشرع في حقيقته تابع لحكم قانونه, ولولا نص قانونه على ذلك لما فعل, والتابع لا يفرد بحكم كما هي القاعدة الفقهية المعروفة, فالعبرة للأصل الذي رد له النزاع, فالمادة التي تنص على أن المتعاقدين لهما اختيار قانون يحكم لهما به القاضي هي المتحاكم إليها, وإلى القانون الذي تضمنها



3- نعم ، هو من التحاكم إلى الطاغوت .. فإن ما سيَنفُذ هو حكم غير شريعة الله ، وما سيُتبع هو غير حكم الله . مع علمي أن بعض مشايخنا الفضلاء جعلوا هذه المسألة كالأولى ، لكنني لم أجد دليلاً عليها .
لاحظ أنه في الأولى رد المسألة إلى دين الإسلام ، وفي الثانية إلى دين الطاغوت .


بل في المسألتين رد المسألة إلى دين الطاغوت, لأن دين الطاغوت هو الذي نص على أن المتنازعين إذا اختارا قانونا يفصل في النزاع بينهما فإن رغبتهما تنفذ

فالطاغوت رد المسألة لدينه في كل الأحوال, ولو نص العاقدين على غير الشريعة لرده لغير الشريعة, فالشريعة لا اعتبار لها أبدا ولا رد إليها, إلا من حيث أنها قانون كغيرها من القوانين التي نص قانون القاضي على أنه يحكم به عندما يرغب بعض المتحاكمين في فصل النزاع على أساسه

وإن شأت قل: رد المسألة لدينه ابتداءً ( دين الطاغوت ), ثم ردها للشرع انتهاءً بناءً على حكم دينه الطاغوتي

فالرد للشرع كان مبنيا على الرد للطاغوت, وما بني على باطل فهو باطل, فالرد الثاني لا يصلح لتعليق الأحكام إليه لابتناءه على الأول وكونه تابعا له لا يفرد بحكم مستقل

أبو فاطمة الحسني
2008-05-26, 01:57 PM
أرجو قبل أن تناقش أن تتأمل جيدا في المسألتين يا أبا شعيب, فما سألتك هذين السؤالين إلى لتجول بعقلك في المقارنة بين الحالين

عسى الله أن يهدينا جميعا للحق

أبو شعيب
2008-05-26, 03:37 PM
السلام عليكم ،

جزاك الله خيراً أخي .. وقد تأملتهما طويلاً ، ولم أر ما رأيت .. ثم أنت قد أضفت شرطاً آخر لم تبيّنه في سؤالك ، وبطبيعة الحال ستجد جواباً عكس ما تبتغيه ، لأنك لم تبيّن حال هذا الطاغوت ولا حال التحاكم ..

تقول في سؤالك الأول ..


1- الحاكم الكافر الذي يحكم بغير ما أنزل الله وينتصب قاضيا بين الناس فيتحاكمون إليه من دون الله, ولكنه في بعض الأحيان بطلب من المتحاكمين يحكم بينهم بكتاب الله, هل هو طاغوت أم لا ؟
ثم تقول تعقيباً على جوابي :

والتفريق بين إذا ما كان طاغوتا يحكم بالشرع بناءا على نصوص قانونه التي تتيح ذلك عند طلب المتعاقدين, وما إذا كان يحكم بقانونه بما يوافق الشرع لا دليل عليه, بل أقد أمر الله بالكفر بالطاغوت بما يتضمن ترك التحاكم إليه مطلقا, وجعل من تحاكم إليه غير كافر به, مما يدل على أن طاغوت الحكم كشخص تعتبر البراءة منه, ولا يتوقف ذلك على النظر لما سيحكم به, فكيف إذا كان حكمه بالشرع في حقيقته تابع لحكم قانونه, ولولا نص قانونه على ذلك لما فعل, والتابع لا يفرد بحكم كما هي القاعدة الفقهية المعروفة, فالعبرة للأصل الذي رد له النزاع, فالمادة التي تنص على أن المتعاقدين لهما اختيار قانون يحكم لهما به القاضي هي المتحاكم إليها, وإلى القانون الذي تضمنها
هلاّ وضحت ذلك في سؤالك الأول حتى تنصفني ؟ .. فقد كان سؤالك يفتقر لجوانب مهمة في هذه المسألة ، والتي ذكرتها في تعليقك .. وكل ما ظننته هو أننا نتكلم عن المسألة مجردة ، كما هي ..

وتقول أيضاً :

بل في المسألتين رد المسألة إلى دين الطاغوت, لأن دين الطاغوت هو الذي نص على أن المتنازعين إذا اختارا قانونا يفصل في النزاع بينهما فإن رغبتهما تنفذ
أين ذكرت ذلك في أسئلتك ؟

فراع ذلك أخي ، بارك الله فيك ، حتى يكون الحوار بنّاءً .. فكلانا يروم الحق ، ولا أسهل عليّ من الرجوع عن قولي إن تبيّن لي خلافه ، إن شاء الله .

لكن ، على أية حال ، الحوار هكذا لا ينفع دون تأصيل ، كما ذكرت آنفاً .. فدعنا نؤصّل المسألة حتى نبني عليها الأحكام .

وأرجو أن تتفضل الآن بإجابة أسئلتي ، إن شاء الله .

1- هل ترى فرقاً بين التحاكم والطاعة ؟ أم أن التحاكم هو وسيلة للطاعة ؟ .. فعليه يكون التحاكم غير مطلوباً لذاته ، ولكن لغايته ؟

2- لماذا كفر المتحاكمون إلى الطاغوت المذكورون في سورة النساء ؟ هل لمجرد ذهابهم إليه كفروا ؟ أم لتوليهم عن طاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبغضهم لحكمه ، وإرادتهم لحكم الطاغوت وتفضيلهم له ؟

وجزاك الله خيراً

أبو فاطمة الحسني
2008-05-26, 07:51 PM
الكلام متصل أوله بآخره, وقد ذكرت ذلك الذي ظننت أني لم أوضحه في سؤالي الذي قبله, والذي جاءت هذه الأسئلة متممة له


صبرا أبا شعيب,
رجلان نصا في عقد بينهما على أن النزاع يفصل فيه وفق الشريعة الإسلامية, وذهبا لقاض بريطاني أو كندي يحكم بينهما وفق الشريعة, مع أنه طاغوت يحكم بغير ما أنزل الله, وهو إنما يحكم بينهما في هذه القضية لأجل قانونه الذي يعتبر شرط العاقد, لا أنه ينقاد بذلك للشرع
هنا يكون المناط المحكوم به أو الحاكم ؟
أنا أرى أنه يصدق عليهما أنهما تحاكما لطاغوت, وأرى دخول العذر بالتأويل هنا لظنهما أن المهم الحكم الذي يحكم به, وأما الحاكم فغاية ما فيه أنه واسطة اضطروا لها

ومع ذلك التوضيح فقد قلت أنت فيه بنحو ما قلت في هذا.. فراجع مشاركتك في الرد عليه برقم 12

ويا أبا شعيب, اعلم أن الحوار معك مفيد, ومن مثلك إن شاء الله نستفيد

وللحديث بقية بعد الفراغ من بعض الأشغال..

وفقني ربي وإياك وأصلح قلبي وقلبك..

أبو شعيب
2008-05-27, 06:11 PM
بارك الله فيك أخي ،

إنما أردت من ذلك أن توضح أسئلتك حتى يكون الحوار بناء .. فقد يفهم المرء السؤال بغير ما يبتغيه السائل ، فيقع الإشكال .

على أيّ ، أنتظرك أن تجيب عن أسئلتي ، وجزاك الله خيراً .

أبو فاطمة الحسني
2008-05-28, 01:39 PM
هلاّ وضحت ذلك في سؤالك الأول حتى تنصفني ؟


أخي الكريم, أعلم رحمك الله أني في هذا الحوار لا أريد مغالبة أو إفحاما أو انتصارا في الكلام

فالمراد فقط هو التباحث مع أخ حبيب لعل كل منا يستفيد من عقل الآخر وقراءاته في ما قصرت عنه نفسه

فلا والله لم أرم ظلمك أو أتقصد أن لا أنصفك

والأمر الآخر, بعد اتضاح أسئلتي أرجو أن تجيب عليها حتى تتضح بعض الأمور بناءا على ذلك

وجزاك الله خيرا

بخصوص أسئلتك:

1- هل ترى فرقاً بين التحاكم والطاعة ؟ أم أن التحاكم هو وسيلة للطاعة ؟ .. فعليه يكون التحاكم غير مطلوباً لذاته ، ولكن لغايته ؟

نعم هناك فرق بين الطاعة والتحاكم.

فالطاعة موافقة الأمر عن انقياد

أما التحاكم فطلب الحكم وفصل النزاع.

والطاعة تحصل بعد التحاكم إذا صدر الحكم فيتم تنفيذه طواعية, أو جبرا بقوة السلطة

التحاكم ليس وسيلة للطاعة, وإنما هو وسيلة لمعرفة حكم الله وامتثاله والانقياد له, وذلك يتم بعد معرفة الحكم بالطاعة أو بغير الطاعة إذا أبى الامتثال فيجبره الحاكم, ويتضمن التحاكم الخضوع والانقياد لحكم الله, ولذلك كان اتخذا غير الله حاكما شركا يتخذ فيه هذا الغير ندا لله, يطلب حكمه ويمتثل له

وقد جاء في الحديث ( وإليك حاكمنا ), فدل على تفرده تعالى بذلك, سبحانه جل وعلى, فقد تفرد بالحكم ربوبية, وتفرد بالتحاكم ألوهية, فمن تحاكم إلى غيره فقد أشرك ذلك الغير معه, نسأل الله السلامة

--------------------
2- لماذا كفر المتحاكمون إلى الطاغوت المذكورون في سورة النساء ؟ هل لمجرد ذهابهم إليه كفروا ؟ أم لتوليهم عن طاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبغضهم لحكمه ، وإرادتهم لحكم الطاغوت وتفضيلهم له ؟--------------------

كفر المتحاكمون لأنهم صرفوا التحاكم لغير الله, وجعلوا له ندا يحكمونه فيما شجر بينهم.

والتفضيل أو البغض لحكم النبي صلى الله عليه وسلم , وإن كانت مصاحبة للتحاكم لغيره في الغالب, فإنها ليست علة يعلق عليها الحكم, وإنما الحكم علق على إرادة التحاكم

وما وصف الله به المتحاكمين للطاغوت من الإعراض عن حكم الله ونبيه صلى الله عليه وسلم هو من قبيل ما خرج مخرج الأغلب, وإلا فالتحاكم في ذاته لغير الله مكفر.

فالمناط المكفر في مسألة التحاكم هو ذات التحاكم للطاغوت, فقد دل قوله تعالى: ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيدا ) على أن التحاكم للطاغوت من نواقض الإيمان

ومن أوجه دلالة هذه الآية على ذلك ما يلي:

1- أن الله جل وعلا أضاف في هذه الآية ذكر التحاكم للطاغوت, والطاغوت ما عبد من دون الله, فدل على أن التحاكم للطاغوت عبادة له من دون الله.

2- أن الله جل وعلا سمى ادعاء المتحاكم الإيمان زعما, والزعم الكذب, فدل على أن التحاكم ينقض الإيمان ويصيره زعما لا حقيقة له.

يقول الشيخ سليمان بن عبدالله آل شيخ في كتابه : ( تيسير العزيز الحميد ص 419) : (( وفي الآية دليل على ترك التحاكم إلى الطاغوت الذي هـو ما سوى الكتاب والسنة من الفرائض ، وأن المتحاكم إليه غير مؤمن بل ولا مسلم )).

3- دل قوله تعالى { وقد أمروا أن يكفروا به } على أن من تحاكم إلى الطاغوت لم يكفر به, ومن لم يكفر بالطاغوت فهو مؤمن به كافر بالله تعالى.

يقول الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل شيخ عند ذكر قوله تعالى : ( فمن يكفر بالطاغوت .....) الآية قال : (( وذلك أن التحاكم إلى الطاغوت إيمان به )) . ( فتح المجيد ص 345).

- وأما ذكر الإرادة في الآية { يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت } واستدلال البعض به على أن المناط المكفر هو إرادة التحاكم للطاغوت بمعنى محبته أو تفضيله ونحو ذلك, فيناقش من وجهين:

أولا: أن الإرادة لا تنتفي إلا بالإكراه الملجئ, فالمتحاكم أراد التحاكم للطاغوت طلبا لحقه أو ردا لمظلمته من غير إكراه, فيصدق عليه أنه أراد التحاكم { يريدون أن يتحاكموا }

ثانيا: أن الله ذمهم بإرادة التحاكم, وقد أرادوا التحاكم وفعلوه طلبا لدنياهم, وإما إرادة الطاغوت لذاته محبة له وانقيادا فلم يعلق الذم عليها وإن كانت مذمومة بطريق الأولى. وفي ذم الله إرادتهم التحاكم نكتة تبين أن التحاكم للطاغوت مذموم بكل حال, وإلا لم يصح تعليق الذم على فعل التحاكم للطاغوت دون تقييده بقيد يبين كونه مذموما في أحوال دون أحوال.

أبو شعيب
2008-05-28, 05:37 PM
أخي الكريم ،

بارك الله فيك .. إنما عنيت الإنصاف في صوغ السؤال .. لكن على أي حال ، غفر الله لي ولك ..

اعذرني في تعليق الجواب عن سؤالك حتى ننتهي من التأصيل ، فأنا قد دخلت مناظرات كثيرة في مسألة التحاكم هذه ، وما وجدت الأسئلة المبنية على أمثلة إلا تزيد الحوار تعقيداً واضطراباً .. فكما قيل : أثبت العرش ثم انقش .. ونحن الآن نتحاور في أدلة هذه المسألة من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا ما ينبغي في كل حوار .. وليس هذا تهرباً ، ولكنه ما أراه صواباً في التحوار البناء .

فاعذرني في تعليقي للجواب حتى ننتهي من التأصيل ، من بعد إذنك .

-----------------------

أما بخصوص أجوبتك ، فدعني أقول إن في مبحثي الثالث في هذه المسألة دليلاً على ما ذهبت إليه .. فمن الأدلة على ذلك :

1- تصدير الله - عز وجل - لآيات التحاكم بأمره بالطاعة ، وجعل الأمر بالتحاكم ضمن الأمر بالطاعة .. قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } [النساء : 59] .. فالتحاكم مطلوب حتى يتضح حكم الله فيُطاع فيه .. وتفيد الآية أنه إن حصل الاتفاق عدم التحاكم .

فأصل المسألة قائم على "الطاعة" .. لذلك جعل الله تعالى أمره بالتحاكم ضمن أمره بالطاعة ، فجعله شرطاً داخلاً في أمر ، لذلك قال "فإن تنازعتم".. أي فإن لم تعلموا حكم الله الواجب الطاعة ، فتحاكموا إليه .

إذن فالتحاكم وسيلة إلى الطاعة .. وأعني بذلك أنه من خلاله يعرف حكم الله فيُطاع فيه .

ومن أدلتي كذلك على أن التحاكم غير مطلوب لذاته ، وإنما هو للطاعة .. ما جاء في سبب نزول آية : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ } [آل عمران : 23] .

حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا يونس قال ، حدثنا محمد بن إسحاق قال ، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال ، حدثني سعيد بن جبير وعكرمة ، عن ابن عباس قال : دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيت المِدْرَاس على جماعة من يهود ، فدعاهم إلى الله ، فقال له نعيم بن عمرو ، والحارث ابن زيد : على أيّ دين أنت يا محمد ؟ فقال : على ملة إبراهيم ودينه . فقالا : فإنّ إبراهيم كان يهوديًّا ! فقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فهلمُّوا إلى التوراة ، فهي بيننا وبينكم ! فأبيا عليه ، فأنزل الله - عز وجل - : { ألم تَر إلى الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب يُدْعونَ إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يَتولى فريق منهم وهم معرضون } إلى قوله : { ما كانوا يفترون } .
وهذا الحديث مرو بإسناد حسن .

الرسول - صلى الله عليه وسلم - دعا اليهود إلى التوراة لتحكم بينهم .. فهل يقال إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - تحاكم إلى الشرائع المنسوخة لتفصل بينه وبين اليهود فيما كانوا فيه يختلفون ؟؟

ومن أدلتي الأخرى أيضاً ما جاء في تفسير قوله تعالى : { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ } [يوسف : 50]

حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج بن المنهال قال ، حدثنا حماد ، عن ثابت ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومحمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه قرأ : { ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن } ، الآية ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لو بعث إليَّ لأسرعت في الإجابة ، وما ابتغيت العذر .

حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عفان بن مسلم قال ، حدثنا حماد ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقرأ هذه الآية : { ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم } ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لو كنت أنا ، لأسرعت الإجابة وما ابتغيت العُذر .

حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة } ، أراد نبيُّ الله - عليه السلام - أن لا يخرج حتى يكون له العذر .

حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن } ، قال : أراد يوسف العذر قبل أن يخرج من السجن .
يوسف - عليه السلام - لم يرد الخروج بمنة الملك ، بل أراد الخروج بالعذر .. أي بإثبات براءته ، ومن ثم إخراجه من السجن بموجب هذا العذر ..

هل يُقال إن يوسف - عليه السلام - سعى لحكم الطاغوت ، أو أنه تحاكم إلى الطاغوت ؟

هناك أدلة أخرى سأذكرها في المبحث الثالث - إن شاء الله - ، فالمقام هنا لا يتسع .

أما من قول علمائنا ، فقد قال ابن تيمية - رحمه الله - في مجموع الفتاوى :

والمطاع في معصية الله والمطاع في اتباع غير الهدى ودين الحق - سواء كان مقبولاً خبره المخالف لكتاب الله أو مطاعاً أمره المخالف لأمر الله - هو طاغوت ؛ ولهذا سمي من تحوكم إليه من حاكم بغير كتاب الله طاغوت
جعل علة كون الذي يُتحاكم إليه طاغوتاً أنه يُتبع في معصية الله تعالى .. ولم يقل : لأنه جُعل حكماً يفصل بين الناس من دون كتاب الله .

وجاء في المحلى لابن حزم :

وقال تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ } إلى قوله تعالى : { حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} . وصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ثلاث من كن فيه كان منافقاً خالصاً ) في كتاب مسلم وغيره : ( إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان ، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ). ومن طريق مسلم أيضاً - نا أبو بكر بن أبي شيبة ، ومحمد بن عبد الله بن نمير قالا جميعاً : نا عبد الله بن نمير نا الأعمش ، عن عبد الله بن مرة عن مسروق ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ، ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، إذا وعد أخلف ، إذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر ) . فقد صح أن هاهنا نفاقاً لا يكون صاحبه كافراً ، ونفاقاً يكون صاحبه كافراً ، فيمكن أن يكون هؤلاء الذين أرادوا التحاكم إلى الطاغوت لا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مظهرين لطاعة - رسول الله صلى الله عليه وسلم - عصاة بطلب الرجوع في الحكم إلى غيره ، غير معتقدين لصحة ذلك ، لكن رغبة في اتباع الهوى ، فلم يكونوا بذلك كفاراً بل عصاة . فقد ندعو نحن عند الحاكم إلى القرآن وإلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثابت عنهم بإقرارهم ، فيأبون ذلك ، ويرضون برأي أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، هذا أمر لا ينكره أحد ، فلا يكونون بذلك كفاراً . فقد يكون أولئك هكذا حتى إذا بيّن الله تعالى أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما شجر بينهم ، وجب أن من وقف على هذا قديماً وحديثاً ، وإلى يوم القيامة فأبى وعند فهو كافر ، وليس في الآية : أن أولئك عندوا بعد نزول هذه الآية .
تأمل كيف ربط المسألة بالطاعة ، وأنهم بتحاكمهم لم يريدوا إلا اتباع الهوى .. ولم يجعل هذه المسألة كما تقول ، إنها من منازعة الله في حكمه .

مع عدم أخذي بتفسيره في هذه القضية ، إلا أن الشاهد في كلامه أنه ربط المسألة بالطاعة .

ثم تقول :

التحاكم ليس وسيلة للطاعة, وإنما هو وسيلة لمعرفة حكم الله وامتثاله والانقياد له, وذلك يتم بعد معرفة الحكم بالطاعة أو بغير الطاعة إذا أبى الامتثال فيجبره الحاكم, ويتضمن التحاكم الخضوع والانقياد لحكم الله, ولذلك كان اتخذا غير الله حاكما شركا يتخذ فيه هذا الغير ندا لله, يطلب حكمه ويمتثل له
يعني من لم يخضع لحكم الطاغوت ولم ينقد له ، فهل يُرفع عنه حكم الكفر ؟

أصل التحاكم هو : معرفة حكم الله .. والخضوع والانقياد هذه تترتب على ما بعد التحاكم .. لذلك قال الله تعالى : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } [النساء : 65]

فهناك أولاً تحاكم لمعرفة حكم الله ، ثم إقرار بالقلب ، وانقياد ظاهر وباطن .

ثم تقول :

وقد جاء في الحديث ( وإليك حاكمنا ), فدل على تفرده تعالى بذلك, سبحانه جل وعلى, فقد تفرد بالحكم ربوبية, وتفرد بالتحاكم ألوهية, فمن تحاكم إلى غيره فقد أشرك ذلك الغير معه, نسأل الله السلامة
رويدك أخي الكريم .

خذ أصل المسألة وابن عليها حكمك ، وهي مسألة الطاعة .. الله - عز وجل - يقول : { اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } [الأعراف : 3] .. فهل من اتبع غير أمر الله تعالى ، دون اعتقاد بأحقيته للأمر ، ومع اعتقاد عصيانه ، وبغضه للأمر بالمعصية ، هل يكون ممن نازع الله في ملكه وألوهيته ؟

وكذلك قوله تعالى : { أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [الأعراف : 54] .. فهل من أطاع غير الله في أمره ، وتولى عن أمر الله ، مع اعتقاده عصيانه واستحقاقه للعقاب ، يكون كافراً ؟

وأخيراً .. من تحاكم إلى الهوى .. مع اعتقاده بعصيانه واستحقاقه للعقوبة ، هل يكون هذا كافراً ؟ .. هذا لا شك له نصيب من آية التحاكم إلى الطاغوت ،

=========

أما جوابك عن سؤالي الثاني ، فإني أرجئه حتى ننتهي من الجواب الأول ، لأنك كما ترى فإن تعقيبي قد طال .

وجزاك الله خيراً

أبو موسى
2008-05-28, 08:11 PM
الأخ أبو شعيب

هل يفهم من بحثك أن التحاكم إلى المحاكم التي يحكم فيها بالقوانين الوضعية ليس كفرا ينقل عن الملة إذا اعتقد المتحاكم بطلان هذه القوانين؟

ومن من السلف أباح التحاكم إلى غير شرع الله في حال غير الإكراه كالضرورة أو الحاجة؟

أبو شعيب
2008-05-28, 08:36 PM
السلام عليكم ،

نعم ، هو كذلك .. إن اعتقد بطلانها وأبغضها ، مع عدم وجود المحاكم الإسلامية ، فلا يُحكم عليه بالكفر إلا إن رضي بهذه القوانين .

أما مَن من السلف أفتى بذلك ، فالمعلوم أن مسائل الحاكمية والتحاكم بهذه الصورة لم تُثر إلا في القرون الأخيرة ، فإنه حتى أيام التتار لم يكن الحال على ما هو عليه ، فهم كانوا يقيمون المحاكم الشرعية بين الناس ، ولكنهم يتحاكمون فيما بينهم بالياسق .. وفي هذه الحال لا ريب أن من يعرض عن المحاكم الشرعية ويطلب حكم الياسق فهو كافر .

لكن كما ترى ، فزمانهم خير من زماننا بكثير ، ولم يكن أحد ليتصور هذا الواقع .

على أي حال ..

قال ابن القيم - رحمه الله - في مدارج السالكين :


وأما الرضى بنبيه رسولاً فيتضمن كمال الانقياد له والتسليم المطلق إليه ، بحيث يكون أولى به من نفسه ، فلا يتلقى الهدى إلا من مواقع كلماته ، ولا يحاكم إلا إليه ، ولا يحكم عليه غيره ، ولا يرضى بحكم غيره البتة ، لا في شيء من أسماء الرب وصفاته وأفعاله ، ولا في شيء من أذواق حقائق الإيمان ومقامه ، ولا في شيء من أحكام ظاهره وباطنه ، لا يرضى في ذلك بحكم غيره ، ولا يرضى إلا بحكمه ، فإن عجز عنه ، كان تحكيمه غيره من باب غذاء المضطر إذا لم يجد ما يقيته إلا من الميتة والدم . وأحسن أحواله أن يكون من باب التراب الذي إنما يتيمم به عند العجز عن استعمال الماء الطهور .
فلعل وحشة التفرد بالفتوى تزول بكلام ابن القيم - رحمه الله - .. مع أنني لم آت بذلك من نفسي ، بل هو قول طائفة من علمائنا الفضلاء ، وما أنا هنا إلا لإثبات بعض ما ذهبوا إليه .. وهذا سيتبين لكم لاحقاً إن شاء الله .

أبو فاطمة الحسني
2008-05-28, 09:04 PM
يا أبا شعيب المعذرة, فأنا مشغول جدا هذه الأيام, وكثير مما تطرحه سبقت مناقشته في هذا المنتدى, فلعلك تراجعه, والروابط سأضعها لك, ومع ذلك سأعود إليك كلما أتيحت لي الفرصة

بالنسبة لابن القيم فهو يتحدث عن التقليد, ولا يتحدث عن التحاكم إلى طواغيت من قريب ولا بعيد, وكلامه عن التيمم ينبيك عن ذلك, فإن التقليد بمثابة البدل عن الاجتهاد, كما أن التيمم بدل عن الوضوء, والجامع بين التقليد والتيمم هو المشروعية, فالله جل وعلا شرع التيمم لفاقد الماء

وقد قال جمع من أهل العلم بأن التقليد مشروع لمن عجز عن الاجتهاد, ويقابلهم من شدد وشبهه بأكل الميتة, وإلى هذا أشار ابن القيم في قوله: " وأحسن أحواله أن يكون من باب التراب الذي إنما يتيمم به عند العجز عن استعمال الماء الطهور "

وأما التحاكم للطاغوت فلا يقال أبدا أنه يشبه التيمم, لفقدانه وصف المشروعية, فالشارع ذمه مطلقا, بخلاف التيمم والذي جاء تشريعه في سياق الامتنان رفعا للحرج, فشتان شتان

ويؤيد ما سبق بجلاء أن ابن القيم أتى بأمثلة من المسائل التي ينهل فيه العلم من النبي صلى الله عليه وسلم: ( أسماء الرب وصفاته وأفعاله ، ولا في شيء من أذواق حقائق الإيمان ومقامه ) فهل مسائل الأسماء والصفات وأفعال الله وأذواق حقائق الإيمان ومقاماته مما يتنازع فيه الناس ويرفعونه إلى القضاة, ومن ثم يتصور أنه يقع التحاكم فيه إلى طواغيت تحكم بغير الشرع ؟!! وهل ينتظر من الطواغيت التي تحكم بغير ما أنزل الله أن يترافع إليها في هذه الأمور التي تنازع في بعضها الفرق المنتسبة للإسلام, فيكون الطواغيت التي تحكم بغير ما أنزل الله حاكمة بين السني وبين صاحب الهوى والمبتدع في إثبات العلو على العرش مثلا ! وذلك من باب الاضطرار وبمنزلة أكل لحم الميتة أو التيمم !

فهذا فهم بعيد جدا..

وهل يدور قول ابن القيم ( فلا يتلقى الهدى إلا من مواقع كلماته ) إلا على الأحاديث وتلقي العلم عنها, فالأمر فيه تلقي لا تقاضي, والتعبير بالتحاكم وإن وقع في كلامه, إلا أنه لم يرد قطعا التحاكم بمعنى التقاضي, بل بما هو أعم من طلب حكم الله في المسائل العلمية والتلقي عنه رسوله في ذلك.

---------- اللهم افتح علينا من واسع فضلك ---------

بعض الروابط فيها نقاش للموضوع, أو لها تعلق به:


http://majles.alukah.net/showthread.php?t=3057

http://majles.alukah.net/showthread.php?t=2409

http://majles.alukah.net/showthread.php?t=4564

أبو شعيب
2008-05-28, 09:20 PM
أخي أبا فاطمة ،

جزاك الله خيراً .. وأتفق معك فيما بيّنته .. وأتراجع عن كلامي فيه .

إذن ، يمكن أن أستعمل هذا القبس عن ابن القيم في إثبات أن التحكيم هو بمعنى الاتباع (ابتسامة) ..

أبو فاطمة الحسني
2008-05-28, 11:47 PM
إذا كنت ستتحدث عما تحدث عنه ابن القيم فلا بأس ( ابتسامة )

أبو شعيب, بارك الله في تواضعك, يعجبني كثيرا سرعة رجوعك إذا تبين لك, بارك الله لك في هذه الخصلة التي قلّت في الكثيرين - ولا أبرئ نفسي -, أسأل الله أن يحلينا جميعا بأحسن الأخلاق ويهدينا إلى صراطه المستقيم

وللحديث بقية..

أبو شعيب
2008-06-07, 07:55 AM
وفيك بارك الله أخي الكريم .. ولعل الله يكتب الهداية على يديك ..

تقول في هذه المشاركة : http://majles.alukah.net/showpost.php?p=35765&postcount=35


أخي الكريم, هذا ليس من باب التحاكم, وإنما من باب الاستعانة بالكافر على رد الحق للمظلوم, وحيث لم يكن في تلك الاستعانة محذور شرعي فلا بأس بها, و هذا الذي وقع من يوسف عليه السلام لا يكيف على أنه تحاكم, لأن معنى التحاكم رفعُ القضية المختلف فيها بين الخصمين إلى جهة لتحكم بحكم بينهم، فهو تفاعــُــلٌ في الأصل لأنه تشارُكٌ بين اثنين. وما وقع من يوسف عليه السلام ليس فيه هذا المعنى، فخرج عن حدّ "التحاكم" ، بل كل ما فيه أنه شكوى إلى ذلك الملك واستعانة به ليؤدي الحق إلى صاحبه من خلال سلطته وأمره, لا من خلال حكمه وقضائه. ويتضح هذا بعدة أمور:

أولا: أجماع أهل العلم على أن الأنبياء لا يقعون في الكبائر فضلا عن الشركيات, فقول يوسف عليه السلام { اذكرني عند ربك } لا يمكن أن يكون تحاكما منه حاشاه.

ثانيا: لقد فر يوسف عليه السلام من الزنا وقبل بالسجن لئلا يقع في هذ الكبيرة, فكيف يقع فيما هو أعظم منها وهو التحاكم للطاغوت, حاشاه ذلك.

ثالثا: كون هذا الساقي سيكون مقربا من الملك بعد أن يطلق من السجن يبين أن قول يوسف له { اذكرني عند ربك } من باب الاستشفاع به عند الملك, حيث سيصدر أمره بإطلاق يوسف, لا أنه سينظر في القضية بينه وبين مدع عليه ويحكم بينهم. ولو كان يريد التحاكم – حاشاه - لخاطبهم بأنه يريد النزول عند حكمهم, وإنما كانت فرصة لأن هذا الفتى سيكون ساقي الملك فإذا كلمه في يوسف لعله يخرجه من السجن, ونظير هذا من يطلب شفاعة عند ملك حتى يخرجه من سجن.

رابعا: قول الملك { أئتوني به } هو أمر من الملك بإخراج يوسف من السجن من غير ترتيب مجلس حكم لذلك, بل هو أمر منه بعد أن عرف فضله بتأويله رؤيا الملك المعروفة فأمر بذلك. وهذا يرد على من جعل الملك حاكما في قضية يوسف وهو عليه السلام متحاكم إليه حاشاه.

خامسا: في قول يوسف عليه السلام: { فاسأله ما بال النسوة } رفض يوسف لخروجه من السجن قبل أن يعلم الناس أنه دخله بفرية لا أساس لها, فكان ما أراد وسأل الملك النسوة: { ما خطبكن إذ راودتن يوسف } فبان بذلك أن الملك كان مصدقا ليوسف لا حاكما في قضيته بينه وبين خصمه, لأنه قال { راودتن } جازما بصدق يوسف وأنهن راودنه. فيوسف عليه السلام أراد انتهاز الفرصة التي بان فيها فضله عند الملك لتستبين براءته بهذا الطريق الذي لا يشتمل على التحاكم والحكم. وكانت النتيجة استخلاص يوسف من قبل الملك لنفسه لا مجرد إخراجه من السجن.

سادسا: لو سلم جدلا أن ما وقع من يوسف من قبيل التحاكم, فلا يستفاد من ذلك الجواز العام, لأن السجن إكراه كما يذكر أهل العلم, ومن ذلك قول عمر: " أربع كلهن كره: السجن.. " الأثر
أما مسألة قول يوسف - عليه السلام - : { اذكرني عند ربك } .. فما أراه صواباً أنه من الجور أن نقحمها في مسألة التحاكم ، وأغلب الظن أنه من باب الاستشفاع ، كما ذكرت أخي الكريم .

أما باقي تأويلك لطلب يوسف - عليه السلام - استحضار النسوة وسؤالهن .. فقد قال في ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( لو كنت أنا ، لأسرعت الإجابة وما ابتغيت العُذر )) ..

فيوسف - عليه السلام - سعى من وراء ذلك إلى العذر في خروجه ، ولم يرد الخروج بمنة الملك .. بمعنى ، أراد الخروج بعزة نفس وكرامة ، وألا يمتنّ عليه الملك بذلك .. وإلا فما تأويل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟

وقد قال قتادة - رحمه الله - ذلك بوضوح : (( أراد نبيُّ الله - عليه السلام - أن لا يخرج حتى يكون له العذر )) ..

ومعناه أن يوسف - عليه السلام - لم يكن له العذر عند الملك في الخروج .. فأراده حتى يخرج به .

فالعذر هنا هو البراءة .. ومقتضاها إخراجه من السجن بحكم الملك ، لا بمنته وفضله .. فيكون ذلك أقرب إلى عزته وشرفه من إجابة طلب الملك .

وإلا ، لو كان الأمر فقط إظهار البراءة ، لخرج من السجن ابتداءً ، ثم طلب من الملك استدعاء النسوة .

ثم تقول إن الملك كان مصدقاً ليوسف - عليه السلام - ، فتقول :

وسأل الملك النسوة: { ما خطبكن إذ راودتن يوسف } فبان بذلك أن الملك كان مصدقا ليوسف لا حاكما في قضيته بينه وبين خصمه, لأنه قال { راودتن } جازما بصدق يوسف وأنهن راودنه.
كيف يكون مصدقاً له ولا برهان ليوسف - عليه السلام - في ذلك ؟ .. وغاية ما قاله هو : { ما بال النسوة اللاتي قطّعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم } ؟

فيكون سؤال الملك للنسوة من باب المواجهة بادعاء الخصم ، فيكون وقع السؤال أبلغ في النفوس .. بدليل أن الملك لم يعلم حقيقة الأمر ، وظن أن النسوة قد كدن ليوسف - عليه السلام - وراودنه عن نفسه ، والحق أنها امرأة العزيز لا غير ..

فأنكر النسوة ، واعترفت امرأة العزيز .

والملك أراد إخراج يوسف - عليه السلام - لإعجابه بتأويل رؤياه .. متجاوزاً سبب سجنه ، دون أن يعتبر فيه .. فلم يرد يوسف - عليه السلام - ذلك ، بل أراد العذر من سجنه .

يقول الرازي في [ تفسير الرازي : 9 / 55 ] :

اعلم أنه لما رجع الشرابي إلى الملك وعرض عليه التعبير الذي ذكره يوسف - عليه السلام - ، استحسنه الملك فقال : ائتوني به ، وهذا يدل على فضيلة العلم ، فإنه - سبحانه - جعل علمه سبباً لخلاصه من المحنة الدنيوية ، فكيف لا يكون العلم سبباً للخلاص من المحن الأخروية ، فعاد الشرابي إلى يوسف - عليه السلام - قال : أجب الملك ، فأبى يوسف - عليه السلام - أن يخرج من السجن إلا بعد أن ينكشف أمره ، وتزول التهمة بالكلية عنه . وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « عجبت من يوسف وكرمه وصبره ، والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان ، ولو كنت مكانه لما أخبرتهم حتى اشترطت أن يخرجوني . ولقد عجبت منه حين أتاه الرسول فقال : { ارجع إلى رَبّكَ } ولو كنت مكانه ولبثت في السجن ما لبث لأسرعت الإجابة وبادرتهم إلى الباب ؛ ولما ابتغيت العذر ، إنه كان حليماً ذا أناة »
واعلم أن الذي فعله يوسف من الصبر والتوقف إلى أن تفحص الملك عن حاله هو اللائق بالحزم والعقل ، وبيانه من وجوه : الأول : أنه لو خرج في الحال فربما كان يبقى في قلب الملك من تلك التهمة أثرها ، فلما التمس من الملك أن يتفحص عن حال تلك الواقعة دل ذلك على براءته من تلك التهمة ، فبعد خروجه لا يقدر أحد أن يلطخه بتلك الرذيلة ، وأن يتوسل بها إلى الطعن فيه . الثاني : أن الإنسان الذي بقي في السجن اثنتي عشرة سنة إذا طلبه الملك وأمر بإخراجه الظاهر أنه يبادر بالخروج ، فحيث لم يخرج عرف منه كونه في نهاية العقل والصبر والثبات ، وذلك يصير سبباً لأن يعتقد فيه بالبراءة عن جميع أنواع التهم ، ولأن يحكم بأن كل ما قيل فيه كان كذباً وبهتاناً . الثالث : أن التماسه من الملك أن يتفحص عن حاله من تلك النسوة يدل أيضاً على شدة طهارته ، إذ لو كان ملوثاً بوجه ما ، لكان خائفاً أن يذكر ما سبق . الرابع : أنه حين قال للشرابي : { اذكرنى عِندَ رَبّكَ } فبقي بسبب هذه الكلمة في السجن بضع سنين ، وههنا طلبه الملك فلم يلتفت إليه ، ولم يقم لطلبه وزناً ، واشتغل بإظهار براءته عن التهمة ، ولعله كان غرضه - عليه السلام - من ذلك أن لا يبقى في قلبه التفات إلى رد الملك وقبوله ، وكان هذا العمل جارياً مجرى التلافي لما صدر من التوسل إليه في قوله : { اذكرنى عِندَ رَبّكَ } ليظهر أيضاً هذا المعنى لذلك الشرابي ، فإنه هو الذي كان واسطة في الحالتين معاً .
أما قولك أخي الكريم أنه كان يصح له ذلك لأنه مكره ؟ فغير صحيح ..

فأولاً .. الملك حكم بإخراجه قبل أن يطلب استدعاء النسوة .. فانتفى الإكراه في حقه ، وكان بوسعه أن يجيبه ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( لو كنت أنا ، لأسرعت الإجابة وما ابتغيت العُذر )) .

وثانياً .. لو افترضنا أنه مكره ، فالإكراه على الكفر في حق من قبلنا لم يجز .. وقد قال العلماء إن الإكراه على الكفر لم يجز إلا في حق هذه الأمة .. هذا فضلاً عن كون الإكراه على الكفر غير جائز أصلاً في الأنبياء .

فخلاصة الأمر أن يوسف - عليه السلام - سعى في إظهار براءته أمام الملك ، فيحكم له الملك بمقتضى ذلك بالخروج من السجن ..

ألا ترى لو أن امرأة العزيز أنكرت لاضطر الملك أن يستبين من يوسف - عليه السلام - البرهان والدليل ، كما حدث من قبل في بيت العزيز ..

قال الله تعالى : { قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ (*) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ (*) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ }

فدلّ على أن هذا الجنس من المحاكمات الذي هو من جنس إظهار الحق المعلوم الثابت بالدليل ، والذي تعرفه الفطر والعقول ، لا شيء فيه إن استدعت الضرورة ذلك .

وإنما ما يكفر به المرء هو تحاكمه للطاغوت في أمرٍ الحقُّ فيه مستند إلى شريعة الله تعالى .. فيفض الطاغوت الخلاف وفق شريعته .

كمن تنازع مع أقربائه في مسائل الميراث .. أو مع شريكه في التجارة في حصص الأرباح والمعاملات وغير ذلك مما يستند إظهار الحق فيه إلى نصوص الشريعة .. فهذا لا شك أن المتحاكم للطاغوت إنما أراد اتباع حكمه والقيام به في هذا الخلاف .. وهذا كفر أكبر .

والمسائل التي تظهر بمحض العقول والفطر ، والتي مقتضاها رد الحقوق إلى أصحابها ، كمن خطف ولده ثم ادعى أنه ولده .. فهذه تجوز عند الطاغوت عند الضرورة الملحة .. وليست كفراً في ذاتها .

وقد بيّنت أيضاً ذلك عند دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهود إلى التوراة لإظهار الحق في إبراهيم - عليه السلام - .. وقد قالها النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( التوراة بيني وبينكم )) .. أي ستحكم بيننا .. وفيها أنزل الله : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ } ..

فهذه مسائل لا اتباع فيها .. وإنما من باب المعرفة وإظهار الحق .. وإن كانت من جنس التحاكم ، كما وصفها الله تعالى بقوله : { ليحكم بينهم } .

هذا ، والله أعلم .

أبو رقية الذهبي
2008-06-21, 03:48 AM
للمتابعة

الإمام الدهلوي
2008-07-07, 01:28 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني أضيف على كلام أخونا الفاضل أبو شعيب بعض النقاط الهامة لعلها تفيد الأخوة وهذه النقاط كالأتي:
أولاً: مسألة الترافع إلى القاضي الكافر الذي يحكم بالشريعة الإسلامية هي مسألة قديمة تكلم العلماء عن حكمها ومعلوم أن قاضي القضاة في بغداد كان هو الجهمي أحمد بن أبي دؤاد وهو من روؤس الجهمية الذين كفرهم السلف وقد قال القنوجي في كتابه العبرة أن من حكم له الحاكم الكافر وفق الشرعية الإسلامية فينبغي له أن يعمل بحكمه ولا يعرض نفسه إلى الأحكام المخالفة للشريعة هذا كلامه بالمعنى وليس الحرف.
ثانياً: ذكر الأخ الفاضل أبو شعيب في معرض استدلاله دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى التوراة في مسألة اتباع ملة إبراهيم عليه السلام .. وأضيف أنا عليه أيضا ً قوله تعالى : كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل .. إلى قوله: قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين الآية
فهذه بعض النقاط البسيطة والله أعلم

أبو شعيب
2008-08-09, 10:32 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ،

جزاك الله خيراً أخي (الإمام الدهلوي) .

------------

هذه رواية تثبت أن الملك لم يكن يعلم ببراءة يوسف - عليه السلام - ، وأن يوسف سعى في إظهارها أمامه ، فيخرج بمقتضاها .

ذكر هذه الرواية الطبري في تفسيره :


حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال : لما أتى الملك رسوله فأخبره ، قال : (ائتوني به) ، فلما أتاه الرسول ودعاه إلى الملك ، أبى يوسف الخروجَ معه ، (وقال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) الآية . قال السدي : قال ابن عباس : لو خرج يوسف يومئذ قبل أن يعلمَ الملك بشأنه ، ما زالت في نفس العزيز منه حاجَةٌ ! يقول : هذا الذي راود امرأته .

من صاحب النقب
2008-08-10, 01:01 AM
1- الكتاب الموضوع للحكم يحكم في العموم و هو عند المسلمين القرآن و عند غيرهم غيره
2- القاضي ينزل الحكم العام على الأعيان و يلزم بحكمه و له شروط عند المسلمين و عند غيرهم
3- الجندي ينفذ الحكم و له شروط عند المسلمين و عند غيرهم

لهذا اختلف حكم هؤلاء الثلاثة و حكم عملهم سواء في دار الإسلام أو في دار الكفر عند المسلمين أو عند الكفار