المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من فوائد التمهيد لشرح كتاب التوحيد



أم علي طويلبة علم
2017-04-28, 03:15 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فهذه فوائد من التمهيد لشرح كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، للشيخ صالح عبدالعزيز آل الشيخ، حيث قال في مقدمة الكتاب:

" فـ "كتاب التوحيد" كتاب عظيم النفع جدا، جدير بأن يعنى به عناية حفظ، ودرس، وتأمل؛ فالعبد محتاج إليه للعمل به، ولتبليغ ما فيه من العلم لمن وراءه من الناس في المسجد، وفي أي جهة أخرى.

والمقصود: أن مَن فهم هذا الكتاب فقد فهم أكثر مسائل توحيد العبادة، بل يكون قد فهم جل مسائله وأغلبها.".

أم علي طويلبة علم
2017-04-28, 03:30 PM
- لماذا خالف الشيخ - رحمه الله- طريقة المصنفين فلم يجعل للكتاب خطبة يبين فيها طريقته، بل قال: " كتاب التوحيد" وقول الله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، فأخلاه من الخطبة؟.

والسبب في ذلك، والسر فيه- فيما يظهر لي- أن التوحيد الذي سيبينه الشيخ - رحمه الله - في هذا الكتاب هو توحيد الله - جل وجلاله -.
وتوحيد الله قد بينه الله - جل وعلا- في القرآن، فكان- لذلك - من الأدب في مقام التوحيد ألا يَجعل فاصلا بين الحق والدال على الحق وكلام الدال عليه.
فالحق الذي لله هو التوحيد، والذي دل على هذا الحق هو الله - جل جلاله - والدليل عليه هو كلامه، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.

وهذا من لطائف أثر التوحيد في القلب، وهذا كصنيع الإمام البخاري، رحمه الله- في صحيحه.
إذ لم يجعل في (صحيحه)؛ إذ لم يجعل لصحيحه خطبة، بل جعل (صحيحه) مبتدأ بالحديث؛ ذلك أن كتابه كتاب سنة.

ومن المعلوم أن من الأدب، أو من مراعاة الأدب: ألا يُتقدَّم بين يدي الله ورسوله، لذا لم يقدِّم المؤلف كلامه على كلام رسوله صلى الله عليه وسلم كما جعل البخاري (صحيحه) مفتتحا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) لأن كتابه كتاب سنة، فجعل كتابه في ابتدائه مبتدأ بكلام صاحب السنة -عليه الصلاة والسلام-. وهذا من لطيف المعاني التي يرعاها من نور الله قلوبهم لمعرفة حقه، وحق رسوله صلى الله عليه وسلم.

أم علي طويلبة علم
2017-04-28, 04:01 PM
- وتوحيد الشيء: جعله واحدا، تقول: وَحَّدْتُ المتكلم: إذا جعلتَه واحدا، ووحد المسلمون الله: إذا جعلوا المعبود واحدا، وهو الله - جل وعلا-.

والتوحيد المطلوب يشمل ما أمر الله- جل وعلا - به في كتابه من توحيده، وهو ثلاثة أنواع:

1 - توحيد الربوبية.
2 - وتوحيد الألوهية.
3 - وتوحيد الأسماء والصفات.


فأما توحيد الربوبية: فمعناه توحيد الله بأفعاله. وأفعال الله كثيرة، منها:
الخلق، والرِّزْق، والإحياء، والإماتة، وتدبير الملك، والنفع، والضُّر، والشفاء، والإجارة (1) كما قال تعالى في التنزيل: {وهو يجير ولا يجار عليه} وإجابة دعوة المضطر، وإجابة دعوة الداعي، ونحو ذلك من أفراد الربوبية، فالمتفرد بذلك على الكمال هو الله - جل وعلا- فتوحيد الربوبية: هو توحيد الله بأفعاله - سبحانه-.


وأما توحيد الألوهية: فالألوهية مأخوذة من: ألَه يأْلَه إِلهة وأُلُوهةً: إذا عُبد مع المحبة والتعظيم.
يقال: تَأَلَّه إذا عُبد مُعَظَّمًا مُحَبًّا، ففرقٌ بين العبادة والألوهة، فإن الألوهة عبادة فيها المحبة، والتعظيم، والرضا بالحال، والرجاء، والرغب، والرهب، فمصدر أَلَه يأْلَه: أُلُوهة وإلهة؛ ولهذا قيل: توحيد الإلهية، وقيل توحيد الألوهية، وهما مصدران لـ (أَلَه ، يأْلَه).

ومعنى (أَلَه) في لغة العرب: عبد مع المحبة، والتعظيم. والتأَلُّه: العبادة على ذاك النحو، قال رؤبة بن العجاج:



لله درُّ الغانيات المدَّهِ




سَبَّحن واسترجعن من تألهِ(2)





يعني: من عبادتي.

فتوحيد الإلهية، أو توحيد الألوهية: هو توحيد العبادة، يعني: جَعْل العبادة لواحد، وهو الله - جل جلاله-، فالعبادة التي يفعلها العبد أنواع، والله - جل وعلا - هو المستحق للألوهة وللعبادة، فهو ذو الألوهة، وهو ذو العبادة على خلقه أجمعين.

فـ " توحيد " الألوهية:هو توحيد الله بأفعال العبد المتنوعة، التي يوقعها على جهة التقرب، فإذا توجه بها لواحد وهو الله- جل وعلا- كان موحدا إياه توحيد الإلهية، وإذا توجه العبد بها لله ولغيره كان مشركا في هذه العبادة.


وأما النوع الثالث من التوحيد: فهو توحيد الأسماء والصفات، ومعناه:
أن يعتقد العبد أن الله - جل جلاله - واحد في أسمائه وصفاته لا مماثل له فيها، وإن شَرِكَ بعضُ العباد الله -جل وعلا- في أصل بعض الصفات فإنهم لا يَشْرَكُونه -جل وعلا - في كمال المعنى، بل الكمال فيها لله وحده دون من سواه.

ومثال ذلك: أن المخلوق قد يكون عزيزا والله - جل جلاله - هو العزيز، فللمخلوق من صفة العزة ما يناسب ذاته الحقيرة الوضيعة الفقيرة، والله -جل وعلا- له من كمال هذه الصفة منتهى ذلك، ليس له فيها مثيل، وليس له فيها مشابه على الوجه التام، قال -جل وعلا-: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.


فهذه الأنواع الثلاثة من التوحيد ذكرها الشيخ-رحمه الله- في هذا الكتاب، لكن لما كانت التصانيف قبله اعتنى فيها العلماء- أعني علماء السنة والعقيدة - ببيان النوعين: الأول، والثالث، وهما توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، لما اعتنى العلماء بهما لم يبسط الشيخ- رحمه الله - القول فيهما، وإنما بسط القول فيما الناس أحوج إليه، ويفتقدون التصنيف فيه، وهذه طريقة الإمام - رحمه الله - فإن كتاباته المختلفة، ومؤلفاته المتنوعة: إنما كانت بحسب حاجة الناس إليها، ليست للتكاثر، أو للاستكثار، أو للتفنن، وإنما كتب فيما الناس بحاجة إليه، فلم يكتب لأجل أن يكتب، ولكن كتب لأجل أن يدعو، وبين الأمرين فرق، فالشيخ- إذًا- بيَّن في هذا الكتاب توحيد الإلهية والعبودية، وبين أفراده من: التوكل، والخوف، والمحبة، والرجاء، والرغبة، والاستعانة، والاستغاثة، والذبح، والنذر، ونحو ذلك، فكل هذه عبادات لله - سبحانه وحده - دون من سواه.



________________
(1) أي أنه سبحانه يحمي عباده من كل مكروه وأذى، أما إذا أراد الله بقوم سوءاً فلا يستطيع أحد أن يرد إرادة الله تعالى.

(2) يقال في الدعاء للإنسان: لله درك، والمراد الدعاء له: أي: كثر خيرك، وأصل الدر: اللبن.
الغانيات: أي النساء اللاتي استغنين بجمالهن عن التجمل والتزين، أو اللاتي استغنين بأزواجهن عن النظر إلى غيرهم.
المده: أي المادحات.
سبحن: أي قلن: سبحان الله.
واسترجعن: أي قلن: إنا لله وإنا إليه راجعون.
من تألهي: أي بسبب عبادتي لله.
وهؤلاء النسوة قلن ذلك حسرة عليه وتعجبا من انتقال حاله وتغيرها، كيف تنسك وهجر الدنيا بعد الذي كان من شبابه وجماله وصبوته.

أم علي طويلبة علم
2017-04-29, 10:23 PM
- ثم إن الشيخ- رحمه الله - لما بسط ذلك بَيَّنَ أيضا ضده وهو الشرك.

فهذا الكتاب الذي هو كتاب التوحيد، فيه بيان توحيد العبادة، والربوبية، والأسماء والصفات، وفيه -أيضا - بيان ضد ذلك، وضد التوحيد: الشرك.

والشرك معناه: اتخاذ الشريك، وهو: أن يُجْعَلَ واحدٌ شريكًا لآخر؛ يقال: أشرك بينهما: إذا جعلهما اثنين، أو أشرك في أمره غيره: إذا جعل ذلك الأمر لاثنين: فالشرك فيه تشريك، والله - جل وعلا - نهى عن الشرك، كما سيأتي الكلام على ذلك - إن شاء الله -.

أم علي طويلبة علم
2017-04-29, 10:46 PM
وقد بين أهل العلم عند كلامهم عن الشرك: أنه بحسب ما دلت عليه النصوص:
يُقسَّم إلى قسمين باعتبار، ويقسم إلى ثلاثة أقسام باعتبار آخر؛ فهو إما أن يقسَّم إلى: شرك أكبر، وشرك أصغر. فهذا باعتبار انقسامه إلى قسمين.

ويقسم إلى شرك أكبر، وشرك أصغر وشرك خفي. فهذا باعتبار انقسامه إلى ثلاثة أقسام.

والشرك: هو اتخاذ شريك مع الله- جل وعلا - في الربوبية، أو في العبادة، أو في الأسماء والصفات.

والمقصود هنا: النهي عن اتخاذ شريك مع الله - جل وعلا - في الربوبية أو في العبادة، أو في الأسماء والصفات والأمر بتوحيده - سبحانه-.


التقسيم الأول: وهو تقسيم الشرك إلى أكبر وأصغر.
فالأكبر: هو المخرج من الملة.
والأصغر: ما حكم الشارع عليه بأنه شرك.

وليس فيه تنديد كامل يُلْحِقُهُ بالشرك الأكبر، وعبَّر عنه بعض العلماء بقوله: ما كان وسيلة إلى الشرك الأكبر، فعلى هذا يكون الشرك الأكبر منه ما هو ظاهر، ومنه ما هو باطن خفي.

فمثال الظاهر من الشرك الأكبر: عبادة الأوثان، والأصنام، وعبادة القبور، والأموات والغائبين.
ومثال الباطن: شرك المتوكلين على المشايخ، أو على الآلهة المختلفة، أو كشرك المنافقين؛ لأن المنافقين مشركون في الباطن؛ فشركهم أكبر، ولكنه خفي، أي في الباطن، وليس في الظاهر.

وكذلك الشرك الأصغر- على هذا التقسيم- منه ما هو ظاهر، ومنه ما هو باطن خفي، فمثال الظاهر من الشرك الأصغر: لبس الحلقة، والخيط، وتعليق التمائم، والحلف بغير الله، ونحو ذلك من الأعمال والأقوال.
ومثال الباطن الخفي منه: يسير الرياء ونحو ذلك. فيكون الرياء- على هذا التقسيم أيضا- منه ما هو أكبر كرياء المنافقين الذين قال الله في وصفهم: { يرآءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا}، ومنه: ما يقع فيه بعض المصلين المتصنعين في صلواتهم؛ لأجل نظر الناس إليهم، ومنه ما هو أصغر كمن يحب التسميع أو المراءات.


التقسيم الثاني للشرك -وهو جعله ثلاثة أقسام-: أكبر، وأصغر، وخفي، وهذا التقسيم يعني به أن الأكبر: ما كان مخرجا من الملة؛ مما فيه صرف العبادة لغير الله- جل وجلاله-.

والأصغر: ما كان وسيلة لذلك الشرك الأكبر، وفيه تنديد لا يبلغ به أن يخرج من الإسلام، وقد حكم الشارع على فاعله بالشرك، وحقيقة الحال: أنه ندد وأشرك.

وأما الشرك الخفي، فهو: كيسير الرياء، ونحو ذلك.

وبعض أهل العلم يقول بالتقسيم الأول، ومنهم من يقول بالثاني.

والتحقيق أنهما متساويان، أحدهما يوافق الآخر، وليس بينهما اختلاف.
فإذا سمعت من يقول: إن الشرك ينقسم إلى أكبر، وأصغر: فقوله هذا صحيح، وإذا سمعت من يقول - وهو قول أئمة الدعوة -: إن الشرك ينقسم إلى أكبر وأصغر وخفي: فهذا -أيضا- قوله صحيح.

فإذا تبين ذلك، فاعلم أن الشرك يعبر عنه بالتنديد، كما قال - جل وعلا -: {فلا تجعلوا لله أنداداً}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم حينما سئل: أي الذنب أعظم؟ قال: (أن تجعل لله ندا، وهو خلقك).

فالتنديد منه ما هو تنديد أعظم، ومنه ما هو تنديد أصغر ليس فيه صرف العبادة لغير الله. فإذا كان التنديد بجعل العبادة لغير الله: صار التنديد شركا أكبر، وإذا كان التنديد بجعل غير الله -جل وعلا - ندا لله في عمل، ولم يبلغ ذلك الشرك الأكبر: فإنه يكون تنديدا أصغر، وهو المسمى بالشرك الأصغر، فهذه مقدمات، وتعريفات، وتنبيهات، جعلتها بين يدي هذا الشرح لأهميتها، ولمسيس الحاجة إليها. والله أعلم.

أمة الحليم
2017-04-30, 01:06 AM
شرك المتوكلين على المشايخ،... فشركهم أكبر، ولكنه خفي، أي في الباطن، وليس في الظاهر.

كلام خطير
اللهم ارزقنا التوحيد ونجنا من الشرك

جزاكِ الله خيرا

أم علي طويلبة علم
2017-04-30, 09:37 PM
وجزاكِ مثله

أم رفيدة المسلمة
2017-05-01, 02:14 PM
شرح جميل وسهل .
واصلي أختنا أم علي وصلك الله برضاه .

أم أروى المكية
2017-05-05, 01:34 PM
بارك الله فيكِ أم علي ، ونفع بكِ .
وجزاكِ الله عنا كل خير على هذه الموضاعات القيمة والمفيدة وجعله في ميزان حسناتك .

أم علي طويلبة علم
2017-05-06, 08:18 PM
قال إمام هذه الدعوة - رحمه الله -: (كتاب التوحيد، وقول الله تعالى).

(قول) هذه الكلمة- كما في صحيح البخاري - إما أن تنطقها على العطف، فتقول: كتاب التوحيدِ، وقولِ الله، يعني: وكتاب قول الله، أو تنطقها على الاستئناف، فتقول: وقولُ الله تعالى.

قال: (وقول الله تعالى:{ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}).
هذه الآية فيها بيان التوحيد، ووجه ذلك: أن السلف فسروا قوله تعالى: {إلا ليعبدون} بمعنى: إلا ليوحدون، ودليل هذا الفهم: أن الرسل إنما بعثت لأجل التوحيد، أعني: توحيد العبادة، فقوله: {إلا ليعبدون} يعني: إلا ليوحدون.

قوله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} هذه الآية فيها حصر؛ لأن من المعلوم أن (ما) النافية مع (إلا) تفيد الحصر والقصر، فيكون معنى الكلام- على هذا-: أني خلقت الجن والأنس لغاية واحدة هي العبادة دون ما سواها. ففيه قصر علة الخلق على العبادة.

وقوله: {إلا ليعبدون}، فـ(إلا) هذه أداة استثناء، والاستثناء هنا مفرغ - أي مفرغ من أعم الأحوال كما يقول النحاة - يعني: وما خلقت الجن والإنس لشيء، أو لغاية من الغايات أبدا إلا لغاية واحدة، هي: أن يعبدوني.

وقوله: {ليعبدون} هذه اللام تسمى لام التعليل، ولام التعليل هذه قد يكون معناها: إما تعليل غاية، أو تعليل علة


فتعليل الغاية: يكون ما بعدها مطلوبا، ولكن قد يكون، وقد لا يكون، يعني: هذه الغاية. ويسميها بعض العلماء. لام الحكمة. وفرق بين العلة والحكمة، يُوَضِّحُهُ: إذا قيل: ما الحكمة من خلق الجن والإنس؟

فالجواب: أن يعبدوا الله وحده دون ما سواه فهذا التعليل لقوله: {إلا ليعبدون} هو تعليل غاية؛ ولو سألت شخصا -مثلا-: لم أحضرت الكتاب؟ قال لك: أحضرته لأقرأ، كانت علة الإحضار أو الحكمة من الإحضار القراءة فقد يقرأ وقد لا يقرأ بخلاف اللام التي يكون معناها العلة؛ وهي التي يترتب عليها معلولها، والتي يقول العلماء في نحوها: الحكم دائر مع علته وجودا وعدما، فتلك هي علة القياس التي لا يتخلف فيها المعلول عن العلة.

فتكون اللام هنا: علة الغاية؛ لأن من الخلق من أُوجد، وخلقه الله- جل وعلا- لكن لم يعبده عبد غيره.

ولام الحكمة شرعية، ويكون ما بعدها مطلوبا شرعا؛ وقد قال - جل وعلا - هنا: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، فنفهم من هذا: أن هذه الآية دالة على التوحيد، من جهة أن الغاية من الخلق هي التوحيد، والعبادة هنا هي التوحيد.

وحقيقة العبادة: الخضوع والذل، فإذا انضاف إليها المحبة والانقياد صارت عبادة شرعية، قال طرفة في وصف ناقة:


تباري عتاقا ناجيات وأتبعت




وظيفا وظيفا فوق مور مُعَبَّد





والمور: الطريق، والمعبد: هو الذي ذلل من كثرة وطء الأقدام عليه.

وقال أيضا في معلقته:


إلى أن تحامتني العشيرة كلها




وأفردت إفراد البعير المُعَبَّد






يعني: الذي صار ذليلا؛ لأنه أصيب بالمرض، فجعل بعيدا عن باقي الأبعرة، فصار ذليلا، لعدم المخالطة.

والعبادة شرعا: هي امتثال الأمر والنهي على جهة المحبة والرجاء والخوف.

وقال بعض العلماء: إن العبادة هي ما أُمر به من غير اقتضاء عقلي ولا اطراد عرفي. وهذا تعريف الأصوليين.

وقال شيخ الإسلام- في بيان معناها في أول رسالة " العبودية"-: العبادة: اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال، والأعمال الظاهرة والباطنة.

فتكون دلالة هذه الآية - إذًا-: أن كل فرد من أفراد العبادة يجب أن يكون لله وحده دون ما سواه؛ لأن الذي خلقهم إنما خلقهم لأجل أن يعبدوه، فكونهم يعبدون غيره -وهو الذي خلقهم- يعد من الاعتداء والظلم العظيم؛ لأنه ليس من يخلق كمن لا يخلق؛ كما قال - جل وعلا-: {أفمن يخلق كمن لا يخلق}.

أم علي طويلبة علم
2017-05-08, 10:45 PM
قال الشيخ - رحمه الله-: وقوله: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}).

هذه الآية تفسير للآية قبلها، فالآية قبلها فيها بيان معنى العبادة، وفيها بيان الغرض من إيجاد الخلق، وأنه لأجل العبادة التي أرسلت بها الرسل بدليل قوله: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}، فالله تعالى ابتعث الرسل بهاتين الكلمتين: {اعبدوا الله} ، {واجتنبوا الطاغوت}.

ففـي قوله: {اعبدوا الله} إثبات، وفي قوله: {اجتنبوا الطاغوت} نفي، وهذا هو معـنى التوحيد المشتمل علـى إثبات ونفي، فقوله في الآية {اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} يتضمن معنى قول: (لا إله إلا الله)؛ لأن النفي فيه اجتناب الطاغوت- وهو كل إله عُبِد بالبغي والظلم والعدوان -.

والإثبات فيه: إثبات العبادة لله وحده دون ما سواه، ففي قوله:{اعبدوا الله} التوحيد المثبت، وفي قوله {واجتنبوا الطاغوت} نفي الإشراك.

والطاغوت: فعلوت من الطغيان، وهو: كل ما جاوز به العبد حده من متبوع، أو معبود، أو مطاع.

أم رفيدة المسلمة
2017-05-09, 07:45 AM
تفسير القرطبي

يقول سبحاه وتعالى في سورة النحل :
{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً... }[النحل: 36].

وفي آية أخرى يقول سبحانه:
{ مِن كُلِّ أُمَّةٍ } [النحل: 84].
فهذه لها معنى، وهذه لها معنى..
فقوله : { مِن كُلِّ أُمَّةٍ }
أي: من أنفسهم، منهم خرج، وبينهم تربَّى ودَرَج، يعرفون خِصَاله وصِدْقه ومكانته في قومه.

أما قوله تعالى: { فِي كُلِّ أُمَّةٍ } .
فـ " في " هنا تفيد الظرفية. أي: في الأمة كلها، وهذه تفيد التغلغل في جميع الأمة.. فلا يصل البلاغ منه إلى جماعة دون أخرى، بل لا بُدَّ من عموم البلاغ لجميع الأمة.

وكذلك يقول تعالى مرة:
{ أَرْسَلْنَا... } [الحديد: 26].

ومرة أخرى يقول سبحانه :
{ بَعَثْنَا } [النحل: 36].

وهناك فرق بين المعنيين فـ { أَرْسَلْنَا } تفيد الإرسال، وهو: أن يتوسط مُرْسَل إلى مُرْسَل إليه.
أما { بَعَثْنَا } فتفيد وجود شيء سابق اندثر، ونريد بعثه من جديد.

أم أروى المكية
2017-05-12, 12:57 PM
جاء في كتاب التمهيد لشرح كتاب التوحيد لصالح آل الشيخ (ص: 615 / 619) .

سؤال :
هل يجوز الذهاب للعلاج عند من يزعم أنه يعالج بمساعدة جن مسلمين ؟ وهل هذه المساعدة من الجن للقارئ من الاستعانة الجائزة أو المحرمة ؟

الجواب :
الاستعانة بالجن سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين وسيلة من وسائل الشرك .
والاستعانة معناها : طلب الإعانة ؛ ولهذا فمن المتقرر عند أهل العلم أنه لا يجوز طلب الإعانة من مسلمي الجن ؛ لأن الصحابة - رضوان الله عليهم - لم يطلبوا ذلك منهم ، وهم أولى أن تخدمهم الجن ، وأن تعينهم .

وأصل الاستعانة بالجن : من أسباب إغراء الإنسي بالتوسل إلى الجني ، وبرفعة مقامه ، وبالاستمتاع به ، وقد قال - جل وعلا - : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا } [ الأنعام : 128 ] ،
فحصل الاستمتاع - كما قال المفسرون - من الجني بالإنسي : بأن الإنسي يتقرب إليه ، ويخضع له ، ويذل ، ويكون في حاجته ، ويحصل الاستمتاع من الإنسي بالجني بأن يخدمه الجني ، وقد يكون مع ذلك الاستمتاع ذبح من الإنسي للجني ، وتقرب بأنواع العبادات ، أو بالكفر بالله - جل وعلا - والعياذ بالله ، بإهانة المصحف ، أو بامتهانه أو نحو ذلك ؛
ولهذا نقول : إن تلك الاستعانة بجميع أنواعها لا تجوز ، فمنها ما هو شرك - كالاستعانة بشياطين الجن - يعني : الكفار - ومنها ما هو وسيلة إلى الشرك ، كالاستعانة بمسلمي الجن .

وبعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية يقول :
إن الجن قد تخدم الإنسي . وهذا المقام فيه نظر وتفصيل ؛ ذلك أنه - رحمه الله - ذكر في آخر كتاب " النبوات " : أن أولياء الله لا يستخدمون الجن إلا بما فعله معهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن أمرهم ، ونهاهم ، أي : بالأوامر ، والنواهي الشرعية ، أما طلب خدمتهم وطلب إعانتهم . فإنه ليس من سجايا أولياء الله ، ولا من أفعالهم ،
قال : مع أنه قد تنفع الجن الإنس ، وقد تقدم له بعض الخدمة ونحو ذلك ، وهذا صحيح من حيث الواقع .فالحاصل أن المقام فيه تفصيل :فإذا كان الاستخدام بطلب الخدمة من الجني المسلم ، فهذا وسيلة إلى الشرك ، ولا يجوز أن يعالج عند أحد يعرف منه أنه يستخدم الجن المسلمين .
وإذا كانت الجن تخدم بعض الناس بدون طلبه ، فإن هذا قد يحصل ، لكن لم يكن هذا من خلق أولياء الله ، ولا مما سخره الله - جل وعلا - لخاصة عباده ، فلا يسلم من هذا حاله من نوع خلل جعلت الجن تكثر من خدمته ، وإخباره بالأمور ، ونحو ذلك .

فالحاصل :
أن هذه الخدمة إذا كانت بطلب منه ، فإنها لا تجوز ، وهي نوع من أنواع المحرمات ؛ لأنها نوع استمتاع ، وإذا كانت بغير طلب منه فينبغي له أن يستعيذ بالله من الشياطين ويستعيذ بالله من شر مردة الجن ؛ لأنه قد يؤدي قبول خبرهم ، واعتماده ، إلى حصول الأنس بهم ، وقد يقوده ذلك الاستخدام إلى التوسل بهم والتوجه إليهم - والعياذ بالله - .

فإذا تبين ذلك : فإن خبر الجن عند أهل العلم ضعيف ، لا يجوز الاحتجاج به عند أهل الحديث ، وذكر ذلك أيضا الفقهاء .وهذا صحيح ؛ لأن البناء على الخبر وقبوله : هو فرع عن تعديل المخبر ، والجني غائب ، وعدالته غير معروفة ، وغير معلومة عند السامع ، فإذا بنى الخبر عمن جاءه به من الجن وهو لم يرهم ، ولم يتحقق عدالتهم إلا بما سمع من خطابهم - وهي لا تكفي - فإنه يكون قد قبل خبر من يحتمل أنه فاسق ؛ ولهذا قال الله - جل وعلا - : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [ الحجرات : 6 ] ، والذين يقبلون إخبار الجن ، وإعلام الجن لهم ببعض الحوادث ، تحصل منهم مفاسد متنوعة كثيرة ، منها هنا : جزمهم بصحة ما أخبرتهم به الجن فربما حصل بسبب ذلك مفاسد عظيمة ، من الناس الذين أخبروا بذلك ، فيكثر القيل والقال ، وقد تفرقت بعض البيوت من جراء خبر قارئ جاهل يزعم أن الذي فعل هذا هو فلان باعتبار الخبر الذي جاءه ، ويكون الخبر الذي جاءه من الجني خبرا كذبا ، فيكون قد اعتمد على نبأ هذا الذي لا يعلم عدالته ، وبنى عليه وأخبر به ، فيحصل من جرائه فرقة ، واختلاف ، وتفرق ، وشتات في البيوت ،
ونعلم أنه قد ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم - رحمه الله - أن إبليس ينصب عرشه على ماء ، ويبعث سراياه ، فيكون أحب جنوده إليه من يقول له : فرقت بين المرأة وزوجها ، وهذا من جملة التفريق الذي يسعى إليه عدو الله ، بل الغالب أنه يكون من هذه الجهة ، فأحب ما يكون إلى عدو الله أن يفرق بين المؤمنين ؛
ولهذا جاء في الحديث الصحيح الذي رواه أيضا مسلم وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ، ولكن في التحريش بينهم » .
فهذه المسألة يجب على طلاب العلم أن يسعوا في إنكارها ، وبذل الجهد في إقامة الحجة على من يستخدم الجن ، ويتذرع بأن بعض العلماء أباح ذلك ، والواقع أن هذا العمل وسيلة من وسائل الشرك بالله - جل وعلا - .واقرؤوا أول كتاب (( تاريخ نجد )) لابن بشر ، حيث قال : إن سبب دخول الشرك إلى قرى نجد أنه كان بعض البادية إذا أتى وقت الحصاد ، أو أتى وقت خرف النخيل ، فإنهم يقطنون بجانب تلك القرى ومعهم بعض الأدوية والأعشاب ، فإذا كانوا كذلك فربما سألهم بعض جهلة تلك القرى حتى حببوا إليهم بعض تلك الأفعال المحرمة من جراء سؤالهم ، وحببوا إليهم بعض الشركيات ، أو بعض البدع ، حتى فشا ذلك بينهم ، فبسبب هؤلاء المتطببين الجهلة ، والقراء المشعوذين انتشر الشرك - قديما - في الديار النجدية وما حولها ، كما ذكر ابن غنام .
وقد حصل أن بعض مستخدمي الجن ، كثر عنده الناس ، فلما رأى من ذلك ، صار يعالج علاجا نافعا ، فزاد تسخر الجن له ، حتى ضعف تأثيره ، فلما ضعف تأثيره ولم يستطع مع الحالات التي تأتيه للقراءة أو للعلاج شيئا :صار تعلقه بالجن أكثر ، ولا زال ينحدر ما في قلبه من قوة اليقين ، وعدم الاعتماد بقلبه على الجن ، حتى اعتمد عليهم شيئا فشيئا ، ثم حرفوه - والعياذ بالله - عن السنة ، وعما يجب أن يكون في القلب من توحيد الله ، وإعظامه ، وعدم استخدام الجن في الأغراض الشركية ، فجعلوه يستخدم الجن في أغراض شركية وأغراض لا تجوز بالاتفاق .فهذا الباب مما يجب وصده ،
وكذلك : يجب إنكار وسائل الشرك والغواية ، وحكم من يستخدم الجن ، ويعلن ذلك ، ويطلب خدمتهم لمعرفة الأخبار ، فهذا جاهل بحقيقة الشرع ، وجاهل بوسائل الشرك ، وما يصلح المجتمعات وما يفسدها ، والله المستعان .اهــ

أم علي طويلبة علم
2017-05-12, 11:47 PM
ثم قال بعد ذلك: (وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: " يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا)


وهذا قد مرَّ بيان معناه، لكن الشاهد من هذا الحديث، ومناسبته للابتداء - ابتداء كتاب التوحيد: أنه أتى فيه بلفظ (حق) الذي في قوله: { أتدري ما حق الله على العباد " ثم قال: " حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا }.
وهذا الحق حق واجب لله - جل وعلا - لأن الكتاب والسنة، بل ولأن المرسلين جميعا أتوا بهذا الحق، وبيانه، وبيان أنه أوجب الواجبات على العباد.


ثم قال: { وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا }

قوله: (حق العباد على الله) معناه: أن هذا حقٌّ أحقه الله على نفسه باتفاق أهل العلم، وأوجبه على نفسه، كما في بعض أقوالهم، كما قاله الشيخ تقي الدين ابن تيمية - رحمه الله -.

وهل ذلك الحق المذكور في قوله: " حق العباد على الله " هل هو واجب أم لا؟
نقول: نعم هو حق واجب، لكن بإيجاب الله ذلك الحق على نفسه؛ فالله - جل وعلا - يحرم على نفسه ما يشاء بما يوافق حكمته، ويوجب على نفسه ما يشاء بما يوافق حكمته، فكما أن الله حرم الظلم على نفسه، كما في قوله: { يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا }، كذلك أوجب على نفسه أشياء.

لكن بعض أهل العلم تحاشى إطلاق لفظ (الإيجاب) على الله، وقال: يُعبَّر عن ذلك بأنه حق يتفضل به - سبحانه - على من يشاء، فهو حق تفضل، لا حق إيجاب.

لكن هذا ليس بمتعين؛ لأن الحق الواجب هو الذي أوجبه الله على نفسه، والعباد لا يوجبون على الله - جل وعلا - شيئا من الحقوق، بل هو الذي أوجبه جل وعلا على نفسه، وتفضل به على عباده، والله - جل جلاله - لا يخلف الميعاد.

أم رفيدة المسلمة
2017-05-13, 08:24 AM
نفع الله بك أم علي ، نقل نافع ومفيد .

أم علي طويلبة علم
2017-06-26, 10:44 PM
هذا الباب " باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب"
يشمل التوحيد بأنواعه الثلاثة؛ فالتوحيد بأنواعه الثلاثة، له فضل عظيم على أهله.

ومن أعظم فضله أنه به تُكَفَّر الذنوب؛ ولهذا قال الشيخ - رحمه الله - في التبويب: " باب فضل التوحيد، وما يكفر من الذنوب".
فـ (ما) هنا موصول اسمي بدلالة وجود " من " البيانية مما يحول دون جعلها موصولا حرفيا، فيكون المعنى: باب فضل التوحيد وبيان الذنوب التي يكفرها. فالتوحيد يكفر الذنوب جميعا، لا يكفر بعض الذنوب دون بعض؛ لأن التوحيد حسنة عظيمة، لا تقابلها معصية إلا وأحرق نور تلك الحسنة أثر المعصية إذا كمل ذلك النور.

فهذا هو المقصود بقوله: " باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب "؛ فمن كمل التوحيد بأنواعه الثلاثة - أعني: توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات -: فإنه تكفر عنه ذنوبه، كما سيأتي بيانه في الباب بعده: أنه من حقق التوحيد: دخل الجنة بغير حساب.

فكلما زاد التوحيد محي من الذنوب بمقدار عظمه، وكلما زاد التوحيد أمن العبد في الدنيا وفي الآخرة بمقدار عِظَمه، وكلما زاد العبد في تحقيق التوحيد كان متعرضا لدخول الجنة على ما كان عليه من العمل؛ فلهذا ساق الإمام - رحمه الله - آية الأنعام، فقال: (باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب، وقول الله تعالى) ثم ذكر الآيات.

ومن العلماء من قال: إن (ما) في قوله: (وما يكفر من الذنوب) موصول حرفي.

أم أروى المكية
2017-06-26, 11:48 PM
نفع الله بكِ أم علي ، وتقبل الله منا ومنكِ صالح الأعمال .

أم علي طويلبة علم
2017-06-27, 12:20 AM
اللهم آمين، جزاكِ الله خيرا أم أروى ونفع بك.

أمة الحليم
2017-06-27, 10:01 AM
{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}

أمة الحليم
2017-06-27, 10:04 AM
جزاكِ الله خيرا أم علي

أم علي طويلبة علم
2017-06-27, 11:00 PM
وإياكِ أمة الحليم وبارك الله فيك

{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}


قال:(وقول الله تعالى: {الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}).

الظلم هنا: هو الشرك، كما جاء في تفسير ذلك في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية حينما استعظم الصحابة هذه الآية، وقالوا: يا رسول الله، أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟! فقال: ليس الذين تذهبون إليه، الظلم: الشرك، ألم تسمعوا لقول العبد الصالح:{ إن الشرك لظلم عظيم}.

فالظلم هنا - في مراد الشارع -: هو الشرك، فيكون مقصود الشيخ من إيراد هذه الآية تحت هذا الباب: بيان فضل من آمن ووحّد، ولم يلبس إيمانه وتوحيده بشرك، وأن له الأمن التام، والاهتداء التام؛ فهذا هو وجه مناسبة الآية للباب.
ومعنى الآية: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بشرك أولئك لهم الأمن وهم مهتدون.

وجاء الظلم في الآية مُنَكَّرًا، في سياق النفي، وهو قوله تعالى: {ولم يلبسوا}، وهذا يدل على عموم أنواع الظلم، لكن هل المراد بالعموم هنا العموم المخصوص، أو العموم الذي يراد به الخصوص؟
الجواب: أن المراد بالعموم هنا: هو العموم الذي يراد به الخصوص؛ لأن العموم عند الأصوليين تارة يكون باقيا على عمومه، وتارة يكون عموما مخصوصا يعني دخله التخصيص، وتارة يكون عموما مرادا به الخصوص، يعني أن لفظه عام، ولكن يراد به الخصوص، فهذه أوجه ثلاثة، والوجه الأخير هو الذي أراد الشيخ - رحمه الله - الاستدلال به من الآية.
صحيح أن (الظلم) هنا جاء نكرة في سياق النفي (لم): فيدل على العموم، لكنه عموم مراد به الخصوص؛ وهو خصوص أحد أنواع الظلم وهو الشرك، فيصير العموم في أنواع الشرك، لا في أنواع الظلم كلها؛ لأن من أنواع الظلم: ظلم العبد نفسه بالمعاصي، أو ظلم العبد غيره بأنواع التعديات، ومنه ما هو ظلم من جهة حق الله - جل وعلا - بالشرك به، فهذا هو المراد بهذا العموم، فيكون عاما في أنواع الشرك.

وبهذا يحصل وجـه الاستدلال مـن الآية، فيكون معنـى الآية: {الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم} يعني لم يلبسوا توحيدهم بنوع من أنواع الشرك.

{أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} فـ (الأمن) هنا: هو الأمن التام في الدنيا، والمراد به أمن القلب وعدم حزنه على غير الله - جل وعلا - والاهتداء التام في الدنيا وفي الآخرة، وكلما وجد نقص في التوحيد بغشيان العبد بعض أنواع الظلم الذي هو الشرك، إما الشرك الأصغر، أو الشرك الخفي، وسائر أنواع الشرك، ونحو ذلك، ذهب منه من الأمن والاهتداء بقدر ذلك. هذا من جهة تفسير الظلم بأنه الشرك.

فإذا فَسَّرْتَ الظلم بأنه جميع أنواع الظلم - كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - فإنه يكون - على هذا التفسير - مقابلة بين الأمن والاهتداء، وبين حصول الظلم، فكلما انتفى الظلم: وُجد الأمن والاهتداء، وكلما كمل التوحيد وانتفت المعصية: عظم الأمن والاهتداء، وإذا زاد الظلم: قَلَّ الأمنُ واهتداء بحسب ذلك.

أم علي طويلبة علم
2017-06-29, 02:07 AM
قال: (وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل) أخرجاه)


مناسبة هذا الحديث للباب قوله: { على ما كان من العمل } ومعنى قوله: {على ما كان} يعني على الذي كان عليه من العمل ولو كان مقصرا في العمل وعنده ذنوب وعصيان، فإن لتوحيده لله، وشهادته له بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة، ولعيسى بأنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، ولإقراره بالغيب، وبالبعث:

إن لذلك فضلا عظيما، وهو: أن يدخله الله الجنة ولو كان مقصرا في العمل. فهذا الحديث فيه بيان فضل التوحيد على أهله.

أم علي طويلبة علم
2017-06-30, 12:56 AM
قال: ولهما في حديث عتبان: (فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله).

قوله: { من قال: لا إله إلا الله } المراد بالقول هنا: القول الذي معه تمام الشروط؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم { الحج عرفة } يعني إذا أتى ببقية الأركان والواجبات، فيكون معنى قوله هنا: { من قال: لا إله إلا الله } يعني باجتماع شروطها، وبالإتيان بلازمها.

وخرج بقوله: { يبتغي بذلك وجه الله } المنافقون؛ لأنهم حين قالوها لا يبتغون بذلك وجه الله.

وقوله: { حرم على النار } تحريم النار في نصوص الكتاب والسنة يأتي على درجتين:
الأولى: تحريم مطلق.
والثانية: تحريم بعد أمد.

فالتحريم المطلق يقتضي أن من حرم الله عليه النار تحريما مطلقا: فإنه لن يدخلها، إما بأن يغفر الله له، وإما بأن يكون من الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، وإذا كان التحريم بعد أمد، فربما يدخلها، ثم يحرم عليه البقاء فيها، وهذا الحديث يحتمل الأول، ويحتمل الثاني.

قوله:{ فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله } يعني أن الذي أتى بالتوحيد، وانتهى عن ضده، وكانت عنده بعض الذنوب والمعاصي، ومات من غير توبة، فهو تحت المشيئة، إن شاء الله عذبه ثم حرم عليه النار، وإن شاء الله غفر له وحرم عليه النار ابتداء.

فوجه الشاهد - إذًا - من الحديث للباب: أن هذه الكلمة، وهي كلمة التوحيد وسيأتي بيان معناها مفصلا، إن شاء الله تعالى لما ابتغى بها صاحبها وجه الله، وأتى بشروطها وبلوازمها تفضل الله عليه، وأعطاه ما يستحقه من أنه حرم عليه النار. وهذا فضل عظيم، نسأل الله - جل وعلا - أن يجعلنا من أهله.

أم علي طويلبة علم
2017-07-05, 12:47 AM
وفي حديث أبي سعيد الخدري -الوارد بعد حديث عتبان- قول موسى عليه السلام: (يا رب علمني شيئا أذكرك به وأدعوك به. قال: قل يا موسى: لا إله إلا الله).

هذا الحديث فيه دلالة على أن أهل الفضل، والرفعة في الدين، والإخلاص والتوحيد، قد ينبهون على شيء من مسائل بالتوحيد؛ فهذا موسى - عليه السلام - وهو أحد أولي العزم من الرسل، وهو كليم الله - جل وعلا - أراد شيئا يختص به غير ما عند الناس، وأعظم ما يختص به أولياء الله، وأنبياؤه ورسله، وأولو العزم منهم هو كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) فأراد شيئا أخص من ذلك، فأُعْلِمَ أنه لا أخص من كلمته التوحيد، فهي أفضل شيء، وهي التي دُلّ عليها أولو العزم من الرسل ومن دونهم من الناس.

قال: (يا رب، كل عبادك يقولون هذا؟ قال: يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري): يعني: ومن في السماوات السبع من الملائكة ومن عباد الله - جل وعلا -.

قال: ( والأرضين السبع في كفة): يعني: لو تمثلت السماوات والأرضون أجساما، ووضع الجميع في ميزان له كفتان، وجاءت (لا إله إلا الله) في الكفة الأخرى لمالت بهن (لا إله إلا الله). فـ (لا إله إلا الله) كلمة توحيد فيها ثقل لميزان من قالها، وعظم في الفضل لمن اعتقدها وما دلت عليه فلهذا قال: (مالت بهن لا إله إلا الله).

ووجه الدلالة: أنه لو تصور أن ذنوب العبد بلغت ثقل السماوات السبع، وثقل ما فيها من العباد والملائكة وثقل الأرض لكانت (لا إله إلا الله) مائلة بذلك الثقل من الذنوب، وهذا هو الذي دل عليه حديث البطاقة حيث جُعِل على أحد العصاة سجلات عظيمة، فقيل له: هل لك من عمل؟ فقال: لا، فقيل له: بلى، ثم أخرجت له بطاقة فيها (لا إله إلا الله)، فوضعت في الكفة الأخرى، فطاشت سجلات الذنوب، وثقلت البطاقة.

وهذا الفضل العظيم لكلمة التوحيد، إنما هو لمن قويت في قلبه، ذلك أنها في قلب بعض العباد تكون قوية؛ لأنه مخلص فيها مصدق، لا ريب عنده فيما دلت عليه، معتقد ما فيها، محب لما دلت عليه، فيقوى أثرها ونورها في القلب، فإذا كانت كذلك: فإنها تحرق ما يقابلها من الذنوب.

وأما من لم يكن من أهل تمام الإخلاص فيها، فإنه لا تطيش له سجلات الذنوب، فيكون هذا الحديث وحديث البطاقة يدلَّان على أن (لا إله إلا الله) لا يقابلها ذنب، ولا تقابلها خطيئة، لكن هذا في حق من كملها وحققها، بحيث لم يخالط قلبه - في معناها - ريب، ولا تردد.

ومعناها مشتمل على الربوبية بالتضمن، وعلى الأسماء والصفات باللزوم، وعلى الإلهية بالمطابقة، فيكون من ينتفع بهذه الكلمة على وجه الكمال - ولو بلغت ذنوبه ما بلغت، وكانت سجلاته كثقل السماوات والأرضين السبع - هو الذي كمل ما دلت عليه من التوحيد وهذا معنى هذا الحديث، وحديث البطاقة، هو الذي دل عليه الحديث الآخر الوارد في الباب نفسه عن أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( قال الله تعالى: يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة) وهذا من فضل التوحيد وتكفيره الذنوب.

ومناسبة هذا الحديث للباب ظاهرة، وهي:أنه من أتى بذنوب عظيمة، ولو كانت كقراب الأرض خطايا يعني كعظم وقدر الأرض خطايا، ولكنه لقي الله لا يشرك به شيئا: لأتى الله ذلك العبد بمقدار تلك الخطايا مغفرة، وهذا لأجل فضل التوحيد، وعظم فضل الله - جل وعلا - على عباده بأن هداهم إليه، ثم أثابهم عليه.

أم أروى المكية
2017-07-05, 08:12 AM
أنه من أتى بذنوب عظيمة، ولو كانت كقراب الأرض خطايا يعني كعظم وقدر الأرض خطايا، ولكنه لقي الله لا يشرك به شيئا: لأتى الله ذلك العبد بمقدار تلك الخطايا مغفرة، وهذا لأجل فضل التوحيد، وعظم فضل الله - جل وعلا - على عباده بأن هداهم إليه، ثم أثابهم عليه.

( لا إله إلا الله ) اللهم أحينا بالتوحيد وأمتنا على التوحيد ..

أمة الحليم
2017-07-07, 08:36 AM
جزاكِ الله خيرا

أمة الحليم
2017-07-07, 08:38 AM
=

فإذا فَسَّرْتَ الظلم بأنه جميع أنواع الظلم - كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - فإنه يكون - على هذا التفسير - مقابلة بين الأمن والاهتداء، وبين حصول الظلم، فكلما انتفى الظلم: وُجد الأمن والاهتداء، وكلما كمل التوحيد وانتفت المعصية: عظم الأمن والاهتداء، وإذا زاد الظلم: قَلَّ الأمنُ والاهتداء بحسب ذلك.



كلام قيّم!

أمة الحليم
2017-07-07, 08:46 AM
وهذا الفضل العظيم لكلمة التوحيد، إنما هو لمن قويت في قلبه، ذلك أنها في قلب بعض العباد تكون قوية؛ لأنه مخلص فيها مصدق، لا ريب عنده فيما دلت عليه، معتقد ما فيها، محب لما دلت عليه، فيقوى أثرها ونورها في القلب، فإذا كانت كذلك: فإنها تحرق ما يقابلها من الذنوب.
وأما من لم يكن من أهل تمام الإخلاص فيها، فإنه لا تطيش له سجلات الذنوب، فيكون هذا الحديث وحديث البطاقة يدلَّان على أن (لا إله إلا الله) لا يقابلها ذنب، ولا تقابلها خطيئة، لكن هذا في حق من كملها وحققها، بحيث لم يخالط قلبه - في معناها - ريب، ولا تردد. ___

أم علي طويلبة علم
2017-07-09, 02:13 AM
هذا الباب هو: ( باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ) وقد ذكر في الباب قبله فضل التوحيد، وما يكفر من الذنوب، وهذا الباب أرفع رتبة من بيان فضل التوحيد فإن فضل التوحيد يشترك فيه أهله، وأهل التوحيد هم أهل الإسلام، ولا شك أن لكل مسلم نصيبا من التوحيد، فيكون له - تبعا لذلك - نصيب من فضل التوحيد، وتكفير الذنوب.

أما خاصة هذه الأمة فهم الذين حققوا التوحيد؛ ولهذا عطف هذا الباب على الذي قبله؛ لأنه أخص. وتحقيق التوحيد هو مدار هذا الباب، وتحقيقه بمعنى تحقيق الشهادتين (لا إله إلا الله محمد رسول الله)

ومعنى تحقيق الشهادتين: تصفية الدين من شوائب الشرك والبدع والمعاصي،

فصار تحقيق التوحيد يرجع إلى ثلاثة أشياء:
الأول: ترك الشرك بأنواعه: الأكبر، والأصغر، والخفي.
والثاني: ترك البدع بأنواعها.
الثالث: ترك المعاصي بأنواعها.

فيكون تحقيق التوحيد على هذا على درجتين: درجة واجبة ودرجة مستحبة، وعليها يكون الذين حققوا التوحيد على درجتين أيضا،
فالدرجة الواجبة: أن يترك ما يجب تركه من الأشياء الثلاثة التي ذكرت، فيترك الشرك خفيه وجليه، صغيره وكبيره، ويترك البدع، ويترك المعاصي، هذه درجة واجبة.
والدرجة المستحبة في تحقيق التوحيد - وهي التي يتفاضل فيها الناس الذين حققوا التوحيد أعظم تفاضل - هي ألا يكون في القلب شيء من التوجه أو القصد لغير الله - جل وعلا - يعني: أن يكون القلب متوجها إلى الله بكليته، ليس فيه التفت إلى غير الله، فيكون نطقه لله، وفعله وعمله لله، بل وحركة قلبه لله - جل جلاله -، وقد عبر عنها بعض أهل العلم - أعني هذه الدرجة المستحبة - بقوله: أن يترك ما لا بأس به حذرا مما به بأس، يعني: في مجال أعمال القلوب، وأعمال اللسان، وأعمال الجوارح.

فإذًا رجع تحقيق التوحيد الذي هذا فضله - وهو أن يدخل أهله الجنة بغير حساب، ولا عذاب - رجع إلى تينك المرتبتين، وتحقيقه تحقيق الشهادتين: (لا إله إلا الله محمد رسول الله)؛
لأن في قوله، (لا إله إلا الله) الإتيان بالتوحيد، والبعد عن الشرك بأنواعه،
ولأن في قوله: (أشهد أن محمدا رسول الله) البعد عن المعصية، والبعد عن البدع؛ لأن مقتضى الشهادة بأن محمدا رسول الله: أن يُطاع فيما أمر، وأن يصدَّق فيما أخبر، وأن يُجتَنَبَ ما عنه نَهَى وزَجَرَ، وألا يعبد الله إلا بما شرع، فمن أتى شيئا من المعاصي والذنوب، أو البدع ثم لم يتب منها أو لم تكفر له فإنه لم يحقق التوحيد الواجب وإذا لم يأت شيئا من البدع، ولكن حسَّنها بقلبه، أو قال: لا شيء فيها؛ فإن حركة قلب من ذا شأنه لما كانت في غير تحقيق التوحيد وفي غير تحقيق شهادة أن محمدا رسول الله: فإنه لا يكون من أهل تحقيق التوحيد، وكذلك أهل الشرك بأنواعه ليسوا من أهل تحقيق التوحيد.

وأما مرتبة الخاصة التي ذُكِرَتْ ففيها يتنافس المتنافسون وما ثمَّ إلا عفو الله، ومغفرته، ورضوانه.

أم علي طويلبة علم
2017-07-18, 08:58 AM
واستدل الشيخ في ( باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب) بآيتين وبحديث، أما الآية الأولى فهي:


قوله: (وقول الله تعالى:{إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين}).

وهذه الآية فيها الدلالة على أن إبراهيم - عليه السلام - كان محققا للتوحيد.


وجه الدلالة:أن الله - جل وعلا - وصفه بصفات هي:

الأولى: أنه كان {أمة}، والأمة: هو الإمام الذي جمع جميع صفات الكمال البشري وصفات الخير، وهذا يعني أنه لم ينقص من صفات الخير شيئا، وهذا هو معنى تحقيق التوحيد.

و(الأمة) تطلق في القرآن إطلاقات، فمن تلك الإطلاقات:
أن يكون معنى الأمة: الإمام المقتدَى به في الخير، وسُمِّي أمة؛ لأنه يقوم مقام أمة في الاقتداء؛ ولأن من سار على سيره يكون غير مستوحش ولا متردد؛ لأنه ليس مع واحد فقط، وإنما هو مع أمة.

الوصف الثاني: الذي فيه تحقيق التوحيد: أنه قال:{قانتا لله حنيفا}، وهاتان الصفتان: - القانت، والحنيف – متلازمتان؛ لأن القنوت لله معناه: دوام الطاعة لله - جل وعلا – وملازمتها، فهو ملازم لطاعة الله -جل وعلا-.

و(الحنيف) - كما يقول العلماء -: هو ذو الحنف وهو الميل عن طريق المشركين، فالحنيف هو المائل عن طريق المشركين، المائل عن هدي وسبيل المشركين.

ومعلوم أن سبيل المشركين الذي صار إبراهيم عليه السلام حنيفا، أي مائلا بعيدا عنه: يشتمل على الشرك، والبدعة، والمعصية فهذه الثلاث هي أخلاق المشركين: الشرك، والبدعة، والمعصية من غير إنابة ولا استغفار.


قال:{ولم يك من المشركين}: وقوله:{ولم يك} كانت في الأصل: يكن، ويجوز في حالة النفي- بشروط - حذف نون (يكن)؛ كما فـي الآية السابقة.
ويجوز إثبات النون كما في قوله تعالى:{لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا}.
فإثبات النون وحذفها وجهان جائزان في اللغة إذا جاءت في سياق النفي.


وقوله تعالى:{من المشركين}: المشركين: جمع تصحيح لـ (المشرك)، والمشرك اسم فاعل الشرك، و (أل) - كما هو معلوم في العربية - إذا دخلت على اسم الفاعل أو اسم المفعول، فإنها تكون موصولة، كما قال ابن مالك في الألفية:




وصفة صريحة صلة أل




وكونها بمعرب الأفعال قل






والاسم الموصول عند الأصوليين يدل على العموم، فيكون معنى قوله إذًا: {ولم يك من المشركين} أنه لم يك فاعلا للشرك بأنواعه، ولم يك منهم.


ودلَّ قوله –أيضا- {ولم يك من المشركين} على أنه ابتعد عنهم، لأن (مِنْ) تحتمل أن تكون تبعيضية، فتكون المباعدة بالأجسام، وتحتمل أن تكون بيانية، فتكون المباعدة بمعنى اجتناب الشرك.

فالمقصود: أن الشيخ - رحمه الله - استحضر هذه المعاني من الآية فدلته على أنها في تحقيق التوحيد.

قال جل وعلا:{إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين}
ذلك لأن من جَمَع تلك الصفات فقد حقق التوحيد، ومن حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب.


وقد فسـر إمام الدعوة المصنف الشيخ محمد بـن عبد الوهاب، هذه الآية مـن أواخر سورة النحل، فقال - رحمه الله -::{إن إبراهيم كان أمة} لئلا يستوحش سالك الطريق من قلة السالكين {قانتا لله} لا للملوك، ولا للتجار المترفين، {حنيفا} لا يميل يمينا، ولا شمالا، كحال العلماء المفتونين :{ولم يك من المشركين} خلافا لمن كثر سوادهم، وزعم أنه من المسلمين.

وهو من التفاسير الرائقة البعيدة المعاني {وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}.

أم أروى المكية
2017-07-18, 11:07 PM
نقل مفيد،نفع الله بك أم علي .

أم علي طويلبة علم
2017-07-23, 09:27 AM
ثم قال بعد ذلك:(وقوله: {والذين هم بربهم لا يشركون} [المؤمنون: 59]):

وهذه الآيات في سورة المؤمنون، وهي في مدح خاصة المؤمنين.

ووجه الاستدلال من الآية على الباب: أن الله قال: {والذين هم بربهم لا يشركون } فقوله {لا يشركون} نفي للشرك، وقد ذكرنا من قبل أن النفي إذا تسلط على الفعل المضارع، فإنه يفيد عموم المصدر الذي يدل عليه الفعل، فكأنه جل وعلا قال: والذين هم بربهم لا يفعلون شركا، أو لا يشركون لا بشرك أكبر، ولا أصغر، ولا خفي.

والذي لا يشرك هو الموحد، فصار عندنا لازم، وهو أن من لم يشرك بالله أيَّ نوع من الشرك، فإنه ما ترك الشرك إلا لتوحيده، قال العلماء: قدم هنا قوله:{بربهم} في قوله: {والذين هم بربهم لا يشركون }، لأن الربوبية تستلزم العبودية، فصار عدم الإشراك في الربوبية معناه: عدم الإشراك في الطاعة، وعدم الإشراك في العبودية.

وهذا وصف الذين حققوا التوحيد؛ لأنه يلزم من عدم الإشراك: ألا يُشرِك هواه؛ لأن المرء إذا أشرك هواه: أتى بالبدع، أو أتى بالمعصية، فصار نفي الشرك نفيا للشرك بأنواعه ونفيا للبدعة، ونفيا للمعصية، وهذا هو تحقيق التوحيد لله - جل وعلا -.

فالآية - إذًا - دالة على ما ترجم له الإمام - رحمه الله - بقوله:( باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب).

أم علي طويلبة علم
2017-07-27, 09:38 AM
أما الحديث فطويل، وموضع الشاهد منه قوله - عليه الصلاة والسلام -: (فنظرت، فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب) ثم نهض فدخل منزله. فخاض الناس في أولئك، فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام، فلم يشركوا بالله شيئا، وذكروا أشياء، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال:(هم
الذين لا يَسْتَرْقُون، ولا يكْتَوُون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون).

هذا الحديث في صفة الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وهذه صفة من صفاتهم، وتلك الصفة خاصة بهم، لا يلتبس أمرهم بغيرهم؛ لأن هذه الصفة كالشامة يعرفون بها.

فَمَنْ هم الذين حققوا التوحيد؟
الجواب في قوله:(هم الذين لا يَسْتَرْقُون، ولا يكْتَوُون، ولا يتطيرون،وعلى ربهم يتوكلون)، فذكر أربع صفات:

الأولى: أنهم { لا يَسْتَرْقُون }: ومعنى يَسْتَرْقُون: يعني لا يطلبون الرقية؛ لأن الطالب للرقية يكون في قلبه ميل للراقي، حتى يرفع ما به من جهة السبب.
وهذا النفي الوارد في قوله: { لا يسترقون } لأن الناس تتعلق قلوبهم بالرقية جدا أكثر من تعلقهم بالطب ونحوه، فالعرب في الجاهلية - وهكذا هو حال أكثر الناس - يتعلقون بالرقية، فالقلب يتعلق بالراقي،وبالرقي ة؛ وهذا ينافي كمال التوكل على الله - جل جلاله -

وأما ما جاء في بعض الروايات أنهم { الذين لا يرقون } فهذا غلط؛ وهو لفظ شاذ، لأن الراقي محسن إلى غيره، والصواب ما جاء في هذه الرواية من أنهم {الذين لا يسترقون}.


الثانية: ثم قال: { ولا يكتوون } : والكي مكروه في أصله؛ لأن فيه تعذيبا بالنار، مع أنه مأذون به شرعا، لكن فيه كراهة. والعرب تعتقد أن الكي يحدث المقصود دائما؛ فلهذا تتعلق قلوبهم بالكي.
فصار تعلق القلب بهذا الكي من جهة أنه سبب يؤثر دائما، ومعلوم أن الكي يؤثر - بإذن الله جل وعلا -: إذا اجتمعت الأسباب، وانتفت الموانع. فالنفي لأجل أن في الكي بخصوصه ما يتعلق الناس به من أجله.


الثالثة: ثم قال: { ولا يتطيرون } والطيرة شيء يعرض على القلب من جراء شيء يحدث أمامه؛ فيجعله يقدم على أمر، أو يحجم عنه، وهذه صفة من لم يكن التوكل في قلبه عظيما.


الرابعة: قال: { وعلى ربهم يتوكلون } وهي جامعة للصفات السابقة.
وهذه الصفات ليس المقصود منها أن الذين حققوا التوحيد لا يباشرون الأسباب، كما فهمه بعضهم، وأن الكمال ألا يباشر سببا البتة، أو ألا يتداوى البتة ! وهذا غلط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رُقي، ولأنه - عليه الصلاة والسلام - تداوى وأمر بالتداوي، وأمر أيضا بعض الصحابة بأن يكتوي ونحو ذلك فليس في الحديث أن أولئك لا يباشرون الأسباب مطلقا، أو لا يباشرون أسباب الدواء، وإنما فيه ذكر لهذه الثلاث بخصوصها، لأنه يكثر تعلق القلب والتفاته إلى الراقي، أو إلى الكي، أو الكاوي، أو إلى التطير، ففيها إنقاص من مقام التوكل.


أما التداوي: فهو مشروع، وهو: إما واجب، أو مستحب، وقد يكون في بعض الأحوال مباحا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: { تداووا عباد الله ولا تتداووا بحرام }.
فالمقصود من هذا: أن التداوي ليس خارما لتحقيق التوحيد ولكن من صفة أهل تحقيق التوحيد أنهم لا يسترقون بخصوص الرقية، ولا يكتوون بخصوص الكي، ولا يتطيرون، وأما ما عدا ذلك مما أذن به، فلا يدخل فيما يختص به أهل تحقيق التوحيد.

والأظهر عندي: أن قوله في هذا الحديث { لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون }أنه مخصوص بهذه الثلاثة.

قال:( فقام عكاشة بن محصن فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: " أنت منهم " ثم قام رجل آخر، فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: " سبقك بها عكاشة)

هذا فيه دليل على أن أهل تحقيق التوحيد قليل وليسوا بكثير، ولهذا جاء عددهم في هذا الحديث بأنهم سبعون ألفا، وقد جاء في بعض الروايات عند الإمام أحمد وغيره بأن الله - جل وعلا - أعطى النبي صلى الله عليه وسلم مع كل ألف من السبعين سبعين ألفا، فيكون العدد قرابة خمسة ملايين من هذه الأمة، فإن كان ذلك الحديث صحيحا - وقد صحح إسناده بعض أهل العلم - فإنه ليس للعدد في هذا الحديث مفهوم، أو كان ذلك قبل سؤال النبي صلى الله عليه وسلم أن يُزاد في عدد أولئك الذين حققوا التوحيد.


فإن قيل:ما معنى أن يُزاد في عددهم؟

فالجواب: أن المعنى أن الله - جل وعلا - يَمُنُّ على أناس من هذه الأمة - غير السبعين ألفا - ممن سيأتون بَعْدُ، فيوفقهم لتحقيق التوحيد؛ فالله - جل وعلا - هو الذي يوفق، وهو الذي يهدي، ثم هو الذي يجازي. فما أعظمه من محسن، بَرٍّ، كريم، رحيم.

أم علي طويلبة علم
2017-08-06, 09:58 PM
باب الخوف من الشرك

الشرح:

كل من حقق التوحيد فلا بد أن يخاف من الشرك؛ ولهذا كان سيد المحققين للتوحيد محمد - عليه الصلاة والسلام - يُكثر من الدعاء بأن يبعد عنه الشرك، وكذلك كان إبراهيم - عليه السلام - يكثر من الدعاء؛ لئلا يدركه الشرك، أو عبادة الأصنام.


فمناسبة هذا الباب لما قبله ظاهرة، وهي: أن تحقيق التوحيد عند أهله لا بد أن يقترن معه الخوف من الشرك، وقَلَّ من يكون مخاطرا بتوحيده أو غير خائف من الشرك، ويكون مع هذا على مراتب الكمال، بل لا يوجد.
فكل محقق للتوحيد، وكل راغب فيه حريص عليه: يخاف من الشرك، وإذا خاف من الشرك فإن الخوف الذي هو فزع القلب وهلعه، يجعل العبد حريصا كل الحرص على البعد عن الشرك والهروب منه.


والخوف من الشرك يثمر ثمرات منها:
- أن يكون عالما بالشرك بأنواعه، حتى لا يقع فيه.

- أن يكون متعلما للتوحيد بأنواعه، حتى يقوم في قلبه الخوف من الشرك ويعظم، ويستمر على ذلك.

- أن الخائف من الشرك يكون قلبه دائم الاستقامة على طاعة الله مبتغيا لمرضاته، فإن عصى أو غفل، كان استغفاره استغفار من يعلم عظم شأن الاستغفار، وعظم حاجته للاستغفار؛ لأن الناس في الاستغفار أنواع، لكن من علم منهم حق الله - جل وعلا - وسعى في تحقيق التوحيد وتعلم ذلك، وسعى في الهرب من الشرك، فإنه إذا غفل وجد أنه أشد ما يكون حاجة إلى الاستغفار، بهذا ولأجل صلاح هذا بوب الشيخ -رحمه الله- هذا الباب الذي عنوانه (باب الخوف من الشرك)، فكأنه يقول لك: إذا كنت تخاف من الشرك كما خاف منه إبراهيم - عليه السلام - وعرفتَ ما توعد الله به أهل الشرك من أنه لا يغفر لهم، فينبغي لك أن تعلم وأن تتعلم ما سيأتي في هذا الكتاب، فإن هذا الكتاب موضوع لتحقيق التوحيد، وللخوف من الشرك والبعد عنه، فما بعد هذين البابين: (باب من حقق التوحيد) و (باب الخوف من الشرك) تفصيل لهاتين المسألتين العظيمتين اللتين هما: تحقيق التوحيد، والخوف من الشرك؛ بيان معناه وبيان أنواعه.

وقد ذكرنا فيما سبق أن الشرك هو: إشراك غير الله معه في أي نوع من أنواع العبادة، وقد يكون أكبر، وقد يكون أصغر، وقد يكون خفيا.

أمة الحليم
2017-08-22, 01:22 AM
جزاك الله خيرا أم علي


هل الذهاب للراقي ينافي تحقيق التوحيد؟

أم علي طويلبة علم
2017-08-22, 10:30 PM
جزاك الله خيرا أم علي


هل الذهاب للراقي ينافي تحقيق التوحيد؟


" وصف الله السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب بتمام التوكل؛ لأنهم لا يسألون غيرهم أن يرقيهم، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، فيجمعون بين كمال وقوة الصبر على الابتلاء والضراء، وبين تمام التوكل على الله وحده، والفوز برضاه والثواب على ذلك. وهذا لا ينافي أخذهم بالأسباب، وإنما تركوا ذلك استسلامًا للقضاء، وتلذذًا بالبلاء، وتحقيقًا لكمال التوحيد، وتمام التوكل على الله سبحانه، وطلب التداوي، والأخذ بالأسباب، وطلب الرقية لا ينافي التوكل، بل ذلك مما أمر الشرع به عند الحاجة له، مع الاعتقاد أن الله هو النافع الضار، وهو الذي خلق الأسباب والمسببات، وأن الله لم يخلق داءً إلا جعل له دواء، كما جاءت بذلك السنة الصحيحة".

http://www.alifta.net/fatawa/fatawaDetails.aspx?languagenam e=ar&View=Page&PageID=10523&PageNo=1&BookID=3

أم علي طويلبة علم
2017-09-08, 11:11 PM
قال الشيخ رحمه الله: (وقول الله عز وجل: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}).

والمغفرة: هي الستر لما يخاف وقوع أثره، ويقال في اللغة: غَفَر: إذا ستر، ومنه سُمِّي ما يوضع على الرأس مغفرا؛ لأنه يستر الرأس، ويقيه الأثر المكروه من وقع السيف ونحوه، فمادة (المغفرة) راجعة إلى ستر الأثر الذي يخاف منه.

والشرك والمعصية لهما أثرهما: إما في الدنيا وإما في الآخرة، أو فيهما جميعا.
وأعظم ما يُمَنُّ به على العبد أن يغفر ذنبه، وذلك بأن يستر عليه، ويُمحي عنه أثره، فلا يؤاخذ به في الدنيا، ولا يعاقب عليه في الآخرة، فلولا المغفرة لهلك الناس.

ومعنى قوله - جل وعلا - في هذه الآية {لَا يَغْفِرُ} أي: أبدا، فقوله: {لا يغفر أن يشرك به} هذا وعيد بأنه - تعالى - لم يجعل مغفرته لمن أشرك به، وقد قال العلماء في قوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به} إن في هذه الآية دليلا على أن المغفرة لا تكون لمن أشرك شركا أكبر، أو أشرك شركا أصغر، فإن الشرك لا يدخل تحت المغفرة، بل يكون بالموازنة، فهو لا يغفر إلا بالتوبة، فمن مات على ذلك غير تائب فهو غير مغفور له ما فعله من الشرك، وقد يغفر الله - تعالى - غير الشرك كما قال {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فجعلوا الآية دليلا على أن الشرك الأكبر والأصغر لا يدخل تحت المشيئة.

وجه الاستدلال من الآية: أن (أن) في قوله تعالى: { لايغفر أن يشرك به} موصول حرفي، فتؤول مع الفعل الذي بعدها وهو (يشرك) بمصدر كما هو معلوم، والمصدر نكرة وقع في سياق النفي، وإذا وقعت النكرة في سياق النفي عمت.

قالوا: فهذا يدل على أن الشرك الذي نفي هنا يعم الأكبر والأصغر والخفي، فكل أنواع الشرك لا يغفرها الله -جل وعلا- وذلك لعظم خطيئة الشرك لأن الله - جل وعلا - هو الذي خلق، ورزق، وأعطى، وهو الذي تفضل، فكيف يتوجه القلب عنه إلى غيره؟! لا شك أن هذا ظلم في حق الله - جل وعلا - ولذلك لم يغفر. وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وأكثر علماء الدعوة.

وقال آخرون من أهل العلم: إن قوله هنا: {لا يغفر أن يشرك به} دال على العموم، لكنه عموم مراد به خصوص الشرك الأكبر، فالمقصود بالشرك في قوله: {لا يغفر أن يشرك به} هو: الشرك الأكبر فقط دون غيره، وأما ما دون الشرك الأكبر، فإنه يكون داخلا تحت المشيئة، فيكون العموم في الآية مرادا به الخصوص، لأنه غالبا ما يرد في القرآن هذا اللفظ: {أن يشرك به} ونحو ذلك، ويراد به الشرك الأكبر دون الأصغر.
وهذا في الغالب - كما سبق - فالشرك أكثرما يطلق في القرآن على الأكبر دون الأصغر، ومن شواهد ذلك، قوله - جل وعلا -: { وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}، فقوله في الآية: {يُشْرَكَ} هو - أيضا -: فعل داخل في سياق الشرط، فيكون عاما، لكن هل يدخل فيه الشرك الأصغر والخفي؟؟

الجواب: أنه لا يدخل بالإجماع؛ لأنه تحريم الجنة، وإدخال النار، والتخليد فيها، إنما هو لأهل الموت على الشرك الأكبر، فدلنا ذلك على أن المراد بقوله: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}، أنهم أهل الإشراك بالله الشرك الأكبر، فلم يدخل فيه الأصغر، ولم يدخل ما دونه من أنواع الأصغر.

فيكون المفهوم - إذًا - من آيتي سورة النساء كالمفهوم من آية سورة المائدة، ونحوها وهذا كقوله في سورة الحج {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} فهذا ونحوه وارد في الشرك الأكبر. فيكون - على هذا القول - المراد بما نُفي هنا في قوله: {لا يغفر} الشرك الأكبر.

ولما كان اختيار إمام الدعوة، كما هو اختيار عدد من المحققين: كشيخ الإسلام: ابن تيمية، وابن القيم وغيرهما أن العموم هنا شامل لأنواع الشرك: الأكبر، والأصغر، والخفي، كان الاستدلال بهذه الآية صحيحا؛ لأن الشرك: أنواع، وإذا كان الشرك بأنواعه لا يغفر، فهذا يوجب الخوف منه أعظم الخوف، فإذا كان الشرك الأصغر: كالحلف بغير الله، وتعليق التميمة، والحلقة، والخيط، ونحو ذلك من أنواع الشرك الأصغر، كقولك: ما شاء الله وشئت، ونسبة النعم إلى غير الله، إذا كان ذلك لا يغفر فإنه يوجب أعظم الخوف منه كالشرك الأكبر.

وإذا كان كذلك، فيقع في الخوف من الشرك مَنْ هم على غير التوحيد، كمَنْ يعبدون غير الله، ويستغيثون بغير الله، ويتوجهون إلى غيره، ويذبحون وينذرون لغيره، ويحبون غير الله محبة العبادة، ويرجون غير الله رجاء العبادة، ويخافون خوف السر من غير الله، إلى غير ذلك من ألوان الشرك، فيكون هؤلاء أولى بالخوف من الشرك؛ لأنهم وقعوا فيما اتُّفِقَ عليه: أنه لا يغفر. كما يقع في الخوف من الشرك أهل الإسلام الذين قد يقعون في بعض أنواع الشرك الخفي، أو الشرك الأصغر بأنواعه، وهم لا يشعرون أو وهم لا يحذرون.

فإذا علم العبد المسلم أن الشرك بأنواعه لا يغفر، وأنه مؤاخذ به، وأن الصلاة إلى الصلاة، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان: لا تكفر ذنب الوقوع في الشرك الأصغر، فيجب أن يعظم في قلبه الخوف منه.

فإن قيل: فبماذا يغفر إذا؟

فالجواب: أنه لا يغفر إلا بالتوبة فقط، فإن لم يتب فثمة الموازنة بين الحسنات والسيئات، ولكن ما ظنكم بسيئة فيها التشريك بالله مع حسنات؟ فمن ينجو من ذلك؟!! لا ريب أنه ينجو إلا من عظمت حسناته، فزادت على سيئة ما وقع فيه من أنواع الشرك. ولا شك أن هذا يوجب الخوف الشديد من الشرك بعامة؛ لأن من المعلوم أن الشرك بأنواعه -من حيث الجنس- أعظم من كبائر الأعمال المعروفة.


فوجه الاستدلال من آية النساء، وهي قوله - جل وعلا -: { إن الله لا يغفر أن يشرك به} أن فيها عموما يشمل أنواع الشرك جميعا، وأنها كلها لا تغفر، فيكون ذلك موجبا للخوف من الشرك، وإذا وقع أو حصل الخوف والوجل من الشرك في القلب، فإن العبد سيحرص على معرفة أنواعه حتى لا يقع فيه، ويطلب معرفة أصنافه وأفراده، حتى لا يقع فيها، وحتى يحذِّر أحبابه ومن حوله منها؛ لذلك كان أحب الخلق، أو أحب الناس، وخير الناس للناس: من يحذرهم من هذا الأمر، ولو لم يشعروا به ولو لم يعقلوه قال - جل وعلا -: { كنتم خير أمة أخرجت للناس} لأنهم يدلون الخلق على ما ينجيهم، فالذي يحب للخلق النجاة هو الذي يحذرهم من الشرك بأنواعه، ويدعوهم إلى التوحيد بأنواعه؛ لأن هذا أعظمُ ما يُدعي إليه؛ ولهذا لما حصل من بعض القرى في زمن إمام الدعوة تردد وشك ورجوع عن مناصرة الدعوة، وفَهْمِ ما جاء به الشيخ - رحمه الله - وكتبوا للشيخ وغلَّظوا له القول، وقالوا: إن ما جئت به ليس بصحيح، وإنك تريد كذا وكذا، لمّا حصل منهم ذلك، أجابهم بكتاب قال في آخره بعد أن شرح التوحيد وضدَّه، ورغَّب ورهَّب: ولو كنتم تعقلون حقيقة ما دعوتكم إليه لكنت أغلى عندكم من آبائكم وأمهاتكم وأبنائكم، ولكنكم قوم لا تعقلون. انتهى كلامه - رحمه الله -.

وهو كلام صحيح، ولكن لا يعقله إلا من عرف حق الله - جل وعلا - فرحمة الله على هذا الإمام، وأجزل له المثوبة، وجزاه عنا وعن المسلمين خير الجزاء، ورفع درجته في المهديين، والنبيين، والصالحين.

أمة الحليم
2017-09-22, 08:01 AM
جزاكِ الله خيرا

أم أروى المكية
2017-09-22, 02:08 PM
نفع الله بكِ أم علي

أم علي طويلبة علم
2017-10-26, 09:50 PM
ثم ساق الشيخ - رحمه الله - بعد هذه الآية قول الله - جل وعلا -:{واجنبني وبني أن نعبد الأصنام}.

الذي دعا هذه الدعوة هو إبراهيم - عليه السلام -، ومر بنا في الباب قبله: أن إبراهيم قد حقق التوحيد، وقد وصفه الله بأنه كان أمة قانتا لله حنيفا، وبأنه لم يك من المشركين، فهل يطمئن من كان على هذه الحال إلى أنه لن يعبد غير الله، ولن يعبد الأصنام، أو يظل مقيما على خوفه؟

وهل حال الكمَّل الذين حققوا التوحيد أنهم يطمئنون أم يخافون؟ هذا إبراهيم - عليه السلام - كما في هذه الآية خاف الشرك، وخـاف عبادة الأصنام، فدعا الله بقـوله:{واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم}، فكيف بمن دون إبراهيم ممن ليس من السبعين ألفا، وهم عامة هذه الأمة؟

والواقع أن عامة الأمة لا يخافون من الشرك، فمن الذي يخافه إذًا؟ الذي يخافه هو الذي يسعى في تحقيق التوحيد.

قال إبراهيم التيمي - رحمه الله - وهو من سادات التابعين لما تلا هذه الآية قال: ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم؟!! إذا كان إبراهيم - عليه السلام - وهو الذي حقق التوحيد، وهو الذي وُصِفَ بما وُصِفَ به، وهو الذي كسَّر الأصنام بيده يخاف من الفتنة بها فمن يأمن البلاء بعده؟!

والمقصود: أن هذا يوجب الخوف الشديد من الشرك؛ لأن إبراهيم - عليه السلام - مع كونه سيد المحققين للتوحيد في زمانه، بل وبعد زمانه إلى نبينا صلى الله عليه وسلم ما أعطي الضمان والأمان من الوقوع في الشرك، وألا يزيغ قلبه، وكذلك الحال مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

قوله هنا:{واجنبني وبني أن نعبد الأصنام}، الأصنام: جمع صنم، والصنم هو: ما جُعِلَ على صورة مما يُعبد من دون الله، كشكل وجه رجل، أو شكل جسم حيوان، أو رأس حيوان، أو صورة كوكب، أو نجم أو شكل الشمس أو القمر ونحو ذلك كله وما أشبهه يطلق عليه أنه صنم.

والوثن هو: ما عُبد من دون الله، مما ليس على هيئة صورة، فالقبر وثن، وليس بصنم، وكذلك: المشهد، أعني: مشاهد القبور عند عُبَّادها، فهذه أوثان، وليست بأصنام.

وقد يطلق على الصنم اسم الوثن، كما قال جل وعلا في قصة إبراهيم في سورة العنكبوت:{إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا} ولكن هذا يطلق على قلة.

وقال بعض أهل العلم: هم عبدوا الأصنام، وعبدوا الأوثان جميعا، فصار ذكر الأصنام في بعض الآيات لعبادتهم الأصنام، وذكر الأوثان في بعض الآيات لعبادتهم الأوثان.

والأول أظهر في أنه قد يطلق على الصنم أنه وثن. ويدل على أن الوثن ما ليس على هيئة صورة قول النبي صلى الله عليه وسلم:( اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد) فدعا الله أن لا يجعل قبره وثنا، فدل ذلك على أن الوثن ما يعبد من دون الله مما ليس على هيئة صورة.

أم رفيدة المسلمة
2017-10-28, 08:49 AM
نفع الله بكِ أم علي

أم علي طويلبة علم
2017-11-25, 10:47 PM
قال - رحمه الله -: وفي الحديث: ((أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر))، فسئل عنه فقال:((الرياء)).

والرياء قسمان: رياء المسلم، ورياء المنافق.

فرياء المنافق: رياء في أصل الدين، يعني: أنه راءى بإظهار الإسلام، وأبطن الكفر، قال تعالى:{ يرآءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا}.

ورياء المسلم الموحِّد: مثل أن يُحسِّن صلاته؛ من أجل نظر الرجل، أو أن يُحَسِّن تلاوته؛ لأجل التسميع؛ ليُمدَح ويُسمع، لا لأجل التأثير.

فالرياء: مشتق من الرؤية، فجهته الرؤية، ومن صوره: أن يحسن العبادة لأجل أن يرى من المتعبدين كأن يطيل في صلاته، أو يطيل في ركوعه، أو في سجوده، أو يقرأ في صلاته أكثر من العادة، لأجل أن يرى ذلك منه، أو يقوم الليل لأجل أن يقول الناس عنه: إنه يقوم الليل. فهذا كله شرك أصغر.

والشرك الأصغر - الذي هو الرياء - قد يكون محبطا لأصل العمل الذي تعبد به، وقد يكون محبطا للزيادة التي زادها فيه.

فيكون محبطا لأصل العمل الذي تعبد به: وإذا ابتدأ النية بالرياء، كمن يصلي الراتبة لأجل أن يرى أنه يصليها، وليست عنده رغبة في أن يصليها، لكن لما رأى أنه يُرَى صلاها؛ ولأجل أن يمدح؛ لما يرى من نظر الناس إليه، فصلاته هذه حابطة ليس له فيها ثواب.

لكن إذا عرض الرياء له في أثناء العبادة فيكون ما زاده لأجل الرؤية باطلا كما قال -عليه الصلاة والسلام-: (قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه).

فالشاهد من حديث الباب: قوله - عليه الصلاة والسلام -:((أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر)) فهو أخوف الذنوب التي خافها النبي - عليه الصلاة والسلام - على أهل التوحيد؛ لأنهم ما داموا أهل توحيد، فإنهم ليسوا من أهل الشرك الأكبر، فيكون أشد ما يُخاف عليهم هو الشرك الأصغر.

والشرك الأصغر تارة يكون في النيات، وتارة يكون في الأقوال، وتارة يكون في الأعمال، يعني أنه يكون في القلب، وفي المقال، وفي الفعال، وسيأتي في هذا الكتاب بيان أصناف كل واحد من هذه الثلاثة.

فيدل قوله - عليه الصلاة والسلام -:( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر) أنه أخوف الذنوب على هذه الأمة. لكن لماذا خافه النبي صلى الله عليه وسلم وكان أعظم الذنوب خوفا؟
الجواب: أنه كان كذلك لأجل أثره، وهو أنه لا يغفر، ولأجل أن الناس قد يغفلون عنه. والشيطان حريص على إيقاع أهل التوحيد في الشرك الأصغر، ووصمهم بالرياء في الأقوال، والأعمال، والنيات. وفرحه بذلك أعظم من فرحه بغيره من الذنوب.

أم علي طويلبة علم
2017-12-15, 03:15 PM
ثم بعد ذلك ساق حديث ابن مسعود فقال: وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار).

وجه الاستدلال منه: أنه قال: (من مات وهو يدعو من دون الله ندا) ودعوة الند من دون الله من الشرك الأكبر؛ لأن الدعاء عبادة، وهو من أعظم العبادات؛ فقد جاء في الحديث الصحيح: (الدعاء هو العبادة)، وفي معناه حديث أنس الذي في السنن، ولفظه (الدعاء مُخُّ العبادة). فهو أعظم أنواع العبادة، فمن مات وهو يصرف هذه العبادة أو شيئا منها لند من الأنداد، فقد استوجب النار.

وقوله: (دخل النار): يعني كحال الكفار، فيكون خالدا فيها؛ لأن المسلم إذا وقع في الشرك الأكبر: فإنه يحبط عمله بذلك، ولو كان أصلح الصالحين، وقد قال - جل وعلا - لنبيه: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين} فالله عظيم، والله أكبر، وخلقه كلهم محتاجون إليه، وعبيد له - سبحانه -، بمن فيهم أفضلهم: وهم الأنبياء والمرسلون، فلو فرض أنْ أشرك نبينا صلى الله عليه وسلم لحبط عمله، ولكان في الآخرة من الخاسرين، أفلا يوجب هذا أن يخاف من هو دونه ممن يدعي الصلاح والعلم من الشرك؟!! بل قد شاع في هذه الأمة أن بعض المنتسبين إلى العلم يدعو إلى الشرك ويحض عليه ويُكَرِّه ويُبَغِّض في التوحيد وحال هؤلاء، كما قال الله - جل وعلا - عن أسلافهم: {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالأخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون}.

فوجه الاستدلال ظاهر - إذًا - في قوله صلى الله عليه وسلم (من مات، وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار)، وأنه يوجب الخوف، لأن قصد المسلم، بل قصد العاقل: أن يكون ناجيا من النار، ومتعرضا لثواب الله في الجنة.


ولفظ: (من دون الله) يكثر وروده في القرآن والسنة، ويراد به عند علماء التفسير، وعلماء التحقيق شيئان:

1 - أن تأتي بمعنى (مع)، فيكون معنى: (من دون الله) أي مع الله، وعبَّر عن المعية بلفظ (من دون الله)؛ لأن كل من دُعي مع الله، فهو دون الله - جل وعلا - فهم دونه، والله - جل وعلا - هو الأكبر، وهو الأعظم، وفي هذا دليل على بشاعة عملهم.
2 - أن تأتي بمعنى (غير) فيكون معنى: (من دون الله) أي: يدعو إلها غير الله، يعنـي أنه لم يعبد الله، وأشرك معه غيره، بـل دعا غيره استقلالا.
فشملت (من دون الله) الحالين: من دعا الله ودعا غيره، ومن دعا غير الله وتوجه إليه استقلالا.

أم علي طويلبة علم
2017-12-22, 03:17 PM
قال: ولمسلم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار).

تقدم قريبا أن قوله: (لا يشرك به شيئا) فيه نوعان من العموم: عموم في أنواع الشرك؛ويدل عليه وقوع النكرة في سياق النفي؛ لأن لفظة: " يشرك " نكرة، وعموم - أيضا - في المتوجه إليهم وهو المُشْرَك بهم كما يدل عليه قوله (شيئا) لأنه - أيضا - نكرة في سياق النفي.

فمعنى قوله:(من لقي الله لا يشرك) نفي لجميع أنواع الشرك.

فمعنى قوله:( به شيئا) أي: لم يتوجه بالعبادة لأي أحد، لا لملك، ولا لنبي، ولا لصالح، ولا لجني، ولا لطالح، ولا لحجر، ولا لشجر، ولا غير ذلك.

قوله:(دخل الجنة): يعني أن الله - جل وعلا - وعده بدخول الجنة برحمته سبحانه وتفضله، وبوعده الصادق الذي لا يُخلَف.

قوله:(ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار) أي: أن كل مشرك متوعَّدٌ بالنار، ووجه الدلالة مستقيم مع استدلال الشيخ بالآية؛ لأن من لقي الله وهو على شيء من الشرك الأكبر، أو الأصغر، أو الخفي: فإنه سينال العقوبة والعذاب في النار والعياذ بالله.

قوله:(من لقيه يشرك به شيئا) فيه عموم أيضا كما ذكرنا؛ لأن (من) هنا شرطية، و (يشرك) نكرة، فتكون عامة لأنواع الشرك، و (شيئا) عامة في المتوجَّه إليهم.

فإن قيل: علام يدل قوله:(من لقيه يشرك به شيئا دخل النار)؟ هل يدل على أنه دخول أبدي، أو أمدي؟

فالجواب: أن ذلك بحسب نوع الشرك، فإن كان الشرك أكبر ومات عليه فإنه يدخل النار دخولا أبديا، وإن كان الشرك أصغر، أو خفيا فإنه يكون متوعدا بالنار أي: سيدخل النار ويخرج منها؛ لأنه من أهل التوحيد.

وهل يدخل الشرك الأصغر في الموازنة أو لا؟ تقدم الجواب أن الشرك الأصغر يدخل في موازنة الحسنات والسيئات، وأنه إذا رجحت حسناته فإنه لا يعذب على الشرك الأصغر لكن هذا ليس في حق كل أحد من الخلق، فإن منهم من يعذب على الشرك الأصغر؛ لأن الموازنة بين الحسنات والسيئات ليست شاملة لكل الخلق، وليست شاملة أيضا لكل الذنوب، بل قد يكون من الذنوب ما يستوجب النار، ولو رجحت الحسنات على السيئات فإنه يستوجب الجنة. ولكن لا بد من أن يطهر في النار،وهذا دليل على وجوب الخوف من الشرك؛ لأن قوله:(من لقي الله يشرك به شيئا دخل النار)يشمل الشرك الأكبر والأصغر والخفي، فعلى المرء أن يطلب الهرب من الشرك بجميع أنواعه، ويسعى إلى ذلك جهده.

وعلى المرء - أيضا - أن يستعيذ بالله - جل وعلا - من الشرك الأصغر والخفي، بقوله: " اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئا أعلمه، وأستغفرك مما لا أعلم ". لأنه إذا علم فأشرك، فإنه سيترتب الأثر الذي ذكرناه، وهو: عدم المغفرة، ففي هذا الدعاء، الذي علمناه رسولنا - عليه الصلاة والسلام - التفريق بين الشرك الأصغر مع العلم، والشرك الأصغر مع الجهل؛ ولذا قال: { أعوذ بك أن أشرك بك شيئا أعلمه }؛ لأن أمر الشرك الأصغر مع العلم عظيم فيجب أن يستعيذ المرء بالله من أن يشرك به شركا أصغر فما هو أعلى منه من باب أولى، وهو يعلم.

ثم قال:( وأستغفرك مما لا أعلم ) قد يقع في الشرك الأصغر أو الخفي، وهو لا يعلم، ويظهر شيء من ذلك على فلتات لسانه، وهو لا يقصد، ولمثل ذلك شرع هذا الدعاء.

فهذا يدل على أن الشرك أمره عظيم، فلا يتهاونن أحد به ؛ لأن من تهاون بالشرك وبالتوحيد، فإنه يكون، فإنه يكون متهاونا بأصل دين الإسلام، بل يكون متهاونا بالذي دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم في مكة سنين عددا، بل يكون متهاونا بدعوة الأنبياء والمرسلين؛ فإنهم اجتمعوا على شيء واحد، وهو العقيدة، وتوحيد العبادة والربوبية والأسماء والصفات، وأما في الشرائع فلكل واحد شرع خاص به في الغالب.

لهذا وجب علينا الحذر كل الحذر من الشرك بأنواعه، وأن تتعلم ضده، وأن تتعلم أيضا أفراد الشرك، وأفراد التوحيد، وبذلك يتم العلم، ويستقيم العمل.

وأما تعلم ذلك على وجه الإجمال، فهذا كما يقال: نحن على الفطرة، لكن إذا أتت الأفراد فربما رأيت بعض الناس يخوضون في بعض الأقوال أو الأعمال التي هي من جنس الشرك، وهم لا يشعرون؛ وذلك لعدم خوفهم وهربهم من الشرك، نسأل الله جل وعلا العفو والعافية.


فاحرص - إذًا - على تعلم هذا الكتاب ومدارسته، وعلى كثرة مذاكرته، وفهم ما فيه من الحجج والبينات؛ لأنه أفضل ما تودعه صدرك، بعد كتاب الله - جل وعلا - وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فلعله أن يكون - إن شاء الله - سببا عظيما من أسباب النجاة والفلاح.

أم علي طويلبة علم
2018-01-24, 06:21 PM
باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله


الشرح:




هذا الباب هو (باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله)، أي: باب الدعوة إلى التوحيد. وقد ذكر في الباب قبله (باب الخوف من الشرك)، وقبله ذَكَرَ (باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب)، و(باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب).

ولما ذكر بعده (باب الخوف من الشرك): اجتمعت معالم حقيقة التوحيد في نفس الموحد، فهل من اجتمعت حقيقة التوحيد في قلبه: بأن عرف فضله، وعرف معناه، وخاف من الشرك، واستقام على التوحيد، وهرب من ضده، هل يبقى مقتصرا بذلك على نفسه، ويضنّ به على غيره، وهل تتم حقيقة التوحيد في قلبه إلا بأن يدعو إلى حق الله الأعظم، ألا وهو إفراده - جل وعلا - بالعبادة وبما يستحقه سبحانه وتعالى من نعوت الجلال، وأوصاف الجمال؟.

الجواب: طبعا لا، لذا بوب الشيخ -رحمه الله- بهذا الباب؛ ليدل على أن من تمام الخوف من الشرك، ومن تمام التوحيد: أن يدعو المرءُ غيره إلى التوحيد؛ فإنه لا يتم في القلب حتى تدعو إليه، وهذه حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله؛ لأن الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله عُلِمَت حيث شهد العبد المسلم لله بالوحدانية بقوله: أشهد أن لا إله إلا الله، وشهادته معناها: اعتقاده ونطقه وإخباره غيره بما دلت عليه، فلا بد -إذًا تحقيقًا للشهادة، وإتمامًا لها- أن يكون المكلَّف الموحِّد داعيا إلى التوحيد.

لهذا ناسب أن يذكر هذا الباب بعد الأبواب قبله. ثم إن له مناسبة أخرى لطيفة، وهي: أن ما بعد هذا الباب هو تفسير للتوحيد وبيان لأفراده، وتفسير للشرك وبيان لأفراده، فتكون الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وإلى التوحيد دعوة إلى تفاصيل ذلك.
وهذا من المهمات، لأن كثيرين من المنتسبين للعلم -من أهل الأمصار- يسلمون بالدعوة إلى التوحيد إجمالا، ولكن إذا أتى التفصيل في بيان مسائل التوحيد، أو جاء التفصيل في بيان أفراد الشرك، فإنهم يخالفون في ذلك، وتغلبهم نفوسهم في مواجهة الناس بحقائق أفراد التوحيد، وأفراد الشرك.

فالذي تميزت به دعوة الإمام المصلح رحمه الله أن الدعوة فيها إلى شهادة أن لا إله إلا الله دعوة تفصيلية، ليست إجمالية، أما الإجمال فيدعو إليه كثيرون ممن يقولون: نهتم بالتوحيد ونبرأ من الشرك، لكن لا يذكرون تفاصيل ذلك.

والذي ذكره الإمام -رحمه الله- في بعض رسائله أنه لما عرض هذا الأمر -يعني الدعوة إلى التوحيد- على علماء الأمصار قال: وافقوني على ما قلت، وخالفوني في مسألتين: في مسألة التكفير، وفي مسألة القتال.
وهاتان المسألتان سبب مخالفة أولئك العلماء للشيخ، لأنهما فرعان ومتفرعتان عن البيان والدعوة إلى أفراد التوحيد، والنهي عن أفراد الشرك.

فالدعاء -إذًا- إلى شهادة لا إله إلا الله هو الدعاء إلى ما دلت عليه من التوحيد، والدعاء إلى ما دلت عليه من نفي الشريك في العبادة، وفي الربوبية، وفي الأسماء والصفات عن الله - جل وعلا - وهذه الدعوة دعوة تفصيلية لا إجمالية؛ ولهذا فصل الإمام - رحمه الله - في هذا الكتاب أنواع التوحيد، وأفراد توحيد العبادة، وفصَّل الشرك الأكبر والأصغر، فبين أفرادا من ذا وذاك.

وسيأتي تفسير شهادة أن لا إله إلا الله في الباب الذي بعده؛ لأنه (باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله).

أم علي طويلبة علم
2018-02-10, 11:24 PM
قال - رحمه الله -:(وقول الله تعالى: {قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين}).

هذه الآية من آخر سورة يوسف هي في الدعوة إلى الله، وسورة يوسف - كما هو معلوم - لِمَنْ تَأَمَّلَها هي في الدعوة إلى الله؛ من أولها إلى آخرها، فموضوعها - إذا - الدعوة؛ ولهذا جاء في آخرها قواعد مهمة في بيان حال الدعاة إلى الله، وحال الرسل الذين دعوا إلى الله، وما خالف به الأكثرون الرسل، واستيئاس الرسل من نصرهم ونحو ذلك من أحوال الدعاة إلى الله. وفي آخر تلك السورة قال الله - جل وعلا - لنبيه: {قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة} أي: سبيلي ومنهجي: أنني أدعو إلى الله، فمهمة الرسل هي: الدعوة إلى الله - جل وعلا -.

فأحسن الأقوال: قول من دعا إلى الله، وأحسن الأعمال: عمل من دعا إلى الله - جل وعلا -؛ ولهذا قال سبحانه: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين} قال الحسن البصري - رحمه الله - في تفسير هذه الآية ما معناه: هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله من خلقه، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، هذا حبيب الله. .

وهذا أمر عظيم؛ فالداعي إلى الله هو أحسن أهل الأقوال قولا كما دلت عليه الآية السابقة.

وموطن الشاهد من قوله: {هذه سبيلي أدعو إلى الله} هو قوله:{أدعو إلى الله}، فإنه دعاء إلى الله - جل وعلا - لا إلى غيره، وفي هذا فائدتان:

الأولى: أن الدعوة إلى الله دعوة إلى توحيده، ودعوة إلى دينه، كما سيأتي تفسير هذه الكلمة في الحديثين بعدها: حديث ابن عباس رضي الله عنه في إرسال معاذ إلى اليمن، وحديث سهل بن سعد رضي الله عنه في إعطاء علي الراية.

فدل قوله - جل وعلا -: {قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله} على الفائدة الأولى - كما تقدم - وهي أن الدعوة إلى الله فيها دعوة إلى التوحيد.

الثانية: التنبيه على الإخلاص، وهذا يحتاجه من أراد الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله، والدعاء إلى الإسلام، يعني أن الداعي إلى الإسلام يحتاج أن يكون مخلصا في ذلك؛ ولهذا قال الشيخ - رحمه الله - في مسائل هذا الباب: في قوله: {إِلَى اللَّهِ} التنبيه على الإخلاص؛ لأن كثيرا من الناس لو دعا إلى الحق فهو يدعو إلى نفسه.

وقوله في الآية: {عَلَى بَصِيرَةٍ} البصيرة: هي العلم، وهي للقلب كالبصر للعين يبصر بها المعلومات والحقائق، فكما أنك بالعين تبصر الأجرام والذوات، فإنك ببصيرة القلب والعقل تدرك المعلومات، والمعنى: أنه دعا على علم، وعلى يقين، وعلى معرفة، لم يدعُ إلى الله على جهالة.

وقوله تعالى: {أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} يعني: أدعو أنا إلى الله وكذلك من اتبعني ممن أجاب دعوتي، فإنهم يدعون إلى الله أيضا على بصيرة، وهذا أيضا من مناسبة إيراد الآية تحت هذا الباب؛ لأن أتباع النبي صلى الله عليه وسلم يدعون إلى الله.

فالمتبعون للرسل - عليه الصلاة والسلام - والموحدون لله: لا بد لهم من الدعوة إلى الله، بل هذه صفته صلى الله عليه وسلم وصفتهم التي أمر الله نبيه أن يخبر عنها،
فقال {قل} يعني: يا محمد: {هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} فهذه إذًا خصلة أتباع الأنبياء الذين لم يخافوا من الشرك فحسب، ولم يعلموا التوحيد ويعملوا به فحسب، بل دعوا إلى ذلك،
وهذا أمر حتمي ولازم؛ لأن من عرف عِظَم حق الله - جل وعلا - فإنه يغار على حق الرب سبحانه وتعالى، وكيف لا يغار على مولاه، وعلى حق من أحبه فوق كل محبوب من أن يكون توجه الخلق إلى غيره بنوع من أنواع التوجهات؟!.

فلا بد أن يدعو إلى أصـل الدين وأصل الملة الذي اجتمعت عليه الأنبياء والمرسلون، ألا وهو توحيده -جل وعلا- في عبادته وفي ربوبيته وفي أسمائه وصفاته جل وعلا.

أم أروى المكية
2018-02-11, 07:43 AM
باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله


الشرح:



هذا الباب هو (باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله)، أي: باب الدعوة إلى التوحيد. وقد ذكر في الباب قبله (باب الخوف من الشرك)، وقبله ذَكَرَ (باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب)، و(باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب).

ولما ذكر بعده (باب الخوف من الشرك): اجتمعت معالم حقيقة التوحيد في نفس الموحد، فهل من اجتمعت حقيقة التوحيد في قلبه: بأن عرف فضله، وعرف معناه، وخاف من الشرك، واستقام على التوحيد، وهرب من ضده، هل يبقى مقتصرا بذلك على نفسه، ويضنّ به على غيره، وهل تتم حقيقة التوحيد في قلبه إلا بأن يدعو إلى حق الله الأعظم، ألا وهو إفراده - جل وعلا - بالعبادة وبما يستحقه سبحانه وتعالى من نعوت الجلال، وأوصاف الجمال؟.

الجواب: طبعا لا، لذا بوب الشيخ -رحمه الله- بهذا الباب؛ ليدل على أن من تمام الخوف من الشرك، ومن تمام التوحيد: أن يدعو المرءُ غيره إلى التوحيد؛ فإنه لا يتم في القلب حتى تدعو إليه، وهذه حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله؛ لأن الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله عُلِمَت حيث شهد العبد المسلم لله بالوحدانية بقوله: أشهد أن لا إله إلا الله، وشهادته معناها: اعتقاده ونطقه وإخباره غيره بما دلت عليه، فلا بد -إذًا تحقيقًا للشهادة، وإتمامًا لها- أن يكون المكلَّف الموحِّد داعيا إلى التوحيد.

لهذا ناسب أن يذكر هذا الباب بعد الأبواب قبله.ثم إن له مناسبة أخرى لطيفة، وهي: أن ما بعد هذا الباب هو تفسير للتوحيد وبيان لأفراده، وتفسير للشرك وبيان لأفراده، فتكون الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وإلى التوحيد دعوة إلى تفاصيل ذلك.


وهذا إن دل على شئ ،فيدل على فقه هذا الإمام العلامة رحمه الله رحمة واسعة .
" اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ: عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ.
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ [مَا اسْتَعَاذَ بِكَ] [مِنْهُ] عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ.
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْرًا "

أم علي طويلبة علم
2018-07-05, 03:41 PM
آمـيـن

أم علي طويلبة علم
2018-07-06, 12:12 AM
ثم ساق الإمام - رحمه الله - حديث ابن عباس أنه قال: لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن قال: (إنك تأتي قوما من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله) وفي رواية: (إلى أن يوحدوا الله):
هذا موطن الشاهد، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاذا أن يكون أول ما يدعو إليه هو: شهادة أن لا إله إلا الله، وفسَّرتها الرواية الأخرى للبخاري في كتاب التوحيد من صحيحه، وهي بلفظ: (إلى أن يوحدوا الله).

فالدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله مأمور بها، وهي: الدعوة إلى التوحيد. فالنبي عليه الصلاة والسلام أمر معاذا أن يدعو أهل اليمن، وكانوا من أهل الكتاب، يعني: من أهل الكتاب المُتَعبدين بالتوراة والإنجيل، فبعضهم كان من اليهود، وبعضهم من النصارى، أما المشركون فيهم فهم قليل، وأكثرهم كان على إحدى الملتين.

قال العلماء: قوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ:(إنك تأتي قوما أهل الكتاب) فيه توطين وتوطئة للنفس بأن يهيئ نفسه لمناظرتهم، وقد كان معاذ بن جبل رضي الله عنه من العلماء بدين الإسلام، ومن علماء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فقال له عليه الصلاة والسلام ذلك ليهيئ نفسه لمناظرتهم ولدعوتهم، ثم أمره أن يكون أول ما يدعوهم إليه أن يوحدوا الله - جل وعلا -.

وفي إعراب قوله: (فليكن أول ما تدعوهم شهادة أن لا إله إلا الله) وجهان:

الأول: برفع قوله: (أولُ) على أنه اسم لـ (يكن)، ونصب قوله (شهادة) على أنه الخبر. فيكون المعنى على هذا الوجه: أنه أخبره عن الأولية، فابتدأ بالأولية ثم أخبره بذلك الأول.

الثاني: بنصب قوله: (أولَ) على أنه خبر لـ (يكن) مقدم، ورفع قوله (شهادة) على أنه اسمها مؤخر، فيكون المعنى على هذا الوجه: الإخبار عن الشهادة بأنها أول ما يُدعى إليه.
وهذان الوجهان جائزان. والمشهور هو الوجه الثاني يعني: بجعل (أول) منصوبة؛ وذلك لأن مقام ذكر الشهادة والابتداء بها هو الأعظم، وهو المقصود؛ ليلتفت السامع والمتلقي - وهو معاذ - إلى ما يُراد منه أن يُخْبَر به من جهة الشهادة.

فموطن الشاهد من هذا الحديث، ومناسبة إيراده في الباب: هو ذكر أن التوحيد هو أول ما يدعى إليه، وهو شهادة أن لا إله إلا الله.

أم علي طويلبة علم
2018-07-14, 12:08 AM
ثم ساق في الباب أيضا حديث سهل بن سعد الذي في الصحيحين (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: ))لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه، ((فبات الناس يدوكون ليلتهم ...).

قوله: (بات) البيتوتة هي: المكث في الليل سواء أكان نوم أو لم يكن.

ومعنى قوله: (يدوكون ليلتهم) أي: يخوضون في تلك الليلة، و (باتوا) يعني ظلوا ليلا يتحدثون من دون نوم، لِعِظَمِ هذا الفضل الذي ذكره عليه الصلاة والسلام.


قال: ... (فلما أصبحوا غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال: ((أين علي بن أبي طالب؟)) فقيل: هو يشتكي عينيه، فأرسلوا إليه، فأُتي به فبصق في عينيه، ثم دعا له، فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية،فقال: ((انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام... )).

فقوله: ((انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام...)) هذا هو موطن الشاهد والمناسبة من إيراد هذا الحديث في الباب.

قال: ((ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه)). فالدعوة إلى الإسلام هي الدعوة إلى التوحيد؛ لأن أعظم أركان الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وضم إليها عليه الصلاة والسلام أيضا أن يدعوهم إلى حق الله فيه، يعني: إلى ما يجب عليهم من حق الله فيه.

فقوله: (( وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه...)) يعني في الإسلام، من جهة التوحيد، ومن جهة الفرائض، واجتناب المحرمات؛
ولهذا يجب أن تبدأ بالدعوة أولا إلى أصل الإسلام، وهو: التوحيد، وبيان معنى الشهادتين ثم بيان المحرمات، والواجبات؛ لأن أصل الأصول هو أولى الواجبات بالتقديم.

ومما يلاحظ - هنا - أن آية سورة يوسف فيها بيان أن كل الصحابة كانوا دعاة إلى الله - جل وعلا - وإلى التوحيد، وحديث معاذ يبين أن معاذا كان من الدعاة إلى الله، وقد فصل فيه نوع تلك الدعوة إلى الله جل وعلا وكذلك حديث سهل بن سعد الذي فيه قصة علي،فيه أيضا الدعوة إلى الإسلام، فيكون هذان الحديثان كالتفصيل لقوله في الآية: {أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}
فالدعوة على بصيرة هي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وهي الدعوة إلى توحيده وإلى الإسلام، وما يجب على العباد من حق الله فيه.

أم علي طويلبة علم
2018-10-25, 07:02 PM
باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله


سبق بيان أن التوحيد هو: شهادة أن لا إله إلا الله؛ ولهذا قال العلماء: إن العطف في قوله: " التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله " من عطف المترادفات.
ولكن هذا فيه نظر من جهة أن الترادف غير موجود، أعني: الترادف الكامل، لكن ترادف ناقص موجود فيكون هذا - إذًا - من قبيل عطف المترادفات التي يختلف بعضها عن بعض في بعض المعنى.

وقوله هنا: " باب تفسير التوحيد " يعني: الكشف والإيضاح عن معنى التوحيد، وقد تقدم أن التوحيد هو: اعتقاد أن الله - جل وعلا - واحد في ربوبيته لا شريك له، واحد في إلهيته لا ند له، واحد في أسمائه وصفاته لا مِثْل له، سبحانه وتعالى، قال -جل وعلا-: {ليس كمثله شئ وهو السميع البصير}، وذلك يشمل أنواع التوحيد جميعا، فالتوحيد - إذًا - هو اعتقاد أن الله واحد في هذه الثلاثة أشياء.


قوله: "... وشهادة أن لا إله إلا الله " يعني: تفسير شهادة أن لا إله إلا الله، فهذه الشهادة هي أعظم كلمة قالها مكلَّف، ولا شيء أعظم منها؛ وذلك لأن معناها هو الذي قامت عليه الأرض والسماوات، وما تعبَّد المتعبدون إلا لتحقيقها ولامتثالها.


والشهادة تارة تكون شهادة عن حضور وبصر، وتارة تكون شهادة عن علم، بمعنى أنه: إما أن يشهد على شيء حضره ورآه، أو يشهد على شيء علمه، فهذان معنيان للشهادة. فإذا قال قائل: أشهد، فيحتمل أنها بمعنى: المشاهدة والرؤية ويحتمل أنها بمعنى العلم. ومعنى الشهادة في قولنا: أشهد أن لا إله إلا الله، شهادة علمية؛ ولهذا تضمن قوله: أشهدُ، العلمَ.


والشهادة في اللغة، والشرع، وفي تفاسير السلف لآي القرآن التي فيها لفظ (شهد) كقـوله:
{شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم}. وكقوله: {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} تتضمن أشياء:

الأول: الاعتقاد بما سينطق به، والاعتقاد بما شهده فكونه يشهد أن لا إله إلا الله يستلزم أنه اعتقد بقلبه معنى هذه الكلمة من علم ويقين؛ لأن الشهادة فيها الاعتقاد، والاعتقاد لا يسمى اعتقادا إلا إذا كان ثمَّ علم ويقين.


الثاني: التكلم بها، فالشهادة كما أنها تقتضي اعتقادا؛ فإنها تقتضي - أيضا - إعلاما ونطقا.


والثالث: الإخبار بذلك، والإعلام به، فينطق بلسانه، وهذا من جهة الواجب، ويخبر غيره بما شهد، وهذا من جهة (الشهادة).

فيكون معنى: أشهد أن لا إله إلا الله: أعتقد وأتكلم، وأعلم، وأخبر: بأن لا إله إلا الله. فافترقتْ بذلك عن حال الاعتقاد، وافترقتْ كذلك عن حال القول، كما افترقت - أيضا - عن حال الإخبار المجرد عن الاعتقاد، فلا بد لتحققها من حصول الثلاثة مجتمعة؛ ولهذا نقول في الإيمان إنه: اعتقاد بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان.