مشاهدة النسخة كاملة : مجموعة نصائح تعليمية وتربوية (متجدد) .
أبو زيد العتيبي
2017-05-18, 12:08 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الكريم - سلمك الله - هذه النصائح ( التعليمية والتربوية )
أصلها : توجيهات لنفسي ولعدد من الأخوة جمعتني بهم مذاكرة علمية .
أحببت جمعها في مكان واحد لعل الله ينفع بها .
فهذه هي دونك :
النصيحة التعليمية التربوية ( 1 ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
إن أصول النجاح عند المعلم والطالب تقوم على أساسين :
1- ( التعليم الراسخ ) .
2- ( العلم النافع ) .
فأما رسوخ العلم فيكون ؛ بحفظ أصول كل علم يطلبه العبد .
وأما نفع العلم فيكون ؛ بأن يقوده علمه إلى العمل به .
اعلموا أحبتي في الله – سلمكم الله – أن مشاركة الطالب في مجموعة علمية فيه دلالة على ( بذرة خير ) فيه .
ولابد للبذرة إذا كانت مثمرة من مادة تغذيها ، وأرض تحتضنها ، وبيئة تناسبها ، فإذا اجتمعت هذه الثلاث خرجت الثمرة يانعة تسر الناظرين .
- فأما المادة المغذية ، فهي التي تحقق له مقصوده من العلم الذي يريده فإن كان العلم صحيحا مستمدا من الكتاب والسنة فقد تم غذاؤه .
- وأما الأرض التي تحتضن هذه البذرةفهي المعلم الناصح الذي يتدرج مع الطالب بما ينفعه ، فإن وفق له فقد كملت تربيته .
- وأما البيئة المناسبة فهي همته وصحبته وترتيبه لوقته ؛ فمن كملت فقد اعتدل مناخه وحان قطاف ثمرته .
والمتعلق بطالب العلم منها : الثالث ، فعليه أن يهتم :
1- بهمته ، ومما يعينه على ذلك معرفته بحكم العلم الذي يطلبه ، وأجره وثوابه ، وثمرته التي تعود عليه وعلى الأمة .
2- وبصحبته ، فإن الصاحب ساحب فليحرص على مرافقة طلاب العلم النبهاء الذين يعينونه على طلب العلم ويرغبونه فيه .
3- وبترتيبه لوقته فإن مفتاح النجاح في حفظ الأوقات .
وما التوفيق إلا من عند الله فلنستمد منه العون والتسديد .
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-18, 12:15 PM
النصيحة التعليمية التربوية ( 2 ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
أسباب الحفظ
" قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ – رحمه الله - :
" بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ شربَ دوَاءَ الحِفْظِ يُقَالُ لَهُ: بَلاَذُر،
فَقُلْتُ لَهُ يَوْماً خلوَةً: هَلْ مِنْ دوَاءٍ يشربُهُ الرَّجُلُ، فينتفعُ بِهِ لِلْحفظِ؟
فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ، ثُمَّ أَقبلَ عليَّ، وَقَالَ:
لاَ أَعْلَمُ شَيْئاً أَنْفَعَ لِلْحفظِ مِنْ نَهْمَةِ الرَّجُلِ، وَمُدَاومَةِ النَّظَرِ"
( سير أعلام النبلاء : 10/86 ) .
فتأمل – سلمك الله – كيف أرجع البخاري – رحمه الله – القوة في الحفظ إلى أمرين :
الأول /نهمة الرجل : ومبناها على محبة العلم ورجاء الانتفاع منه وطلب ثوابه من الله .
الثاني / مداومة المطالعة : ومبناها على الصدق في الطلب ، وحفظ الأوقات ، واختيار ما يستطيعه من العلم .
وهنا تنبيه لطيف : جواباً عن سؤال أحد الأخوة :
ما رأيك بالذي ينسخ الفوائد في الكمبيوتر يا شيخنا بدل الكتابة وجزاك الله خيرا .
فقلت :
هذا السؤال مفيد للغاية
الكتابة في الدفتر أنفع من النسخ في الكمبيوتر
لعدة أسباب من أهمها: التمعن أثناء التدوين مما يعيين على الفهم ويثبت الحفظ
ولكي يعتاد الكتابة باليد؛
ﻷن في ترتيب الكراسة وتحبيرها:
تحبيب النفس بطلب العلم والدوام فيه
وغير ذلك من الفوائد
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-18, 12:17 PM
النصيحة التعليمية التربوية ( 3 ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم – أخي الحبيب – أن طلب العلم لا ينهض إليه العبد إلا بمصاحبة محركات القلوب الثلاثة :
1- الحب .
2- الخوف .
3- الرجاء .
- فبحب العلم الشرعي تنشأ بذرة التعلم في القلب .
- وبالخوف يمتنع دخول الأسباب المفسدة لها إلى قلبه .
- وبالرجاء تنمو بذرة التعلم حتى تبسق شجرة العلم في قلبه .
لكن – هنا – ( اشتباه ) قد يعترض بعض طلاب العلم ، وهذا الاشتباه يقع بين : ( الرجاء النافع ) ، ( والأماني الكاذبة ) .
فثمرة العلم المرجوة – تبعاً – هي بلوغ مراتب التحصيل العالية ؛ كطالب علم متقدم ، أو محقق مدقق ، أو عالم مجتهد ... ونحو ذلك .
فالتطلع إلى الثمرة التبعية قد يكون ( أمنية كاذبة ) ينقطع بها الطالب عند تحصيله أول رسومها الظاهرة ، مثل :
- تحصيله لقب : دكتور ، أوشيخ .
- أو جلوسه على كرسي التدريس .
فينقطع عن الطلب وتبدأ شجرته بالذبول فالأفول والموت .
وقد يكون تطلعه ( رجاء نافعاً ) يكون لبذرة التعلم كالماء للشجرة ، أو كالروح للبدن به تحيا وتنمو .
- فكلما قرب من منازلها الرفيعة زاد سعيه إليها .
- وكلما حصَّل رسماً ظاهراً منها سعى في تحقيقه بالعمل الصالح والسمت النبوي .
قال – تعالى - : {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] .
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-19, 10:35 AM
النصيحة التعليمية التربوية ( 4 ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
طالب العلم والاصلاحات الأولية
اعلم – أرشدك الله إلى طاعته – أن طالب العلم يحتاج إلى إصلاح نفسه حتى تنقاد له وتسعى معه في ميدان العلم .
ومن أدوات سياسة النفس الإصلاحية :
1- جدول علمي منضبط يرتب فيه طالب العلم مواده الدراسية .
ومن فوائده :
- أنه يحفظ به وقته ويحرز فيه عمره .
- وأنه ينجز فيه مطلوبه من درسه .
2- الحقيبة العلمية من القلم والكراس والقصاصات .... إلخ .
ومن فوائدها :
- أنها وعاء يحفظ به رأس ماله ، فالضبط كما يكون بالصدر يكون بالسطر .
- أنها مادة بحثه ودرسه ومذاكراته في المستقبل .
3- الخلوة وقت الدرس حتى ترتاض نفسه وتعتاد على الصبر فإنه من ثبت نبت كما قاله السلف .
ومما يعين على ذلك :
- تركيز طالب العلم على أصول العلم دون غرائبه .
- تكييف نفسه مع طبيعة المادة العلمية .
- التأني والصبر في فهم مستغلقات الفن ، وذلك :
• بتكرار القراءة .
• وبالسؤال .
• وبالبحث .
• وبالدعاء والاستغفار .
فإن عسر عليه تركه إلى وقت آخر .
{ومن يتوكل على الله فهو حسبه}
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-19, 10:38 AM
النصيحة التعلمية التربوية ( 5 ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
طالب العلم ومشروعه العلمي والدعوي
اعلم أخي الحبيب – أرشدك الله إلى طاعته – أن طالب العلم بلا مشروع يرتب فيه طلبه ودرسه كسائر بلا طريق .
وليس المطلوب ( التخصص المبكر ) فإن هذا من عيوب الطلب ، وإنما المقصود أن يجعل له هدفاً يناسب حاجته وإمكانياته .
فالمشروع العلمي لطالب العلم من فوائده :
- يعينه على تنظيمه لوقته .
- يحدد من خلاله أولوياته .
- يترقى بسببه في مدارجه .
ومع الإخلاص والصدق يجد العبد التوفيق في كل مطالبه .
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-19, 10:42 AM
النصيحة التعليمية التربوية ( 6 ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
طالب العلم ومراتب التحصيل الناجح
اعلم - أرشدك الله إلى طاعته – أن نجاح طالب العلم في طلبه
يقوم على حسن بنائه العلمي ، وهو على وراتب :
المرتبة الأولى / حسن تصور العلم . وذلك مؤسس على :
1- ضبط تعاريف الحقائق الشرعية والمصطلحات العلمية في الفن الذي يطلبه .
2- ضبط أصول وقواعد ذلك الفن .
3- ضبط المسائل العلمية في الفن ، وذلك بجملة أمور :
- معرفة أهم المسائل في كل باب .
- ضبط أدلة وتعليلات كل مسألة .
- اتقان ضوابط كل باب .
- معرفة الأقسام والأنواع .
- تمييز المسائل بعضها عن بعض .
- حفظ متن معتبر يجمعها .
المرتبة الثانية / القدرة على التعبير الصحيح عن الفن .
وهي ملكة ( التعليم ) فمن لم يحسن التعبير عن الفن بعبارة نفسه الصحيحة لا يصلح للتدريس ولا ينبغي له التصدي للتعليم .
قال شيخ الإسلام – رحمه الله - : " فإن التعبير فرع التصور فمن لم يتصور ما يقول لم يقل شيئاً إلا كان خطأ " ( مجموع الفتاةى : 20/451 ) .
المرتبة الثالثة / القدرة على رد الشبه المعارضة للفن .
وهي ملكة ( الاجتهاد ) وهي أمارة الرسوخ في العلم بالفن والتضلع فيه .
وقد أشار إلى هذه المراتب على سبيل الإجمال
شيخ الإسلام – رحمه الله – بقوله :
" والمستدل قد يعجز عن نظم دليل على ذلك
1- إما لعجزه عن تصوره .
2- وإما لعجزه عن التعبير عنه .
فإنه ليس كل ما تصوره الإنسان أمكن كل أحد أن يعبر عنه باللسان ، وقد يعجز المستمع عن فهمه ذلك الدليل .
3- وإن أمكن نظم الدليل وفهمه فقد يحصل العجز عن إزالة الشبهات المعارضة . " ( مجموع الفتاوى : 3/ 319) .
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-20, 01:45 PM
النصيحة التعليمية التربوية ( 7 ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم - أخي الحبيب وفقك الله – أن حاجة طالب العلم إلى الصبر ضرورية .
- فالصبر رأس العلم .
- وأساسه .
- ومادة دوامه .
قال – تعالى - : { وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ}[السجدة : 24] .
فالصبر له ثلاثة مقامات شريفة في تحصيل العلم .
المقام الأول / أنه رأس العلم ، من جهة أنه أمضى أسباب تحصيل العلم وأكثرها تأثيراً في نجاح طلاب العلم . بل هو الوسيلة التي لا يوصل إلى العلم دونها .
المقام الثاني / أنه أساس العلم ، فمن لم يوطن نفسه على الصبر والتحمل لن يظفر بشيء منه ، وكما قيل : يظن أن العلم ينال بالراحة ولما يملأ منه الراحة .
المقام الثالث / أنه مادة دوام تحصيل العلم ، فكل من ضعف صبره أنقطع طلبه للعلم ، فالصبر للعلم كالروح للبدن ، به ينال ويدرك .
اصبر على مر الجفاء من معلم *** فإن رسوب العلم في نفراته
ومن لم يذق مر التعلم ساعة *** تجرع ذل الجهل طول حياته
ومن فاته التعليم وقت شبابه *** فكبر عليه أربعا لوفاته
وذات الفتى والله بالعلم والتقى *** إذا لم يكونا لا اعتبار بذاته
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-20, 01:47 PM
النصيحة التعليمية التربوية ( 8 ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
طالب العلم وسرور القلب ونضارة الوجه
قال ابن القيم – رحمه الله - : " ان النَّبِي دَعَا لمن سمع كَلَامه ووعاه وبلغه بالنضرة وَهِي الْبَهْجَة ونضارة الْوَجْه وتحسينه فَفِي التِّرْمِذِيّ وَغَيره من حَدِيث ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي قَالَ نضر الله امرا سمع مَقَالَتي فوعاها وحفظها وَبَلغهَا فَرب حَامِل فقه الى من هُوَ افقه مِنْهُ ثَلَاث لَا يغل عَلَيْهِنَّ قلب مُسلم اخلاص الْعَمَل لله ومناصحة ائمة الْمُسلمين وَلُزُوم جَمَاعَتهمْ فَإِن دعوتهم تحيط من ورائهم وروى هَذَا الاصل عَن النَّبِي ابْن مَسْعُود ومعاذ بن جبل وَأَبُو الدَّرْدَاء وَجبير بن مطعم وانس بن مَالك وَزيد بن ثَابت والنعمان بن بشير قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث ابْن مَسْعُود حَدِيث حسن صَحِيح وَحَدِيث زيد بن ثَابت حَدِيث حسن وَأخرج الْحَاكِم فِي صَحِيحه حَدِيث جُبَير بن مطعم والنعمان بن بشير وَقَالَ فِي حَدِيث جُبَير على شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم .
وَلَو لم يكن فِي فضل الْعلم الا هَذَا وَحده لكفى بِهِ شرفا فَإِن النَّبِي دَعَا لمن سمع كَلَامه ووعاه وَحفظه وبلغه وَهَذِه هِيَ مَرَاتِب الْعلم اولها .
وَثَانِيها سَمَاعه وعقله فَإِذا سَمعه وعاه بِقَلْبِه أَي عقله وَاسْتقر فِي قلبه كَمَا يسْتَقرّ الشَّيْء الَّذِي يوعى فِي وعائه وَلَا يخرج مِنْهُ وَكَذَلِكَ عقله هُوَ بِمَنْزِلَة عقل الْبَعِير وَالدَّابَّة وَنَحْوهَا حَتَّى لَا تشرد وَتذهب وَلِهَذَا كَانَ الوعي وَالْعقل قدرا زَائِدا على مُجَرّد إِدْرَاك الْمَعْلُوم .
الْمرتبَة الثَّالِثَة تعاهده وَحفظه حَتَّى لاينساه فَيذْهب .
الْمرتبَة الرَّابِعَة تبليغه وبثه فِي الامة ليحصل بِهِ ثَمَرَته ومقصوده وَهُوَ بثه فِي الامة فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْكَنْز المدفون فِي الارض الَّذِي لَا ينْفق مِنْهُ وَهُوَ معرض لذهابه فَإِن الْعلم مَا لم ينْفق مِنْهُ وَيعلم فَإِنَّهُ يُوشك ان يذهب فَإِذا انفق مِنْهُ نما وزكا على الانفاق .
فَمن قَامَ بِهَذِهِ الْمَرَاتِب الاربع دخل تَحت هَذِه الدعْوَة النَّبَوِيَّة المتضمنة لجمال الظَّاهِر وَالْبَاطِن فَإِن النضرة هِيَ الْبَهْجَة وَالْحسن الَّذِي يكساه الْوَجْه من آثَار الايمان وابتهاج الْبَاطِن بِهِ وَفَرح الْقلب وسروره والتذاذه بِهِ فتظهر هَذِه الْبَهْجَة وَالسُّرُور والفرحة نضارة على الْوَجْه وَلِهَذَا يجمع لَهُ سُبْحَانَهُ بَين الْبَهْجَة وَالسُّرُور والنضرة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى فوقاهم الله شَرّ ذَلِك الْيَوْم ولقاهم نَضرة وسرورا فالنضرة فِي وُجُوههم وَالسُّرُور فِي قُلُوبهم فالنعيم وَطيب الْقلب يظْهر نضارة فِي الْوَجْه كَمَا قَالَ تَعَالَى تعرف فِي وُجُوههم نَضرة النَّعيم .
وَالْمَقْصُود ان هَذِه النضرة فِي وَجه من سمع سنة رَسُول الله ووعاها وحفظها وَبَلغهَا فَهِيَ اثر تِلْكَ الْحَلَاوَة والبهجة وَالسُّرُور الَّذِي فِي قلبه وباطنه .
وَقَوله : " رب حَامِل فقه الى من هُوَ افقه مِنْهُ " تَنْبِيه على فَائِدَة التَّبْلِيغ وان الْمبلغ قد يكون افهم من الْمبلغ فَيحصل لَهُ فِي تِلْكَ الْمقَالة مَا لم يحصل للمبلغ اَوْ يكون الْمَعْنى ان الْمبلغ قد يكون افقه من الْمبلغ فَإِذا سمع تِلْكَ الْمقَالة حملهَا على احسن وجوهها واستنبط فقهها وَعلم المُرَاد مِنْهَا .
وَقَوله ثَلَاث لَا يغل عَلَيْهِنَّ قلب مُسلم إِلَى آخِره اي لايحمل الغل وَلَا يبْقى فِيهِ مَعَ هَذِه الثَّلَاثَة فَإِنَّهَا تنفى الغل والغش وَهُوَ فَسَاد الْقلب وسخايمه فالمخلص لله إخلاصه يمْنَع غل قلبه ويخرجه ويزيله جملَة لانه قد انصرفت دواعي قلبه وإرادته إِلَى مرضاة ربه فَلم يبْق فِيهِ مَوضِع للغل والغش كَمَا قَالَ تَعَالَى كَذَلِك لنصرف عَنهُ السوء والفحشاء إِنَّه من عبادنَا المخلصين فَلَمَّا اخلص لرَبه صرف عَنهُ دواعي السوء والفحشاء فَانْصَرف عَنهُ السوء والفحشاء وَلِهَذَا لما علم ابليس انه لَا سَبِيل لَهُ على اهل الاخلاص استثناهم من شرطته الَّتِي اشترطها للغواية والاهلاك فَقَالَ فبعزتك لاغوينهم اجمعين إِلَّا عِبَادك مِنْهُم المخلصين قَالَ تَعَالَى إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان إِلَّا من اتبعك من الغاوين فالاخلاص هُوَ سَبِيل الْخَلَاص وَالْإِسْلَام هُوَ مركب السَّلامَة والايمان خَاتم الامان وَقَوله ومناصحة ائمة الْمُسلمين هَذَا ايضا منَاف للغل والغش فَإِن النَّصِيحَة لَا تجامع الغل إِذْ هِيَ ضِدّه فَمن نصح الائمة والامة فقد برِئ من الغل وَقَوله وَلُزُوم جَمَاعَتهمْ هَذَا ايضا مِمَّا يطهر الْقلب من الغل والغش فَإِن صَاحبه للزومه جمَاعَة الْمُسلمين يحب لَهُم مَا يحب لنَفسِهِ وَيكرهُ لَهُم مَا يكره لَهَا ويسوؤه مَا يسؤوهم ويسره مَا يسرهم وَهَذَا بِخِلَاف من انجاز عَنْهُم واشتغل بالطعن عَلَيْهِم وَالْعَيْب والذم لَهُم كَفعل الرافضة والخوارج والمعتزلة وَغَيرهم فَإِن قُلُوبهم ممتلئة نحلا وغشا وَلِهَذَا تَجِد الرافضة ابعد النَّاس من الاخلاص اغشهم للائمة والامة واشدهم بعدا عَن جمَاعَة الْمُسلمين فَهَؤُلَاءِ اشد النَّاس غلا وغشا بِشَهَادَة الرَّسُول والامة عَلَيْهِم وشهادتهم على انفسهم بذلك فانهم لايكونون قطّ الا اعوانا وظهرا على اهل الاسلام فاي عَدو قَامَ للْمُسلمين كَانُوا اعوان ذَلِك الْعَدو وبطانته وَهَذَا امْر قد شاهدته الامة مِنْهُم وَمن لم يُشَاهد فقد سمع مِنْهُ مَا يصم الاذان ويشجي الْقُلُوب وَقَوله فَإِن دعوتهم تحيط من ورائهم هَذَا من احسن الْكَلَام وأوجزه وافخمه معنى شبه دَعْوَة الْمُسلمين بالسور والسياج الْمُحِيط بهم الْمَانِع من دُخُول عدوهم عَلَيْهِم فَتلك الدعْوَة الَّتِي هِيَ دَعْوَة الاسلام وهم داخلونها لما كَانَت سورا وسياجا عَلَيْهِم اخبر ان من لزم جمَاعَة الْمُسلمين احاطت بِهِ تِلْكَ الدعْوَة الَّتِي هِيَ دَعْوَة الاسلام كَمَا احاطت بهم فالدعوة تجمع شَمل الامة وتلم شعثها وتحيط بهَا فَمن دخل فِي جماعتها احاطت بِهِ وشملته " ( مفتاح دار السعادة : 1/ 71 – 73 ) .
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-20, 01:51 PM
النصيحة التعليمية التربوية ( 9 ) . .
كل علم ليس في القرطاس ضاع
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
قال – تعالى - : {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه: 52].
قال القرطبي – رحمه الله - : "هذه الآية ونظائرها مما تقدم ويأتي تدل على تدوين العلوم وكتبها لئلا تنسى. فإن الحفظ قد تعتريه الآفات من الغلط والنسيان. وقد لا يحفظ الإنسان ما يسمع فيقيده لئلا يذهب عنه.
وروينا بالإسناد المتصل عن قتادة أنه قيل له : أنكتب ما نسمع منك ؟ قال : وما يمنعك أن تكتب وقد أخبرك اللطيف الخبير أنه يكتب ؛ فقال : {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} " (الجامع لأحكام القرآن: 11/206).
قال أبو بكر الخطيب : ينبغي أن يكتب الحديث بالسواد ؛ ثم الحبر خاصة دون المداد لأن السواد أصبغ الألوان ، والحبر أبقاها على مر الدهور. وهو آلة ذوي العلم ، وعدة أهل المعرفة.
ذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي قال : رآني الشافعي وأنا في مجلسه وعلى قميصي حبر وأنا أخفيه ؛ فقال لم تخفيه وتستره ؟ إن الحبر على الثوب من المروءة لأن صورته في الأبصار سواد ، وفي البصائر بياض.
وقال خالد بن زيد : الحبر في ثوب صاحب الحديث مثل الخلوق في ثوب العروس.
وأخذ هذا أبو عبد الله البلوى فقال :
مداد المحابر طيب الرجال ... وطيب النساء من الزعفران
فهذا يليق بأثواب ذا ... وهذا يليق بثوب الحصان
وذكر الماوردي أن عبد الله بن سليمان حكى ؛ رأى على بعض ثيابه أثر صفرة ؛ فأخذ من مداد الدواة وطلاه به ، ثم قال : المداد بنا أحسن من الزعفران ؛ وأنشد :
إنما الزعفران عطر العذارى ... ومداد الدوي عطر الرجال
قال الخليل بن أحمد – رحمه الله - :" ما كٌتِب قَرَّ، وما حُفظ فَرَّ " .
وقد ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قوله : " قيدوا العلم بالكتاب "
( السلسلة الصحيحة : 2026 ) .
وبعده تتابعة وصايا الأئمة بتدوين العلم :
- فقال الشعبي : اكتبوا ما سمعتم مني ولو على جدار .
- وعن عامر قال اذا سمعت شيئا فاكتبه ولو على الحائط .
- وقال ابن جريج : قيدوا العلم بالكتاب .
- وعن أبي صالح الفراء قال : سألت ابن المبارك عن كتاب الحديث ، فقال : " لولا الكتاب ما حفظنا " .
فالقلم والقرطاس لطالب العلم المجد .
كالخزانة لصاحب المال ؛ كلما عظمت أمواله كثرت خزائنه .
فلا يختار لحفظ علمه إلا أجود المداد ، وأنفس الأوراق .
الْعِلْمُ صَيْدٌ وَالْكِتَابَةُ قَيْدُهُ *** قَيِّدْ صُيُودَكَ بِالْحِبَالِ الْمُوثِقَةْ
فَمِنَ الْحَمَاقَةِ أَنْ تَصِيدَ غَزَالَةً *** وَتَفُكَّهَا بَيْنَ الْخَلاَئِقِ طَالِقَةْ
****
أبو زيد العتيبي
2017-05-21, 12:05 PM
النصيحة التعليمية التربوية ( 10 ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخلاق الفاضلة بريد الحق
اعلموا - سلمكم الله – أن الأخلاق الفاضلة بريد الحق إلى القلوب الغافلة .
وما نقلت العلوم إلى القلوب بمثل الأخلاق الحسنة فهي مراكب فاضلة شريفة بها يسمو محمولها ويزداد بهاءا وزينة ، كما قال سُفْيَان الثَّوْرِي – رحمه الله - : «زَيِّنُوا الْحَدِيثَ بَأَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَزَيَّنُوا بِالْحَدِيثِ» .
فعلى طالب العلم أن يتعاهد أخلاقه كما يتعاهد محفوظاته . بل عليه أن يتعلم الأخلاق الحسنة والهدي الفاضل كما يتعلم العلم ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: «كَانُوا يَتَعَلَّمُونَ الْهَدْيَ كَمَا يَتَعَلَّمُونَ الْعِلْمَ» .
وليجعل الطالب الأخلاق الحسنة أسس وأركان بنائه العلمي ، فخباء العلم بلا أوتاد الأخلاق لا يصمد عند زلازل المحن .
ولهذا حرص علماؤنا على العناية بأخلاق طلابهم فهذا مالك بن أنس – رحمه الله – يوصي : «إِنَّ حَقًّا عَلَى مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ وَخَشْيَةٌ، وَأَنْ يَكُونَ مُتَّبِعًا لِأَثَرِ مَنْ مَضَى قَبْلَهُ» .
بل إن حاجة طالب العلم إلى الأدب والخلق أكثر من حاجته إلى المعلومات ، فعَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِلَى أَدَبٍ حَسَنٍ أَحْوَجُ مِنْهُ إِلَى خَمْسِينَ حَدِيثًا» .
وعن عِيسَى بْنَ حَمَّادِ بْنِ قُتَيْبَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ اللَّيْثَ، يَقُولُ: - وَقَدْ أَشْرَفَ عَلَى أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَرَأَى مِنْهُمْ شَيْئًا - فَقَالَ: «أَنْتُمْ إِلَى يَسِيرٍ مِنَ الْأَدَبِ أَحْوَجُ مِنْكُمْ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الْعِلْمِ» .
ومن أجمل ما مثل به أفتقار العلم إلى الأدب ما قاله أَبَو زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِي – رحمه الله -: " عِلْمٌ بِلَا أَدَبٍ كَنَارٍ بِلَا حَطَبٍ، وَأَدَبٌ بِلَا عِلْمٍ كَرُوحٍ بِلَا جِسْمٍ " .
فشبه الأدب بوقود النار التي لا دوام لها دونه ، ومتى قطع عنها خبت وانطفئت .
وقد كان من دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم - : " وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ " رواه مسلم .
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأقوال والأعمال .
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-21, 12:08 PM
النصيحة التعليمية التربوية ( 11 ) .
بسم الله الرحمن الرحيم
الْعِلْمُ خزَانَةٌ مِفْتَاحُهَا الْمَسْأَلَةُ
اعلم – أخي الفاضل – أن من نجابة طالب العلم حسن عنايته بالمسألة من جهة :
1- السؤال النافع .
2- والجواب السديد .
إذ حقيقة العلم إدراك جملة من المسائل ، والمسائل مجموع مسألة .
والمسألة مضمون : سؤال ، وجواب .
فتحقيق السؤال النافع ، والجواب السديد تحقيق للعلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: " وَمِنْ الْمَعْلُومِ : أَنَّ الِاعْتِرَاضَ وَالْقَدْحَ لَيْسَ بِعِلْمِ وَلَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَأَحْسَنُ أَحْوَالِ صَاحِبِهِ : أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِّيِّ وَإِنَّمَا الْعِلْمُ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ " (مجموع الفتاوى:4/28).
فعناية الطالب ( بالسؤال النافع ) طالباً ( الجواب السديد ) دليل على :
- استمراره في الطلب .
- وحرصه على التعلم .
- وتوقد ذهنه .
- واتساع مداركه .
فالسؤال مفتاح العلم ، كما قال ابْنُ شِهَابٍ: «الْعِلْمُ خزَانَةٌ مِفْتَاحُهَا الْمَسْأَلَةُ» .
وقد أمر الله – تعالى – بأخذ العلم عن طريق السؤال ، فقال : { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] .
وكذلك النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر بذلك كما في قوله : " فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ " ( صحيح أبي داود : 364 ) .
فطلب العلم : ( بالسؤال النافع ) من المناقب والفضائل ، كما قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: " نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ " ( رواه مسلم ) . أرادت : يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ أي : يسألن عنه .
وقد كَانَ الْخَلِيلُ يَقُولُ: «الْعُلُومُ أَقْفَالٌ وَالسُّؤَالَاتُ مَفَاتِيحُهَا» .
وَسَلِ الْفَقِيهَ تَكُنْ فَقِيهًا مِثْلَهُ ... مَنْ يَتَتَبَّعْ فِي عِلْمٍ بِفِقْهٍ يَمْهَرُ
وَتَدَبَّرِ الَّذِي تَعْنِي بِهِ ... لَا خَيْرَ فِي عِلْمٍ بِغَيْرِ تَدَبُّرِ.
ومن هنا أدرك العلماء أن العلم ينال ( بالسؤال النافع ) فانصرفت هممهم إليه :
- فقد سُئِلَ الْأَصْمَعِيُّ بِمَ نِلْتَ مَا نِلْتَ؟ قَالَ: «بِكَثْرَةِ سُؤَالِي وَتَلَقُّفِي الْحِكْمَةَ الشَّرُودَ» .
- وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
أَلَا خَبِّرُونِي أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا ... سَأَلْتُ وَمَنْ يَسْأَلْ عَنِ الْعِلْمِ يَعْلَمِ
سُؤَالُ امْرِئٍ لَمْ يَعْقِلِ الْعِلْمَ صَدْرُهُ ... وَمَا السَّائِلُ الْوَاعِي الْأَحَادِيثَ كَالْعَمِ.
ومن دقة نظر عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ: « وَلَا تَجْزَعْ بِتَفْرِيعِ السُّؤَالِ؛ فَإِنَّهُ يُنَبِّهُكَ عَلَى عِلْمِ مَا لَمْ تَعْلَمْ» .
والأشد من هذا أن ترك مذاكرة العلم بالسؤالات يؤول إلى نسيان العلم وذهابه ، فعن عَلِي بْن حَوْشَبٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَكْحُولًا يَقُولُ: " قَدِمْتُ دِمَشْقَ وَمَا أَنَا بِشَيْءٍ مِنَ الْعِلْمِ أَعْلَمُ مِنِّي بِكَذَا لِبَابٍ - ذَكَرَهُ مِنْ أَبْوَابِ الْعِلْمِ -، قَالَ: فَأَمْسَكَ أَهْلُهَا عَنْ مَسْأَلَتِي حَتَّى ذَهَبَ " .
إِذَا كُنْتَ لَا تَدْرِي وَلَمْ تَكُ بِالَّذِي ... يُسَائِلُ مَنْ يَدْرِي فَكَيْفَ إِذًا تَدْرِي؟
وفقني الله وإياكم إلى هداه .
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-21, 12:31 PM
النصيحة التعليمية التربوية ( 12 ) .
طالب العلم والصدق
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ " ( رواه مسلم ) .
فالعبد مأمور بالصدق لأنه الطريق الوحيد إلى الله – تعالى – فمن لم يسلكه لن يصل إلى ربه : إلى رضاه وجنته .
قال – تعالى - : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ }[التوبة : 119] .
قال أبو جعفر الطبري – رحمه الله - :" يقول - تعالى ذكره - للمؤمنين، معرِّفَهم سبيل النجاة من عقابه، والخلاصِ من أليم عذابه: {يا أيها الذين آمنوا} ، بالله ورسوله {اتقوا الله} ، وراقبوه بأداء فرائضه، وتجنب حدوده {وكونوا} في الدنيا من أهل ولاية الله وطاعته، تكونوا في الآخرة {مع الصادقين} في الجنة. يعني: مع من صَدَق اللهَ الإيمانَ به، فحقَّق قوله بفعله، ولم يكن من أهل النفاق فيه، الذين يكذِّب قيلَهم فعلُهم.
وإنما معنى الكلام: وكونوا مع الصادقين في الآخرة باتقاء الله في الدنيا، كما قال جل ثناؤه: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين} [سورة النساء: 69] " ( جامع البيان : 14/558 ) .
وأولى الناس ( بالصدق ) طلاب العلم ؛ إذ العلم لا يستقيم إلا به ، كما قال يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ – رحمه الله - : «آلَةُ الْحَدِيثِ الصِّدْقُ ... " .
وكان السلف الكرام يلقنون طلابهم الصدق قبل الحديث . بل ويشددون عليهم فيه حتى تتفهمه عقولهم وتطمئن به قلوبهم ويكون سجيتهم ، فعن بَقِيَّة ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ الْأَوْزَاعِيِّ فَجَاءَ شَابٌّ فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو مَعِيَ ثَلَاثُونَ حَدِيثًا، قَالَ: فَجَعَلَ الْأَوْزَاعِيُّ يُحَدِّثُهُ وَيَعُدُّهَا، قَالَ: فَلَمَّا جَازَ الثَّلَاثِينَ قَالَ لَهُ: «يَا ابْنَ أَخِي، تَعَلَّمِ الصِّدْقَ قَبْلَ أَنْ تَعَلَّمَ الْحَدِيثَ» .
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هَارُونَ، قَالَ: أَتَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيَّ ، فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْنِي خَمْسَةَ أَحَادِيثَ، فَقَالَ: هَاتِ، فَجَعَلْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ، فَجَعَلَ يَعُدُّ، وَأَنَا لَا أَعْلَمُ، فَلَمَّا بَدَأْتُ بِالسَّادِسِ، قَالَ: «اذْهَبْ فَتَعَلَّمِ الصِّدْقَ، ثُمَّ اكْتُبِ الْحَدِيثَ» .
وقُرِئَ عَلَى أَبِي عُبَيْدٍ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ حَرْبَوَيْهِ الْقَاضِي، وَأَنَا أَسْمَعُ , قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عُبَيْدٍ الْقَاسِمَ بْنَ سَلَّامٍ قُلْتُ: " أَسْأَلُ عَنْ مَسْأَلَتَيْنِ، قَالَ: مَا هُمَا؟ قَالَ، قُلْتُ: {دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ} مَا الْأَيْدِ؟ قَالَ: الْقُوَّةُ، قُلْتُ {أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} قَالَ: الْقُوَّةُ وَالْأَبْصَارُ، الْعُقُولُ، هَكَذَا يُرْوَى فِي التَّفْسِيرِ، قَالَ: قُلْتُ: مَا بَالُ إِحْدَاهُمَا ثَبَتَتْ فِيهِ الْيَاءُ وَالْأُخْرَى حُذِفَتْ؟ قَالَ: عَمَلُ الْكَاتِبِ، قَالَ: فَانْدَفَعْتُ أَسْأَلُ عَنْ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى، قَالَ: قُلْتَ مَسْأَلَتَيْنِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، قَالَ: قُلْتُ «مَا أَحْسَبُ حَضَرَ الْمَجْلِسَ أَحَدٌ أَبْعَدُ مَنْزِلًا مِنِّي» ، قَالَ: «وَإِنْ كَانَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَالصِّدْقُ» .
والسبب في ذلك الحرص ، وتلك العناية : أن مراتب العلم لا يفلح فيها إلا الصادق .
قَالَ وَكِيعٌ: «هَذِهِ صَنَاعَةٌ لَا يَرْتَفِعُ فِيهَا إِلَّا صَادِقٌ» .
وقال أَبَو بَكْرٍ الْمَرُّوذِي: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ، وَسُئِلَ: «بِمَ بَلَغَ الْقَوْمُ حَتَّى مُدِحُوا» ، قَالَ: «بِالصِّدْقِ» .
فإن صدق اللسان وعفته أمارة على تقوى القلب وطهارته وبذلك يفلح العبد .
يَلْقَاكَ بِالْخُلْفِ مَنْ فِي دِينِهِ عِوَجٌ ... وَلَيْسَ فِي دِينِ أَهْلِ الصِّدْقِ مِنْ عِوَجِ
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-22, 05:56 AM
النصيحة التعليمية التربوية (13)
غائلة العلم
بسم الله الرحمن الرحيم
قَالَ الْحَسَنُ، «غَائِلَةُ الْعِلْمِ النِّسْيَانُ وَتَرْكُ الْمُذَاكَرَةِ» .
اعلموا – أحبتي الكرام – أن القلب ليس كاغداً أو قرطاساً نُودع فيه العلم ، متى ما أردناه استخرجناه منه .
بل القلب من جهة تحمله العلم كالعضلة ، تقوى أو تضعف بحسب تعاهدها بالتمارين أو تركها .
والحافظة كذلك تقوى وتشتد بالتدريب ، وتضعف وتترهل بعدمه
حتى تتفلت منها محفوظاتها، وتتسرب معلوماتها .
وتدريب الحافظة يكون ( بالمذاكرة ) فبها تقوى الذاكرة وتشتد ،
فقد روي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ – رضي الله عنه – أنه قَالَ: «تَذَاكَرُوا الْحَدِيثَ؛ فَإِنَّ الْحَدِيثَ يُهَيِّجُ الْحَدِيثَ» .
وجاء عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أنه قَالَ:
«إِنَّ إِحْيَاءَ الْحَدِيثِ مُذَاكَرَتُهُ، فَتَذَاكَرُوا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ يَرْحَمُكَ اللَّهُ كَمْ مِنْ حَدِيثٍ أَحْيَيْتَهُ فِي صَدْرِي قَدْ مَاتَ» .
كما أنه بترك المذاكرة تسري غائلة النسيان على العلم فتذهبه ،
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ " أَنَّ دَغْفَلَ بْنَ حَنْظَلَةَ، قَالَ لِمُعَاوِيَةَ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ: «إِنَّ غَائِلَةَ الْعِلْمِ النِّسْيَانُ» .
وعن عَلِي – رضي الله عنه – أنه قال : «تَذَاكَرُوا هَذَا الْحَدِيثَ؛ فَإِنَّكُمْ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا يَدْرُسْ» .
وقَالَ الزُّهْرِي – رحمه الله - : «إِنَّمَا يُذْهِبُ الْعِلْمَ النِّسْيَانُ وَتَرْكُ الْمُذَاكَرَةِ» .
ونحن اليوم في نعمة عظيمة من تيسر ( أسباب المذاكرة ) بالوسائل الحديثة
التي تقرب البعيد وتيسر الصعب مع قلة نفقه ومؤونة ، بأيسر جهد وبلا تعب .
فالطالب النبيه ، والشيخ الفطين هما من يستثمران هذه المجالس في مذاكرة العلم وإحياء سنة السلف الماضين بالمذاكرات العلمية
التي هي عماد دوام العلم ونمائه . فـ «لَوْلَا النِّسْيَانُ لَكَانَ الْعِلْمُ كَثِيرًا» كما قَالَه الْحَسَنُ – رحمه الله - .
وإن من البليات التي تصرف عن المذاكرة ( الإعجاب ) بالنفس .
كما قَالَ عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ :
الْعِلْمِ آفَتُهُ الْإِعْجَابُ وَالْغَضَبُ ... وَالْمَالُ آفَتُهُ التَّبْذِيرُ وَالنَّهْبُ
فالواجب ثنائي بين ( الشيخ ) ، ( والطالب ) :
- ( الشيخ ) يبذل ثمن العلم ،
كما قَالَ عِكْرِمَةُ – رحمه الله - : «إِنَّ لِهَذَا الْعِلْمِ ثَمَنًا» قِيلَ: وَمَا ثَمَنُهُ؟
قَالَ: «أَنْ تَضَعَهُ عِنْدَ مَنْ يَحْفَظُهُ وَلَا يُضَيِّعُهُ» .
لا تُؤْتِيَنَّ الْعِلْمَ إِلَّا امْرَأً ... يُعِينُ بِاللُّبِّ عَلَى دَرْسِهِ
- ( والطالب ) يُعد نفسه لتلقي العلم ويؤهل نفسه لمذاكرة أهله،
كما قَالَ أَنَسُ بْنُ أَبِي شَيْخٍ – رحمه الله - : «مَنْ كَانَ حَسَنَ الْفَهْمِ رَدِيءَ الِاسْتِمَاعِ لَمْ يَقُمْ خَيْرُهُ بِشَرِّهِ».
فمن ضياع العلم ترك الاستفادة من المشايخ حتى يذهب علمهم؛ فعن الزُّهْرِيِّ – رحمه الله - قَالَ:
«إِنَّ لِلْعِلْمِ غَوَائِلَ فَمِنْ غَوَائِلِهِ أَنْ يُتْرَكَ الْعَالِمُ حَتَّى يُذْهَبَ بِعِلْمِهِ، وَمِنْ غَوَائِلِهِ النِّسْيَانُ وَمِنْ غَوَائِلِهِ الْكَذِبُ فِيهِ وَهُوَ شَرُّ غَوَائِلِهِ»
إِذَا لَمْ يُذَاكِرْ ذُو الْعُلُومِ بِعِلْمِهِ ... وَلَمْ يَذْكُرْ عِلْمًا نَسِيَ مَا تَعَلَّمَا
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-22, 06:01 AM
النصيحة التعليمية التربوية (14)
القرآن أصل العلم وأساسه
اعلموا – أحبتي الكرام – :
" أَنَّ أَصْلَ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ وَمَبْدَأَهُ وَدَلِيلَهُ الْأَوَّلَ عِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا: هُوَ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ".
( مجموع الفتاوى : 2/1 ) .
" وَلَمَّا كَانَ أَصْلُ الْعِلْمِ وَالْهُدَى:
هُوَ الْإِيمَانُ بِالرِّسَالَةِ الْمُتَضَمِّنَة ِ لِلْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ:
كَانَ ذِكْرُهُ طَرِيقَ الْهِدَايَةِ بِالرِّسَالَةِ - الَّتِي هِيَ الْقُرْآنُ وَمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ - كَثِيرًا جِدًّا.
كَقَوْلِهِ: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}
وَقَوْلِهِ: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} .
وَقَوْلِهِ: {إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} "
( مجموع الفتاوى : 2/ 4) .
علم من ذلك أن معدن ( العلم الإلهي ) ومنبعه وأساسه وأصله هو القرآن الكريم .
فكل طلب للعلم لا يؤسس على ( القرآن ) فهو جهل وسفه وضلالة .
قال ابن عبد البر – رحمه الله - : " " طَلَبُ الْعِلْمِ دَرَجَاتٌ وَمَنَاقِلُ وَرُتَبٌ لَا يَنْبَغِي تَعَدِّيهَا وَمَنْ تَعَدَّاهَا جُمْلَةً فَقَدْ تَعَدَّى سَبِيلَ السَّلَفِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ تَعَدَّى سَبِيلَهُمْ عَامِدًا ضَلَّ، وَمَنْ تَعَدَّاهُ مُجْتَهِدًا زَلَّ فَأَوَّلُ الْعِلْمِ حِفْظُ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَفَهُّمُهُ وَكُلُّ مَا يُعِينُ عَلَى فَهْمِهِ فَوَاجِبٌ طَلَبُهُ مَعَهُ وَلَا أَقُولُ: إِنَّ حِفْظَهُ كُلَّهُ فَرْضٌ وَلَكِنِّي أَقُولُ: إِنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لَازِمٌ عَلَى مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا فَقِيهًا نَاصِبًا نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْفَرْضِ " ( جامع بيان العلم وفضله : 2/1129 ) .
ثم نقل عن " عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ – تَعَالَى -: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ} [آل عمران: 79]
قَالَ: «حَقٌّ عَلَى كُلِّ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا» .
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ أَبِي الدَّرْدَاءَ – رضي الله عنه - : " لَنْ تَفْقَهَ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى تَرَى لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا " ،
وَقَالَ مُجَاهِدٌ : " رَبَّانِيِّينَ فُقَهَاءُ " .
إلى أن قال – أيضاً - : " الْقُرْآنُ أَصْلُ الْعِلْمِ " ( جامع بيان العلم وفضله : 2/1129 ) .
وقد قال الشاطبي – رحمه الله - في الموافقات : " إن كتاب الله قد تقرر أنه كلية الشريعة، وعمدة الملة، وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، وأنه لا طريق إلى الله سواه، ولا نجاة بغيره، ولا تمسك بشيء يخالفه. وهذا لا يحتاج إلى تقرير واستدلال عليه؛ لأنه معلوم من دين الأمة. وإذا كان كذلك لزم ضرورة لمن رام الاطلاع على كليات الشريعة وطمع في إدراك مقاصدها، واللحاق بأهلها، أن يتخذه سميره وأنيسه، وأن يجعله جليسه على مر الأيام والليالي، نظراً وعملاً، لا اقتصاراً على أحدهما، فيوشك أن يفوز بالبغية، وأن يظفر بالطلبة، ويجد نفسه من السابقين وفي الرعيل الأول. فإن كان قادراً على ذلك ولا يقدر عليه إلا من زاول ما يعينه على ذلك من السنة المبينة للكتاب وإلا فكلام الأئمة السابقين والسلف المتقدمين آخذ بيده في هذا المقصد الشريف، والمرتبة المنيفة..". ( الموافقات : 3/257).
ولهذا قال شيخ الإسلام – رحمه الله - :
" قَدْ فتح اللَّه عَلِي فِي هذا الحصن فِي هذه المرة من معاني الْقُرْآن،
ومن أصول العلم بأشياء، كَانَ كثير من الْعُلَمَاء يتمنونها،
وندمت عَلَى تضييع أَكْثَر أوقاتي فِي غَيْر معاني الْقُرْآن "
( ذيل طبقات الحنابلة : 4/ 519 ) .
أَكْـرِمْ بقـومٍ أَكْرَمُـوا القُرآنـا *** وَهَبُـوا لَـهُ الأرواحَ والأَبْـدَانـا
قومٌ.. قد اختـارَ الإلـهُ قلوبَهُـمْ *** لِتَصِيرَ مِنْ غَرْسِ الهُـدى بُسْتَانـا
زُرِعَتْ حُروفُ النورِ.. بينَ شِفَاهِهِمْ *** فَتَضَوَّعَتْ مِسْكـاً يَفِيـضُ بَيَانَـا
رَفَعُوا كِتابَ اللهِ فـوقَ رُؤوسِهِـمْ *** لِيَكُونَ نُوراً في الظـلامِ... فَكَانـا
سُبحانَ مَنْ وَهَبَ الأُجورَ لأهْلِهَـا *** وَهَدى القُلُوبَ وَعَلَّـمَ الإنسانـا
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-22, 06:06 AM
النصيحة التعليمية التربوية (15)
( الخطاب ) بين المقاصد والوسائل .
اعلم – أخي الحبيب - : أن ( التفهيم ) في الخطاب في الأصل وسيلة وليس غاية .
فالعلم له طرفان : ( حقيقة ) وهو : الحق . ( ووسيلة ) وهي : التفهيم .
وتفهيم الحق له : ( طريق ) ، ( وقوالب لفظية) .
فأما ( الطريق ) فهي : ثلاثة طرق رئيسية شرعية :
الأول / الحكمة ، بأن يقترن الحق بالدليل .
الثاني / الموعظة الحسنة ، بأن يقترن الحق بالترغيب والترهيب .
الثالث / المجادلة بالتي هي أحسن ، بأن يزال عن الحق ما يشتبه على المعارض من المعاني والألفاظ .
واشتباه المعاني يولد ( القياس الفاسد ) .
واشتباه الألفاظ يولد ( التأويل الفاسد ) .
وقد تجتمع في المخاطبين هذه الأصناف فيحتاج المتكلم في خطاب واحد إلى:
الحكمة ، والموعظة الحسنة ، والجدال بالتي هي أحسن .
وأما ( قوالبه اللفظية ) فهي على نوعين :
1- ألفاظ تعبدية ، لا يجوز تعديها .
2- ألفاظ اختيارية ، يختار الحكيم ما يناسب المخاطب منها .
ففرق بين ( الاصطلاحات ) : الشرعية ، والعلمية . التي تلتزم لسلامة ( الشرع ) ، (والعلوم ) .
وبين ( أسلوب الخطاب اللفظي ) الذي يقصد لايصال الحق .
فالأول الأصل فيه الالتزام .
والثاني الأصل فيه الاختيار .
ومن ضوابط الاختيار :
1- أن يكون المقصود التفهيم بالعبارة السهلة الواضحة .
2- مراعاة حال المخاطب – علمياً ، أو اجتماعياً - .
3- مراعاة مقتضى الحال من إطناب أو توسط أو اختصار .
فإن الأصل في العلم نفعه لا كثرته .
ومن ركز على المنفعه حمله ذلك على ( سداد القول )
وحقيقته : ما دل على المراد بلا زيادة ولا نقصان .
يَقُولُ الله - تعالى - : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70]
" وَالسَّدِيدُ هُوَ الَّذِي يَسُدُّ مَوْضِعَهُ وَيُطَابِقُهُ
فَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ،
وَسَدَادُ السَّهْمِ هُوَ مُطَابَقَتُهُ وَإِصَابَتُهُ الْغَرَضَ
مِنْ غَيْرِ عُلُوٍّ وَلَا انْحِطَاطٍ وَلَا تَيَامُنٍ وَلَا تَيَاسُرٍ " .
( مختصر الصواعق : ص/ 388 ) .
وجماع البيان التام في : ( العلم ) ، ( والصدق ) ، ( والفصاحة ).
فمن أجتمع في كلامه ذلك فقد أعطى البيان حقه .
- والكلام الكثير يذم في أحوال وأصناف ، منهم :
الأول / من يزن العلم بكثرة الكلام .
الثاني / من يتكلف العبارات ، ويطولها بلا مسوغات .
الثالث / من يكون قصده تلميع نفسه لا إيصال الحق .
ونحوهم .
سلم الله الجميع
وزادكم ربي توفيقاً وسداداً
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-23, 11:53 AM
النصيحة التعليمية التربوية (16)
العلم والتواضع
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلموا - أحبتي الكرام - أن من سمات العلم النافع تعريف النفس بحقيقتها،
والموفق كلما زاد علمه أزداد معرفة بنفسه ؛ بجهلها وظلمها .
وحقيقة التواضع قبول الحق وترك الترفع على الخلق .
" قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ:
" سَأَلْتُ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنِ التَّوَاضُعِ، فَقَالَ:
أَنْ تَخْضَعَ لِلْحَقِّ وَتَنْقَادَ لَهُ مِمَّنْ سَمِعْتَهُ وَلَوْ كَانَ أَجْهَلَ النَّاسِ لَزِمَكَ أَنْ تَقْبَلَهُ مِنْهُ"
( جامع بيان العلم وفضله : 1/569 ) .
والأمر بالتواضع هو من خالص معين الوحي ،
ففِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ: أَنْ تَوَاضَعُوا، حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ. وَلَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ» .
فإذا أردت الشرف يا طالب العلم فعليك بالتواضع ، كما قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ شَيْبَانَ: الشَّرَفُ فِي التَّوَاضُعِ .
وَإِذَا مَا الشَّرِيفُ لَمْ يَتَوَاضَعْ ... لِلْأَخِلَّاءِ فَهُوَ عَيْنُ الْوَضِيعِ
بل الحال كما قال أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِي ِّ – رحمه الله - :
«يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يَضَعَ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» .
من هدي السلف في التواضع :
قال ابن القيم – رحمه الله - :
" قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى عَاتِقِهِ قِرْبَةُ مَاءٍ،
فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَا يَنْبَغِي لَكَ هَذَا. فَقَالَ: لَمَّا أَتَانِيَ الْوُفُودُ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ.
دَخَلَتْ نَفْسِي نَخْوَةٌ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَكْسِرَهَا.
وَوَلِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِمَارَةً مَرَّةً. فَكَانَ يَحْمِلُ حِزْمَةَ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ. وَيَقُولُ: طَرِّقُوا لِلْأَمِيرِ.
وَرَكِبَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مَرَّةً. فَدَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ لِيَأْخُذَ بِرِكَابِهِ.
فَقَالَ: مَهْ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ! فَقَالَ: هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِكُبَرَائِنَا.
فَقَالَ: أَرِنِي يَدَكَ. فَأَخْرَجَهَا إِلَيْهِ فَقَبَّلَهَا.
فَقَالَ: هَكَذَا أُمِرْنَا نَفْعَلُ بِأَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
( مدارج السالكين : 2/315 ).
وَأَحْسَنُ مَقْرُونَيْنِ فِي عَيْنِ نَاظِرٍ ... جَلَالَةُ قَدْرٍ فِي ثِيَابِ تَوَاضَعِ
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-23, 11:58 AM
النصيحة التعليمية التربوية (17)
نجاح الطالب في علو همته
وما نيل المطالب بالتمني *** ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
اعلم – سلمك الله – أن الهمة العالية هي المركب الذي يصل به الطالب إلى مقصوده .
واللبيب هو من يتعاهد ( مركبه ) حتى يصل إلى مبتغاه .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
" فالهمّة العالية على الهمم كالطائر العالي على الطيور, لا يرضى بمساقطهم, ولا تصل إليه الآفات التي تصل إليهم,
فإن الهمّة كلما علت بعدت عن وصول الآفات إليها, وكلما نزلت قصدتها الآفات من كل مكان "
(مدارج السالكين: 3/171).
وأعظم أسباب تحصيلها والظفر بها :
1- الإخلاص .
2- والصدق .
3- والتوكل على الله .
4- وكثرة الدعاء .
5- وملازمة الاستغفار .
6- وتلاوة القرآن .
7- وكثرة الطاعات .
8- والكف عن السيئات .
9- وحفظ الأوقات .
10- ومرافقة أصحاب الهمم العاليات .
قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - :
" وقد عرفت بالدليل أن الهمّة مولودة مع الآدميّ, وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات, فإذا حُثَّت سارت,
ومتى رأيت في نفسك عجزاً فَسَلِ المنعم, أو كسلاً فالجأ إلى الموفِّق,
فلن تنال خيراً إلا بطاعته, ولا يفوتك خيرٌ إلا بمعصيته "
(لفتة الكبد إلى نصيحة الولد :ص/45) .
حاول جَسيمات الأمور ولا تَقُل ... إن المحامد والعُلى أرزاقُ
وارغب بنفسك أن تكون مقصراً ... عن غاية فيها الطِّلابُ سِباقُ
وفي الختام :
الزم الجادة في طلب العلم ، ولا تتركه ولو قل طلبك فقليل دائم خير من كثير منقطع .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
- " كواكب همم العارفين فِي بروج عزائمهم سيارة لَيْسَ فِيهَا زحل .
- يَا من انحرف عَن جادتهم كن فِي أَوَاخِر الركب ونم إِذا نمت على الطَّرِيق فالأمير يُرَاعِي السَّاقَة .
- قيل لِلْحسنِ سبقنَا الْقَوْم على خيل دهم وَنحن على حمر معقرة فَقَالَ إِن كنت على طريقهم فَمَا أسْرع اللحاق بهم "
( الفوائد : ص/ 43 ) .
ومشتت العزمات ينْفق عمره ... حيران لَا ظفر وَلَا إخفاق
****
أبو زيد العتيبي
2017-05-23, 12:04 PM
النصيحة التعليمية التربوية (18)
نواقض الهمة
اعلم أخي الكريم أن ( الهمة ) يجري عليها ( النقض ) ، أو ( النقص )
إذا باشر العبد الأسباب التي تشتت الإرادة وتفرقها ، أو تضعفها وتأخرها ، أو تمرضها وتعلها ، أو تقضي عليها وتميتها .
واللبيب ( يصون همته ) كما يصون نفسه وماله وولده عن كل مفسد .
ومن الأسباب التي تنقض الهمة أو تنقصها آفة عظيمه وداء خطير هو : ( الكسل ) .
اعلم – سلمك الله – أن الكسل من الأمراض التي تعرض للإرادة فتضعفها،
وربما استمر عليه العبد حتى تموت إرادة الخير في قلبه .
( والكسل ) شلل في الهمة حتى لا يقوى العبد معه على الانبعاث إلى أي عمل صالح ،
وهو أشبه ما يكون ( بشلل الجوارح ) التي تنعدم حركتها لفساد القدرة .
وقد قرن بينهما النبي - صلى الله عليه وسلم – مستعيذاً ، فقال:
" اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ وَالكَسَلِ " ( متفق عليه ) .
قال ابن القيم – رحمه الله -:
"وهما قرينان، فإنَّ تَخلُّفَ كمالِ العبد وصلاحِهِ عنه،
إما أن يكون لِعدم قدرته عليه، فهو عجز،
أو يكونَ قادراً عليه، لكن لا يُريدُ فهو كسل،
وينشأ عن هاتين الصفتين، فواتُ كُلِّ خير، وحصولُ كلِّ شر"
( زاد المعاد: 2/361).
وجاء في محاضرات الأدباء ( 1/ 448 ): " زوج العجز التواني فنتج بينهما ( الحرمان )" .
أخطر أعراض هذا المرض :
اعلم - سلمك الله - أن أبرز أعراض هذه الآفة وأخطرها هو : ( التسويف ) .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
" كم جَاءَ الثَّوَاب يسْعَى إِلَيْك فَوقف بِالْبَابِ فَرده بواب سَوف وَلَعَلَّ وَعَسَى "
( الفوائد : ص/ 63 ) .
ولا أدخر شغل اليوم عن كسل *** إلى غدٍ إن يوم العاجزين غد
فلتحذر من التسويف ، وتتيقظ من الإمهال والتأخير ،
وقد صح أن : " التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة "
( صحيح الجامع : 3009 ، والصحيحة 1794 ) .
ترجو غداً وغداً كحاملة *** في الحيِّ لا يدرون ما تلد
ومن أسباب هذا المرض :
1- تضييع الزمان . وله صور ، منها :
- كثرة الخلطة بلا مصلحة شرعية .
- كثرة النوم .
- دوام السهر في غير طلب العلم أو العبادة .
- إدمان مطالعة شاشة الجوال بلا ثمرة مبعثراً وقته بين : المجموعات ، والمنتديات ، والصفحات .
2- توهين قوة القلب . ولها صور ، منها :
- انتهاك المحرمات والمنكرات .
- عدم التحرز من صغائر الذنوب .
- كثرة الضحك والمزاح .
3- إثقال البدن . وله صور ، منها :
- كثرة الأكل والشرب .
- الإكثار من اللعب المفضي إلى تعب البدن .
من أعظم أسباب الشفاء .
1- الحرص على النافع من الأقوال والأعمال .
2- الاستعانة بالله – تعالى – على ذلك توكلاً عليه بالقلب والدعاء .
3- مجاهدة النفس والهوى والشيطان في الله ، كما قال – تعالى - :
{ وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } [ العنكبوت: 69] .
ومن الله التوفيق .
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-24, 11:16 AM
النصيحة التعليمية التربوية (19)
برزخ الزهد حصن الكمالات العلمية والعملية
اعلم – وفقك الله – أن حفظ كل كمال علمي أو عملي لا يتم إلا ( ببرزخ الزهد ) .
والزهد : هو ترك ما لا ينفع في الآخرة .
فحقيقة برزخ الزهد : هو ما يتركه طالب الرتب العالية من المباح الذي لا يكون عوناً على العلم أو العمل .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
" قال لي – يوماً – شيخ الإسلام – قدس الله روحه – في شيء من المباح - :
هذا ينافي المراتب العالية ، وإن لم يكن تركه شرطاً في النجاة .
فالعارف يترك كثيراً من المباح برزخاً بين الحلال والحرام "
( مدارج السالكين : 2/26 ) .
وطالب العلم طالب للرتب العالية،
ومن كان هذا مطلبه تعين في حقه الترفع عن كثير من المباحات التي تحول دون بلوغه إلى مقصده .
والمباح في أصله مساحة ترويح للنفس والبدن عن كد التكاليف ،
وتعب الإلزامات تأخذ منه النفوس العالية صبابة تنفيس تنشطها لمواصلة طريق المعالي .
ثم بعد ذلك تتحرز تلك النفوس عن المباحات تحرز المؤمنين عن السيئات
إلا ما كان منها عوناً على مطلوبها ، ووسيلة إلى مقصودها .
( فالمعالي ) قرينة الكد والتعب . فلا تجتمع مع الراحة والدعة إلا كما تجتمع النار مع الماء.
ومكلف الأيام ضد طباعها *** متطلب في الماء جذوة نار
فيا طالب الرتب العالية :
اعلم أن كل خطوة تخطوها إلى ( المباح المحض ) تنزل بها درجة عن المعالي،
فاحفظ خطاك وارقى إلى علاك .
بقدرِ الكدِّ تكتسبُ المعالي ***ومن طلب العلا سهر الليالي
ومن رام العلا من غير كد *** أضاع العمر في طلب المحال
تروم العز ثم تنام ليلاً *** يغوص البحر من طلب اللآلي
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-24, 12:04 PM
النصيحة التعليمية التربوية (20)
يقظة القلب
اعلم – وفقك الله – أن أكثر الخلق في غفلة ، كما قال الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله -:
" سبحانك , ما أغفل هذا الخلق عما أمامهم : الخائف مقصر والراجي متوان " (الآداب الشرعية:1/480).
سكران سكر هوى وسكر مدامة *** فمتى أفاقه من به السكران
وحقيقتها غياب قلوبهم عما خلقوا له من عبادته ومحبته وطاعته والانقياد له .
فإن كان العبد من أهل السعادة مرت على قلبه نسائم التوفيق موجبة له ( اليقظة ) .
واليقظة : " انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين " ( المدارج ) .
والسعيد من يعتني بهذه اليقظة مراعياً أسبابها وأحكامها،
ومترقباً أوقاتها ، ومتطلعاً إلى نسماتها ، ومتشوقاً إلى لذاتها .
وأول ذلك ( الانتباه ) وهو نسائم معرفية إيمانية تدهم القلب فتنكشف معها بعض حقائق الآخرة،
وتتبدد معها بعض حجب الهوى والشهوة .
وهذه النسائم هبات من الله – تعالى – تجري على العباد وفق مقتضى العلم والحكمة
إلا أن من أسبابها على الجملة ( طهارة القلب ) .
فإذا باشرت تلك النسائم القلب وجد لها روعة ولذة لا تفصح عنها عبارة ، ولا تدل عليها إشارة .
بل هي فوق ذلك كله فيالها من لحظة ما أعظمها وما أجلها . لذتها وبهاؤها وطيبها ليس من هذا العالم .
بل هي من نفحات الآخرة .
هذه الروعة توجب انزعاج القلب وعدم استقراره فهو مضطرب بين الطلب والهرب .
إذ تلك النسائم تهيج القلب إلى طلب الرحلة إلى محالها التي هبت منها .
كما أنها تكشف له عن المخاوف التي حوله ، والتي أمامه .
وحقيقة هذا الانزعاج أنه ( بذرة الندم ) .
وهنا يفترق كثير من الخلق بين موفق ومخذول ، فأما الموفق فيتعاهد تلك البذرة حتى تنمو شجرة التوبة،
وهي شجرة السعادة الأبدية .
وأما المخذول فسرعان ما تهجم عليه ريح الإلف والعادة فتخمد ناره وينطفي نوره ويرجع إلى أسر الشيطان والنفس
" فالنفس داعية إلى المهالك , معينة للأعداء , طامحة إلى كل قبيح, متبعة لكل سوء, فهي تجري بطبعها في ميدان المخالفة "
(إغاثة اللهفان:1/170).
قال يحيى بن معاذ الرازي – رحمه الله - :
" الدنيا خمر الشيطان من سكر منها لم يفق إلا في عسكر الموتى نادما مع الخاسرين"
وما يردع النفس اللجوج عن الهوى *** من الناس إلا حازم الرأي كامله
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-24, 12:08 PM
النصيحة التعليمية التربوية (21)
طلب العلم بين العجلة والتواني .
اعلم أخي الحبيب – وفقك الله – أن كثيراً من طلاب العلم يضيعون أعمارهم بين الاستعجال والإمهال غير المنضبطين،
وذلك أن العلم ( عبادة ) فهو من أمور الآخرة .
والأصل في أمور الآخرة الاستعجال والمبادرة – إسراعاً أو سعياً –،
فهي محل ( رضا الله ) { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84] .
والمبادرة الممدوحة في طلب العلم أنواع ، منها :
1- مبادرة العمر ، بأن يسارع إلى الطلب في أول عمره ، وصغر سنه .
قال الحسن: " طلب العلم في الصغر كالنقش في الحجر " ( المدخل إلى السنن الكبرى رقم 640 ).
قال عروة بن الزبير لبنيه:
"هلموا إلي فتعلموا مني، فإنكم توشكون أن تكونوا كبار قوم.
إني كنت صغيراً لا ينظر إلي، فلما أدركت من السن ما أدركت جعل الناس يسألونني،
وما شيء أشد على امرئ من أن يسأل عن شيء من أمر دينه فيجهله"
(بيان العلم وفضله لابن عبد البر ) .
2- مبادرة اليوم ، بأن يطلب العلم في باكورة يومه .
عن صَخْرٍ الغَامِدِيِّ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" اللهمَّ! بارك لأُمتي في بُكُورها ".
وكان إذا بعث سَرِيَّةً أو جيشاً؛ بعثهم من أول النهار.
وكان صخر رجلاً تاجراً، فكان يبعث تجارته من أول النهار، فَأثرَى
وكَثُرَ ماله " ( رواه أبو داود : 2345 ، صححه الألباني ) .
3- المبادرة إلى القرآن ، قال الخطيب البغدادي – رحمه الله - :
"يَنْبَغِي لِلطَّالِبِ أَنْ يَبْدَأَ بِحِفْظِ كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -،
إِذْ كَانَ أَجَلَّ الْعُلُومِ وَأَوْلَاهَا بِالسَّبْقِ وَالتَّقْدِيمِ"
( الجامع لأخلاق الراوي : 1/106 ) .
4- المبادرة إلى علم التوحيد ، قال حافظ الحكمي – رحمه الله - :
أوَّلُ وَاجِبٍ عَلى الْعَبِيد *** مَعْرِفَةُ الرَّحْمَنِ بالتَّوْحِيدِ
إذْ هُوَ مِن كُلِّ الأَوَامِر أعْظَمُ *** وَهُوَ نَوْعَانِ أيَا مَن يَفْهَمُ
قال ابن عثيمين – رحمه الله - :
" أول واجب على الخلق هو أول ما يدعى الخلق إليه،
وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه لليمن فقال له:
"إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله"،
فهذا أول واجب على العباد أن يوحدوا الله عز وجل، وأن يشهدوا لرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة.
وبتوحيد الله عز وجل والشهادة لرسوله صلى الله عليه وسلم يتحقق الإخلاص،
والمتابعة اللذان هما شرط لقبول كل عبادة "
( مجموع فتاوى : المجلد 1 باب الشهادتين ) .
5- مبادرة علماء بلده ثم من يلونهم، وقد كان السلف يحرصون على ذلك أشد الحرص ولهم فيه حكايات مشهورة،
قال الخطيب البغدادي – رحمه الله - :
"وَيَعْمِدُ إِلَى أَسْنَدِ شُيُوخِ مِصْرِهِ وَأَقْدَمِهِمْ سَمَاعًا، فَيُدِيمُ الِاخْتِلَافَ إِلَيْهِ، وَيُوَاصِلُ الْعُكُوفَ عَلَيْهِ"
( الجامع لأخلاق الراوي : 1/ 96 ) .
6- مبادرة الفراغ قبل الأشغال وكثرة العيال ، فقد قال سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ – رحمه الله -:
«إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ رَكِبَ الْبَحْرَ، فَإِذَا وُلِدَ لَهُ كُسِرَ بِهِ» ( الجامع لأخلاق الراوي : 1/ 103 ) .
7- المبادرة إلى التلقي التام صمتاً واستماعاً ، قبل التصدي للتعليم .فعَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، قَالَ:
" أَوَّلُ بَابٍ مِنَ الْعِلْمِ: الصَّمْتُ، وَالثَّانِي: اسْتِمَاعُهُ، وَالثَّالِثُ: الْعَمَلُ بِهِ، وَالرَّابِعُ: نَشْرُهُ وَتَعْلِيمُهُ "
( الجامع لأخلاق الراوي : 1/ 326 ) .
وقال الشافعي – رحمه الله - : " إذا تصدر الحدث فاته علم كثير " .
8- المبادرة إلى حلقات العلم والتبكير لها ، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِيَ، يَقُولُ:
" كُنْتُ رُبَّمَا أَرَدْتُ الْبُكُورَ إِلَى الْحَدِيثِ،
فَتَأَخُذُ أُمِّي ثِيَابِي وَتَقُولُ: حَتَّى يُؤَذِّنَ النَّاسُ،
وَحَتَّى يُصْبِحُوا، وَكُنْتُ رُبَّمَا بَكَّرْتُ إِلَى مَجْلِسِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ وَغَيْرِهِ "
(الجامع لأخلاق الراوي : 1/ 193 ) .
وتذم العجلة عند طالب العلم في أمور ، منها :
1- التصدر قبل التأهل .
2- التخصص المبكر .
3- التأليف قبل اكتمال الآلة .
4- الاستشراف للإفتاء .
5- أخذ العلم جملة .
6- استعجال نتائج الطلب .
7- القفز على مراتب الطلب .
8- المبادرة إلى الألقاب العلمية قبل التأهل .
9- الاعتقاد قبل الاستدلال .
10- نقض ورد المخالف قبل استيعاب كلامه .
تعلم فليس المرء يولد عالما *** وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لاعلم عنده *** صغير إذا التفت عليه الجحافل
وإن صغير القوم إن كان عالما *** كبير إذا ردت إليه المحافل
ولاترض من عيش بدونٍ ولايكن *** نصيبك إرث قدمته الأوائل
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-25, 09:48 AM
النصيحة التعليمية التربوية (22)
طلب العلم من سعي الآخرة
قال الله – تعالى - :{وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: 19] .
و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سهَّل اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَمَنْ أَبْطَأَ بِهِ عمله لم يسرع به نسبه".
( صحيح ، التعليقات الحسان : 1/201 ) .
المتأمل في النصين السابقين يدرك عددا من الفوائد ، منها :
1- إن ( طلب العلم ) من ( إرادة الآخرة )؛
فالطلب هو الإرادة ، والآخرة الجنة وطلب العلم واحد من المسالك المفضية إليها . والإرادة النافعة :
- تولد بالمحبة .
- وتنمي بالرجاء .
- وتشتد بالخوف .
- وتقوى باليقين .
- وتصح بالعلم .
- وتصدق بالعمل .
- وتقبل بالإخلاص .
- وتحفظ بالتجرد .
- وتثبت بالصبر .
2- إن سلوك طريق طلب العلم من السعي للآخرة ، وحقيقته : ( العمل ) .
قال الشافعي – رحمه الله - :
"ومعقول أن السعي - في هذا الموضع - العمل؛ لا السعي على الأقدام ".
( تفسير الشافعي : 2/ 1025 ) .
وقال ابن جرير الطبري – رحمه الله - :
"وَلَهَا عَمِلَ عَمِلَهَا الَّذِي هُوَ طَاعَةُ اللَّهِ وَمَا يُرْضِيهِ عَنْهُ".
( جامع البيان : 14/537 ) .
فيدخل في ( سلوك طريق العلم ) طلبه على أي نحو كان ،
ويدخل دخولاً أولياً الطلب المتوقف على السير بالأقدام ، كالذهاب إلى مجالس العلم ونحوها .
3- الإخبار عن الوصول إلى الآخرة ( بالسعي ) يدل على أن مسلك الآخرة ( طريق )،
كما قال – تعالى - : { يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ } [الأحقاف: 30] .
ومسلك العلم طريق . فهما طريق واحد العلم أساسه وسكته،
كما قال السعدي – رحمه الله - :
"{وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} موصل إلى الله وإلى جنته من العلم بالله وبأحكامه الدينية وأحكام الجزاء".
( تيسير الكريم الرحمن ص/ 783 ) .
4- جعل مسلك الآخرة ، وطلب العلم طريقاً يدل على وجوب لزوك طريقة السلف في العلم والعمل – تعلماً وتعبداً -،
كما قال ابن القيم – رحمه الله – في قوله – تعالى - : { وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ}
"أي إلى سبيل مطروق قد مرت عليه الرسل قبله وإنه ليس بدعاً كما قال في أول السورة نفسها
فاقتضت البلاغة والإعجاز لفظ الطريق لأنه فعيل بمعنى مفعول أي مطروق مشت عليه الرسل والأنبياء قبل".
( بدائع الفوائد : 2/17 ) .
فطلب العلم إذا لم يكن على جادة السلف – مقصداً ووسيلة – فلا خير فيه .
فيتعين على طالب العلم :
- أن تكون علومه سلفية .
- وطريقته في التحصيل سلفية .
5- بيان لزوم السعي – وهو المسارعة والمبادرة - لمن أراد الآخرة
يدل على لزوم السعي في مسلك طلب العلم بلا مهلة ولا توانٍ .
فكل إبطاء في طريق الآخرة - ومنه : طريق العلم - هو إبطاء عن الجنة ،
" وَمَنْ أَبْطَأَ بِهِ عمله لم يسرع به نسبه" فما أليق هذه الخاتمة بالحديث .
إذا رأيت شباب الحي قد نشأوا ** لا يحملون قلال الحبر والورقا
ولا تراهم لدى الأشياخ في حلق ** يعون من صالح الأخبار ما اتسقا
فدعهم عنك واعلم أنهم همج ** قد بدلوا بعلو الهمة الحمقا
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-25, 09:56 AM
النصيحة التعليمية التربوية (23)
شرف طالب العلم من شرف فكرته
قال ابن القيم – رحمه الله - :
" وكل من ( التَّذَكُّرِ ) ، ( والتَّفَكُّرِ ) لَهُ فَائِدَةٌ غيرُ فَائِدَةِ الآخرِ .
• ( فالتَّذَكُّرُ ) يُفِيد تكْرَار الْقلبِ على مَا علمَه وعرفَه ليرسخَ فِيهِ وَيثبت ، وَلَا ينمحي فَيذْهب أثرُه منْ الْقلبِ جملَةً .
• ( والتَّفَكُّرِ ) يُفِيد تَكْثِير الْعلم واستجلاب مَا لَيْسَ حَاصِلا عِنْد الْقلب .
فالتفكر يحصله ، والتذكر يحفظه .
وَلِهَذَا قَالَ الْحسن – رحمه الله - :
" مَا زَالَ أهل الْعلم يعودون بالتذكر على التفكر وبالتفكر على التَّذَكُّر ويناطقون الْقُلُوب حَتَّى نطقت بالحكمة " .
- فالتفكر والتذكر بذار الْعلم ، وسقيه مطارحته ، ومذاكرته تلقيحه ،
كَمَا قَالَ بعض السّلف : " ملاقاة الرِّجَال تلقيح لألبابها " . فالمذاكرة بهَا لقاح الْعقل .
• فالخير والسعادة فِي خزانَة مفتاحها التفكر ؛ فَإِنَّهُ لَا بُد من :
1- تفكر .
2- وَعلم يكون نتيجته الْفِكر .
3- وَحَال يحدث للقلب من ذَلِك الْعلم فَإِن كل من عمل شَيْئاً من المحبوب أَوْ الْمَكْرُوه لَا بُد أن يبْقى لِقَلْبِهِ حَالَة وينصبغ بصبغة من علمه .
4- وَتلك الْحَال توجب لَهُ إِرَادَة .
5- وَتلك الإرادة توجب وُقُوع الْعَمَل .
- فها هُنَا خَمْسَة أمور : ( الْفِكر ) ، وثمرته ( الْعلم ) ، وثمرتهما ( الْحَالة الَّتِي تحدث للقلب ) ،
وَثَمَرَة ذَلِك ( الإرادة ) ، وثمرتها ( الْعمل ) .
• ( فالفكر ) إِذاً هُوَ : ( المبدأ ) ، ( والمفتاح ) لِلْخَيْرَاتِ كلهَا .
وَهَذَا يكْشف لَك عَن فضل التفكر وشرفه وأنه من أفضل أعمالِ الْقلبِ ، وأنفعها لَهُ حَتَّى قيل :
" تفكر سَاعَة خيرٌ من عبَادَة سنة " .
فالفكرُ هُوَ الَّذِي ينْقلُ :
- من موت الفطنة الى حَيَاة الْيَقَظَة .
- وَمن المكاره الى المحاب .
- وَمن الرَّغْبَة والحرص الى الزّهْد والقناعة .
- وَمن سجن الدُّنْيَا الى فضاء الآخرة .
- وَمن ضيق الْجَهْل الى سَعَة الْعلم ورحبه .
- وَمن مرض الشَّهْوَة والإخلاد الى هَذِه الدَّار الى شِفَاء الإنابة الى الله والتجافي عَن دَار الْغرُور .
- وَمن مُصِيبَة الْعَمى والصمم والبكم إلى نعْمَة الْبَصَر والسمع والفهم عَن الله وَالْعقل عَنهُ .
- وَمن أمراض الشُّبُهَات الى برد الْيَقِين وثلج الصُّدُور .
وَبِالْجُمْلَةِ : فَأصل كل طَاعَة إِنَّمَا هِيَ الْفِكر ،
وَكَذَلِكَ أصل كل مَعْصِيّة إِنَّمَا يحدث من جَانب الفكرة
فَإِن الشَّيْطَان يُصَادف أرْض الْقلب خَالِيَة فارغة فيبذر فِيهَا حب الأفكار الردية
فيتولد مِنْهُ الإرادات والعزوم فيتولد مِنْهَا الْعَمَل فَإِذا صَادف أرْض الْقلب مَشْغُولَة ببذر الأفكار النافعة فِيمَ خلق لَهُ ،
وَفِيمَا أمْر بِهِ وفيمَ هيء لَهُ وَاعد لَهُ من النَّعيم الْمُقِيم أَوْ الْعَذَاب الأليم لم يجد لبذره موضعا وَهَذَا كَمَا قيل:
أتاني هَواهَا قبل أن أعرف الْهوى ... فصادف قلبا فَارغًا فتمكنا
• فإن قيل : فقد ذكرْتُمْ الْفِكر ومنفعته وَعظم تَأْثِيره فِي الْخَيْر وَالشَّر فَمَا مُتَعَلّقه الَّذِي يَنْبَغِي أن يُوقع عَلَيْهِ ويجرى فِيهِ
فإنه لَا يتم الْمَقْصُود مِنْهُ إلا بِذكر مُتَعَلّقه الَّذِي يَقع الْفِكر فِيهِ وإلا ففكر بِغَيْر متفكر فِيهِ محَال .
- قيل : مجْرى الْفِكر ، ومتعلقه أربعةُ أمورٍ :
1) أحدها : غَايَة محبوبة مُرَادة الْحُصُول .
2) الثَّانِي : طَرِيق موصلة الى تِلْكَ الْغَايَة .
3) الثَّالِث : مضرَّة مَطْلُوبَة الإعدام مَكْرُوهَة الْحُصُول .
4) الرَّابِع : الطَّرِيق المفضي إليها الْموقع عَلَيْهَا .
- فَلَا تتجاوز أفكار الْعُقَلَاء هَذِه الأمور الأربعة ،
وَأي فكر تخطاها فَهُوَ من الأفكار الردية والخيالات والأماني الْبَاطِلَة ".
( مفتاح دار السعادة : 1 / 183 – 184 ) .
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-25, 10:04 AM
النصيحة التعليمية التربوية (24)
قال الله – تعالى -: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5].
وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: " إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى" (متفق عليه).
يستفاد من النصين:
• وجوب الإخلاص في كل ما يتقرب به العبد إلى الله – تعالى -،
ومنه: (طلب العلم).
• وحقيقة الإخلاص: أن يبتغي العبد بعمله وجه الله والدار الآخرة.
المسلك التربوي لطالب العلم في هذا الباب:
وجوب تعاهد نيته، وطلب إخلاصها؛ لأن الإخلاص:
- مادة نماء العلم وبركته،
- ونقائه وصوابه،
- ودوامه وثباته،
- ومنفعته وثوابه.
فالعلوم بلا نيات؛ أشباح بلا أرواح، وصور بلا حقائق .
وغيث التوفيق يستمطر بصلاح النية.
والمعصوم من عصم الله.
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-26, 05:48 AM
النصيحة التعليمية التربوية (25)
قال ابن جرير الطبري – رحمه الله - :
"وَقَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2]
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، لِمَ تَقُولُونَ الْقَوْلَ الَّذِي لَا تُصَدِّقُونَهُ بِالْعَمَلِ، فَأَعْمَالُكُمْ مُخَالِفَةٌ أَقْوَالَكُمْ
{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3]
يَقُولُ: عَظُمَ مَقْتًا عِنْدَ رَبِّكُمْ قَوْلُكُمْ مَا لَا تَفْعَلُونَ"(جامع البيان: 22/606).
وقال السعدي – رحمه الله -:
" أي: لم تقولون الخير وتحثون عليه، وربما تمدحتم به وأنتم لا تفعلونه،
وتنهون عن الشر وربما نزهتم أنفسكم عنه، وأنتم متلوثون به ومتصفون به.
فهل تليق بالمؤمنين هذه الحالة الذميمة؟ أم من أكبر المقت عند الله أن يقول العبد ما لا يفعل؟
ولهذا ينبغي للآمر بالخير أن يكون أول الناس إليه مبادرة، وللناهي عن الشر أن يكون أبعد الناس منه،
قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ}
وقال شعيب عليه الصلاة والسلام لقومه: {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه}"
(تيسير الكريم الرحمن،ص:858) .
فإذا كانت هذه الحالة مذمومة من المؤمنين عامة فهي أولى بالذم في طلبة العلم خاصة؛
لأن العلم يراد للعمل؛ فإن خلا منه انقلب إلى ضده – جهلاً أو جهالةً -.
وخاصة علم النحو؛ فإنه يقيم اللسان ليتوصل به إلى إقامة الأديان؛
ولذا قال إبراهيم بن أَدْهَم: أعربنا في الكلام فما نَلحن، ولحنا في الأعمال فما نُعْرِب.
وقال مالك بن دينار : تَلْقَى الرجل وما يلحن حرفَا، وعمله لَحْنٌ كلُّه .
فمن شغل باتقان الوسيلة، والركون إليها دون مقصودها فما صنع شيئاً؛
فقد جاء عن نصر بن عليّ عن أبيه قال :
رأيت الخليل بن أحمد في المنام، فقلت له: ما فعل بك ربك؟ قال: غفر لي. قلت: بم نجوت؟
قال : بـ( لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).
قلت : كيف وجدت علمك؟ أعني العَرُوض والأدب والشعر. قال: وجدتُه هباءً منثوراً!!
وانشد هلال بن العلاء الباهلي لنفسه:
سيَبْلَى لسانٌ كان يُعربُ لفظةً *** فياليتَه في وقفة العَرْض يسلمُ
وما ينفعُ الإعرابُ إن لم يكنْ تُقىً *** وما ضَرَّ ذا تقوى لسانٌ مُعْجَّمُ.
اللهم أصلح لحن ألسنتنا، وأعمالنا.
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-26, 05:52 AM
النصيحة التعليمية التربوية (26)
العربية قنطرة المروءة والدين.
اعلم –وفقك الله- أن تعلم العربية مدرج الكمالات الدينية والدنيوية
فقد جاء في "معجم الأدباء" للحموي عن الزُّهْرِي - رحمه الله – أنه قال:
"ما أحدث النَّاس مروءةً أحب إليَّ من تعلُّم النحو".
وقال شيخ الإسلام ابن تَيْمِيَّة - رحمَه الله -:
"اعلم أنَّ اعتيادَ اللُّغة يؤثر في العقل والخُلُق والدِّين، تأثيرًا قويًّا بَيِّنًا،
ويُؤَثِّر أيضًا في مشابهة صدر هذه الأمَّة منَ الصَّحابة والتابعينَ،
ومُشَابَهتُهم تزيد العقل والدِّين والخُلُق"
(اقتضاء الصراط المستقيم، ص: 316).
وقال سالم بن قتيبة: كنتُ عند ابن هُبَيرة الأكبر، فجَرَى الحديث، حتى ذكر العربيَّة، فقال:
والله ما استوى رجلان، دينُهما واحد، وحسبهما واحد، ومروءتهما واحدة،
أحدهما يلحن، والآخر لا يلحن، إنَّ أفضلهما في الدنيا والآخرة الذي لا يلحن.
قلت: أصلحَ الله الأمير، هذا أفضل في الدُّنيا لفضل فصاحته وعَرَبيته، أرأيتَ الآخرة، ما باله فُضِّل فيها؟
قال: إنَّه يقرأ كتاب الله على ما أنزل الله، وإنَّ الذي يلحن يحمله لَحنه على أن يُدْخِلَ في كتاب الله ما ليس فيه، ويُخْرِج منه ما هو فيه.
قال: قلتُ: صَدَق الأمير، وبَرَّ"
(الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 2/25).
فالعربية زينة الفحول من الرجال
فعن الشَّعبي –رحمه الله- أنه قال: حُلِي الرِّجال العربيَّة، وحلي النساء الشَّحم.
وقال الشاعر:
اقْتَبِسِ اقْتَبِسِ النَّحْوَ فَنِعْمَ المُقْتَبَسْ *** وَالنَّحْوُ زَيْنٌ وَجَمَالٌ مُلْتَمَسْ
صَاحِبُهُ مُكْرَمٌ حَيَثُ جَلَسْ *** مَنْ فَاتَهُ فَقَدْ تَعَمَّى وَانْتَكَسْ
كَأَنَّ مَا فِيهِ مِنَ العِيِّ خَرَسْ *** شَتَّانَ مَا بَيْنَ الحِمَارِ وَالفَرَسْ
وما التوفيق إلا من عند الله العليم الحكيم.
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-26, 05:54 AM
النصيحة التعليمية التربوية (27)
لا عقلَ تامٌ بلا عربية.
اعلم –وفقك الله- أن تمام العقل وذكاءه وفطنته بفهم القرآن وتدبره –تفكراً وتذكراً-
ولا يفهم القرآن إلا بفهم اللسان الذي نزل به،
كما قال –تعالى-:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2].
فشرف اللغة من شرف القرآن، وكمال أصحابها –فهماً وعقلاً- من كمال تدبر ألفاظ القرآن ومعانيه،
كما قال الشنقيطي –رحمه الله- بعد أن ساق عدداً من الآيات المبينه فضل اللسان العربي-، ومنها:
"{لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [16 : 103] .
وَقَالَ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ يُوسُفَ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [43 : 3] .
وَقَالَ فِي أَوَّلِ الزُّخْرُفِ: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [43 : 3] .
وَقَالَ فِي طه {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} [20 : 113 ].
إلى أن قال –رحمه الله-:"وَهَذِهِ الْآيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى شَرَفِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَعِظَمِهَا، دَلَالَةً لَا يُنْكِرُهَا إِلَّا مُكَابِرٌ"
(أضواء البيان: 6/361).
قال ابن كثير –رحمه الله-:"{إِنَّا أَنزلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}
وَذَلِكَ لِأَنَّ لُغَةَ الْعَرَبِ أَفْصَحُ اللُّغَاتِ وَأَبْيَنُهَا وَأَوْسَعُهَا، وَأَكْثَرُهَا تَأْدِيَةً لِلْمَعَانِي الَّتِي تَقُومُ بِالنُّفُوسِ؛
فَلِهَذَا أنزلَ أَشْرَفُ الْكُتُبِ بِأَشْرَفِ اللُّغَاتِ، عَلَى أَشْرَفِ الرُّسُلِ، بِسِفَارَةِ أَشْرَفِ الْمَلَائِكَةِ،
وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَشْرَفِ بِقَاعِ الْأَرْضِ، وَابْتَدَئَ إِنْزَالُهُ فِي أَشْرَفِ شُهُورِ السَّنَةِ وَهُوَ رَمَضَانُ، فَكَمُلَ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ"
(تفسير القرآن العظيم:4/365).
قال القاسمي –رحمه الله-:
"{لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} بإنزاله عربيا، ما تضمن من المعاني والأسرار، التي لا يتضمنها ولا يحتملها غيرها من اللغات"
(محاسن التأويل:6/145).
فهذا يدل على أن تمام التعقل يكون بفهم اللسان العربي؛
فلا عقل بلا عربية، ولا عربية بلا تعلم لغتها ونحوها وصرفها وبلاغتها.
بل للعربية مكانة أبعد من ذلك فقد قال ابن باديس –رحمه الله-:
"وأما عناية القرآن بالعرب، فلأجل تربيتهم، لأنهم هم الذين هيئوا لتبليغ الرسالة،
فيجب أن يأخذوا حظهم كاملاً من التربية قبل الناس كلهم،
ولهذا نجد كثيرا من الآيات القرآنية في مراميها البعيدة ..
إصلاحاً لحال العرب، وتطهيراً لمجتمعهم، وإثارة لمعاني العزة والشرف في نفوسهم.
ومن هذا الباب: الآيات التي يذكر بها العرب أن القرآن أنزل بلسانهم مثل:
{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: 3]، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف:2].
والذين يعقلون القرآن قبل الناس كلهم هم العرب. ومن أولى القصد إلى العرب والعناية بلسانهم،
وتنبيههم إلى أن القرآن أنزل بلسانهم دون جميع الألسنة- جلبًا لهم، حتى يعلموا أنه أنزل لهم وفيهم، قبل الناس كلهم"
(تفسير ابن باديس،ص:389).
فأسأل الله أن يلهمنا رشدنا ويبصرنا بديننا
بتعلم اللسان العربي، وتدبر معاني القرآن
حتى نعقل عن الله –تعالى- مراده.
ومن الله التوفيق.
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-26, 05:59 AM
النصيحة التعليمية التربوية (28)
عُدَّةُ طالبِ العلمِ
بسم الله الرحمن الرحيم
معرفة طالب العلم بأصول عدة الطلب، هي بداية نجاحه وظفره بمطلوبه.
والعلم له عُدَّتان:
- عُدَّةُ تحصيله –حفظاً وفهماً-.
- وعُدَّةُ تطبيقه –قولاً وعملاً-.
ولكل واحدة من العُدَّتين أصول تضبطها، وتؤسس عليها.
أولاً: من أصول عدة التحصيل:
1- حفظ المتون.
2- استشراحها على المتقنين.
3- القلم والكراس –تدويناً، وبحثاً-.
4- تنظيم الوقت والدرس بالجداول والمنبهات.
5- جمع الذهن بتقليل المادة.
ثانياً: من أصول عدة التطبيق:
1- الإخلاص، ومنه طلب العلم للعلم به.
2- الصدق، بأن يصرف همته إلى مقصود واحد.
3- استثمار العلم في الأحوال المناسبة له.
4- توظيف العلم في عمله وعبادته.
5- الدعوة إليه.
وعماد ذلك كله التوكل على الله –تعالى-.
وما التوفيق إلا من عند الله.
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-26, 06:01 AM
النصيحة التعليمية التربوية (29)
طالب العلم بين الركود والنبوغ
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم –وفقك الله- أن الطالب لا ينبغ في العلم إلا إذا رتب أعماله.
وترتيب الأعمال يعتمد على ترتيب سلم الترقي إلى المعالي.
وسلم الترقي إلى المعالي له درجات.
- الدرجة الأولى: تحديد الغاية من العلم، وذلك ثلاثة مطالب:
1- تعيين المقصود بالعلم، وهو طلب رضا الله والدار الآخرة.
2- تحقيق غاية العلم، وهو عبادة الله –تعالى-.
3- القيام بالدعوة إلى التوحيد.
- الدرجة الثانية: بناء الهمة العالية، وذلك ثلاثة مراتب:
1- الصدق في القول والعمل والحال.
2- تحقيق الصبر على التحصيل.
3- البدء بالممكن من العلوم.
- الدرجة الثالثة: انتقاء الوسيلة النافعة، وذلك بثلاثة ضوابط:
1- الأصالة؛ بأن تكون من أصول العلم المعتبرة.
2- التدرج؛ بأن يختار منها ما يناسبه.
3- الإيجاز؛ بأن تكون متناً –نثراً أو نظماً-.
ومن الله التوفيق.
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-26, 06:02 AM
النصيحة التعليمية التربوية (30)
القرآن أول العلم
قال ابن عبد البر –رحمه الله-: "
طَلَبُ الْعِلْمِ دَرَجَاتٌ، وَمَنَاقِلُ، وَرُتَبٌ؛
لَا يَنْبَغِي تَعَدِّيهَا.
وَمَنْ تَعَدَّاهَا جُمْلَةً فَقَدْ تَعَدَّى سَبِيلَ السَّلَفِ -رَحِمَهُمُ اللَّهُ-.
وَمَنْ تَعَدَّى سَبِيلَهُمْ عَامِدًا ضَلَّ، وَمَنْ تَعَدَّاهُ مُجْتَهِدًا زَلَّ.
فَأَوَّلُ الْعِلْمِ حِفْظُ كِتَابِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَتَفَهُّمُهُ،
وَكُلُّ مَا يُعِينُ عَلَى فَهْمِهِ فَوَاجِبٌ طَلَبُهُ مَعَهُ.
وَلَا أَقُولُ: إِنَّ حِفْظَهُ كُلَّهُ فَرْضٌ وَلَكِنِّي أَقُولُ:
إِنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لَازِمٌ عَلَى مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ
عَالِمًا
فَقِيهًا
نَاصِبًا نَفْسَهُ لِلْعِلْمِ
لَيْسَ مِنْ بَابِ الْفَرْضِ "
(جامع بيان العلم وفضله: 2/1133).
ومن الله التوفيق.
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-27, 12:30 PM
النصيحة التعليمية التربوية (31)
أصل العلم النبوي
اعلم –وفقك الله- أن أصل العلم الذي بعث الله به نبيه –صلى الله عليه وسلم-
يجمعه ثلاثة أصول:
الأول: أصل العلم من جهة ثبوته (الإيمان بالله ورسوله).
قال شيخ الإسلام –رحمه الله-:
"أَصْلُ الْعِلْمِ وَالْهُدَى وَالدِّينِ هُوَ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَاسْتِصْحَابُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَقْوَالِ وَالْأَحْوَالِ"
(مجموع الفتاوى: 10/360).
الثاني: أصل العلم من جهة مصادره (القرآن والسنة).
قال شيخ الإسلام –رحمه الله-:
"إِنَّ مَعْرِفَةَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَمَا أَرَادَهُ بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ
هُوَ أَصْلُ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّعَادَةِ وَالنَّجَاةِ"
(مجموع الفتاوى: 17/355).
الثالث: أصل العلم من جهة صحة الفهم
(معرفة ما كان عليه الرسول –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه).
قال شيخ الإسلام –رحمه الله-:
"فَإِنَّ مَعْرِفَةَ مُرَادِ الرَّسُولِ وَمُرَادِ الصَّحَابَةِ
هُوَ أَصْلُ الْعِلْمِ وَيَنْبُوعُ الْهُدَى"
(مجموع الفتاوى: 5/413).
فبمجموع هذه الأصول وتحقيقها يحصل الطالب
العلم الشرعي على جادة الأنبياء والمرسلين –عليهم الصلاة والسلام-.
ومن الله التوفيق.
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-28, 11:55 AM
النصيحة التعليمية التربوية (32)
الحرص على الطلب
قال النبي –صلى الله عليه وسلم-:
" احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ" (رواه مسلم).
المتأمل في هذا الحديث المبارك؛
يجد أن طلب العلم داخل ضمن هذا الإرشاد النبوي العام،
وهذا الإرشاد فيه بيان أسباب بلوغ المقاصد الحسنة.
وهما سببان رئيسيان:
- الأول: الحرص على النافع.
- الثاني: الاستعانة بالله.
فتحقيق طالب العلم صفة (الحرص) على الطلب يقوم على أمرين:
- الأول: افتقاره إلى العلم.
- الثاني: محبته العلم.
فالطالب إذا استشعر فقره وجهله تيقن حاجته إلى العلم.
وإذا رفع الجهل عن نفسه، وتذوق ثمرة العلم نمت محبة العلم في قلبه.
وبتمام هذين الأمرين يعظم حرصه على العلم.
ثم يضم إلى ذلك طلب المدد الرباني بالدعاء والتوكل،
ويستديم هذه الحال كل وقت حتى يصبح طلب العلم ملكة راسخة في نفسه.
والأمر لا يدرك إلا بمرارة الصبر، والتوفيق من الله.
ومن يصبر يصبره الله.
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-29, 05:37 AM
النصيحة التعليمية التربوية (33)
خاصية العلم
اعلم –وفقك الله- أن طلب العلم له ميزتان:
- الأولى: لا يأتي دفعة واحدة.
- الثانية: يتنامى بالتعاهد.
وعليه فالموفق من يطلب العلم على التدرج، ويأخذه بالتَّكرار.
واسلم طريقة تحقق المقصود أخذ العلم على طريقة (الكتاب الواحد).
فيختار من أي فن كتاباً يناسب مستواه.
ثم يقرأ فيه، ويسمع شروحه، وإن تيسر له معلم موفق فهي الضالة المنشودة.
فيضمن بذلك عدم ازدحام العلم على قلبه، ويوفر ذهنه لتفهم هذا الكتاب.
ويفرغ وقته له –حفظاً ومطالعةً-.
وبهذه الطريقة: ينجز المادة ويفهما، ويحفظ وقته، ويترقى في العلم.
وهذا خير له من المكابرة وتضييع الزمان
بسبب تكليف نفسه بأكثر من مادة في وقت واحد.
والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.
ومن الله التوفيق.
***
أبو زيد العتيبي
2017-05-30, 11:55 PM
النصيحة التعليمية التربوية (34).
منطلق المبتدي في العلم
اعلم -سلمك الله- أن علامة صحة البداية في الطلب
هي عناية المبتدي بأصول العلم ومجملاته دون فروعه وتفصيلاته.
قال الشيخ صالح آل الشيخ –وفقه الله-:
" لا يهتم طالب العلم، -وهذا من فروع الترفق- لا يهتم بالتفصيلات؛
فإنه إذا كان في طلبه للعلم اهتم بدقيق المسائل، واهتم بالتفصيلات؛
فإنه ينسى ولن يحصل علما؛
لأنّه لم يؤصل ولم يبن القاعدة التي معها تفهم تلك التفصيلات.
بعضنا يذهب إلى دروس مفصلة جدا
يمكث أصحابها سنين عددا طويلة ما انتهوا منه،
أو في الباب الواحد يجلسون أشهر ونحو ذلك.
ويظنّ أنّ هذا يحصل معه علما.
لا، هذه الطريقة ليست بطريقة منهجية؛
لأنّه لم يترفق صاحبها فيها؛
ولقد قال جلّ وعلا: {ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون}.
كونوا ربانيين فسرّها أبو عبد الله البخاري رحمه الله رحمة واسعة في صحيحه قال:
الرباني: هو الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره،
هذا الرباني في العلم والتدريس هو الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره.
يشرف بالمدرس وطالب العلم إذا درس أن يذكر كل ما يعلم في المسألة،
أن يذكر بعد تحضير واسع كل ما وصل إليه تحضيره،
وهذا شرف له ولكنّه ليس بنافع لمن يعلّم؛
لأنه هو يستعرض ما علم؛
والعالم إنما يعطى ما يحتاج إليه السامع،
لا يعطي ما هو فوق مقدار السامع" انتهى كلامه.
(محاضرة: "المنهجية في طلب العلم").
ومن الله التوفيق.
***
أبو زيد العتيبي
2017-06-02, 03:41 AM
النصيحة التعليمية التربوية (35).
« لا يستطاع العلم براحة الجسم »
روى مسلم –رحمه الله- في صحيحه فقال:
حدثنا يحيى بن يحيى التميمي قال: أخبرنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير قال:
سمعت أبي يقول: «لا يستطاع العلم براحة الجسم».
(أوقات الصلاة رقم: 612).
فلن يبلغ طالب العلم مبتغاه
حتى يوطن نفسه على الصعاب وتحمل المشاق؛
فالعلم لا يدرك إلا بالصبر.
قال ابن الجوزي - رحمه الله -:
"تأملت عجبًا،
وهو أن كل شيء نفيس خطير يطول طريقه، ويكثر التعب في تحصيله.
فإن العلم لما كان أشرف الأشياء، لم يحصل إلا بالتعب والسهر والتكرار،
وهجر اللذات والراحة، حتى قال بعض الفقهاء:
بقيت سنين أشتهي الهريسة لا أقدر؛
لأن وقت بيعها وقت سماع الدرس!"
(صيد الخاطر، ص: 281).
فكم طوى العلم من الشهوات، والرغبات، والملذات، والمباحات ...
اصبر على مرِّ الجفا من معلمٍ *** فإنَّ رسوبَ العلمِ في نفراتهِ
ومنْ لم يذق مرَّ التعلمِ ساعة ً*** تجرَّعَ ذلَّ الجهل طولَ حياته
ومن فاتهُ التَّعليمُ وقتَ شبابهِ *** فكبِّر عليه أربعاً لوفاته
وَذَاتُ الْفَتَى ـ واللَّهِ ـ بالْعِلْمِ وَالتُّقَى *** إذا لم يكونا لا اعتبار لذاتهِ
ومن الله التوفيق.
***
أبو زيد العتيبي
2017-06-03, 02:03 PM
النصيحة التعليمية التربوية (36).
صلاح القلب بالعلم
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ تَقِيُّ الدِّينِ
أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ الْحَرَّانِيُّ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ:
"إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَلَقَ الْقَلْبَ لِلْإِنْسَانِ يَعْلَمُ بِهِ الْأَشْيَاءَ،
كَمَا خَلَقَ الْعَيْنَ يَرَى بِهَا الْأَشْيَاءَ،
وَالْأُذُنَ يَسْمَعُ بِهَا الْأَشْيَاءَ،
وَكَمَا خَلَقَ سُبْحَانَهُ كُلَّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ لِأَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ، وَعَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ،
فَالْيَدُ لِلْبَطْشِ،
وَالرِّجْلُ لِلسَّعْيِ،
وَاللِّسَانُ لِلنُّطْقِ،
وَالْفَمُ لِلذَّوْقِ،
وَالْأَنْفُ لِلشَّمِّ،
وَالْجِلْدُ لِلْمَسِّ،
وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَعْضَاءِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ،
فَإِذَا اسْتُعْمِلَ الْعُضْوُ فِيمَا خُلِقَ لَهُ وَأُعِدَّ مِنْ أَجْلِهِ،
فَذَلِكَ هُوَ الْحَقُّ الْقَائِمُ، وَالْعَدْلُ الَّذِي قَامَتْ بِهِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ،
وَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا وَصَلَاحًا لِذَلِكَ الْعُضْوِ وَلِرَبِّهِ وَلِلشَّيْءِ الَّذِي اُسْتُعْمِلَ فِيهِ،
وَذَلِكَ الْإِنْسَانُ هُوَ الصَّالِحُ الَّذِي اسْتَقَامَ حَالُهُ
وَأُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ.
وَإِذَا لَمْ يُسْتَعْمِلْ الْعُضْوُ فِي حَقِّهِ،
بَلْ تُرِكَ بَطَّالًا، فَذَلِكَ خُسْرَانٌ، وَصَاحِبُهُ مَغْبُونٌ،
وَإِنْ اسْتُعْمِلَ فِي خِلَافِ مَا خُلِقَ لَهُ فَهُوَ الضَّلَالُ وَالْهَلَاكُ،
وَصَاحِبُهُ مِنْ الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا".
( الفتاوى الكبرى : 5 / 48 ) .
ومن الله التوفيق.
***
أبو زيد العتيبي
2017-06-04, 05:21 PM
النصيحة التعليمية التربوية (37).
بناء ملكات العلوم
اعلم –سلمك الله- أن كثيراً من طلاب العلم الذين تجاوزا المراحل المتوسطة.
بل وبعض المراحل المنتهية لم يظفروا بملكات الفنون التي طلبوها؛
وذلك لأن ترسيخ ملكات العلم يحتاج إلى أمرين:
الأول: لقط منثور الفوائد من بطون الكتب والمصنفات.
وطريق تحصيل هذا النوع من العلم يتم:
- بالبحث،
- وجرد المطولات،
- وتتبع الفوائد.
- ونحو ذلك من الطرق النافعة.
والثاني: نظم درر الفوائد في ملكة الفن.
وطريق تحصيل هذا النوع من العلم يتم:
- بحفظ المتون.
- وإتقان الشروح.
- والتعليم والتدريس.
- وتصنيف الكتب.
- ونحو ذلك من الطرق النافعة.
والمقصود: أن كثيراً من طلاب العلم لم يتجاوزا (مستوى الثقافة في الفن)؛ لسببين:
1- قلة المعلومات في الفن.
2- تناثر معلومات الفن في ذهنه.
والموفق من الطلاب من يستدرك ما فاته تحت منطلق (بناء ملكات العلوم)؛
- بإعادة العناية بأصول الفن: (المتون المعتبرة).
- وشحذ الهمة إلى مطولات الفن: (أمات العلم المحررة).
ومن يتوكل على الله يجد فوق ما يتمناه.
ومن الله التوفيق.
***
أبو زيد العتيبي
2017-06-06, 02:34 PM
النصيحة التعليمية التربوية (38).
طالب العلم والدعاء
اعلم -سلمك الله- أن الموفق من الطلاب من لم يتكل على نفسه في كل شؤونه.
فالعبد ضعيف لا غنى له عن ربه طرف عين؛
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها:
ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت:
"يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين".
رواه النسائي في السنن الكبرى، والبزار والحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
وأحوج ما يكون العبد إلى ربه عند طلبه العلم الذي به يعرف ما يصلحه وما يضره.
قال ابن القيم –رحمه الله-:
" حَقِيقٌ بِالْمُفْتِي أَنْ يُكْثِرَ الدُّعَاءَ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ
«اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ
أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ،
اهْدِنِي لِمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»
وَكَانَ شَيْخُنَا كَثِيرَ الدُّعَاءِ بِذَلِكَ ،
وَكَانَ إذَا أَشْكَلَتْ عَلَيْهِ الْمَسَائِلُ يَقُولُ " يَا مُعَلِّمَ إبْرَاهِيمَ عَلِّمْنِي "
وَيُكْثِرُ الِاسْتِعَانَةَ بِذَلِكَ اقْتِدَاءً بِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
حَيْثُ قَالَ لِمَالِكِ بْنِ يَخَامِرَ السَّكْسَكِيِّ عِنْدَ مَوْتِهِ ، وَقَدْ رَآهُ يَبْكِي ، فَقَالَ :
وَاَللَّهِ مَا أَبْكِي عَلَى دُنْيَا كُنْتُ أُصِيبُهَا مِنْكَ ، وَلَكِنْ أَبْكِي عَلَى الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ اللَّذَيْنِ كُنْتُ أَتَعَلَّمُهُمَ ا مِنْكَ ،
فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إنَّ الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ مَكَانَهُمَا ، مَنْ ابْتَغَاهُمَا وَجَدَهُمَا ،
اُطْلُبْ الْعِلْمَ عِنْدَ أَرْبَعَةٍ :
عِنْدَ عُوَيْمِرٍ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، وَعِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ، وَذَكَرَ الرَّابِعَ ،
فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ هَؤُلَاءِ فَسَائِرُ أَهْلِ الْأَرْضِ عَنْهُ أَعْجَزُ ،
فَعَلَيْكَ بِمُعَلِّمِ إبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ"
(إعلام الموقعين: 4/197 – 198).
فاللهم علمنا ما ينفعنا وأنفعنا بما علمتنا.
***
أبو زيد العتيبي
2017-06-07, 06:01 PM
النصيحة التعليمية التربوية (39).
من سمات طالب العلم (التفقه الباطن).
اعلموا –وفقكم الله- أن طالب العلم المسدد
من يتعاهد قلبه ولسانه وجوارحه كل وقت وحين،
وأعظم ما يكون تعاهداً لها وقت المحن.
قال شيخ الإسلام –رحمه الله- :
" فَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُعَوِّدَ نَفْسَهُ التَّفَقُّهَ الْبَاطِنَ فِي قَلْبِهِ وَالْعَمَلَ بِهِ،
فَهَذَا زَاجِرٌ وَكَمَائِنُ الْقُلُوبِ تَظْهَرُ عِنْدَ الْمِحَنِ"
(مجموع الفتاوى: 20/9).
أي: يجعل عمله كله لله –تعالى-،
ومن كان كذلك لم تزده المحن إلا ثباتاً على الحق ورسوخاً فيه.
وحقيقة فقه الباطن؛ أن يكون عمله كله لله.
فهو ينطق لله.
ويصمت لله.
ويكتب لله.
ويعلق لله.
وينصح لله ...
ومن كان كذلك؛ كان أنطق الناس بالحق، وأثبتهم عليه.
فالعلم لا يراد لجمع المسائل؛ وإنما يراد لعبادة الله وطاعته.
ومن هذا المعنى:
قيل لـ محمد بن الحسن –رحمه الله-:
ألا تصنف كتاباً في الزهد؟ قال: صنفت كتاباً في البيوع.
فهذا شأن من يطلب العلم للعمل.
ومن الله التوفيق.
***
أبو زيد العتيبي
2017-06-11, 02:23 PM
النصيحة التعليمية التربوية (40).
العلم هبة من الله
قال ابنُ حزمٍ الأندلسيُّ-رحمه الله تعالى-:
" وإنْ أُعْجِبت بعِلمك فاعلم أنه لا خصلة لك فيه،
وأنه موهبة من اللهِ مجردة، وهبك إياها ربُّك تعالى،
فلا تقابلها بما يسخطه، فلعله يُنسيك ذلك بعِلةٍ يمتحنك بها،
تُولِّد عليك نسيان ما علمت وحفظت ! .
ولقد أخبرني (عبد الملك بن طريف) - وهو من أهل العِلم،
والذكاء، واعتدال الأحوال، وصحة البحث -؛
أنه كان ذا حظٍّ من الحِفظ عظيم، لا يكاد يمُرُّ على سَمْعه شيءٌ يحتاج إلى استعادته !!،
وأنه ركب البحر فمَرَّ به فيه هولٌ شديدٌ أنساه أكثر ما كان يحفظ،
وأخَلَّ بقوة حفظه إخلالاً شديداً لم يعاوده ذلك الذكاء بَعْدُ!!.
وأنا أصابتني عِلَّةٌ فأفقت منها، وقد ذهب ما كنت أحفظ،
إلاَّ ما لاَ قدْر له، فما عاودته إلاَّ بعد أعوامٍ !!.
واعلمْ أن كثيراً من أهل الحرص على العلم يجدون القراءةَ والإكبابَ على الدروس والطلب،
ثم لا يُرزقون منه حظاً !،
فلْيعلم ذوُوا العِلمِ أنه لو كان بالإكباب وحده لكان غيره فوقه،
فصَحَّ أنه موهبة من الله تعالى ،
فأيُّ مكانٍ للعُجْب ها هنا ؟!،
ما هذا إلاَّ موضعُ تواضعٍ، وشكرٍ لله تعالى،
واستزادةٍ من نِعَمِه، واستعاذةٍ مِن سَلْبِها " انتهى.
(الأخْلاقُ والسِّيَر في مداواة النفـوس: ص 68).
***
أبو زيد العتيبي
2017-06-14, 11:52 PM
النصيحة التعليمية التربوية (41).
البناء العلمي لطالب العلم
قال شيخنا فتحي الموصلي – وفقه الله-:
" البناء العلمي لطالب العلم
إذا لم يستند إلى التلقي من الشيوخ المتقنين في فنهم؛
وإلى مصاحبة النظر في الكتب،
وملازمة البحث العلمي للمسائل؛
يبقى مجرد أماني قد تضمحل مع الوقت؛
- لأن الأخذ من الشيوخ وسيلة،
- والدخول في الكتب بعد ذلك مرتبة وطريقة.
- والاتصاف بالبحث العلمي باب يدخل منه طالب العلم إلى الربانية ...
وشرط هذا البناء :
التواضع عند الوسيلة ،
وعلو الهمة في الطريقة ،
والتجرد في الربانية ...
وموانع هذا البناء :
التعجل، والتخصص المبكر، والنقص في التأصيل ، وتتبع الغرائب ، والولوج في الخلاف ،
وإلقاء العداوة بين الشيخ والكتاب ، والتحزب للذوات ، والاشتغال بالألقاب العلمية ،
والزهد في المناصحة الدينية ، والإيغال في المتغيرات السياسية ، والميل إلى المعارضات الجدلية .
ورفع الموانع:
يكون بالدعاء ، وإصلاح النية ، وكثرة السجود ...
وأيسر الطرق في المعالجة :
طلب العلم؛ (ففتنة العلم لا تزول إلا بالعلم) !!.
انتهى كلامه -سدده الله-.
***
أبو زيد العتيبي
2017-06-26, 03:27 PM
النصيحة التعليمية التربوية (42).
طالب العلم والهوى
اعلم -وفقك الله- أن من سمات طلب العلم النافع تحصيل مقصوده،
وهو العمل به، ومن عوائق بلوغ المقصود التعلق بالهوى.
فلا يجتمع في العبد طلب العلم النافع والهوى؛
لذلك جاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
"خصلتان لا يجتمعان في منافق : حسن سمت، ولا فقه في الدين"
[الصحيحة: 287].
والتخلص من الهوى يحصل:
بتحقيق محبة الله –وحده- وتقديم حقه على حظ العبد؛
فبذلك ينبل طالب العلم ويشرف.
ومن يتوكل على الله فهو حسبه
***
أبو زيد العتيبي
2017-06-29, 06:55 AM
النصيحة التعليمية التربوية (43).
تسلل الهوى إلى مسائل الخلاف
اعلم –وفقك الله- أن الهوى ألطف تسللا إلى محال نمائه
من النسيم الرقيق الذي ينفذ مع الأنفاس، وينتشر باختلاس.
ومعاطن الهوى كل موطن منافسة ومغالبة؛ ومنها: (مسائل الخلاف).
فإذا خالط الرأي الاجتهادي في مسائل الخلاف (نزعة هوى) حجبت عنه :
- خطأ رأيه وإن قل.
- وصواب مخالفه وإن كثر.
وفقيه النفس يحترس من هواه أشد من احتراسه من أشرس أعدائه.
ومفتاح مسالك الحذر في هذا الباب:
(حسن الإصغاء) إلى الرأي الآخر، ومحاولة تفهمه.
بل والتحيُّل للاقتناع به ؛ فإن أعياه ذلك لعدم وضوحه، وخلوه من البراهين .
استظهر بيانه بعقول النابغين من إخوانه بالمشورة والمذاكرة ...
فإن عجز عن تصحيحه طرحه ولم يبال به.
وأقبل على الحق خاليا من الهوى سليما من نزغات الشيطان ووساوسه.
وبهذا يهتدي العبد إلى الحق؛
لأنه جرد النظر من حظوظ النفس.
وذلك الفوز العظيم.
***
أبو زيد العتيبي
2017-07-02, 04:44 PM
النصيحة التعليمية التربوية (44).
العلم صمام أمان من الشرور كلها
اعلم –وفقك الله- أن الشر: هو الألم وأسبابه.
والآلام بمختلف أنواعها:
- (الحسية) كالمصائب، والأمراض.
- (والمعنوية) كالهموم والغموم والأحزان.
- (الدنيوية) التي تقع في هذه الدار.
- (والأخروية) التي تقع بعد الموت.
ومنها: الذنوب وعقوبتها.
وجماع هذه الشرور: (الجهل) بالله –تعالى-، وبأمره، وبوعده ووعيده.
فالجهل مفتاح الشر، والعلم صمام الأمان من هذه الشرور؛
لذلك كان صلاح الأرض بالعلم، الذي هو (وظيفة القلب).
والانتكاسة التي تقع عند حمل الأمانة العامة سببها: (الجهل)، (والظلم).
قال –تعالى-:{ وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}[الأحزاب: 72 ].
فأداء الأمانة: بالعلم ومقتضاه.
وطالب العلم: يطلب العلم لتحقيق هذا الأصل الكلي الذي به السعادة التامة.
ومن الله التوفيق.
***
أبو زيد العتيبي
2017-07-03, 03:36 PM
النصيحة التعليمية التربوية (45).
العلم الغذاء والدواء
اعلم أخي الحبيب –سددك الله- أن العلم يطلب لأمرين:
الأول: لتحقيق الإيمان الذي لا صلاح للقلب إلا به.
فالعبد خلق مضطراً إلى معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، ومحبته، وطاعته،
ولا ينال العبد ذلك على التفصيل إلا من طريق رسله –صلوات الله وسلامه عليهم-.
ولا سبيل لتحصيل ذلك منهم إلا بالتعلم؛
فالعلم بالرسالة المفصلة رأس أمر الصلاح كله للفرد والجماعة.
وحاجتهم إليه أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب؛
لأن بفوته تفوت مصالحهم الكلية في الدارين، وتموت قلوبهم، ويخسرون الدنيا والآخرة.
وهذا أشد من فوات الطعام والشراب الذي يفضي إلى موت الأبدان وخسارة الدنيا –فقط-.
فاللبيب يطلب ما فيه بقاؤه السرمدي، وصلاحه القلبي، وسعادته التامة.
وتحقيق ذلك بتعلم:
1- التوحيد، ولبه: إفراد الله –تعالى- بالعبادة.
2- تحقيق السنة، ولبها: إفراد الرسول –صلى الله عليه وسلم- بالمتابعة.
3- تزكية النفوس، ولبها: الطاعة بامتثال الشريعة في أوامرها ونواهيها.
الثاني: حماية الإيمان وصيانته.
وذلك أن الإيمان يزيد وينقص؛ وزيادته بالطاعة، ونقصانه بالمعصية.
والشيطان عدو صائل، يبث جنوده من الوساوس، والخواطر إلى قلوب العباد لإفساد حصن الإسلام،
والحرب سجال.
فإذا أصيبت حصون التوحيد والسنة والتزكية في قلب العبد نزفت جراحه،
وخرج منها الإيمان كما يسيل الدم من العرق؛ فإن لم يبادر بتوبة توقف نزيفه،
وإلا فارق قلبه الحياة، أو أضحى هزيلا لا يقوى على الحراك.
وفي هذه الحال يتعين على العبد العلم بأسباب التوبة وأحكامها،
فكم من جرح لا يشعر به صاحبه، وما لجرح بميت إيلام.
ومما يعين على التوبة ويحمل عليها مشاهدة (الوعد والوعيد).
فأصل العلمان الغذاء والدواء ما أمر الله به بقوله:
{ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ}[محمد: 19].
ولا عاصم إلا الله.
***
أبو زيد العتيبي
2017-08-03, 02:29 PM
النصيحة التعليمية التربوية (46).
طالب العلم والصدق.
اعلم –وفقك الله- أن طالب العلم لا يفلح في الطلب
حتى يصدق مع الله –تعالى- في سعيه في التحصيل،
ورأس الصدق خشية الله –تعالى-.
ومن علامات الصادق من طلاب العلم:
1- طالب العلم الصادق محب لدرسه متعلق به؛ لأنه يطلبه ابتغاء وجه الله –تعالى-.
2- طالب العلم الصادق حريص على فهم درسه على أكمل الوجوه حتى يستوفي إدراكه.
3- طالب العلم الصادق مجتهد في دروسه بلا فتور، ولا انقطاع، ولا قفز على المراتب.
4- طالب العلم الصادق يوظف ما تعلمه على نفسه وأهله.
5- طالب العلم الصادق مبلغ لما تعلم بالحكمة والرفق واللين.
6- طالب العلم الصادق متدرع بـ(لا أدري)، فلا يقفو ما ليس له به علم.
7- طالب العلم الصادق لا يبحث عن الطبوليات؛ ليقول هأنذا!
8- طالب العلم الصادق ليس حوله ضبابية ولا غموض بل واضح منير.
9- طالب العلم الصادق رزن في أقواله وأعماله وأحواله، فليس فيه خفة الشباب ولا طيش الصغار.
فحقيقة طالب العلم الصادق أنه طالب نجاة،
سعيه في نجاة نفسه وفكاك أسره من هواه، وعدوه الشيطان؛
فهو يسعى في تقطيع شراكهما التي نسجت من خيوط الجهل بالعلم والتفقه في الدين.
ولا عاصم إلا الله.
***
أبو زيد العتيبي
2017-08-06, 07:14 PM
النصيحة التعليمية التربوية (47).
طالب العلم والجد.
اعلم -وفقك الله- أن (الجِّدَّ) مركب الطالب إلى أعالي المراتب العلمية والعملية.
- فبه يصل الطالب إلى مقصوده.
- وبه يتقن الطالب علومه.
- وبه يحفظ الطالب وقته.
- وبه ينظم الطالب دروسه.
- وبه يرتب الطالب نمط حياته.
- وبه يحقق الطالب عبادة ربه.
- وبه ينجح الطالب في دعوته.
- وبه الخير كله.
فالجد قرين التوفيق والظفر، وشقيق العزم والصدق.
ومن أهم أسباب تحصيله، الآتي:
1- الإخلاص.
2- كثرة الاستغفار.
3- الدعاء والاستعانة بالله.
4- قراءة القرآن.
5- الرفقة الصالحة.
6- مطالعة سير العلماء.
{وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم}[محمد: 38].
وأسأل الله أن يستعملنا في طاعته ويوفقنا إلى مراضيه.
***
أبو زيد العتيبي
2017-08-07, 07:43 PM
النصيحة التعليمية التربوية (48).
بسم الله الرحمن الرحيم
من وصايا السلف.
قَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِي ُّ , قَالَ لِي أَبُو قِلابَةَ –رحمهما الله-:
" إِذَا أَحْدَثَ اللَّهُ لَكَ عِلْمًا فَأَحْدِثْ لَهُ عِبَادَةً ، وَلا يَكُنْ هَمُّكَ أَنْ تُحَدِّثَ بِهِ"
(جامع بيان العلم وفضله: 1/654).
إضاءات الوصية الأثرية:
1- العلم هبة من الله –تعالى-.
2- الغاية من العلم العمل به.
3- شكر العلم يكون بعبادة الله –تعالى- بما تعلمته.
4- قصر الهمة على التحديث بالعلم دون العمل به من المعايب.
وعليه؛
- (فظاهرة التكاثر) في حجم المنشورات في وسائل التواصل
إن لم تؤسس على معالم التربية الربانية
فليست هي من سمات طلاب العلم الذين يريدون بعلمهم وجه الله والدار الآخرة.
- والجمع بين لسان (الحكيم)، وفعل (اللئيم) من النفاق.
وقفة:
إذا اقتنعت بخطأ مسلكك المتناقض وجب عليك التغيير من الآن، وذلك:
- بالتوبة والاستغفار.
- وطول الصمت والاعتبار.
- وإحياء أوقات الأسحار.
ولا تكن ممن يقول –بلسان حاله أو مقاله-:
سمعنا وعصينا؛ فإنها مركب أهل النار؛ نفاقاً، أو فسقاً.
ولا عاصم إلا الله.
***
أبو زيد العتيبي
2017-08-09, 09:01 AM
النصيحة التعليمية التربوية (49).
طالب العلم والمحاسبة
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم –وفقك الله- أن المحاسبة لطالب العلم ولادة جديدة؛
يعرف بها حجم تحصيله خلال مدة الطلب، ويقف بها على ما فاته من العلم.
فهي ضد الغفلة؛
والغفلة في طلب العلم من أعظم أسباب تضييع الأعمار دون فائدة تذكر.
فالطالب المحاسب لنفسه؛
1- لا تضيع عليه أوقاته؛ لأنه مراقب لزمانه.
2- ولا تتفلت عليه محفوظاته؛ لأنه صائن لها.
3- ولا تغيب عنه أصول العلم؛ لأنه مذاكر لها.
ومن أصول المحاسبة:
- مراجعة المحفوظات حتى لا تنسى.
- تكميل الفن الذي طلبه بمتابعة ما وصل إليه منه.
- أخذ الفنون التي فاته تحصيلها.
ومن أدوات المحاسبة:
- تنظيم وقته ودروسه بالجداول المناسبة.
- حمل دفتر الملاحظات والتنبيهات.
- استعمال ساعة التنبيه.
ومن نواقض المحاسبة:
- الإفراط في النظر إلى الجوال.
- التوسع في الزيارات والسمر.
- الانهماك في التعليق على كل حدث.
وجماع المحاسبة الخوف من الله –تعالى-:
{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[البقرة: 281].
***
أبو زيد العتيبي
2017-08-14, 06:23 PM
النصيحة التعليمية التربوية .(50)
بِسْم الله الرحمن الرحيم
هذه أسئلة مهمة -سلمك الله-.
وكأني فهمت منها أنها متعلقة بشقين؛ لذلك سأتناول كل شق على حدة.
بالنسبة للشق الأول منها فقد تضمن ثلاثة أسئلة.
السؤال الأول: ما هو أنفع كتاب تنصح به لمعالجة أمراض القلوب؟
الجواب: هو (القرآن).
وأما ثاني الأسئلة: وما هو أنفع كتاب لتربية وتزكية طالب العلم ؟
فالجواب -أيضاً-: هو (القرآن).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "والقرآن، شفاء لما في الصدور ومن في قلبه أمراض الشبهات والشهوات, ففيه من البينات ما يزيل الحق من الباطل , فيزيل أمراض الشبهة المفسدة للعلم والتصور والإدراك بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه, وفيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب , والقصص التي فيها عبرة ما يوجب صلاح القلب , فيرغب القلب فيما ينفعه ويرغب عما يضره ,فيبقى القلب محبا للرشاد ,مبغضا للغي, بعد أن كان مريدا للغي, مبغضا الرشاد.
فالقرآن، مزيل للأمراض ,الموجبة للإرادات الفاسدة ,حتى يصلح القلب فتصلح أراداته, ويعود إلى الفطرة التي فطر عليها, كما يعود البدن إلى الحال الطبيعي, ويغذي القلب من الإيمان, والقرآن بما يزكيه, ويؤيده, كما يتغذى البدن بما ينميه ويقومه, فإن زكاة القلب مثل نماء البدن"(مجموع الفتاوى:10/95-96)
وقال ابن باز - رحمه الله -: " فان كتاب الله الكريم هو أعظم علاج وانفع علاج لأمراض القلوب ولأمراض الأعمال والمجتمع ، وهو – أيضاً – علاج عظيم لأمراض البدن – أيضاً – ولكن الله عز وجل أنزله لعلاج أمراض القلوب وعلاج أمراض المجتمع من الفساد ,حتى ترجع القلوب إلى صلاحها, و إلى طهارتها , و إلى إيمانها بالله ورسوله, و إلى بعدها عن كل ما حرم الله ورسوله, وحتى ترجع المجتمعات إلى طاعة الله ورسوله, والتعاون على البر والتقوى , وعدم التعاون على الإثم والعدوان.
فبالإقبال على كتاب الله القرآن , وتدبر معانيه, والإكثار من تلاوته, والمذاكرة فيما دل عليه مع الإخوان والأحباب وأهل العلم في ذلك أعظم وسيلة لعلاج القلب ولطهارة القلب مما نزل به من شبهة , أو مرض شك, أو مرض شهوة, فهذا أعظم علاج, واكبر علاج, وقد عالج به النبي-صلى الله عليه وسلم-أمراض المجتمع في مكة وفي المدينة حتى هدى الله به من هدى ودخلوا في دين الله-عز وجل-
من شريط: (أمراض القلوب وعلاجها, لابن باز –رحمه الله-).
وهنا يأتي السؤال المهم: كيف نقوي الإيمان بالقرآن؟
والجواب: يكون ذلك باتباع هدي السلف في ذلك؛ فإنهم كانوا يقدمون (تعلم مجمل الإيمان) أولاً. ثم (يتعلمون القرآن) ثانياً.
فعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانًا"(رواه ابن ماجه برقم: 61، وصححه الألباني).
والسر في تقديم (مجمل الإيمان) على (القرآن)؛ لأجل اقتلاع العقائد الفاسدة من القلب حتى يكون زاكياً يقبل (الحق) بلا معارض، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: " ولابدَّ مع ذلك أن يكون زكياً صافياً سليماً حتى يزكو فيهِ العلمُ ويثمر ثمراً طيباً , وإلا فلو قبلَ العلمَ وكان فيه كدرٌ وخبثٌ افسدَ ذلك العلم , وكان كالدغل في الزرعِ إن لم يمنع الحبَ مِنْ أنْ ينبت منعه من أن يزكو ويطيب , وهذا بين لأولي الأبصار" (مجموع الفتاوى: 9/315).
ويوضحُ هذا ما ذكرَهُ ابنُ القيمِ-رحمَهُ اللهُ- بقولِهِ:" قُبولُ المحلِ لما يوضعُ فيهِ مشروطٌ بتفريغِهِ من ضدِهِ, وهذا كما أنهُ في الذواتِ والأعيانِ فكذلك هو في الاعتقاداتِ والإراداتِ , فإذا كان القلبُ ممتلئاً بالباطلِ اعتقاداً ومحبةً لم يبقَ فيهِ لاعتقادِ الحقِ ومحبتِهِ موضعٌ.. وسرُّ ذلكَ : أنَّ إصغاءَ القلب ِكإصغاءِ الأذنِ,فإذا أصغى إلى غيرِ حديثِ اللهِ لم يبقَ فيهِ إصغاءٌ, ولا فهمٌ لحديثِهِ , كما إذا مالَ إلى غيرِ محبةِ اللهِ لم يبقَ فيهِ ميلٌ إلى محبتِهِ....."(الفوائد:ص/44,45).
إذا قسا القلب لم تنفعه موعظة....... كالأرض أن سبخت لم يحيها المطر
تنبيه مهم: (ما أول ما يتعلم من القرآن)؟
أخرج البخاري في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: ”إنما نزل أول ما نزل سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس للإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع شرب الخمر، ولو نزل أول شيء: لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنا، وإنه أنزلت {وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [سورة القمر، الآية: 46]، بمكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني جارية ألعب، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده".
فيستفاد من هذا الحديث: تقديم (المفصَّل) من سور القرآن في الحفظ والتعلم؛ لاشتماله على ذكر الجنة والنار.
وسور المفصَّل تبدأ من سورة (ق) أو سورة الحجرات على خلاف بين العلماء.
فإذا فهم العبد هذه الطريقة القرآنية الإيمانية السلفية وعمل بها مستعيناً بالله –تعالى- متوكلاً عليه؛ وفق وهدي إلى صراط مستقيم.
وأما بالنسبة للسؤال الثالث: ما هي أنفع كتب السنة في الآداب ؟
فالجواب: أنفع الكتب ما أشتملت على عمل اليوم والليلة من الأدعية والأذكار والآداب الثابتة بالسنن الصحيحة، ومنها:
1- الكلم الطيب لابن تيمية.
2- الوابل الصيب لابن القيم.
قال العلامة صديق حسن خان –رحمه الله-: " وظني أن من كان عنده تصنيف من تصانيف هذا الحبر العظيم الشأن (يقصد ابن القيم –رحمه الله-) الرفيع المكان أو تصنيف شيخه ... لكفى لسعادة دنياه وآخرته ولم يحتج بعد ذلك إلى تصنيف أحد من المتقدمين والمتأخرين في درك الحقائق الإيمانية –إن شاء الله –تعالى –" (أبجد العلوم: 3/143).
والله أعلى وأعلم وإسناد العلم إليه أسلم.
***
أبو زيد العتيبي
2017-08-16, 05:23 PM
النصيحة التعليمية التربوية (51).
بسم الله الرحمن الرحيم
وأما الشق الثاني من (الأسئلة المهمة)؛ ففيه ثلاثة أسئلة:
السؤال الأول: كيف ينظم طالب العلم وقته؟
الجواب:
اعلم –وفقك الله- أن تنظيم الوقت وما يتبعه ويسبقه من ترتيب طلب العلم -مادة وأولوية- يعتمد على (علو الهمة) في الطلب.
فمن علت همته انتظم طلبه في العلم في كل شيء.
(وعلو الهمة) يقوم على ثلاثة أسس:
الأول: الإخلاص؛ بأن لا يبتغي بعلمه إلا وجه الله.
الثاني: الصدق؛ بأن لا يدخر من وسعه شيئاً إلا ويبذله في تحصيل العلم.
الثالث: الاستطاعة؛ بأن لا يكلف نفسه من العلم إلا ما يناسب مستواه.
فالموفق من يجتهد في تحصيل هذه الأسس؛ فإن حققها استقام شأنه كله.
ثم بعد ذلك:
- يختار من الأوقات (ما خلا عن المشاغل)، ومن الأماكن (ما بعد عن الضوضاء) هذا من حيث الضابط -النسبي- فيختلف فيه وقت كل طالب بحسب ما يناسبه.
- وأما من جهة (أفضلية الوقت في نفسه)؛ فالعلماء –غالباً- يقسمون الوقت إلى ثلاثة أوقات:
الأول: (بعد الفجر) إلى (الزوال) للحفظ والمراجعة.
الثاني: (من الزوال) إلى (الليل) للقراءة والمدارسة.
الثالث: (أول الليل) إلى (قبيل نومه) للكتابة والبحث.
فإذا فرغ (صلى ما كتب له) ثم نام.
السؤال الثاني: كيف يقيد الطالب معلوماته؟
الجواب:
اعلم –وفقك الله- أن تقييد العلم (بالقلم والقرطاس) من أصول العلم التي لا يدرك إلا بها، فقد ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قوله : " قيدوا العلم بالكتاب "( السلسلة الصحيحة : 2026 ).
وقال الخليل بن أحمد – رحمه الله - :" ما كٌتِب قَرَّ، وما حُفظ فَرَّ ".
(وتقييد العلم) له آداب كثيرة، من أهمها:
1- (تقييد الشرح).
والمراد به: تقييد طالب العلم شرح (المتون العلمية المعتبرة)، وله مسلكان:
الأول: تدوينها على نسخته الخاصة.
الثاني: تدوينها في كراسة يخصصها له؛ فيكون لكل متن كراسة خاصة.
2- (تقييد الفوائد).
والمراد به: تقييد طالب العلم (الفوائد المتناثرة) التي يقف عليها من خلال مطالعاته أو لقاءاته، وله فيها مسالك:
الأول: يدونها في أول صفحة من الكتب التي يقرؤها؛ فتكون بمثابة فهرست لتلك الكتب.
الثاني: يدونها في كراسة (عامة) تجمع كل الفوائد المتناثرة.
الثالث: يجعل لكل فن كراسة؛ فيجمع فوائد اللغة في كراسة وفوائد العقيدة في كراسة وهكذا ...
3- (تقييد الإشكالات).
والمراد به: تقييد طالب العلم (الإشكالات المعتبرة) التي تظهر له من خلال طلبه للعلم –درساً أو مطالعة أو مذاكرة-؛ حتى إذا وفق له متخصص في بابها كان يوم غنيمته يعرض عليه المسائل ويستفيد منه.
4- (تقييد البحث).
والمراد منه: تقييد طالب العلم (المتوسط) ، أو (المتمكن) بعض الأبحاث العلمية ليقوي بذلك ملكته في العلم؛ ولا يجعل همه التصنيف أو النشر؛ وإنما يكون مقصوده بالبحث –أولاً- تنمية قدراته العلمية.
5- (تقييد المختصرات).
والمراد منه: اختصار طالب العلم (بعض) الكتب المعتبرة في بابها، ولذلك فوائد، منها:
- تقوية الفهم؛ فإن الاختصار النافع فرع التصور الصحيح للعلم.
- تقوية الحفظ؛ فإن في كتابة العلم اجتماع الحواس على تثبيته.
- تسهيل المراجعة؛ فإن المختصرات تقلل الألفاظ ولا تفوت المعاني، وبذلك تسهل مراجعة العلم.
السؤال الثالث: يعاني الكثير من الإخوة مشكلات تعيقه عن التحصيل والتفكير وتسبب له حالات نفسيه قد تقطعه وترده عن الطلب؟
الجواب: هذه العقبات اختبار (الادعاء)؛ فإن العلم من (الإيمان) والله يقول –في سورة العنكبوت-: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)}.
ومن أدرك هذه الحقيقة تعين عليه (تحقيق الصدق) في طلب العلم، والصدق يقوم على ساقين اثنين:
الأول: سبب معنوي، وهو التوكل على الله والاستعانة به في تحصيل العلم.
الثاني: سبب حسي، وهو مجموع ثلاثة أمور:
- الحرص على النافع دون غيره من العلوم والكتب.
- اجتناب الذنوب والآثام.
- الصبر على السهر والتعب، واحتساب الأجر عند الله –تعالى-.
تنبيه (خاص) لمن ابتلي بالمصائب.
إن العبد إذا قهرته المصائب وغلبت عليه الابتلاءات؛ فعليه بأصل الأصول وهو (القرآن) فلا يفرط في حفظه ولا مراجعته؛ فإنه وإن ترك كل شيء من كتب العلم بسبب ظروف قاهرة لا يقوى على مدافعتها فليتمسك (بالقرآن) فإنه (حصن العلم) ومنبعه الأول فمن لازمه واعتنى به لم يفته العلم. بل سيجد بعد ذلك الفيئة إلى (تفاصيل العلم).
وأسأل الله –تعالى- أن يبصرنا بأمر ديننا، ويلهمنا رشدنا ويوفقنا لكل خير.
***
أبو زيد العتيبي
2017-08-18, 07:18 PM
النصيحة التعليمية التربوية (52).
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم –سلمك الله- أن (طالب العلم) وصف له معنى،
وحقيقته أنه (مركب إضافي). مؤلف من مفردتين: (طالب)، (والعلم).
فأما (طالب) فهو اسم فاعل يدل على (حدث)، و(ذات قام بها الحدث)؛
فلا يصدق هذا الوصف على (عبد) إلا مع الملازمة والدوام -الذي تفيده الإسمية في (اسم الفاعل)-
بين (ذاته)، (والحدث) أي: (الطلب).
وأما (العلم) فهو –هنا- اسم يدل على معرفة الحق بدليله.
والإضافة بمعنى (اللام) أي: طالبٌ للعلم.
(واللام) للاختصاص، أي: طلبه -وهو سعيه- مقصور ومختص بالعلم.
فوصفنا لعبد أنه (طالب علم) يتضمن:
(اجتماع همته على تحصيل الحق من دليله صدقاً بلا فتور).
وقد دل على هذا المعنى حديث عَنْ أَنَسٍ –رضي الله عنه- ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله عليه وسَلَّمَ-:
"مَنْهُومَانِ لا يَشْبَعَانِ طَالِبُ عِلْمٍ وَطَالِبُ دُنْيَا"
(صحيح الجامع رقم: 6624).
فقوله: (مَنْهُومَانِ) مثنى منهوم،
(والمنهوم): اسم المفعول من نَهِمَ،
وهو المولع بالشيء الذي تعلق قلبه به فلا يفتر عنه ولا يصبر على مفارقته.
وهو من بلغت رغبته في الشيء مبلغ (الشَّرَه)، (والشهوة المفرطة)
التي لا ينتهي توقدها، وتطلعها إلى حد؛ لذلك قال: (لا يَشْبَعَانِ).
والمقصود: أن الوصف (بطالب علم) وصف جليل القدر، عزيز المنال.
لا يدرك إلا بالجد والاجتهاد، والصبر والدوام.
وتأمل ما رواه الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 1/76): بسنده عن " مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ، قَالَ: " حَضَرْتُ الْمَأْمُونَ بِالْمِصِّيصَةِ ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ بِيَدِهِ مَحْبَرَةٌ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، صَاحِبُ حَدِيثٍ مُنْقَطِعٌ بِهِ. قَالَ: فَوَقَفَ الْمَأْمُونُ، فَقَالَ لَهُ: إِيشِ تَحْفَظُ فِي بَابِ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: فَسَكَتَ الرَّجُلُ، فَقَالَ الْمَأْمُونُ: نا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ فُلَانٍ عَنْ فُلَانٍ، عَنْ فُلَانٍ، وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ الْأَعْوَرُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ كَذَا حَتَّى عَدَّدَ لَهُ كَذَا حَدِيثًا، ثُمَّ قَالَ: إِيشِ تَحْفَظُ فِي بَابِ كَذَا؟ قَالَ: فَسَكَتَ، فَسَرَدَ فِيهِ كَذَا حَدِيثًا، ثُمَّ قَالَ: أَحَدُهُمْ يَطْلُبُ الْحَدِيثَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، يَقُولُ: أَنَا صَاحِبُ حَدِيثٍ، أَعْطُوهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ".
فلا يكون (العبد) طالباً للعلم إلا إذا وظف جوارح العلم فيما خلقت له:
1- العين في مطالعة العلم وقراءة الكتب.
2- والأذن في سماعه.
3- والبنان في كتابته.
4- والرجل في السعي إلى حلقه.
5- والقلب في حفظه وإتقانه، وفهمه وتعقله.
6- وسائر الجوارح في رعايته والتقرب إلى الله به.
ومن يتوكل على الله يوفقه.
***
أبو زيد العتيبي
2017-08-19, 02:27 PM
النصيحة التعليمية التربوية (53)
بسم الله الرحمن الرحيم
أسباب علو الهمة في طلب العلم
اعلم أخي الحبيب –وفقك الله- أن علو الهمة حقيقتها: (زيادة الإيمان).
وذلك أن الهمة هي (عمل القلب)؛ لأنها الإرادة الجازمة الموجبة لعمل الجوارح.
والإرادة عمل قلبي حقيقته تحرك القلب وميله إلى المطلوب،
وعمل القلب من الإيمان، وزيادته تكون بمادة من جنسه ومرجعها إلى (الإيمان بالله واليوم الآخر).
فكل من أراد علو همته في طلب العلم فعليه بطلب زيادة إيمانه بالله واليوم الآخر.
وأصول أسباب زيادة الإيمان بالله –تعالى- ثلاثة:
الأول: معرفة الله –تعالى- بأسمائه وصفاته وأفعاله.
الثاني: معرفة آياته الكونية ومخلوقاته، وتأملها.
الثالث: معرفة آياته الشرعية وتلاوتها وتدبر معناها.
وأصول أسباب زيادة الإيمان باليوم الآخر ثلاثة:
الأول: تأمل أدلة الفطر العقلية الدالة على البعث بعد الموت.
الثاني: تأمل آيات الجزاء ونصوص الوعد والوعيد.
الثالث: تأمل صفات الجنة وصفات النار.
فمن أعطى هذه الأسباب حظها من التفكر والتذكر والتدبر تضاعف إيمانه وتجدد ونمى نماء حسناً،
وولد معها قلبه ولادة جديدة توجب للعبد إرادة جازمة
تحمله على طلب تفاصيل الإيمان والإسلام والإحسان.
وهذه حقيقة الهمة العالية في طلب العلم.
اللهم اجعلنا من أهلها وارزقنا زيادتها.
***
أبو زيد العتيبي
2017-08-30, 06:54 PM
النصيحة التعليمية التربوية (54)
بسم الله الرحمن الرحيم
(تأصيل منهج التلقي) من المطالب المهمة التي تحقق عدداً من المصالح الضرورية، منها:
- (حفظ العلم) سالماً من كل دخيل.
- (تأسيسه في الأمة).
- (بناء الملكات) العلمية القادرة على الاجتهاد.
ولفهم حقيقة هذه الجملة (تأصيل منهج التلقي) نوضح معاني مفرداتها:
أولاً: (التلقي) معناه : أخذ العلم.
ويعبر العلماء ( بمصادر التلقي ) عن المحال التي يؤخذ منها العلم .
فالمصدر : محل العلم . والتلقي أخذه من محله .
ومصدر التلقي هو الوحي : ( الكتاب والسنة ) .
ويلحق بهما ما دلا عليه .
ثانياً: (منهج التلقي) هو كيفية أخذ العلم منهما،
وحقيقته: طريقة السلف في الاستدلال والاستنباط .
ومنها – للتوضيح - :
- إجراء الكلام على ظاهره إلا لقرينة صحيحة صريحة .
ثالثاً: (تأصيله) يراد به : تعليم (منهج التلقي) للخلق كأساس يبنى عليه العلم، وذلك:
1- بالابتداء به.
2- بالتركيز عليه.
3- بإرجاع المشتبهات إلى محكماته.
4- بتفريع العلوم منه.
5- عدم قبول العلم من غيره.
ويتحقق (تأصيل منهج التلقي) في الأمة بعدد من الطرق، أهمها:
1- تدريسه للطلاب من خلال متون الاعتقاد.
2- بثه في المحاضرات والخطب وفي مواقع التواصل ونحو ذلك .
ومن الله التوفيق.
***
أم علي طويلبة علم
2017-08-30, 10:38 PM
النصيحة التعليمية التربوية (53)
بسم الله الرحمن الرحيم
أسباب علو الهمة في طلب العلم
اعلم أخي الحبيب –وفقك الله- أن علو الهمة حقيقتها: (زيادة الإيمان).
وذلك أن الهمة هي (عمل القلب)؛ لأنها الإرادة الجازمة الموجبة لعمل الجوارح.
والإرادة عمل قلبي حقيقته تحرك القلب وميله إلى المطلوب،
وعمل القلب من الإيمان، وزيادته تكون بمادة من جنسه ومرجعها إلى (الإيمان بالله واليوم الآخر).
فكل من أراد علو همته في طلب العلم فعليه بطلب زيادة إيمانه بالله واليوم الآخر.
جزاكم الله خيرا
أبو زيد العتيبي
2017-09-18, 06:26 PM
النصيحة التعليمية التربوية (55)
بسم الله الرحمن الرحيم
سؤال من أحد الإخوة الكرام: ما هو الأصل الجامع او الحاوي للأخلاق التي ينبغي لطالب العلم أن يتحلى بها نريد منهجاً واضحاً في هذه المسألة التي يغفل عنها كثير من طلاب العلم؟
الجواب:
أسس مكارم الأخلاق
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فأسأل الله –تعالى- أن يرزقني وإياكم (مكارم الأخلاق)، (ومحاسن الآداب)، (وصالح الخلال).
اعلم -وفقك الله- أن هذا الموضوع من المقاصد الرسالية؛ فهو من أصول المنة الربانية، ومن مطالب الدعوة الإبراهيمية، وحقيقته الظفر (بالتزكية القلبية)، كما قال –تعالى-:{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[البقرة: 129].
وقال –تعالى-:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[آل عمران: 164].
وأصول الأخلاق هي (مباني التزكية القلبية)، وأسسها ثلاثة:
الأساس الأول: تطهير مقصود القلب (بالتوحيد).
الأساس الثاني: تطهير فهم القلب (بالاتباع).
الأساس الثالث: تطهير إرادة القلب (بالصدق).
فإذا تمت هذه الأسس في القلب (زكى) وطهر من كل خبث أو رجس.
وعند التأمل نجد أن (فساد العقيدة) هو أعظم أسباب (انحطاط الأخلاق)؛ فلا تسل بعد ذلك عن (قبائح الفواحش) وانتشارها في المجتمعات (الوثنية)، أو (العلمانية)، وسرعة تلقي تلك البيئة لكل خصلة ذميمة.
ولهذا كانت بعثة النبي –صلى الله عليه وسلم- متممة للأخلاق ببنائها على العقيدة الصحيحة، كما قال –صلى الله عليه وسلم-: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وفي رواية: "صالح الأخلاق". (السلسة الصحيحة، رقم: 45).
وأول ما بدأ به النبي –صلى الله عليه وسلم- في بعثته إصلاح العقيدة بالتوحيد والإخلاص، كما قال ابْنُ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما-: "لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ -رضي الله عنه- إِلَى نَحْوِ أَهْلِ اليَمَنِ قَالَ لَهُ: «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى" (متفق عليه).
ومن هذا التأصيل نفهم حقيقة الخلل الحاصل في (واقع كثير من طلبة العلم) أنه راجع إلى (فساد النيات).
(فالتصنع) –رياء، وسمعة- من أعظم (مفسدات الأخلاق)؛ لأن هَمَّ الطالب في تلك الحال (طلب مدح الخلق)؛ فيسعى -جاهداً- في بناء ظاهره دون التفات إلى (صلاح الباطن).
فيكون كمن يؤسس بنيانه (على شفا جرف هار)؛ فإذا صدمه الواقع بنازلة من النوازل (انهار) –سريعاً- (ظاهره الأجوف)؛ مسقطاً معه (أقنعته الصناعية)، وتنكشف حقيقته الباطنة عن (أحمق، جاهلٍ).
وكذا الحال عند (فساد المتابعة) فهو مؤذن (بتفشي منكرات الأخلاق)؛ لأن (الهوى) موجب للبدعة والمخالفة.
قال الشاطبي –رحمه الله-: "المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه ; حتى يكون عبدا لله اختيارا ، كما هو عبد لله اضطرارا " (الموافقات: 2/290).
فالذي ينشأ على (البدع) يألف مخالفة (الشرع)؛ ولا يكون له في نفسه (تعظيمٌ للوحي). بل كلما استحسن شيئاً ركبه؛ وذلك منتهى (الانحلال) عن الشريعة العاصمة لأخلاقه وأعماله عما يفسدها.
وفي (البدعة) استحسان ما تهواه نفسه؛ "وإنما الاستحسان تلذذ" كما قاله الشافعي في الرسالة (ص: 507).
وهذا (التلذذ) بالهوى يورث (إدمان) المخالفة؛ فلا تنفك نفسه عن المنكرات والسقطات "فهى تجري بطبعها فى ميدان المخالفة" (إغاثة اللهفان: 1/86).
ولذلك جمع النبي –صلى الله عليه وسلم- في التعوذ بين (منكرات الأخلاق والأعمال)، (ومنكرات الأهواء)، فقال: «اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء» (صحيح الجامع، رقم: 1298).
فتطهير (طالب العلم) قلبه من الأهواء والبدع (يزكي أخلاقه)؛ لاعتصامه (بالشرع)؛ {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[آل عمران: 101]. "أي من يتمسك بدينه الحق الذي بيّنه بآياته على لسان رسوله، وهو الإسلام والتوحيد، المعبر عنه بسبيل الله، فهو على هدى لا يضل متبعه" (محاسن التأويل للقاسمي: 2/368).
ومن هدايته إلى الصراط المستقيم هدايته (لأحسن الأخلاق)، كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ" (رواه مسلم).
والسبب في ذلك أن (الاعتصام بالوحي) بإيمان وإيقان بصحته وصدقه وعاقبته الحميدة في الأمور كلها يجعله منقاداً لأوامره يدور مع الشريعة حيث دارت "كالجمل الأنف إن قيد انقاد وإذا أنيخ على صخرة استناخ" (حسن، صحيح الجامع، رقم: 6669).
والشريعة جاءت متممة للأخلاق الفاضلة داعية إليها وحاثة العباد على التخلق بها، والتجمل بأرفعها منزلة، وأتمها مقاماً.
وكذلك الحال عند (فساد الإرادة) بسبب (ضعف الصدق)؛ فإن الأخلاق الفاضلة تترحل عن القلب متتابعة؛ فيصبح (كذاباً في حديثه، مخلفاً لوعده، خائناً لأمانته، فاجراً في خصومته).
وذلك لأن (ضعيف الصدق): (كسول الهمة)، (مترهل الإرادة)، (متذبذب العزيمة) تدب إلي قلبه (أخلاق المنافقين) من (خوخة) فساد الإرادة فتفسد عليه أخلاقه وتتبدل طباعه.
وعلامات المنافقين متولدة من (فساد صدقهم) فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرْبَعُ خِلاَلٍ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا: مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا "(متفق عليه).
والصدق داعٍ إلى الفضائل، كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ" (متفق عليه).
فلا يزال الصادق يترقى في مدارج الكمالات حتى تزكو أخلاقه وتنبل طباعه، وتسمو صفاته.
فتطهير (طالب العلم) إرادته بالصدق، وعلو الهمة يحمله على التخلق (بأخلاق الأبرار) {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَة ِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}[البقرة: 177].
فتأمل كيف جعل الله –تعالى- من أوصاف { الَّذِينَ صَدَقُوا} حقائق {الْبِرَّ} ومنها: مجامع الأخلاق وكمالاتها: (الكرم)، (والوفاء بالعهود)، (والشجاعة)، (والصبر).
فطالب العلم الصادق: كريم سخي، وشجاع صبور، ووفي أمين.
فهذه الأسس الثلاثة التي (تزكي النفس) وتطهرها من الشرك والبدع والفسوق، هي أسس الأخلاق الفاضلة.
وأما حقيقة (الخلق الفاضل) في نفسه –عند معاملة الخلق- فأفضل ما قيل فيه ما جاء عن الحسن البصري -رحمه الله- :" بأنه كف الأذى، وبذل الندى ، وطلاقة الوجه". (الآداب الشرعية لابن مفلح: 2/216).
فجماع الأخلاق في هذه الثلاثة، وقد نبه عليها النبي –صلى الله عليه وسلم- وجمع أصولها في حديث واحد فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه-، عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ، إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ»(رواه مسلم).
ففي قوله: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ" الحث على (بذل الندى) والمعروف المالي، ومنه يؤخذ فضيلة بذل كل معروف بالمال والعلم والجاه.
وفي قوله: "وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ، إِلَّا عِزًّا" دلالة أولوية على (كف الأذى)؛ لأن العفو (ترك مقابلة المعتدي بمثل أذيته) والصفح عنه. فمن ترك أذية غيره بالحق لهو أبعد عن أذيتهم بلا حق.
وفي قوله: "وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ" إشارة إلى (طلاقة الوجه)؛ لأن المتكبر (مصعر خده) عن الخلق كبراً {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ}[لقمان: 18].
" قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَقُولُ لَا تَتَكَبَّرْ فَتُحَقِّرَ النَّاسَ وَتُعْرِضَ عَنْهُمْ بِوَجْهِكَ إِذَا كَلَّمُوكَ" (تفسير القرطبي: 3/589).
فطالب العلم الموفق إذا لم تكن هذه الأوصاف الثلاثة طبعاً له؛ فإنه يجاهد نفسه على التطبع بها حتى تكون ملكات راسخة فيها.
وطالب العلم أحوج الناس إلى التربية على الأخلاق والآداب؛ لإصلاح نفسه، وإصلاح غيره :( فإن الأخلاق الفاضلة بريد الحق إلى القلوب الغافلة).
وما نقلت العلوم إلى القلوب بمثل الأخلاق الحسنة فهي مراكب فاضلة شريفة بها يسمو محمولها ويزداد بهاءا وزينة ، كما قال سُفْيَان الثَّوْرِي – رحمه الله - : «زَيِّنُوا الْحَدِيثَ بَأَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَزَيَّنُوا بِالْحَدِيثِ» .
فعلى طالب العلم أن يتعاهد أخلاقه كما يتعاهد محفوظاته . بل عليه أن يتعلم الأخلاق الحسنة والهدي الفاضل كما يتعلم العلم ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: «كَانُوا يَتَعَلَّمُونَ الْهَدْيَ كَمَا يَتَعَلَّمُونَ الْعِلْمَ» .
وليجعل الطالب الأخلاق الحسنة أسس وأركان بنائه العلمي ، فخباء العلم بلا أوتاد الأخلاق لا يصمد عند زلازل المحن .
ولهذا حرص علماؤنا على العناية بأخلاق طلابهم فهذا مالك بن أنس – رحمه الله – يوصي، قائلاً: «إِنَّ حَقًّا عَلَى مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ وَخَشْيَةٌ، وَأَنْ يَكُونَ مُتَّبِعًا لِأَثَرِ مَنْ مَضَى قَبْلَهُ» .
بل إن حاجة طالب العلم إلى الأدب والخلق أكثر من حاجته إلى المعلومات ، فعَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِلَى أَدَبٍ حَسَنٍ أَحْوَجُ مِنْهُ إِلَى خَمْسِينَ حَدِيثًا» .
وعن عِيسَى بْنَ حَمَّادِ بْنِ قُتَيْبَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ اللَّيْثَ، يَقُولُ: - وَقَدْ أَشْرَفَ عَلَى أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَرَأَى مِنْهُمْ شَيْئًا - فَقَالَ: «أَنْتُمْ إِلَى يَسِيرٍ مِنَ الْأَدَبِ أَحْوَجُ مِنْكُمْ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الْعِلْمِ» .
ومن أجمل ما مثل به أفتقار العلم إلى الأدب ما قاله أَبَو زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِي – رحمه الله -: " عِلْمٌ بِلَا أَدَبٍ كَنَارٍ بِلَا حَطَبٍ، وَأَدَبٌ بِلَا عِلْمٍ كَرُوحٍ بِلَا جِسْمٍ " .
فشبه الأدب بوقود النار التي لا دوام لها دونه ، ومتى قطع عنها خبت وانطفئت .
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأقوال والأعمال .
*****
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.