المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معاني وغريب القرآن " موضوع متجدد "



عبدالرحيم آل حمودة
2017-02-19, 08:45 AM
{ وَكَأْسًا دِهَاقًا} النبأ: 34
قوله ( وَكَأْسًا ): الكأس كل إناء فيه شراب فهو كاس، فإذا لم يكن فيه شراب. فليس بكأس.
قاله الزجاج في معاني وإعراب القرآن.
قوله ( دِهَاقًا ): ممتلئا، مكتظا؛ متتابعا غير منقطع لا ينفد، ولا تشوبه شائبة؛ بخلاف ما عهده الشُّرابُ في الدنيا.
فقد لا يملئ لهم الكأس بتمامه، أو لا يتتابع لهم الشراب، أو ينقطع شرابهم لكونه نفد، أو لا يقدر على شرب المزيد؛ إما لمطلق الزيادة، أو قبح الشراب.
قال عبدالله بن حسنون السامري في اللغات في القرآن، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن: يعني ملأى بلغة هذيل.
وهو قول ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل، وأبي عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: أي ملأى.
وبه قال السمين الحلبي في الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، وابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن.
وهو قول الجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور، والبقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، وابن أبي زمنين في تفسيره، والواحدي في الوجيز.
سوى أنهم قالوا: ممتلئة.
وقال التستري في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل: أي مملوءة.
وزاد التستري: متتابعة.
قال الألوسي في روح المعاني: يقال: دهق فلان الحوض وأدهقه أي: ملأه.
قال ابن عطية في المحرر الوجيز: «الدهاق» : المترعة(1) فيما قال الجمهور.
قال مكي: ملأى من الخمر مترعة.
وقال ابن عباس: دِهَاقًا: قال: الكأس: الخمر. والدهاق: الملآن.
حكاه نافع بن الأزرق في مسائله.
و روى ابن أبي حاتم في تفسيره عن عباس: "وكأسا دهاقا" قال: ممتلئا.
قال الزجاج في معانيه: ومعنى دهاقا مليء، وجاء في التفسير أيضا أنها صافية.
قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: والمراد بالكأس الخمر، قال الضحاك: كل كأس في القرآن فهو خمر، التقدير. وخمرا ذات دهاق، أي عصرت وصفيت بالدهاق.
المعنى الإجمالي للآية:
يقول: وكأسا ملأى متتابعة على شاربيها بكثرة وامتلاء، وأصله من الدهق: وهو متابعة الضغط على الإنسان بشدة وعنف، وكذلك الكأس الدهاق: متابعتها على شاربيها بكثرة وامتلاء.
قاله أبو جعفر الطبري.
..............

(1): قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: [ترع] حوضٌ تَرَعٌ بالتحريك، وكوزٌ ترع، أي ممتلئ.
وقد ترع الإناء بالكسر، يَتْرَعٌ تَرَعاً، أي امتلأ. وأَتْرَعْتُهُ أنا، وجَفْنَةٌ مُتْرَعَةٌ.
قال ابن فارس في مجمل اللغة: وأترعتُ الإناء: ملأته، وجفنة مترعة.
قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: وأدهَق الكأس: ملأها.
وفي المعجم الوسيط: (الدهاق) يُقَال كأس دهاق مترعة ممتلئة ومتتابعة على شاربيها وصافية وَمَاء دهاق كثير.
............
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك (واتساب)، للإبلاغ عن خطأ:00966509006424
تليجرام: https://t.me/abdelrehim19401940

عبدالرحيم آل حمودة
2017-02-19, 08:55 AM
( هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) الحديد (4)
هذه الآية؛ عظيمة الشأن جليلة القدر؛ وصف الله فيها نفسه بصفات؛ فلا تلقه إلا بقلب سليم؛ مؤمنا بها على مراد الله، ومراد أعلم الخلق بربه_ صلوات الله وسلامه عليه _ و كما اعتقد صحبه_ رضي الله عنهم _ ومن تبعهم بإحسان، وأجمع عليه سلف الأمة.
وبصدد هذه الآية سأشير إلى شيء من موضوعها؛ مبينا عقيدة الصحابة_ رضي الله عنهم _وأتباعهم بإحسان من سلف هذه الامة؛ ولن استطرد كثيرا، وعسى أن يأتي في حينه ( إن شاء الله )؛ في كتابي تفسير معاني وغريب القرآن.
فهو سبحانه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلا وأحسن حديثا من خلقه، ورسله صادقون مصدقون؛ بخلاف الذين يقولون عليه مالا يعلمون. ولهذا قال الله سبحانه ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين ).
أنظر العقيدة الواسطية.
قوله ( ثم استوى على العرش ): علا، واستقر استقرار يليق بعظمته؛ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
قال أبو عبيدة: علا عليه.
قال ابن قتيبة: أي استقر.
قال عبيد الله السجزيّ الوائلي البكري ( 444 هـ ): وقد سئل مالك بن أنس رحمة الله عليه عن هذه المسألة فأجاب: "بأن الاستواء غير مجهول، والكيفية غير معقولة، الإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة.
قال شيخ الإسلام ( مجموع الفتاوى ): وقال عبد الله بن المبارك ومن تابعه من أهل العلم وهم كثير: إن معنى استوى على العرش: استقر وهو قول القتيبي وقال غير هؤلاء: استوى أي ظهر. وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: استوى بمعنى علا.
قال ابن قتيبةفي ( تأويل مختلف الحديث ): ولو أن هؤلاء رجعوا إلى فطرهم وما ركبت عليه خلقتهم من معرفة الخالق سبحانه، لعلموا أن الله تعالى هو العلي، وهو الأعلى، وهو بالمكان الرفيع، وإن القلوب عند الذكر تسمو نحوه، والأيدي ترفع بالدعاء إليه.
ومن العلو يرجى الفرج، ويتوقع النصر، وينزل الرزق.
قوله ( يعلم ما يلج في الأرض ): أي يعلم ما يدخل فيها؛ من ماء وبذر، وكائن؛ حي أو ميت.
ومنه قوله تعالى ( حتى يلج الجمل ): قال ابن قتيبة: أي يدخل البعير.
قوله ( وما يخرج منها ): من زرع وغيره.
قاله الزجاج.
قال صديق حسن خان: من نبات ومعادن وغيرها.
قوله ( وما ينزل من السماء ): إلى الأرض من شيء قط؛ من ماء، وثلج، وملك، وقضاء وقدر.
قال نجم الدين النيسابوري: من الأقضية والأقدار.
قوله ( وما يعرج فيها ): أي ما يصعد إليها من أعمال العباد، وما يعرج من الملائكة.
قاله الزجاج.
قال صديق حسن خان: أي يصعد إليها من الملائكة وأعمال العباد والدعوات.
قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله ( تعرج الملائكة والروح إليه ): أي تصعد.
وفيه دليل أن الله في السماء؛ كما هو مقرر في الكتاب العزيز، والسنة المتواترة، وفي فطرة من صلحت فطرته من دنس البدعة؛
فهو سبحانه في السماء؛ أي علا السماء، وقد تواترت بذلك النصوص؛ من الوحيين، وأجمع عليه السلف:
فمن ذلك قوله ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فهي تمور ).
قال ابن بطة: أجمع المسلمون من الصحابة والتابعين أن الله على عرشه فوق سمواته بائن من خلقه.
حكاه الذهبي في العلو.
ومن ذلك الرفع والصعود إليه ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ).
وقال النبي: يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل. شطر من حديث رواه مسلم من حديث عبدالله بن قيس.
وقال تعالى ( إني متوفيك ورافعك إلي )،
وقوله وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه)،
قال موفق الدين ابن قدامة: فإن الله تعالى وصف نفسه بالعلو في السماء، ووصفه بذلك محمد خاتم الأنبياء، وأجمع على ذلك جميع العلماء من الصحابة الأتقياء والأئمة من الفقهاء، وتوارترت الأخبار بذلك على وجه حصل به اليقين، وجمع الله تعالى عليه قلوب المسلمين، وجعله مغروزا في طباع الخلق أجمعين، فتراهم عند نزول الكرب بهم يلحظون السماء بأعينهم، ويرفعون نحوها للدعاء أيديهم، وينتظرون مجيء الفرج من ربهم، وينطقون بذلك بألسنتهم لا ينكر ذلك إلا مبتدع غال في بدعته، أم مفتون (بتقليده) واتباعه على ضلالته. انتهى كلامه
وقوله ( وهو العلي العظيم )،
وقوله ( سبح اسم ربك الأعلى )،
وقوله ( وهو القاهر فوق عباده )،
وقوله ( يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون )،
وقوله ( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض)،
وقوله ( إنا نحن نزلنا الذكر )،
وفي الحديث؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم «ثُمَّ عُرِجَ بِي، حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ»
شطر من حديث متفق عليه من حديث أنس عن أبي ذر_ رضي الله عنهما.
ولما رواه مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي؛ وفيه: قال _ النبي صلى الله عليه وسلم _ للجارية: «أين الله؟» قالت: في السماء، قال: «من أنا؟» قالت: أنت رسول الله، قال: «أعتقها، فإنها مؤمنة».
ومن ذلك ما تواتر عنه_ صلوات الله وسلامه عليه_ من رفع يديه إلى السماء في الدعاء كما ورد في عشرات الأحاديث . وهذا إثبات للعلو بالفعل .
قال أبو بكر الصديق؛ عند موت النبي: ومن كان يعبد الله الذي في السماء فإن الله حي لايموت. أورده أحمد فريد في الثمرات الزكية.
انتهى
قوله ( وهو معكم أينما كنتم ): معية علم وإحاطة؛ ليس مختلطا بالخلق.
قال مرعي بن يوسف الكرمي: فإنه يقال ما زلنا نسير والقمر والنجم معنا؛ وإن كان فوق رأسك فالله مع خلقه حقيقة وهو فوق عرشه.
قال ابن جرير الطبري: يقول: وهو شاهد لكم أيها الناس أينما كنتم يعلمكم، ويعلم أعمالكم، ومتقلبكم ومثواكم، وهو على عرشه فوق سمواته السبع.
وقال ابن كثير: أي رقيب عليكم ، شهيد على أعمالكم حيث أنتم ، وأين كنتم ، من بر أو بحر ، في ليل أو نهار ، في البيوت أو القفار ، الجميع في علمه على السواء ، وتحت بصره وسمعه ، فيسمع كلامكم ويرى مكانكم ، ويعلم سركم ونجواكم.
قال صديق حسن خان: بقدرته وسلطانه وعلمه عموماً، وبفضله ورحمته خصوصاً، فليس ينفك أحد من تعليق علم الله تعالى وقدرته به أينما كان من أرض أو سماء، بر أو بحر، وقيل هو معكم بالحفظ والحراسة، قال ابن عباس: عالم بكم، وهذا تمثيل للإحاطة بما يصدر منهم، أينما داروا في الأرض من بر وبحر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (شرح حديث النزول) : لفظ المعية في سورة الحديد والمجادلة، في آيتيهما، ثبت تفسيره عن السلف بالعلم. وقالوا:
هو معهم بعلمه. وقد ذكر الإمام ابن عبد البر وغيره أن هذا إجماع من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولم يخالفهم أحد يعتدّ بقوله. وهو مأثور عن ابن عباس والضحاك ومقاتل بن حيان وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وغيرهم. قال ابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية: هو على العرش وعلمه معهم، وهكذا عمن ذكر معه.
حكاه القاسمي في محاسن التأويل.
قال ابن عبدالبر: أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل؛ قالوا في تأويل قوله ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ): هو على العرش وعلمه في كل مكان وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله.
حكاه الذهبي في العلو.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية: وليس معنى قوله: ( وهو معكم ) أنه مختلط بالخلق؛ فإن هذا لا توجبه، اللغة، بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته، وهو موضوع في السماء، وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان. وهو سبحانه فوق عرشه، رقيب على خلقه، مهيمن عليهم، مطلع عليهم إلى غير ذلك من معاني ربوبيته. وكل هذا الكلام الذي ذكره الله ـ من أنه فوق العرش وأنه معنا ـ حق على حقيقته، لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة؛ مثل أن يظن أن ظاهر قوله: ( في السماء )، أن السماء تظله أو تقله، وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان؛ فإن الله قد وسع كرسيه السموات والأرض، وهو يمسك السموات والأرض أن تزولا، ويمسك السماء أن تقع على الأرض؛ إلا بإذنه، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره.
انتهى
_____
المصدر:
غريب القران لابن قتيبة، غريب القران لابي بكر السجستاني، التبيان لأبي بكر السجستاني، معاني القرآن للزجاج، معاني القرآن للنحاس، مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى، إيجاز البيان عن معاني القرآن لنجم الدين النيسابوري، تفسير الطبري، تفسير ابن كثير، فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان، محاسن التأويل للقاسمي، مختلف الحديث لابن قتيبة، سالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت، العلو للذهبي، العقيدة الواسطية، إثبات صفة العلو لأبي محمد موفق الدين ابن قدامة المقدسي، مجموع الفتاوى لابن تيمية.

عبدالرحيم آل حمودة
2017-02-19, 06:00 PM
قوله تعالى
{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23)} الانشقاق.

*قوله ( يُوعُونَ):* أي يجمعون.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، والجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور، وبه قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ، والنسفي في مدارك التنزيل، وغيرهم.

زاد ابن الجوزي: في قلوبهم.

زاد أبو حيان: يجمعون في صدورهم من التكذيب.

زاد أبو بكر السجستاني: في صدورهم من التكذيب بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، كما يوعى المتاع في الوعاء.

زاد الجرجاني: في صدورهم ويضمرونه من العداوة والمكر.

وقال الكفوي في الكليات: يضمرون في صدورهم من الكفر والعداوة.

قال الفراء في معاني القرآن: الإيعاء:، ما يجمعون في صدورهم من التكذيب والإثم.

قال السمعاني في تفسيره: أي: يكتمون ويجمعون في صدورهم.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: يجمعون في صدورهم وقلوبهم يقال: أوعيت المتاع؛ إذا جعلته في الوعاء.

وقال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: أي بما يجمعون في صدورهم من الكفر والتكذيب أو بما يجمعون في صحائفهم، يقال أوعيت المال وغيره إذا جمعته.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( كَلَّا إِنَّهَا لَظَى . نَزَّاعَةً لِلشَّوَى . تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى . وَجَمَعَ فَأَوْعَى ): " وَجَمَعَ فَأَوْعَى ": قال الطبري في تفسيره: يقول: وجمع مالا فجعله في وعاء، ومنع حق الله منه، فلم يزك ولم ينفق فيما أوجب الله عليه إنفاقه فيه.

قال السمعاني في تفسيره: أي: جمع المال فأوعاه، أي: جعله في وعاء وأوكأ.

قال البغوي في تفسيره: {وجمع} أي: جمع المال {فأوعى} أمسكه في الوعاء ولم يؤد حق الله منه.

قال نجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن: جعله في وعاء فلم يفعل زكاة ولم يصل رحما.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: يعني: جمع المال فأوعاه.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: جمع المال ومنع حق الله تعالى.

قال القرطبي في تفسيره: أي جمع المال فجعله في وعائه ومنع منه حق الله تعالى، فكان جموعا منوعا.

قال السمين الحلبي في العمدة: أي جمع الأمتعة والأموال في أوعيتها، أي أنه لم يكن مفرطًا في دنياه بل شديد الحرص عليها. انتهى

والحمد لله أن ما ذكرته وافق ما قاله الفخر الرازي في التفسير الكبير؛ حيث قال - رحمه الله وعفى عنه -:
( والله أعلم بما يوعون ) فأصل الكلمة من الوعاء، فيقال: أوعيت الشيء أي جعلته في وعاء كما قال: ( وجمع فأوعى ) والله أعلم بما يجمعون في صدورهم من الشرك والتكذيب فهو مجازيهم عليه في الدنيا والآخرة.
فله الحمد الحسن والثناء الجميل.
.................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الاجتماعية الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب القرآن - عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".

عبدالرحيم آل حمودة
2017-02-21, 10:28 AM
قوله تعالى
{وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ}: الشعراء (148)

*قوله {طَلْعُهَا}:* طلع النخلة كفراها، وهو أول ما يبدو من ثمرها.
قاله الجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور.

قال البغوي في تفسيره، والواحدي في الوجيز، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب: أي ثمرها.

زاد البغوي: *يريد ما يطلع منها من الثمر.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ}: "طَلْعُهَا": ما يطلع منها؛ وهو ثمرها.

قال النحاس في معاني القرآن: أي ثمرها كأنه أول ما يطلع منها.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: أي ما طَلَعَ منها.

*قوله {هَضِيمٌ}:* منهضم، أو مهضوم. وهو فعيل بمعنى مفعول؛ وقد سبق - بحمد الله - ذكر الآيات التي التي في معناها؛ نحو قوله تعالى {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا}: الرقيم: أي المرقوم؛ وهو الكتاب. كما في قوله {كتاب مرقوم}: أي مكتوب.

وقوله {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ}: قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، والطبري، والسمعاني في تفسيره: أي منضود.
زاد الطبري: بعضه على بعض متراكب.

فقوله تعالى {هَضِيمٌ}: أي منهضم.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، ومكي بن حموش في تفسير المشكل من غريب القرآن.

قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط: أي مريء، وهضيم - أيضا - ناعم.

قال النسفي في مدارك التنزيل: لين نضيج ؛كأنه قال ونخل قد أرطب ثمره.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: والهضيم: اللين الرطب، فالمعنى طلعها يتم ويرطب.

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: ثمرها يانع لين نضيج.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أي منضم قبل أن ينشق عنه القشر.

وقال ابن عباس: متصل بعضه إلى بعض.
حكاه نافع ابن الأزرق في مسائله لابن عباس.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: الهضيم: الداخل بعضه في بعض، وهو فيما قيل أن رطبه بغير نوى، وقيل الهضيم الذي يتهشم تهشما.
والهضيم في اللغة الضامر الداخل بعضه في بعض ولا شيء في الطلع أبلغ من هذا.

وقال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: {هضيم} أي جواد كريم من قولهم: يد هضوم - إذا كانت تجود بما لديها، وتفسيره بذلك يجمع أقوال العلماء، وإليه يرجع ما قال أبو عبد الله القزاز معناه أنه قد هضم - أي ضغط - بعضه بعضا لتراكمه، فإنه لا يكون كذلك إلا وهو كثير متقارب النضد، لا فرج بينه، ولطيف لين هش طيب الرائحة، من الهضم بالتحريك، وهو خمس البطن ولطف الكشح؛ والهاضم وهو ما فيه رخاوة، والهضم: البخور، والمهضومة: طيب يخلط بالمسك واللبان؛ قال الرازي في اللوامع: أو يانع نضيج لين رخو ومتهشم متفتت إذا مس، أو يهضم الطعام، وكل هذا يرجع إلى لطافته.

قال الواحدي في البسيط: الهضيم معناه في اللغة: كسر ما فيه رخاوة ولين. تقول: هضمته فانهضم كالقصبة المهضومة التي يزمر بها، والهضيم بمعنى المهضوم فيدخل في هذا اللين، واللطيف، والرخص، واليانع، والنضيج، والمنضم، والمتراكب؛ لأنه إذا تراكب صار كأن كل واحد قد نقص منه شيء، وكذلك: المنهشم. ويكون الهضيم بمعنى النقصان وهو نوع من الكسر، يقال: هضم له من حقه إذا كسر له منه. واللطيف في وصف الثمر هو: الرقيق الجسم؛ سمي هضيما لنقصانه، كما يقال: هضيم الحشا.

قال الطبري في تفسيره: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: الهضيم: هو المتكسر من لينه ورطوبته، وذلك من قولهم: هضم فلان حقه: إذا انتقصه وتحيفه، فكذلك الهضم في الطلع, إنما هو التنقص منه من رطوبته ولينه إما بمسّ الأيدي, وإما بركوب بعضه بعضا، وأصله مفعول صرف إلى فعيل.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا}: " فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا ": أي لا يخاف أن يمنع الثواب كله. وقوله {وَلَا هَضْمًا}: ولا نقصا؛ أي لا ينقص من ثوابه ولو مثقال ذرة، سيوفى ثوابه كاملا؛ فذلك قوله { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}.

قال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن: أي لا يخاف ظلما فلا يظلم بأن يحمّل ذنب غيره عليه. ولا هضما: أي ولا يهضم فينقص من حسناته أو يعطى منها شيء لغيره، يقال: هضمه واهتضمه، إذا نقصه حقّه.

قال الفراء في معاني القرآن: تقول العرب: هضمت لك من حقي أي حططته.

انتهى كلامه.


فقوله {ولا هضما}: نقصا.
قاله أبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الاريب، وابو حيان الأندلسي في تحفة الأريب.

وقال - أيضا - أبو بكر السجستاني: أي ولا يهضم فينقص من حسناته. يقال: هضمه واهتضمه إذا نقصه حقه.

قال غلام ثعلب في الياقوتة: الهضم: النقص.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {ولا هضما}: أي نقصة. يقال: تهضمني حقي وهضمني. ومنه هضيم الكشحين: أي ضامر الجنبين، كأنهما هضما. وقوله: {ونخل طلعها هضيم} أي منهضم.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: الهضم: النقص، يقال فلان يهضمني حقي أي ينقصني، كذلك هذا شيء يهضم الطعام، أي ينقص ثقلته.

قال السمين الحلبي في الدر المصون: ورجل هضيم ومُهْتَضَم أي: مظلومٌ. وهَضَمْتُه واهْتَضَمْتُه وتَهَضَّمْتُه، كلٌ بمعنىً. اقل المتوكل الليثي:
إنَّ الأذِلَّةَ واللِّئامَ لَمَعْشَرٌ ... مَوْلاهُمُ المُتَهَضِّمُ المظلومُ
قيل: والظلمُ والهَضْمُ متقاربان. وفَرَّق القاضي الماوردي بينهما فقال: «الظلمُ مَنْعُ جميعِ الحقِّ، والهضمُ مَنْعُ بعضِه».

................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الاجتماعية الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب القرآن - عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".

عبدالرحيم آل حمودة
2017-02-23, 12:08 PM
قوله تعالى
{ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ}: سورة: عبس (22).

*قوله {ثُمَّ}:* و.
عطف على سبق ذكره في قوله {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ}.

*قوله {شَاءَ}:* الله.

*قوله {أَنْشَرَهُ}:* أحياه.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وابن الهائم في التبيان، وبيان الحق النيسابوري في باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن، والسمعاني في تفسيره.

زاد السمعاني: وبعثه.

وزاد الواحدي: بعد موته.

وزاد بيان الحق: أنشره الله فنشر.

قال الحربي في المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث: والإنشار بمعنى الإحياء من قوله تعالى: {ثم إذا شاء أنشره}.

قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، وابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: أي بعثه.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: وقوله عز وجل: (ثم إذا شاء أنشره)
معناه بعثه، يقال: أنشر الله الموتى، فنشروا، فالواحد ناشر. قال الشاعر:
حتى يقول الناس مما رأوا. . . يا عجبا للميت الناشر.

انتهى.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ}: قال النسفي في مدارك التنزيل ، وابن قتيبة في الغريب، وابن الهائم في التبيان، وابن الجوزي في تذكرة الأريب: {هم ينشرون} أي يحيون الموتى.

قال ابن كثير في تفسيره: أي أهم يحيون الموتى وينشرونهم من الأرض، أي لا يقدرون على شيء من ذلك، فكيف جعلوها لله ندا وعبدوها معه؟.

قال السمرقندي في بحر العلوم: " هم ينشرون "، يعني: هل يحيون تلك الآلهة شيئا.

انتهى.

ومنه {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}: قال الطبري في تفسيره: يقول جل ثناؤه: فأحيينا به بلدة من بلادكم ميتا، يعني مجدبة لا نبات بها ولا زرع، قد درست من الجدوب، وتعفنت من القحوط.

قال البغوي في تفسيره: أي كما أحيينا هذه البلدة الميتة بالمطر كذلك، {تخرجون} من قبوركم أحياء.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجازه، والواحدي في الوجيز: «فأنشرنا به بلدة ميتا» أي أحيينا.

زاد ابن المثنى: ونشرت الأرض أي حييت.
قال أبو السعود في تفسيره: أي أحيينا بذلك الماء.

قال السمرقندي في بحر العلوم: فأنشرنا به يعني: أحيينا بالمطر بلدة ميتا يعني: أرضا ميتة، لا نبات فيها كذلك تخرجون أنتم من قبوركم.

انتهى.

ومنه {إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ}:ق ال ابن قتيبة في الغريب، وابن الهائم في التبيان: {وما نحن بمنشرين} أي بمحيين.

إلا أن ابن الهائم قال: محيين. ( بدون باء ).

انتهى.

ومنه {وَالنَّاشِرَات نَشْرًا}: أي الرياح تنشر المطر؛ الذي فيه إحياء الأرض. كما في قوله { وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ}.

قال ابن قتيبة في الغريب: الرياح التي تأتي بالمطر؛ من قوله: {وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته}.

قال عبدالرحمن بن ناصر السعدي في تفسيره؛ في قوله تعالى "{والناشرات نشرا} يحتمل أنها الملائكة، تنشر ما دبرت على نشره، أو أنها السحاب التي ينشر بها الله الأرض، فيحييها بعد موتها ".

قال الشنقيطي في أضواء البيان: واستظهر ابن كثير أنها الرياح، لقوله تعالى: {وأرسلنا الرياح لواقح} وقوله: {وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته}.

انتهى

ومنه {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا}: قال ابن الهائم في التبيان: " نُشُورًا ": الحياة بعد الموت.

انتهى.

ومنه {بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا}: أي لا يخافون بعثا بعد الموت.

قال معمر بن المثنى في المجاز: مصدر نشر الميت نشورا وهو أن يبعث ويحيا بعد الموت.

قال الشنقيطي في أضواء البيان: أي: لا يخافون بعثا ولا جزاء، أو لا يرجون بعثا وثوابا.

انتهى.

ومنه {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا}: أي جعل النهار حياة بعدما أماتهم بالليل. والنوم وفاة كما قال تعالى ( وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ).

قال الواحدي في الوجيز: {وجعل النهار نشورا} حياة تنتشرون فيه من النوم.

انتهى.

ومنه ما يقال عند الاستيقاظ من النوم: «الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا، وإليه النشور». (1)

قال الخليل بن احمد الفراهيدي في العين: والنشور: الحياة بعد الموت.

قال الزبيدي في تاج العروس: النَّشْرُ إحياءُ المَيِّت، كالنُّشورِ والإنشارِ، وَقد نشَرَ اللهُ المَيِّتَ ينشُره نَشْراً ونُشوراً وأَنْشَرَه: أَحياهُ.
...................
(1): شطر من حديث رواه مسلم (2711) من حديث البراء بن عازب.

.................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الاجتماعية الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب القرآن - عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".

عبدالرحيم آل حمودة
2017-02-23, 10:38 PM
قوله تعالى
{وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا}: النبأ: 9.

*وَجَعَلْنَا:* خلقنا، وصيرنا.

*نَوْمَكُمْ:* بالليل.

*سُبَاتًا:* أي راحةً لأبدانكم؛ من غير موت.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: ليس بموت، رجل مسبوت فيه روح.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: والسبات أن ينقطع عن الحركة والروح في بدنه، أي جعلنا نومكم راحة لكم.

قال بيان الحق النيسابوري في باهر البرهان في توضيح مشكلات القرآن: قطعا لأعمالكم وراحة لأبدانكم.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: أي راحةً لأبدانكم.

زاد ابن قتيبة: وأصل "السَّبْت": التمدُّد.

قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط: أي قطعا، والسبت: القطع، فكأنه إذا نام فقد انقطع عن الناس.
........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك (واتساب)، للإبلاغ عن خطأ:00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-02-24, 02:10 PM
قوله تعالى
{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا}: النبأ: 10

*قوله {لِبَاسًا}:* أي سِترًا.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، والنحاس في معاني القرآن.

زاد ابن قتيبة: لكم.
قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: سكونا يسكنون فيه.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: أي تسكنون فيه وهو مشتمل عليكم.

قال الجصاص في أحكام القرآن: وقد سمى الله تعالى الليل لباسا؛ لأنه يستر كل شيء يشتمل عليه بظلامه.

قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: وجعلنا الليل لكم غشاء يتغشاكم سواده، وتغطيكم ظلمته، كما يغطي الثوب لابسه لتسكنوا فيه عن التصرف لما كنتم تتصرفون له نهارا.
....................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الاجتماعية الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب القرآن - عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".

عبدالرحيم آل حمودة
2017-02-25, 03:08 PM
*(معاني وغريب القرآن).*

الكاتب/ عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
...............

قوله تعالى
{وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ}: سورة النبأ: 14.

*قوله (مِنَ الْمُعْصِرَات):* يعني من السحاب. والواحد المعصر بلغة قريش.
ذكره عبدالله بن حسنون السامري في اللغات.

فقوله (الْمُعْصِرَات): السحاب.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، والسمرقندي في بحر العلوم، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، والسمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ، وابن الهائم في التبيان في غريب القرآن، والشوكاني في فتح القدير، وغيرهم.

وبه قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن، ومكي بم حموش القيسي في الهداية إلى بلوغ النهاية، والراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن، ونجما لدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن، والبقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور.

إلا أنهم قالوا: أي السحائب.

زاد ابن الهائم: التي قد حان لها أن تمطر.

قال نجم الدين النيسابوري: السّحائب التي دنت أن تمطر، كالمعصرة التي دنت من الحيض.

زاد الراغب: التي تَعْتَصِرُ بالمطر.

وزاد الزجاج: لأنها تعصر الماء.

وزاد البقاعي: التي أثقلت بالماء فشارفت أن يعصرها الرياح فتمطر كما حصد الزرع - إذا حان له أن يحصد.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: والمعصرات هي السحاب وهو مأخوذ من العصر لأن السحاب ينعصر فينزل منه الماء أو من العصرة بمعنى الإغاثة. ومنه: وفيه يعصرون.

قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ: هي السحاب لأنها تعتصر المطر، أي تعض به.

قال نافع بن الأزرق: يا ابن عباس: أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ: وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً.
قال: المعصرات: السحاب يعصر بعضها بعضا فيخرج الماء من بين السحابتين.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت نابغة بني ذبيان وهو يقول:
تجرّ بها الأرواح من بين شمأل ... وبين صبا بالمعصرات الدوامس».

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: والمعصرات: سحابات تمطر.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والمعصرات : بضم الميم وكسر الصاد السحابات التي تحمل ماء المطر واحدتها مُعصرةِ اسم فاعل من : أعْصَرَتْ السحابةُ ، إذا آن لها أن تَعْصِر ، أي تُنزل إنزالاً شبيهاً بالعَصْر .

وقيل {المعصرات}: الرياح.

قال الطبري في تفسيره: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أنه أنزل من المعصرات - وهي التي قد تحلبت بالماء من السحاب ماء.

قال ابن كثير في تفسيره: والأظهر أن المراد بالمعصرات : السحاب ، كما قال [ الله ] تعالى : (الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله) [ الروم : 48 ] أي: من بينه.

عبدالرحيم آل حمودة
2017-02-26, 06:08 PM
*(تفسير غريب ومعاني القرآن).*

الكاتب، والمشرف العام/ عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
...........
قوله تعالى
{وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا}: النبأ: 14.

*قوله {الْمُعْصِرَاتِ} :* السحاب.
وقيل الرياح.

قال القرطبي: وأصح الأقوال أن المعصرات السحاب.

وقد سبق بيانه مفصلا - بحمد الله -.

*قوله {ثَجَّاجًا}:* أي سَيَّالا، منصبا متتابعا، غزيرا، متدفقا بشدة، وكثرة؛ مدرارا؛ يتبع بعضه بعضا.
يقال: ثججت الماء أثجه ثجا إذا صببته صبا كثيرا.

قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: الثج: الصب الكثير.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: والثجاج السريع الاندفاع.

قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ: أي شديد الانصباب.

قال الطبري في تفسيره: يقول: ماء منصبا يتبع بعضه بعضا كثجّ دماء البدن، وذلك سفكها.

قال الازهري الهروي في تهذيب اللغة: غزير.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، والسمرقندي في بحر العلوم، والجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور،
وغيرهم: سَيَّالا.

قال مقاتل: (وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا): يعني مطرا كثيرا منصبا يتبع بعضه بعضا.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: منصب بعضه على بعض.

وقال أبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: {ثجاجا}: متدفقا.

قال الواحدي في الوجيز، والبغوي، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والقرطبي في تفسيره، والخازن في لباب التأويل، والجلال المحلي في الجلالين: أي صبابا.

إلا أن الزجاج قال: ومعنى ثجاج صباب.

زاد الخازن: مدرارا متتابعا يتلو بعضه بعضا.

قال الزمخشري في الكشاف، والنسفي في مدارك التنزيل، والسمعاني في تفسيره، وأبو حيان في البحر المحيط، والبقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات، وإلايجي الشافعي في جامع البيان: منصباً.

زاد الزمخشري، والنسفي، وأبو حيان: بكثرة.

وزاد البقاعي: بكثرة يتبع بعضه بعضا.

وزاد الإيجي: لكثرته.

وزاد السمعاني: بعضه في إثر بعض.

وزاد القرطبي: متتابعا.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: و «الثجاج» : السريع*الاندفاع* كما يندفع الدم عن عروق الذبيحة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم وقد قيل له: ما أفضل الحج؟ قال: «العج والثج» أراد التضرع إلى الله بالدعاء الجهير وذبح الهدي.
قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: الثجاج*فاعلم أن الثج شدة الانصباب يقال: مطر ثجاج ودم ثجاج أي شديد الانصباب.

قال البَندنيجي في التقفية في اللغة: والثج: الصب، قال الله جل وعز: {مَاءً ثَجَّاجًا} أحسبه أراد مثجوجا والله أعلم، كما قال: {مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} أي: مدفوق.

قال الأزدي في جمهرة اللغة: ثججت الماء أثجه ثجا إذا صببته صبا كثيرا. وكذلك فسر في التنزيل في قوله جل وعز: {ماء ثجاجا} . وهذا مما جاء في لفظ فاعل والموضع مفعول لأن السحاب يثج الماء فهو مثجوج.



قال السعدي في تفسيره: أي كثيرا جدا.

عبدالرحيم آل حمودة
2017-02-28, 11:21 AM
*(معاني وغريب القرآن).*

الكاتب والمشرف العام/ عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
........................

قوله تعالى
{وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا}: النبأ (16).

*قوله {وَ}:* لنخرج به؛ أي بمطر السحاب، السابق ذكره في قوله ( وأنزلنا من العصرات ماء ثجاجا ).

*قوله {جَنَّاتٍ}:* تقديرة: وثمر جنات.

والجنات: البساتين. واحدها: بستان. ومنه قوله ( فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا ): مِنْ جَنَّتِكَ: من بستانك.

وقوله ( إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَ ا مُصْبِحِينَ ): أصحاب البستان.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: والجنة البستان، وإنما سمي البستان جنة، وكل نبت متكاثف يستر بعضه بعضا فهو جنة، وهو مشتق من جننت الشيء إذا سترته.

قال الطبري في تفسيره: والمعنى: وثمر جنات، فترك ذكر الثمر استغناء بدلالة الكلام عليه من ذكره.

*قوله {أَلْفَافًا}:* أي ملتفة بعضها على بعض مجتمعة، لكثرة شجرها؛ الكثيرة الأغصان.

وفيه تذكير بنعمة الله أن جعلها كذلك، ولو شاء لجعلها شذر مذر؛ أي متفرقة.

قال الجرجاني في درج الدرر، وابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل، وابن فورك في تفسيره، وابن قتيبة في غريب القرآن، والبغوي في تفسيره، والسمعاني في تفسيره، والسمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، والجلال المحلي في الجلالين، والبقاعي في نظم الدرر، وغيرهم: أي مُلْتَفَّةً.

وبه قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن؛ إلا أنه قال: وبساتين ملتفة.

زاد البغوي: بالشجر.

وزاد أبو بكر السجستاني: الشّجر. وَاحِدهَا لف ولفيف. وَيجوز أَن تكون الْوَاحِدَة لفاء، وَجَمعهَا لف، وَجمع الْجمع ألفاف.

زاد الجلال: جمع لفيف كشريف وأشراف.

وزاد البقاعي: الأشجار مجتمعة بعضها إلى بعض من شدة الري.

قال نجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن: مجتمعة بعضها إلى بعض، جنّة لفّاء، وجمعها «لفّ» ، ثم «ألفاف».

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: شجرها ملتفا بعضها في بعض، فأعلم الله تعالى قدرته، أنه قادر على البعث.

قال الطبري في تفسيره: يعني: ملتفة مجتمعة.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى ( فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً ): قال الواحدي في الوجيز: مجتمعين مختلطين.

قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ:*أي منضمًا بعضكم إلى بعض، من لففت الشيء إذا ضممته وجمعته متراكبًا بعضه على بعضٍ لفًا.

ومنه ( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ): قال الواحدي في الوجيز: التفت ساقاه لشدة النزع وقيل: تتابعت عليه الشدائد.

قال الجمل في مخطوطته ( معجم وتفسير لغوي ) أي انضمت إحداهما إلى الأخرى ملتوية حولها. وهذا كناية عن شدة الكرب. وقيل: التفت ساقة عند نزول الموت به، فماتت رجلاه وقد كان جوالا عليهما.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وسيأتي مزيد بحث عند تعرضنا لتأويل سورة القيامة ( إن شاء الله ).

عبدالرحيم آل حمودة
2017-03-01, 11:52 AM
*(تفسير غريب ومعاني القرآن).*

قوله تعالى
{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا} النبأ: (17).

*قوله {إن يوم الفصل}:* يوم القضاء، والحُكم بين الخلائق؛ فيأخذ فيه من بعضهم لبعض، ويفصل فيه في كل أمر تنازع فيه الخلق.

قال القرطبي في تفسيره: وسمي*يومالفصل*لأ ن*الله تعالى يفصل فيه بين خلقه.

قال أبو حيان في البحر المحيط: هو*يوم*القيامة يفصل فيه بين الحق والباطل.*

قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره:*إن*يوم*يفصل الله فيه بين خلقه، فيأخذ فيه من بعضهم لبعض، كان*ميقاتا*لماأن فذ الله لهؤلاء المكذبين بالبعث، ولضربائهم من الخلق.

قال*ابن الجوزي زاد المسير: أي يوم*القضاء بين الخلائق.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {إن*يوم*الفصل} القضاء.

قلت( عبدالرحيم ): في الآية إشارة إلى ما جاء في سورة هود ( ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ . وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ ): قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني وما نؤخر يوم القيامة إلا لأجل موقوت.

قال الطبري: وما نؤخّر يوم القيامة عنكم أن نجيئكم به إلا لأن يُقْضَى، فقضى له أجلا فعدّه وأحصَاه، فلا يأتي إلا لأجله ذلك، لا يتقدم مجيئه قبل ذلك ولا يتأخر.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: إلى حين معلوم.

وكذا فيها إشارة إلى قوله {الحاقَّةُ. مَا الحاقَّةُ. وَما أَدراكَ مَا الحاقَّةُ}: فكما أن من أسماء القيامة {يوم الفصل} لأنه يفصل فيه بين الخلائق، فكذا من أسماءه " الحاقة " لأن فيها حواق ما اختلف فيه في الدنيا؛ فهي تحق الحق، وتبطل الباطل، وتحق الجنة لأهلها، وتحق النار لأهلها.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {الحاقَّةُ}: القيامة؛ لأنها حَقّتْ. فهي حاقة وحقة.
قال الفراء: "إنما*قيل لها حاقة: لأن فيها*حواق*الأمور ، والثواب. و "الحقة": حقيقة الأمر. يقال: لما*عرفت الحقة مني هربت. وهي مثل*الحاقة".

انتهى.

*قوله {كان ميقاتا}:* وقتا، وموعدا محددا، معلوما لدينا، كائنا لا محالة؛ لا يتقدم ولا يتأخر، وهو يوم القيامة.

قال الزركشي في البرهان في علوم القرآن: أي موعدا لجزائكم لو اعتبرتم بما ذكر لكم لعلمتم منه وقوعه وكونه.

قال أبو حيان في البحر المحيط: (كان ميقاتا): أي في تقدير الله وحكمه تؤقت به الدنيا وتنتهي عنده أو حدا للخلائق ينتهون إليه.

قال السمعاني في تفسيره: أي ميعادا للخلائق، وهو يوم*القيامة.
*
قال القرطبي في تفسيره، والجلال المحلي في الجلالين، والإيجي الشافعي في جامع البيان: " ميقاتا ": وقتا.

زاد القرطبي: ومجمعا وميعادا للأولين والآخرين، لما وعد الله من الجزاء والثواب.*

وزاد الجلال: للثواب والعقاب.

وزاد الإيجي: محدودًا تنتهي الدنيا عنده، أو تنتهي الخلائق إليه.

قال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن: مفعالا، من الوقت.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والمعنى : أن ليس تأخر وقوعه دَالاَّ على انتفاء حصوله. والمعنى : ليس تكذيبكم به مما يحملنا على تغيير إبانة المحدد له ولكن الله مستدرجكم مدة.وفي هذا إنذار لهم بأنه لا يُدرَى لعله يحصل قريباً قال تعالى: { لا تأتيكم إلا بغتة } [ الأعراف : 187 ] وقال: { قل عسى أن يَكون قريباً } [ الإسراء : 51 ].

انتهى.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: والمِيقَاتُ: الوقتُ المضروبُ للشيء، والوعد الذي جعل له وَقْتٌ.

قلت (عبدالرحيم) ومنه قوله تعالى {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ}: أي: إن يوم فصل الله بين خلقه*وقت*لجميع الخلق يجتمعون فيه للفصل بينهم.
قاله مكي بن حموش القيسي في الهداية إلى بلوغ النهاية.

قال*النسفي في مدارك التنزيل، وأبو السعود في تفسيره: وقت*موعدهم كلهم.

إلا أن أبا السعود قال: أجمعين.

قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: أي*وقت*جمع الخلائق للحكم بينهم الذي ضرب لهم في الأزل وأنزلت به الكتب على ألسنة الرسل.*

وقال مقاتل بن سليمان في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، وابن الجوزي في زاد المسير، وغيرهم: يعني ميعادهم أجمعين.

ومنه {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ}: لِمِيقَاتِنَا ": أي للميقات الذي وقتناه له.
قاله النحاس في معاني القرآن.

قال الألوسي في روح المعاني: أي لوقتنا الذي وقتناه أي لتمام الأربعين.

ومنه {إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً}:*أي: فرضا مفروضا في أوقات معلومة.
قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط.

قال الجصاص في أحكام القرآن: أي فرضا في أوقات معلومة لها.

قال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن: أي محدود الأوقات.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: أي موقتا وقته الله عليهم.

ومنه {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ}: من الوقت.
قاله النحاس في معاني القرآن.

قال الفراء في معاني القرآن: جمعت لوقتها يوم القيامة.*

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: جمعت لوقت، وهو: يوم القيامة.

قال الأصبهاني في إعراب القرآن: قال مجاهد:
أقتت*بالاجتماع لوقتها يوم القيامة، كما قال تعالى: (يوم يجمع الله*الرسل)، وقيل:*أقتت: أجلت لوقت ثوابها، وقيل:*أقتت: جعل لها وقت يفصل فيها القضاء بين الأمة.

ومنه {إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}:*أي: هو* موقت بوقت محدد ، لا يتقدم ولا يتأخر ، ولا يزيد ولا ينقص.
قاله ابن كثير في تفسيره.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والميقات: هنا لمعنى الوقت والأجل.

قال الألوسي في روح المعاني: والميقات*ما*وقت* ه الشيء أي حد، ومنه مواقيت الإحرام وهي الحدود التي لا يتجاوزها من يريد دخول مكة إلا محرما.

انتهى.

*(فائدة):*

قال الراغب في المفردات: وقد يقال المِيقَاتُ للمكان الذي يجعل وَقْتاً للشيء، كمِيقَاتِ الحجّ.

*(فائدة):*

من أهل العلم من احتج بهذه الآية على أن المراد بقوله تعالى في مطلع السورة ﴿عَمَّ يَتَساءَلونَ . عَنِ النَّبَإِ العَظيمِ﴾ قالوا " النبأ العظيم ": هو البعث.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: والذي يدل عليه قوله: (إن يوم الفصل كان ميقاتا) يدل على أنهم كانوا يتساءلون عن البعث.
انتهى كلامه.

وقد سبق بيانه - بحمد الله -.
....................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الاجتماعية الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب القرآن - عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".

عبدالرحيم آل حمودة
2017-03-03, 01:44 PM
قوله تعالى
{يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا} النبأ: (18).

*قوله {يَوْمَ}:* تقديره: اذكر. ويصح أن يكون الخطاب للجمع، بدليل السياق ( فتأتون )، ولم يقل: فيأتون. فيكون المعنى: اذكروا، أو اتقوا يومَ.

وخصه جماعة من أهل العلم؛ قال الألوسي في روح المعاني: و (يوم) منصوب بفعل مضمر خوطب به نبينا صلى الله عليه وسلم؛ أي*اذكر*يوم.

*قوله {يُنْفَخُ}:* والفاعل ملك من ملائكة الله عز وجل؛ وهو إسرافيل - عليه السلام -.

وفي الحديث مرفوعا: " كيف أنعم وقد التقم*صاحب*القرن *القرن*وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر
أن ينفخ، فينفخ..." (1)

*قوله {فِي الصُّورِ}:* الصور: القرن (البوق)، الذي ينفخ فيه الملك، وهو الناقور الذي ورد ذكره في المدثر ( فإذا نقر في الناقور) أي نفخ في الصور.

ونظيرتها قوله تعالى ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ ): يخرجون من قبورهم بسرعة، والجدث القبر، والجمع أجداث.

وقوله (وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ): قال ابن كثير في تفسيره: والصحيح أن المراد بالصور: "القرن" الذي*ينفخ*فيه إسرافيل، عليه السلام.*

قال*النسفي في مدارك التنزيل: {فى*الصور}:*في*الق رن. وهو اخيار الطبري في تفسيره.

قال البخاري في صحيحه: وقال ابن عباس: {الناقور}: «الصور».

انتهى كلامه.

قلت (عبدالرحيم): والله أعلم بكنهه. فنؤمن به من غير كيف إلا بما صح من وصفه؛ وهذا شأن الغيبيات؛ لا خوض فيها إلا بنص. ولا ريب أن شأنه عظيم؛ يسمع الخلائق، ويصعقهم إلا من شاء الله،
ففي صحيح مسلم من حديث عبدالله بن عمرو؛ وفيه: ثم ينفخ في الصور، فلا يسمعه أحد إلا أصغى (2) لِيتًا ورفع لِيتًا ، قال: وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله، قال: فيصعق، ويصعق الناس...): " يلوط حوضه ": يعني يطينه، ويصلحه.
ومعنى " ليتا": الليت بكسر اللام: صفحة العنق، يعني جانب العنق، وصفحة كل شيء جانبه.

قال البخاري في كتاب التفسير من صحيحه:* باب نفخ*الصور: قال مجاهد: «الصور*كهيئة البوق».

وهذه إشارة عابرة في ذكر " الصور" ولعل الله يمكني أن أبسط الحديث عنه؛ في موطن آخر.

انتهى.

*قوله {فَتَأْتُونَ}:* أيها الناس فرادى كما خلقكم؛ حفاة عراة غرلا (غير مختونين)، لم ينقص من أجسادكم شيئا بعدما بليت، وغابت في الأرض.
وأتى بالفاء للدلالة على سرعة الإتيان، والقيام من القبور،

ففيه إشارة إلى قوله (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ) مُهْطِعِينَ: أي مسرعين إلى داعي الله؛ وذلك يوم القيامة.

فيكون المعنى (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُون) أي فتستجيبوا مسرعين.

*قوله {أَفْوَاجًا}:* جمع، والمفرد: فوج. والمعنى: زمرا، وجماعات.

ولا إشكال بين وصف الله لهم بكونهم جماعات، وبين ما جاء ذكره في قوله تعالى ( وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا): فهم يأتون جماعات؛ لكن لا يغني فرد عن غيره شيئا، فلا ينفعهم جمعهم كما كان ينفع في الدنيا، أو يقال: يميتهم فرادى، ويبعثهم الله من قبورهم فرادى يوم القيامة، ثم يحشرون جماعات.

قال الطبري في تفسيره: يقول:*فيجيئون زمرا زمرا، وجماعة جماعة.

قال البغوي في تفسيره: زمرا زمرا؛ من كل مكان للحساب.

قال البخاري في كتاب التفسير من صحيحه: باب {يوم ينفخ في*الصور*فتأتون أفواجا}: زمرا.
انتهى كلامه.

وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: جماعات؛ فى تفرقة.

وقال السمرقندي في بحر العلوم: أَفْواجاً يعني: جماعة جماعة.*

قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط: أي: جماعات، واحدها: فوج.

وقال*ابن أبي زمنين في تفسيره: أمة أمة.

قال النسفي في مدارك التنزيل: أي جماعات مختلفة أو أمما؛ كل أمة مع رسولها.
*
قلت ( عبدالرحيم ): قوله (أفواجا): أي جماعات. ومنه قوله تعالى ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ): أي من كل أمة(فوجا) جماعة فهم (يوزعون) يساقون إلى النار.

قال الطبري في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، والواحدي في الوجيز:*(فوجا): يعني جماعة.

زاد الطبري: منهم، وزمرة.

ومنه (هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ): فَوْجٌ: جماعة.
قاله السمرقندي في البحر، والبغوي في تفسيره، والواحدي في الوجيز، وغيرهم.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: الفوج*جماعة*من الناس، والمقتحم الداخل في زحام وشدة، وهذا*من كلام خزنة النار خاطبوا به رؤساء الكفار الذين دخلوا النار أولا، ثم دخل بعدهم أتباعهم وهو الفوجالمشار إليه.

ومنه ( تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ): فَوْجٌ: أي جماعة من الكفار.
قاله القرطبي في تفسيره، وابن جزي الغرناطي في التسهيل، وغيرهم.

قال ابن الجوزي في زاد المسير، والواحدي في الوسيط، والجلال المحلي في الجلالين: جماعة*منهم.

وهو قول الطبري، والبغوي في تفسيره.

قال*البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: أي*جماعة*هم في غاية الإسراع موجفين مضطربي الأجواف من شدة السوق.

قال الخطيب الشربيني في السراج المنير: والمراد هنا بالفوج*جماعة*من* لكفار.

ومنه ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ . وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ): أَفْوَاجًا: جماعات؛ وقد وقع ذلك، وأقر عين نبيه نصر، وانتشاره؛ ففي هذه الآيات نعي أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقبيل وفاته دخل الناس جماعات في دين الله؛ فالحمد الله الذي أعز دينه وأهله. وجزى الله نبينا عنا خيرا - صلوات الله وسلامه عليه -.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: (أفواجا): جماعات، وذلك أنه أسلم بعد فتح مكة بشر كثير.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ومعنى: (أفواجا) جماعات*كثيرة.
وبه قال النسفي.

زاد الزجاج: أي بعد أن كانوا*
يدخلون*واحدا واحدا. واثنين اثنين، صارت القبيلة تدخل بأسرها*في*الإسلا م.

قال القرطبي في تفسيره: (أفواجا)*أي*جماعا ت: فوجا بعد فوج. وذلك لما فتحت مكة قالت العرب: أما إذا ظفر محمد بأهل الحرم، وقد كان*الله*أجارهم من أصحاب الفيل، فليس لكم به يدان. فكانوا يسلمون*أفواجا: أمة أمة. قال الضحاك: والأمة: أربعون رجلا.
*
لطيفة:

قلت (عبدالرحيم): فكما أن الخلائق يأتون جماعات لفصل القضاء، فكذلك يدخلون مسترقهم جماعات؛ فأهل النار يدخلونها أمة أمة، جماعة جماعة؛ (جماعات)، كما قال تعالى ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى ): زمرا: أي جماعات.

وقال تعالى ( قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا )، فهم يدخلون النار ، ويتساقطون فيها جماعات. - أعاذنا الله منها -.

وكذا أهل النعيم يدخلون الجنة جماعات ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ): زُمَرًا: أي جماعات. وشتان (3) بين الفريقين.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
....................

(1): رواه الترمذي (3243) وغيره من حديث أبي سعيد الخدري، وصححه الألباني في الصحيحة (1079).

(2): والإصغاء: الإمالة، وصغت النجوم: مالت للغروب.
قاله الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين.

(3): شتَّانَ*ما بينهما : أَي* بعُد وعظُم الفرقُ بينهما.
كذا في المعجم الوسيط.
..................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الاجتماعية الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب القرآن - عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".

أم علي طويلبة علم
2017-03-03, 11:08 PM
واصلوا وصلكم الله بهداه


تصحيح:

*(معاني وغريب القرآن).*

الكاتب والمشرف العام/ عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424
........................

قوله تعالى
{وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا}: النبأ (16).

*قوله {وَ}:* لنخرج به؛ أي بمطر السحاب، السابق ذكره في قوله ( وأنزلنا من العصرات ماء ثجاجا ).



المعصرات

عبدالرحيم آل حمودة
2017-03-08, 04:15 PM
قوله تعالى
﴿لِلطّاغينَ مَآبًا﴾ [النبأ: 22].

*قوله (لِلطّاغينَ):* للكافرين.
والطغيان: تجاوز الحد.
فالمشركون قد تجاوزوا الحد بكفرهم بالله. لأن حد المخلوق أن يعبد من خلقه، ولا يشرك به شيئا؛ فإذا أشرك معه غيره فقد تجاوز ما حد الله له.

فقوله (لِلطّاغين): للكافرين.
قاله الواحدي في الوجيز، والبغوي في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، وغيرهم.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: «الطاغون» : الكافرون.

وقال ابن أبي زمنين في تفسيره: للمشركين.

قال القرطبي في تفسيره: والمراد بالطاغين من طغى في دينه بالكفر، أو في دنياه بالظلم.*

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى): ما تجاوز بصره ما أمره الله أن ينظر؛ فقد نظر إلى ما أمر به، ولم يجاوزه. وهذا في معراج النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {وما*طغى}:*ما*زاد ولا جاوز.

ومنه (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى): كلا: يعني حقا. أي إنه يطغى؛ يتجاوز الحد.

قال*الطبري في تفسيره: أي يتجاوز حده.*

وقال في موطن آخر من تفسيره: يقول: إن الإنسان ليتجاوز حده، ويستكبر على ربه، فيكفر به، لأن رأى نفسه استغنت.*

ومنه (فَأَمَّا مَنْ طَغَى وآثر الحياة الدنيا): قال ابن عطية في المحرر: طغى*معناه:*تجاوز* الحدود التي ينبغي للإنسان أن يقف عندها بأن كفر وآثر الحياة الدنيا على الآخرة لتكذيبه بالآخرة.*

ومنه (هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ): لِلطَّاغِينَ: المتجاوزين للحد في الكفر والمعاصي.
قاله السعدي في تفسيره.

ومنه (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى): أشد طغيانا أي أشد تجاوزا للحد من غيرهم؛ لأنهم كفروا بعد أن دعاهم ألف سنة إلا خمسين، وهم وأول قوم كفروا برسول، وهو نوح عليه السلام، وليس لهم سلف في ذلك.

ومنه (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى): تجاوز الحد في ادعاء أنه إله.

قال ابن زمنين في تفسيره: (إِنَّهُ طَغَى): كفر.

ومنه (قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى): أي يتجاوز الحد فيما لا ينبغي له أن يفعله فينا.

قال الخطيب الشربيني في السراج المنير: أي: يتجاوز الحد في الإساءة علينا.

ومنه (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ): لما تجاوز الماء الحد فأغرق؛ حملنا آباءكم في السفينة.

قال الراغب الأصفهاني في تفسيره: أي*تجاوز*الحد الذي كان عليه من قبل.

أي:*تجاوز*حده حتى علا على كل شيء في زمن نوح.

ومنه (كذبت ثمود بطغواها): قال الطبري: يقول: كذبت ثمود بطغيانها، يعني: بعذابها الذي وعدهموه صالح عليه السلام، فكان ذلك العذاب طاغياطغى*عليهم، كما قال جل ثناؤه: (فأما*ثمود فأهلكوا بالطاغية).

انتهى

*قوله (مَآبًا):* مرجعا.

قال السمرقندي في بحر العلوم، والبغوي في تفسيره: مرجعا، يرجعون إليها.

قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: إن جهنم للذين طغوا في الدنيا، فتجاوزوا حدود الله استكبارا على ربهم كانت منزلا ومرجعا يرجعون إليه، ومصيرا يصيرون إليه يسكنونه.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: ومعنى (مآبا) إليها يرجعون.

وقال السمعاني في تفسيره: أي: منقلبا، يقال: آب إلى مكان كذا أي: رجع وانقلب.

قال ابن عطية في المحرر، والقرطبي في تفسيره: و «المآب» : المرجع.

زاد القرطبي: أي مرجعا يرجعون إليها، يقال: آب يئوب أوبة: إذا رجع.

قال ابن كثير في تفسيره: أي مرجعا ومنقلبا ومصيرا ونزلا.*

قلت (عبدالرحيم) ومنه قوله تعالى (ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا): مَآَبًا: قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي مرجعا إلى الله بالعمل الصالح؛ كأنه إذا عمل خيرا رده إلى الله، وإذا عمل شرا باعده منه.

ومنه (وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ): أَوِّبِي: رجعي*بالتسبيح.*
قاله نجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن.

ومنه (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا): لِلْأَوَّابِينَ : الرجاعين*إلى طاعته.
قاله الجلال السيوطي في الجلالين.

قال أبو السعود في تفسيره: أي*الرجاعين*إليه تعالى عما فرط منهم مما لا يكاد يخلو عنه البشر.
ومنه (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ): أواب: كثير الرجوع إلى ربه.

ومنه (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ): يقول:*كل*ذلك*له*م يع*رجاع*إلى طاعته وأمره. ويعني بالكل:*كل*الطير.
قاله الطبري في تفسيره.

ومنه (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ): رجاع*إلى الطاعة عن المعاصي.
قاله البغوي في تفسيره.
....................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الاجتماعية الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب القرآن - عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".

عبدالرحيم آل حمودة
2017-03-25, 01:10 PM
قوله تعالى
﴿لا يَسمَعونَ فيها لَغوًا وَلا كِذّابًا﴾
[النبأ: 35].

*قوله {لا يَسمَعونَ}*: يعني المتقين الذين سبق ذكرهم في قوله ( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا).

*قوله {فيها}*: في الجنة؛ إذا شربوا كأسا من خمر دهاقا (ممتلئة).

قال الجلال المحلي في الجلالين: أي الجنة عند شرب الخمر وغيرها من الأحوال.

قال النيسابوري في غرائب القرآن: و(لا*يسمعون*فيها) : أي في الجنة وهو الأظهر أو في الكأس وشربها.

*قال القاسمي في محاسن التأويل: (لا*يسمعون فيها): أي في الجنة.

انتهى.

*قوله {لغوا}:* باطلا.
قاله الفراء في معاني القرآن، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، والبغوي في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، والجلال المحلي في الجلالين، والقاسمي في محاسنه وهو قول الطبري، وابن فارس في تهذيب اللغة، وابن منظور في اللسان، والزبيدي في تاج العروس، وغيرهم.

زاد مكي، والجلال، والقاسمي: من القول.

وزاد البغوي: من الكلام.

قال ابن أبي زمنين: اللَّغْو: الْبَاطِل.

قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره:*لا*يسمعون*ف ي الجنة*لغوا، يعني باطلا*من القول.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: سقط الكلام وهو ضروب.

وقال السمعاني في تفسيره: اللغو: هو الكلام المطرح.

قلت (عبدالرحيم): قوله {لَغوًا}*: يعني باطلا. والنكرة في سياق النفي تفيد العموم؛ فيدخل فيه الشتم، والافحاش في المنطق، والساقط من الكلام، وما لا فائدة منه، وكل ما يستقبح من الأقوال، وكل ما هو من جنس الباطل.

والمعنى لا يَسْمَعون، ولا يُسْمِعون في الجنة باطلا بسبب شربهم خمر الجنان؛ لا كما كان يحدث من شُرّاب الخمر في الدنيا؛ يفحشون في كلامهم، ويهذون.

ف {لا يَسمَعونَ فيها لَغوًا وَلا تَأثيمًا. إِلّا قيلًا سَلامًا سَلامًا}: قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: المعنى لا يسمعون*فيها*إلا أن يقول بعضهم لبعض سلاما سلاما.
ودليل هذا قوله تعالى: (تحيتهم*فيها*سلا ).

وفي الإتقان في علوم القرآن للسيوطي: استثنى"سلاما سلاما"الذي هو ضد اللغو والتأثيم فكان ذلك مؤكدا لانتفاء اللغو والتأثيم.

قال الألوسي في روح المعاني: (لا*يسمعون*فيها*ل غوا) ما لا يعتد به من الكلام وهو الذي يورد لا عن روية وفكر فيجري مجرى اللغا- وهو صوت العصافير ونحوها من الطير- وقد يسمى كل كلام قبيح*
(لغوا*ولا*تأثيما) أي*ولا*نسبة إلى الإثم أي لا يقال لهم أثمتم.

قال الطبري في تفسيره: وقوله: (لا يسمعون*فيها*لغوا *ولا*تأثيما) يقول: لا يسمعون*فيها*باطل ا من القول*ولا*تأثيما ، يقول: ليس*فيها*ما يؤثمهم.

قال السمعاني في تفسيره: أي: كلاما باطلا، وكلاما يأثم به قائله، واللغو كل ما يلغى.

قال الواحدي في الوجيز: {لا يسمعون*فيها} في الجنات {لغوا} كاملا فاحشا {ولا*تأثيما}*ولا* ا يوقع في الإثم.
*
انتهى كلامه.

ونظيرتها قوله تعالى (لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً): يعنى كلمة فاحشة قبيحة.
قاله الجصاص في أحكام القرآن.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: أي:*لغوا، فجعل اسم الفاعل وصفا للكلام نحو: كاذبة، وقيل لما لا يعتد به في الدية من الإبل: لغو.

وقوله (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا): قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي باطلا*من الكلام.

قال البغوي في تفسيره: باطلاوفحشا وفضولا*من الكلام.

وقال يحيى بن سلام في تفسيره: قال بعضهم: كذبا. وقال بعضهم: باطلا. وقال بعضهم: معصية. وهو نحو واحد.

وقوله (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا): قال أبو السعود في تفسيره: {لا*يسمعون*فيها*ل غوا} أي باطلا*{ولا*تأثيم } أي ولانسبة إلى الإثم أي*لا*لغو*فيها*ول ا*تأثيم ولا*سماع.

انتهى.

*قوله {وَلا كِذّابًا}:* لا يكذبون، ولا يكذب بعضهم بعضا؛ لأنهم في (مقعد صدق).

قال الجلال المحلي في الجلالين: بالتخفيف أي كذبا وبالتشديد أي تكذيبا من واحد لغيره بخلاف ما يقع في الدنيا عند شرب الخمر.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: ولا*يكذبون على شرابهم كما يكذب أهل الدنيا إذا شربوا.

قال*الفراء في معاني القرآن، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، والسمعاني في تفسيره، والنيسابوري في غرائب القرآن، وابن الجوزي في زاد المسير:*لا*يكذب بعضهم بعضا.

وبه قال الطبري في تفسيره، والبغوي في تفسيره، والقاسمي في محاسن التأويل.

إلا أن القاسمي قال: أي مكاذبة. أي*لا*يكذب بعضهم بعضا.

وزاد ابن الجوزي: لأن أهل الدنيا إذا شربوا الخمر تكلموا بالباطل وأهل الجنة منزهون عن ذلك.

وزاد النيسابوري في الغرائب: لأنهم إخوان الصفاء وأخذان الوفاء. ومن قرأ بالتخفيف فمعناه أنه*لا*يجري بينهم كذب أو مكاذبة.*

قال السمرقندي: يعني: تكذيباً في شربها. يعني:*لا*يكذبون*ف يها.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: وقوله:*(لا*يسمعون فيها لغوا ولا*كذابا): الكذاب: التكذيب. والمعنى:*لا*يكذب ن*فيكذب*بعضهم بعضا، ونفي التكذيب عن الجنة يقتضي نفي الكذب عنها، وقرئ: كذابا من المكاذبة.
أي:*لا*يتكاذبون تكاذب الناس في الدنيا، يقال:
حمل فلان على قرنه فكذب؛ كما يقال في ضده: صدق. وكذب لبن الناقة: إذا ظن أن يدوم مدة فلم يدم.

انتهى.

لطيفة:

لما صان أهل الجنة أنفسهم عن اللغو، والمسكر، فأعرضوا عنه في الدنيا ابتغاء وجهه سبحانه؛ جزاهم ربهم جزاء وفاقا؛ فليس ثم إلا الصدق والحق.

فقد وصفهم ربهم؛ في محياهم، قبل مماتهم بقوله (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ): قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: الفحش والقبيح..

وقوله (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا: مَرُّوا كِرَامًا): معرضين عنه.
قاله الجلال المحلي في الجلالين.

وقوله (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ): أي عن كل باطل يعرضون؛ واللغو اسم جنس؛ فيدخل فيه الغناء، لأنه من جملة الباطل ولا ريب. وهذه الآية من جوامع الكلم؛ وسيأتي عند تعرضنا لتفسيرها في سورة (المؤمنون).

قال الجصاص في أحكام القرآن: هو الفعل الذي لا فائدة فيه وما كان هذا وصفه من القول والفعل فهو محظور.

انتهى، والحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات.
................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الاجتماعية الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب القرآن - عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".

عبدالرحيم آل حمودة
2017-03-25, 01:11 PM
قوله تعالى
﴿جَزاءً مِن رَبِّكَ عَطاءً حِسابًا﴾
[النبأ: 36].

*قوله {جَزاءً}:* مفعول مطلق.
قاله الدعاس في إعراب القرآن.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: منصوب بمعنى: جزاهم جزاءا.

قال النسفي في مدارك التنزيل: مصدر أي جزاهم جزاء.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والجزاء: إعطاء شيء عوضاً على عمل . ويجوز أن يجعل الجزاء على أصل معناه المصدري وينتصب على المفعول المطلق الآتي بدلاً من فعللٍ مقدر . والتقدير : جزيْنا المتقين.

قلت (عبدالرحيم): قوله {جَزاءً}: يعني ثوابا على تقواهم؛ فما زال الحديث عن المتقين.
والجزاء: الثواب؛ والعكس. وهو في التنزيل كثير؛ وإن كان أحدهما أخص من الآخر.

فمما جاء في الثواب ومعناه الجزاء؛ قوله تعالى (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ): ثُوِّبَ: جوزي.
قاله السمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره، والثعلبي في الكشف والبيان، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، والسمعاني في تفسيره، والبغوي في تفسيره، وابن عطية في المحرر الوجيز، والقرطبي، وأبو حيان في البحر المحيط، والسمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ، وابن كثير في تفسيره، وابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل، وغيرهم.

زاد السمين الحلبي: وهو تهكم أيضا.

قال*أبو بكر الأنباري في الزاهر في كلمات الناس: معناه: هل جزي الكفار في فعلهم وعملهم ما فعلوا. قال الشاعر :
(ألا أبلغ أبا حنش رسولا*...*فمالك لا تجيء إلى الثواب)*معناه: إلى*الجزاء.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: أي*هل*جوزوا*بسخر تهم بالمؤمنين في الدنيا.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: قوله: {هل*ثوب*الكفار}*ه *جوزي*الكفار؟ {ما كانوا يفعلون} أي: قد*جوزوا*شر الجزاء.

قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب: هل*جوزوا*وأثيبوا على استهزائهم بالمؤمنين.

ومنه {وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ*الثَّواب }: أي حسن*الجزاء*وهو الجنة.
قاله السمرقندي في البحر.

*ومنه {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ*الثَّوَا ُ*وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا}: نِعْمَ*الثَّوَا : أي نعم الجزاء.
قاله البغوي في تفسيره.

وفي كتاب البسيط للواحدي:*الثوابُ *في الأصل*معناه: ما رجع إليك من عائدة، وحقيقته:*الجزاء* لعائد على صاحبه مُكَافأةً لما فعل، ومنه: التَثْويب في الأذان، إنما هو ترجيع الصَوْت، ولا يقال لصوتٍ مرةً واحدةً: تثويب، ويقال: ثوّب الداعي: إذا كرر دعاه كما قال:
إذا الداعي المُثَوّبُ قال: يالا.
والثوب مشتقّ من هذا، لأنه ثاب لباسًا بعد أن كان قُطنا أو غزلا.
*
ومما جاء في الجزاء، ومعناه الثواب؛
قوله تعالى {ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى}: ثم*يثاب بسعيه ذلك الثواب الأوفى.
قاله الطبري في تفسيره.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: يعطى*ثوابه كاملا.

ومنه {وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا}: {جزآء} أي: ثوابا على إيمانه.
قاله مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية.

قال الطبري في تفسيره: جزاء يعني*ثوابا*على إيمانه، وطاعته ربه.

قال الإيجي الشافعي في جامع البيان أي:*فله*المثوبة*ا لحسنى.

وفي تفسير القرطبي: فله*الثواب*جزاء الحسنى.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: فيسمى الجزاء*ثوابا تصورا أنه هو هو، ألا ترى كيف جعل الله تعالى*الجزاء*نفس العمل في قوله (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) ولم يقل جزاءه، والثواب*يقال في الخير والشر، لكن الأكثر المتعارف في الخير، وعلى هذا قوله عز وجل: (ثوابا من عند الله والله عنده حسن*الثواب).

ومنه {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا}: وأثابهم الله*بما*صبروا*ف الدنيا على طاعته، والعمل*بما*يرضيه عنهم جنة وحريرا.
قاله الطبري في تفسيره.

قال السمرقندي في البحر: أعطاهم الثواب*بما*صبروا *في الدنيا جنة وحريرا يعني: لباسهم فيها حرير.

ومنه {إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا}: أي*الثواب*المضاع ف بما عملوا.
قاله القاسمي في محاسن التأويل.

انتهى.

*قوله {مِن}:**ابتدائية ، أي* صادراً من لدن الله ، وذلك تنويه بكرم هذا الجزاء وعظم شأنه.
قاله الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير.

*قوله {رَبِّكَ}:* قال الطبري: يعني بقوله جل ثناؤه: (جزاء من ربك*عطاء) أعطى الله هؤلاء المتقين ما وصف في هذه الآيات ثوابا من ربك بأعمالهم، على طاعتهم إياه في الدنيا.

*قوله {عَطاءً}:**بدل*من «جزاء» وهو اسم مصدر.
قاله السمين الحلبي في الدر المصون.

قال الطبري في تفسيره: تفضلا من الله عليهم بذلك الجزاء، وذلك أنه جزاهم بالواحد عشرا في بعض وفي بعض بالواحد سبع مئة، فهذه الزيادة وإن كانت جزاء، فعطاء*من الله.

قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {جزاء من ربك*عطاء} أي: جوزوا جزاء، وأعطوا*عطاء.

قال الطاهر بن عاشور: ووصفُ الجزاء بعطاء وهو اسم لم يُعطَى ، أي يتفضل به بدون عوض للإِشارة إلى أن ما جوزوا به أوفرُ مما عملوه ، فكان ما ذكر للمتقين من المفاز وما فيه جزاء شكراً لهم وعطاءً كرماً من الله تعالى وكرامة لهذه الأمة إذ جعل ثوابها أضعافاً.

*قوله {حِسابًا}:* كافيا.
قاله*أبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وأبو هلال العسكري في الوجوه والنظائر، والزجاج في معاني وإعراب القرآن، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن، والألوسي في روح المعاني، والسمعاني في تفسيره، والبغوي في تفسيره، والزمخشري في الكشاف، ونجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن، والنسفي في مدارك التنزيل، وابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل، وأبو حيان الأندلسي في البحر المحيط في التفسير، والسمين الحلبي في الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، وابن كثير في تفسيره، وسراج الدين النعماني في اللباب في علوم الكتاب، وأبو السعود في تفسيره. وحكاه الواحدي في البسيط عن أبي عبيدة معمر بن المثنى.

إلا أن النسفي قال: صفة يعني كافيا أو على حسب أعمالهم.

زاد ابن كثير: وافرا شاملا كثيرا؛ تقول العرب: "أعطاني فأحسبني" أي: كفاني. ومنه "حسبي الله"، أي: الله كافي.

زاد البغوي: وافيا.

وزاد ابن*جزي: من أحسب الشيء إذا كفاه.

وزاد السجستاني: ويقال: أعطاني ما أحسبني أي ما كفاني. وقال: أصل هذا أن يعطيه حتى يقول حسبي.

وزاد الزجاج: وإنما سمي الحساب في المعاملات*حسابا* لأنه يعلم ما فيه كفاية
ليس فيها زيادة على المقدار ولا نقصان.

زاد الألوسي: على أنه مصدر أقيم مقام الوصف أو بولغ فيه أو هو على تقدير مضاف وهو مأخوذ من قولهم أحسبه الشيء إذا كفاه حتى قال: حسبي، وقيل على حسب أعمالهم أي مقسطا على قدرها.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: والحسيب عند أهل اللغة الكافي. يقال حسبه إذا كفاه، ومنه {عطآء*حسابا} أي: كافيا: ومنه {حسبك الله} أي: يكفيك الله.

قال الثعلبي في الكشف والبيان، والواحدي في الوجيز: أي كثيرا كافيا.

وزاد الثعلبي: وافيا.

وقال ابن قتيبة في غريب القرآن،والسمرقن دي في بحر العلوم، والجلال المحلي في الجلالين: أي كثيرا.

زاد الجلال المحلي: من قولهم أعطاني فأحسبني أي أكثر علي حتى قلت حسبي.

وزاد ابن قتيبة: يقال: أعطيت فلاناعطاء*حسابا وأحسبت فلانا، أي أكثرت له. قال الشاعر:
ونقفي وليد الحي إن كان جائعا*...*ونحسبه إن كان ليس بجائع.
ونرى أصل هذا: أن يعطيه حتى يقول: حسبي.

وقال الطبري: وقوله: (حسابا) يقول: محاسبة لهم بأعمالهم لله في الدنيا.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: جمهور المفسرين واللغويين معناه: محسبا، كافيا في قولهم أحسبني هذا الأمر أي كفاني، ومنه حسبي الله.

قال الطاهر بن عاشور: وهذا الحساب مجمل هنا يبينه قوله تعالى :*{ من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها }، وقوله :*{ مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل اللَّه كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة }.
وليس هذا الحساب للاحتراز عن تجاوز الحد المعيَّن ، فذلك استعمال آخر كما في قوله تعالى :*{ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب }*ولكل آية مقامها* الذي يجري عليه استعمال كلماتها فَلا تعارض بين الآيتين .
ويجوز أن يكون*{ حساباً }*اسم مصدر* أحْسَبَه ، إذا أعطاه ما كفاه ، فهو بمعنى إحساباً ، فإن الكفاية يطلق عليها حَسْب بسكون السين فإنه إذا أعطاه ما كفاه قال : حسبي .

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
..........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الاجتماعية الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب القرآن - عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".

عبدالرحيم آل حمودة
2017-03-25, 01:11 PM
قوله تعالى
﴿يَومَ يَقومُ الرّوحُ وَالمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمونَ إِلّا مَن أَذِنَ لَهُ الرَّحمنُ وَقالَ صَوابًا﴾ [النبأ: 38].

*قوله {يَومَ}:* أي: في ذلك اليوم.
قاله الواحدي في الوسيط، والبغوي في تفسيره.

قال البيضاوي في أسرار التنزيل، والجلال المحلي في الجلالين: ظرف ل*لا*يملكون.

*قوله {يَقومُ الرّوحُ}:* يعني جبريل عليه السلام؛ فقد سماه الله روحا في غير ما آية.

*قوله {وَالمَلائِكَةُ} :* أيضا؛ يقوم الجميع.
قاله السعدي في تفسيره.

*قوله {صَفًّا}:* يعني: صفوفا.

ونظيرتها قوله تعالى (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا): يعني صفوفا صفوفا.

قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: وإذا جاء ربك يا محمد وأملاكه صفوفا صفا بعد صفّ.

قال*ابن كثير في تفسيره: فيجيء الرب تعالى لفصل القضاء كما يشاء ، والملائكة يجيئون بين يديه صفوفا صفوفا.

انتهى كلامه.

فمعنى قوله تعالى {وَالمَلائِكَةُ صَفًّا}: صفوفا.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، السمرقندي في بحر العلوم، والواحدي في الوجيز، وابن أبي زمنين في تفسيره، والقرطبي في تفسيره.

إلا أن القرطبي قال: مصدر أي يقومون*صفوفا. والمصدر ينبئ عن الواحد والجمع، كالعدل والصوم.*

زاد السمرقندي: يعني:*كصفوف الملائكة، وأهل الدنيا في الصلاة.

قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: وإذا جاء ربك يا محمد وأملاكه*صفوفا*صف ابعد صف.

قال*سراج الدين النعماني في اللباب في علوم الكتاب: {صفا} مصدر؛ أي: يقومون صفوفا، والمصدر يغني عن الواحد والجمع كالعدل، والصوم، ويقال ليوم العيد: يوم الصف.

قال الجلال المحلي في الجلالين، والخطيب الشربيني في السراج: {والملائكة*صفا} حال أي مصطفين.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ): الكلام للملائكة تصف نفسها؛ لا كما يتوهمه البعض.

وفي الحديث المرفوع: «ألا*تصفون*كما تصف الملائكة عند ربها؟» فقلنا يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: «يتمون الصفوف الأول ويتراصون في الصف» (1).

قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل ملائكته:*(وَإِنّ ا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ)*لل ه* لعبادته.

قال السمعاني في تفسيره: قوله تعالى: {وإنا لنحن*الصافون} أي:*المصطفونفي السماء للعبادة

قال ابن كثير في تفسيره: أي نقف*صفوفا*في الطاعة.*

ومنه (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى): صَفًّا:صفوفا.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، والفخر الرازي في التفسير الكبير، وابن الهائم في التبيان في غريب القرآن.

زاد الرازي: كقوله: يخرجكم طفلا. أي أطفالا.*

قال الطبري في تفسيره: والصف هاهنا مصدر، ولذلك وحد، ومعناه: ثم ائتواصفوفا.

قال*ابن الجوزي في زاد المسير: أي: مصطفين مجتمعين، ليكون أنظم لأموركم، وأشد لهيبتكم.

ومنه ( وَالصَّافَّاتِ صَفًّا): يعني الملائكة*
صفوفا*في السماء يسبحون الله جل ثناؤه كصفوف الناس في الأرض للصلاة.
قاله أبو بكر السجستاني في غريب القرآن.

قال الطبري في تفسيره: والصافات: الملائكة*صفوفا*ف ي السماء.

قال الزبيدي في تاج العروس: (الصافات صفا): هي: الملائكة*المصطف ن*في السماء يسبحون ومنه قوله تعالى: وإنا لنحن {الصافون*وذلك أن لهم مراتب يقومون عليها صفوفا، كما} يصطف المصلون.*

ومنه (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ): صَفًّا: مصطفين*صفوفا*كال صلاة، لأنهم إذا اصطفوا مثلا صفين كان أثبت لهم وأمنع من عدوهم.
قاله*الماوردي في النكت والعيون.

ومنه ( وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا): صَفًّا: صفوفا.
قاله يحيى بن سلام في تفسيره، وابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل.

زاد ابن جزي: فهو إفراد تنزل منزلة الجمع.

قال حقي الخلوتي في روح البيان: مفرد منزل منزلة الجمع كقوله تعالى ثم يخرجكم طفلا اى أطفالا والمعنى*صفوفا*يق ف بعضهم وراء بعض غير متفرقين ولا مختلطين شبهت حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان ليحكم فيهم بما أراد لا ليعرفهم.*

ومنه ( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ):*بمعنى* مصطفة، واحدها: صافة، وقد صفت بين أيديها.
قال الطبري في تفسيره.

قال الزبيدي في تاج العروس: {صواف*أي:} مصفوفة للنحر،! تصفف ثم تنحر، منصوبة على الحال، أي: قد صفت قوائمها.

قال القرطبي في تفسيره: من صف يصف . وواحد صواف صافة.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: أي مصطفة، وصففت كذا: جعلته على*صف.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وصوافّ : جمع صافّة . يقال : صف إذا كان مع غيره صفّا بأن اتّصل به . ولعلّهم كانوا يصفُّونها في المنحر يوم النّحر بمِنى ، لأنه كان بمِنى موضع أُعدّ للنحر وهو المنحَر .

قال محمود بن عبدالرحيم الصافي في الجدول في إعراب القرآن: صَوَافَّ: جمع صافة، اسم فاعل من*صف*الثلاثي، وزنه فاعل، أدغمت عينه ولامه لأنهما من ذات الحرف، ووزن*صواف*فواعل.

انتهى.

*قوله {لا يَتَكَلَّمونَ}:* يعني الخلق.*
قاله الواحدي في الوسيط، وابن الجوزي في زاد المسير، والجلال المحلي في الجلالين، وبه قال غير واحد.

زاد ابن الجوزي، والواحدي: كلهم.

قلت (عبدالرحيم): قوله {لا يَتَكَلَّمونَ}: يعني الخلق كلهم؛ فيدخل فيهم الملائكة؛ وهذا أجود من تخصيصه بالملائكة وحدهم.

*ومن أهل العلم من خصه بالملائكة.
فيكون المعنى على هذا القول من باب قولهم " إياك أعني*واسمعي*يا*ج ره".

والمعنى إذا كان الملائكة مع شرفهم، وعلو منزلتهم لا يتكلمون؛ فمن دونهم أجدر ألا يتكلموا؛ اللهم إلا الرسل؛ ففي الصحيحين مرفوعا ( ولا*يتكلم يومئذ إلا*الرسل). (2).

ونحوه قوله تعالى ( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ): يريد قاتلها. يعني سئل قاتلها بأي ذنب قتلها.
وفيها تفسير قيم؛ يأتي لاحقا (إن شاء الله).

قال البيضاوي في أنوار التنزيل: (يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن*وقال*صواب ا)*تقرير وتوكيد لقوله {لا يملكون} (3)، فإن هؤلاء الذين هم أفضل الخلائق وأقربهم من الله إذا لم يقدروا أن يتكلموا بما يكونصوابا*كالشف عة لمن ارتضى إلا بإذنه، فكيف يملكه غيرهم*

انتهى.

*قوله {إِلّا مَن أَذِنَ لَهُ الرَّحمنُ}:**في الكلام؛ الذي من جملته الشفاعة. وهذا أحسن من تخصيصه بالشفاعة.
ونظيرتها قوله تعالى (يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ).

قال ابن الجوزي في زاد المسير، والقرطبي في تفسيره: في الكلام.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: أي تمنعهم الهيبة من الكلام إلا*من بعد أن يأذن الله لهم.

قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: أي الخلائق ثم خوفا وإجلالا*لعظمة الله جل جلاله من هول ذلك اليوم ولا*يشفعون لأحد.

قال السمرقندي في البحر: يعني: لا يتكلمون بالشفاعة.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: لا يشفعون.

قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {لا يتكلمون} أي: لا يشفعون، أي: الملائكة وقيل: لا يتكلمون مطلقا. قوله: {إلا من أذن له الرحمن} أي: بالشفاعة والكلام.

انتهى.

*قوله {وَ}:* كان ذلك الشخص ممن.
قاله صديق حسن خان في فتح البيان.

*قوله {قالَ}:* قولا.
قاله الجلال المحلي في الجلالين.

*قوله {صَوابًا}:* أي حقا، وسدادا من القول؛ الذي من جملته التوحيد. وهذا أجود من تخصيصه بشيء دون آخر.

قال الشوكاني في فتح القدير: وأصل الصواب السداد من القول والفعل.*

قال البغوي في تفسيره، وابن كثير في تفسيره، والسمعاني في تفسيره، وغيرهم: حقا.

إلا أن البغوي قال: في الدنيا، أي حقا.

زاد ابن كثير: ومن الحق :*" لا إله إلا الله ".

قال السمرقندي في البحر: لا إله إلا الله يعني: من كان معه من التوحيد، وهو من أهل الشفاعة.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {وقال صوابا} في الدنيا لا إله إلا الله.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: (وقال صوابا): قال في الدنيا صوابا، وهو الشهادة بالتوحيد عند أكثر المفسرين. وقال مجاهد: قال حقا في الدنيا.

قال القرطبي: (وقال صوابا): يعني قول: لا إله إلا أنت.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقال ابن عباس: الضمير في*يتكلمون*عائد على الناس خاصة و «الصواب» المشار إليه*لا*إله إلا*الله، قال عكرمة أي قالها في الدنيا.*

قال الواحدي في البسيط: والصواب هو السداد من الفعل والقول، يقال: فعل صوابا، وقال صوابا، وهو اسم من أصاب يصيب إصابة، كالجواب من أجاب يجيب إجابة.

قال الطبري في تفسيره: والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن خلقه أنهم لا يتكلمون يوم يقوم الروح والملائكة صفا، إلا من أذن له منهم في الكلام الرحمن، وقال صوابا، فالواجب أن يقال كما أخبر إذ لم يخبرنا في كتابه، ولا على لسان رسوله، أنه عَنَى بذلك نوعا من أنواع الصواب، والظاهر محتمل جميعه.

فائدة، وتنبيه:

قوله {يَقومُ الرّوحُ وَالمَلائِكَةُ}: * الرّوحُ: جبريل عليه السلام.
وقد خص من بين الملائكة تشريفا، وتعظيما لشأنه.

ونظيرتها قوله تعالى (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)،

وقوله (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ).

فالروح في هذه الآيات جبريل - عليه السلام - كما في قوله ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ).

وقوله (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا): أي تمثل لها جبريل رجلا تام الخلقة.

وقوله (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ): رُوحِنَا: جبريل عليه السلام.

وقوله (ُوَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ): بِرُوحِ الْقُدُس: جبريل عليه السلام.

وقوله (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ).

وقد ورد في شأنه عدة نصوص؛ فهو كريم، قوي مطاع؛ تطيعه ملائكة السماء.

قال تعالى (إِنَّهُ لَقَولُ رَسولٍ كَريمٍ . ذي قُوَّةٍ عِندَ ذِي العَرشِ مَكينٍ . مُطاعٍ ثَمَّ أَمينٍ): مُطاعٍ ثَمَّ أَمين: تطيعه الملائكة هناك (في السماوات)، أمين: على وحي الله.

قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: (مطاع*ثم) يعني جبريل صلى الله عليه وسلم،*مطاع*في السماء تطيعه الملائكة (أمين) يقول:*أمين*عند الله على وحيه ورسالته وغير ذلك مما ائتمنه عليه.

ونظيرتها (عَلَّمَهُ شَديدُ القُوى. ذو مِرَّةٍ فَاستَوى. وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعلى): أي علَّم محمدا - صلى الله عليه وسلم - جبريلُ؛ شديد القوى، وهو ذو مرة أي ذو قوة.

وهو ولي للمؤمنين؛ (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَة ُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ).

ومن عاداه فقد عادى الله (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ).

وهذه جملة من النصوص التي وردت في شأنه عليه السلام؛ فهو ذو شأن عظيم؛ والنصوص من السنة كثيرة أيضا.

فمعنى قوله تعالى {يَقومُ الرّوحُ وَالمَلائِكَةُ}: الرّوحُ: جبريل عليه السلام.

قال السعدي في تفسيره: وهو جبريل عليه السلام، الذي هو أشرف الملائكة.

قال القصاب في النكت: هذا قول ابن عباس.

قال النحاس في معاني القرآن: وقال الشعبي والضحاك: الروح:*جبرائيل صلّى الله عليه وسلّم.

تنبيه:

قلت (عبدالرحيم): وإنما آثرت القول بأن المعني بقوله تعالى (يَقومُ الرّوحُ وَالمَلائِكَة) هو جبريل - عليه السلام - لنسق القرآن كما سلف؛ يذكر الله ملائكته ثم يخص جبريل عليه السلام؛ كما فسره العلماء.

فمن عجب يفسر بعضهم الروح في هذه الآية خاصة تفسيرا غير تفسير هم المعهود؛ فمنهم من قال {الروح}: خلق أعظم من الملائكة وأشرف منهم وأقرب من رب العالمين، وقيل: هو ملك ما خلق الله عز وجل بعد العرش خلقا أعظم منه، وقيل: يعني أرواح بني آدم، وقيل: القرآن، وقيل: خلق من خلق الله في صورة بني آدم، وقيل: الروح*خلق من خلق الله يضعفون على الملائكة أضعافا، لهم أيد وأرجل. وقيل: الروح: خلقٌ كالناس، وليسوا بالناس، وقيل: هم بنو آدم. ويقال:*الروح*لا يعلمه إلا الله، كما قال قل*الروح*من أمر ربي.

وقيل غير ذلك؛ وكل ذلك لا دليل عليه (فيما أعلم).

قال الطبري - رحمه الله - بعد أن ذكر جملة من الاقوال، باسناده إلى قائليها:

والصواب من القول أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن خلقه لا يملكون منه خطابا،*يوم*يقوما لروح، والروح*خلق من خلقه، وجائز أن يكون بعض هذه الأشياء التي ذكرت، والله أعلم أي ذلك هو، ولا خبر بشيء من ذلك أنه المعني به دون غيره يجب التسليم له، ولاحجة تدل عليه، وغير ضائر الجهل به.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
......................

(1): رواه مسلم*(٤٣٠)؛ من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه.

(2): رواه البخاري ( ٨٠٦)، ومسلم*(١٨٢)*من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3): يعني قوله تعالى {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا}: والشاهد: لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا.
.............................. .

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الاجتماعية الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب قرآن - حديث. عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".

عبدالرحيم آل حمودة
2017-03-29, 02:39 PM
*(معاني وغريب القرآن).*

قوله تعالى
{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ }:البقرة 175.

*قوله {فَمَا أَصْبَرَهُمْ}:* أي ما أجرأهم.
يقال " ما أصبرك على الله ": أي ما أجرأك عليه.

وهو من ( الجُرأة)، وليس من الصبر الذي نقيضه الجزع.

ولأن من معاني الصبر: الجرأة.

قال ابن فارس في تهذيب اللغة:*قال أبو العباس (المبرد):*والصبر:* الجرأة، ومنه قول الله جل وعز: {فمآ أصبرهم على النار}، أي: ما أجرأهم على عمل أهل النار.

قال القاضي عياض في مشارق الأنوار*على صحاح الآثار: قال ابن الأنباري*الصبر*ا لحبس والصبر*الإكراه والصبر*الجرأة.

قال الفراء في معاني القرآن، وحكاه غير واحد: قال الكسائي: سألني قاضي*اليمن وهو بمكة، فقال:اختصم*إلى*ر لان*من العرب، فحلف أحدهما على حق صاحبه، فقال له: ما أصبرك على اللَّه! وفي هذه أن يراد بها: ما أصبرك على عذاب اللَّه.

انتهى كلامه.

فقوله تعالى {فَمَا أَصْبَرَهُمْ}: أي فما أجرأهم.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، والسمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره، والسمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ.

زاد السمرقندي: على العمل الذي يقرب إلى النار.
وبنحوه ابن أبي زمنين.

وزاد السمين الحلبي:*على تعاطي أسباب دخول النار من المعاصي.

وسُئل أبو بكر بن عياش:*" فما أصبرهم على النار "*قال، هذا* استفهام, ولو كانت من الصبر قال:*" فما أصبرُهم "، رفعًا. قال: يقال للرجل:*" ما أصبرك ", ما الذي فعل بك هذا؟.
حكاه الطبري في تفسيره.*

وقيل: ما أبقاهم في النار، كما تقول: ما أصبر فلانا على الحبس. أي: ما أبقاه فيه.
حكاه ابن الجوزي في زاد المسير.

قال*الماوردي في النكت والعيون: {فما*أصبرهم*على النار} فيه أربعة أقاويل: أحدها: معناه*ما*أجرأهم* لى النار، وهذا قول أبي صالح. والثاني: فما*أصبرهم*على عمل يؤدي بهم إلى النار. والثالث: معناه فماأبقاهم على النار، من قولهم:*ما*أصبر فلانا على الحبس، أي*ما*أبقاه فيه. والرابع: بمعنى أي شيء صبرهم على النار؟
*
قال الطبري في تفسيره: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال: (ما أجرأهم على النار)، بمعنى: ما أجرأهم على عَذاب النار وأعملهم بأعمال أهلها. وذلك أنه مسموع من العرب:*" ما أصبرَ فلانًا على الله "، بمعنى: ما أجرأ فلانًا على الله!.

انتهى كلامه.

قلت (عبدالرحيم) وفي الصحيحين من حديث عبدالله بن مسعود؛ مرفوعا «مَنْ حَلَفَ عَلَى*يَمِينِ*صَ بْرٍ، يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ».

قال ابن الجوزي في كشف المشكل في الصحيحين: وقوله: " على يمين صبر " في معناها قولان: أحدهما: أن يصبر نفسه: أي يحبسها على اليمين الكاذبة غير مبال بها. والثاني: أن يكون معنى الصبر الجرأة، من قوله تعالى: {فما أصبرهم على النار} [البقرة: 175] أي يجترئ بتلك اليمين على هتك دينه.

..........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-04-01, 12:31 PM
قوله تعالى
{قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ}: يوسف: (14).

*قوله {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ}:* أي: جماعة.
قاله الحوفي في البرهان في علوم القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، والواحدي في الوجيز، وأبوحيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وابن الهائم في التبيان، والسمعاني في تفسيره.

زاد السجستاني، وأبو حيان، وابن الهائم: من العشرة إلى الأربعين.

وزاد الواحدي: بحضرته.

وزاد البغوي: وكانوا عشرة.

وزاد السمعاني: يتقوى بعضنا ببعض.

قال الفراء: العصبة هي: العشرة فما زادت.
حكاه البغوي، والسمعاني، وغيرهم.

قال الأخفش الاوسط في معاني القرآن: و"العصبة" و"العصابة" جماعة. ليس لها واحد كـ"القوم" و"الرهط".

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: جمهور اللغويين: تطلق العصبة على الجماعة من عشرة إلى أربعين» .

قلت(عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى؛ حكاية عن قارون (وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ): لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ: أي العصبة لتنوء بمفاتحه؛ يعني الجماعة يثقلهم حملها؛ لثقلها. والفاء للتعدية، وقيل زائدة. والعصبة: الجماعة.
( وهذا من المقلوب، وسيأتي عند تعرضنا لتفسير السورة - إن شاء الله).

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: والعصبة من الرجال من العشرة إلى الأربعين.

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: ليثقل حملها على الجماعة الكثيرة.

قال النسفي في مدارك التنزيل: لتثقل العصبة فالباء للتعدية يقال ناء به الحمل إذا أثقله حتى أماله والعصبة الجماعة الكثيرة.

قال السمين الحلبي في الدر: العصبة: وهي الجماعة الذين يتعصبون لبعضهم، أي يتقوى بعضهم ببعضٍ؛ فهم جماعة متعصبة متعاضدة. ومنه قوله تعالى: {لتنوء بالعصبة}.

قال يحيى بن سلام في تفسيره: (لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ): لتثقل العصبة، الجماعة.

قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: أي لتثقل بالجماعة الأقوياء.

قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: (لَتَنُوءُ) تثقل (بِالْعُصْبَةِ) الجماعة الكثيرة.

قال السعدي في تفسيره: أي حتى أن مفاتح خزائن أمواله لتثقل الجماعة القوية عن حملها، هذه المفاتيح، فما ظنك بالخزائن؟

ومنه (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ): عُصْبَةٌ مِنْكُمْ : جماعة.
قاله مجير الدين العليمي في فتح الرحمن في تفسير القرآن، وابن أبي زمنين، والتسفي في مدارك التنزيل.

زاد النسفي: من العشرة إلى الأربعين.

قال الإيجي الشافعي في جامعه: (عُصْبَةٌ مِنْكُمْ): خبر إن، والعصبة جماعة من العشرة إلى الأربعين.

انتهى.

*قوله {إِنّا إِذاً لَخاسِرون}:* يعني لمضيّعون. بلغة قيس عيلان.
قاله أبو عبيد القاسم بن سلاّم لغات القبائل الواردة في القرآن الكريم ،وذكره عبدالله بن حسنون السامري في اللغات، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن.

إلا أن أبا عبيد قال: بلغة عيلان.

وقال البغوي: عجزة ضعفاء.

وقال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف لوالدهم يعقوب: لئن أكل يوسف الذئبُ في الصحراء، ونحن أحد عشر رجلا معه نحفظه - وهم العصبة - (إنا إذًا لخاسرون) ، يقول: إنا إذًا لعجزة هالكون.

وقال الواحدي في الوجيز، والسمعاني، وابن كثير: {إنا إذاً لخاسرون}: لعاجزون.

إلا أن ابن كثير قال: لهالكون عاجزون.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

.............................. .

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الاجتماعية الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب قرآن - حديث. عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".

عبدالرحيم آل حمودة
2017-04-01, 11:41 PM
قوله تعالى
{وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ}: الشعراء: 129.

*قوله {مَصَانِعَ}:* أي*منازل*وقصورا.
قاله القاسمي في محاسن التأويل.

قال الشوكاني في فتح القدير: المصانع: هي الأبنية التي يتخذها الناس*منازل.

*قوله {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ}:* معناه: كيا تخلدوا.
قاله الفراء في معاني القرآن.
.......................

*(المجموعة السابعة لمعاني وغريب القرآن).*

أدناه شروط المجموعة، والرابط:

موافقتكم على الشروط أدناه عهد منك لنا:

{وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا}
:[ الإسراء: 34] .

إن وجدتم خطأ في التفسير فلكم التصحيح على الملأ؛ نصحا لله ولكتابه.

1 - يجب العلم بأن المجموعة للمتابعة فقط،
ولا يسمح لكم مطلقا بالإرسال إلى المجموعة، أو التعليق على مخالفات الغير؛
إلا إن وجدتم خطأ في التفسير كما سبق، وجميع الاستفسارات على الرقم أدناه.

2 - تحضير الرسائل يستغرق منا وقتا؛ ربما نتأخر في النشر؛ علما بأن عدد رسائل التفسير 2 رسالة في اليوم والليلة، ( إلا ما شاء الله ).

3 - عدم إرسال شكرا على الإضافة، أو إلقاء السلام بعد إضافتكم.
__________
مدير المجموعة: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424

https://chat.whatsapp.com/8yT9nxqtwdE9rmyd3SK9aZ

عبدالرحيم آل حمودة
2017-04-02, 08:12 AM
قوله تعالى
﴿وَتَأكُلونَ التُّراثَ أَكلًا لَمًّا﴾
[الفجر: 19].

*قوله {وَتَأكُلونَ التُّراثَ أَكلًا}:* التُّراثَ: أي الميراث.
قاله الماوردي في النكت والعيون، والطبري في تفسيره، والبغوي في تفسيره، وابن قتيبة في غريب القرآن، ومكي في تفسير المشكل، والسمرقندي في بحر العلوم، والسمعاني في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، والألوسي في روح المعاني.

إلا أن السمعاني قال: التراث*والوارث بمعنى واحد، وهو الميراث.

قال ابن جزي الغرناطي: التراث*هو ما يورث عن الميت من المال.

قال الواحدي في الوجيز: يعني: ميراث اليتامى.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: أصله وراث، فقلبت الواو ألفا وتاء.

*قوله {لَمًّا}:* يعني: شديدا.
قاله الطبري في تفسيره، والسمرقندي في البحر، والواحدي في الوجيز، والبغوي في تفسيره، وابن جزي الغرناطي في التسهيل.

زاد البغوي: وهو أن يأكل نصيبه ونصيب غيره، وذلك أنهم كانوا لا يورثون النساء ولا الصبيان، ويأكلون نصيبهم.

وزاد السمرقندي: كقولك: لممت الشيء إذا جمعته ومعناه يأكلون مال اليتيم،*أكلا*شدي دا سريعا.

وزاد الواحدي: تجمعون المال كله في الأكل فلا تعطون اليتيم نصبه.
*
وزاد الطبري: لا تتركون منه شيئا، وهو من قولهم: لممت ما على الخوان أجمع، فأنا ألمه لما: إذا أكلت ما عليه فأتيت على جميعه.

وقال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: أي جامعا، من لممت الشيء ألمه: ضممته لما، فالتقدير: ذا لم.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: تقول: لممت الشيء: جمعته وأصلحته، ومنه: لممت شعثه.

قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {أكلا*لما} أي: بخلط الحلال بالحرام.
وقال مجاهد: {لما} أي: سفا، فيجمع البعض إلى البعض ويسف سفا.
..................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الاجتماعية الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب قرآن - حديث. عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".

عبدالرحيم آل حمودة
2017-04-03, 05:02 AM
قوله تعالى
{فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً}: الحاقة (10).

*قوله {رَابِيَةً}:* زائدة، عالية، مرتفعة، نامية. كل ذلك من معاني الربا أي الزيادة.

ومنه قوله (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ): إِلَى رَبْوَةٍ: المكان المرتفع.
قاله السيوطي في الاتقان في علوم القرآن.

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: مكان مرتفع من الأرض.

قال أبو بكر السجتاني: الربوة والربوة والربوة: الِارْتفَاع من الأَرْض.

انتهى.

فقوله تعالى (فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً): نعت أي زائدة.
قاله النحاس في إعراب القرىن

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: نامية زائدة شديدة من الرباء.

قال الفراء في معاني القرآن: أخذة زائدة، كما تقول: أربيت إذا أخذ أكثر مما أعطاه من الذهب والفضة، فتقول : قد أربيت فربا رباك.

قال الطبري: يقول: فأخذهم ربهم بتكذيبهم رسله أخذة، يعني أخذة زائدة شديدة نامية، من قولهم: أربيت: إذا أخذ أكثر مما أعطى من الربا؛ يقال: أربيتَ فرَبا رِباك، والفضة والذهب قد رَبَوا.


وذكر عبدالله بن حسنون السامري في اللغات، وابن الهائم في التبيان في غريب القرآن (أَخذَةً رابيَة): يعني شدية بلغة حمير.
..................


كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

كما يمكنكم الوصول إلى كافة الحسابات الاجتماعية الرسمية للتفسير بالبحث في الإنترنت عن " معاني وغريب قرآن - حديث. عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة ".

عبدالرحيم آل حمودة
2017-04-09, 10:16 AM
*(معاني وغريب القرآن - للاشتراك 00966509006424)*

قوله تعالى
{إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16)}: طه.

*قوله {إِنَّ السَّاعَةَ}:* يعني القيامة.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره، والواحدي في الوسيط.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: والسَّاعَةَ في هذه الآية القيامة بلا خلاف.

*قوله {آتِيَةٌ}:* لا ريب فيها؛ كما قال {إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ}.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: كائنة.*

قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: إن الساعة التي يبعث الله فيها الخلائق من قبورهم لموقف القيامة جائية.

*قوله {أَكَادُ}:* قرب.

قال الدعاس في إعراب القرآن: «أكاد» فعل مضارع ناقص من أفعال المقاربة واسمها مستتر تقديره أنا...

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِي نَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ): مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ: أي قرب أن تمل.
قاله البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور.

ومنه (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا): كِدْتَ: معنى كاد أي: قرب. وكدت أي قربت من الفعل.
قاله السمعاني في تفسيره.

ومنه (إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا): أي قرب أن يصرفنا بدعوته عن عبادة الأصنام؛ لولا أن ثبتنا على عبادتها .

ومنه (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ): أي يقرب. يقال: كاد يفعل اذا قرب ولم يفعل.
قاله البغوي في تفسيره.

ومنه (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ): يَكَادُ: يقرب. زيتها يضيء من صفائه.
قاله صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن.

ومنه (يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ): يقرب ضوء برق السحاب من أن يذهب بالبصر ويخطفه لشدة لمعانه.
قاله الواحدي في الوسيط.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: فقوله: أكاد أخفيها معناه قرب الأمر فيه من الإخفاء.

انتهى.

*قوله {أُخْفِيهَا}:* أي من شدة كتماني لها قرب أن أخفيها من نفسي؛ فكيف أظهرها لغيري. وهذا مما استأثر الله به؛ فقد حجبت عن أهل السماء والأرض؛ ولولا لطفه بنا لما أخبر أن ثم ساعة؛ ولكن أخبرنا ليتأهب العبد للرحيل.

وقد أنكر الله على الكفار لما سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن موعد وقوع الساعة الساعة؛ وكأنه لقرابته منهم سيخبرهم بها، وأنه معني بطلب علمها، أو أنه عالم بها؛ فقال تعالى ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ): أَيَّانَ مُرْسَاهَا: متى ثبوتها. والشاهد قوله ( يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا): أي كأنك معني بطلب علمها، وأكثرت السؤال عنها فعلمتها؛ وليس لك، ولا لغيرك علمها.

قال الطبري في تفسيره: أكاد أخفيها من نفسي، لئلا يطلع عليها أحد، وبذلك جاء تأويل أكثر أهل العلم.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {أكاد*أخفيها} أي أسترها من نفسي.

قال السمرقندي في البحر: يعني: أسرها عن نفسي فكيف أعلنها لكم يا أهل مكة؟*

وقال ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن: و (أبي) يقرأ: (إن الساعة آتية*أكاد*أخفيها ) من نفسي فكيف أظهركم عليها.

قال الواحدي في الوجيز: {آتية*أكاد*أخفيه } أسترها للتهويل والتعظيم وأكاد*صلة.

وقال السيوطي في الإتقان في علوم القرآن: {أكاد*أخفيها} : لا أظهر عليها أحدا غيري.

قال نافع بن الأزرق في مسائله لعبدالله بن عباس - رضي الله عنها -: قال: يا ابن عباس: أخبرني عن قول الله عز وجل: إن الساعة آتية*أكاد*أخفيها .
قال: من كل أحد، وفيها كلمة عربية يا ابن الأزرق لعلك لا تحتملها.
قال: بلى يا ابن عباس، فأخبرني بها.
قال: نعم،*أخفيها*من علمي.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول:
فإن تدفنوا الداء لا نخفه*...*وإن تبعثوا الحرب لا نقعد.

قال البغوي في تفسيره: قيل معناه إن* الساعة آتية أخفيها . و" أكاد "*: صلة . وأكثر* المفسرين قالوا : معناه : أكاد أخفيها من نفسي ، وكذلك في مصحف أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود : أكاد أخفيها من نفسي فكيف يعلمها مخلوق .
وفي بعض القراءات : فكيف أظهرها لكم . وذكر ذلك على عادة العرب إذا بالغوا في كتمان الشيء يقولون : كتمت سرك من نفسي ، أي : أخفيته غاية الإخفاء ، والله عز اسمه لا يخفى عليه شيء .
وقال الأخفش : أكاد : أي : أريد ، ومعنى الآية : أن الساعة آتية أريد أخفيها .

قال*الألوسي في روح المعاني: (أكاد*أخفيها)*أقر ب أن أخفي الساعة ولا أظهرها بأن أقول إنها آتية ولولا أن في الأخبار بذلك من اللطف وقطع الأعذار لما فعلت، وحاصلهأكاد*أبال في إخفائها فلا أجمل كما لم أفصل، والمقاربة هنا مجاز كما نص عليه أبو حيان أو أريد إخفاء وقتها المعين وعدم إظهاره وإلى ذلك ذهب الأخفش وابن الأنباري وأبو مسلم ومن مجيء كاد بمعنى أراد كما قال ابن جني في المحتسب قوله:
كادت وكدت وتلك خير إرادة*...*لو عاد من لهو الصبابة ما مضى.

وقيل (أخفيها): أي أظهرها.

أي قرب أن أظهر أمر الساعة بحلولها ووقوعها.

قال أبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: أسترها وأظهرها، من الأضداد.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أخفيها: أسترها وأظهرها أيضا من (أخفيت) وهو من الأضداد. و (أخفيها) : أظهرها لا غير، من خفيت أي استخرجت.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: «أكاد*أخفيها» له موضعان موضع كتمان وموضع إظهار كسائر حروف الأضداد أنشدنى أبو الخطاب قول امرئ القيس بن عابس الكندي عن أهله فى بلده.
وإن تدفنوا الداء لا نخفيه*...*وإن تبعثوا الحرب لا نقعد.
أي لا نظهره. ومن يلغى الألف منها فى هذا المعنى أكثر، وقال علقمة ابن عبدة وقال بعضهم امرؤ القيس:
خفاهن من أنفاقهن كأنما*...*خفاهن ودق من عشى مجلب.
أي أظهرهن، ويقال: خفيت ملتى من النار، أي أخرجتها منها وكذلك خفايا الركايا، تقول خفيت ركية، أي استخرجتها.


قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: أكادأخفيها*اضطر الناس في معناه، فقيل:*أخفيهابمعن ى أظهرها، وأخفيت هذا من الأضداد.
وقال ابن عطية: هذا قول مختل، وذلك أن المعروف في اللغة أن يقال: أخفى بالألف من الإخفاء، وخفي بغير ألف بمعنى أظهر، فلو كان بمعنى الظهور لقال:*أخفيها*بفت همزة المضارع، وقد قرئ بذلك في الشاذ، وقال الزمخشري: قد جاء في بعض اللغات أخفى بمعنى خفي: أي أظهر، فلا يكون هذا القول مختلا على هذه اللغة، وقيل:أكاد*بمعنى أريد، فالمعنى أريد إخفاءها وقيل: إن المعنى إن الساعة آتية*أكاد، وتم هنا الكلام بمعنىأكاد*أنفذه *لقربها، ثم استأنف الإخبار فقال*أخفيها، وقيل: المعنى*أكاد*أخفي ها*عن نفسي فكيف عنكم، وهذه الأقوال ضعيفة، وإنما الصحيح أن المعنى أن الله أبهم وقت الساعة فلم يطلع عليه أحدا، حتى أنه كاد أن يخفي وقوعها لإبهام وقتها، ولكنه لم يخفها إذا أخبر بوقوعها، فالأخفى على معناه المعروف في اللغة، وكاد على معناها من مقاربة الشيء دون وقوعه وهذا المعنى هو اختيار المحققين*

انتهى.

*قوله {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ}: لِتُجْزَى*: لتحاسب. والجزاء: الحساب.

قال الطبري: لتثاب كل نفس امتحنها ربها بالعبادة في الدنيا بما تسعى، يقول: بما تعمل من خير وشرّ، وطاعة ومعصية .

*قوله {بِمَا تَسْعَى}*: أي: بما تعمل من خير وشر.
قاله الواحدي في الوسيط.

قال السمرقندي في بحر العلوم: لتجزى كل نفس بما تسعى يعني: لتثاب كل نفس بما تعمل.

قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى ( بِمَا تَسْعَى ): أي بما تعمل، وتكسب من الخير او الشر.
والسعي العمل، والكسب، والقصد، والمضي، والمبادرة؛ كله من معاني السعي؛ ولم يقل بما تعمل؛ وذلك لأهمية التأهب للقيامة.

فإذا تبين ذلك فلينظر العبد وجهته؛ وما يسعى إليه في دنياه، فإلى ماذا يقصد، ويمضي، ويبادر في حياته الدنيا؛ ففي الحديث (كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا). (1).

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وتَسْعى معناه تكسب وتجترح.

انتهى كلامه.

قلت: ومن هذه المعاني؛ قوله تعالى {إن سعيكم لشتى}: قال ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني: أي إن عملكم لمختلف.

إلا أبن أبا بكر قال: عملكم لمختلف.

قال يحيى بن سلام في التصاريف: {إن سعيكم} يعني عملكم.

قال الأزهري في الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي: وأصل السعي العمل.

قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: والسعي: الكسب، وكل عمل من خير أو شر: سعي. والفعل كالفعل. وفي التنزيل (لتجزى كل نفس بما تسعى).

ومنه { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ }: أي أدرك معه العمل.
قاله الزجاج في معاني وإعراب القرآن.

قال الفراء في معاني القرآن: يقول: أطاق أن يعينه على عمله وسعيه.

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: وصل درجة العمل معه، وقضاء حوائجه.

ومنه {فاسعوا إلى ذكر الله}: قال ابن قتيبة في غريب القرآن:* بادروا بالنية والجد. ولم يرد العدو، ولا الإسراع في المشي.

قال الزجاج في معانيه: معناه فاقصدوا إلى ذكر الله، وليس معناه العدو.

قال الفراء في معانيه: والمضي والسعي والذهاب في معنى واحد لأنك تقول للرجل: هو يسعى في الأرض يبتغي من فضل الله.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: يقول: إنما تجيء الساعة لتجزى كل نفس بما تعمل.

انتهى.

*قوله {فَلَا يَصُدَّنَّكَ}:* فلا يصدنك عنها يعني: لا يصرفنك عنها.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

قال القرطبي في تفسيره: أي لا يصرفنك عن الإيمان بها والتصديق لها.

قال الواحدي في الوسيط: لا يمنعنك ولا يصرفنك، عنها.

قال السمعاني في تفسيره: أي فلا يمنعنك عن التصديق بها.

قلت ( عبدالرحيم ): قوله تعالى {فَلَا يَصُدَّنَّكَ}:*ا صد الإعراض، والانصراف، والعدول عن الشيء. أي فلا يعرضنك، ولا يصرفنك، ولا يعدلنك، ولا يمنعنك؛ أي فلا يجعلك تعرض، وتنصرف، وتعدل عن الإيمان بها، والعمل لها؛ لا صديق حميم تحابيه، ولا عدو بعيد تخشاه؛ لأنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا في ذلك اليوم.

ومنه قوله تعالى {رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا}: قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط: أي: يعرضون عنك إعراضا، وصد، أي: أعرض.

قال الراغب في المفردات: الصدود والصد قد يكون انصرافا عن الشيء وامتناعا، نحو: يصدون عنك صدودا.، وقد يكون صرفا ومنعا نحو: وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل.

قال الكفوي في الكليات: والصد: هو العدول عن الشيء عن قلى يستعمل لازما بمعنى الانصراف والامتناع {يصدون عنك} {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله} ، ومتعديا بمعنى الصرف والمنع الذي يطاوعه الانصراف والامتناع {ولا يصدنك عن آيات الله} {هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام}.

انتهى.

*قوله {عَنْهَا}:* أي عن الساعة.

قال الفراء في معاني القرآن: وقوله: فلا يصدنك عنها يريد الإيمان ويقال عن الساعة: عن إتيانها. وجاز أن تقول: عنها وأنت تريد الإيمان كما قال (ثم إن ربك للذين هاجروا) ثم قال (إن ربك من بعدها لغفور رحيم) يذهب إلى الفعلة.

قال البغوي في تفسيره: والمعنى في إخفائها التهويل والتخويف ، لأنهم إذا لم يعلموا متى تقوم الساعة كانوا على حذر منها كل وقت.

قال الطبري: يقول تعالى ذكره: فلا يردّنك يا موسى عن التأهُّب للساعة.

انتهى.

*قوله {مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا}:* يعني: من لا يقرّ بقيام الساعة، ولا يصدّق بالبعث بعد الممات، ولا يرجو ثوابا، ولا يخاف عقابا.
قاله الطبري.

*قوله {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}:* يقول: مراده خالف أمر الله.
قاله البغوي.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: أي لا داعي لهم للصدّ عن الإيمان بالساعة إلا اتّباع الهوى دون دليل ولا شبهة ، بل الدليل يقتضي الإيمان بالساعة كما أشار إليه قوله { لِتُجزى كلُّ نفسسٍ بما تَسعى .

*قوله {فَتَرْدَى}:* فتهلك؛ إن أنت أعرضت عن العمل للساعة.

والمعنى إن صدك أحد عن الساعة والعمل لها تهلك، ويفوتك نعيم الآخرة؛ وتلك هي الخسارة الحق.

قال الطبري: يقول: فتهلك إن أنت انصددت عن التأهب للساعة، وعن الإيمان بها، وبأن الله باعث الخلق لقيامها من قبورهم بعد فنائهم بصدّ من كفر بها.

وقال البغوي: فلا يصرفنك عن الإيمان بالساعة.

انتهى كلامه.

فمعنى قوله تعالى (فَتَرْدَى): أي فتهلك.
قاله ابن قتيبة في غريب القران، والسمرقندي في البحر، والبغوي، وابن كثير، والقرطبي، والسمعاني، وابن عطية في المحرر الوجيز،
زاد القرطبي: وهو في موضع نصب بجواب النهي .

زاد ابن قتيبة: والردى: الموت والهلاك.

وزاد ابن كثير: وتعطب.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنه قوله تعالى (قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ): أي قال الذي في الجنة لصاحبه الذي هلك فدخل النار: تالله إن كدت لَتُرْدِينِ أي لتهلكني بصحبتك، وإغوائك.

قال النحاس في معاني القرآن: أي تهلكني.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي لتهلكني. يقال: أرديت فلانا، أي أهلكته. و"الردى": الموت والهلاك.

ومنه (وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى): تَرَدَّى: تفعل من الردى، وهو الهلاك.
قاله أبو بكر السجستاني في غريب القرآن.

قال الراغب في المفردات: والردى: الهلاك، والتردي: التعرض للهلاك.

انتهى.

وهذا ما تيسر لي
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
..................

(1): رواه مسلم (223) من حديث أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه -.
..................

كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-04-10, 07:24 PM
*(معاني وغريب القرآن - للاشتراك 00966509006424).*

قوله تعالى
﴿وَأَنّا لَمّا سَمِعنَا الهُدى آمَنّا بِهِ فَمَن يُؤمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخسًا وَلا رَهَقًا﴾[الجن: 13].

*قوله {وَأَنّا لَمّا سَمِعنَا}:* يعني الجن.

*قوله {الهُدى}:* يعني القرآن. فهو هدى.

ومنه قوله تعالى (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ).

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وأريد بالهدى القرآن إذ هو المسموع لهم ووصفوه بالهدى للمبالغة في أنه هاد .

*قوله {آمَنّا بِه}:* يقول: صدّقنا به، وأقررنا أنه حق من عند الله.
قاله الطبري في تفسيره.

قال ابن كثير في تفسيره: {وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به} يفتخرون بذلك ، وهو مفخر لهم ، وشرف رفيع وصفة حسنة.

قلت ( عبدالرحيم ): برهان كلام الحافظ ابن كثير - رحمه الله - قوله تعالى (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ): ذِكْرُكُمْ: شرفكم.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، وابن قتيبة في غريب القرآن، والواحدي في الوجيز، والبغوي في تفسيره، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، وغيرهم.

قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: قال ثعلب: معناه: فيه شرفكم.

وقوله {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}: أي شرف لكم وسوف تسالون عن القرآن.

قال الطبري في تفسيره: يعني به أنه شرفٌ له ولقومه.

قال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن: لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ: أي شرف.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي شرف لكم؛ يعني القرآن.

انتهى.

*قوله {فَمَن يُؤمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ}:* يوم القيامة؛ لأنه يوم الحساب، والحساب فيه بمثاقيل الذر؛ {فَمَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ . وَمَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}.

*قوله {بَخسًا}:* أي نقصا. بلغة قريش.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام في لغات القبائل الواردة في القرآن، وذكره عبدالله بن حسنون السامري في اللغات.

فقوله تعالى (فَلا يَخافُ بَخسًا): أي نقصا.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، والفراء في معاني القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وغيرهم.

إلا أن الفراء قال: لا ينقص من ثواب عمله ولا رهقا.

زاد ابن قتيبة: من الثواب.

قال الطبري في تفسيره: (فلا يخاف بخسا): يقول: لا يخاف أن ينقص من حسناته، فلا يجازى عليها.

قلت (عبدالرحيم): وأصل البخس: النقصان؛ كما نص عليه النحاس في معاني القرآن، والخطابي في غريب الحديث، وغيرهم.

قال ابن فارس في مجمل اللغة: بخس: البخس: النقصان، يقال: بخس المخ تبخيسا، إذا صار في السلامى والعين، وذلك حين نقصانه.

قال عياض اليحصبي في مشارق الأنوار على صحاح الآثار، وابن بطال الركبي في النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب: البخس النقصان.

زاد ابن بطال: بخسه فى البيع: إذا نقصه.

انتهى كلامه.

قلت: ومنه قوله تعالى (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ): تَبْخَسُوا: تنقصوا.
قاله أبو بكر السجستاني في غريب القرآن.

قال يحيى بن سلام في تفسيره: أي ولا تنقصوا الناس أشياءهم، يعني: الذي لهم، وكانوا أصحاب تطفيف ونقص في الميزان.

قال الطبري في تفسيره: يقول: ولاتنقصوا الناس حقوقهم التي يجب عليكم أن توفوهم كيلا أو وزنا أو غير ذلك.

قال الألوسي في روح المعاني :أي لا تنقصوا الناس بسبب نقص المكيال والميزان وعدم اعتدالهما أشياءهم التي يشترونها بهما.

ومنه (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ): لَا يُبْخَسُونَ: أي لا ينقصون.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن.

قال الفراء في معاني القرآن: يقول: من أراد بعمله من أهل القبلة ثواب الدنيا عجل له ثوابه ولم يبخس أي لم ينقص في الدنيا.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: البخس: نقص الشيء على سبيل الظلم، قال تعالى: (وهم فيها لا يبخسون).

ومنه (فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا): قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: لا ينقص، قال: لا تبخسنى حقي، قال فى مثل: «تحسبها حمقاء وهى باخسة» أي ظالمة.

قال الطبري: فليحذر عقابه في بخس الذي له الحق من حقه شيئا، أن ينقصه منه ظلما أو يذهب بهمنه تعديا، فيؤخذ به حيث لا يقدر على قضائه إلا من حسناته، أو أن يتحمل من سيئاته.

ومنه (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ): أي باعوه، والبخس النقص.
قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: بعته بخس: أي نقصان، منقوص، يقال: بخسني حقي أي نقصني. وهو مصدر بخست.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: والبخس والباخس: الشيء الطفيف الناقص، وقوله تعالى: (وشروه بثمن بخس) قيل: معناه: باخس، أي: ناقص، وقيل: مبخوس أي: منقوص، ويقال: تباخسوا أي: تناقصوا وتغابنوا فبخس بعضهم بعضا.

انتهى.

*قوله {وَلا}:* يخاف.

*قوله {رَهَقًا}:* أي ظلما. بلغة قريش.
ذكره عبدالله بن حسنون السامري في اللغات، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن.

قال السيوطي في الإتقان في علوم القرآن: {فلا يخاف بخسا} : نقصا من حسناته.
{ولا رهقا} : زيادة في سيئاته.

قال البغوي في تفسيره: (ولا رهقا): ظلما. وقيل: مكروها يغشاه.

قال الثعلبي في الكشف والبيان: يقول: لا يخاف أن ينقص من حسناته، ولا أن يزداد في سيئاته، ولا أن يؤخذ بذنب غيره، ولا أن يعاقب بغير جرم، وقيل: رهقا: مكروها يغشاه، وقيل: ذهاب كله نظيره قوله سبحانه وتعالى: فلا يخاف ظلما ولا هضما.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: ورهقا: ما يرهقه أي ما يغشاه من المكروه.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: وأصل "الرهق": ما رهق الإنسان من عيب أو ظلم.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والرهَق : الإِهانة ، أي لا يخشى أن يبخس في الجزاء على إيمانه ولا أن يهان .

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ): قال النحاس في معاني القرآن: ومعنى يرهق: يغشى. والذلة: الهوان.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: يرهق: أي يغشى، والقتر جميع قترة، وفى القرآن: «ترهقها قترة»، وهو الغبار.

ومنه (قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا): أي لا تغشني.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وأبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب.

قال الزمخشري في الكشاف: يقال: رهقه إذا غشيه، وأرهقه إياه. أى: ولا تغشني عسرا من أمرى، وهو اتباعه إياه، يعنى: ولا تعسر على متابعتك، ويسرها على بالإغضاء وترك المناقشة.

ومنه (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ): تَرْهَقُهُمْ: تغشاهم.
قاله الطبري في تفسيره ، ومقاتل بن سليمان في تفسيره، والزجاج في معاني وإعراب القرآن، والسمرقندي في بحر العلوم، وأبو عبيدة في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وابن أبي زمنين في تفسيره، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وأبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب.

زاد الطبري: ذلة من عذاب الله.

زاد مقاتل بن سليمان، والسمرقندي: مذلة.

وزاد أبو بكر السجستاني: ومنه قولهم: غلام مراهق أي قد غشي الاحتلام.

انتهى كلامه.

قلت(عبدالرحيم): قوله تعالى ( فَمَن يُؤمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخسًا وَلا رَهَقًا)؛ نظيرتها قوله تعالى ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا): قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: أي ولا نقيصة.

قال يحيى بن سلام في تفسيره: لا ينقص من حسناته.

قال الطبري: لا يخاف أن يهضمه حسناته، فينقصه ثوابها.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: الهضم: النقص، يقال فلان يهضمني حقي أي ينقصني، كذلك هذا شيء يهضم الطعام، أي ينقص ثقلته.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أي ولا يهضم فينقص من حسناته. يقال: هضمه واهتضمه إذا نقصه حقه.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
.................

كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-04-19, 06:22 PM
*(معاني وغريب القرآن - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424).*

قوله تعالى
﴿وَلا تُصَعِّر خَدَّكَ لِلنّاسِ وَلا تَمشِ فِي الأَرضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُختالٍ فَخورٍ﴾ [لقمان: 18].

*قوله {وَلا تُصَعِّر خدك لِلنّاسِ}:* أي لا تمل بعنقك، وتعرض بوجهك تكبرا وتعاظما، وتجبرا، وتعط خدك الناس إذا خاطبتهم؛ فتحقرهم.

لكن تواضع وأقبل عليهم بجميع وجهك؛ لأن المتكبر يميل بخده تكبرا.
كما وصفه الله بقوله (ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ): ثَانِيَ عِطْفِه: أي لاويا رقبته؛ كبرا وإعراضا عن الحق. والعِطف بالكسر: الرقبة.

والصعر: الميل. يقال: أصعرُ إليه يعني: أميل.
أفاده عياض اليحصبي في مشارق الأنوار على صحاح الآثار، وغير واحد.

قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: شالصعر:*الميل*في الخد خاصة. وقد صعر خده وصاعره، أي أماله من الكبر.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: (ولا تصعر خدك): أي لا تُعْرِضْ بوجهك وتتكبرْ.*

قال ابن منظور في لسان العرب: والتصعير: إمالة الخد عن النظر إلى الناس تهاونا من كبر كأنه معرض.

قال الزبيدي في تاج العروس: قال ابن الأثير:*الأصعر*ا معرض*بوجهه كبرا.

قال*العوفي السرقسطي في الدلائل في غريب الحديث: والصعر: ميل في العنق، وانقلاب في الوجه إلى أحد الشقين، يقال:*صعر*رأسه إذا مال في شق.

قال السيوطي في الإتقان في علوم القرآن: لا تتكبر فتحقر عباد الله وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك.

قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: أَي لَا تكبر على النَّاس.

قال*السعدي في تفسيره: أي لا تُمِلْهُ وتعبس* بوجهك الناس، تكبُّرًا عليهم، وتعاظما.

انتهى.

*قوله {وَلا تَمشِ فِي الأَرضِ مَرَحًا}:* مَرَحًا: يعني مختالا.
ولكن امش على الأرض هونا؛ كما قال تعالى (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا): أي برفق وسكينة وتواضع ووقار؛ أي مشيا رويدا. والهون: الرفق.
لذا قال بعدها (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ).

والمرح: شدة الفرح حتى يجاوز قدره؛ فيجره إلى الخيلاء، والكبر، والتبختر.

ونظيرتها قوله تعالى (وَلا تَمشِ فِي الأَرضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخرِقَ الأَرضَ وَلَن تَبلُغَ الجِبالَ طولًا)

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ*مَرَحً } أي: بالكبر والفخر. {إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ} أي: لا تقدر أن تقطعها حتى تبلغ آخرها.

قال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن: مرحا: أي ذا اختيال وتكبر.

انتهى كلامه.

قال الجصاص في أحكام القرآن: المرح البطر وإعجاب المرء بنفسه وازدراء الناس والاستهانة بهم فنهى الله عنه إذ لا يفعل ذلك إلا جاهل بنفسه وأحواله وابتداء أمره ومنتهاه.

قال النحاس في إعراب القرآن: والمرح في اللغة الأشر والبطر ويكون منه التختر والتكبّر.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: أي لا تمش متبخترا مختالا.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: أي لا تمرح فى مشيك من الكبر.

قال الواحدي في الوسيط: يقال:*صعر*خده وصاعر إذا أمال وجهه وأعرض تكبرا. يقول: لا تعرض عن الناس تكبرا عليهم.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: لا تمشي بالخيلاء، والمرح والبطر والأشر كله واحد، وهو أن يعظم نفسه في النعم.

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين، وابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: المرح: شدة الفرح حتى يجاوز قدره.

*قوله {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِب}:* فيه إثبات صفة المحبة لله - جل ذكره -.

*قوله {كُلَّ مُختالٍ}:* مُختالٍ: متكبر بفعله.
قاله الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن.

قال*في المنتخب من كلام العرب: مختال:*معجب بنفسه.

*قوله {فَخور}:* الفخور: المتكبر بأقواله؛ الذي يكثر التباهي بما أوتي؛ على وجه الفخر والرياء.

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: متكبر بقوله.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
.........................

كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك - للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

- للمتابعة قناة التليجرام:
https://t.me/abdelrehim19401940

- فيسبوك: https://m.facebook.com/1733151126926511/?ref=bookmarks

محب اهل الحديث
2017-04-20, 01:25 PM
جزاك الله خيراً

عبدالرحيم آل حمودة
2017-04-25, 07:05 AM
(معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424).*

قوله تعالى
{وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}: الماعون (7).

الماعون: كل ما ينتفع به؛ من قليل وكثير.

فيشمل الزكاة وهو أعلى ما قيل في تفسير الآية،* ويشمل كذلك أدنى ما قيل فيه من الأواني والملح، حتى الإبرة.

وهذا أجود من تخصيص الماعون بشيء دون آخر؛ لأن من أهل العلم من خصه بالزكاة فحسب، ومنهم من خصه بالماء، وقيل غير ذلك؛ ففي تأويلها اثنا عشر قولا.

ويدخل فيه ما يستعار ولا تضرر في إعارته للغير؛ قال ابن المنذر في الإشراف على مذاهب العلماء؛ في قوله تعالى (ويمنعون الماعون) وقال ابن عباس : العارية. وحكاه جمع من أهل العلم عنه - رضي الله عنه -.

لذا أوصي* بتعلم فقه العارية؛ وهي: هبة المنفعة بغير عوض، وهي قربة لله تعالى، وفيها أجر. ومن فقه مثل هذا، وما سنه الإسلام فيها؛ من آداب وشروط لأقبل الناس على صنع المعروف.

فالماعون عام؛ يدخل فيه كل معروف؛ يمكن بذله.

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}: يمنعون إعارة ما لا تضر إعارته من الآنية وغيرها؛ لبخلهم.

قال السعدي في تفسيره: {ويمنعون الماعون} أي: يمنعون إعطاء الشيء، الذي لا يضر إعطاؤه على وجه العارية، أو الهبة، كالإناء، والدلو، والفأس، ونحو ذلك، مما جرت العادة ببذلها والسماحة به. فهؤلاء -لشدة حرصهم- يمنعون الماعون، فكيف بما هو أكثر منه.

قال الطبري في تفسيره: وقوله: (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) يقول: ويمنعون الناس منافع ما عندهم, وأصل الماعون من كلّ شيء منفعته، يقال للماء الذي ينـزل من السحاب ماعون.

قال*أبو حيان في البحر المحيط في التفسير: الماعون: فاعول من المعن، وهو الشيء القليل. تقول العرب: ما له معن، أي شيء قليل.

قال الزَّبيدي في تاج العروس: والماعون: المعروف كله لتيسره وسهولته.
وقال - أيضا -: والماعون: المنفعة والعطية.

قال الأزدي في جمهرة اللغة: واشتقاق الماعون من المعن، أي الشيء اليسير.

قال الكفوي في الكليات: الماعون: كل ما يستعار من قدوم أو شفرة أو قدر أو قصعة فهو ماعون.

قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: والماعون: اسم جامع لمنافع البيت، كالقِدْر والفأس ونحوها.

قال الفيروزآبادى في القاموس المحيط: والماعون: المعروف، والمطر، والماء، وكل ما انتفعت به، كالمعن، أو كل ما يستعار من فاس وقدوم وقدر ونحوها، والانقياد، والطاعة، والزكاة، وما يمنع عن الطالب، وما لا يمنع، ضد.

قال زين الدين الحنفي في مختار الصحاح: و (الماعون) اسم جامع لمنافع البيت كالقدر والفأس ونحوهما. والماعون أيضا الماء. والماعون أيضا الطاعة. وقوله تعالى: {ويمنعون الماعون} قال أبو عبيدة: الماعون في الجاهلية كل منفعة وعطية. وفي الإسلام الطاعة والزكاة. وقيل: أصل الماعون معونة والألف عوض عن الهاء.

انتهى.

فقوله تعالى {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}: كالإبرة والفأس والقدر والقصعة.
قاله الجلال المحلي في الجلالين.

قال الواحدي في الوجيز {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}: الزَّكاة وما فيه منفعةٌ من الفأس والقِدر والماء والملح.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: والماعون*اسم*لما *لا يمنع في العادة ويسأله الفقير والغني، ينسب مانعه إلى سوء الخلق ولؤم الطبيعة كالفأس والقدر والدلو والمقدحة والغربال والقدوم، ويدخل فيه الملح والماء والنار.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وصفٌ لهم بقلة النفع لعباد الله.

قال القاسمي في محاسن التاويل: ويمنعون الماعون أي ما يعان به الخلق ويصرف في معونتهم من الأموال والأمتعة وكل ما ينتفع به.

قال الشوكاني في فتح القدير: ويمنعون الماعون. قال أكثر المفسرين: الماعون: اسم لما يتعاوره الناس بينهم: من الدلو والفأس والقدر، وما لا يمنع كالماء والملح.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: أي يمنعون ما فيه منفعة.والماعون في الجاهلية ما فيه منفعة حتى الفأس والدلو والقدر والقداحة
وكل ما انتفع به من قليل أو كثير.

قال ابن المنذر في الإشراف على مذاهب العلماء
واختلف أهل العلم في معنى قوله تعالى: {الْمَاعُونَ}.
فكان ابن مسعود يقول: العواري، الدلو، والقدر، والميزان.
وقال ابن عباس: العارية.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: وفي*الماعون*أربع ة أقوال: الأول أنه الزكاة، والثاني أنه المال بلغة قريش. الثالث أنه الماء، الرابع أنه ما يتعاطاه الناس بينهم كالآنية والفأس والدلو والمقص، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الشيء الذي لا يحل منعه؟ فقال الماء والنار والملح وزاد في بعض الطرق الإبرة والخميرة.

ثم قال - رحمه الله - بعد ان ذكر أقولا عدة -: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب، إذ كان الماعون هو ما وصفنا قبل، وكان الله قد أخبر عن هؤلاء القوم، وأنهم يمنعونه الناس، خبرًا عاما، من غير أن يخص من ذلك شيئا أن يقال: إن الله وصفهم بأنهم يمنعون الناس ما يتعاونونه بينهم، ويمنعون أهل الحاجة والمسكنة ما أوجب الله لهم في أموالهم من الحقوق؛ لأن كل ذلك من المنافع التي ينتفع بها الناس بعضهم من بعض.

قلت ( عبدالرحيم ): ومنع الماعون: أي امساكه وعدم إعطاءه للغير؛ على وجه البخل والحرص فحسب؛ مع يسره وحقارته، وضمان رجوعه عليه عند اعارته؛ كما أنهم يمنعون إعانة الغير؛ ليته لضرر يلحقهم؛ إنما منعوا لمجرد المنع.

قال ابن كثير في تفسيره: أي لا أحسنوا عبادة ربهم ، ولا أحسنوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ويستعان به ، مع بقاء عينه ورجوعه إليهم .
...................

كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-05-08, 10:23 AM
*آيات قد تفهم خطأ - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿وَوُضِعَ الكِتابُ فَتَرَى المُجرِمينَ مُشفِقينَ مِمّا فيهِ وَيَقولونَ يا وَيلَتَنا مالِ هذَا الكِتابِ لا يُغادِرُ صَغيرَةً وَلا كَبيرَةً إِلّا أَحصاها وَوَجَدوا ما عَمِلوا حاضِرًا وَلا يَظلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف: 49].

*قوله {وَوُضِعَ الكِتاب}:* أي ووضعت الكتب.

ف/ " الكتاب" اسم جنس؛ أفرد وأريد به كتب العباد التي تعرض على ربهم يوم القيامة؛ وذلك مصدقا لقوله تعالى (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ): يعني كتب الأعمال فتحت، وبسطت. من قولك: نشرت القماش: أي بسطته.

فمعنى قوله تعالى {وَوُضِعَ الكِتاب}: يعني كتب أعمال*العباد توضع في أيدي الناس في أيمانهم وشمائلهم.
قاله*البغوي في تفسيره.
*
قال السمرقندي في بحر العلوم: وقال تعالى:*ووضع*الكت ب، أي وضع كتاب كل امرئ منهم بيمينه أو بشماله.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: الكتاب*اسم جنس، يراد به كتب الناس التي أحصاها الحفظة لواحد واحد.

قال الخطيب الشربيني في السراج المنير: والمراد الجنس وهو صحف الأعمال.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والكتاب*مراد*به* لجنس، أي وضعت كتب أعمال البشر، لأن لكل أحد كتابا، كما دلت عليه آيات أخرى منها قوله تعالى: وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك.

قلت (عبدالرحيم): ونظيرتها قوله تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ): الْكِتَابَ: قال القرطبي في تفسيره: أي*الكتب.

قال النسفي في مدارك التنزيل: أي جنس*الكتاب.

وقوله (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ): أي ووضعت كتب أعمال العباد؛ فيجيء الله لفصل القضاء ليجازيهم بما فيها؛ فحينها تشرق الأرض. (1).

قال الواحدي في الوجيز: أي*الكتب*التي فيها أعمال بني آدم.

وقوله (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ): قال ابن كثير في تفسيره: يعني:الكتب*المنز لة من عنده على أنبيائه.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
.............................. .......
(1): قال ابن جرير الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: فأضاءت الأرض بنور ربها، يقال: أشرقت الشمس. إذا صفت وأضاءت, وأشرقت: إذا طلعت، وذلك حين يبرز الرحمن لفصل القضاء بين خلقه.
...................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-05-09, 08:37 AM
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَينِ أَحَدُهُما أَبكَمُ لا يَقدِرُ عَلى شَيءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَولاهُ أَينَما يُوَجِّههُ لا يَأتِ بِخَيرٍ هَل يَستَوي هُوَ وَمَن يَأمُرُ بِالعَدلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُستَقيمٍ﴾ [النحل: 76].

*قوله {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَينِ أَحَدُهُما أَبكَم}:* أَبكَمُ: أخرس؛ لا يتكلم.

والأبكم معتل بأكثر من علة؛ فهو لا يفهم؛ لعلة الصمم.
ولا يُفهِم غيره؛ لعلة الخرس.

فإن قلت إن الأبكم يفهم بالإشارة؟
فالجواب: هذا مثل للصنم؛ فأين له الحركة، والإشارة؟!.

والأبكم* من ولد بهذه العلة، فهو لم يسمع كلاما للناس قط؛ فأنى له الكلمات؟!.

كما أن الذي ولد أعمى يقال أكمه؛ لأنه لم ير شيئا في الوجود أبدا. (1).

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: والأبكم*المطبق الذي لا يسمع ولا يبصر ولا يعقل.

قال الأزدي في جمهرة اللغة: البكم:*الخرس*رجل أبكم من قوم بكم والأنثى بكماء.

قال ابن فارس في مجمل اللغة: " بكم ":*البكم:*الخرس، وهو الأبكم، ويقال: لا يكون أبكم إلا وهناك ضعف عقل.

انتهى.

فقوله تعالى {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَينِ أَحَدُهُما أَبكَم}: أَبكَم: أي ولد أخرس.
قاله البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور.

قال الطبري في تفسيره: وهذا مثل ضربه الله تعالى لنفسه والآلهة التي تُعبد من دونه.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: وهو مثل للأصنام والذي يأمر بالعدل هو*الله تعالى.

قال السمرقندي في بحر العلوم: (وضرب*الله*مثلار لين*أحدهما*أبكم) أي أخرس وهو الصنم.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {وضرب*الله*مثلا*ر جلين*أحدهما*أبكم } أي: لا يتكلم؛ يعني: الوثن.

قال النسفي في مدارك التنزيل: ضربه لنفسه ولما يفيض على عباده من آثار رحمته ونعمته وللأصنام التي هي أموات لا تضر ولا تنفع.

*ُقوله {لا يَقدِرُ عَلى شَيء}:* من مال ولا منفعة.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

قال*الواحدي في الوجيز: {لا يقدر على شيء} من الكلام لأنه لا يفهم ولا يفهم عنه.

*قوله {وَهُوَ}:* يعني الصنم، والوثن.

يهتم به عابده؛ يحمله، وينقله معه في سفره، ويقوم على خدمته، وهو كالعدم.

*قوله {كَلٌّ}:* كَلٌّ: يعني ثقيل وعالة ووبال؛ يريد الصنم المعبود من دون الله.

وأصل الكل: الثقل. ومنه قول خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ عندما نزل عليه الوحي: " فوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا،*فوالله إِنَّكَ*لَتَصِل الرَّحِمَ، وتصدق الحديث، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ..."(2).

والشاهد:" وَتَحْمِلُ الْكَل ". (3).

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والكَلّ بفتح الكاف العالَة على الناس.

قال ابن منظور في لسان العرب: هو، بالفتح:*الثقل*من* كل*ما يتكلف.

قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: الكل: العيال والثقل. قال الله تعالى: (وهو*كل*على*مولاه ) والجمع الكلول.*
*
قال الصُحاري في الإبانة في اللغة العربية: وقولهم: فلان*كل*على*أهله كل*على*أهله أي عيال وثقل*عليهم، ومنه قوله تعالى: {وهو*كل*على*مولاه }.

قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: قال: الكل: الثقل، ومولاه*- هاهنا: مالكه وصاحبه، يعني: الصنم هاهنا، لأنه يحتاج أن يحمله في النقل.

قال السمرقندي في البحر: أي ثقل على وليه وقرابته، يعني: الصنم عيال ووبال على عابده.
*
قال البغوي في تفسيره: (وهو كل على مولاه) عابده، يحتاج إلى أن يحمله ويضعه ويخدمه.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أي ثقل على*مولاه.

إلا أن أبا بكر قال: ثقل*على*وليه وقرابته.

قال البغوي في تفسيره: كَلٌ: ثقل ووبال.

قال النحاس في معاني القرآن: يعني الوثن لأنه*كل*على*من عنده وثقل والمولى الولي.

*قوله {عَلى مَولاه}:* أي وليه؛ وهو صاحبه، ومالكه، والقائم على خدمته.

قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: الذي يلي أمره.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: (وهو كل على مولاه): أي على وليه.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والمولى: الذي يلي أمر غيره. والمعنى : هو عالة على كافله لا يدبّر أمر نفسه.

*قوله {أَينَما يُوَجِّههُ}:* يرسله.
قاله البغوي في تفسيره، والواحدي في الوجيز، والبقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات.

زاد البقاعي: ويصرفه ذلك المولى.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {أينما يوجهه} هذا العابد له؛ يعني: دعاءه إياه.

*قوله {لا يَأتِ بِخَيرٍ}:* لأنه لا يفهم ما يقال له ، ولا يفهم عنه، هذا مثل الأصنام ، لا تسمع ، ولا تنطق ، ولا تعقل.
قاله البغوي في تفسيره.

*قوله { هَل يَستَوي هُوَ وَمَن يَأمُرُ بِالعَدل}:* يعني الصنم، أم الله الذي يأمر بالعدل والإحسان؟!.
كما قال تعالى عن نفسه (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي).

أما الصنم فهو أبكم، ولا يقدر على شيء قط، يحتاج إلى من يحمله، ويزيل عنه الغبار؛ أينما توجه، وتدعوه لا يستجيب، ولا ينفعك، ونفسه بنافعة، وهو مملوك؛ يملكه سيده وصانعه يملكه؛ يكسره أو يأكله (إن صنعه من عجوة) إن شاء.

فكيف يعبد هذا السيد المالك وهو الكافر مثل هذا؟، وهو الذي يملك العقل والسمع والبصر واللسان، وسائر أعضائه التي يتحرك، ويبطش بها؟!.

والصنم والأموات والقبور والأضرحة لا تملك شيئا من هذا (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ).

ففي الواقع أن الذي يستحق العبادة - على زعم المشركين - هو السيد لأنه المالك، لا الصنم؛ لأنه هو الذي صنع الصنم أو اشتراه،
وكذا المستحق بالعبادة على زعم عباد القبور هو الحي؛ لأن الميت ميت.

وهذا توبيخ لعباد الأوثان والقبور والأضرحة. فليتوبوا إلى الله من شركهم وكفرهم؛ قبل حلول الأجل فيحرموا الجنة، ويخلدوا في الجحيم أبدا، وإن كانت حسناتهم أمثال الجبال؛ وتلك هي الخسارة الحق.
قال الله (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ).

وقال (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

انتهى.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {لا يأت بخير هل يستوي} هذا الوثن {ومن يأمر بالعدل} وهو*الله*{وهو على صراط مستقيم} هو مثل قوله: {إن ربي على صراط مستقيم}.

قال البغوي (هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل)*يعني: الله تعالى قادر ، متكلم ، يأمر بالتوحيد.

قال السمعاني في تفسيره: {هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل} عنى به نفسه، والله*تعالى يأمر بالعدل، ويفعل العدل.

قال الفراء في معاني القرآن: وقوله: (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا) ضرب مثلا للصنم الذي يعبدون أنه لا يقدرعلى*شيء، (وهو*كل*على*مولاه ) أي يحمله، فقال: هل يستوي هذا الصنم (ومن يأمر بالعدل) فقال: لا تسووا بين الصنم وبين الله تبارك وتعالى.

قال ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن: ولأنه ضرب لهذا المعنى مثلا آخر بعقب هذا الكلام فقال: وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم أي: أخرس لا يقدر*على*شيء وهو*كل*على*مولاه* أي: عيال وثقل*على*قرابته ووليه أينما يوجهه لا يأت بخير.
فهذا مثل آلهتهم، لأنها صم بكم عمي، ثقلعلى*من عبدها، في خدمتها والتعبد لها، وهي لا تأتيه بخير.
ثم قال: (هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهوعلى*صراط مستقيم) فجعل هذا المثل لنفسه.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: فالأول مثَل الأصنام الجامدة التي لا تفقه وهي محتاجة إلى من يحرسها وينفض عنها الغبار والوسخ ، والثاني مثل لكماله تعالى في ذاته وإفاضته الخير على عباده.

انتهى.

المعنى الإجمالي للآية من كتاب* (المختصر في التفسير): وضرب الله سبحانه مثلاً آخر للرد عليهم هو مثل رجلين: أحدهما أبكم لا يسمع ولا ينطق ولا يفهم؛ لصممه وبكمه، عاجز عن نفع نفسه وعن نفع غيره، وهو حمل ثقيل على من يعوله، ويتولى أمره، أينما يبعثه لجهة لا يأت بخير، ولا يظفر بمطلوب، هل يستوي من هذه حاله مع من هو سليم السمع والنطق، نفعه مُتَعَدٍّ، فهو يأمر الناس بالعدل، وهو مستقيم في نفسه، فهو على طريق واضح لا لبس فيه ولا عِوَج؟! فكيف تُسَوون - أيها المشركون - بين الله المتصف بصفات الجلال والكمال وبين أصنامكم التي لا تسمع ولا تنطق، ولا تجلب نفعًا، ولا تكشف ضرًّا؟!.
.................

(1): قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والأبكم : الموصوف بالبَكم بفتح الباء والكاف وهو الخَرَس في أصل الخلقة من وقت الولادة بحيث لا يفهم ولا يُفهم . وزيد في وصفه أنه زَمِنٌ لا يقدر على شيء.

(2): شطر من حديث رواه البخاري (4953)، ومسلم (160)؛ من حديث عائشة رضي الله عنها.

(3): قال النووي في شرحه لمسام: وأما الكل فهو بفتح الكاف وأصله الثقل ومنه قوله تعالى*{وهو كل على مولاه} ويدخل في حمل الكلالإنفاق على الضعيف واليتيم والعيال*وغير ذلك وهو من الكلال وهو الإعياء.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
..........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-05-09, 07:27 PM
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿وَلَولا أَن ثَبَّتناكَ لَقَد كِدتَ تَركَنُ إِلَيهِم شَيئًا قَليلًا (74) إِذًا لَأَذَقناكَ ضِعفَ الحَياةِ وَضِعفَ المَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَينا نَصيرًا (75)﴾ [الإسراء].

*قوله {وَلَولا أَن ثَبَّتناك}:* عصمناك.
قاله السمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره. وهو قول مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية.

قال الواحدي في البسيط: {وَلَولا أَن ثَبَّتناك}: أي على الحق بعصمتنا إياك.

*قوله {لَقَد كِدتَ}:* كِدتَ: أي قربت، وهممت، وأوشكت. و " كاد" من أفعال المقاربة.

وفي الآية دليل بيّن أن العبد لا غنى له عن ربه* وتوفيقه طرفة عين؛ حتى لو كان أكرم الخلق على الله - صلوات الله وسلامه عليه -.

كما قال تعالى في معرض منته (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا).

قال النسفي في مدارك التنزيل: لقاربت أن تميل إلى مكرهم. انتهى كلامه.

فقوله تعالى {كِدتَ}: يعني قربت.

ومثله كثير في القرآن؛ من ذلك* قوله تعالى (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ): أي قربت جهنم تميز (أصله: تتميز وحذفت التاء للتخفيف) أي تتمزق، وتتشق غيظا على الكفار.

ومنه (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ): قال الخطيب الشربيني في السراج المنير: يَكَادُ الْبَرْقُ: يقرب.

ومنه (فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ): أي قربوا ألا يفعلوا؛ لأنهم فعلوا عن اغماض.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: ووضع*«كاد»*لمقار بة*الفعل، يقال: كاد*يفعل: إذا لم يكن قد فعل، وإذا كان معه حرف نفي يكون لما قد وقع، ويكون قريبا من أن لا يكون. نحو قوله تعالى: لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا.

انتهى.

*قوله {تَركَنُ إِلَيهِم}:* تَركَنُ: أي تميل.
قاله القرطبي في تفسيره، والبغوي في تفسيره، والواحدي في الوجيز، والسمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ، وغيرهم.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: أي تميل وتعدل وتطمئن.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أي كدت*تميل*إليهم.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: لقد كدت*
تركن*إليهم*أي: هممت وقاربت أن*تميل*إلى مرادهم شيئا قليلا.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ): تَرْكَنُوا: تميلوا.

قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: ولا تميلوا ، أيها الناس ، إلى قول هؤلاء الذين كفروا بالله، فتقبلوا منهم وترضوا أعمالهم.

قال الألوسي في روح المعاني: أي لا*تميلواإليهم أدنى ميل، والمراد بهم المشركون.

*قوله {شَيئًا قَليلًا}:* ركونا قليلا؛ وهذا تهييج من الله له وفضل تثبيت.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.

*قوله {إِذًا}:* لو ملت إليهم.

قال الجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور: أي إن تحقق ركونك إليهم.

*قوله {لَأَذَقناكَ}:* لاصبناك.
ومنه قوله تعالى (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ): أَذَقْنَا: أصبنا.

ومنه (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ): قال السمرقندي في بحر العلوم: وإذا*أذقنا*الناس ، يعني:*أصبنا الناس رحمة، يعني: المطر.

*قوله { ضِعفَ الحَياةِ وَضِعفَ المَمات}:* لو ركنت إلى هؤلاء المشركين يا محمد شيئا قليلا فيما سألوك إذن لأذقناك ضعف عذاب الحياة، وضعف عذاب الممات.
قاله الطبري في تفسيره.

قال البغوي في تفسيره: أي لو فعلت ذلك لأذقناك ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات يعني: أضعفنا لك العذاب في الدنيا والآخرة .

قلت (عبدالرحيم): قوله {ضِعفَ الحَياةِ وَضِعفَ المَمات}: أي إن ركنت؛ أي ملت إلى هؤلاء المشركين لعذبناك ضعف عذاب الحياة، وضعف عذاب الممات؛ فالعهدة عليك أضعاف ما على الناس، وقد أطلعه الله على ما لم يطلع عليه أحد، ولعظم وثقل نعمة الرسالة والنبوة.

ونظيرتها قوله تعالى (وَلَو تَقَوَّلَ عَلَينا بَعضَ الأَقاويلِ . لَأَخَذنا مِنهُ بِاليَمينِ . ثُمَّ لَقَطَعنا مِنهُ الوَتينَ . فَما مِنكُم مِن أَحَدٍ عَنهُ حاجِزينَ).

قال الجرجاني في درج الدرر: وإنما يضاعف الوعيد لتضاعف النعمة. انتهى كلامه.

فقوله تعالى (ضِعفَ الحَياةِ وَضِعفَ المَمات): من باب الحذف والاختصار (1)؛ ونظيرتها قوله (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ): أي أشربوا في قلوبهم حب عبادة العجل.

وكما في قوله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ): فقوله: الحج: يعني وقت الحج.

قال الفراء في معاني القرآن: وقت الحج هذه الأشهر.

وكقوله (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ): وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ: يعني أهل القرية.
فحذف اختصارا؛ وهي طريقة في اللغة معروفة؛ كقول من يسكن في طرف بلدة: أنا ذاهب إلى البلد: يعني وسط البلد؛ وإلا فهو في البلد؛ وإن كان في طرفها.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا): المعنى: وأسال أهل القرية.
قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: أراد أهل القرية. وكما قال (والعير التي أقبلنا فيها) أراد: أهل العير.

انتهى.

*قوله {ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَينا نَصيرًا}:* أي ناصرا يمنعك من عذابنا.
قاله البغوي في تفسيره.

انتهى.

المعنى الإجمالي للآية (75)؛

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: والمعنى لو ركنت إليهم في ذلك الشيء القليل إذن لأذقناك ضعف
الحياة وضعف الممات، أي ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات
لأنك أنت نبي ويضاعف لك العذاب على عذاب غيرك لو جنى هذه الجناية
كما قال: (يا نساء*النبي*من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين)لأن*درجة*ا نبي*ودرجة*آله الذين وصفهم الله فوق*درجة*غيرهم.

انتهى كلامه.

ومن كتاب (المختصر في التفسير):
ولو ملت إليهم فيما يقترحون عليك لأصبناك بعذاب مضاعف في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ثم لا تجد نصيرًا يناصرك علينا، ويدفع عنك العذاب.
.............................. ...
(1): أنظر تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة - رحمه الله -.
.................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-05-14, 04:14 PM
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿وَما أَرسَلنا مِن رَسولٍ إِلّا بِلِسانِ قَومِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُم فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشاءُ وَيَهدي مَن يَشاءُ وَهُوَ العَزيزُ الحَكيمُ﴾ [إبراهيم: 4].

*قوله {وَما أَرسَلنا مِن رَسولٍ إِلّا بِلِسانِ قَومِه}:* إِلّا بِلِسانِ قَومِه: أي بلغة قومه؛ الذين هو منهم.

ونظيرتها قوله تعالى (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ): بِلِسَانِكَ: أي بلغتك؛ التي هي أفصح اللغات.

قال القرطبي في تفسيره: أي سهلناه بلغتك عليك وعلى من يقرؤه.

قال سراج الدين النعماني في اللباب: «بلسانك» أي بلغتك. والباء للمصاحبة.

قال الجلال المحلي في الجلالين: «بلسانك»: بلغتك لتفهمه العرب منك.

قال ابن كثير في تفسيره: أي إنما يسرنا هذا القرآن الذي أنزلناه سهلا واضحا بينا جليا بلسانك الذي هو أفصح اللغات وأجلاها وأحلاها وأعلاها.

قال أبو السعود في تفسيره: أى إنما أنزلنا الكتاب المبينبلغتك*كي يفهمه قومك.

انتهى.

فمعنى قوله تعالى (وَما أَرسَلنا مِن رَسولٍ إِلّا بِلِسانِ قَومِه): إِلّا بِلِسانِ قَومِه: أي بلغة قومه.
قاله الطبري في تفسيره، وغلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والنحاس في معاني القرآن، والواحدي في البسيط، والسمرقندي في بحر العلوم، والزركشي في البرهان في علوم القرآن، وإلايجي الشافعي في جامع البيان، وغيرهم.

زاد الطبري: ما كانت.

وزاد الزجاج: ليعقل عنه*قومه.

وزاد السمرقندي: ليفهموه وليكون أبين لهم.

وزاد الإيجي: الذي هو بعث فيهم.

*قوله {لِيُبَيِّنَ لَهُم}:* يقول: ليفهمهم وتلزمهم الحجة.
قاله*الفراء في معاني القرآن.

*قوله {فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشاءُ وَيَهدي مَن يَشاءُ}:* بعد أن يبين لهم الرسول، ويقيم عليهم الحجة بلسانهم.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: بعد البيان.

*قوله {وَهُوَ}:* الله.

*قوله {العَزيزُ}:* الذي لا يمنعه أحد عما أراده، وقضاه.

قال الطبري في تفسيره: الذي لا يمتنع مما أراده من ضلال أو هداية من أرادَ ذلك به.

*قوله {الحَكيم}:* حكيم له الحكمة البالغة؛ في الأمر عامة، وأن يضل من شاء ويهدي من شاء خاصة؛ فهي حكمة بالغة لا تدركها عقولكم إلا من شاء الله بوحي؛ وإلا فلا إلا التسليم والخضوع له في إضلاله من شاء، وهداية من شاء.

وليس معناه: أن الله أجبر من ضل على الضلال - حاشاه -؛ ألا ترى إلى قوله تعالى (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى)!.

فأفعاله تعالى شأنه مبنية على الفضل والعدل؛ وهو يضل من يشاء عدلا، ويهدي من يشاء فضلا.

وقد سبق بحمد الله الحديث عن هذه المسألة، وبيان عقيدة أهل السنة والجماعة؛ فهم وسط في باب أفعال الله - سبحانه - بين الجبرية والقدرية. وذلك عند تعرضنا لتفسير سورة التوبة؛ فله الحمد الحسن والثناء الجميل.

انتهى.

قال الطبري في تفسيره: (الحكيم)*، في توفيقه للإيمان من وفَّقه له، وهدايته له من هداه إليه ، وفي إضلاله من أضلّ عنه ، وفي غير ذلك من تدبيره.

*فائدة:*

قال السعدي في تفسيره: ويستدل بهذه الآية الكريمة على أن علوم العربية الموصلة إلى تبيين كلامه وكلام رسوله أمور مطلوبة محبوبة لله لأنه لا يتم معرفة ما أنزل على رسوله إلا بها إلا إذا كان الناس بحالة لا يحتاجون إليها، وذلك إذا تمرنوا على العربية، ونشأ عليها صغيرهم وصارت طبيعة لهم فحينئذ قد اكتفوا المؤنة، وصلحوا لأن يتلقوا عن الله وعن رسوله ابتداء كما تلقى عنهم الصحابة رضي الله عنهم.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
..........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-05-14, 04:16 PM
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَه َا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ}: النحل (80).

*قوله {وَاللَّهُ جَعَلَ}:* جَعَلَ: معناه صير.
قاله القرطبي في تفسيره.

قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: أي صير، أو خلق.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {وَاللَّهُ جَعَلَ}: أي صيّر. و" الجعل " يطلق في التنزيل ويراد به عدة معان - وسأذكر طرفا يسيرا في حديثي عن هذه المسألة، ولو علت الهمة - يغفر الله لي التقصير - لذكرت فيها بحثا طويلا؛ لكن سأذكر ما يسر الله لي.

فأقول مستعينا بالله:

يأتي " الجعل " بمعنى: التصيير؛ كما في الآية التي نحن بصدده، وكما في قوله تعالى (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ):جعل ناه أي صيرنا قراءة هذا الكتاب عربيا. قاله البغوي في تفسيره.

وقوله (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً): قال ابن عطية في المحرر الوجيز:* وجعل بمعنى صير في هذه الآية لتعديها إلى مفعولين.

وقوله (كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِين َ . الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ): وقوله عِضِينَ مفعول ثان وجعل بمعنى صير، أي بألسنتهم ودعواهم.
قاله ابن عطية في المحرر.

وقوله (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ): أي صير الله الكعبة، وصير الأشهر الحرم، وصير الهدي، وصير القلائد.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله تعالى: جعل الله الكعبة جعل بمعنى: صير.

قال الأزدي في تهذيب اللغة: وَيُقَال جعلتُه أحذقَ النَّاس بِعَمَلِهِ، أَي صيّرته. انتهى كلامه.

وقوله (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ): وجعل بمعنى صير. والأكابر جمع الأكبر.
قاله القرطبي في تفسيره.

وقوله (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً): قال أبو حيان في البحر المحيط: والظاهر أن الليل والنهار مفعول أول لجعل بمعنى صير، وآيتين ثاني المفعولين.

وكما في وقوله (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ): (كعصف)*في موضع نصب، على أنه مفعول ثان ل/*(فجعلهم) أي*صيرهم.
قاله الزحيلي في التفسير المنير.

ومنها: الخلق، وهو في التنزيل كثير جدا؛ كما في قوله (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا): يعني أنه خلق من آدم زوجته حوّاء.
قاله الطبري في تفسيره.

قال القرطبي في تفسيره: "جعل " بمعنى خلق.

وقوله (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ): أي خلقنا من الماء كل حيوان كقوله والله خلق كل دابة من ماء أو كأنما خلقناه من الماء لفرط احتياجه إليه وحبه له وقلة صبر عنه كقوله خلق السموات من عجل.
قاله النسفي في تفسيره.

وقوله (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا): يعني: خلق لكم الليل لتقروا فيه من النصب والتعب، والنهار مبصرا يعني: خلق النهار مطلبا للمعيشة.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

ومنها: الوصف: ومنه قوله تعالى (وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ الجن): قال السمعاني في تفسيره، وابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب: أي وصفوا لله.

وقال ابن الجوزي في زاد المسير في علم التفسير: جعلوا: بمعنى وصفوا.

قال الشنقيطي في أضواء البيان:* لفظة " جعل " تأتي في اللغة العربية لأربعة معان ; ثلاثة منها في القرآن:
الأول: إتيان جعل بمعنى اعتقد، ومنه قوله تعالى: (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) أي: اعتقدوهم إناثا، ومعلوم أن هذه تنصب المبتدأ والخبر.
الثاني: جعل بمعنى صير، كقوله: (حتى جعلناهم حصيدا خامدين) وهذه تنصب المبتدأ والخبر أيضا.
الثالث: جعل بمعنى خلق، كقوله تعالى: (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور) أي: خلق السماوات والأرض وخلق الظلمات والنور.
والظاهر أن منه قوله هنا: الله الذي جعل لكم الأنعام أي: خلق لكم الأنعام، ويؤيد ذلك قوله تعالى: (والأنعام خلقها لكم)، وقوله: أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما الآية.
الرابع: وهو الذي ليس في القرآن جعل بمعنى شرع، ومنه قوله:
وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني ثوبي فأنهض نهض الشارب السكر.

انتهى.

*قوله {لَكُمْ}:* أيها الناس.
قاله الطبري في تفسيره؛ إلا أنه قال: (والله جعل لكم) أيها الناس.

*قوله {مِنْ بُيُوتِكُمْ}:* التي تقيمون بها دائما، أو في غالب أوقاتكم. وهي بيوت الحضر؛ كالتي تصنعونها من الحجر، والطين، والخشب، وما تحدثونه من بناء.

قال البغوي في تفسيره: التي هي من الحجر والمدر.

*قوله {سَكَنًا}:* موضعاً تسكنون فيه ويستر عوراتكم وحرمكم وذلك أنَّه خلق الخشب والمدر والآلة التي يمكن بها تسقيف البيوت.
قاله الواحدي في الوجيز.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: والسكن مصدر يوصف به الواحد، ومعناه يسكن فيها وإليها.

قال البغوي في تفسيره {سَكَنًا}: أي مسكنا تسكنونه.

قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب: أي موضعا تسكنون فيه.

قال الطبري في تفسيره: تسكنون أيام مقامكم في دوركم وبلادكم.

قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: وهو بمعنى مسكون أي تسكنون فيها وتهدأ جوارحكم*من*الحرك ة وهذا*من*جملة تعديد الله نعمه على الإنسان فإن الله سبحانه لو شاء لخلق العبد مضطربا دائما كالأفلاك ولو شاء لخلقه ساكنا أبدا كالأرض.

*قوله {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ}:* أي من الشعر والصوف والوبر.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: والأنعام اسم للإبل والبقر والغنم.

*قوله {بُيُوتًا}:* كالخيام.

فإن قلت: إن أكثر الناس اليوم لا يتخذون هذه المذكورات بيوتا؛ فأين محل المن بالنعمة؟.

فالجواب: قل لمن يتخذها " وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا "،
وقل لمن اتخذ غيرها؛ كالمصانع؛ أي الأبنية (1): (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا).

وقد نوه القرآن عن كل ما يحدثه الإنسان من مصنوعات؛ كما في سورة النعم (النحل) (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ): أي يخلق لكم ما لا تعلمونه، وما يريد. ومنة الله تدرك العباد أينما صنعوا، واتخذوا.

*قوله {تَسْتَخِفُّونَ َا}:* خفيفة عليكم حملها. وهذا مشاهد؛ فالخيام - مثلا - يسهل حملها في السفر والحضر.

قال السمعاني في تفسيره، وابن الجوزي في تذكرة الأريب: وقوله: {تستخفونها} يعني: يخف عليكم حملها.

قال الطبري في تفسيره: يقول: تستخفون حملها ونقله.

قال السمرقندي في البحر: أي تستخفون حملها.

قال الألوسي في روح المعاني: تستخفونها أي تجدونها خفيفة سهلة المأخذ فالسين ليست للطلب بل للوجدان كأحمدته وجدته محمودا.

وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: استخفَّ الشَّيءَ: عدَّه أو وجده خفيفًا " {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَه َا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} ".

*قوله {يَوْمَ}:* حين، ووقت. ويأتي" اليوم " بمعنى" حين ".

ومنه قوله تعالى (وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا): يَوْمَ حَصَادِه: أي حين حصاده، أو وقت حصاده.

ومنه (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا): يَوْمَ وُلِدْت: يعني حين ولدت. ومثله: وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يوم ولدت يعني: حين ولدت، ويوم أموت يعني: حين أموت.

*قوله {ظَعْنِكُمْ}:* سيركم، وخروجكم ، وارتحالكم من بلادكم وأمصاركم لأسفاركم. والظعن: السفر، والترحال.

يقال: ظعن الرجل: أي رحل.

قال الحميري في شمس العلوم: " ظَعَن ": الظَّعْن والظَّعَن: السير، قال الله تعالى (يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ).

قال زين الدين الرازي في مختار الصحاح: (ظعن) سار.

قال الأزدي في جمهرة اللغة: والظَّعَن والظَّعْن وَاحِد: ضد المُقام.

قال ابن منظور في لسان العرب: ظعن: ظعن يظعن ظعنا وظعنا، بالتحريك، وظعونا: ذهب وسار.

قال الأزهري في تهذيب اللغة: والظَعْنُ: سير الْبَادِيَة لنُجْعة أَو حُضُور مَاء أَو طلب مَرْتَع أَو تحوّل من مَاء إِلَى مَاء أَو من بلد إِلَى بلد. وَقد ظَعَنوا يَظْعَنون. وَقد يُقَال لكل شاخص لسفر فِي حجّ أَو غَزْو أَو مسير من مَدِينَة إِلَى أُخْرَى: ظاعِن، وَهُوَ ضدّ الْخَافِض، يُقَال: أظاعن أَنْت أم مُقيم؟.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {يوم ظعنكم} : يوم وقت ترحلكم.
قاله الكفوي في الكليات.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره، والسمعاني في تفسيره: {يوم ظعنكم} يعني: يوم سفركم.

قال يحيى بن سلام في التصاريف: {تستخفونها يوم ظعنكم} يعني حين ظعنكم.

قال الطبري في تفسيره: (يوم ظعنكم) من بلادكم وأمصاركم لأسفاركم، (ويوم إقامتكم) في بلادكم وأمصاركم.

*قوله {وَيَوْمَ}:* أي وحين. على ما سبق بيانه.

*قوله {إِقَامَتِكُم}:* في منازلكم، وما تستوطنونه.

والمعنى: أي لا يثقل عليكم في الحالتين؛ حين إقامتكم؛ في غير السفر؛ وفي بلادكم، وما تستوطنونه.

قال الطبري في تفسيره: في بلادكم وأمصاركم.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: يعني: قراركم في غير سفر.

قال الجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور: و {إقامتكم:} لبثكم في المنازل.

قال البغوي في تفسيره: (ويوم إقامتكم)، في بلدكم؛ لا تثقل عليكم في الحالين.

قال السمرقندي في البحر: (يوم ظعنكم ويوم إقامتكم): أي يوم انتقالكم وسفركم، ويوم نزولكم.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: تستخفونها في الحمل يوم ظعنكم يعني حين رحلتكم وأسفاركم وتستخفونها ويوم إقامتكم حين تقيمون في الأسفار وتستخفونها يعني الأبيات التي تتخذونها ولا يشق عليكم ضرب الأبنية.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: واعلم أن البيوت التي يسكن الإنسان فيها على قسمين:
القسم الأول: البيوت المتخذة من الخشب والطين والآلات التي بها يمكن تسقيف البيوت، وإليها الإشارة بقوله: والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وهذا القسم من البيوت لا يمكن نقله، بل الإنسان ينتقل إليه.
والقسم الثاني: القباب والخيام والفساطيط، وإليها الإشارة بقوله: وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يومظعنكم ويوم إقامتكم وهذا القسم من البيوت يمكن نقله وتحويله من مكان إلى مكان. واعلم أن المراد الأنطاع، وقد تعمل العرب البيوت من الأدم وهي جلود الأنعام أي يخف عليكم حملها في أسفاركم.

*قوله {وَمِنْ أَصْوَافِهَا}:* الصوف: للغنم.

*قوله {وَأَوْبَارِهَا} :* الوبر: للإبل. وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: «الفخر، والخيلاء الفدَّادِين أهل الوبر...»: أهل الوبر: يعني أهل الإبل.

قال الأزدي الميورقي في* تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم: يعني أهل الإبل ذات الوبر فأقام المضاف إليه مقام المضاف.

*قوله {وَأَشْعَارِهَا} :* الشعر: للمعز.

قال النحاس في معاني القرآن: فالأصواف للضأن والأوبار للإبل والأشعار للمعز.

*قوله {أَثَاثًا}:* قال القتيبي: الأثاث المال جميعه من الإبل والغنم والعبيد والمتاع.
قاله البغوي في تفسيره.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن، والزجاج في معاني القرآن: الأثاث: متاع البيت.

زاد ابن قتيبة: من الفرش والأكسية.

وزاد الزجاج: ويقال لمتاع البيت أيضا، الأهرة، ويقال: قد أث يئيث أثا إذا صار ذا أثاث.

قال الواحدي في الوجيز: {أثاثا} طنافس وأكسية وبسطا.

قال السمرقندي في بحر العلوم: متاع البيت أي من الأكسية والفرش.

قال السمعاني في تفسيره: وهو ما يتأثث به أي: ينتفع به.

قال الرازي في التفسير الكبير: وقوله: (أثاثا) الأثاث أنواع متاع البيت من الفرش والأكسية.

*قوله {وَمَتَاعًا}:* تتمتعون به.
قاله الواحدي في الوجيز.

قلت ( عبدالرحيم): فيه مسألتان:

الأولى: إذا كان الاثاث متاعا، فما فائدة التنبيه في المرة الثانية بقوله (ومتاعا)؟.

فالجواب: فقد يملك الإنسان الأثاث وغيرها من النعم لكن لا يتمتع بها لعلة ما، أو مرض قلبي؛ كم يقتني للفخر والخيلاء.

وفيه أنه ينبغي للعبد أن يتمتع ويمتع غيره بما أولاه الله - عز وجل- ولا يجعل ذلك مجرد اقتناء، لا ينتفع به؛ فيكون متاعه مؤى للشيطان؛ فعن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «فراش للرجل، وفراش لامرأته، والثالث للضيف، والرابع للشيطان». رواه مسلم (2084).

الثانية: فإن قيل: عطف المتاع على الأثاث والعطف يقتضي المغايرة، وما الفرق بين الأثاث والمتاع؟

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير:
قلنا: الأقرب أن الأثاث ما يكتسي به المرء ويستعمله في الغطاء والوطاء، والمتاع ما يفرش في المنازل ويزين به.

انتهى.

*قوله {إِلَى حِينٍ}:* وقت فناءه، وموتكم.

وفيه أنه ينبغي للعبد أن يعلم أن ما خوله الله من نعيم إنما هو لأجل مسمى فلا يركن إلى الدنيا وغن طابت؛ وقد نبه الله على هذا كي لا يفتن بالدنيا؛ فكانه قال هذه النعم مع أنني صيرتها لكم وسخرتها لكم لكن ليس للخلود في دار الفناء.

قال الطبري في تفسيره: وقوله ( وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ) فإنه يعني: أنه جعل ذلك لهم بلاغا، يتبلَّغون ويكتفون به إلى حين آجالهم للموت.

قال السمرقندي في البحر: (ومتاعا إلى حين): أي المنفعة تعيشون فيه إلى الموت. ويقال: تنتفعون بها إلى حين تبلى.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره، والبغوي في تفسيره: {إلى حين} إلى الموت.

قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {ومتاعا إلى حين} أي: متعة إلى حين آجالكم.

قال السيوطي في الجلالين: وقت انقضاء آجالكم.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
..........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-05-14, 04:17 PM
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
{وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا}: الإسراء (11).

*قوله {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ}:* أي ويدعو الإنسان ربه بالشر كما يدعوه بالخير.

ولو استجاب له في الشر لأهلكه؛ كما قال (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم ْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ): أي لو استجاب لهم في الشر؛ لقضي إليهم أجلهم؛ أي ماتوا؛ كما قال (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ): أي أمتناه.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم ْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ): أي لو عجل الله للناس الشر إذا دَعَوْا به على أنفسهم عند الغضب وعلى أهليهم وأولادهم، واستعجلوا به كما يستعجلون بالخير فيسألونه الرزق والرحمة: {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} أي: لماتوا.

قال الفراء في معاني القرآن: يقول: لو أجيب الناس في دعاء أحدهم على ابنه وشيهه بقولهم: أماتك الله، ولعنك الله، وأخزاك الله لهلكوا.

انتهى.

فمعنى قوله تعالى (وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ): أي يدعو على نفسه وعلى خادمه وعلى مَالِه، بما لو استُجيب له فيه، هلك.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن.

قال مكي في تفسير المشكل: أي يدعو على نفسه بالشر عند غيظه.

قال القرطبي: (دعاءه بالخير): أي كدعائه ربه أن يهب له العافية.

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: المعنى أن الإنسان ربما دعا على نفسه وولده وأهله بالشر غضبا كمايدعو لنفسه بالخير، وهذا لم يعر منه بشر.

قال الطبري في تفسيره: ويدعو الإنسان على نفسه وولده وماله بالشرّ، فيقول: اللهمّ أهلكه والعنه عند ضجره وغضبه، كدعائه بالخير: يقول: كدعائه ربه بأن يهب له العافية، ويرزقه السلامة في نفسه وماله وولده، يقول: فلو استجيب له في دعائه على نفسه وماله وولده بالشرّ كما يستجاب له في الخير هلك، ولكن الله بفضله لا يستجيب له في ذلك.
قاله الطبري في تفسيره.

قال الفراء في معاني القرآن: وقوله: (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير) يريد كدعائه بالخير في الرغبة إلى الله عز وجل فيما لا يحب الداعي إجابته، كدعائه على ولده فلا يستجاب له في الشر وقد دعا به. فذلك أيضا من نعم الله عز وجل عليه.

*قوله {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا}:* ومن جملة عجلته؛ أن يستعجل ربه الإجابة؛ ولو في الشر.

قال البغوي في تفسيره: (وكان الإنسان عجولا): بالدعاء على ما يكره أن يستجاب له فيه .

قال السعدي: وهذا من جهل الإنسان وعجلته حيث يدعو على نفسه وأولاده وماله بالشر عند الغضب ويبادر بذلك الدعاء كما يبادر بالدعاء في الخير، ولكن الله -بلطفه - يستجيب له في الخير ولا يستجيب له بالشر. { وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم ْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ }.

قلت ( عبدالرحيم): قوله تعالى {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا}: فيه عظة لأهل الإيمان؛ وهي أنهم لا يستعجلون ربهم في إجابة الدعاء؛ ولو كان بمباح.

فهم مع تضرعهم لربهم، وإقبالهم عليه فيما يسألونه؛ يسلّمون له، ويدَعون ربهم يختار لهم؛ فهو علام الغيوب، وولي الذين آمنوا؛ أرحم بالعبد منه بنفسه.

فكم من باب تظنه خيرا، وهو عند الله شر محض. وقد تحسب بابا شرا وهو سر سعادتك في الدارين.

فقد فرض الله القتال في سبيله لما فيه من الخيرات العظام في الدنيا والآخرة، في العاجل والآجل؛ ومع ذلك تكرهه النفوس؛ وهو خير محض كله؛ خير لهم لا يدانيه خير؛ قال تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ): والله يعلم ما لا تعلمونه في الأمر عامة، وما قضاه لكم خاصة.

وقد يكون عطب المرء وهلاكه فيما طلبه، ورغبه. فكم من عبد استعجل ربه حتى أساء به الظن؛ فقُضي إليه أجلُه؛ كمن يلحّ على ربه بضجر أن يرزقه السفر إلى بلد ما، وإذ به ينقلب إلى الدار الآخرة، أو يرجع مهشم الرأس مقطع الأطراف.

فالعبد بين أمرين: الأول: أن يعظم الرغبة في الله، ويجد في دعاءه؛ وبهذا أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

والثاني: يمتثل ما شرعه ربه من آداب الدعاء، فلا يتضجر، ولا يستعجل؛ وفي الحديث: " يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي ". (3)
..............................

(1): للشيخ السعدي رحمه الله تفسير قيم؛ في تفسير هذه الآية - آية البقرة - فراجعه إن شئت -.

(2): رواه البخاري (6340)، ومسلم (2735)؛ من حديث أبي هريرة مرفوعا.

..........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-05-15, 12:25 PM
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿وَاترُكِ البَحرَ رَهوًا إِنَّهُم جُندٌ مُغرَقونَ﴾ [الدخان: 24].

*قوله {وَاترُكِ}:* يا موسى - عليه السلام -.

*قوله {البَحرَ}:* بعد نجاتك ومن معك من عدوكم؛ فرعون وملائه.

والمعنى اترك البحر الذي انفلق لك بضربك إياه بالعصى.

*قوله {رَهوًا}:* ساكنا. والرهو: السكون.

وذلك لما شق الله البحر لموسى - عليه السلام - ومن معه فجاوزوه؛ فأراد - لعل ذلك - موسى عليه السلام أن يضربه مرة أخرى كي يحول البحر بينه وبين فرعون؛ فأوحى الله إليه ألا تفعل؛ بل اتركه ساكنا؛ ليكون كصيد الفخ لفرعون؛ أي ليكون استدراجا منا له لنغرقه وقومه؛ فكان (إِنَّهُم جُندٌ مُغرَقون).

أي لا تضربه، ولا تأمره أن يعود؛ وقد ذلل الله ذلك لموسى؛ فقد ضرب الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا؛ وهذا أمر من الله وتوجيه أنه لا يحرك ساكنا ولا يسكن متحركا إلا بأمر منه تعالى.

يريد: اتركه على حالته التي أصبح كل ناحية منه كالطود العظيم؛ أي الجبل العظيم؛ لا تضربه مرة أخرى ليعود؛ إنما نريده هادئا؛ استدراجا منا كي يدخله فرعون وقومه فيطبق عليهم مرة أخرى؛ فيغرقوا.

قال البغوي في تفسيره: (رهوا)*ساكنا على حالته* وهيئته، بعد أن ضربته ودخلته، معناه: لا تأمره أن يرجع، اتركه حتى يدخله آل فرعون، وأصل*" الرهو "*:* السكون.

قال الطبري في تفسيره: وقوله*( وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا )*يقول: وإذا* قطعت البحر أنت وأصحابُك، فاتركه ساكنا على حاله التي كان عليها حين دخلته.*

انتهى.

فمعنى قوله تعالى (وَاترُكِ البَحرَ رَهوًا): رَهوًا: أي ساكنا.
قاله الفراء في معاني القرآن، وأبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، والنفسي في مدارك التنزيل، وابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل، وغيرهم.

زاد ابن الجوزي: على حاله بعد أن انفرق.

وزاد أبو عبيدة: أره على نفسك أي ارفق بها ولا تخرق. يقال: عيش راه، قال بشر بن أبى خازم:
فإن أهلك عمير فرب زحف*...*يشبه نقعه*رهوا*ضبابا.

وزاد أبو بكر: كهيئته بعد أن ضربه موسى عليه السلام، وذلك أن موسى لما سأل ربه أن يرسل*البحر*خوفا من فرعون أن يعبر في أثره، قال الله جل وعز: {واتركالبحر*رهوا *إنهم جند مغرقون} . ويقال*رهوا: منفرجا.

قال الألوسي في روح المعاني: يقال رها*البحر*يرهو رهوا*سكن ويقال: جاءت الخيل*رهوا*أي ساكنة، قال الشاعر:
والخيل تمزع*رهوا*في أعنتها*...*كالطير ينجو من الشؤبوب ذي البرد.
ويقال افعل ذلك*رهوا*أي ساكنا على هينة وأنشد غير واحد للقطامي في نعت الركاب:
يمشين*رهوا*فلا الأعجاز خاذلة*...*ولا الصدور على الأعجاز تتكل.

قال النسفي في مدارك التنزيل: (واترك البحر رهوا): ساكنا*أراد*موسى* ليه السلام لما جاوز البحر أن يضربه بعصاه فينطبق فأمر بأن يتركهساكنا*على هيئته قارا على حاله من انتصاب الماء وكون الطريق ببسالا يضربه بعصاه ولا يغير منه شيئا ليدخله القبط فإذا حصلوا فيه أطبقه الله عليهم وقيل الرهو الفجوة الواسعة أي اتركه مفتوحا على حاله منفرجا.

*قوله {إِنَّهُم جُندٌ مُغرَقون}:* نغرقهم في ذلك البحر الذي تجاوزوه رهوا.
قاله الواحدي في الوجيز.

قال البغوي في تفسيره: أخبر موسى* أنه يغرقهم ليطمئن قلبه في تركه البحر كما جاوزه.

*المعنى الإجمالي للآية؛ من كتاب (المختصر في التفسير):*
وأمره إذا اجتاز البحر هو وبنو إسرائيل أن يتركه ساكنًا كما كان، إن فرعون وجنده مهلكون بالغرق في البحر.
..........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-05-15, 12:26 PM
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا}: الفرقان (54).

*قوله {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا}:* مِنَ الْمَاءِ: من النطفة.
قاله البغوي.

قال ابن ابي زمنين: خلق من النطفة إنسانا.

*قوله {فَجَعَلَهُ نَسَبًا}:* يعني قرابة النسب.

*قوله {وَصِهْرًا}:* يعني قرابة النكاح.

قال الزمخشري في أساس البلاغة: " ص هـ ر ": بينهم صهر وصهورة وهو حرمة الزواج.

قال برهان الدين الخوارزمي المُطَرِّزِىّ*ف المغرب في ترتيب المعرب: النسب ما لا يحل نكاحه والصهر الذي يحل نكاحه كبنات العم والخال وأشباههن من القرابة التي يحل تزوجها.

قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: قوله تعالي: {فجعله نسبًا وصهرًا} أي قريبًا من جهة النكاح. والأصهار: أقارب الزوج أو الزوجة.

قال السمعاني في تفسيره: النسب نسبة من قرابة، والصهر خلطة من غير النسب.

قال الفراء في معاني القرآن: فأما النسب فهو النسب الذي لا يحل نكاحه، وأما الصهر فهو النسب الذي يحل نكاحه كبنات العم والخال وأشباههن من القرابة التي يحل تزويجها.

قال الجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور: {نسبا وصهرا} أي: مناسبا ومصاهرا يناسب بعضه بعضا؛ لتبقية الإلفة وحفظ الأصل، وتصاهر بعضه بعضا لاستفادة الإلفة، وإنشاء النسل.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: و «النسب والصهر» معنيان يعمان كل قربى تكون بين كل آدميين، ف «النسب» هو أن يجتمع إنسان مع آخر في أب أو في أم قرب ذلك أو بعد، و «الصهر» تواشج (1) المناكحة، فقرابة الزوجة هم الأختان (2)، وقرابة الزوج ثم الأحماء والأصهار يقع عاما لذلك كله.

قال أبو السعود في تفسيره: {فجعله نسبا وصهرا} أي قسمه قسمين ذوي نسب أي ذكورا ينتسب إليهم وذوات صهرا أي أناثا يصاهر بهن كقوله تعالى فجعل منه الزوجين الذكر والانثى.

*قوله {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا}:* ومن جملة قدرته أن جعل من نفس واحدة - وهي التي خلقها من ماء - قرابات؛ نسبا وصهرا، ولا يشبه أحد أحدا مع عظم كثرتهم.

قال ابن كثير في تفسيره: (فجعله نسبا وصهرا)، فهو في ابتداء أمره ولد نسيب، ثم يتزوج فيصير صهرا، ثم يصير له أصهار وأختان وقرابات. وكل ذلك من ماء مهين؛ ولهذا قال: (وكان ربك قديرا).

..........................
(1): في المعجم الوسيط: وشَج*الشَّيءُ اشتبك وتداخل والتفّ :- وشَجت الأغصان ، - وشَجت الهمومُ في قلبه .*
وشَج**قرابَتَه : شبَكَها ووصلها وربطها.

(2): الخَتَن*: كل من كان من قِبَل المرأة كأبيها ،* وأخيها ، وكذلك ، وزوج البنت أو زوج الأخت والأنثى:*خَتَنَة ٌ.
كذا في المعجم الوسيط.
.................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-05-16, 07:40 PM
... *معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿وَخُذ بِيَدِكَ ضِغثًا فَاضرِب بِهِ وَلا تَحنَث إِنّا وَجَدناهُ صابِرًا نِعمَ العَبدُ إِنَّهُ أَوّابٌ﴾ [ص: 44].

*قوله {وَ}:* قلنا.

*قوله {خُذ}:* يا أيوب. - عليه السلام -.

*قوله {بِيَدِكَ}:* تأكيد.

ونظيرتها قوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ): بِأَيْدِيهِمْ: تأكيد. وإلا فمن المعلوم أن الكتابة تباشرها اليد لا غيرها؛ وهذا غالب البرية، اللهم إلا من يكتب بعضديه لعلة؛ لكن النادر لا اعتبار له؛ كما قال (وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ).

ونظيرتها (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ): إذ لا يخر السقف إلا من أعلى.

وأحمد الله الذي لا إله غيره؛ أن ألهمني ما ذكرته؛ قبل أن أطلع على ما قاله أرباب العلم.

وإليك:

قال*ابن كثير في تفسيره: {ولا*تخطه*بيمينك} *تأكيد*أيضا، وخرج مخرج الغالب، كقوله تعالى: {ولا طائر يطير بجناحيه}.

قال الزمخشري في الكشاف: {يكتبون*الكتاب}*ا لمحرف*{بأيديهم}*ت أكيد، وهو من مجاز التأكيد، كما تقول لمن ينكر معرفة ما كتبه: يا هذا كتبته بيمينك هذه.*

قال الخطيب الشربيني في السراج المنير: وقوله تعالى: {بأيديهم}*تأكيد*ك قولك: كتبته بيميني.

قال أبو السعود في تفسيره: {بأيديهم}*تأكيد*ل دفع توهم المجاز كقولك كتبته بيميني.

قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: وقوله (بأيديهم)تأكيد*ل ن*الكتابة لا تكون إلا باليد، فهو مثل قوله (ولا طائر يطير بجناحيه) وقوله (يقولون بأفواههم) قال ابن السراج هو كناية عن أنه من تلقائهم دون أن ينزل عليهم، وفيه أنه قد دل على أنه من تلقائهم.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: و*{من فوقهم}*تأكيد لجملة*{فخرّ عليهم السّقف}.

انتهى.

فمعنى قوله تعالى (وَخُذ بِيَدِكَ): وقلنا خذ بيدك.
قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والطبري في تفسيره.

*قوله {ضِغثًا}:* حزمة صغيرة من حشيش أو ريحان أو غير ذلك.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.

قال السمعاني في تفسيره: والضغث: كل ما يملأ الكف من خشب أو حشيش أو غيره.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني بالضغث القبضة الواحدة.

قال الطبري في تفسيره: وهو ما يجمع من شيء مثل حزمة الرُّطْبة، وكملء الكفّ من الشجر أو الحشيش والشماريخ ونحو ذلك مما قام على ساق.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {ضِغثًا}: يعني باقة؛ أي حزمة عيدان مختلطة؛ مجموعة من عيدان كسنابل القمح؛ أي كانت تلك العيدان؛ تجمع في قبضة اليد ومنه قولهم " باقة ورد ".

ومنه قول سلمة ابن الأكوع - رضي الله عنه - (كما في مسلم (1807) من حديث ابن عنه): " فأخذت سلاحهم، فجعلته ضغثا في يدي...". أي أخذ سلاح بعض المشركين فجعلها حزمة في يده.

ومنه قوله تعالى (قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ): أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ: أي مجموعة أحلام مختلطة؛ كاختلاط العيدان المختلفة الزرع، والنوع؛ وهي التي لا تأويل لها.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: حزم أخلاط من الأحلام.

قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: قوله تعالي: {وخذ بيدك ضغثًا} الضغث: قبضةٌ من حشيشٍ أو ريحانٍ أو قضبانٍ. وفي التفسير: أن أيوب عليه السلام حلف ليضربن امرأته مئة سوطٍ، فأفتاه الله تعالي بأن يأخذ حزمة مئة فيضربها فيبر، علي ما أوضحناه في موضعه. وبذلك شبهت الأحلام المختلطة فقيل: {أضغاث أحلام}* أي أخلاطٌ مجتمعةٌ لا يدري ما تأويلها.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: «أَضْغاثُ أَحْلامٍ» واحدها ضغث مكسور وهى ما لا تأويل لها من الرؤيا، أراه جماعات تجمع من الرؤيا كما يجمع الحشيش، فيقال ضغث، أي ملء كفّ منه.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي: أخْلاط أحلام. مثل أضْغَاث النبات يجمعها الرجل فيكون فيها ضُرُوب مختلفة. والأحلام واحدها حُلُم.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أضغاث أَحْلَام: [أخلاط أَحْلَام] مثل أضغاث الْحَشِيش يجمعها الْإِنْسَان فَتكون فِيهَا ضروب مُخْتَلفَة.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: الضغث: قبضة ريحان، أو حشيش أو قضبان، وجمعه: أضغاث. قال تعالى: وخذ بيدك ضغثا، وبه شبه الأحلام المختلطة التي لا يتبين حقائقها، قالوا أضغاث أحلام: حزم أخلاط من الأحلام.

انتهى.

فمعنى قوله تعالى (وَخُذ بِيَدِكَ ضِغثًا فَاضرِب بِهِ وَلا تَحنَث): ضِغثًا: أي: باقة من كل شيء، من قضبان، من ريحان، من عيدان.
قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن.

*قوله {فَاضرِب بِهِ}:* من حلفت أن تضربه.

قال الواحدي في الوجيز: {فاضرب به} امرأتك.

السمعاني: يعني: فاضرب به امرأتك.

*قوله {وَلا تَحنَث}:* في يمينك؛ بتركك الضرب. أي لا إثم ولا كفارة عليك بعدها.

قال السمعاني في تفسيره: {ولا تحنث} أي: ولا تدع الضرب فتحنث.

قال القرطبي في تفسيره: فأخذ شماريخ قدر مائة فضربها ضربة واحدة.

قال البغوي في تفسيره: (فاضرب به ولا تحنث) في يمينك ، وكان قد حلف أن يضرب امرأته مائة سوط ، فأمره الله أن يأخذ ضغثا يشتمل على مائة عود صغار ، ويضربها به ضربة واحدة.

قال مقاتل بن سليمان: ولا تحنث يعني ولا تأثم في يمينك التي حلفت عليها.

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: {ولا تحنث}: لا تنقض يمينك التي حلفتها بضرب زوجتك.

قلت ( عبدالرحيم): و يأتي " الحنث " في التنزيل يأتي على معنيين:

الأول: الشرك: وسمي حنثا؛ لأن الله أخذ العهد على بني آدم ألا يشركوا به؛ فمن أشرك فقد حنث؛ وهذا أعظم الحنث.
ومنه قوله تعالى (وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ): قال ابن كثير في تفسيره: وهو الكفر بالله ، وجعل الأوثان والأنداد أربابا من دون الله .

قال الكفوي في الكليات، والبغوي في تفسيره، وغيرهما:{الحنث العظيم} : الشرك.
إلا أن البغوي قال: وهو الشرك .

قال القرطبي في تفسيره: أي يقيمون على الشرك.

قال النسفي في المدارك: أي على الذنب العظيم أو على الشرك لأنه نقض عهد الميثاق والحنيث نض العهد المؤكد باليمين أو الكفر بالبعث بدليل قوله وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم لا يبعث الله من يموت.

والثاني: الحنث في اليمين: أي الإثم المترتب على عدم الوفاء باليمين؛ وهو المعني بالآية التي نحن بصددها؛ (وَخُذ بِيَدِكَ ضِغثًا فَاضرِب بِهِ وَلا تَحنَث).

*قوله {إِنّا وَجَدناهُ}:* علمناه.
قاله الزمخشري في الكشاف، والنسفي في المدارك، وصديق خان في فتح البيان في مقاصد القرآن.

*قوله {صابِرًا}:* أي على البلاء.
قاله القرطبي في تفسيره.

قال الطبري في تفسيره: يقول: إنا وجدنا أيوب صابرا على البلاء، لا يحمله البلاء على الخروج عن طاعة الله، والدخول في معصيته.

*قوله {نِعمَ العَبدُ}:* هو أيوب - عليه السلام -.

*قوله {إِنَّهُ أَوّابٌ}:* أَوّابٌ: رجاع إلى ربه. والأوب: الرجوع. يقال: آب من سفره: يعني رجع منه.

قال الطبري في تفسيره: (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) يقول: إنه* على طاعة الله مقبل, وإلى رضاه رجَّاع.

ومنه قوله تعالى{وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}: قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي: المرجع. من "آبَ يؤُوب": إذا رجع.

قال القرطبي في تفسيره: (نعم العبد إنه أواب ) أي تواب رجاع مطيع .

قال السمعاني في تفسيره: أي رجاع إلى طاعة الله.

قال أبو بكر الأنباري في الزاهر في معاني كلمات الناس: وقال أهل اللغة: الأواب: الرجاع الذي يرجع إلى التوبة والطاعة، من قولهم: قد آب يؤوب أوبا: إذا رجع. قال الله عز وجل: {لكل أواب حفيظ}.

قال الأزدي في جمهرة اللغة: آبَ يؤوب أَوْباً وإياباً، إِذا رَجَعَ.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

..........................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-05-19, 12:08 PM
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿وَاقصِد في مَشيِكَ وَاغضُض مِن صَوتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصواتِ لَصَوتُ الحَميرِ﴾
[لقمان: 19].

*قوله {وَاقصِد في مَشيِك}:* أي توسط فيه . والقصد : ما بين الإسراع والبطء.
قاله القرطبي في تفسيره.

قال الجلال المحلي في الجلالين: توسط*فيه بين الدبيب والإسراع وعليك السكينة والوقار.

وقال الطبري في تفسيره: يقول: وتواضع في مشيك إذا مشيت، ولا تستكبر، ولا تستعجل، ولكن اتئد.

*قوله {وَاغضُض مِن صَوتِك}:* واخفض من صوتك، فاجعله قصدا إذا تكلمت.
قاله الطبري في تفسيره.

قال البغوي في تفسيره: (واغضض من صوتك)*انقص من*صوتك.

قال القرطبي في تفسيره: واغضض من صوتك أي انقص منه؛ أي لا تتكلف رفع الصوت وخذ منه ما تحتاج إليه؛ فإن الجهر بأكثر من الحاجة تكلف يؤذي. والمراد بذلك كله التواضع.

قال ابن الهائم في التبيان في غريب القرآن: واغضض*من صوتك: انقص منه [زه] يقال: غض منه، إذا نقص منه.

قال الألوسي في روح المعاني: أي انقص منه واقصر من قولك فلان يغض من فلان إذا قصر به وضع منه وحط من درجته. وفي البحر الغض رد طموح الشيء كالصوت والنظر.

انتهى كلامه.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى (وَاغضُض): أي اخفض، وانقص؛ كف عن صوتك المرتفع.

وأصل الغض: الخفض، والكف.

قال الحربي في المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث: وأصل*الغض:*الكف؛ ومنه: غض الملامة: أي كف عن اللوم.

قال في تهذيب اللغة: أي إخفض الصوت، ويقال؛ غض الطرف، أي: كف النظر.

قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: " غضض " غض طرفه، أي خفضه. وغض*من صوته. وكل شئ كففته فقد غضضته، والأمرمنه في لغة أهل الحجاز اغضض. وفي التنزيل: {واغضض*من*صوتك}.

قال الفَتَّنِي في مجمع بحار الأنوار: (واغضض*من صوتك): أي انقص*من*جهارته.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ): يَغُضُّونَ: يخفضون.
قاله البغوي في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، والبقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، وإلايجي الشافعي في جامع البيان، وغيرهم.

زاد البقاعي: ويلينون.

وقال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: إن الذين يكفون رفع أصواتهم عند رسول الله، وأصل الغضّ: الكفّ في لين. ومنه: غضّ البصر، وهو كفه عن النظر، كما قال جرير:
فَغُــضَّ الطَّـرْفَ إنَّـكَ مِـنْ نُمَـيْر
فَــلا كَعْبــا بَلَغــتَ وَلا كِلابــا.

ومنه (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ): يعني: * يكفوا* أبصارهم* ومن * صلة في الكلام.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

قال * الطبري في تفسيره: يقول: يكفوا من نظرهم إلى ما يشتهون النظر إليه، مما قد نهاهم الله عن النظر إليه.
*
*قوله {إِنَّ أَنكَرَ الأَصواتِ لَصَوتُ الحَميرِ}:* إِنَّ أَنكَرَ الأَصواتِ: أي أقبح الأصوات.
قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن، والطبري في تفسيره، والبغوي في تفسيره.

قال*القرطبي في تفسيره: إن أنكر الأصوات لصوت الحمير أي أقبحها وأوحشها.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وسيأتي مزيد بحث عند تعرضنا لتأويل سورة لقمان. (إن شاء الله).
.......................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-05-20, 04:52 PM
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكّيهِم بِها وَصَلِّ عَلَيهِم إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُم وَاللَّهُ سَميعٌ عَليمٌ﴾ [التوبة: 103].

*قوله {خُذ}:* أي: اقبل.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ): وَيَأْخُذُ الصَّدَقَات: أي يقبلها.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، ومكي في تفسير المشكل، وسراج الدين النعماني في اللباب في علوم الكتاب، والألوسي في روح المعاني، وغيرهم.

قال الألوسي في روح المعاني: أي*يقبلها قبول من*يأخذ*شيئا ليؤدي بدله فالأخذ هنا استعارة للقبول.

ومنه (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ): خذ: أي اقبل.

قال الواحدي في الوجيز: {خذ*العفو}*اقبل*ا ميسور من أخلاق الناس ولا تستقص عليهم وقيل: هو أن يعفو عمن ظلمه ويصل من قطعه.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقال الجمهور في قوله*خذ*العفو*إن معناه*اقبل*من الناس في أخلاقهم وأقوالهم ومعاشرتهم ما أتى عفوا دون تكلف.

قال القرطبي في تفسيره: أي*اقبل*من الناس ما عفا لك من أخلاقهم وتيسر، تقول: أخذت حقي عفوا صفوا، أي سهلا.*

فائدة:

قال أبو حيان في البحر المحيط في التفسير: وفي قوله:*{خذ}، دليل على أن الإمام هو الذي يتولى أخذ*الصدقات وينظر فيها.

قلت (عبدالرحيم): قوله {خذ}:*فعل أمر وفاعله أنت. (1)؛ فظاهر الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه عام؛ يشمل الأئمة بعده؛ كما أخذ الخلفاء الراشدون الزكوات من المسلمين بعده - صلى الله عليه وسلم -؛ وهذا هو الأصل؛ أن الإمام من يتولى أخذ الصدقات.

وهذه إشارة عابرة؛ وإلا فيجوز لصاحب الزكاة أن يؤدها بنفسه؛ ولولا الإطالة لبسطت القول في هذه المسألة (إن شاء الله)؛ لكن الحديث عن الأصل.

وبدليل قوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا): والشاهد: " والعاملين عليها "؛ وهم السعاة، والجباة الذين نصبهم الإمام.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: دلت هذه الآية على أن هذه الزكاة*
يتولى*أخذها*وتفر قتها*الإمام ومن يلي من قبله، والدليل عليه أن الله تعالى جعل للعاملين سهما فيها، وذلك يدل على أنه لا بد في أداء هذه الزكوات من عامل والعامل هو الذي نصبه الإمام لأخذ الزكوات، فدل هذا النص على أن الإمام هو الذي يأخذ هذه الزكوات، وتأكد هذا النص بقوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة...".

انتهى.

*قوله {مِنْ أَموالِهِم}:* يعني: من الذين قبلت توبتهم.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

قال أبو جعفر الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، خذ من أموال هؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم فتابوا منها.

قلت (عبدالرحيم): فيه مسألتان:

الأولى: قوله {خُذْ مِنْ أَموالِهِم}: مِنْ: بيانية، أو تبعيضية.

فوجه الأول: أنه بيان للصنف المأخوذ؛ الذي بينه الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - فور فرض الزكاة في المدينة. ووجه الثاني: من بعض أموالهم؛ وهذا هو الواقع؛ لأنه لم يأخذ كل أموالهم.

الثانية: قوله (خُذ مِن أَموالِهِم): ابتدائي وليس سببيا؛ والمعنى خذ من أموال المسلمين؛ ليس فقط الذين تابوا واعترفوا بذنوبهم.

وهذا أجود من تخصيصه بشيء دون آخر؛ كمن قال: يعني الذين اعترفوا بذنوبهم.

قال أبو حيان في البحر المحيط في التفسير: وقال جماعة*من*الفقهاء : المراد بهذه الآية الزكاة المفروضة. فقوله: على هذا*من*أموالهم*ه لجميع الأموال، والناس عام يراد به الخصوص في الأموال، إذ يخرج عنه الأموال التي لا زكاة فيها كالرباع والثياب. وفي المأخوذ*منهم كالعبيد، وصدقة*مطلق، فتصدق بأدنى شيء.*

*قوله {صَدَقَةً}:* يعني الزكاة المفروضة. لأن الزكاة لا تجب في الأموال كلها وإنما تجب في بعضها. (2).

وقد سبق - بحمد الله - بيان أن الصدقة في الشرع أعم من الصدقة التي من قبيل النفل، والتطوع.

وقد سمى الله الزكوات المفروضات " صدقات "؛ فقال ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَة ِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ).

فمعنى قوله تعالى (خُذ مِن أَموالِهِم صَدَقَةً): صَدَقَةً: يعني: الصدقة المفروضة.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

قال النحاس في إعراب القرآن: وهي الزكاة المفروضة.

*قوله {تُطَهِّرُهُم}:* بها من آثام ذنوبهم، الذي من جملته الشح والبخل؛ الذي يحمل على ترك الواجب.

وفي الحديث: فرضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهْرَة للصائم من اللَّغْوِ والرَّفَثِ...» (3).

ومنه قوله تعالى {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرسول فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ}: وَأَطْهَرُ:* يعني تطهيرا لذنوبكم.

قال البقاعي في نظم الدرر: {وأطهر} لأن الصدقة طهرة ونماء وزيادة في كل خير، ولذلك سميت زكاة {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} والتعبير بأفعل لأنهم مطهرون قبله بالإيمان.

انتهى.

فمعنى قوله تعالى {تُطَهِّرُهُم}: من دنس ذنوبهم.
قاله الطبري في تفسيره.

وقال السمرقندي في بحر العلوم: (تطهرهم)، يعني: تطهر أموالهم.

*قوله {وَتُزَكّيهِم بها}:* تنمي أموالهم، ونفوسهم فترفعهم المنازل العالية.

قال أبو حيان في البحر المحيط: والتزكية مبالغة في التطهر وزيادة فيه، أو بمعنى الإنماء والبركة في المال.*

قال الطبري في تفسيره: يقول: وتنمِّيهم وترفعهم عن خسيس منازل أهل النفاق بها، إلى منازل أهل الإخلاص.

قال البغوي في تفسيره: وتزكيهم بها، أي: ترفعهم من منازل المنافقين إلى منازل المخلصين. وقيل: تنمي أموالهم.

وقال السمرقندي في البحر: وتزكيهم بها، يعني: تصلح بها أعمالهم.

*قوله {وَصَلِّ عَلَيهِم}:* وادع لهم. والصلاة هنا بمعنى: الدعاء. ومنه " صلاة الجنازة " لأن كلها دعاء.

وفي الحديث الذي رواه مسلم (1431).: عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعي أحدكم، فليجب، فإن كان صائما، فليصل، وإن كان مفطرا، فليطعم». فقوله: " فليصل ": أي فليدعُ.

ومنه قوله تعالى (وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ): وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ: أي ودعوات الرسول.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {وصلوات الرسول} دعاؤه.

قال الطبري في تفسيره: (وصل عليهم)، يقول: وادع لهم بالمغفرة لذنوبهم، واستغفر لهم منها.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والصلاة عليهم: الدعاء لهم.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى (وصل عليهم): فيه مشروعية الدعاء لمؤدي الزكاة؛ ففي الصحيحين من حديث عبدالله بن أبي أوفى قَالَ: كَانَ رَسُولُ*اللهِ*صَ لَّى*اللهُ*عَلَي ْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ، قَالَ: «اللهُمَّ صَلِّ*عَلَيْهِم » فَأَتَاهُ*أَبِي أَبُو أَوْفَى بِصَدَقَتِهِ، فَقَالَ: «اللهُمَّ*صَلِّ* عَلَى*آلِ*أَبِي* َوْفَى».

قلت: وفي وجوبه واستحبابه نزاع.

قال السمعاني في تفسيره: وقد قال بعض أهل العلم: إنه يجب على الإمام أن يدعو للذي جاء بالصدقة. وقال بعضهم: يستحب، ولا يجب. وقال بعضهم: يجب في الفرض ويستحب في النفل. وقال بعضهم: يجب على الإمام أن يدعو للمعطي، ويستحب للفقير أن يدعو. ومنهم من قال: إن التمس المعطي أن يدعو له يجب؛ وإلا فلا يجب.

قال النووي في شرحه لمسلم: هذا الدعاء وهو الصلاة امتثال لقول الله عز وجل :*{وصل عليهم}*ومذهبنا المشهور ومذهب العلماء كافة أن*الدعاء لدافع الزكاة سنة مستحبة ليس بواجب.

*قوله {إِنَّ صَلاتَكَ}:* يعني دعاءك واستغفارك.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

قلت (عبدالرحيم): والصلاة في التنزيل لها عدة معان (4):

الأول: الدعاء؛ كما في الآية التي نحن بصددها.

الثاني: القراءة: (وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا): معناه: ولا تجهر بقراءة صلاتك.
قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن.

الثالث: بمعنى الدين: (قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ): أَصَلَاتُكَ: أي دينك.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وغيرهم.

الرابع: الصلوات الخمس: ومنه قوله تعالى (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ): قال السيوطي في الجلالين: " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات ": الصلاة الخمس بأدائها في أوقاتها.

الخامس: الثناء: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ): صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ: ثناء من ربهم؛ لأن الله غاير بين الرحمة والصلاة.

قال ابن كثير في تفسيره: أي ثناء*من*الله*علي م*ورحمة.

الخامس: مواضع الصلاة؛ أي أماكن العبادة: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا): قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: والبيَعُ بيَعُ النصارى، والصَّلَوَاتُ كنَائِسُ اليَهود، وهي بالعبرانية صَلُوتَا.

قال السعدي في تفسيره: أي لهدمت هذه المعابد الكبار، لطوائف أهل الكتاب، معابد اليهود والنصارى، والمساجد للمسلمين.

وقوله تعالى (على قول) : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ): لا تقربوا الصلاة: أي مواضع الصلاة؛ بدليل قوله " إلا عابري سبيل"، فذات الصلاة ليس بها عبور سبيل.

قال الواحدي في الوجيز: {يا أيها الذين آمنوا*لا*تقربوا* لصلاة} أَي مواضع*الصَّلاة أي: المساجد.

*قوله {سَكَنٌ لَهُم}:* سَكَنٌ: رحمة، وطمأنينة؛ تطمئن بها نفوسهم.

قال الواحدي في البسيط: السكن في اللغة: ما سكنت إليه، فالمعنى: إن دعواتك مما تسكن إليه نفوسهم.

قال السمرقندي: يعني: طمأنينة.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {إن صلاتك سكن لهم} أي: دعاؤك تثبيت لهم وطمأنينة.

قال الطبري في تفسيره: (إن صلاتك سكن لهم)، يقول: إن دعاءك واستغفارك طمأنينة لهم، بأن الله قد عفا عنهم وقبل توبتهم

قال النحاس في إعراب القرآن: إذا دعوت لهم حين يأتونك بصدقاتهم سكن ذلك قلوبهم وفرحوا وبادروا رغبة في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.

قال السمعاني في تفسيره: {إن صلاتك سكن لهم} أي: دعاؤك سكن لهم، أي: سكون لهم، أي: دعاؤك سكن لهم وطمأنينة وتثبيت.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وجملة:*{ إن صلواتك سكن لهم }*تعليل للأمر* بالصلاة عليهم بأن دعاءه سكن لهم، أي سبب سَكَن لهم، أي خير . فإطلاق السكن على هذا الدعاء مجاز مرسل.

*قوله {وَاللَّهُ سَميعٌ}:* يسمع فيجيب الدعاء، وفيه صفة السمع لله - جل ذكره -.

والحديث عن صفة " السمع " لله - جل ذكره - من ناحيتين:

الأولى: أنه وسع سمعه الأصوات؛ يسمع كل شيء؛ ما أسر وأعلن. وهذا من مستلزمات الربوبية؛ إذ لا يكون ربا إلا إذا كان يسمع؛ لذا عاب إبراهيم على أبيه أن اتخذ ربا لا يسمع (يا أبت لما تعبد ما لا يسمع). وهذا بيّن.

الثانية: أنه يسمع الدعاء بمعنى يجيب الدعاء. والعامة إذا دعوت قالوا: الله يسمع منك. أي يجيب. وإلا فالله يسمع؛ سواء استجاب لعبده، أم منع الإجابة لمانع ما.

وليس الشأن أن يسمع الله دعواتك مجرد سماع؛ لأنه يسمع رغم أنفك؛ لكن الشأن أن يستجيب لك.

ومنه قوله تعالى - على لسان إبراهيم عليه السلام - (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ): لَسَمِيعُ الدُّعَاء: أي لمجيب الدعاء.

*قوله {عَليمٌ}:* فيه صفة العلم لله - جل ذكره -.

..........................

(1): أنظر: إعراب القرآن وبيانه لمحيي الدين درويش.

(2): أنظر: النكت والعيون للماوردي.

(3): قال الألباني في صحيح أبي داود (حديث رقم: ١٤٢٧.): قلت: إسناده حسن، وحسنه ابن قد امة والنووي.

(4): أنظر الكليات للكفوي.

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-05-21, 07:13 AM
معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

قوله تعالى
﴿أَلَم يَعلَموا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقبَلُ التَّوبَةَ عَن عِبادِهِ وَيَأخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ﴾ [التوبة: 104].

قوله {أَلَم يَعلَموا}: تقرير. يريد: حقيق أن يعلموا.

قال الواحدي في البسيط: ومعنى صيغة الاستفهام هاهنا: التنبيه على ما يجب أن يعلموا.

قال السمعاني في تفسيره: هو بمعنى الأمر؛ كأنه قال: اعلموا أن الله ه ويقبل التوبة عن عباده.

قال ابن عطية في المحرر: وقوله تعالى {ألم يعلموا} تقرير، والمعنى حق لهم أن يعلموا.

قوله {أَنَّ اللَّهَ}: بأن الله.

قوله {هُوَ}: وحده.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله {هو} تأكيد لانفراد الله بهذه الأمور وتحقيق لذلك، لأنه لو قال إن
الله يقبل التوبة لاحتمل، ذلك أن يكون قبول رسوله قبولا منه فبينت الآية أن ذلك مما لا يصل إليه نبي ولا ملك.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: في هذا التخصيص هو أن قبول التوبة ليس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما إلى الله الذي هو يقبل التوبة تارة ويردها أخرى. فاقصدوا الله بها ووجهوها إليه، وقيل لهؤلاء التائبين اعملوا فإن عملكم لا يخفى على الله خيرا كان أو شرا.

قال القرطبي في تفسيره: وقوله تعالى:" هو" تأكيد لانفراد الله سبح انه وتعالى بهذه الأمور. وتحقيق ذلك أنه لو قال: إن الله يقبل التوبة لاحتمل أن يكون قبول رسوله قبولا منه، فبينت الآية أن ذلك مما لا يصل إليه نبي ولا ملك.

قوله {يَقبَلُ}: أي من شأنه أن يقبل.
قاله البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور.

قوله {التَّوبَةَ}: إذا صحت.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.

قوله {عَن عِبادِهِ}: عَن: بمعنى: من. والمعنى: يقبل التوبة من عباده.

وإنما ناسب المقام " عن " لأن العاصي قبل التوبة فيه بعد عن ربه. كما تقول: جلس عن جانب أبيه: أي جلس مع شيء من البعد (1).

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله تعالى {عن عباده} ي بمعنى «من» ، وكثيرا ما يتوصل في موضع واحد بهذه وهذه، تقول لا صدقة إلا عن غنى ومن غنى، وفعل فلان ذلك من أشره وبطره وعن أشره وبطره.

قوله {وَيَأخُذُ الصَّدَقات}: أي يقبلها.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، ومكي في تفسير المشكل، والبغوي في تفسيره، وبه قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والنحاس في معاني القرآن، ونجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن، والسمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره، والواحدي في الوجيز، والسمعاني في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، وإلايجي الشافعي في جامع البيان، وغيرهم.

زاد نجم الدين: ويضاعف عليها.

قال ابن كثير في تفسيره: هذا تهييج إلى التوبة والصدقة اللتين كل منها. يحط الذنوب ويمحصها ويمحقها.

زاد السمرقندي: ومعناه: وما منعهم عن التوبة والصدقة، فكيف لم يتوبوا ولم يتصدقوا؟ ألم يعل موا أن الله هو يق بل التوبة عن عباده والصدقة؟.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: وتصديق ذلك في كتاب الله: {هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات} و {يمحق الله الرباوا ويربي الصدقات} ".

قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى:" ويأخذ الصدقات" هذا نص صريح في أن الله تعالى هو الآخذ لها والمثيب عليها وأن الحق له عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم واسطة فإن توفي فعامله هو الواسط ة بعده، والله عز وجل حي لا يموت.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {ويأخذ الصدقات} ويقبلها إذا صارت عن خلوص النية وهو للتخصيص أي إن ذلك ليس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الله هو الذي يقبل التوبة وير دها فاقصدوه بها ووجهوها إليه.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى (ويقبل الصدقات): جائز أن مراده الزكواة، أو الصدقات التي من قبيل النفل.

قوله {وَ}: يعلموا.

قوله {أَنَّ اللَّهَ}: الذي فتح باب التوبة.

قوله {هُوَ}: هُوَ: أي وحده.
قاله البقاعي في نظم الدرر في تناسب ألآيات.

قوله {التَّوّابُ}: على عباده بقبول توبتهم.
قاله السيوطي في الجلالين.

قال النسفي في مدارك التنزيل: كثير قبول التوبة.

قوله {الرَّحيمُ}: بهم.
قاله الجلال السيوطي في الجلالين.

قال الشوكاني في فتح القدير: وفي صيغة المبالغة في التواب وفي الرحيم مع توسيط ضمير الفصل. والتأكيد من التبشير لعباده، والترغيب لهم، ما لا يخفى.

قال القاسمي في محاسن التأويل: لطيفة:
نقل ابن كثير عن الحافظ ابن عساكر عن حوشب قال: غزا الناس في زمن معاوية، وعليهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فغل رجل من المسلمين مائة دينار رومية، فلما قفل الجيش ندم، وأتى الأمير، فأبى أن يقبلها منه، وقال: قد تفرق الناس، ولن أقبلها منك حتى تأتي الله بها يوم القيامة، فجعل الرجل يأتي الصحابة، فيقولون له مثل ذلك. فلما قدم دمشق ذهب إلى معاوية ليقبلها منه، فأبى عليه، فخرج من عنده وهو يبكي ويسترجع، فمر بعبد الله ابن الشاعر السكسكي، فقال له: ما يبكيك؟ فذكر له أمره، فقال له: أو مطيعي أنت؟ فقال: نعم. فقال: اذهب إلى معاوية فقل له: اقبل مني خمسك، فادفع إليه عشرين دينارا، وانظر إلى الثمانين الباقية، فتصدق بها عن ذلك الجيش، فإن الله يقبل التوبة عن عباده، وهو أعلم بأسمائهم ومكانهم، ففعل الرجل. فقال معاوية: لأن أكون أفتيت بها، أحب إلي من كل شيء أملكه. أحسن الرجل.انتهى.
في هذه الرواية إثبات ولد لخالد، وفي ظنيأن صاحب (أسد الغابة) ذكر أنه لم يعقب، فليحقق.

..............................

(1): أنظر: التفسير الكبير للرازي.

.................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-05-23, 08:36 AM
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿وَآخَرونَ مُرجَونَ لِأَمرِ اللَّهِ إِمّا يُعَذِّبُهُم وَإِمّا يَتوبُ عَلَيهِم وَاللَّهُ عَليمٌ حَكيمٌ﴾
[التوبة: 106].

*قوله {وَ}:* عطف؛ على قوله تعالى (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا).
أفاده الطبري في تفسيره،والثعالب ي في الجواهر الحسان، وغيرهم.


*قوله {آخَرونَ}:* من المتخلفين؛ يعني الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك؛ عصيانا لا نفاقا. وهم الذين تيب عليهم بعد.

وهم: هلال بن أمية، ومرارة بن ربعيّ، وكعب بن مالك - رضي الله عنهم -؛ وهم الذين أنزل الله فيهم: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا}:

قال ابن أبي زمنين في تفسيره:{وعلى الثلاثة} أي: وتاب على الذين خلفوا عن غزوة تبوك؛ وهم الذين أرجوا في الآية الأولى في قوله عز وجل: {وآخرون مرجون لأمر الله} وهم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن ربيعة.

قال الماوردي في النكت والعيون: {وَءَاخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ} وهم الثلاثة الباقون من العشرة المتأخرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة تبوك ولم يربطوا أنفسهم مع أبي لبابة، وهم هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، وكعب بن مالك.

قال الطبري في تفسيره: ورفع قوله:*"آخرون "، عطفًا على قوله: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا}.

قال النسفي في مدارك التنزيل: (وآخرون) من المتخلفين موقوفون إلى أن يظهر أمر الله فيهم.

قال السعدي في تفسيره: أي‏: ‏{‏وَآخَرُونَ‏ }‏ من المخلفين مؤخرون.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والمراد بهؤلاء من بقي من المخلَّفين لم يتب الله عليه ، وكان أمرهم موقوفاً إلى أن يقضي الله بما يشاء . وهؤلاء نفر ثلاثة ، هم : كعب بن مالك ، وهِلال بن أمية ، ومُرارة بن الربيع ، وثلاثتهم قد تخلفوا عن غزوة تبوك . ولم يكن تخلفهم نفاقاً ولا كراهية للجهاد ولكنهم شُغلوا عند خروج الجيش وهم يحسبون أنهم يلحقونه وانقضت الأيام وأيسوا من اللحاق .

مسألة:

فإن قلت ما الفرق بين المذكورين في الآية التي نحن بصدده (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ)، وبين قوله (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ)؟

اعلم أنه تعالى قسم المتخلفين عن الجهاد ثلاثة أقسام:
القسم الأول: المنافقون الذين مردوا على النفاق.

القسم الثاني: التائبون وهم المرادون بقوله: وآخرون اعترفوا بذنوبهم وبين تعالى أنه قبل توبتهم.

والقسم الثالث: الذين بقوا موقوفين وهم المذكورون في هذه الآية، والفرق بين القسم الثاني وبين هذا الثالث، أو أولئك سارعوا إلى التوبة وهؤلاء لم يسارعوا إليها.
قاله الفخر الرازي في التفسير الكبير.

*قوله {مُرجَونَ}:* أي مؤخرون. أخرهم الله ليقضي فيهم أمره.

وأصله (مرجئون)؛ بالهمز؛ يقال: " أرجأت" أي أخرت، من التأخير. يعني مرجئون لأمر الله وقضائه، وحكمه؛ أي مؤخرون.

والإرجاء : التأخير. ومنه سميت المرجئة؛ لتأخيرهم العمل عن الإيمان. ولأنهم لا يجزمون القول بمغفرة التائب ولكن يؤخرونها إلى مشيئة الله تعالى. (1).

" والمرجئون "أي المؤخرون: هم الثلاثة الذين تخلفوا عن غزاة تبوك؛ لا نفاقا وجحودا؛ فأرجأ الله أمرهم إلى أن صحت توبتهم، فتاب عليهم، وعفا عنهم.

وفيه دليل بيّن أن الله يهمل العبد بعد الذنب لعله يحدث توبة؛ لذا يجب على العبد إن زل ووقع في الذنب أن يبادر بالتوبة على الفور؛ وهذا بحث طويل وفقه بالغ الأهمية يجب تفقهه؛ فما عذب أكثر أهل القبور إلا بسبب جهلهم هذا الباب؛ فقد لبس عليهم إبليس؛ ولقي أكثرهم ربهم من غير توبة؛ ظنا منهم أن الله لا يقبل توبتهم لتكرار الذنب - سلمني الله وإياكم -.

أين هم من قول النبي صلى الله عليه وسلم؛ الذي (لا ينطق عن الهوى)؛ في حديث من أعظم الأحاديث، وأرجاها للعبد؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن عبدا أصاب ذنبا - وربما قال*أذنب*ذنبا - فقال: رب*أذنبت - وربما قال: أصبت - فاغفر لي، فقال ربه: أعلم*عبديأن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله ثم أصاب ذنبا، أو*أذنب*ذنبا، فقال: رب*أذنبت - أو أصبت - آخر، فاغفره؟ فقال: أعلم*عبدي*أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم*أذنب*ذنبا، وربما قال: أصاب ذنبا، قال: قال: رب أصبت - أو قال*أذنبت - آخر، فاغفره لي، فقال: أعلم*عبدي*أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي*ثلاثا، فليعمل ما شاء ".

انتهى.

قال الفراء في معاني القرآن: (مرجون) يريد أرجئوا أن يعذبوا أو يتاب عليهم.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: وقرئ مرجئون بالهمز وتركه وهما لغتان ومعناه التأخير.

فمعنى قوله تعالى (مُرجَونَ): أي مؤخرون.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، والنحاس في معاني القران، وغلام ثعلب في ياقوتة الصراط، والماوردي في النكت والعيون، ونجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن، وابن الهائم في التبيان، والواحدي في الوجيز، وابن الجوزي في زاد المسير.

زاد الماوردي: موقوفون لما يرد من أمر الله تعالى فيهم.

وزاد نجم الدين: محبوسون لما ينزل من أمره، وهم الثلاثة الذين خلّفوا هلال بن أميّة، ومرارة بن الربيع، وكعب بن مالك.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: يقال أرجأت الأمر، إذا أخرته.

قال القرطبي في تفسيره: والتقدير : ومنهم آخرون مرجون؛ من أرجأته أي أخرته. ومنه قيل: مرجئة؛ لأنهم أخروا العمل .

قال الطبري في تفسيره: (وآخرون مرجون)، يعني: مُرْجئون لأمر الله وقضائه. يقال منه: " أرجأته أرجئه إرجاء وهو مرجَأ "، بالهمز وترك الهمز، وهما لغتان معناهما واحد.

قال الأخفش الأوسط في معاني القرآن: وقال {وآخرون مرجون} لأنه من "أرجأت".

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ): أَرْجِهْ: أخر. يعني: أخر أمرهما حتى تبعث الشرط لتجمع السحرة. وحاشرين: جامعين.

قال النسفي في مدارك التنزيل: أي اخروا حبس أي أخر أمره ولا تعجل أو كأنه هم بقتله فقالوا أخر أمره واحبسه ولا تقتله ليتبين سحره عند الخلق.

ومنه (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ): تُرْجِي: أي تؤخر من تشاء من أزواجك، وتضم من تشاء منهن.

فقوله (تُرْجِي): أي تؤخر.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن، وغيرهم.

*قوله {لِأَمرِ اللَّهِ}:* لحكم الله، وقضائه فيهم بما يشاء.

قال السمعاني في تفسيره: وأمر الله تعالى هنا: حكم الله.

قال البغوي في تفسيره: (لِأَمرِ اللَّه) لحكم الله عز وجل فيهم ، وهم الثلاثة الذين تأتي قصتهم من بعد: كعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن الربيع.

قال الواحدي في الوجيز: {وآخرون مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ} مُؤخَّرون ليقضي الله فيهم ما هو قاضٍ.

*قوله {إِمّا يُعَذِّبُهُم}:* الله؛ جزاء ًعلى تخلفهم.

قال الدعاس في إعراب القران: {يُعَذِّبُهُمْ} مضارع فاعله مستتر والهاء مفعوله والجملة خبر.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ} إن أصروا ولم يتوبوا.

قال الطبري في تفسيره: فإنه يعني: إما أن يحجزهم الله عن التوبة بخذلانه، فيعذبهم بذنوبهم التي ماتوا عليها في الآخرة.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى (إِمّا يُعَذِّبُهُم): فيه مسألتان:

الأولى: قوله (إِمّا): حرف من معانيه الشك؛ تقول: آتيك إما بكرة أو عشيا. والشك محال على الله؛ فالله يعلم أزلا أنه سيتوب عليهم أم لا؛ لذا ختم الآية بقوله (والله عليم حكيم): أي عليم بما يؤول إليه حالهم، حكيم فيما فعله من إرجائهم (2).

لكنه تعالى يخاطب الناس بما يفهمونه؛ كما في قوله (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ): وليس ثم خلق أصغر، أو أكبر على الله من خلق؛ فالكل عنده سواء لتمام قدرته.

لكنه تعالى ربنا يخاطب الناس بما يفهمون؛ وكأنه يقول: على فهمكم أيها الناس " خلق السماوات والأرض في النشأة الأولى، أكبر من خلقكم أول مرة؛ فإعادتكم يوم القيامة أيسر؛ وهذا في مفهومكم أنتم؛ يعني لا أعجز أن أعيدكم من عدم مرة أخرى"؟!.

قال السمين الحلبي في الدر المصون: و «إما» هنا للشك بالنسبة إلى المخاطب، وإما للإبهام بالنسبة إلى أنه أبهم على المخاطبين.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: (إما) لوقوع أحد الشيئين، والله عز وجل عالم بما يصير إليه أمرهم، إلا أن هذا للعباد، خوطبوا بما يعلمون، فالمعنى لكن أمرهم عندكم علي هذا في الخوف والرجاء.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: لقائل أن يقول: إن كلمة «إما» و «إما» للشك، والله تعالى منزه عنه. وجوابه المراد منه ليكن أمرهم على الخوف والرجاء، فجعل أناس يقولون هلكوا إذا لم ينزل الله تعالى لهم عذرا، وآخرون يقولون عسى الله أن يغفر لهم.

المسألة الثانية:

قول الطبري في تفسيره: وأما قوله: (إما يعذبهم)، فإنه يعني: إما أن يحجزهم الله عن التوبة بخذلانه، فيعذبهم بذنوبهم التي ماتوا عليها في الآخرة.

قلت: فيه أن الله تعالى هو الذي يوفق العبد للتوبة، والرجوع عن المعصية؛ فإذا كان ذلك كذلك فعلى العبد أن يلّحَ على ربه أن يتوب عليه، ويعصمه من الذنب؛ لأن العبد إذا هان على الله تركه، وإذا أراد به خيرا عصمه؛ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من سؤال ربه التوبة. والأحاديث في الباب كثيرة.

ولذا قال الله:

*{وَإِمّا يَتوبُ عَلَيهِم}:* بفضله.
قاله الواحدي في الوجيز.

قال الطبري في تفسيره: يقول: وإما يوفقهم للتوبة فيتوبوا من ذنوبهم، فيغفر لهم.

قال ابن كثير في تفسيره: وقوله : ( إما يعذبهم وإما يتوب عليهم ) أي : هم تحت عفو الله ، إن شاء فعل بهم هذا ، وإن شاء فعل بهم ذاك ، ولكن رحمته تغلب غضبه

*قوله {وَ}:* هو.

*قوله {اللَّهُ}:* الذي يوفق للتوبة، أو يحجز عنها.

*قوله {عَليمٌ}:* والله ذو علم بأمرهم وما هم صائرون إليه من التوبة والمقام على الذنب.
قاله الطبري في تفسيره.

*قوله {حَكيمٌ}:* في الأمر عامة، وتوفيق من شاء إلى التوبة وحجزه من شاء عنها خاصة؛ فله الحكمة البالغة؛ التي لا يسمع العبد فيها إلا التسليم لسيده - عز وجل -.

قال الطبري في تفسيره: في تدبيرهم وتدبير من سواهم من خلقه، لا يدخل حكمه خَلَلٌ.

قال ابن كثير في تفسيره: وهو ( عليم حكيم ) أي : عليم بمن يستحق العقوبة ممن يستحق العفو ، حكيم في أفعاله وأقواله ، لا إله إلا هو ، ولا رب سواه .

قال ابن الجوزي في زاد المسير: والله عليم حكيم أي: عليم بما يؤول إليه حالهم، حكيم بما يفعله بهم.

قال السعدي: ‏{حَكِيمٌ‏}‏ يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها، فإن اقتضت حكمته أن يغفر لهم ويتوب عليهم غفر لهم وتاب عليهم، وإن اقتضت حكمته أن يخذلهم ولا يوفقهم للتوبة، فعل ذلك‏.‏

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: {والله عليم حكيم} تذييل مناسب لإبهام أمرهم على الناس ، أي والله عليم بما يليق بهم من الأمرين ، محكم تقديره حين تتعلق به إرادته.

انتهى.

المعنى الإجمالي للآية؛ من كتاب (المختصر في التفسير):

ومن المُتخَلِّفين عن غزوة تبوك قوم آخرون لم يكن لهم عذر، فهؤلاء مُؤخَّرون لقضاء الله وحكمه فيهم، يحكم فيهم بما يشاء: إما أن يعذبهم إن لم يتوبوا إليه، وإما أن يتوب عليهم إن تابوا، والله عليم بمن يستحق عقابه، وبمن يستحق عفوه، حكيم في شرعه وتدبيره، وهؤلاء هم: مرارة بن الربيع، وكعب بن مالك، وهلال بن أمية.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

..................
(1) : انظر البسيط للواحدي.
وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقرأ أبو عمرو وعاصم وأهل البصرة «مرجؤون» من أرجأ يرجىء بالهمز، واختلف عن عاصم، وهما لغتان، ومعناهما التأخير ومنه المرجئة لأنهم أخروا الأعمال أي أخروا حكمها ومرتبتها، وأنكر المبرد ترك الهمز في معنى التأخير وليس كما قال

(2) قال الماوردي في النكت والعيون: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أي عليم بما يؤول إليه حالهم، حكيم فيما فعله من إرجائهم.
.............................. .....

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-05-28, 10:48 AM
قوله تعالى
﴿كِلتَا الجَنَّتَينِ آتَت أُكُلَها وَلَم تَظلِم مِنهُ شَيئًا وَفَجَّرنا خِلالَهُما نَهَرًا﴾ [الكهف: 33].

*قوله {كِلتَا الجَنَّتَينِ آتَت}:* آتَت: أعطت وأنتجت، وأثمرت.

ونظيرتها قوله تعالى (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ): فَآَتَتْ: أي فأعطت.

قال*ابن فارس في تهذيب اللغة: أي أعطت، والمعنى*أثمرت*مث لي ما يثمر غيرها من الجنان.
انتهى كلامه.

فمعنى قوله تعالى {آتَتْ*أُكُلَهَا }:*أثمرت*ثمرها.
قاله الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والمعنى:* أثمرت* الجنتان إثمارا كثيرا حتى أشبهت المعطي من عنده.

*قوله {أُكُلَها}:* ثمرها. ومن معاني "الأُكل": الثمر.

قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: والأُكْل: الرزق: وَمِنْه قيل للْمَيت: انْقَطع أُكْله.
والأُكْل: الحَظّ من الدُّنْيَا كَأَنَّهُ * يُؤْكَل.
والأُكْل:* الثَّمر.
وآكلت الشَّجَرَة: أطْعمتْ.
وَرجل ذُو أُكْل: أَي ذُو رَأْي وعَقْل وحَصَافة.

قال ابن منظور في لسان العرب: وفي الصِّحاحِ:*والأُ كْل*ثَمَرُ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ. وكُلُّ * مَا* يُؤْكل، فَهُوَ أُكْل. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: (أُكُلُها دائِمٌ).

قلت (عبدالرحيم): ونظيرتها قوله تعالى (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ): فَآَتَتْ أُكُلَهَا: أي ثمرها.
قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه.

قال الطبري في تفسيره: أضعف*ثمرها*ضعفين حين أصابها الوابل من المطر.

*قوله {وَلَم تَظلِم}:* أي ولم تنقص.

والمعنى: آتت أكلها كاملا تاما؛ من غير نقصان من ثمرها.

وأصل الظلم: النقصان. تقول: لا تظلمني في الوزن: يعني لا تنقص منه.

ونظيرتها قوله تعالى (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا): وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا: أي لا ينقص من حسناتهم مقدار النقرة التي تكون في ظهر النواة في القلة؛ لا أدنى منها وأكثر؛ لأن الحساب عنده بمثاقيل الذر (فَمَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ . وَمَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).

ومنه ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا): قال يحيى بن سلام في التصاريف: يقول: فلا تنقص من ثواب عملها*شيئا.

انتهى.

فمعنى قوله تعالى (وَلَم تَظلِم مِنهُ شَيئًا): أي ولم*تنقص.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، والنحاس في معاني القرآن، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن، وغيرهم جمع.

زاد أبو عبيدة: ويقال: ظلمنى فلان حقى أي نقصنى.

قال الطبري في تفسيره: قوله: {ولم*تظلم*منه*شيئ ا} يقول:*ولم * تنقص *من الأكل شيئا، بل أتت ذلك تاما كاملا، ومنه*قولهم: ظلم فلان فلانا حقه: إذا بخسه ونقصه، كما قال الشاعر: [البحر الطويل]:
تظلمني ما لي كذا ولوى يدي*...*لوى يده الله الذي هو غالبه.

قال الألوسي في روح المعاني: ولم* تظلم *منه *أي لم* تنقص *من أكلها *شيئا *من النقص على خلاف ما يعهد في سائر البساتين فإن الثمار غالبا تكثر في عام وتقل في عام وكذا بعض الأشجار تأتي بالثمار في بعض الأعوام دون بعض.

*قوله {وَفَجَّرنا}:* أي شققنا.
قاله مجير الدين العليمي في فتح الرحمن في تفسير القرآن، وقاله الجلال المحلي في الجلالين.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ): يقول:*شققنا* الأرض فالتقى الماء.*
قاله السيوطي في الدر المنثور في التفسير.

ومنه (وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ): وَفَجَّرْنَا فِيهَا: أي*شققنا*في الأرض.
قاله*الألوسي في روح المعاني.

*قوله {خِلالَهُما}:* أي* وسطهما، وبينهما.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن والفخر الرازي في التفسير الكبير، وغيرهم.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ): خِلَالِهِ: وسطه.
قاله البغوي في تفسيره.

ومنه (أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا): خِلَالَهَا: وسطها.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.

ومنه (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ): خِلَالَكُمْ: وسطكم، وبينكم.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: قوله:*{خلالكم}*أي فيمابينكم.

وقال السمعاني في تفسيره، والبغوي في تفسيره، وغيرهم: {خِلَالَكُمْ}: وسطكم.

قال الواحدي في الوسيط: وخلال الشيء وسطه.

ومنه (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ): خِلَالَ الدِّيَار: وسط، وبين الديار.

قال السمعاني في تفسيره: وسط الديار.

قال أبو حيان في البحر المحيط: وسط*الديار*وما بينها.

*قوله {نَهَرًا}:* يجري بينهما؛ ليزيد بهاؤهما.
قاله مجير الدين العليمي في فتح الرحمن في تفسير القرآن.
..............................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.

عبدالرحيم آل حمودة
2017-06-23, 05:41 AM
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
{إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} التوبة (116).

*قوله {إِنَّ اللَّهَ لَهُ}:* وحده.

*قوله {مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}:* يتصرّف فيهما كيف يشاء؛ لذا يأمر وينهى، ويحكم ما يريد. (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ).

قال السمرقندي في بحر العلوم: إن الله له ملك السماوات والأرض، يعني: يحكم فيهما بما يشاء بالأمر.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ومعنى الملك : التصرف والتدبير .

قال البغوي في تفسيره: (إن الله له ملك السماوات والأرض) يحكم بما يشاء.


قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: إن الله، أيها الناس له سلطان السماوات والأرض وملكهما، وكل من دونه من الملوك فعبيده ومماليكه, بيده حياتهم وموتهم، يحيي من يشاء منهم، ويميت من يشاء منهم, فلا تجزعوا، أيها المؤمنون، من قتال من كفر بي من الملوك، ملوك، الروم كانوا أو ملوك فارس والحبشة، أو غيرهم، واغزوهم وجاهدوهم في طاعتي، فإني المعزُّ من أشاء منهم ومنكم، والمذلُّ من أشاء.
وهذا حضٌّ من الله جل ثناؤه المؤمنين على قتال كلّ من كفر به من المماليك، وإغراءٌ منه لهم بحربهم.


*قوله {يُحْيِي وَيُمِيتُ}:* وهذا من صور تصرفه في السماوات والارض.

*قوله {وَمَا لَكُمْ}:* أيها الناس.
قاله السيوطي في الجلالين.

*قوله {مِنْ دُونِ اللَّهِ}:* دُونِ: غير. أي مالكم من غير الله.

*قوله {مِنْ وَلِيٍّ}:* أي‏‏ ولي يتولاكم بجلب المنافع لكم.
قاله السعدي في تفسيره.

قال الطبري في تفسيره: يقول: وما لكم من أحد هو لكم حليفٌ من دون الله يظاهركم عليه، إن أنتم خالفتم أمرَ الله فعاقبكم على خلافكم أمرَه، يستنقذكم من عقابه .

*قوله {وَلا}:* وليس لكم من دونه أيضا.

*قوله {‏نَصِيرٍ‏}‏:* يدفع عنكم المضار‏.
قاله السعدي في تفسيره.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وعطف جملة : {وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير} لتأييد المسلمين بأنهم منصورون في سائر الأحوال لأن الله وليهم فهو نصير لهم ، ولإعْلامهم بأنهم لا يخشون الكفار لأن الكافرين لا مولى لهم لأن الله غاضب عليهم فهو لا ينصرهم . وذلك مناسب لغرض الكلام المتعلق باستغفارهم للمشركين بأنه لا يفيدهم .

قال الطبري في تفسيره: (ولا نصير)، ينصركم منه إن أراد بكم سوءًا. يقول: فبالله فثقوا، وإياه فارهبوا, وجاهدوا في سبيله من كفر به، فإنه قد اشترى منكم أنفسكم وأموالكم بأن لكم الجنة، تقاتلون في سبيله فتَقْتُلُون وتُقْتَلُون.

قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: (إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) فتبرءوا عن المشركين وتوجهوا إلى الله تعالى بالكلية.

..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-06-27, 05:58 PM
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذينَ خُلِّفوا حَتّى إِذا ضاقَت عَلَيهِمُ الأَرضُ بِما رَحُبَت وَضاقَت عَلَيهِم أَنفُسُهُم وَظَنّوا أَن لا مَلجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلّا إِلَيهِ ثُمَّ تابَ عَلَيهِم لِيَتوبوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ﴾ [التوبة: 118].

*قوله {وَعَلَى}:* أي وتاب على.

و"الواو" عطف على قوله (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِي نَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ).

*قوله {الثَّلاثَةِ}:* هم: كعب بن مالك ومرارة بن ربيعة العامري وهلال بن أمية الواقفي وكلهم من الأنصار.
قاله القرطبي في تفسيره.

*قوله {الَّذينَ خُلِّفوا}:* عن غزوة تبوك.

*قوله {حَتّى إِذا}:* حزنوا حزنًا عظيمًا، وندموا.

*قوله {ضاقَت عَلَيهِمُ}:* على الثلاثة الذين تخلفوا عن الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

*قوله {الأَرضُ}:* على بسطها، وسعتها.

*قوله {بِما رَحُبَت}:* بما اتسعت. يقال: أرض رحيبة: أي واسعة.

والمعنى: ضاقت الأرض عليهم على رحبها؛ أي على سعتها؛ وذلك لما أصابهم من عظيم الغم والحزن، ولما أخذهم من الندم المفرط على عصيانهم.

قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: {بما*رحبت} يعني ما رحبها وسعتها.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: الرحب: سعة المكان، ومنه: رحبة المسجد، ورحبت*الدار.

قال*ابن قتيبة في غريب القرآن: {ضاقت عليهم الأرض*بما*رحبت} أي*بما اتسعت. يريد: ضاقت عليهم مع سعتها.

قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: {بما*رحبت} أي: اتسعت، يقال منه: فعل يفعل فعلا.

قال الطبري في تفسيره: (حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت)، يقول: بسعتها،*غمًّا* وندمًا على تخلفهم عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وضيق الأرض: استعارة، أي حتى كانت الأرض كالضَّيقة عليهم ، أي عندهم.

*قوله {وَضاقَت عَلَيهِم أَنفُسُهُم}:**بما نالهم من* الوَجْد والكرْب بذلك.
قاله الطبري في تفسيره.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: (وضاقت*عليهم*أنف هم) استعارة لأن الغم والهم ملأها.

قال الماوردي في النكت والعيون: {إذا*ضاقت*عليهم*ا لأرض*بما*رحبت} لأن المسلمين امتنعوا من كلامهم. {وضاقت عليهم*أنفسهم}*بم *لقوه من الجفوة لهم.*

قلت*(عبدالرحيم): فيه دليل بيّن أن الهجران في الله له عظيم الأثر في التوبة، وأن الإخوان في الله يكونون سببا في توبة العبد، ورجوعه عن الآثام إلى الطاعات، والعكس؛ فلينظر أحدنا من يصاحب.

*قوله {وَظَنّوا}:* أيقنوا، وعلموا. والظن هنا: يقين. ولولا يقينهم ما حصلت لهم المنقبة.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: (وظنوا) في هذه الآية بمعنى أيقنوا وحصل علم لهم.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {وظنوا} علموا.

قال البغوي في تفسيره، والقرطبي في تفسيره: (وظنوا)*أي تيقنوا.

زاد القرطبي: أن لا ملجأ يلجأون إليه في الصفح عنهم وقبول التوبة منهم إلا إليه.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: علموا وأيقنوا أن لا مفر من عذاب الله إلا إليه، يعني: إلا بالتوبة إليه.

*قوله {أَن لا مَلجَأَ}:* لهم.

*قوله {مِنَ اللَّهِ}:* يعصمهم من عذابه.
و "مَلجَأَ": يعني مخبأ، ومفزعا، وملاذا، وحرزا.

أي لا ملجأ لأحد منهم من عذاب الله إذا نزل به، ولا ملاذا يلوذ به سوى الله.

ومنه قوله تعالى (ما*لكم*من*ملجإ*ي مئذ وما*لكم*من*نكير): قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: أي ليس*لكم*مخلص*من*ا لعذاب، ولا تقدرون أن تنكروا*ما*تقفون
عليه*من*ذنوبكم ولا*ما*ينزل بكم*من*العذاب.

انتهى.

فمعنى قوله تعالى {وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه}: وعلموا أن لا ملجأ من سخط الله إلا إلى استغفاره.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.

قال البغوي في تفسيره: ( أن لا ملجأ من الله )*لا مفزع من الله.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه} أي: استيقنوا أن لا ينجيهم من الله ومن عذابه غيره شيء.

قال الطبري في تفسيره: (وظنوا أن لا ملجأ)،* يقول: وأيقنوا بقلوبهم أن لا شيء لهم يلجئون إليه مما نـزل بهم من أمر الله من البلاء، بتخلفهم خِلافَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينجيهم من كربه، ولا مما يحذرون من عذاب الله، إلا الله.

*قوله {إِلّا}:* ملجأ.

*قوله {إِلَيهِ}:* بالتوبة.

*قوله {ثُمَّ تابَ عَلَيهِم}:* أي‏ أذن في توبتهم ووفقهم لها.
قاله السعدي في تفسيره.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {ثم تاب*عليهم} بعد خمسين يوما.

*قوله {لِيَتوبوا}:**أي ليستقيموا على التوبة فإن توبتهم قد سبقت.
قاله البغوي في تفسيره.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: أي ليدوموا على التوبة ، فالفعل مستعمل في معنى الدوام على التلبس بالمصدر لا على إحداث المصدر.

*قوله {إِنَّ اللَّهَ هُوَ}:* وحده.

*قوله {التَّوّابُ}:* لأنه لا طاقة للعبد على كثرة التجاوز، مع كثرة عصيانه ومخالفته، وكثرة المخالفين له، أما الله فنعم. (هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ).

و"توّاب" صيغة مبالغة. أي كثير التوبة؛ بالعفو والتجاوز، وقبولهم إذا رجعوا إليه؛ من غير ملل منه - سبحانه -.
وإذا كان ذلك كذلك: فعلى العبد ألا يمل التوبة؛ وإن كثر العصيان؛ فكلما أحدثت ذنبا فأتبعه بتوبة، على يقين وحسن ظن بالله أنه سيقبل منك؛ لأنه التواب.

*قوله {الرَّحيم}:* بعباده عامة، وبهم خاصة؛ لفرط ندمهم، وعظيم اخلاصهم.

قال الطبري في تفسيره: {الرَّحيم} بهم، أن يعاقبهم بعد التوبة، أو يخذل من أراد منهم التوبةَ والإنابةَ ولا يتوب عليه.

قال السعدي في تفسيره: {‏الرَّحِيمِ‏} وصفه الرحمة العظيمة التي لا تزال تنزل على العباد في كل وقت وحين، في جميع اللحظات، ما تقوم به أمورهم الدينية والدنيوية‏.‏

..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-06-29, 05:53 PM
*تفسير غريب القرآن - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿وَقالَ المَلَأُ مِن قَومِهِ الَّذينَ كَفَروا وَكَذَّبوا بِلِقاءِ الآخِرَةِ وَأَترَفناهُم فِي الحَياةِ الدُّنيا ما هذا إِلّا بَشَرٌ مِثلُكُم يَأكُلُ مِمّا تَأكُلونَ مِنهُ وَيَشرَبُ مِمّا تَشرَبونَ﴾ [المؤمنون: 33].

*قوله {المَلَأ}:* الرؤساء من الناس.
قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن.

*قوله {وَأَترَفناهُم}:* أي وسعنا عليهم حتى أُترِفوا.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، ومكي في تفسير المشكل من غريب القرآن.

إلا أن مكي قال: "وسع".

قال الكفوي في الكليات: {أَترَفناهُم}: نعمناهم.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: والمترف: المتقلب في لين العيش.

..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-06-30, 11:07 PM
قوله تعالى
﴿وَيَجعَلونَ لِلَّهِ البَناتِ سُبحانَهُ وَلَهُم ما يَشتَهونَ۝وَإِذ ا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثى ظَلَّ وَجهُهُ مُسوَدًّا وَهُوَ كَظيمٌ﴾ [النحل: 57-58].

*قوله {وَ}:* ومن جملة افتراء المشركين على الله.

*قوله {يَجعَلونَ لِلَّهِ البَناتِ}:* كانت خزاعة وكنانة تقول الملائكة بنات الله.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.

*قوله {سُبحانَهُ}:* تنزه عن كل نقص، وعما زعموا.

قال القرطبي في تفسيره: نزه نفسه وعظمها عما نسبوه إليه من اتخاذ الأولاد .

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: معناه تنزيه له من السوء.

*قوله {وَ}:* يجعلون.

*قوله {لَهُم}:* لأنفسهم.

*قوله {ما يَشتَهونَ}:* من البنين.

وكيف يصفون الله بالبنات وأنفسهم بالبنين؟!؛ إنها قسمة جائرة. قال تعالى (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثى . تِلكَ إِذًا قِسمَةٌ ضيزى).

ونحوه (فَاستَفتِهِم أَلِرَبِّكَ البَناتُ وَلَهُمُ البَنونَ).

قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {ولهم*ما*يشتهون} أي: البنين، فإنهم كانوا يقولون له*البنات، ولنا البنون.
*
قال السمرقندي في بحر العلوم: (ولَهُم ما يَشتَهون) يعني: الأولاد الذكور، أي: يصفون لغيرهم*البنات، ولأنفسهم الذكور.

قال البغوي في تفسيره (سبحانه ولهم ما يشتهون)*أي:* ويجعلون لأنفسهم البنين الذين يشتهونهم، فتكون*" ما "*في محل* النصب، ويجوز أن تكون على الابتداء فتكون*" ما "*في محل* الرفع.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وإنا قدم*{ سبحانه} على قوله :*{ولهم ما يشتهون}*ليكون نصّاً* في أن التّنزيه عن هذا الجعل لذاته وهو نسبة البنوّة لله، لا عن جعلهم له خصوص البنات دون الذكور الذي هو أشدّ فظاعة ، كما دلّ عليه قوله تعالى :*{ولهم ما يشتهون}، لأن ذلك* زيادة في التّفظيع.

*قوله {وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثى}:* أخبر بولادة ابنة.
قاله الواحدي في الوجيز.

*قوله {ظَلَّ}:* يعني صار بلغة هذيل.
حكاه عبدالله بن حسنون السامري في اللغات في القرآن.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ويستعمل*{ ظَلّ }*بمعنى صار . وهو المراد هنا.

*قوله {وَجهُهُ مُسوَدًّا}:* متغيرا من عظيم الغم الذي نزل به.

قال السمرقندي في بحر العلوم: أي صار وجهه متغيرا من الحزن والخجل.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: فابيضاض الوجوه عبارة عن المسرة، واسودادها عبارة عن المساءة.

*قوله {وَهُوَ كَظيم}:* كَظيم: أي كاظم؛ فهو فعيل بمعنى فاعل. يعني ممسكا غيظه، وحزنه لا يخفيه.

قال البغوي في تفسيره: وهو ممتلئ* حزنا وغيظا فهو يكظمه أي: يمسكه ولا يظهره.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وكظيم بمعنى كاظم كعليم وعالم، والمعنى أنه يخفي وجده وهمه بالأنثى.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: والكظيم*الذي يخفي غيظه ولا يشكو ما به،*وهو*فعيل*بمع ى فاعل، كعليم.*

..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-07-04, 12:41 PM
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿وَفَعَلتَ فَعلَتَكَ الَّتي فَعَلتَ وَأَنتَ مِنَ الكافِرينَ﴾ [الشعراء: 19].

*قوله {وَفَعَلتَ}:* يعني وقال فرعون لموسى - عليه السلام - وفعلت.

*قوله {فَعلَتَكَ}:* والفعلة بفتح الفاء المرة من الفعل.
قاله القرطبي في تفسيره.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى - على لسان فرعون - {وَفَعَلتَ فَعلَتَك}: أبهم الفعلة - القتل - مع أنه عدوه، فكيف بأهل الإسلام إذا عاتبوا إخوانهم يصرحون، ويفضحون، ويذكرون دقائق الأمور؟!. وإن كان لقائل أن يقول: إنما أبهم فرعون للتهويل، والتفظيع، ولشهرتها؛ فتأمله.

*قوله {الَّتي فَعَلتَ}:* لأن موسى - عليه السلام - قتل من آل فرعون نفسا. فذلك قوله (قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ).

قال الطبري في تفسيره: ( وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ )*يعني: قتله* النفس التي قتل من القبط.

*قوله {وَأَنتَ}:* يا موسى.

*قوله {مِنَ الكافِرينَ}:* الكافرين بالنعمة، أي الجاحدين لنعمتنا عليك؛ فقد ربيناك فينا وليدا. أو الكافرين بديننا الذي عبته؛ فشهد فرعون على نفسه وقومه أنهم من الكافرين؛ وهم كذلك.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: أي: تحريت كفران نعمتي.

قال يحيى بن سلام في التصاريف: {وفعلت*فعلتك*الت فعلت وأنت من الكافرين} يعني الكافرين بنعمتي، إذ ربيتك صغيرا وأحسنت إليك.

قال الزركشي في البرهان: {وفعلت*فعلتك*الت فعلت وأنت من الكافرين} أي بأنعمنا فأجاب: لم أفعل ذلك كفرا للنعمة كما زعمت بل فعلتها وأنا غير عارف بأن الوكزة تقضي بدليل قراءة بعضهم {وأنا من الجاهلين}.

قال البغوي في تفسيره: وقال أكثر المفسرين : معنى قوله :" وأنت من الكافرين "*،* أي : من الجاحدين لنعمتي وحق تربيتي ، يقول ربيناك فينا فكافأتنا أن قتلت منا نفسا ، وكفرت بنعمتنا.

قال السعدي في تفسيره: {وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} أي: وأنت إذ ذاك طريقك طريقنا, وسبيلك سبيلنا، في الكفر، فأقر على نفسه بالكفر, من حيث لا يدري.

..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-07-06, 09:25 PM
قوله تعالى
{فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} الحديد (15).

*قوله {فَالْيَوْمَ}:* يعني يوم القيامة؛ لأنه يوم ذو شأن.

*قوله {لَا يُؤْخَذُ}:* لا يقبل.
قاله الإيجي الشافعي في جامع البيان.

*قوله {مِنْكُمْ}:* أيها المنافقون.

*قوله {فِدْيَةٌ}:* يعني: عوضا وبدلا؛ فيخلصكم من عذاب الله.

وأصل الفدية: العوض، والبدل عن الشيء، وهو من الفداء.

قال علي بن الزين الجرجاني كتاب التعريفات: الفدية والفداء: البدل الذي يتخلص به المكلف عن مكروه توجه إليه.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {فدية}: عوض ليفتدى به من عذاب الله.
قاله الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن.

قال الفراء في معاني القرآن: والفدية مشتقة من الفداء.

قال البغوي في تفسيره:* (فدية) بدل وعوض بأن تفدوا أنفسكم من العذاب.

قال القرطبي في تفسيره: أي : لا يقبل منكم بدل ولا عوض ولا نفس أخرى .

قال التستري في تفسيره: قوله تعالى: يعني لا يؤخذ منكم فداء عن أنفسكم.

*قوله {وَلَا}:* تؤخذ الفدية أيضا.

*قوله {مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}:* يعني المشركين.
قاله البغوي في تفسيره.

قلت (عبدالرحيم): ولو قيل في قوله (مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا): أي بالله ورسوله. فيدخل فيه المشركون وأهل الكتاب،؛ لأن أهل النار - الذين هم أهلها - ثلاثة: المشركون، وأهل الكتاب، والمنافقون. وقد سبق - بحمد الله - أنه لا فرق بين الشرك والكفر.

*قوله {مَأْوَاكُمُ النَّارُ}:* أي هي مصيركم وإليها منقلبكم .
قاله الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير.

قال الواحدي في الوجيز: {مأواكم النار} منزلكم النَّار.

*قوله {هِيَ مَوْلَاكُمْ}:* يعني هي أولى بكم، تتولى أمركم؛ فقد وكلت بأهل المفر، ولا همة لها غيرهم.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {هِيَ مَوْلَاكُمْ}: أي هي أولى بكم.
قاله* أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، والكفوي في الكليات، والبَندنيجي في التقفية في اللغة، والسمعاني في تفسيره، وغيرهم جمع.

إلا أن أبا عبيدة قال: «هِيَ مَوْلاكُمْ» أولى بكم قال لبيد:
مولى المخافة خلفها وأمامها.

قال القرطبي في تفسيره: تبارك وتعالى يركب فيها الحياة والعقل فهي تتميز غيظا على الكفار، ولهذا خوطبت في قوله تعالى : يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد .

*قوله {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}:* أي ساءت مرجعا ومصيرا .
قاله القرطبي في تفسيره.

قال الخضيري في السراح بيان غريب القرآن: {المصير}: المرجع.

قال أبو السعود في تفسيره: {هي مولاكم} أي أولى بكم وحقيقته مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم كما يقال هو مئنة الكرم أي مكان لقول القائل إنه لكريم أو مكانكم عن قريب من الولي وهو القرب أو ناصركم على طريقة قوله ... تحية بينهم ضرب وجيع ... أو متوليكم تتولاكم كما توليتم موجباتها.

..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-07-07, 04:20 PM
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿وَقالَ الَّذينَ كَفَروا لَولا نُزِّلَ عَلَيهِ القُرآنُ جُملَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلناهُ تَرتيلًا﴾
[الفرقان: 32].

*قوله {وَقالَ الَّذينَ كَفَروا}:* بالقرآن.

*قوله {لَولا}:* هلّا.

*قوله {نُزِّلَ عَلَيهِ}:* على محمد - صلى الله عليه وسلم -.

*قوله {القُرآنُ جُملَةً واحِدَةً}:* دفعة واحدة، وليس مفرقا كما ينزل عليه.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: معناه: هلا نزل عليه القرآن في وقت واحد.

قال الطبري في تفسيره: يقول: هلا نـزل* على محمد صلى الله عليه وسلم القرآن*(جُمْلَةً وَاحِدَةً)*كما* أنـزلت التوراة على موسى جملة واحدة؟*

*قوله {كَذلِك}َ:* أنزلناه مفرقا، وأنزلناه شيئا فشيئا.

*قوله {لِنُثَبِّتَ}:* التثبيت:* جعل الشيء ثابتاً. والثبات: استقرار الشيء في مكانه غير متزلزل قال تعالى:*{كشجرة طيّبة أصلها ثابت }، ويستعار الثبات لليقين وللاطمئنان بحصول الخير لصاحبه قال تعالى:*{لكان خيراً لهم وأشدّ تثبيتاً}.
قاله الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير.

*قوله {بِه}ِ:* بالقرآن الذي أنزلناه عليك مفرقا.

*قوله {فُؤادَكَ}:* قلبك، والقلب ما يُعقل به. ودليله (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ).

قال القرطبي في تفسيره: نقوي به قلبك فتعيه وتحمله.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والفؤاد : هنا العقل . وتثبيته بذلك الإنزال جعله ثابتاً في ألفاظه ومعانيه لا يضطرب فيه .

قال الطبري في تفسيره: قال الله:*( كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ )*تنـزيله عليك* الآية بعد الآية، والشيء بعد الشيء، لنثبت به فؤادك نـزلناه.

قال البغوي في تفسيره: أي أنزلناه* متفرقا ليقوى به قلبك فتعيه وتحفظه ، فإن الكتب أنزلت على الأنبياء يكتبون ويقرءون ، وأنزل الله القرآن على نبي أمي لا يكتب ولا يقرأ ، ولأن من القرآن الناسخ والمنسوخ ، ومنه ما هو جواب لمن سأل عن أمور ، ففرقناه ليكون أوعى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأيسر على العامل به .

*قوله {و}َ:* كذلك.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وقوله:*{ورتلناه ترتيلاً}*عطف على قوله*{كذلك}.

*قوله {رَتَّلناهُ تَرتيلًا}:* يعني: وبيناه تبيينا.
قاله السمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره.

قال القرطبي في تفسيره: ورسلناه ترسيلا؛ يقول : شيئا بعد شيء.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: أما قوله تعالى:*(ورتلناه*ت رتيلا)*فمعنى الترتيل في الكلام أن يأتي بعضه على أثر بعض على تؤدة وتمهل وأصل الترتيل في الأسنان وهو تفلجها يقال ثغر رتل وهو ضد المتراص.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ويجوز أن يراد ب*{رتّلناه}*أمرنا بترتيله،*أي بقراءته مرتَّلاً ، أي بتمهُّل بأن لا يعجِّل في قراءته بأن تُبيّن جميع الحروف والحركات بمهل، وهو المذكور في سورة المزّمّل في قوله تعالى:*{ورتِّل القرآن ترتيلاً}.
..............................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-07-09, 05:26 AM
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*


قوله تعالى
﴿إِن تَتوبا إِلَى اللَّهِ فَقَد صَغَت قُلوبُكُما وَإِن تَظاهَرا عَلَيهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَولاهُ وَجِبريلُ وَصالِحُ المُؤمِنينَ وَالمَلائِكَةُ بَعدَ ذلِكَ ظَهيرٌ﴾
[التحريم: 4].

*قوله {إِن تَتوبا}:* من أذية النبي - صلى الله عليه وسلم -.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: والتوبة من التعاون على رسول*الله صلى*الله*عليه وسلم بالإيذاء.

*قوله {إِلَى اللَّهِ}:* الذي اختارهن أزواجا لنبيه دون سائر نساء الدنيا.

والخطاب لحفصة وعائشة - أمهات المؤمنين، ورضي الله عنهن -.

وفي الصحيحين من حديث عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما -؛ وفيه: قال ابن عباس: فقلت له - عمر بن الخطاب -: يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله تعالى (إن تتوبا إلى الله فقد*صغت*قلوبكما) قال: واعجبا لك يا ابن عباس هما عائشة وحفصة...».

قال البغوي في تفسيره: {إِن تَتوبا إِلَى اللَّهِ}: أي من التعاون على النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإيذاء . يخاطب عائشة وحفصة.

*قوله {فَقَد صَغَت قُلوبُكُما}:* صَغَت: مالت. يعني مالت عن الحق، والصواب؛ ولا ينبغي لهن ذلك.

وأصل الصغو: الميل.

قال الأزدي في جمهرة اللغة: الصغو: الميل صغا يصغو صغوا، إذا مال. والشمس صغواء، إذا مالت في الغرب. وأصغى يصغي إصغاء، إذا أمال سمعه. وكل شيء أملته فقد أصغيته وفي الحديث: كان يصغي الإناء للهرة لتشرب. ويقال: أكرموا فلانا في صاغيته، أي في أهله ومن يعنى به.

انتهى.

فنعنى قوله تعالى {فَقَد صَغَت قُلوبُكُما}: قد عدلت ومالت.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وأبو السجستاني في غريب القرآن، وغلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن.

إلا أن غلام ثعلب قال: أي مالت.

قال البغوي في تفسيره: أي* زاغت ومالت عن الحق واستوجبتما التوبة.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: أي عدلت ومالت عن الحق، وهو*حق الرسول عليه الصلاة والسلام، وذلك*حقعظيم يوجد فيه استحقاق العتاب بأدنى تقصير.

قال الطبري في تفسيره: فقد مالت قلوبكما إلى محبة ما كرهه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم من اجتنابه جاريته، وتحريمها على نفسه، أو تحريم ما كان له حلالا مما حرّمه على نفسه بسبب حفصة.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ): وَلِتَصْغَى: أي ولتميل.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: من صغوت إليه أي ملت إليه وهويته وأصغيت إليه لغة، قال ذو الرمة:
تصغى إذا شدّها بالرّحل جانحة ... حتى إذا ما استوى في غرزها تثب.

*قوله {وَإِن تَظاهَرا}:* يعني تعاونا. وأصل التظاهر، والمظاهرة: التعاون، والمساعدة.

قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: التظاهر:*التعاون .

*قال الرازي في مختار الصحاح:و (المظاهرة) المعاونة و (التظاهر)*التعاو واستظهر به استعان به.

انتهى.

فمعنى قوله تعالى {وَإِن تَظاهَرا}: يعني*تعاونا*عليه .
قاله يحيى بن سلام في التصاريف، والفراء في معاني القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن،

قال النسفي في مدارك التنزيل: وإن تعاونا عليه بما يسوءه من الإفراط في الغيرة وإفشاء سره.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ): تَظَاهَرَا: تعاونا.

قال الحسن الفارسب في الحجة للقراء السيعة: تعاونا على سحرهما.

ومنه (ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ): قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {تَظَاهَرُونَ}: تعاونون.

ومنه (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا): ظَهِيرًا: معينا.
قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن.

ومنه (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا): ظَهِيرًا: يعني معينا.
قاله يحيى بن سلام في التصاريف.

ومنه (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ ): ظَهِيرًا: أي*معينا.
قاله النحاس في معاني القرآن، وأبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن.

زاد النحاس: للمجرمين.

ومنه (وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ):

*قوله {عَلَيه}ِ:* على النبي صلى الله عليه وسلم.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: على معصية النبي- صلى الله عليه وسلم- وأذاه.

*قوله {فَإِنَّ اللَّهَ}:* بنفسه.

*قوله {هُوَ مَولاهُ}:* أي هو يتولى نصرته.
قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه.

قال البغوي في تفسيره: أي وليه وناصره.

قال النسفي في مدارك التنزيل: وليه وناصره وزيادة إيذان بأنه يتولى ذلك بذاته.

*قوله {وَجِبْرِيلُ}:* أيضاً وليه، وناصره.

والتنصيص على اسمه بيان لعلو منزلته، وقد جاء مثل هذا في التنزيل كثير؛ يذكر الملائكة ثم يخص روح القدس جبريل - عليه السلام - بالذكر؛ كما قال تعالى ( مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ).

وقوله (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ): الروح: جبريل؛ بالاتفاق - يحضرني هذا -.

*قوله {وَصالِحُ المُؤمِنينَ}:* أبو* بكر وعمر رضي الله عنهما.
قاله البغوي في تفسيره.

قال الطبري في تفسيره: وقوله: (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) يقول: فإن* الله هو وليه وناصره، وصالح المؤمنين، وخيار المؤمنين أيضًا مولاه وناصره.
وقيل: عني بصالح المؤمنين في هذا الموضع: أَبو بكر، وعمر رضي الله عنهما.

*قوله {وَالمَلائِكَةُ} :* على تكاثر عددهم.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.

*قوله {بَعدَ ذلِكَ}:* الولاية.

*قوله {ظَهيرٌ}:* يعني أعوانا للنبي.
قاله يحيى بن سلام في التصاريف.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: في معنى ظهراء، أي والملائكة أيضا نصار للنبي - صلى*الله*عليه وسلم -.


قال الطبري في تفسيره: وقوله: (وَالْمَلائِكَة بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) يقول: والملائكة مع جبريل وصالح المؤمنين لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أعوان على من أذاه، وأراد مساءته. والظهير في هذا الموضع بلفظ واحد في معنى جمع. ولو أخرج بلفظ الجميع لقيل: والملائكة بعد ذلك ظهراء.

انتهى.

المعنى الإجمالي للآية؛ من كتاب (المختصر في التفسير):
حقٌّ عليكما أن تتوبا؛ لأن قلوبكما قد مالت إلى*محبة ما كرهه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من اجتناب جاريته وتحريمها على نفسه، وإن تصرَّا على العود على تأليبكما عليه، فإن الله هو وليه وناصره، وكذا جبريل وخيار المؤمنين أولياؤه ونصراؤه. والملائكة بعد نصرة الله له أعوان له ونصراء على من يؤذيه.

..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-07-09, 07:55 AM
إلى الذين يقدمون على عمل النهائي لأولادهم؛ من أجل الرسوم:

قال الله تعالى
(الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) البقرة 268.

هل اضطرك أحد الآن، ورماك في الشارع؟ لتعجل على الفور، وتخرج لهم نهائي؟ تالله ستندم (إلا ما شاء الله)، من رزقك من قبل، ومن أتى لك بولدك وامرأتك من قبل، وغيرك كثير لم يستطع؟ (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ).

ثانيا: من الذي يتحكم في الكون، ما حصل اختبار من الله لك في يقينك فيه. كم من قرارات اتخذت وتراجعت عنها دول؟ قال الله ( إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي) بيده ناصية كل أحد، يذله ويقهره.

وقال (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)،

وقال (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ): مقاليد: أي مفاتيح.

والنصوص كثيرة جدا.

ثالثا: لعل الله بقوته، ورحمته تذهب هذه القرارات؛ كما ذهبت غيرها، أتحسب أن الله يغفل ولا يستجيب لأسر لا يريدون التفرق، ويريدون العفة؟ كلا والله. سيجعل الله لهؤلاء فرجا ومخرجا.

رابعا: هل المؤمن لمجرد خبر ولو كان صحيحا يبني مستقبله فرارا من شبح الفقر والغرم؟ لكن هناك طائفة من الناس يشبهون من قال الله فيهم ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ).

فاثبت وأقم بيتك كما هو تبتغي عفة نفسك وامرأتك، واتق الله، واتق المحرمات، وأقم دين الله في نفسك وبيتك وبعدها كما قال تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عبدالرحيم آل حمودة
2017-07-12, 01:45 AM
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿وَإِذا ما أُنزِلَت سورَةٌ نَظَرَ بَعضُهُم إِلى بَعضٍ هَل يَراكُم مِن أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفوا صَرَفَ اللَّهُ قُلوبَهُم بِأَنَّهُم قَومٌ لا يَفقَهونَ﴾ [التوبة: 127].

*قوله {وَإِذا ما أُنزِلَت سورَةٌ}:* فيها عيب المنافقين.
قاله البغوي في تفسير، والإيجي الشافعي في جامع البيان.

زاد البغوي: وتوبيخهم.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: والمعنى وإذا ما أنزلت سورة فيها فضيحة أسرارهم.

قال السمرقندي في بحر العلوم: قوله تعالى: وإذا مآ أنزلت سورة يعني: من القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل سورة براءة، فيها عيب المنافقين.

*قوله {نَظَرَ}:* المنافقون.

*قوله {بَعضُهُم إِلى بَعضٍ}:* إلى البعض الآخر؛ يتغامزون.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {وإذا ما أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ} تغامزوا بالعيون إنكاراً للوحي وسخرية به.

قال البغوي في تفسيره: يريدون الهرب يقول بعضهم لبعض إشارة.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: قد قال تعالى في الآية السابقة : {يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون} [ التوبة : 64]. ويدل أيضاً على أنهم كاتمون تعجُّبَهم من ظهور أحوالهم خشية الاعتراف بما نسب إليهم ولذلك اجتزوا بالتناظر دون الكلام . فالنظر هنا نظر دال على ما في ضمير الناظر من التعجب والاستفهام .

*قوله {هَل يَراكُم مِن أَحَدٍ}:* لينفضوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ كما أخبر الله عنهم في قوله (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا): قال الجلال المحلي في الجلالين: أي يخرجون من المسجد في الخطبة من غير استئذان خفية مستترين بشيء وقد للتحقيق

قال السمرقندي في بحر العلوم: (هل يراكم من أحد) من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا رآهم أحد قاموا وصلوا، وإن لم يرهم أحد انصرفوا.

قال الشوكاني في فتح القدير: لننصرف عن المقام الذي ينزل فيه الوحي، فإنه لا صبر لنا على استماعه، ولنتكلم بما نريد من الطعن والسخرية والضحك.

قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: (هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ) يعني من المسلمين إن قمتم من الخطبة والمسجد فإن لم يرهم أحد قاموا وإلا أقاموا.

*قوله {ثُمَّ انصَرَفوا}:* بقلوبهم عن الايمان، وبأبدانهم عن مجلس رسول الله، وقد وصف الله حالهم بقوله ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا): قال ابن قتيبة في غريب القران: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} تخطبُ.

قال الزجاج في معاني القرآن: (ثم انصرفوا) أي يفعلون ذلك وينصرفون، فجائز أن يكون ينصرفون عن المكان الذي استحقوا فيه، وجائز أن يكون ينصرفون عن العمل بشيء مما يستمعون.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {ثُمَّ انصرفوا} عن حضرة النبي عليه السلام مخافة الفضيحة.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وهذا من جملة الفتن التي تحل بهم ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون .

*قوله {صَرَفَ اللَّهُ قُلوبَهُم}:* خبر من الله بأنه صرفهم. أو هو دعاء عليهم؛ كما قال (قاتلهم الله أنى يؤفكون).

وإنما صرفهم الله بسبب تعمد انصرافهم عن الإيمان بالله وآياته، فالله هو الذي صرفهم على الحقيقة؛ بسبب ما اكتسبوا، ونظيرتها قوله تعالى (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ).

لذا ينبغي على العبد أن يقبل على ربه، ويسأله الثبات، وألا يصرف قلبه عن دينه، ففي صحيح مسلم (2654)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد، يصرفه حيث يشاء» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ».

وفيه رد على الفرق الضالة (القدرية) الذين ينفُون قدر الله تعالى، ويقولون: إن الله تعالى لم يخلق أفعال العباد، ويجعلون العبد خالقَ فِعل نفسه، ويقولون: إن الله تعالى لا يعلم الشيء إلا بعد وقوعه. وهذا ضلال، والآية حجة عليهم؛ تبين أن الله يصرف من شاء عن الإيمان به عدلا، ويصطفي إليه من شاء فضلا.

وهذه إشارة لتجنب الإطالة، وقد سبق بيانه في غير ما آية - بحمد الله -.

وفيه: أن الجزاء من جنس العمل؛ فهؤلاء انصروا فصرفهم الله، ففي الصحيحين من حديث أبي واقد الليثي مروعا: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ». فعلى العبد أن يقبل على ربه ما دام فيه رمق؛ في السراء والضراء، وكل أحواله.

قال الطبري في تفسيره: صرف الله عن الخير والتوفيق والإيمان بالله ورسوله قلوبَ هؤلاء المنافقين.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {صَرَفَ الله قُلُوبَهُم} عن فهم القرآن.

قال الزجاج في معاني القران وإعرابه: (صرف الله قلوبهم) أي أضلهم الله مجازاة على فعلهم.

قال السمرقندي في بحر العلوم: صرف الله قلوبهم عن الإيمان، وخذلهم عن الفهم بخروجهم وانصرافهم عن الإيمان.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله: (صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) يحتمل أن يكون دعاء عليهم، ويحتمل أن يكون خبرا أي استوجبوا ذلك.

*قوله {بِأَنَّهُم}:* أي بسبب أنهم.
قاله الإيجي الشافعي في جامعه.

*قوله {قَومٌ لا يَفقَهون}:* لا يفهمون عن الله دينه. والفقه في اللغة: الفهم.

قال الطبري في تفسيره: يقول: فعل الله بهم هذا الخذلان، وصرف قلوبهم عن الخيرات، من أجل أنهم قوم لا يفقهون عن الله مواعظه، استكبارًا، ونفاقا.

قال السمرقندي في البحر: (بأنهم قوم لا يفقهون) أمر الله تعالى.

قال مكي في الهداية الى بلوغ النهاية: {بأنهم قوم لا يفقهون}، أي: لا يفقهون عن الله،* عز وجل،* مواعظة، استنكارا ونفاقا.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} لا يتدبرون حتى يفقهوا.

المعنى الإجمالي للآية؛ من كتاب (المختصر في التفسير):

"وإذا أنزل الله سورة على رسوله صلّى الله عليه وسلّم فيها ذكر أحوال المنافقين نظر بعض المنافقين إلى بعض قائلين: هل يراكم أحد؟ فإن لم يرهم أحد انصرفوا عن المجلس، ألا صرف الله قلوبهم عن الهداية والخير، وخذلهم بأنهم قوم لا يفهمون.
..............................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-07-12, 12:25 PM
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*


قوله تعالى
﴿لَقَد جاءَكُم رَسولٌ مِن أَنفُسِكُم عَزيزٌ عَلَيهِ ما عَنِتُّم حَريصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنينَ رَءوفٌ رَحيمٌ (128) فَإِن تَوَلَّوا فَقُل حَسبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وَهُوَ رَبُّ العَرشِ العَظيمِ (129)﴾ [التوبة].


*قوله {لَقَد جاءَكُم}:* يا أهل مكة.


*قوله {رَسولٌ مِن أَنفُسِكُم}:* لا من غيركم؛ تعرفون حسبه ونسبه، وصدقه وأمانته.


قال البغوي في تفسيره: تعرفون نسبه وحسبه.


قال الطبري في تفسيره: تعرفونه، لا من غيركم، فتتهموه على أنفسكم في النصيحة لكم.

قال الزجاج في معاني القران وإعرابه: أي هو بشر مثلكم. أي فهو أوكد للحجة عليكم لأنكم تفهمون عمن هو مثلكم.


*قوله {عَزيزٌ عَلَيهِ ما عَنِتُّم}:* أي شديد عليه ما يهلككم، ويضركم، وما يوقعكم في الإثم، والفساد. والعنت: الهلاك، والإثم، والمشقة.


ومنه قوله تعالى {ولو شاء الله لأعنتكم}: قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أي لأهلككم.


قال الحربي في المجموع المغيث: العنت: المشقة، والفساد، والهلاك، والإثم، والغلط، والخطأ.

قال أبو حيان في تحفة الأريب: {العنت}: الهلاك وأصله المشقة. ومنه {أعنتكم}: أي أهلككم، وقيل: كلفكم ما يشتد عليكم.

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: العنت: إدخال المشقة على إنسان. عنت فلان، أي: لقي مشقة. وتعنته تعنتا، أي: سألته عن شيء أردت به اللبس عليه والمشقة.

قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: العنت: الإثم. وقد عنت الرجل. وقال تعالى: (عزيز عليه ما عنتم) .

انتهى.

فمعنى قوله تعالى {عزيز عليه ما عنتم}: أي شديد عليه ما أَعْنَتَكم وضركم.
قاله ابن قتيبة في غريب القران.

قال الزجاج في معانيه: أي عزيز عليه عنتكم، والعنت لقاء الشدة.

قال السعدي في تفسيره: {‏عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ‏}‏ أي‏:‏ يشق عليه الأمر الذي يشق عليكم ويعنتكم‏.‏


*قوله {حَريصٌ عَلَيكُم}:* أي : على إيمانكم وصلاحكم .
قاله البغوي في تفسيره.


قال السعدي في تفسيره: فيحب لكم الخير، ويسعى جهده في إيصاله إليكم، ويحرص على هدايتكم إلى الإيمان، ويكره لكم الشر، ويسعى جهده في تنفيركم عنه‏.‏


*قوله {بِالمُؤمِنينَ رَءوفٌ رَحيمٌ}:* رَءوفٌ: أي رفيق.
قاله الطبري في تفسيره.


قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والرؤوف : الشديد الرأفة . والرحيم : الشديد الرحمة ، لأنهما صيغتا مبالغة.


قال البغوي في تفسيره: بالمؤمنين رءوف رحيم ) قيل : رءوف بالمطيعين رحيم بالمذنبين.

قال السعدي في تفسيره: ‏{‏بِالْمُؤْمِ ِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ‏}‏ أي‏:‏ شديد الرأفة والرحمة بهم، أرحم بهم من والديهم‏.‏
ولهذا كان حقه مقدمًا على سائر حقوق الخلق، وواجب على الأمة الإيمان به، وتعظيمه، وتعزيره، وتوقيره


*قوله ‏{‏فَإِنْ‏ تَوَلَّوا}:* أعرضوا.

ونظير ذلك في التنزيل كثير؛ من ذلك قوله تعالى (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ): أي وأعرض عنهم.


ومنه (عَبَسَ وَتَوَلَّى): أي وأعرض.


ومنه (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ): أي أعرض عن الإيمان بجنده.


قال زين الدين المناوي في التوقيف على مهمات التعاريف: التولي: الإعراض المتكلف بما يفهمه التفعل.

انتهى.


فمعنى قوله تعالى {فَإِن تَوَلَّوا} إن أعرضوا عن الإيمان وناصبوك الحرب.
قاله البغوي في تفسيره.


قال السمرقندي في بحر العلوم: فإن تولوا، يعني: إن أعرضوا عنك ولم يؤمنوا بك.


قال السعدي في تفسيره: {‏فَإِنْ‏}‏ آمنوا، فذلك حظهم وتوفيقهم، وإن ‏{‏تَوَلَّوا‏} عن الإيمان والعمل، فامض على سبيلك، ولا تزل في دعوتك.


*قوله {فَقُل حَسبِيَ اللَّهُ}:* كفاني الله وفوضت أمري إلى الله ووثقت به.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

قال الطبري في تفسيره: يكفيني ربي.

قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى (فإن تولوا فقل حسبي الله) أي إن أعرض الكفار يا محمد بعد هذه النعم التي من الله عليهم بها فقل حسبي الله أي كافي الله تعالى.


*قوله {لا إِلهَ إِلّا هُو}:* لا يعبد بحق إلا هو.


قال السمرقندي في البحر: يعني لا ناصر ولا رازق ولا معين إلا هو.


*قوله {عَلَيهِ}:* وحده لا شريك له.


*قوله {تَوَكَّلتُ}:* أي اعتمدت وإليه فوضت جميع أموري.
قاله القرطبي في تفسيره.

قال السمرقندي في البحر: يعني به أثق.

*قوله {وَهُوَ رَبُّ العَرشِ العَظيم}:* خالق العرش العظيم؛ الذي هو أعظم المخلوقات على الإطلاق. والعرش غير الكرسي.


قال القرطبي في تفسيره: وهو رب العرش العظيم خص العرش لأنه أعظم المخلوقات فيدخل فيه ما دونه إذا ما ذكره.


قال الطبري في تفسيره: وإنما عنى بوصفه جل ثناؤه نفسه بأنه رب العرش العظيم، الخبرَ عن جميع ما دونه أنهم عبيده، وفي ملكه وسلطانه، لأن " العرش العظيم "، إنما يكون للملوك، فوصف نفسه بأنه " ذو العرش " دون سائر خلقه، وأنه الملك العظيم دون غيره، وأن من دونه في سلطانه وملكه، جارٍ عليه حكمه وقضاؤه.

..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-07-21, 05:31 AM
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿دَعواهُم فيها سُبحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُم فيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعواهُم أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ﴾ [يونس: 10].

*قوله {دَعواهُم}:* يعني دعاءهم.
قاله الطبري في تفسيره، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، والسمعاني في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، وابن الجوزي في زاد المسير، والنسفي في مدارك التنزيل، والشوكاني فس فتح القدير، وإلايجي الشافعي في جامع البيان، وغيرهم.

إلا أن مكي قال: حكى سيبويه: الدعوى بمعنى الدعاء. فالمعنى دعاؤهم في الجنة:*سبحانك*ال هم.

وزاد الشوكاني: قوله:*دعواهم: ونداؤهم.

زاد القرطبي: والدعوى مصدر دعا يدعو، كالشكوى مصدر شكا يشكو.

وزاد الزجاج: يعني إن دعاء أهل الجنة تنزيه الله وتعظيمه.

وزاد النسفي: لأن اللهم*نداء لله ومعناه*اللهم*إنا نسبحك أي يدعون الله بقولهم*
سبحانك*اللهم*تلذ ذا بذكره لاعبادة.

*قوله {فيها}:* في الجنة.

*قوله {سُبحانَكَ اللَّهُمَّ}:* كلمة تنزيه؛ فتعم تنزيه الله من كل عيب، ونقص، ووصف لا يليق به - جل ذكره -.

والمعنى: تنزهت اللهم عن كل عيب ونقص عامة، وعن خلف الوعد خاصة؛ فقد وعدتنا دخول الجنة، كما أنهم ينزهون ربهم عما وصفه به الكافرون في الدنيا؛ وذلك لما يروا من جلاله وكماله عند رؤيتهم ربهم في الجنة.

قال الطبري في تفسيره: وأما قوله:*(سبحانك اللهم)*، فإن معناه: تنـزيها لك ، يا رب ، مما أضاف إليك أهل الشرك بك ، من الكذب عليك والفِرْية.

قال البغوي في تفسيره: ( فيها سبحانك اللهم )*وهي كلمة تنزيه ، تنزه الله من كل سوء.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وسبحان: مصدر بمعنى التسبيح، أي التنزيه.

*قوله {وَ}:* أما.
قاله السعدي في تفسيره.

*قوله {تَحِيَّتُهُم}:* تحية بعضهم بعضًا.
قاله الطبري في تفسيره.

وقال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: {وتحيتهم} أي لله وفيما بينهم.

*قوله {فيها}:* في الجنة.

*قوله {سَلامٌ}:* مما ابتلي به أهل النار، ومن كل حَزن.

يريد: يسلم بعضهم على بعض بتحية الله المباركة؛ أي يدعو بعضهم لبعض بالسلامة من كل مكروه؛ أي سلمتم، وأمنتم من كل وشر، والنار أعظم الشرور التي سلموا منها؛

فالجنة بذلك دار السلام؛ سالمة من كل أذى؛ لكمال نعيمها، كما في قوله (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ): قال السعدي في تفسيره: وسمى الله الجنة ‏"‏دار السلام‏"‏ لسلامتها من جميع الآفات والنقائص، وذلك لكمال نعيمها وتمامه وبقائه، وحسنه من كل وجه‏.‏

وقوله (لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ): قال البغوي في تفسيره: يعني الجنة.

انتهى.

فمعنى قوله تعالى {وَتَحِيَّتُهُم فيها سَلامٌ}: (فيها سلام): أي سَلِمْتَ وأمِنْتَ مما ابتُلي به أهل النار.
قاله الطبري في تفسيره.

قال البغوي في تفسيره: قوله تعالى :*(وتحيتهم فيها سلام) أي يحيي بعضهم بعضا بالسلام . وقيل: تحية الملائكة لهم بالسلام.

وقال نجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن: (وتحيتهم*فيها*سل م) : ملكهم سالم من الزوال.

قال السعدي في تفسيره: ‏{‏تَحِيَّتُهُ ْ‏}‏ فيما بينهم عند التلاقي والتزاور، فهو السلام، أي‏:‏ كلام سالم من اللغو والإثم.

*قوله {وَآخِرُ دَعواهُم}:* وآخر دعائهم.
قاله الطبري في تفسيره.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {وآخر*دعواهم} وخاتمة دعائهم الذي هو التسبيح.

*قوله {أَنِ الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمين}:* أن صدقنا وعده، أورثنا الجنة، ونجانا من النار؛ فله الحمد كله؛ ولولا هدايته لنا وتوفيقه لحرمنا كل هذا، ونحوه قوله تعالى (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ).

وقوله ( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

قال البغوي في تفسيره: ( وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين )*يريد يفتتحون كلامهم بالتسبيح ، ويختمونه بالتحميد.

قال الشوكاني في فتح القدير: قوله: (وآخر*دعواهم*أن الحمد لله رب العالمين) أي: وخاتمة دعائهم الذي هو التسبيح أن يقولوا: الحمد لله رب العالمين.

قال ابن كثير في تفسيره: وهذه الآية فيها شبه من قوله:*(تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما)، وقوله:*(لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما) وقوله:*(سلام قولا من رب رحيم) وقوله:*(والملائك يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار).
..............................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-07-22, 01:05 PM
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم ْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} (11).

*قوله {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَِّ اسْتِعْجَالَهُم ْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُم}:* أي أنهم يدعون على أنفسهم بالشر كما يدعون لها بالخير. فلو عجل لهم من الشر ما يستعجلونه بدعائهم مثل استعجالهم الخير لهلكوا.
قاله السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي لو عجل*الله للناس*الشر إذا دعوا به على أنفسهم عند الغضب وعلى أهليهم وأولادهم، واستعجلوا به كما يستعجلون بالخير فيسألونه الرزق والرحمة: {لقضي إليهم أجلهم} أي: لماتوا.

قال السعدي في تفسيره: ويدخل في هذا، أن العبد إذا غضب على أولاده أو أهله أو ماله، ربما دعا عليهم دعوة لو قبلت منه لهلكوا، ولأضره ذلك غاية الضرر، ولكنه تعالى حليم حكيم‏.‏

قال البسيلي في نكت وتنبيهات في تفسير القرآن: الآية تدل على مرجوحية الاستعجال مطلقا؛ كما في قوله: (إن هؤلاء يحبون العاجلة).

قلت (عبدالرحيم): فيه مسألتان:

الأولى: أن قوله تعالى {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَِّ اسْتِعْجَالَهُم ْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُم}: نظيرتها قوله تعالى (وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا): قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي يدعو على نفسه وعلى خادمه وعلى ماله، بما لو استجيب له فيه، هلك. {وكان*الإنسان*عج لا} أي يعجل عند الغضب. والله لا يعجل بإجابته.

انتهى

الثانية: ما جاءت "العجلة" في القرآن إلا مذمومة؛ ولفرط عجلة الإنسان كأنه خلق منها؛ لقوله {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ }: قال الألوسي في روح المعاني؛ جعل*لفرط*استعجال ه وقلة صبره كأنه مخلوق*من*نفس العجل.

فما جاء الاستعجال إلا مذموما؛ كما في قوله تعالى {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ}: قال السيوطي في الإتقان في علوم القرآن: {عجل*لنا*قطنا}: العذاب.

وقوله {وَيَسْتَعْجِلُ نَكَ بِالْعَذَابَِ}: قال ابن كثير في تفسيره: يقول تعالى مخبرا عن جهل المشركين في استعجالهم عذاب الله أن يقع بهم، وبأس الله أن يحل عليهم.

وقوله {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}: تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ: قال الجلال المحلي في الجلالين: أي بالعذاب.

وقوله {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}: قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: فلما جاءهم عذاب الله الذي استعجلوه، فرأوه سحابا عارضا في ناحية من نواحي السماء.

وقوله {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ}: قال الألوسي في روح المعاني: أي من العذاب.

وقوله {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولا تعجل يا محمد بالقرآن، فتقرئه أصحابك، أو تقرأه عليهم.
قاله الطبري في تفسيره.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: العجلة: طلب الشيء وتحريه قبل أوانه، وهو من مقتضى الشهوة، فلذلك صارت مذمومة في عامة القرآن حتى قيل: «العجلة من الشيطان».

*قوله {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}:* أي لماتوا، وهلكوا؛ ولكنه لا يفعل ذلك - تبارك وتعالى -؛ لسعة رحمته ولطفه.

قال الطبري في تفسيره: (لقضي إليهم أجلهم)، يقول: لهلكوا، وعُجِّل لهم الموت، وهو الأجل.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}: أي لماتوا.

قال السمعاني في تفسيره: {لقضى إليهم أجلهم} فهلكوا جميعا وماتوا.*

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والقضاء: التقدير. والأجل: المدة المعينة لبقاء قوم. والمعنى: لقضي إليهم حلول أجلهم.

قلت (عبدالرحيم): قوله {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} أي لماتوا، وهلكوا. ومنه قولهم: " فلان قضى": أي مات.

ومنه قوله تعالى {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ}: قال أبو بشر البندنيجي*في التقفية في اللغة: والنحب: الموت والنذر، يقال:*قضى*فلاننح ه*إذا*مات*وأوفى بنذره.*

ومنه {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ}: قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ومعنى (لقضي*الأمر) أي لتم بإهلاكهم.

قال السمرقندي في بحر العلوم: (لقضي*بينهم)*يعني : لفرغ منهم بالهلاك.*

ومنه {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا}: قال السمعاني في تفسيره: أي لا*يقضي*عليهمالم وت*فيموتوا.

ومنه {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ}: فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ: قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: أي*أمتناه.

*قوله {فَنَذَرُ}:* فندع، ونترك.ونظير ذلك في التنزيل كثير؛ من ذلك قوله تعالى {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا}: ذرني: أي اتركني.

ومنه {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِي نَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا}: أي واتركني.

قال الزركشي في البرهان في علوم القرآن: وكأنه قال:*اتركني واترك من خلقت وحيدا وكذلك*اتركني*وات رك المكذبين.

ومنه {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ}: ِّ لَا تَذَرْنِي: لا تتركني.

ومنه {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ}: أي اتركهم*مستقرين في غمرتهم.*
قاله السمين الحلبي في الدر المصون في علوم الكتاب المكنون.

*قوله {الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ}:* لا يخافون. والرجاء هنا بمعنى الخوف. وقد سبق - بحمد الله - ذكر الأشباه والنظائر لهذا المعنى.

*قوله {لِقَاءَنَا}:* يريد البعث.

قال البغوي في تفسيره: ( فنذر الذين لا يرجون لقاءنا )*لا يخافون البعث والحساب.

*قوله {فِي طُغْيَانِهِمْ}:* لحين حلول آجالهم المضروبة. والمعنى: فنذر هؤلاء لحين انتهاء آجالهم؛ في تمرّدهم وعتوّهم.
قاله الطبري في تفسيره.

*قوله {يَعْمَهُونَ}:* يعني: يترددون، ويتحيرون.

قال الطبري في تفسيره، والسمعاني في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل: يعني يترددون.

وقال القرطبي في تفسيره: أي يتحيرون.

المعنى الإجمالي للآية؛ من كتاب (المختصر في غريب):

"ولو يُعَجِّل الله سبحانه استجابة دعاء الناس على أنفسهم وأولادهم وأموالهم بالشر عند الغضب، مثل ما يستجيب لهم في دعائهم بالخير - لهلكوا، ولكن الله يمهلهم، فيترك الذين لا ينتظرون لقاءه - لأنهم لا يخافون عقابًا ولا يرتجون ثوابًا - يتركهم مترددين حائرين مرتابين في يوم الحساب".
..............................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-07-24, 11:28 PM
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿وَإِذا مَسَّ الإِنسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنبِهِ أَو قاعِدًا أَو قائِمًا فَلَمّا كَشَفنا عَنهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَم يَدعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلمُسرِفينَ ما كانوا يَعمَلونَ﴾
[يونس: 12].

*قوله {وَ}:*عطف على سابقتها.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير :عطف على جملة*{ولو يعجل الله للناس الشر} [يونس : 11]*الآية.

*قوله {إِذا مَسَّ الإِنسانَ}:* مَسَّ: أصابه.
قاله النسي في مدارك التنزيل، وأبو السعود في تفسيره.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {إِذا مَسَّ الإِنسانَ}: مس: معناه: أصاب. ومنه قوله تعالى (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ): يعني:*تصيبكم*الن ر.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

ومنه (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ): وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ: أي وما أصابنا تعب، وإعياء.
قاله الواحدي في الوجيز.

ومنه (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ): يعني أصابني الشيطان بتعب وألم.
قاله الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير.

ومنه (قَالَ أَبَشَّرْتُمُون ِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ): مسني الكبر أي: بعد ما أصابني الكبر والهرم.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

ومنه (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً): تَمَسَّنَا: تصيبنا.
قاله ابن الهائم في التبيان.

ومنه (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ): مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ: أصابتهم البأساء.
قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره.

ومنه (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ): إِنْ يَمْسَسْكُمْ: إن يصبكم.
قاله الطبري في تفسيره.

ومنه (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ): يَمْسَسْكَ: يصيبك.
قاله الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن.

ومنه (هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ): وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ: يعني لا تصيبوها بعقر، يعني لا تقتلوها.
قاله السمرقندي في البحر.

ومنه (ُوَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ): وما أصابني الضر والفقر.
قاله الواحدي في الوسيط.

ومنه (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ):*مسنا" أي*أصابنا.
قاله القرطبي في تفسيره.

ومنه (لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ): لا*يمسهم،*لا*يصي هم، فيها نصب، أي: تعب [ومشقة].
قاله البغوي في تفسيره.

ومنه (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ): لَمَسَّكُمْ: لأصابكم.
قاله الواحدي في الوسيط.

*قوله {الضُّرُّ}:* الجهد والشدة.
قاله البغوي في تفسيره، وابن الجوزي في زاد المسير.

قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: وإذا أصاب الإنسان الشدة والجهد.

*قوله {دَعانا}:* ندانا، واستغاث بنا، بتضرع وإخلاص، وإلحاح، أن نكشف عنه. ونحوه قوله تعالى (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ).

قال السمرقندي في بحر العلوم: {دَعانا} دعانا يقول أخلص في الدعاء إلينا.

قال الطبري في تفسيره: (دعانا لجنبه) ، يقول: استغاث بنا في كشف ذلك عنه.

قال القاسمي في محاسن التأويل: {وإذا مس الإنسان الضر دعانا} أي لكشفه وإزالته.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والدعاء: هنا الطلب والسؤال بتضرع.

*قوله {لِجَنبِه}:* يعني على جنبه.
قاله سراج الدين النعماني في اللباب، والخطيب الشربيني في السراج المنير.

قال البغوي في تفسيره: أي على جنبه مضطجعا.

قال الفراء في معاني القرآن: فلجنبه، وعلى جنبه سواء.

قال القاسمي في محاسن التأويل: واللام بمعنى (على) أي على جنبه.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: واللام في قوله : {لجنبه} بمعنى (على) كقوله تعالى : { يخرون لِلأذقان } وقوله : {وتلَّه للجبين}.

*قوله {أَو قاعِدًا أو قائِمًا}:* أي ودعانا قائما وقاعدا؛ يريد على كل حاله يدعو وبه عند الضر؛ لأن ابن آدم لا يخلو حاله من اضجاع (استلقاؤه ووضع جنبه بالأرض)، أو قعود، أو قيام.

قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ: والمعنى: دعاء في سائر أحواله لأن الإنسان لا يخلو حاله عن إحدى هذه الهيئات.

قال البغوي في تفسيره، والقرطبي في تفسيره: (أو قاعدا أو قائما) يريد في جميع حالاته ، لأن الإنسان لا يعدو إحدى هذه الحالات.

قال الخطيب الشربيني في السراج المنير: {أو قاعدا أو قائما} وفائدة التردد تعميم الدعاء لجميع الأحوال أو لأصناف المضار.

قال سراج الدين النعماني في اللباب في علوم الكتاب: وقيل: وإنما بدأ بالمضطجع؛ لأنه بالضر أشد في غالب الأمر، فهو يدعو أكثر، والاجتهاد فيه أشد، ثم القاعد ثم القائم.

*قوله {فَلَمّا كَشَفنا}:* كشفنا: دفعنا.
قاله البغوي في تفسيره، ومجير الدين العليمي في تفسيره.

قال الطبري في تفسيره؛ (فلما كشفنا عنه ضره) ، يقول: فلما فرّجنا عنه الجهد الذي أصابه.

قال النسفي مدارك التنزيل: أزلنا ما به.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {فَلَمّا كَشَفنا}: أي فلما أزلنا، ورفعنا، ودفعنا، وصرفنا، وفرجنا؛ وكلها من معاني رفع الضر.

ومنه قوله تعالى (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُم ْ إِلَى حِينٍ): رفعنا عنهم العذاب تقديرا لهم {ومتعناهم إلى حين} يقول: وأجلناهم إلى الموت، عرف الله الصدق منهم فرفع العذاب عنهم ولم يقبله من غيرهم.
قاله الجرجاني في درج الدرر.

ومنه قوله تعالى ومنه {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ}: يعني: رفعنا ما به من شدة.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

ومنه {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}: وَيَكْشِفُ السُّوءَ: أي ومن يزيل السوء سواه.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والمعنى: من يزيل السوء.

ومنه {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ}: كشفنا عنهم أي: صرفنا عنهم.
قاله ابن الجوزي في زاد المسير.

قال الطبري في تفسيره: فلما*رفعنا*عنهم العذاب الذي أنزلنا بهم.

ومنه {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}: {فكشفنا}: أي أزلنا ورفعنا.
قاله الهرري في حدائق الروح والريحان.

قال السمين الحلبي في العمدة: أي رفعنا الحجاب الدنيوي عنك في الآخرة فصار بصرك حديدا ثابتا.

*قوله {عَنهُ ضُرَّهُ}:* الذي أصابه، ونزل به.

قال الطبري في تفسيره: (فلما كشفنا عنه ضره) ، يقول: فلما فرّجنا عنه الجهد الذي أصابه.

*قوله {مَرَّ}:* معرضا عنا كما كان؛ وقد كان من قبل يدعونا بدعاء عريض؛ أي كثير.

وهذا من كفران ابن آدم، كما في قوله تعالى {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ}: فذو دعاء عريض: قال الجلال المحلي في الجلالين: كثير.

قال يحيى بن سلام في التصاريف: {مَرَّ}: معرضا عنا.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: أي مر معرضا عن الله - عز وجل - الذي كشف عنه الضر.

قال أبو السعود في تفسيره: {مر} أي مضى واستمر على طريقته التي كان ينتحيها قبل مساس الضر ونسي حالة الجهد والبلاء أو مر عن موقف الضراعة والابتهال ونأى بجانبه.

*قوله {كَأَن}:* كأنه.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره.

قال سراج الدين النعماني في اللباب: تقديره: كأنه لم يدعنا، ثم أسقط الضمير تخفيفا، كقوله تعالى {كأن لم يلبثوا}.

*قوله {لَم يَدعُنا إِلى}:* كشف.

*قوله {ضُرٍّ مَسَّهُ}:* أصابه من قبل. ولو شئنا أنزلناه به مرة أخرى بعدما كشفنا عنه.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: إلى بلاء أصابه قبل ذلك فلم يشكره.

قال البغوي في تفسيره، والقرطبي في تفسيره: أي استمر على طريقته الأولى قبل أن يصيبه الضر ، ونسي ما كان فيه من الجهد والبلاء ، كأنه لم يدعنا إلى ضر مسه أي : لم يطلب منا كشف ضر مسه.

وقال القرطبي - أيضا -: وهذه صفة كثير من المخلصين الموحدين ، إذا أصابته العافية مر على ما كان عليه من المعاصي؛ فالآية تعم الكافر وغيره .

قال الطبري في تفسيره: يقول: استمرَّ على طريقته الأولى قبل أن يصيبه الضر، ونسي ما كان فيه من الجهد والبلاء أو تناساه، وترك الشكر لربه الذي فرّج عنه ما كان قد نـزل به من البلاء حين استعاذ به...

قال السعدي في تفسيره: أي‏:‏ استمر في غفلته معرضا عن ربه، كأنه ما جاءه ضره، فكشفه الله عنه، فأي ظلم أعظم من هذا الظلم‏؟‏‏"‏ يطلب من الله قضاء غرضه، فإذا أناله إياه لم ينظر إلى حق ربه، وكأنه ليس عليه لله حق‏.‏ وهذا تزيين من الشيطان، زين له ما كان مستهجنا مستقبحا في العقول والفطر‏.‏

*قوله {كَذلِكَ زُيِّنَ لِلمُسرِفينَ}:* المجاوزين الحد في الكفر والمعصية.
قاله البغوي في تفسيره.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله تعالى: {كذلك زين للمسرفين} المعنى: كما زين لهذا الكافر الدعاء عند البلاء والإعراض عند الرخاء، كذلك زين للمسرفين، وهم المجاوزون الحد في الكفر والمعصية، عملهم.

..............................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-07-27, 08:14 PM
888*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: 00966509006424*

قوله تعالى
﴿وَلَقَد أَهلَكنَا القُرونَ مِن قَبلِكُم لَمّا ظَلَموا وَجاءَتهُم رُسُلُهُم بِالبَيِّناتِ وَما كانوا لِيُؤمِنوا كَذلِكَ نَجزِي القَومَ المُجرِمينَ﴾ [يونس: 13].

*قوله {وَلَقَد}:* تحقيق.

قال الصافي في الجدول في إعراب القرآن: (اللام) لام القسم لقسم مقدر (قد) حرف تحقيق.

*قوله {أَهلَكنَا}:* الإهلاك : الاستيصال والإفنا.
قاله الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير.

*قوله {القُرونَ}:* الأمم.
قاله السيوطي في الجلالين.

*قوله {مِن قَبلِكُم}:* يعني من قبل كفار مكة.

قال الواحدي ف الوجيز: يخوِّف كفار مكَّة بمثل عذاب الأمم الخالية.

*قوله {لَمّا}:* حينما.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير: اسم زمان بمعنى حين على التحقيق.

*قوله {ظَلَموا}:* أشركوا.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره، والبغوي في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل.

قال القرطبي في تفسيره: أي كفروا وأشركوا.

قال الطبري في تفسيره: يقول: لما أشركوا وخالفوا أمر الله ونهيه.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: والظلم هاهنا بمعنى الشرك.

قلت (عبدالرحيم): وتصديقه قوله تعالى*- على لسان لقمان - (يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)،

وقوله (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ): وروى الشيخان، من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: لما نزلت (الَّذينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) شَقَّ ذَلِكَ عَلى الْمُسْلِمينَ؛ فَقالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّنا لاَ يَظْلِمُ نَفْسَهُ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ، إِنَّما هُوَ الشِّرْكُ؛ أَلَمْ تَسْمَعُوا ما قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهوَ يَعِظهُ (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكُ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).

وقوله - على لسان ذي القرنين - {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا}: من ظلم نفسه بالشرك والكفر، وإلا فلا يجرؤ أحد على الظلم في زمان ذي القرنين.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ظلم في هذه الآية بمعنى كفر.

قال الطبري في تفسيره: (قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُه): يقول: أما من كفر فسوف نقتله.

قال البيضاوي في تفسيره: أما من دعوته فظلم نفسه بالإصرار*على*كفر ه أو*استمر*على*ظلم *الذي*هو الشرك فنعذبه أنا ومن معي في الدنيا بالقتل، ثم يعذبه الله في الآخرة عذابا منكرا لم يعهد مثله.

*قوله {وَ}:* حينما.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير: وجملة : {وجاءته} معطوفة على جملة {ظلموا}.

*قوله {جاءَتهُم}:* أرسلت إليهم.

*قوله {رُسُلُهُم}:* من عند الله.
قاله الطبري في تفسيره.

*قوله {بِالبَيِّنات}ِ:* أي ما كان ليهلكهم إلا بعدما قامت الحجة، وبانت المحجة.

قال الطبري في تفسيره: وهي الآيات والحجج التي تُبين عن صدقِ من جاء بها.

قال القرطبي في تفسيره: أي بالمعجزات الواضحات والبراهين النيرات .

قال الطاهر بن عاشور في التحرير: والبينات : جمع بينة ، وهي الحجة على الصدق.

وقال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: بالآيات بالأمر والنهي.

*قوله {وَما كانوا لِيُؤمِنوا}:* أخبر بعلمه فيهم.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره.

قال القرطبي في تفسيره: أي أهلكناهم لعلمنا أنهم لا يؤمنون.

قال السمرقندي في بحر العلوم: {وما كانوا ليؤمنوا}، يعني: لم يصدقوا الرسل ولم يرغبوا في الإيمان.

قال الزجاج في معاني القران واعرابه: المعنى كالمعنى من قوله: (فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل). أعلم الله - جل ثناؤه أنهم لا يؤمنون ولو أبقاهم أبدا.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله {وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا} إخبار عن قسوة قلوبهم وشدّة كفرهم.

قال الطاهر وعبر عن انتفاء إيمانهم بصيغة لام الجحود مبالغة في انتفائه إشارة إلى اليأس من إيمانهم .

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا}: أخبر أنهم لايؤمنون، كما أخبر عن أبي لهب أنه من أهل النار وقد كان يمشي بين ظهراني الخلق؛ ففي الآية رد على القدرية - مجوس هذه الأمة -؛ فالله يعلم ما كان وما لم يكن كيف يكون إذا أذن فيه الله؛ وقد سبق - بحمد الله - بيان عقيدة أهل السنة والجماعة في هذه المسألة عند تعرضنا لتفسير سورة التوبة؛ في قوله تعالى { لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ }.

*قوله {كَذلِكَ}:* أي كما أهلكناهم بكفرهم.
قاله مجير الدين العليمي في فتح الرحمن في تفسير القرآن.

*قوله {نَجزِي}:* نعاقب.
قاله البغوي في تفسيره، والسمرقندي في البحر، وابن الجوزي في زاد المسير.

زاد البغوي، وابن الجوزي: ونهلك.

قلت (عبدالرحيم): يأتي الجزاء في التنزيل على عدة معان:

منها: العقاب؛ كما في الآية التي نحن بصددها، وكما في قوله (وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى): نَجْزِي: أي نهلك.

ومنها: الثواب على الطاعة، والثواب على المعصية؛ كما في قوله (إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى): أي لتجزي كل نفس بميزان (فَمَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ * وَمَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).

ومنها: البدل والعوض؛ كما فط قوله (فجزاء مثل ما قتل من النعم): قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب: أي فعليه بدل ما قتل.

*قوله {القَومَ المُجرِمينَ}:* الكافرين المكذبين؛* يريد: كذلك نجزي من أصر منكم على تكذيبه.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره، وابن الجوزي في زاد المسير: {كذلك نجزي القوم المجرمين} المشركين.

إلا ان ابن الجوزي قال: القوم المجرمين: يعني المشركين من قومك.

وقال السمرقندي: الكافرين.

قال الطاهر بن عاشور: والتعريف في { القوم المجرمين } للاستغراق فلذلك عم القرون الماضية وعم المخاطبين ، وبذلك كان إنذاراً لقريش بأن ينالهم ما نال أولئك . والمُراد بالإجرام أقصاه ، وهو الشرك .

..............................
كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. 00966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-07-30, 07:30 PM
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿قُل لَو شاءَ اللَّهُ ما تَلَوتُهُ عَلَيكُم وَلا أَدراكُم بِهِ فَقَد لَبِثتُ فيكُم عُمُرًا مِن قَبلِهِ أَفَلا تَعقِلونَ﴾ [يونس: 16].

*قوله {قُل}:* لهؤلاء الذين قالوا لك {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ}.

*قوله {لَو شاءَ اللَّهُ}:* فيه صفة المشيئة - لله جل ذكره -. فهو - تعالى ذكره - ينزل من الوحي ما يشاء؛ كما قال (فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ).

قال النسفي في مدارك التنزيل: يعني أن تلاوته ليست إلا بمشيئة.

*قوله {ما تَلَوتُهُ}:* قرأته. والتلاوة: القراءة. وقد سبق ذكر نظائرها.

قال القرطبي في تفسيره: أي لو شاء الله ما أرسلني إليكم فتلوت عليكم القرآن.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: تقديره لو شاء الله أن لا أتلوه عليكم ما تلوتُه .

*قوله {عَلَيكُم}:* أيها الطالبون مني أن أغير ما أوحي إلي من القرآن.

قال البغوي في تفسيره: (قل لو شاء الله ما تلوته عليكم) يعني : لو شاء الله ما أنزل القرآن علي .

*قوله {وَلا أَدراكُم}:* ولا أعلمكم به.
قاله الطبري في تفسيره، وابن أبي زمنين في تفسيره، والبغوي في تفسيره، والسمعاني في تفسيره.

إلا أن البغوي قال:* (ولا أدراكم به) أي: ولا أعلمكم الله .

وقال السمعاني في تفسيره: أي ولا أعلمكم الله به.

قال الواحدي في الوسيط: والمعنى: لو شاء الله ألا ينزل القرآن ما أعلمكم به ولا أمرني بتلاوته عليكم.

قال ابن عطية في التحرير والتنوير: و"أَدْراكُمْ" بمعنى أعلمكم يقال دريت بالأمر وأدريت غيري.

*قوله {بِهِ}:* بالقرآن.

*قوله {فَقَد لَبِثتُ}:* مكثت، وأقمت. واللبث: الإقامة.

قال أبو حيان في البحر المحيط: والمعنى قد*أقمت*فيما بينكم دهرا مديدا مقدار أربعين سنة تحفظون تفاصيل أحوالي طرا وتحيطون بما لدي خبرا.

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: اللبث:*المكث، ولبث لبثا.

قال ابن منظور في لسان العرب: والمكث:*الإقامة* ع الانتظار والتلبث في المكان، والاسم*المكث*وال مكث، بضم الميم وكسرها.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: لَبِثَ*بالمكان:* قام*به*ملازما*له .*

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ):*فَمَكَ َ:*أي*أقام.
قاله ابن جزي الغرناطي.

ومنه (يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا): اى*أقمتم ومكثتم فى الدنيا أو فى القبر*إلا*عشرا*ع ر ليال أو عشر ساعات.
قاله حقي الخلوتي في روح البيان.

ومنه (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ): أي*كم*أقمتم*فيها أحياء عدد سنين.
قاله الألوسي في روح المعاني.

ومنه (إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا): امْكُثُوا:*أي*أق موا.
قاله الماوردي في النكت والعيون.

ومنه (أَوْقَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ): {كم*لبثت}*أقمت*بم ان أو على حال.
قاله الجرجاني في درج الدرر.

ومنه (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ): لم*يقيموا أو*لم*يستقروا.
قاله الجمل في مخطوطته.

ومنه (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ): أي ما*أقام*حتى*جاء*ب عجل*حنيذ.
قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه.

ومنه ( فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ): فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ: أي*أقام*به*مسجون .

ومنه (وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّون َكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا): يعني لو فعلوا لعجلنا إهلاكهم فلم يقيموا بعدك في الأرض إلا قليلا؛ لأن بقاءه أمان لهم من الهلاك.

قال الثعلبي في الكشف والبيان: ولو أخرجوه من أرض العرب لم يميلوا أن*يقيموا*فيها على كفرهم بل أهلكوا بالعذاب.

ومنه (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا): (ولبثوا) أي*أقاموا.
قاله صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن.

ومنه (فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى): فَلَبِثْتَ سِنِينَ:*أقمت*في أهل مدين عشرسنين.
قاله الزحيلي في التفسير المنير.

*قوله {فيكُم}:* يا أهل مكة.

*قوله {عُمُرًا}:* حينا، ووقتا، وأجلا طويلا.

قال البغوي في تفسيره: حينا.

قال الطبري في تفسيره: يقول: فقد مكثت فيكم أربعين سنة.

قال السعدي في تفسيره: طويلا .

قال السمعاني في تفسيره: وقدر العمر الذي لبث فيهم من قبله: هو أربعون سنة باتفاق أهل العلم.

*قوله {مِن قَبلِهِ}:* من قبل أن أتلو عليكم القرآن، ومن قبل أن يوحى إلي.

قال القرطبي في تفسيره: من قبله أي من قبل القرآن ، تعرفونني بالصدق والأمانة ، لا أقرأ ولا أكتب ، ثم جئتكم بالمعجزات .

قال البغوي في تفسيره:* (من قبله) من قبل نزول القرآن ولم آتكم بشيء.

قال ابن أبي زمينين في تفسيره: من قبل القرآن لا أدعي هذه النبوة.

*قوله {أَفَلا تَعقِلون}:* أن هذا القرآن ليس من عندي، ولم تخطه يميني؛ فأنتم تعلمون أني لا أقرأ ولا أكتب، وتعرفون حسبي ونسبي، وصدقي، ولم تأثروا علي كذب، ولم تتهمونني في خيانة؛ فكيف أدع الكذب عليكم، ثم أكذب على ربي؟!.

وقد ذكّرَ الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بهذه الحقيقة، كما قال تعالى ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ)، ونحوه (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ).

قال القرطبي في تفسيره: {أَفَلا تَعقِلون} أن هذا لا يكون إلا من عند الله لا من قبلي.

قال السيوطي في الجلالين: {أفلا تعقلون} أنه ليس من قبلي.

قال السمرقندي في بحر العلوم: أفلا تعقلون أني لم أتقوله من تلقاء نفسي، ولكنه هو القرآن الذي أوحى الله من عنده، لأنه لو كان من تلقاء نفسي لسمعتم مني قبل هذا شيئا منه.

قال الطبري في تفسيره: (أفلا تعقلون) ، أني لو كنت منتحلا ما ليس لي من القول، كنت قد انتحلته في أيّام شبابي وحَداثتي ، وقبل الوقت الذي تلوته عليكم؟ فقد كان لي اليوم ، لو لم يوح إليّ وأومر بتلاوته عليكم ، مندوحةٌ عن معاداتكم ، ومتّسَعٌ، في الحال التي كنت بها منكم قبل أن يوحى إلي وأومر بتلاوته عليكم.
..............................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. +966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-08-01, 01:43 AM
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿فَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَو كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفلِحُ المُجرِمونَ﴾ [يونس: 17].

*قوله {فَمَن}:* أي لا أحد.
قاله الجلال السيوطي في الجلالين.

*قوله {أَظلَمُ}:* أكفر.
قاله البغوي في تفسيره.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: أي ظلم أشنع من الكذب*على*الله.

*قوله {مِمَّنِ}:* من الذي.

*قوله {افتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}:* افتَرى: اختلق.
قاله أبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب.

قال القرطبي في تفسيره: أي لا أحد أظلم ممن افترى على الله الكذب.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله*(فمن*أظلم)* ستفهام وتقرير أي لا أحد*أظلم*ممن*افت ى*على*الله*كذبا.

قال سراج الدين النعماني في اللباب: والمعنى: أن هذا القرآن لو لم يكن من عندالله، لما كان أحد في الدنيا*أظلم*على* فسه مني، حيث*افتريته*على* لله، ولما أقمت الدليل*على*أنه ليس الأمر كذلك، بل هو وحي من*الله*- تعالى -، وجب أن يقال: إنه ليس في الدنيا أحد أجهل، ولا*أظلم*على*نفس منكم.
والمقصود: نفي الكذب*عن نفسه.

*قوله {أَو كَذَّبَ بِآياتِهِ}:* بِآياتِهِ: بالقرآن.

قال البغوي في تفسيره: (أو كذب بآياته) بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن.

قال القرطبي في تفسيره: وكذلك لا أحد أظلم منكم إذا أنكرتم القرآن وافتريتم على الله الكذب، وقلتم ليس هذا كلامه.

قال أبو السعود في تفسيره: {أو*كذب*بآياته} فكفر بها وهذا تظليم للمشركين بتكذيبهم للقرآن وحملهم*على*أنه من جهته صلى*الله*عليه وسلم.

*قوله {إِنَّهُ}:* أي الشأن.
قاله السيوطي في الجلالين.

*قوله {لا يُفلِحُ}:* يُفلِحُ: معناه: يظفر، وينجح، ويفوز، وينجو، ويسعد. وكذلك: لا يبقى. ومنه: افلح بما شئت: أي ابق بما شئت. (1).

قال الفارابي في معجم ديوان الأدب: والفلاح:النجاة.

قال*الرازي في مختار الصحاح: (الفلاح) الفوز والبقاء والنجاة. وهو اسم. والمصدر (الإفلاح) . وقول الرجل لامرأته: (استفلحي) بأمرك أي فوزي به. وقول الشاعر:
ولكن ليس للدنيا فلاح.

وفي لسان العرب لابن منظور: وفي حديث الأذان: حي على*الفلاح؛ يعني هلم على بقاء الخير... قال ابن الأثير: وهو من أفلح، كالنجاح من أنجح، أي هلموا إلى سبب البقاء في الجنة والفوز بها، وهو الصلاة في الجماعة.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: الفلاح هو: البقاء والظفر أيضا.

قال ابن ويفلح معناه يظفر ببغيته.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى): قال القرطبي في تفسيره: أي لا يفوز ولا ينجو حيث أتى من الأرض.

قال الطبري في تفسيره: ولا يظفر الساحر بسحره بما طلب أين كان.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: أي لا يَنجحُ الساحر حيث كان ، لأن صنعته تنكشف بالتأمل وثبات النفس في عدم التأثّر به.

ومنه (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ): لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُون: لا يسعدون.
قاله الجلال المحلي في الجلالين.

ومنه (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى): وَقَدْ أَفْلَحَ: أي قد ظفر.
قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن.

وقال الجلال المحلي في الجلالين: أفلح: فاز. انتهى.

ومنه (فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ): الْمُفْلِحِينَ: الناجين بوعد الله.
قاله الجلال المحلي في الجلالين.

*قوله {المُجرِمون}:* المشركون.
قاله السمرقندي في بحر العلوم، وغيره.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: و " المجرمون ": الذين اجترموا من الكفر، أي: اكتسبوه.

قلت (عبدالرحيم): معنى قوله تعالى (إنه لا يفلح المجرمون): يعني المشركين، والكافرين. لأن الشرك، والكفر أعظم الجُرم.

ومنه قوله تعالى (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا): مُجْرِمًا: مشركا.
قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره، ويحيى بن سلام في تفسيره، وابن أبي زمنين في تفسيره.

ومنه (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا): الْمُجْرِمِينَ: الكافرين.
قاله البغوي في تفسيره.

ومنه (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ): الْمُجْرِمِينَ: الكافرين.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.

ومنه (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِين َ):*كلام موجه إلى*المشركين*وهم المقصود بالمجرمين.
قاله الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير.

ومنه (هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ): ولا يكذب بجهنم إلا كافر.

ومنه (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُ مْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ): مشركين.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره.

ومنه (قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ): مشركين.
قاله البغوي في تفسيره، وسراج الدين النعماني في اللباب.

ومنه (وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ): يعني: لا يسأل*الكافرون*عن ذنوبهم، لأن كل كافر يعرف بسيماه.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

ومنه (كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ): الكافرين*الذين علمنا منهم اختيار الكفر والإصرار عليه يعني مثل هذا السلك*سلكناهفي*ق لوبهم.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.

انتهى

فمعنى قوله تعالى(إنه لا يفلح المجرمون) لا ينجو المشركون.

قال السيوطي في الجلالين: {لا يفلح} يسعد.

قال الطبري في تفسيره:(إنه لا يفلح المجرمون)، يقول: إنه لا ينجح الذين اجترموا الكفر في الدنيا يوم القيامة، إذا لقوا ربّهم، ولا ينالون الفلاح.
..............................

(1): أنظر: غريب القرآن لابن قتيبة؛ قوله تعالى {وأولئك هم المفلحون} البقرة 5.

.............................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. +966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-08-01, 08:30 PM
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} يونس (18).

*قوله {وَ}:* من جملة كفرهم.

*قوله {يَعْبُدُونَ}:* أي ومع كون هؤلاء المشركين يفترون على الله الكذب، يعبدون غيره.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ويجوز أن تكون جملة : {ويعبدون} الخ عطفاً على جملة : {فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً} [ يونس : 17 ] فإن عبادتهم ما لا يضرهم ولا ينفعهم من الافتراء .

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: الضمير في يَعْبُدُونَ عائد على الكفار من قريش الذين تقدّمت محاورتهم.

*قوله {مِنْ دُونِ اللَّهِ}:* من غير الله.

و"دُون" : بمعنى غير. ومنه قوله تعالى (لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ): أي لا يظهره الساعة غيره - جل ذكره -.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: و(من دون الله): أي غير الله.

ومنه (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا): قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ومعنى (من دون الله) غير الله. فمن للتوكيد، و(دون) اسم للمغاير، فهو مرادف لسوى.

*قوله {مَا لَا يَضُرُّهُمْ}:* إن تركوا عبادتها.

يعني إن تركوا عبادة هذه الأصنام لا تضرهم؛ فكيف يعبدونها؟!.

قال البغوي في تفسيره: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم) إن عصوه وتركوا عبادته.

*قوله {وَلَا يَنْفَعُهُمْ}:* إن عبدوها.

يعني: وكيف يعبدونها وهي لا تملك لهم نفعا إن أقبلوا على عبادتها، ولا ضرا إن اعرضوا عنها؛ فالواجب إذا عبادة من يملك الضر والنفع؛ وهو الله - جل ذكره -. فلا أحد يملك الضر والنفع سواه؛ قال الله (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)

وهذا كقوله تعالى ( وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا).

وقد عاب الله على بني إسرائيل لما عبدوا عجلا لا يملك لهم ضرا ولا نفعا؛ كما في قوله (أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا).

قال الزجاج في معاني وإعراب القرآن: المعنى: ما لا يضرهم إن لم يعبدوه، ولا ينفعهم إن عبدوه.

قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم) يريد الأصنام.

قال السعدي في تفسيره: ‏{‏مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ‏} أي‏:‏ لا تملك لهم مثقال ذرة من النفع ولا تدفع عنهم شيئا‏.‏

*قوله {وَيَقُولُونَ}:* يعني المشركين.

قال السعدي في تفسيره: {‏وَيَقُولُونَ }‏: قولا خاليا من البرهان.

*قوله {هَؤُلَاءِ}:* أي الأصنام.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.

*قوله {شُفَعَاؤُنَا}:* جمع: شفيع. والشافع الطالب: لغيره؛ فكيف يشفعون لهم، وهي عاجزة عن الشفاعة لنفسها؟!

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين، والحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: الشافع: الطالب لغيره.

إلا أن الحميري قال: الشفيع: طالب الشفاعة لغيره. قال الله تعالى (ولا شفيع يطاع).

*قوله {عِنْدَ اللَّهِ}:* افتراء، وكذبا على الله؛ لأنها حجارة.

قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله} فإن قال قائل: كيف قالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله وهم لا يؤمنون بالبعث؟
الجواب: أنهم كانوا يقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله في مصالح معايشنا في الدنيا.

*قوله {قُلْ}:* لهم.
قاله الطبري في تفسيره.

*قوله {أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ}:* أَتُنَبِّئُونَ: أتخبرون.

والنبأ: معناه الخبر. ومنه قوله تعالى (قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ): قال الطبري في تفسيره: يقول: أخبر الملائكةَ.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والاستفهامُ في {أتنبئون} للإنكار والتوبيخ .

انتهى

فمعنى قوله تعالى (ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله) أي أتخبرون الله؟.
قاله السمعاني في تفسيره.

*قوله {بِمَا لَا يَعْلَمُ}:* من الآلهة.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: (بِمَا لَا يَعْلَمُ)، وهو أن له شريكًا وأن هؤلاء شفعاء عنده وما لا يعلمه العالم بكل شيء لم يكن له ثبوت بوجه.

*قوله {فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ}:* المعنى: أن الله لا يعلم أن له شريك في السماوات والأرض؛ فأين هذا الشريك أخبروني عنه؟!. لأن من ليس موجودا في السماوات والأرض فهو عدم.

قال القرطبي في تفسيره: أي أتخبرون الله أن له شريكا في ملكه أو شفيعا بغير إذنه ، والله لا يعلم لنفسه شريكا في السماوات ولا في الأرض؛ لأنه لا شريك له فلذلك لا يعلمه.

*قوله {سُبْحَانَهُ}:* تنزه.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: تنزيها له.

*قوله {وَتَعَالَى}:* وارتفع.

ومنه قوله تعالى {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا}: قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {وأنه تعالى} ارتفع.

ومنه {خَلَقَ السماوات والأرض بالحق تعالى}: ارتفع.
قاله سراج الدين النعماني في اللباب، ومجير الدين العليمي في تفسيره.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ومعنى: تعالى ارتفع، وهو تفاعل من العلو. والتفاعل فيه للمبالغة في الاتصاف.

انتهى

فمعنى قوله {وَتَعَالَى}: يعني: ارتفع عما يشركون من الآلهة.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

*قوله {عَمَّا يُشْرِكُونَ}:* مع الله غيره.

قال القرطبي في تفسيره: ثم نزه نفسه وقدسها عن الشرك فقال: سبحانه وتعالى عما يشركون أي هو أعظم من أن يكون له شريك.

..............................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. +966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-08-04, 12:07 PM
*معاني وغريب القرآن، والحديث - للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
{وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِين َ} يونس (20).

*قوله {وَيَقُولُونَ}:* يعني أهل مكة.
قاله البغوي في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، ومجير الدين العليمي في فتح الرحمن.

إلا أن القرطبي قال: يريد أهل مكة.

*قوله {لَوْلَا}:* هلا.
قاله ابن الجوزي في زاد المسير، ومجير الدين العليمي في تفسيره، والشوكاني في تفسيره.

*قوله {أُنْزِلَ عَلَيْهِ}:* يعنون النبي - صلى الله عليه وسلم -.

*قوله {آيَةٌ}:* علامة على صدقه.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: مثل العصا واليد وآيات الأنبياء.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والآيةُ : علامة الصدق.

*قوله {مِنْ رَبِّهِ}:* غير القرآن.

قالوا ذلك تعنتا، لا طلبا للحق؛ وإلا فإن القرآن أعظم الآيات الدالة صدق من جاء بها - لو كانوا يعقلون -.

ولقد حكى الله عنهم ما سألوه تعنتا، وعنادا (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89) وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَة ِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)) ( الاسراء).

وإنما حملهم على ذلك الظلم والجحود (فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ).

قال القاسمي في محاسن التأويل: وكفى بالقرآن وحده آية باقية على وجه الدهر، بديعة غريبة في الآيات.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {ويقولون لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مّن رَّبّهِ} أي آية من الآيات التي اقترحوها.

قال القرطبي في تفسيره: أي معجزة غير هذه المعجزة، فيجعل لنا الجبال ذهبا ويكون له بيت من زخرف، ويحيي لنا من مات من آبائنا.

قال الشوكاني في فتح القدير: كأنهم لم يعتدوا بما قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الآيات الباهرة، والمعجزات القاهرة التي لو لم يكن منها إلا القرآن لكفى به دليلا بينا، ومصدقا قاطعا.

*قوله {فَقُلْ}:*يا محمد.
قاله الطبري في تفسيره.

*قوله {إِنَّمَا الْغَيْبُ}:* الغيب: ما غاب عن حواس الناس من الأشياء، والمراد به هنا ما يتكون من مخلوقات غير معتادة في العالم الدنيوي من المعجزات. وتفسير هذا قوله: { قل إنما الآيات عند الله } [ الأنعام : 109 ].
قاله الطاهر بن عاشور في التحرير والنوير.

*قوله {لِلَّهِ}:* وحده؛ لا إلى غيره.

فلا يأتيكم بالآيات إلا من يملكها - سبحانه -، ولست أملك الإتيان بها؛ وكأنه يقول {إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين}.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: واللام للملك، أي الأمور المغيبة لا يقدر عليها إلا الله.

قال السمعاني في تفسيره: {فقل إنما الغيب لله} يعني: علم الغيب لله، إن شاء أتى بالآية التي تسألونها وإن شاء لم يأت.

قال القاسمي في محاسن التأويل: يعني أن الصارف عن إنزال الآيات المقترحة أمر مغيب لا يعلمه إلا هو.

*قوله {فَانْتَظِرُوا}:* تهديد.

كقوله (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ): قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل، وابن عطية في المحرر الوجيز: :*(وارتقبوا):*تهدي د.

*قوله {إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِين َ}:* فانتظروا أيها القوم ، قضاءَ الله بيننا ، بتعجيل عقوبته للمبطل منا ، وإظهاره المحقَّ عليه، إني معكم ممن ينتظر ذلك. ففعل ذلك جل ثناؤه فقضى بينهم وبينه بأن قتلهم يوم بدرٍ بالسيف.
قاله الطبري في تفسيره.

قال مجير الدين العليم في فتح الرحمن: {إني معكم من المنتظرين} لما يفعل الله بكم.

قال القاسمي في محاسن التأويل: فانتظروا إني معكم من المنتظرين أي فما يقضيه الله تعالى في عاقبة تعنتكم، فإن العاقبة للمتقين.
..............................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي. +966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-08-06, 07:53 PM
قوله تعالى
﴿تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيظِ كُلَّما أُلقِيَ فيها فَوجٌ سَأَلَهُم خَزَنَتُها أَلَم يَأتِكُم نَذيرٌ﴾ [الملك: 8].

*قوله {تَكادُ}:* تقرب. و"كاد" من أفعال المقاربة.

ومنه قوله تعالى (تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ): قال السمعاني في تفسيره: وتكاد*أي:*تقرب

*قوله {تَمَيَّزُ}:* أي تمزق. يعني: تتقطع، وتتشق.

وأصل"تميز": تتميز. أدغمت إحدى التاءين في الأخرى للتخفيف؛ كما في قوله ( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ): لِتَعَارَفُوا: أي لتتعارفوا.

قال السمين الحلبي في الدر المصون في علوم الكتاب المكنون: والأصل: لتتعارفوا، فحذف إحدى التاءين.

قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: وتميز من الغيظ: تقطع.

مجد الدين أبو السعادات في النهاية: يقال*قد*انشق*فلا *من الغضبوالغيظ، كأنه امتلأ باطنه منه حتى*انشق. ومنه قوله تعالى تكاد تميز من الغيظ.

انتهى

فمعنى قوله تعالى (تَمَيَّزُ): تمزق. بلغة قريش.
قاله أبو عبيد القاسم بن سلام في لغات القبائل الواردة في القرآن، وحكاه عبدالله بن حسنون السامري في اللغات في القرآن.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أي تنشق غيظا على الكفار.
..............................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

أم علي طويلبة علم
2017-08-06, 09:20 PM
بارك الله فيكم،

وفي تفسير ابن كثير رحمه الله (4/468):
وقوله : (تكاد تميز من الغيظ) أي : تكاد ينفصل بعضها من بعض ، من شدة غيظها عليهم وحنقها بهم.

عبدالرحيم آل حمودة
2017-08-07, 08:44 AM
قوله تعالى
﴿فَاعتَرَفوا بِذَنبِهِم فَسُحقًا لِأَصحابِ السَّعيرِ﴾ [الملك: 11].

*قوله {فَسُحقًا}:* أي فبعدا. والسحيق: البعيد.

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: والسحق:* البعد. ولغة أهل الحجاز: بعد له وسحق، يجعلونه اسما، والنصب على الدعاء عليه، أي أبعده الله وأسحقه.

قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: السحق:*البعد، يقال:*بعدا*له وسحقا.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {فَسُحقًا}: أي بعدا.

قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وابن الهائم في التبيان تفسير غريب القرآن، والكفوي في الكليات، وغيرهم جمع.

إلا أن الكفوي قال: فبعدا.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {فَسُحقًا}: أي بعدا. ومنه قوله تعالى {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}: سَحِيقٍ: أي بعيد.

قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، وأبو السجستاني في غريب القرآن، وأبو علي الفارسي في الحجة للقراء السبعة، والهروي في الغريبين في القرآن والحديث، وابن الهائم في التبيان في غريب القرآن، والسيوطي في معترك الأقران، وغيرهم جمع.

..............................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-08-08, 10:25 PM
قوله تعالى
﴿أَأَمِنتُم مَن فِي السَّماءِ أَن يَخسِفَ بِكُمُ الأَرضَ فَإِذا هِيَ تَمورُ﴾ [الملك: 16].

*قوله {أَأَمِنتُم مَن فِي السَّماء}:* يعني نفسه - جل ذكره -. وهذا من أعظم الأدلة، وأبينها أن الله في السماء. والنصوص في هذا متواترة.

*قوله {يَخسِفَ بِكُمُ الأَرضَ}:* يغيّبكم فيها.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: فالغرق تغييب تحت الماء، كما أن الخسف تغييب تحت التراب.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: فإذا تدور بكم إلى الأرض السفلى.

*قوله {تَمورُ}:* تضطرب، أي يحركها عند الخسف حتى يلقيهم إلى أسفل، والأرض تعلو عليهم.
قاله الإيجي الشافعي في جامع البيان.

قال القرطبي في تفسيره: أي تذهب وتجيء. والمور : الاضطراب بالذهاب والمجيء.

قال البغوي في تفسيره: والمعنى: أن الله تعالى يحرك الأرض عند الخسف بهم حتى تلقيهم إلى أسفل، تعلو عليهم وتمر فوقهم. يقال: مار يمور، أي: جاء وذهب.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {تَمورُ}: تدور، وتضطرب، وتتحرك. ومنه قوله تعالى {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا}: قال الفراء في معاني القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن : تدور بما فيها.

زاد الفراء: وتسير الجبال عن وجه الأرض: فتستوي هي والأرض.
..............................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-08-09, 09:31 AM
قوله تعالى
{أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} الملك (17).

*قوله {حَاصِبًا}:* حجارة.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وغلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن، والنحاس في معاني القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الغريب في تفسير الغريب، والنسفي في مدارك التنزيل، وغيرهم.

إلا أن ابن قتيبة قال: يعني: الحجارة.

وقال النحاس: وهي الحجارة.

قلت (عبدالرحيم): ونظيرتها قوله تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ): حَاصِبًا: حجارة.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، والسمرقندي في بحر العلوم، والنحاس في إعراب القرآن.

زاد أبو عبيدة: والحاصب أيضا يكون من الجليد قال الفرزدق:
مستقبلين شمال الشام تضربنا ... بحاصب كنديف القطن منثور.
على عمائمنا يلقى وأرحلنا ... على زواحف تزجى مخّهارير.

وزاد النحاس: تحصبهم.


وزاد السمرقندي: من فوقهم إلا آل لوط نجيناهم بسحر يعني: وقت السحر.
..............................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-08-11, 03:51 AM
*تفسير غريب القرآن - كتبه عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
{أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} الملك (22).

*قوله {مُكِبًّا}:* ساقطا، وواقعا، ومنحنيا، ومنقلبا على وجهه.

والمعنى: يمشي يوم القيامة منكس الهيئة؛ بخلاف هيئته السوية التي كان يمشي عليها الدنيا على قدميه، أما الآن فهو يمشي على وجهه؛ جزاءَ كفره.

ونحوه قوله تعالى {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ}: يعني يجرون في النار على وجوههم.

وروى البخاري (4760)، ومسلم (2806)؛ من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ يُحْشَرُ الكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ: «أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فِي الدُّنْيَا قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ».

قال الزبيدي في تاج العروس: وأَكَبَّ الرَّجُلُ، إِكباباً: إِذا نَكَّسَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيز: {أَفَمَن يَمْشِى مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ}.

قال ابن بطال الركبي في النظم المستعذب في* تفسير غريب ألفاظ المهذب: "المكب" هو: الواقع على وجهه، والمستلقى: الواقع على قفاه.

قال ابن منظور في لسان العرب: والفارسُ يَكُبُّ الوَحْشَ إِذا طَعَنَهَا فأَلقاها عَلَى وُجُوهِهَا.

وقال أيضا - في اللسان -: وَرَجُلٌ مُكِبٌّ ومِكْبابٌ: كَثِيرُ النَّظَر إِلى الأَرض.

قال ابن سيده في المحكم في المحيط الاعظم: وَرجل مكب، ومكباب: كثير النّظر إِلَى الأَرْض، وَفِي التَّنْزِيل: (أَفَمَن يمشي مكبا على وَجهه) .

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: والإِكْبَابُ: جعل وجهه مَكْبُوباً على العمل.

قال الفيومي في المصباح المنير: كببت الإناء كبا من باب "قتل" قلبته على رأسه وكببت زيدا كبا أيضا ألقيته على وجهه فأكب.

وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: أكبَّ على وجهه: سقَط، انقلب، انحنى " {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}: منقلبًا على وجهه مُتغيِّرًا في مِشْيَته، أو منكّس الرأس، لا يرى ما حوله".

انتهى

فمعنى قوله تعالى {مُكِبًّا}: ساقطا.
قاله نجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن، والنسفي في مدارك التنزيل.

زاد نجم الدين: كببته على وجهه فأكبّ.

وزاد النسفي: على وجهه يعثر كل ساعة ويمشي معتسفاً.

وقال الجلال المحلي في الجلالين، والخطيب الشربيني في السراج المنير: {مُكِبًّا}: واقعا.

قال الطبري في تفسيره: (مكبا على وجهه) لا يبصر ما بين يديه، وما عن يمينه وشماله.

قال الماوردي في النكت والعيون: هذا مثل ضربه اللَّه تعالى للهدى والضلالة, ومعناه ليس من يمشي مُكباً على وجهه ولا ينظر أمامه ولا يمينه ولا شماله. كمن يمشي سوياً معتدلاً ناظراً ما بين يديه وعن يمينه وعن شماله.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: {مُكباً} أطلق على غير السوي وهو المنحني المطاطىء يتوسم الآثار اللائحة من آثار السائرين لعله يعرف الطريق الموصلة إلى المقصود .
.............................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-08-11, 12:19 PM
قوله تعالى
﴿قُل هُوَ الَّذي ذَرَأَكُم فِي الأَرضِ وَإِلَيهِ تُحشَرونَ﴾ [الملك: 24].

*قوله {ذَرَأَكُم}:* خلقكم.

قال البَندنيجي في التقفية في اللغة، والجرجاني في درج الدرر: والذرء: الخلق.

زاد البَندنيجي: والله هو الذاريء.

قال الأزدي في جمهرة اللغة: الذرء: مصدر ذرأ الله*الخلق*يذرؤه م ذرءا، وقد يترك الهمز فيقال: الذرو. قال أبو بكر: ثلاثة أشياء تركت العرب الهمز فيها، وهي الذرية من ذرأ الله*الخلق*والنب ي صلى الله عليه وسلم لأنه من النبأ، مهموز، والبرية من برأ الله*الخلق، وقال قوم: الخابية من خبأت الشيء.

انتهى

فمعنى قوله تعالى (ذَرَأَكُم): خلقكم.
قاله يحيى بن سلام في تفسيره، والطبري في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، والواحدي في الوجيز، والسمعاني في تفسيره، والبغوي في تفسيره، وغيرهم.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا): أي:*مما خلق*من الحرث وهو الزرع. والأنعام الإبل والبقر والغنم.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن.

ومنه (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ): ذَرَأْنَا لِجَهَنَّم: أي خلقنا لجهنم.
قاله أبو بكر السجستاني في غريب القرآن.

ومنه (وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ): وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ: أي ما*خلق*لكم.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، والأخفش الأوسط في معاني القرآن.

زاد الأخفش: وبث لكم.

ومنه (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ): يَذْرَؤُكُمْ فِيه: أي يخلقكم.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن.

زاد ابن قتيبة: في الرحم أو في الزوج.

*قوله {تُحشَرونَ}:* تجمعون. والحشر: الجمع.

قال ابن فارس في مجمل اللغة: الحشر:*الجمع*مع سوق، وكل جمع حشر.
والعرب تقول: حشرت السنة مال بني فلان كأنها جمعته وأتت عليه.
قال [رؤبة] :
وما نجا من حشرها المحشوش.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {وإليه*تحشرون}: أي*تجمعون*يوم القيامة من قبوركم لموقف الحساب.
قاله مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية.

قال النسفي في مدارك التنزيل: تجمعون*يوم القيامة بعد تفرقكم.
..............................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-08-15, 11:32 AM
قوله تعالى
﴿بِأَييِكُمُ المَفتونُ﴾ [القلم: 6].

*قوله {المَفتونُ}:* أي المجنون.*والفتنة في هذا الموضع بمعنى: الجنون.

قال الأزهري الهروي في تهذيب اللغة: والفتنة الجنون، وكذلك الفتون.

قال الزجاج في معاني القرآن: معنى المفتون: الذي قد فتن بالجنون.

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القران: {بأييكم المفتون}: في أي الفريقين. الفتنة، والجنون؟.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {الْمَفْتُونُ}: المجنون.
قاله يحيى بن سلام في التصاريف، والفراء في معاني القرآن، والطبري في تفسيره(1)، وأبو حيان الاندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وغيرهم.

إلا أن الفراء قال: المفتون هاهنا بمعنى: الجنون.

وزاد أبو حيان: والباء زائدة.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: {والمفتون}: اسم مفعول وهو الذي أصابته فتنة، فيجوز أن يراد بها هنا الجُنون فإن الجنون يعدّ في كلام العرب من قبيل الفتنة*(يقولون للمجنون : فَتَنَتْهُ الجن)*ويجوز أن يراد ما يصدق على المضطرب في أمره المفتون في عقله حيرة وتقلقلاً ، بإيثار هذا اللفظ ، دون لفظ المجنون من الكلام الموجَّه أو التورية ليصح فرضه للجانبين.

قال الأخفش الأوسط في معاني القرآن: {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ} يريد "أيُّكُمْ المَفْتُون".
..............................

(1): قال الطبري في تفسيره: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: معنى ذلك: بأيكم الجنون، ووجه المفتون إلى الفتون بمعنى المصدر، لأن ذلك أظهر معاني الكلام، إذا لم ينو إسقاط الباء، وجعلنا لدخولها وجها مفهوما.
......................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-08-15, 09:13 PM
قوله تعالى
{وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} القلم (9).

*قوله {تُدْهِنُ}:* تداهن، وتلين في دينك. وليس لك ذلك لأنك على الحق المبين.

*قوله {فَيُدْهِنُونَ}:* فيداهنون، ويَلينون. لأنهم ليسوا على شيء.

وفيه بيان حال، ومنزلة من يعبد الله بالتوحيد، ومن يعبد غيره بالإشراك؛ لأن أهل التوحيد (أشد حبا لله)، لايتركون، ولا يداهنون في إيمانهم؛ بخلاف أهل الكفر، فهم مع محبتهم لآلهتهم* يداهنون، ويتنازلون؛ قال تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: المداهنة هي الملاينة والمداراة فيما لا ينبغي.

قال ابن فارس في مقاييس اللغة: الإدهان، من المداهنة، وهي المصانعة. داهنت الرجل، إذا واربته وأظهرت له خلاف ما تضمر له.

قال الخليل بن احمد الفراهيدي في العين: والإدهانُ: اللِّينُ والمُصانَعةُ. قال الله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} أي: تَلينُ لهم فَيلينُونَ. والمُداهِنُ: المُصانِعُ المُواربُ، قال زهير:
وفي الحِلْمِ إدهانٌ وفي العَفْوِ دُرْبةٌ ... وفي الصِّدْقِ مَنْجاةٌ منَ الشَّرِ فاصْدُقِ.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ}: تلاين، وتصانع.
قاله الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي تُدَاهن وتَلين لهم في دينك {فَيُدْهِنُونَ}: فيَلينون في أديانهم.

قال الجرجاني في درج الدرر: {ودوا لو تدهن فيدهنون:} أي: يحبون أن تكف عن ذكر آلهتهم وكفرهم، فيكفوا عنك.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، وابن الجوزي في تذكرة الأريب: أي: ودوا لو تصانعهم في الدين فيصانعونك.

إلا أن ابن الجوزي قال: تصانعهم في دينك فيصانعون في دينهم.

قال الطبري في تفسيره: ود هؤلاء المشركون يا محمد لو تلين لهم في دينك بإجابتك إياهم إلى الركون إلى آلهتهم، فيلينون لك في عبادتك إلهك، كما قال جل ثناؤه: (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) وإنما هو مأخوذ من الدهن شبه التليين في القول بتليين الدهن.

المعنى الإجمالي للآية؛ من كتاب (المختصر في التفسير):
﴿وَدّوا لَو تُدهِنُ فَيُدهِنونَ﴾ [القلم: 9]
تمنّوا لو لاَيَنْتَهم ولاَطَفْتَهم على حساب الدين، فيلينون لك ويلاطفونك.
..............................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-08-16, 06:09 PM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
{وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} القلم (10).

*قوله {حَلَّافٍ}:* كثير الحلف بالباطل.

و " حَلَّافٍ" صيغة مبالغة. ومثله قوله تعالى (وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ): خَتَّارٍ: كثير الختْر؛ أي الغدر. والختْر: أقبح الغدر.

ومثله (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ): قال الصافي في الجدول في إعراب القرآن:(حمالة) ، مؤنث حمال*صيغة*مبالغة *اسم الفاعل من الثلاثي حمل، وزنه فعالة.

قال الزركشي في البرهان في علوم القرآن: وأما "فعال" فنحو غفار ومنان وتواب ووهاب {فعال لما يريد} {علام*الغيوب} ونحو: {لكل صبار شكور} ونحو: {نزاعة للشوى}. انتهى

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: ورجل*حلاف*وحلافة *كثير*الحلف.*

قال السمرقندي في بحر العلوم: والحلاف: مكثار الحلف.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {حَلَّافٍ}: كثير الحلف.
قاله الواحدي في الوجيز، والجرجاني في درج الدرر، والبغوي في تفسيره، وغيرهم.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القران: والحَلِفُ أصله اليمين الذي يأخذ بعضهم من بعض بها العهد، ثمّ عبّر به عن كلّ يمين.

*قوله {مَهِينٍ}:* بمعنى: مهان. أي حقير، ذليل.

ومع كونه حقيرا، إلا أنه شديد الفجور، والاعتداء، قد عظُم إثمه. دل عليه ما بعده {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ}: فهو في الدنيا " عتل "، عند الله مهين حقير؛ أهانه الله بكفره (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ).

قال الكفوي في الكليات: العتل: كل شديد عند العرب فهو عتل، أصله من (العتل) وهو الدفع بالعنف.

قال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن: الفظّ الغليظ الكافر.

قال الزبيدي في تاج العروس: والمَهِينُ الرّجُلُ الفاجِرُ، وَبِه فَسَّرَ الفرَّاءُ قوْلَه تَعَالَى: {كلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ} .

قال الفراء في معاني القرآن: المهين: هاهنا: الفاجر.

قال ابن منظور في اللسان: مِنَ المَهانة الحَقَارة والصُّغْر.

انتهى

فمعني قوله تعالى {مَهِينٍ}: حقير.
قاله الواحدي في الوجيز، والجرجاني في درج الدرر، والنسفي في مدارك التنزيل، والسمعاني في تفسيره، وغيرهم.

إلا أن النسفي قال: {مّهِينٍ} حقير في الرأي والتمييز من المهانة وهي القلة والحقارة أو كذاب لأنه حقير عند الناس.

وزاد الجرجاني: عند الله أو عند الناس.

وزاد السمعاني: ومعناه هاهنا: قلة الرأي والتمييز.

تنبيه:

قلت (عبدالرحيم): لا يذم المسلم إذا أكثر من الحلف بالله؛ لطالما كان صادقا؛ لكن ترك ذلك أحسن إلا عند الحاجة؛ لأنه لم يكن من هديه - صلى الله عليه وسلم - كثرة الحلف، وإنما كان يحلف إذا دعت الحاجة.

هذا ولا ينبغي الإعراض مطلقا عن الحلف بالله بحجة أن الله ذم الحلّاف؛ فهذا ليس بصواب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه كانوا يحلفون ولا ريب؛ فخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يحلف من غير أن يستحلف، وهو الصادق المصدوق.

ولو كان المقام مقام بسط لذكرت حكم الحلف بالتفصيل؛ لأن النصوص في هذا الباب كثيرة جدا؛ لكن اكتفي بهذه الإشارة - نفع الله بها -.
..............................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-08-17, 04:55 PM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿هَمّازٍ مَشّاءٍ بِنَميمٍ﴾ القلم: 11].

*قوله {هَمّازٍ}:* صيغة مبالغة. يعني: كثير الهمز.

والهماز: العيّاب، والطعان؛ الذي يعيب، ويطعن في الناس؛ في خلقتهم، وأخلاقهم؛ لا يكاد يسلم منه غائب، أو حاضر.

قال الخطيب الشربيني في السراج المنير: {هماز} أي:*كثير*العيب للناس في غيبتهم.*

قال النحاس في إعراب القرآن: هماز من همزه إذا عابه وأصل الهمز الغمز.

قال ابن الهائم في التبيان: الهمّاز: العيّاب.

وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: هَمّاز [مفرد]: صيغة مبالغة من همَزَ: هُمَزة؛ عيّاب طعّان في أعراض الناس " {وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ. هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} ".

انتهى

فمعنى قوله تعالى {هَمّازٍ}: عياب.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، والسمرقندي في بحر العلوم، والواحدي في الوجيز، وابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب، والكفوي في الكليات، والألوسي في روح المعاني، وأبو السعود في تفسيره، وغيرهم.

زاد الألوسي، وأبو السعود: طعان.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ): {لكل*همزة} أي الذي*يعيبالناس*م ن خلفهم {لمزة} أي من يعيهم مواجهة.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.

قال السعدي في تفسيره: فالهماز: الذي*يعيب*الناس، ويطعن عليهم بالإشارة والفعل، واللماز: الذي يعيبهم بقوله.

*قوله {مَشّاءٍ}:* مَشّاءٍ: صيغة مبالغة. يعني: كثير المشي.

قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، والخطيب الشربيني في السراج المنير: {مَشّاءٍ}: كثير المشي.

*قوله {بِنَميم}:* بنميمة. يقال: نميم، ونميمة: بمعنى واحد.

قال الراغب في المفردات: " نم " النَّمُّ: إِظْهَارُ الحَدِيثِ بِالوِشَايَةِ، والنَّمِيمَةُ الوِشَايَةُ، ورَجُلٌ نَمَّامٌ.

انتهى

فمعني قوله تعالى {مَشّاءٍ بِنَميم}: أي كثير المشي بالنميمة.
قاله ابن جزي الغرناطي في التسهيل، والسيوطي في معترك الأقران، وغيرهم.

زاد ابن جزي: يقال: نميم ونميمة بمعنى واحد.
.........................

كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-08-18, 04:26 AM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿عُتُلٍّ بَعدَ ذلِكَ زَنيمٍ﴾ [القلم: 13].

*قوله {عُتُلٍّ}:* غليظ، جاف، فظ، قاسي القلب؛ قد بلغ الغاية في الجفاء، والغلظة.

ولما كان هذا طبعه سلط الله عليه ملائكة غلاظا شدادا في الآخرة؛ (جزاء وفاقا)، كما قال تعالى (عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ): ما يؤمرون به في كل أمر، ومن تعذيب أهل النار بألوان وأشكال العذاب؛ الذي جاء نعته في القرآن.

وفي الصحيحين، من حديث حارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مَتَضَعِّفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ.

قال الأزدي في جمهرة اللغة: رجل جواظ: جاف غليظ.

قال الخطابي في معالم السنن: وعتلة معناها الشدة والغلظة، ومنه قولهم رجل عتل أي شديد غليظ ومن صفة المؤمن اللين والسهولة.


قال أبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: {عتل}: غليظ، وهو الشديد من كل شيء.

قال عبدالقادر بن ملا حويش في بيان المعاني: (عتل) فظ غليظ شديد لا ينقاد إلى الخير.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: العتل: الفظ الكافر هنا.

قال الزمخشري في الكشاف: " عتل" غليظ جاف، من عتله: إذا قاده بعنف وغلظة.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ): فَاعْتِلُوهُ: فادفعوه، وسوقوه، وقودوه بالعنف، والغلظة والشدة إلى وسط النار.

قال الواحدي في الوجيز: سوقوه سوقا بالعنف.

قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب: قودوه بالعنف.

وقال الجرجاني في درج الدرر: فادفعوه بشدة.

*قوله {بَعدَ ذلِكَ}:* أي مع ذلك، يريد مع ما وصفناه به.
قاله البغوي في تفسيره.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: وقوله: {بعد ذلك} أي بعد ما ذكرنا من عيوبه.

*قوله {زَنيم}:* دعي؛ ابن زنى.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: (زَنِيمٍ) أي ولد*زنا.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: والزنيم: الدعي.

قال الطبري في تفسيره: والزنيم في كلام العرب: الملصق بالقوم وليس منهم.

قال نافع بن الأزرق في مسائله لابن عباس - رضي الله عنهما -: يا ابن عباس: أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ: عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ*زَنِيمٍ.
قال:*زنيم: كزنمة الشاة، كذلك ولد الزناء.
قال: وهل تعرف العرب ذلك؟
قال: نعم، أما سمعت الشاعر وهو يقول:
زنيم*تداعته الرّجال زيادة*...*كما زيد في عرض الأديم الأكارع.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن:
" زنم" الزَّنِيمُ*والْ َزَنَّمُ: الزّائد في القوم وليس منهم، تشبيها بِالزَّنمَتَيْن ِ من الشّاة، وهما المتدلّيتان من أذنها، ومن الحلق، قال تعالى: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ} [القلم/ ١٣] ، وهو العبد زلمة وزَنْمَةً، أي: المنتسب إلى قوم معلّق بهم لا منهم، وقال الشاعر:
فأنت زَنِيمٌ نيط في آل هاشم*...*كما نيط خلف الرّاكب القدح الفرد.

...................

كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.
- للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-08-29, 09:11 AM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿فَأَصبَحَت كَالصَّريمِ﴾ [القلم: 20].

*قوله {فَأَصبَحَت}:* أي فصارت.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {فَأَصْبَحَتْ} فصارت الجنة.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ): أَصْبَحَ مَاؤُكُم: أي صار ماؤكم.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: صار*ماؤكم غائرا، لا تناله الأيدي ولا الدلاء.

ومنه (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ): فَأَصْبَحَ: صار، وكان.
قاله الجرجاني في درج الدرر.

ومنه (فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ): فَأَصْبَحَ: صار النبات (هشيما) يابسا متفرقا أجزاؤه.
قاله الجلال المحلي في الجلالين.

قال أبو حيان في البحر المحيط في التفسير: {فَأَصْبَحَ} أي*صار*ولا يراد تقييد الخبر بالصباح فهو كقوله:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا*...*أملك رأس البعير إن نفرا.

*قوله {كَالصَّريم}:* كالليل المظلم؛ الشديد السواد، الشديد الظلمة.

ويحتمل: أن يكون " كالصريم" بمعنى: الذاهب الهالك الذي لم يبق فيه ثمر؛ أو التراب الأسود؛ وبرهانه على نحو ما سترى. وإيثار كلمة الصريم هنا لكثرة معانيها وصلاحية جميع تلك المعاني.

والصريم: الليل، والنهار، و الصريم: المصروم: أي المقطوع؛ فهو فعيل بمفعول. وهو من الأضداد.

قال ابن فارس في مجمل اللغة: صرم: الصريم: الليل.

قال ابن منظور في اللسان: والصَّريمُ: الصبحُ لِانْقِطَاعِهِ عَنِ اللَّيْلِ. والصَّريم: الليلُ لِانْقِطَاعِهِ عَنِ النَّهَارِ، وَالْقِطْعَةُ مِنْهُ صَريمٌ وصَريمةٌ.

قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: [الصريم]:*الليل، قال الله تعالى: {فأصبحت كالصريم} أي احترقت فاسودت. وقيل: كالشيء*المقطوع*ا لمصروم.
والصريم: المصروم، يقال: ثمر صريم.
والصريم*أيضا: الصبح، وهو من الأضداد.

قال الرازي في مختار الصحاح: و (الصريم) الليل المظلم. والصريم أيضا الصبح وهو من الأضداد.

قال أبو بكر الأنباري في الزاهر في معاني كلمات الناس: وقال أبو عبيدة: الأصل في*الصريم:المصرو م، فصرف عن: مفعول، إلى: فعيل؛ كما قالوا: قتيل وجريح.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ}: كالليل المسود.
قاله الفراء في معاني القرآن، والقشيري في لطائف الإشارات.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: أي فأصبحت كالليل سوادا.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن: أي سوداءَ كالليل مُحْتَرِقَةً.

قال السمرقندي في بحر العلوم، والواحدي في الوجيز، والسمعاني في تفسيره، والبغوي في تفسيره: {فأصبحت كالصريم}: أي: كالليل المظلم.

إلا أن السمرقندي قال: يعني: صارت الحديقة كالليل المظلم.

وزاد الواحدي: سوداء.

وزاد البغوي: الأسود.

قال الجلال المحلي في الجلالين: {فأصبحت كالصريم} كالليل الشديد الظلمة أي سوداء.

قال أبو حيان في البحر المحيط: والصريم: الرماد الأسود بلغة خزيمة، وعنه أيضا: الصريم رملة باليمن معروفة لا تنبت، فشبه جنتهم بها.

وقال ابن أبي زمنين في تفسيره: {فأصبحت كالصريم} الصريم بمعنى المصروم، وهو الهالك الذاهب.

قال مجير الدين العليمي في تفسيره: {فأصبحت كالصريم} أي: المصرومة؛ لهلاك ثمرها، وكل شيء قطع من شيء فهو صريم.

قال أبو السعود في تفسيره: {فأصبحت كالصريم} كالبستان الذي صرمت ثماره بحيث لم يبق منها شيء فعيل بمعنى مفعول وقيل كالليل أي احترقت فاسودت وقيل كالنهار أي يبست وابيضت سميا بذلك لأن كلا منهما ينصرم عن صاحبه وقيل الصريم الرمال.

قال الزمخشري في الكشاف: {فأصبحت كالصريم} كالمصرومة لهلاك ثمرها. وقيل:
الصريم الليل، أى. احترقت فاسودت. وقيل: النهار أى: يبست وذهبت خضرتها. أو لم يبق شيء فيها، من قولهم: بيض الإناء، إذا فرغه.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} فيه أربعة أقوال: الأول أصبحت كالليل لأنها اسودّت لما أصابها، والصريم في اللغة الليل الثاني أصبحت كالنهار لأنها ابيضت كالحصيد ويقال: صريم لليل والنهار. الثالث أن الصريم: الرماد الأسود بلغة بعض العرب الرابع أصبحت كالمصرومة أي المقطوعة.

قال أبو عبيد الهروي في الغريبين في القرآن والحديث: (صرم) قوله تعالى: {فأصبحت كالصريم} أي سوداء كالليل المظلم، وهم يقولون لليل صريم، وللنهار صريم، ويقال لهما الأصرمان، لأن كل واحد منهما ينصرم على صاحبه والأصرمان الغراب والذئب، ويقال: كالصريم*كالشيءا مصروم*الذي لا شيء فيه ذهب بما فيها.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وقيل الصريم: الرماد الأسود بلغة جذيمة أو خزيمة. وقيل الصريم: اسم رملة معروفة باليمن لا تُنبت شيئاً. وإيثار كلمة الصريم هنا لكثرة معانيها وصلاحية جميع تلك المعاني لأن تراد في الآية.
.................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-08-30, 11:28 AM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
{فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22)} القلم.

*قوله {فَتَنَادَوْا}:* نادى بعضهم بعضا. يعني: أصحاب الجنة. وهم لا يشعرون بما حل ببستانهم بالليل.

قال السمعاني في تفسيره، والبغوي في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل: {فتنادوا مصبحين} أي: نادى بعضهم بعضا عند الصباح.

إلا أن البغوي قال: لما أصبحوا.

قال الماوردي في النكت والعيون، والنسفي في مدارك التنزيل: {فتنادَوْا مُصبِحينَ} أي دعا بعضعهم بعضاً عند الصبح.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: «تنادوا» معناه: دعا بعضهم بعضا إلى المضي لميعادهم.

*لطيفة:*

قلت (عبدالرحيم): فإن قلت: قد نادى أهل الجنة بعضهم بعضا، والنداء لا يكون إلا بصوت مرتفع، فكيف وقد أخفوا كلامهم وتسّار بعضهم بعضا الحديث، فقد قال الله بعدها (فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (*) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ}: يتخافتون: أي يتسارون. والتخافت: الكلام المخفي؟.

فالجواب: أنهم نادى بعضهم بعضا قبل أن ينطلقوا، ثم تساروا الحديث بعد انطلاقهم ومضيهم إلى ما عزموا عليه من قطع الزرع.

قال أبو هلا العسكري في معجم الفروق اللغوية: الفرق بين النداء والدعاء: أن النداء هو رفع الصوت بما له معنى والعربي يقول لصاحبه نادِ معي ليكون ذلك أندى لصوتنا أي أبعد له، والدعاء يكون برفع الصوت وخفضه يقال دعوته من بعيد ودعوت الله في نفسي ولا يقال ناديته في نفسي، وأصل الدعاء طلب الفعل دعا يدعو وادعى ادعاء لأنه يدعو إلى مذهب من غير دليل، وتداعى البناء يدعو بعضه بعضا إلى السقوط، والدعوى مطالبة الرجل بمال يدعو إلى أن يعطاه، وفي القرآن {تدعو من أدبر وتولى} أي يأخذه بالعذاب كأنه يدعوه إليه.

*قوله {مُصْبِحِينَ}:* بعد أن أصبحوا.
قاله الطبري في تفسيره.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {فتنادوا مصبحين} حين أصبحوا.

*قوله {أَنِ}:* أي بأن.

*قوله {اغْدُوا}:* أي أقبلوا، واقصدوا، واخرجوا في الغداة؛ أي البكور.

والغَدَاةُ: ما بين الفجر وطلوع الشمس. والجمع: غَدَوات. (1)، وفي الحديث: " لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا، وتروح بطانا ". (2).

ومنه قوله تعالى (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ): قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: خرجت من أول النهار.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني خرجت من منزلك بالصباح.

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: والبُكَرُ: جمع البُكْرَة وهي الغداة. والتّبكيرُ والبُكور والابتكار: المضي في ذلك الوقت.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {أَنِ اغدوا} باكرو.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.

قال القاسمي في محاسن التاويل: {أن اغدوا} أي اخرجوا غدوة.

قال مجير الدين العليمي في تفسيره: {أن اغدوا} أي: أقبلوا.

قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {أن اغدوا على حرثكم} أي: اقصدوا حرثكم.

*قوله {عَلَى حَرْثِكُمْ}:* حَرْثِكُمْ: أي زرعكم.
قاله القاسمي في محاسن التاويل.

قال الخطيب الشربيني في السراج المني: {على حرثكم} ، أي: محل فائدتكم الذي أصلحتموه وتعبتم فيه فلا يستحقه غيركم.

قال السمرقندي في بحر العلوم: {أن اغدوا على حرثكم} يعني: اخرجوا بالغداة، جذوا زروعكم وصرام نخيلكم.

قال البغوي في تفسيره: أن اغدوا على حرثكم يعني الثمار والزروع والأعناب.

قال الطبري في تفسيره: (أن اغدوا على حرثكم) وذلك الزرع.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ}: قال ابن قتيبة في غريب القرآن: يعني الزرع.

ومنه {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا}: الْحَرْثِ: الزرع.
قاله ابن الجوزي في تذكرة الاريب.

ومنه (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ}: الْحَرْثِ: البساتين والمزارع.
قاله ابن الهائم في التبيان.

ومنه {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ}: الْحَرْثِ: الزرع.
قاله الخضيري في السراج في بيان غريب القران.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: حرث: إصلاح الأرض، وإلقاء البذر فيها ويسمى الزرع الحرث أيضا.

*قوله {إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ}:* إن كنتم تريدون صِرامه: أي قطعه.

لأن معنى قوله* {صَارِمِينَ}:* أي قاطعين، وحاصدين. وأصل الصرم: القطع.

يعني: قاطعين: زرعكم، وثماركم؛ قبل انتشار المساكين. وقد قطعها الهلاك قبل أن يقطعوا الثمار (جزاء وفاقا).

قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: [صَرَم]: الصَّرْم: القطع، يقال: صرمه صَرْماً وصُرْما. وصَرَم النخل: جَذَّه.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: " صرم ": الصَّرْمُ: القطيعة، والصَّرِيمَةُ: إحكام الأمر وإبرامه.

انتهى

فمعنى قوله تعالى { صَارِمِينَ}: قاطعين.
قاله الواحدي في الوجيز، والبغوي في تفسيره، والكفوي في الكليات، والسمعاني في تفسيره، والسمين الحلبي في الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، والإيجي الشافعي في جامع البيان، وغيرهم.

زاد الواحدي، والايجي: الثَّمر.

وزاد البغوي: للنخل.

وزاد السمعاني: يقال في العنب الصرام، وفي الزرع الحصاد.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: {إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ} أي حاصدين لثمرتها.

قال السمرقندي في بحر العلوم: {إن كنتم صارمين} يعني: إن أردتم أن تصرموها قبل أن يحضرها المساكين.

قال الماوردي في النكت والعيون: {إن كنتم صارمين} أي عازمين على صرم حرثكم في هذا اليوم.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: أي إن كنتم عازمين على صرام النخل.
..................

(1): أنظر معجم اللغة العربية المعاصرة.

(2): رواه احمد 205 ، وابن ماجة 4164 ، والترمذي 2344، وغيرهم، وصححه الالباني في الصحيحة رقم (310)، وصححه في صحيح الجامع رقم (5254).

(3): قال ابن قتيبة في غريب الحديث: وأصل الصرم: القطع.
.......................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-09-24, 04:16 PM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
{قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29)} القلم.

*قوله {قَالَ أَوْسَطُهُمْ}:* أَوْسَطُهُمْ: أعدلهم. بلغة قريش.
قاله أبو عُبيد القاسم بن سلاّم في لغات القبائل الواردة في القرآن الكريم، وحكاه عبدالله بن حسنون السامري في اللغات في القرآن.

فقوله تعالى {أَوْسَطُهُمْ}: أعدلهم.
قاله الطبري في تفسيره، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والسمرقندي في بحر العلوم، ومكي في الهداية الى بلوغ النهاية، وابن أبي زمنين في تفسيره، والجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور، والسمعاني في تفسيره، وغيرهم.

زاد السمرقندي: وأعقلهم.

وزاد الجرجاني: قولًا.

وزاد السمعاني: وأعقلهم وأفضلهم.

وزاد النسفي: وخيرهم.

قلت (عبدالرحيم): قول الله - جل ذكره - {أَوْسَطُهُمْ}: يعني أعدلهم. ومنه قوله تعالى - في كفارة اليمين - {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ): مِنْ أَوْسَطِ: يعني من أعدله؛ لا هو من أعلاه، ولا هو من أدناه.

قال الطبري في تفسيره: يعني تعالى ذكره بقوله:" من أوسط ما تطعمون أهليكم"، من أعدله.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: أي: من أعدل ذلك.

قال الشوكاني في فتح القدير: المراد بالوسط هنا المتوسط بين طرفي الإسراف والتقتير، وليس المراد به الأعلى كما في غير هذا الموضع: أي أطعموهم من المتوسط مما تعتادون إطعام أهليكم منه، ولا يجب عليكم أن تطعموهم من أعلاه، ولا يجوز لكم أن تطعموهم من أدناه.

ومنه {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}: أي عدلا.
قاله يحيى بن سلام في التصاريف، والفراء في معاني القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وبيان الحق النيسابوري في باهر البرهان في معانى مشكلات القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، والكفوي في الكليات، وابن الهائم في التبيان.

إلا أن ابن الهائم قال: {وَسَطاً}: أي عدلا خيارا بلغة قريش.

وقال يحيى بن سلام: يعني عدلا بين النَّاس، يعني المسلمين.

وزاد ابن قتيبة، السجستاني: خيارا.

وزاد بيان الحق: قد اعتدلت أموركم فلا إفراط ولا تفريط.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {أَوْسَطُهُمْ}: أعدلهم.
قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن.

زاد السجستاني: وخيرهم.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} أي خيرُهم فعلا، وأَعْدلُهم قولا.

قال الواحدي في البسيط: {قال أوسطهم} هو يعني أعدلهم في قول جميع المفسرين.

*قوله {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ}:* لما أقسمتم على قطع ثمار الجنة في الصباح. إشارة إلى قوله {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَ ا مُصْبِحِينَ}.

*قوله {لَوْلَا}:* أي هلّا.
قاله البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، وغيره.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: حرف تحضيض .*

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّو نَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ}: لولا، هلا، ينهاهم الربانيون والأحبار، يعني: العلماء.
قاله البغوي في تفسيره.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {لولا} هلا وهو تخصيض.

ومنه {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا}: لَوْلَا أُنْزِلَ: هلا أنزل.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ومعنى لولا: هلا وتأويل هلا الاستفهام.

ومنه {قَالَ يَاقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}:* لَوْلَا: هلا. قاله الواحدي في الوجيز.

ومنه - عن طائفة من الناس ذمها - {وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ}: {لَوْلَا} هلا.
قاله الجرجاني في درج الدرر.

ومنه {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ}: لَوْلَا نُزِّلَتْ: هلا نزلت سورة لنستبشر بها، وتحثنا على الجهاد في سبيله، ونتقرب بها الى الله بمعرفة حدوده، واحكامه.

قال القرطبي في تفسيره: ومعنى" لولا" هلا.

*قوله {تُسَبِّحُونَ}:* تستثنون. أي تقولون: إن شاء الله. قال ذلك منكرا عليهم ترك الاستثناء.

قال القرطبي في تفسيره: وكان استثناؤهم تسبيحا.

قال الطبري في تفسيره: وقوله:*( أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ )*يقول: هلا تستثنون إذ قلتم لَيَصْرِمُنَّهَ ا مُصْبِحِينَ فتقولوا إن شاء الله.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: وحمل ذلك على الاستثناء، وهو أن يقول: إن شاء الله، ويدلّ على ذلك قوله: إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ.

قال البقاعي في نظم الدرر: وأقل التسبيح الاستثناء عند الإقسام شكاً في قدرة الإنسان وإثباتاً لقدرة الملك الديان استحضاراً لعظمته سبحانه وتعالى.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {تسبحون} تستثنون.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره، والسمعاني في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، والشوكاني في فتح القدير، وغيرهم.

قال السمرقندي في بحر العلوم: " لولا تسبحون " يعني: هلا تستثنون في أيمانكم.

قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {ألم أقل لكم لولا تسبحون} أي: هلا قلتم إن شاء الله تعالى.

قال السعدي في تفسيره: {ألم أقل لكم لولا تسبحون} أي: تنزهون الله عما لا يليق به، ومن ذلك، ظنكم أن قدرتكم مستقلة، فلولا استثنيتم فقلتم: {إن شاء الله} وجعلتم مشيئتكم تابعة لمشيئتة الله، لما جرى عليكم ما جرى.

وقال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل - عند قوله تعالى -:{لَوْلا تُسَبِّحُونَ} أي تقولون: سبحان الله وقيل: هو عبارة عن طاعة الله وتعظيمه، وقيل: أراد الاستثناء في اليمين كقولهم: إن شاء الله. والأول أظهر لقولهم بعد ذلك سبحان ربنا. والمعنى أن هذا الذي هو أفضلهم كان قد حضهم على التسبيح.

سؤال:
فإن قلت: كيف سمي التسبيح استثناءً؟

قال الواحدي في الوسيط: وسمى الاستثناء تسبيحا، لأنه تعظيم الله، وإقرار بأنه لا يقدر أحد أن يفعل شيئا إلا بمشيئة الله تعالى.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبّحُونَ} هلا تستثنون إذ الاستثناء التسبيح لالتقائهما في معنى التعظيم لله لأن الاستثناء تفويض إليه والتسبيح تنزيه له وكل واحد من التفويض والتنزيه تعظيم.

قال الشوكاني في فتح القدير: وسمي الاستثناء تسبيحا لأنه تعظيم لله وإقرار به، وهذا يدل على أن أوسطهم كان أمرهم بالاستثناء فلم يطيعوه.

فائدة:

" التسبيح في القرآن على وجوه: قد ورد بمعنى الصلاة، قال الله تعالى: {فلولا أنه كان من المسبحين} أي: من المصلين.
وورد بمعنى الاستثناء، قال الله تعالى: {قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون} أي: تستثنون.
وورد بمعنى التنزيه. وهو قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده} ، وورد في الخبر بمعنى النور، وهو في الخبر الذي قال: " لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره " أي: نور وجهه ".
قاله السمعاني في تفسيره.

*قوله {قَالُوا}:* على الفور؛ نادمين، وراجعين.

قال البقاعي في نظم الدرر: من غير تلعثم، بما عاد عليهم من بركة أبيهم.

*قوله {سُبْحَانَ رَبِّنَا}:* أي تنزه وتبرأ ربنا.

والمعنى: تنزه ربنا، وتبرأ من أن يكون ظالما لنا فيما أنزل بنا، بأن جعل جنتنا كالصريم (الليل المسود).

قال البقاعي في نظم الدرر: {سبحان ربنا} أي تنزه المحسن إلينا التنزيه الأعظم عن أن يكون وقع منه فيما فعل بنا ظلم.

قال الواحدي في الوجيز: {قالوا سبحان ربنا} نزَّهوه عن أن يكون ظالماً وأقرُّوا على أنفسهم بالظُّلم فقالوا: {إنا كنا ظالمين}.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {قَالُواْ سبحان رَبّنَا إِنَّا كُنَّا ظالمين} فتكلموا بعد خراب البصرة بما كان يدعوهم إلى التكلم به أولاً وأقروا على أنفسهم بالظلم في منع المعروف وترك الاستثناء ونزهوه عن أن يكون ظالماً.

*قوله {إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}:* لأنفسنا؛ بقصدنا السيء وما عزمنا عليه من منع المساكين، فالظلم والحيف منا، ولا يظلم ربنا أحدا. { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.

قال البقاعي في نظم الدرر: {ظالمين} أي راسخين في إيقاعنا الأشياء في غير مواقعها حيث لم نعزم عزماً جازماً على ما كان يفعل أبونا من البر، ثم حيت حلفنا على ترك ذلك ثم حيث لم نرد الأمر إلى الله بالاستثناء حيث حلفنا فإن الاستثناء تنزيه الله عن أن يجري في ملكه ما لا يريد.
...................

*كتبه: أبو المنذر عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-09-24, 04:17 PM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ} القلم (30).

*قوله {فَأَقْبَلَ}:* فأخذ، وشرع.

قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم، والفيروزآبادي في القاموس المحيط، والكفوي في الكليات: وقبل على الشيء، وأقبل:*لزمه*وأخذ* فيه.

*قوله {بَعْضُهُم ْعَلَى بَعْضٍ}:* يعني أصحاب الجنة.

*قوله { يَتَلَاوَمُونَ}: * من الملاومة، والتَّلاوم؛ وهو اللوم والعتاب.

والمعنى: يلوم بعضهم بعضا؛ على ما عزموا عليه من منع للمساكين.

وهذا دأب من اجتمعوا على شر، يلوم بعضهم بعضا بعد نزول العذاب، كما في قوله تعالى (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُم ْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ): قال السمعاني في تفسيره: يعني لا تعودوا بالملامة علي، وعودوا بالملامة على أنفسكم.

قال الراغب الأصفهاني المفردات في غريب القرآن: والتَّلاوُمُ: أن يلوم بعضهم بعضا.

قال الفارابي في معجم ديوان الأدب، والجوهري في الصحاح تاج اللغة: والْمُلاوَمةُ: أنْ تلوم رجلاً ويلومَكَ.

قال الخطابي في غريب الحديث: الملاومة، اللوم، يتلاومون.

وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: تلاومَ يتلاوم، تلاوُمًا، فهو مُتَلاوِم.
• تلاوم القومُ: لام بعضُهم بعضًا، عاتب بعضهم بعضًا " {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ} ".

قال ابن عطية في المحرر: يَتَلاوَمُونَ معناه: يجعل كل واحد اللوم في حيز صاحبه، ويبرئ نفسه.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {يَتَلَاوَمُونَ} : يلوم بعضهم بعضا.
قاله الكفوي في الكليات، وبه قال مقاتل بن سليمان في تفسيره، والطبري في تفسيره، والواحدي في الوجيز، والبغوي في تفسيره، والزمخشري في الكشاف، والفخر الرازي في التفسير الكبير، وابن جزي الغرناطي في التسهيل، وأبو السعود في تفسيره، والشوكاني في فتح القدير، وغيرهم.

إلا أن قال الطبري: وقوله: (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) يقول جلّ ثناؤه: فأقبل بعضهم على بعض يلوم بعضهم بعضا على تفريطهم فيما فرّطوا فيه من الاستثناء، وعزمهم على ما كانوا عليه من ترك إطعام المساكين من جنتهم.

زاد الزمخشري: لأن منهم من زين، ومنهم من قبل، ومنهم من أمر بالكف وعذر ومنهم من عصى الأمر، ومنهم من سكت وهو راض.

وزاد الفخر الرازي: يقول: هذا لهذا أنت أشرت علينا بهذا الرأي، ويقول: ذاك لهذا أنت خوفتنا بالفقر، ويقول الثالث لغيره: أنت الذي رغبتني في جمع المال فهذا هو التلاوم.

وزاد مقاتل بن سليمان: في منع حقوق المساكين.

وزاد البغوي: في منع المساكين حقوقهم.

وزاد الواحدي: بما فعلوا من الهرب من المساكين ومنع حقهم.

وزاد ابن جزي الغرناطي: على ما كانوا عزموا عليه من منع المساكين.

قال القرطبي في تفسيره: أي يلوم هذا هذا في القسم ومنع المساكين، ويقول: بل أنت أشرت علينا بهذا.

قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون} أي: يلوم بعضهم بعضا، فيقول هذا لذاك: أنت فعلت والذنب لك، ويقول ذلك لصاحبه مثله.

قال الفراء في معاني القرآن: وقوله: {فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون}: يقول بعضهم لبعض: أنت الذي دللتنا، وأشرت علينا بما فعلنا. ويقول الآخر: بل أنت فعلت ذلك، فذلك تلاومهم.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ): أي غير فاعلين ما يلامون عليه.
قاله السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ.

ومنه {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}: أي أقسم بالنفس التي تلوم صاحبها يوم القيامة؛ على فعل الشر لما فعلت، وعلى ترك الازدياد من الخير لما لم تزدد.

قال ابن قتيبة في غريب القران: (وَالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) أي تلومُ نفسَها يوم القيامة.

قال ابن الهائم في التبيان: اللَّوَّامَةِ: ليس من نفس برّة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها يوم القيامة إن كانت عملت خيرا هلّا ازدادت منه، وإن كانت عملت سوءا لم عملته؟.

ومنه {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ}: أي فعل ما يلام، ويعاتب عليه.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: وهو مليم: قد أتى بما يلام عليه،يقال: ألام الرجل فهو مليم، إذا أتى بما يجب أن يلام عليه.

ومنه - حكاية عن امرأة العزيز - (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ): الملامة هو الوصف بالقبيح على وجه التحقير.
قاله السمعاني في تفسيره.
......................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-09-24, 04:18 PM
[9/19 5:05 م] عبدالرحيم آل حمودة.: بسم الله الرحمن الرحيم
سلام عليكم؛ أما بعد:

فأحيطكم علما بأنني جعلت أعضاء المجموعة كلهم مشرفين؛ فليضيفوا إخوانهم المسلمين، بعد أن يعلموهم أن المجموعة للمتابعة فقط. عسى أن يكتب الأجر، ويعم النفع. وأذكر بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «من*دعا*إلى*هدى، كان له*من*الأجر مثل أجور*من*تبعه، لا ينقص ذلك*من*أجورهم شيئا...» (شطر من حديث رواه مسلم، من حديث أبي هريرة رضي الله).

عبدالرحيم آل حمودة +966509006424
[9/19 8:31 م] عبدالرحيم آل حمودة.: *" معاني وغريب القرآن "*

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿قالوا يا وَيلَنا إِنّا كُنّا طاغينَ﴾ [القلم: 31].

*قوله {قالوا}:* بأجمعهم. يعني أصحاب الجنة.

قال السمرقندي في بحر العلوم: (فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون) يعني: جعل يلوم بعضهم بعضا لصنيعهم ذلك،*ثم قالوا*بأجمعهم: (يا ويلنا إنا كنا طاغين).*

*قوله {يا وَيلَنا}:* وَيلَنا: هلا كنا.
قاله الجلال المحلي في الجلالين.

قال الأزهري الهروي في تهذيب اللغة: والويل: كلمة تقال لكل من وقع في عذاب أو هلكة.

*قوله {إِنّا كُنّا}:* بقصدنا، وعزمنا على منع المساكين، وتركنا الاستثناء، والتسبيح.

*قوله {طاغين}:* متجاوزين حدود الله، حين لم نصنع ما يجب علينا صنعه. سيما وقد بالغوا في عزمهم على منع المسكين، كما بين ربنا في مطلع قصتهم.

وأصله من الطغيان: وهو مجاوزة الحد، والقدر. يقال: طغى السيل، إذا جاء بماء كثير.
ومنه الطاغوت، وهو كل ذي طغيان فعبد من دون الله، راضيا أو آمرا، ومن ذلك سمي طاغوتا لمجاوزته الحد، وما ليس له.

ومنه قوله تعالى {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}: أي بسبب طغيانها؛ يعني بتجاوزها الحد؛ إذ كان يجب عليهم الإيمان بعدما رأوا الحق عيانا.

قال ابن فارس في مقاييس اللغة: (طغى) الطاء والغين والحرف المعتل أصل صحيح منقاس، وهو مجاوزة الحد في العصيان. يقال: هو طاغ. وطغى السيل، إذا جاء بماء كثير.

قال الخليل بن احمد الفراهيدي في العين: وكل شيء يجاوز القدر فقد طَغَى مثلَ ما طَغَى الماءُ على قَوْمِ نُوْحٍ، وكَمَّا طغتِ الصَّيحةُ على ثَمُودَ.

قال المناوي في التوقيف على مهمات التعاريف: الطغيان: تجاوز الحد في العصيان. وقال الحرالي: إفراط الاعتداء في حدود الأشياء ومقاديرها. وطغيان القلم: تجاوزه حد الاستقامة.

قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم: الطغيان: تجاوز الحد من كل شيء.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى): ما تجاوز بصره ما أمره الله أن ينظر؛ فقد نظر إلى ما أمر به، ولم يجاوزه. وهذا في معراج النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {وما طغى}: ما زاد ولا جاوز.

ومنه (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى): كلا: يعني حقا. أي إنه يطغى؛ يتجاوز الحد.

قال الطبري في تفسيره: أي يتجاوز حده.
وقال في موطن آخر من تفسيره: يقول: إن الإنسان ليتجاوز حده، ويستكبر على ربه، فيكفر به، لأن رأى نفسه استغنت.

ومنه (فَأَمَّا مَنْ طَغَى وآثر الحياة الدنيا): قال ابن عطية في المحرر: طغى معناه: تجاوز الحدود التي ينبغي للإنسان أن يقف عندها بأن كفر وآثر الحياة الدنيا على الآخرة لتكذيبه بالآخرة.

ومنه (هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ): لِلطَّاغِينَ: المتجاوزين للحد في الكفر والمعاصي.
قاله السعدي في تفسيره.

ومنه (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى): أشد طغيانا، أي أشد تجاوزا للحد من غيرهم؛ لأنهم كفروا بعد أن دعاهم ألف سنة إلا خمسين، وهم وأول قوم كفروا برسول، وهو نوح عليه السلام، وليس لهم سلف في ذلك.

قال البغوي في تفسيره: لطول دعوة نوح إياهم، وعتوهم على الله بالمعصية والتكذيب.

ومنه (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى): تجاوز الحد في ادعاء أنه إله.

قال النسفي في مدارك التنزيل، ومجير الدين العليمي في فتح الرحمن في تفسر القرآن: تجاوز الحد في الكفر.

زاد النسفي: والفساد.

ومنه (قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ): ما أوقعته في الطغيان.
قاله الكفوي في الكليات.

قال الطبري في تفسيره: يقول: ما أنا جعلته طاغيا متعدّيا إلى ما ليس له، وإنما يعني بذلك الكفر بالله.

ومنه (قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى): أي يتجاوز الحد فيما لا ينبغي له أن يفعله فينا.

قال الخطيب الشربيني في السراج المنير: أي: يتجاوز الحد في الإساءة علينا.

قال الحميري في شمس العلوم: أي يتجاوز الحد في عقابنا ويجور.

ومنه (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ): لما تجاوز الماء الحد فأغرق؛ حملنا آباءكم في السفينة.

قال الراغب الأصفهاني في تفسيره: أي تجاوز الحد الذي كان عليه من قبل.
أي: تجاوز حده حتى علا على كل شيء في زمن نوح.

ومنه (كذبت ثمود بطغواها): قال الطبري: يقول: كذبت ثمود بطغيانها، يعني: بعذابها الذي وعدهموه صالح عليه السلام، فكان ذلك العذاب طاغياً، طغى عليهم، كما قال جل ثناؤه: (فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية).

انتهى

فمعنى قوله تعالى {قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين} متجاوزين حدود الله.
قاله البيضاوي في تفسيره، وأبو السعود في تفسير، والإيجي الشافعي في جامع البيان، وإسماعيل حقي الخلوتي في روح البيان، والقاسمي في محاسن التأويل.

إلا أن القاسمي قال: أي متجاوزين حدود الله تعالى في تفريطنا وعزمنا السيئ.

وقال الإيجي: متجاوزين الحد.

قال ابن كثير في تفسيره: أي اعتدينا وبغينا وطغينا وجاوزنا الحد حتى أصابنا ما أصابنا.

قال الشوكاني في فتح القدير: أي: عاصين متجاوزين حدود الله بمنع الفقراء وترك الاستثناء.

قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: أي*مجاوزين*الحدو د فيما فعلنا من التقاسم على منع الفقراء وعلى جذها في الصباح من غير استثناء فعل القادر، وكان ذلك إن كان لا بد لنا منه ممكنا بغير قسم ولا إخفاء من الغير ولا مخافتة حال السير بأن يقال للفقراء: يفتح الله، ونحو ذلك من الكلام.

قال السعدي في تفسيره: أي: متجاوزين للحد في حق الله، وحق عباده.

قال الواحدي في الوجيز، والنسفي في مدارك التنزيل، وسراج الدين النعماني في اللباب في علوم الكتاب: {قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين} بمنع حقِّ الفقراء وترك الاستثناء.

إلا أن سراج الدين قال: أي عاصين بمنع حق الفقراءِ، وترك الاستثناء.

قال ابن عرفة في تفسيره: ظلموا أنفسهم بقسمهم وعدم استثنائهم، وطغوا على المساكين بعزمهم على منعهم من عادتهم.

قال الطبري في تفسيره: وقوله: {يا ويلنا إنا كنا طاغين} [القلم: ٣١] يقول: قال أصحاب الجنة: يا ويلنا إنا كنا مبعدين: مخالفين أمر الله في تركنا الاستثناء والتسبيح.

قال مكي في الهداية الى بلوغ النهاية: فندموا على ما فعلوا فأبدلهم الله خيرا منها.

وقال البغوي في تفسيره: في منعنا حق الفقراء.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ثم أجمعوا على أنهم طغوا، أي تعدوا ما يلزم من مواساة المساكين.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: {قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين} والمراد أنهم استعظموا جرمهم.
......................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-09-24, 04:18 PM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿كَذلِكَ العَذابُ وَلَعَذابُ الآخِرَةِ أَكبَرُ لَو كانوا يَعلَمونَ﴾ [القلم: 33].

*قوله {كَذلِكَ}:* المشار إليه، وهو ما حل بأصحاب الجنة، وما نزل مثله بقريش؛ لأن الكلام راجع إلى قوله تعالى (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة)، يعني: إنا اختبرنا قريشا كما اختبرنا أصحاب الجنة.

وذلك لما تحالفت قريش، وتقاسموا على منع دعوة النبي صلى الله عليه وسلم من إيصالها للناس، ابتلاهم الله بما أنزل بهم، من القحط، والجوع، والشدائد، لعلهم يرجعون.

وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود قَالَ: «إِنَّمَا كَانَ هذَا، لأَنَّ قرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنينَ كَسِنِي*يُوسُفَ فَأَصَابَهَمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشى النَّاسَ هذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)...» الحديث.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: " كذلك ": يعني هكذا.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والمشار إليه باسم الإشارة هو ما تضمنته القصة من تلف جنتهم وما أحسوا به عند رؤيتها على تلك الحالة ، وتندمهم وحسرتهم.

*قوله {العَذابُ}:* في الدنيا، بالهلاك، والشدائد والمحن.

قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {كذلك*العذاب} أي:*كذلك*عذاب الدنيا.

قال الزمخشري في الكشاف: (كذلك*العذاب)*مثل ذلك*العذاب*الذي بلونا به أهل مكة وأصحاب الجنة عذاب الدنيا.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {كذلك*العذاب} أي مثل ذلك*العذاب*الذي ذكرناه ممن عذاب الدنيا لمن سلك سبيلهم.

قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: (كذلك*العذاب) أي عذاب الدنيا وهلاك الأموال.

قال البغوي في تفسيره: (كذلك*العذاب) ، أي كفعلنا بهم نفعل بمن تعدى حدودنا وخالف أمرنا.

قال السمرقندي في بحر العلوم: قال الله تعالى:*(كذلك العذاب)*يعني: هكذا عذاب الدنيا لمن منع حق الله تعالى.

قال الطبري في تفسيره: قوله تعالى ذكره {كذلك*العذاب} يقول جل ثناؤه: كفعلنا بجنة أصحاب الجنة، إذ أصبحت كالصريم بالذي أرسلنا عليها من البلاء والآفة المفسدة، فعلنا بمن خالف أمرنا وكفر برسلنا في عاجل الدنيا.

قال أبو حيان في البحر المحيط: (كذلك*العذاب): هذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم في أمر قريش.

قال مجير الدين العليمي في فتح الرحمن في تفسر القرآن: {العذاب} الذي نعذب به أهل مكة بالقتل والأسر والهزيمة في الدنيا؛ لشركهم وكفرهم، وهو راجع إلى قوله: {إنا بلوناهم}.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {كذلك*العذاب} أي: هكذا كان*العذاب؛ كما قصصته عليكم يعني: ما عذبهم به من إهلاك جنتهم.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: قال تعالى: {كذلك*العذاب}. أي: كفعلنا بجنة هؤلاء فعلنا بمن كفر وخالف أمرنا في عاجل الدنيا.

قال ابن كثير في تفسيره: قال الله تعالى:*(كذلك*العذ اب)*أي هكذا عذاب من خالف أمر الله وبخل بما آتاه الله وأنعم به عليه ومنع حق المسكين والفقير وذوي الحاجات وبدل نعمة الله كفرا.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله تعالى:*(كذلك*العذ اب)*ابتداء مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم في أمر قريش، والإشارة بذلك إلى*العذاب*الذي نزل بالجنة، أي ذلك*العذاب، هو*العذاب*الذي ينزل بقريش بغتة، ثم عذاب*الآخرة*بعد ذلك أشد عليهم من عذاب الدنيا، وقال كثير من المفسرين:العذاب* النازل بقريش المماثل لأمر الجنة هو الجدب الذي أصابهم سبع سنين، حتى رأوا الدخان وأكلوا الجلود.

*قوله {وَلَعَذابُ الآخِرَةِ}:* في نار جهنم.

*قوله {أَكبَرُ}:* أشق، وأشد، وأعظم من صنوف العذاب الذي ينزل في الدنيا، لأنه ينقطع بالموت، أما في جهنم (لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا).

وقال تعالى (لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ).

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {ولعذاب*الآخرة*أ بر} من عذاب الدنيا.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني أعظم مما أصابهم إن لم يتوبوا فى الدنيا.

قال الطبري في تفسيره: ولعذاب*الآخرة أكبر*يعني عقوبة*الآخرة*بمن عصى ربه وكفر به،*أكبر*يوم*الق امة من عقوبة الدنيا وعذابها.*

*قوله {لَو كانوا يَعلَمون}:* شدته، ودوامه، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ).

قال الجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور: لو*كانت قريش تعلم.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: (لو كانوا يعلمون) يعني: المشركين.

قال مجير الدين العليمي في فتح الرحمن في تفسر القرآن: {ولعذاب*الآخرةأك بر} أعظم منه وأشد.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: (أي*لو*لكانوا*يعل مون) أن عقوبة*الآخرة أعظم من عقوبة الدنيا.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {لو*كانوايعلمون} لعلموا أن عذاب*الآخرة*أكبر *من عذاب الدنيا.

قال سراج الدين النعماني في اللباب في علوم الكتاب: قوله: {كذلك*العذاب} . مبتدأ وخيره مقدم، أي: مثل ذلك*العذاب*عذاب الدنيا وأما عذابالآخرة*فأكب منه {لو كانوا يعلمون} .

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: واعلم أن المقصود من ذكر هذه القصة أمران:
أحدهما: أنه تعالى قال: أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين [القلم: ١٤، ١٥] والمعنى: لأجل أن أعطاه المال والبنين كفر بالله كلا: بل الله تعالى إنما أعطاه ذلك للابتلاء، فإذا صرفه إلى الكفر دمر الله عليه بدليل أن أصحاب الجنة لما أتوا بهذا القدر اليسير من المعصية دمر الله على جنتهم فكيف يكون الحال في حق من عاند الرسول وأصر على الكفر والمعصية والثاني: أن أصحاب الجنة خرجوا لينتفعوا بالجنة ويمنعوا الفقراء عنها فقلب الله عليهم القضية فكذا أهل مكة لما خرجوا إلى بد حلفوا على أن يقتلوا محمدا وأصحابه، وإذا رجعوا إلى مكة طافوا بالكعبة وشربوا الخمور، فأخلف الله ظنهم فقتلوا وأسروا كأهل هذه الجنة.
ثم إنه لما خوف الكفار بعذاب الدنيا قال:ولعذاب*الآخر ة*أكبر لو كانوا يعلمون وهو ظاهر لا حاجة به إلى التفسير.
.................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-09-24, 04:19 PM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
{عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ} 32: القلم.

*قوله {عَسَى رَبُّنَا}:* عَسَى: تحقيق، وواجب - على ما سيأتي بيانه - بعون الله -.

*قوله {أَنْ يُبْدِلَنَا}:* أي يبدل لنا.
قاله الصُحاري في الابانة في اللغة العربية.

قال أبو السعود في تفسيره: {عسى ربنا أن يبدلنا} وقرئ بالتشديد، أي يعطينا بدلا منها ببركة التوبة والاعتراف بالخطيئة.

*قوله {خَيْرًا مِنْهَا}:* يعني خيرا من جنتنا التي هلكت.
قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره.

قال الطبري في تفسيره:
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل أصحاب الجنة: عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها بتوبتنا من خطأ فعلنا الذي سبق ما خيرا من جنتنا.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى (عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا) فيه مسائل:

الأولى: قد أبدلهم الله جنة خيرا منها.

فإن قلت: ما الدليل على ما ذكرت ولم يذكر في الآية أن الله أبدلهم خيرا منها؟

قلت: بل ذُكر، لأن " عسى ": في القرآن تحقيق، وواجب.

قال القرطبي في تفسيره: و" عسى" من الله واجبة في جميع القرآن إلا قوله تعالى:" عسى ربه إن طلقكن أن يبدله.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: وعسى من الله عز وجل في كل القرآن أجمع واجبة.

قلت: ومن ذلك قوله تعالى {فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا}: أي واجب وقوعه قريبا.

قال يحيى بن سلام في تفسيره: وعسى*من الله واجبة، وكل ما هو آت قريب.

قال الطبري في تفسيره: وإنما معناه: هو قريب، لأن*عسى*من*الله واجب، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بعثت*أنا والساعة كهاتين، وأشار بالسبابة والوسطى» لأن*الله تعالى كان*قد أعلمه*أنه قريب مجيب.

قال الألوسي في روح المعاني: قل*لهم*عسى*أن*يكو ن ذلك*قريبا*فإن*ما هو محقق إتيانه قريب.
*
ومنه {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}: وقد بعثه الله مقاما محمودا.
ففي صحيح البخاري (4718) قال عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما -: يَقُولُ: " إِنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ جُثًا، كُلُّ أُمَّةٍ تَتْبَعُ نَبِيَّهَا يَقُولُونَ: يَا فُلاَنُ اشْفَعْ، يَا فُلاَنُ اشْفَعْ، حَتَّى تَنْتَهِيَ الشَّفَاعَةُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَلِكَ يَوْمَ يَبْعَثُهُ اللَّهُ المَقَامَ المَحْمُودَ ".

قال الأخفش الأوسط في معاني القرآن: وقال {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ} و {عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ} فيقال "عَسَى" من الله واجبه والمعنى أنَّكَ لو علمت من رجل انه لا يدع شيئا هو أحسن من شيء يأتيه فقال لك "عسى أنْ أُكَافِئَكَ" استنبت بعلمك به أنه سيفعل الذي يجب اذ كان لايدع شيئا هو أحسن من شيء يأتيه.

ومنه {فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ}: فعسى أن يكون من المفلحين: يعني حقا هو من المفلحين، فإذا لم يكن هؤلاء هم أهل الفلاح فمن؟!.

قال الطبري في تفسيره: يقول: فهو من المنجحين المدركين طَلِبتهم عند الله، الخالدين في جنانه، وعسى من الله واجب.

قال النسفي في مدارك التنزيل: أي فعسى أن يفلح عند الله وعسى من الكرام تحقيق.

قال يحيى بن سلام في تفسيره، وابن أبي زمنين في تفسيره، وغيرهما: {فعسى أن يكون من المفلحين} وعسى من الله واجبة.

ومنه (فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ): وقد تحقق ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبه رضي الله عنهم أجمعين.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: وقوله: (فعسى الله أن يأتي بالفتح) أي فعسى الله أن يظهر المسلمين. و" عسى " من الله جل وعز واجبة.

انتهى

قلت (عبدالرحيم): فقد أبدلهم الله خيرا منها، ولا ريب، وأستأنس بما ذكره البغوي في تفسيره، عن ابن مسعود - رضي الله عنه -، وإن كان الأثر يحتاج إلى تحقيق، لكنه مجرد استئناس، حيث قال البغوي - رحمه الله -: قال عبد الله بن مسعود: بلغني أن القوم أخلصوا وعرف الله منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل البغل منه عنقودا واحدا.

وقال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: {عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها} يحتمل أنهم طلبوا البدل في الدنيا، أو في الآخرة. والأول أرجح لأنه روي عن ابن مسعود أن الله أبدلهم جنة يحمل البغل منها عنقودا.

وقال السمعاني في تفسره: وفي بعض التفاسير: أن الله تعالى قبل توبتهم وأعطاهم جنة خيرا منها. والله أعلم.

وقال النسفي في مدارك التنزيل: عن مجاهد تابوا فأبدلوا خيراً منها وعن ابن مسعود رضي الله عنه بلغني أنهم أخلصوا فأبدلهم بها جنة تسمى الحيوان فيها عنب يحمل البغل منه عنقوداً.

الثانية:

لا ريب أن قوله تعالى {عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها} من كلام أصحاب الجنة، وبدليل السياق. ومن غرائب التفاسير ما ذكره برهان الدين الكرماني في غرائب التفسير وعجائب التأويل - حيث قال: الغريب: هذا من كلام المساكين. أي عسى أن يرزقا خيرا من جنتهم.

الثالثة:

فيه الحث على الرجوع الى الله، والخضوع والتذلل إليه، سيما عند المحن والشدائد، فقد ذم الله حال قوم حين نزل بهم العذاب { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}: ولكنهم تَجَلَّدُوا.

قال الطبري في تفسيره: (فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ) يقول: فما خضعوا لربهم فينقادوا لأمره ونهيه، وينيبوا إلى طاعته (وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) يقول: وما يتذللون له.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، وقال الواحدي في الوجيز: {فما استكانوا لربهم}: ما تواضعوا.

الرابعة:

أن كل من نزل به عذاب إذا رجع وأناب إلى ربه واعترف بذنبه، عوضه الله خيرا مما هلك عنه، فكم من نعمة سلبت وأيقن العبد ذهابها بسبب معاصيه، فإذا تدارك بالتوبة النصوح استدعى من الله ما هو أهله وأولى به فلا منتهى لكرمه وجوده - تبارك وتعالى -.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {عسى ربنا أن يبدلنا} أي يعطينا بدلا منها ببركة التوبة والاعتراف بالخطيئة.
قاله الألوسي في روح المعاني.

قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها} هذا إخبار عن توبتهم وندامتهم، وسؤالهم من الله تعالى أن يبدلهم بجنتهم خيرا منها فيعطوا حق المساكين.

*قوله {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا}:* وحده.

*قوله {رَاغِبُونَ}:* نريد، ونطلب، ونرجو ما عنده؛ من خير الدنيا والآخرة.

قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: [رغب] رغبت في الشيء، إذا أردتَه، رغبةً ورَغَباً بالتحريك.

قال ابن فارس في مقاييس اللغة: معجم مقاييس اللغة (رغب) الراء والغين والباء أصلان: أحدهما طلب لشيء والآخر سعة في شيء.
فالأول الرغبة في الشيء: الإرادة له. رغبت في الشيء. فإذا لم ترده قلت: رغبت عنه.

قال الصُحاري في الابانة في اللغة العربية: وقولهم: رَغِبَ فلانٌ إلى فلانٍ في كذا أي طلب إليه. والرَّغْبَةُ: الطلبُ.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {راغبون}: راجين مما عنده.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

قال الطبري في تفسيره: يقول: (إنا إلى ربنا راغبون) في أن يبدلنا من جنتنا إذ هلكت خيرا منها.

قلت (عبدالرحيم): فيه مسألتان:

الأولى:

قوله تعالى {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ}: أي راغبون إليه وحده، لا إلى غيره. لأن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر. وأصل الكلام: إنا راغبون إلى الله.

ونظيرتها قوله تعالى (وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ): قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: أي اجعل رغبتك إلى الله وحده.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: قدم الجار والمجرور ليدل علىالحصر*أي لا ترغب إلا إلى*ربك*وحده.

قال الزمخشري في الكشاف: واجعل رغبتك إليه خصوصا، ولا تسأل إلا فضله متوكلا عليه.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: أمر بالتوكل على الله تعالى، وصرف وجه الرغبات إليه لا إلى سواه.

ومنه (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ): أي على الله وحده.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وتقديم*المجرور في قوله:*(وعلى*الله فليتوكل المؤمنون) مؤذن بالحصر وأنهم لا يرجون نصرا من غير*الله*تعالى لضعفهم وقلة ناصرهم. وفيه إيماء إلى أنهم واثقون بنصرالله.

الثانية:

فيه: أن العبد اذا ابتلي بما يجتاح ما عنده ألّا يتطلع إلى ما في أيدي الناس، ألا يتطلع إلى غير الله فلينزله مصيبته؛ فهو وحده يكفيه،دل عليه قوله {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ}: أي إنا إلى ربنا وحده، لا إلى غيره راغبون.

ونحوه {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ}: قال القاسمي في محاسن التأويل: حسبما نرجو ونؤمل إنا إلى الله راغبون أي في أن يغنمنا ويخولنا فضله. والجواب محذوف بناء على ظهوره.

قال رشيد رضا في المنار: إنا إلى الله راغبون لا نرغب إلى غيره في شيء؛ لأن بيده ملكوت كل شيء، فإليه نتوجه، ومنه نرجو أن يبسط لنا في الرزق بما يوفقنا له من العمل، ويهبه لنا من النصر - لكان خيرا لهم.

قال الواحدي في البسيط: {عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون}، وفي هذا*إشارة إلى أنهم لما بلوا بذهاب ما لهم تذكروا فرجعوا إلى الله تعالى بالرغبة. وهو وعظ لأهل مكة بالتذكير والرجوع إلى الله تعالى. فلما بلاهم بالجدب حين دعا عليهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: "اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها سنين كسنى يوسف".
.......................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-10-05, 07:27 PM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
{إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ} القلم (38).

*قوله {إِنَّ}:* بمعنى " أن " بالفتح.

قال القرطبي في تفسيره: والمعنى أن لكم (بالفتح) ولكنه كسر لدخول اللام؛ تقول: علمت أنك عاقل (بالفتح)، وعلمت إنك لعاقل (بالكسر).

قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: وكسر الهمزة وكان حقها الفتح لولا اللام لأن ما بعدها هو المدروس، ويجوز أن تكون الجملة حكاية للمدروس وأن تكون استئنافية.

*قوله {لَكُمْ}:* يعني المشركين الذي جعلوا المسلمين كالمجرمين، وزعموا أن لهم ما للمؤمنين.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: أي أعندكم كتاب من الله عز وجل أن لكم لما تخيرون.

*قوله {فِيهِ}:* في ذلك الكتاب. اشارة الى قوله* {أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ}.

*قوله {لَمَا}:* بمعنى "ما"، واللام زائدة.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {لما تخيرون}: أي ما تخيرون، واللام صلة.

*قوله {تَخَيَّرُونَ}:* أي تتخيرون لأنفسكم.

والمعنى: هل وجدتم في هذا الكتاب ما تمنيتم واخترتم لأنفسكم.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: وتخيرون*معناه تختارون لأنفسكم.

قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: هل لكم من الله كتاب تقرءون*فيه*أن ما تشتهونه وتختارونه لكم؟!.

قال أبو بكر الجزائري في أيسر التفاسير: أي فوجدتم في الكتاب الذي تقرأون أن لكم فيه ما تختارونه.

*فائدة:*

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: و {تخيرون} أصله تتخيرون بتاءين، حذفت إحداهما تخفيفاً.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {تخيرون} أصله تتخيرون، وإنما حذفت إحدى التاءين تخفيفا.

ونظير ذلك في التنزيل كثير، من ذلك قوله تعالى (أَمّا مَنِ استَغنى۝فَأَنتَ لَهُ تَصَدّى): تَصَدّى: أي تتصدى. يعني: تتعرض له وتقبل عليه ليسلم.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: فالأصل تَتصَدَّى، ولكن حذفت التاء الثانية لاجتماع تاءين.

قال أبو السعود في تفسيره: (فَأَنتَ لَهُ*تصدى) أي تتصدَّى*وتتعرضُ بالإقبالِ عليهِ والاهتمامِ بإرشادِه واستصلاحِه.

ومنه (وَأَمّا مَن جاءَكَ يَسعى۝وَهُوَ يَخشى۝فَأَنتَ عَنهُ تَلَهّى): تَلَهّى: أي تتلهى. يعني: تنشغل عنه بغيره وتعرض عنه.

قال القرطبي في تفسيره: وأصله تتلهى، يقال: لهيت عن الشيء ألهى: أي تشاغلت عنه. والتلهي: التغافل.

ومنه (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا): تَلْقَفْ: أي تتلقف. يعني: تبتلع وتلتهم بسرعة هائلة.

قال الخطيب الشربيني في السراج المنير: وأصل تلقف تتلقف حذفت إحدى التاءين.

ومنه {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا}: تُسَاقِطْ: أي تتساقط.

قال الشنقيطي في أضواء البيان: وأصله: تتساقط؛ فحذفت إحدى التاءين.

قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {تساقط عليك رطبا} أي: تتساقط، فأدغمت إحدى التاءين في الأخرى.

ومنه (وَجَعَلْنَاكُم شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا): لِتَعَارَفُوا: أي لتتعارفوا.

قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: والمعنى: لتعارفوا لا لتفاخروا، والأصل: لتتعارفوا فحذفت إحدى التاءين.

ومنه { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ }: أي تتفتح وأصله تتشقق فحذفت إحدى التاءين.
قاله أبو السعود في تفسيره.

ومنه (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ): تَوَفَّاهُمُ: أي تتوفاهم.

قال السمعاني في تفسيره: وأصله: تتوفاهم، فأدغمت إحدى التائين تخفيفا.

ومنه {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ}: تَزَاوَرُ: أي تتزاور. يعني: تميل.

قال ابن عطية في المحرر: وقرأ عاصم وحمزة والكسائي «تزاور» بتخفيفها بتقدير تتزاور فحذفت إحدى التاءين.

ومنه (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ): تُمْسِكُوا: أي تتمسكوا.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: والأصل تتمسكوا من قولك تمسكت بالشيء إذا أنت لم تخله من يدك أو إرادتك، فحذفت إحدى التاءين.

ومنه (لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ): تَقَطَّعَ: أي تتقطع، فحذفت إحدى التاءين تخفيفا.
قاله البغوي في تفسيره.

ومنه {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ}: فإن تولوا أي: تتولوا فحذفت إحدى التاءين.
قاله الشوكاني في فتح القدير.

ومنه {فَأَنْذَرْتُكُ ْ نَارًا تَلَظَّى}: أي تتلظى، فحذفت إحدى التاءين.
قاله السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {لما تخيرون} تختارون وتشتهون.
قاله البغوي في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، والثعلبي في تفسيره، والواحدي في البسيط، وابن الجوزي في زاد المسير، وأبو السعود في تفسيره، والشوكاني في فتح القدير.

إلا أن الشوكاني قال: ومعنى*تخيرون: تختارون وتشتهون.

وزاد الواحدي: أي أعندكم كتاب من الله بهذا.

قال السمرقندي في بحر العلوم: إن لكم فيه لما تخيرون يعني: في الكتاب مما تتمنون.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: ومعنى الآية: هل لكم كتاب، من عند الله تدرسون فيه*أن لكم ما تختارونه لأنفسكم.

قال الطبري في تفسيره: وقوله: {إن لكم فيه لما تخيرون} يقول جل ثناؤه: إن لكم في ذلك الذي تخيرون من الأمور لأنفسكم، وهذا أمر من الله، توبيخ لهؤلاء القوم وتقريع لهم فيما كانوا يقولون من الباطل، ويتمنون من الأماني الكاذبة.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: وهذا توبيخ وتقريع لهم لما كانوا يتقولون من الكذب.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

﴿إِنَّ لَكُم فيهِ لَما تَخَيَّرونَ﴾ [القلم: 38]
إن لكم في ذلك الكتاب ما تتخيرونه لكم في الآخرة.
........................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-10-09, 09:10 AM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿أَم لَكُم أَيمانٌ عَلَينا بالِغَةٌ إِلى يَومِ القِيامَةِ إِنَّ لَكُم لَما تَحكُمونَ﴾ [القلم: 39].

*قوله {أَم}:* شروع في حجة ودليل آخر؛ وذلك لما زعم المشركون أن لهم ما للمسلمين فاحتج الله عليهم بقوله ﴿أَفَنَجعَلُ المُسلِمينَ كَالمُجرِمينَ۝م ا لَكُم كَيفَ تَحكُمونَ﴾: أي أننا لم نفعل ولن نفعل ذلك، لن نجعل المسلمين كالمشركين، ولأن ما أوحي إليكم ناطق بغير بذلك، فما لكم كيف تقضون هذا القضاء الجائر؟!.

ثم احتج عليهم بقوله (أَم لَكُم كِتابٌ فيهِ تَدرُسونَ۝إِنَّ لَكُم فيهِ لَما تَخَيَّرونَ﴾: أي هل لكم فيما تزعمون كتاب أنزل إليكم غير القرآن تقرؤون فيه أن للمجرمين ما للمسلمين؟، وأن فيه ما تتخيرون وتشتهون لأنفسكم من الكرامة؟.

ثم احجتج عليهم بسؤال أخر (أَم لَكُم أَيمانٌ عَلَينا بالِغَةٌ إِلى يَومِ القِيامَةِ إِنَّ لَكُم لَما تَحكُمون)، وسيأتي تأويله في ثنايا هذا التفسير.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: {أَم}: للانتقال إلى دليل آخر وهو نفي أن يكون مستند زعمهم عهداً أخذوه على الله لأنفسهم أن يعاملهم يوم القيامة بما يحكمون به لأنفسهم ، فالاستفهام اللازم تقديره بعد {أم} إنكاري.

*قوله {لَكُم}:* في الكتاب المشار إليه في قوله (أَم لَكُم كِتابٌ فيهِ تَدرُسون).

قال الطبري في تفسيره: {أَم لَكُم}: فيه.

*قوله {أَيمانٌ}:* عهود ومواثيق مؤكدة بالأيمان، أي بالأقسام، والحلف. يريد: أي: هل حلفنا لكم في هذا الكتاب؟!.
و "أيمان" جمع يمين، وهي القسم والحلف.

قال أبو حيان في البحر المحيط: أم لكم أيمان: أي أقسام علينا.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: {أيمان} أي أقسمناها لكم لإِثبات حقكم علينا.

*فائدة:*

قال الزمخشري في المخصص: واليمين من الحلف مؤنثة يقال حلفت على يمين فاجرة ويقال في جمعها أيمان.

قال الرازي في مختار الصحاح: واليمين القسم، والجمع (أيمن) و (أيمان) قيل: إنما سميت بذلك لأنهم كانوا إذا تحالفوا ضرب كل امرئ منهم يمينه على يمين صاحبه.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {أم لكم أيمان} عهود ومواثيق.
قاله البغوي في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، والواحدي في الوجيز، وسراج الدين النعماني في اللباب، والخطيب الشربيني في السراج المنير، .

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: أم لكم أيمان علينا يعني ألكم عهود علينا.

قال النسفي في مدارك التنزيل، والإيجي الشافعي في جامع البيان: (أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا): عهود مؤكدة بالأيمان.

*قوله {عَلَينا}:* قد حملتمونا إياها.
قاله الخطيب الشربيني في السراج المنير.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وقوله : {علينا} صفة ثانية ل {أيمان} أي أقسمناها لكم لإِثبات حقكم علينا .

*قوله {بالِغَةٌ}:* وثيقة، مؤكدة متناهية في التوكيد عاهدناكم بها؟!.

يريد: هل حلفنا لكم أيها المشركون على أن لكم ما للمؤمنين، فلكم علينا بذلك عهود ومواثيق ثابتة يجب علينا الوفاء بها؟!؛ فإننا لم نفعل ذلك، فمن أين لكم ما تزعمون؟!، (وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُون).

وفيه دليل على أهمية اليمين وكيف هي ملزمة، فكأن الله يقول: هل وجدتم في هذا الكتاب أني حلفت لكم؟، لأننا إن أقسمنا لكم أن ندخلكم الجنة لوجب الوفاء علينا، ولكننا لم نفعل.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: يقال: لفلان علي يمين بكذا إذا ضمنته منه وخلقت له على الوقاء به يعني أم ضمنا منكم وأقسمنا لكم بأيمان مغلظة متناهية في التوكيد.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: أيمان علينا بالغة أي: ألكم عهود على الله تعالى حلف لكم على ما تدعون بأيمان بالغة، أي: مؤكدة.

قال الشوكاني في فتح القدير: أم لكم أيمان علينا بالغة أي: عهود مؤكدة موثقة متناهية، والمعنى: أم لكم أيمان على الله استوثقتم بها في أن يدخلكم الجنة.

قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ قوله:} أيمان علينا بالغة {[القلم: 39] أي منتهية في التوكيد.

قال أبو حيان في البحر المحيط: بالغة: أي متناهية في التوكيد. يقال: لفلان علي يمين إذا حلفت له على الوفاء بما حلفت عليه.

قال الماوردي في النكت والعيون: والبالغة المؤكدة بالله.

قال القرطبي في تفسيره: (علينا بالغة) مؤكدة. والبالغة المؤكدة بالله تعالى. أي أم لكم عهود على الله تعالى استوثقتم بها في أن يدخلكم الجنة.

قال الزجاج في معانيا لقران واعرابه: {أم لكم أيمان علينا بالغة} معناه مؤكدة.

قال السمعاني في تفسيره: وقوله تعالى: {أم لكم أيمان علينا بالغة} أي: مؤكدة، ومعنى البالغة في كلام العرب في مثل هذه المواضع: هو بلوغ النهاية، يقال: هذا شيء جيد بالغ، أي: بلغ النهاية في الجودة.

قال السمرقندي في بحر العلوم: أم لكم أيمان علينا بالغة؟ يعني: ألكم عهد عندنا وثيق؟ إلى يوم القيامة. يعني: في يوم القيامة.

قال الواحدي في الوسيط: {أم لكم أيمان علينا بالغة}: يقول: ألكم عهود على الله بالغة؟

قال البغوي في تفسيره: ( علينا بالغة ) مؤكدة عاهدناكم عليها فاستوثقتم بها منا فلا ينقطع عهدكم.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: و {بالغة}مؤكَّدة . وأصل البالغة: الواصلة إلى ما يُطلب بها ، وذلك استعارة لمعنى مغلظة ، شبهت بالشيء البالغ إلى نهاية سيره وذلك كقوله تعالى: {قل فللَّه الحجة البالغة} [ الأنعام : 149 ] .

*قوله {إِلى يَومِ القِيامَة}:* مخاطبة للكفار، كأنه يقول: هل أقسمنا لكم قسما فهو عهد لكم بأنا ننعمكم في يوم القيامة وما بعده؟.
قاله ابن عطية في المحرر الوجيز.

قال أبو حيان في البحر المحيط: ويوم القيامة متعلق بما تعلق به الخبر وهو لكم، أي ثابتة لكم إلى يوم القيامة، أو ببالغة: أي تبلغ إلى ذلك اليوم وتنتهي إليه.

قال الطبري في تفسيره: (أَم لَكُم أَيمانٌ عَلَينا بالِغَةٌ إِلى يَومِ القِيامَة) هل لكم أيمان علينا تنتهي بكم إلى يوم القيامة، بأن لكم ما تحكمون أي بأن لكم حكمكم.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: إلى يوم القيامة يقول «حلفنا» لكم على يمين فهي لكم علينا بالغة لا تنقطع إلى يوم القيامة.

قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: (إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ)، متعلق إما بـ بالغة، أو بمتعلق لكم.

*قوله {إِنَّ}:* معناه بأن.

*قوله {لَكُم}:* في ذلك العهد.
قاله البغوي في تفسيره.

*قوله {لَما}:* بمعنى "ما" واللام زائدة.

*قوله {تَحكُمونَ}:* تقضون. وقد سبق أن الحكم معناه: القضاء، وذكر نظائرها في كتاب الله عز وجل.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: (إن لكم لما تحكمون) يعني: ما تقضون لأنفسكم في الآخرة؟.

قال القاسمي في محاسن التأويل: {إن لكم لما تحكمون} أي تقضون من أمانيكم ومزاعمكم.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: وقوله: (إن لكم) هو جواب القسم الذي يقتضيه الأيمان، ولذلك أكده بإن واللام وما تحكمون هو اسم إن دخلت عليه اللام المؤكدة.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ} به لأنفسكم وهو جواب القسم لأن معنى أَمْ لَكُمْ أيمان علينا أم أقسمنا لكم بأيمان مغلظة متناهية في التوكيد.

قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: (إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ)، جواب القسم، فإن حاصله أم أقسمنا لكم.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني ما تقضون لأنفسكم في الآخرة من الخير سلهم يا محمد.

قال السمرقندي في بحر العلوم: إن لكم لما تحكمون يعني: ما تقضون لأنفسكم في الآخرة؟.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون} أي: ما تحكمون، يقول: أم حلفا لكم بأن لكم ما تحكمون به. أي: لم نفعل.

قال ابن كثير في تفسيره: {إن لكم فيه لما تخيرون أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون} أي: أمعكم عهود منا ومواثيق مؤكدة، {إن لكم لما تحكمون} أي: إنه سيحصل لكم ما تريدون وتشتهون.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):
أم لكم علينا عهود مؤكدة بالأيمان مقتضاها أن لكم ما تحكمون به لأنفسكم؟!.
.....................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-10-11, 10:00 AM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
{سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ} القلم: (40).

*قوله {سَلْهُمْ}:* سؤال تبكيت، وتوبيخ، وتقريع.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {سَلْهُمْ} أي المشركين.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: أي يا محمد اسأل قريشا.

قال أبو العباس ابن عجيبة في البحر المديد في تفسير القرآن المجيد: {سَلْهُمْ} أي: المشركين، وهو تلوين للخطاب، وتوجيه له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسقاطهم عن رتبة الخطاب، أي: سَلْهم مبكتاً لهم.

*قوله {أَيُّهُمْ}:* اسم استفهام مبتدأ مرفوع*...*و (هم) مضاف إليه.
قاله الصافي في الجدول في إعراب القرآن.

*قوله {بِذَلِكَ}:* الحكم الذي زعموه. وقد سبق أن الحكم معناه: القضاء.

قال النسفي في مدارك التنزيل {أَيُّهُم بذلك} الحكم.

قال الجلال المحلي في الجلالين: {سلهم أيهم بذلك} الحكم الذي يحكمون به لأنفسهم من أنهم يعطون في الآخرة أفضل من المؤمنين.

*قوله {زَعِيمٌ}:* كفيل. قال المخزومي: قلت كفي لك رهن بالرضا ... وازعمي يا هند قالت قد وجب. أي: اكفلي.
قاله بيان الحق النيسابوري في باهر البرهان في معانى مشكلات القرآن.

قال الفارابي في معجم ديوان الأدب: والزعيم: الكفيل، وفي الحديث: "الزعيم غارم". وزعيم القوم: سيدهم.

قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: وزعمت به أزعم زعما وزعامة، أي كفلت. والزعيم: الكفيل: وفي الحديث: " الزعيم غارم ". والزعامة: السيادة. وزعيم القوم: سيدهم.

قال مجد الدين أبو السعادات في النهاية في غريب الحديث والأثر: الزعيم: الكفيل، والغارم: الذي يلتزم ما ضمنه وتكفل به ويؤديه.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {زَعِيمٌ}: كفيل.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، والطبري في تفسيره، والسمعاني في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، وغيرهم جمع.

إلا أن الطبري قال: (زَعِيمٌ) يعني: كفيل به، والزعيم عند العرب: الضامن والمتكلم عن القوم.

وقال النسفي: {زَعِيمٌ}: كفيل بأنه يكون ذلك.

زاد ابن قتيبة: يقال: زَعَمْتُ به أزعُم زَعْمًا وزَعَامَةً؛ إذا كَفَلْت.

قال أبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: {زعيم}: ضمين.

قلت (عبدالرحيم): فيه مسائل:

*المسألة الأولى:*

قوله تعالى (زعيم): أي ضامن، وكفيل. ومنه الحديث الذي فيه: «أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا...» (1)، زعيم أي ضامن.

قال الخطابي في معالم السنن: الزعيم*الضامن*وا لكفيل والزعامة الكفالة ومنه قول الله سبحانه {وأنا به زعيم} [يوسف: ٧٢].

قال في الغريبين في القرآن والحديث: زعيم: أي كفيل وضامن.

قال في النظم المستعذب في شرح ألفاظ المهذب: أى كفيل وضمين، والزعامة: الكفالة.

*المسألة الثانية:*

قوله تعالى {زَعِيمٌ}: أي ضمين، وحميل، وكفيل، وكله من معاني الزعامة وهي: الكفالة، والضمان. لذا ستجد من أهل العلم من يجمع في تفسيرها بأكثر من معنى.

قال السمين الحلبي في الدر المصون في علوم الكتاب المكنون: «زعيم»: أي ضمين وكفيل.

قال الخطابي في غريب الحديث: الزعيم بمعنى الضمين والكفيل.

*المسألة الثالثة:*

قوله تعالى {زَعِيمٌ}: ضمين بمعنى ضامن. فهو فعيل بمعنى: فاعل، مثل: قدير يعني: قادر. وعليم يعني: عالم. ونصير يعني: ناصر. وشهيد: بمعنى شاهد.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: والنصير: فعيل بمعنى فاعل.

قال أبو حيان في البحر المحيط: الشهيد فعيل بمعنى فاعل.

قال البسيلي في التقيبد الكبير: ورحيم: فعيل بمعنى فاعل.

قلت: ونظير ذلك في التنزيل كثير، من ذلك قوله تعالى (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ): كَظِيمٌ: أي كاظم، أي يكتم حزنه الشديد.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: وهو في موضع كاظم خرج مخرج عليم وعالم.

قال محمد ثناء الله في التفسير المظهري: "فالكظيم محتبس النفس يعني الساكت، فهو فعيل بمعنى فاعل، والمعنى: كاظم غيظه وحزنه... ".

ومنه {وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا}: قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي محبسا. من حصرت الشيء: إذا حبسته.فعيل*بمعنى *فاعل.

ومنه (الله ولي الذين آمنوا): الولي فعيل بمعنى فاعل.
قاله القرطبي في تفسيره.

*المسألة الرابعة:*

أن معنى قوله تعالى: {سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ}: يعني سل هؤلاء المشركين الذين يقضون لأنفسهم بأن لهم ما للمسلمين من الكرامة والنعيم يوم القيامة من يضمن لهم ذلك القضاء الجائر؟.
هل الله يضمن لهم ذلك؟ - كلا -* (فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ).

أم المسلمون؟ - كلا - (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ).

فلم يبق إذا إلا أهل الإشراك فهل يضمن بعضهم لبعض ذلك؟ - كلا - بل يكفر ويلعن بعضهم بعضا (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ).

فلم يبق بعد إلا الأصنام التي كفروا من أجلها (فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ)، لذا قال الله بعدها - من سورة القلم - (أَم لَهُم شُرَكاءُ فَليَأتوا بِشُرَكائِهِم إِن كانوا صادِقينَ). وسيأتي تأويله - إن شاء الله -.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ثم أمر تعالى نبيه محمدا على وجه إقامة الحجة، أن يسألهم عن الزعيم لهم بذلك من هو؟ والزعيم: الضامن للأمر والقائم به.

قال الفراء في معاني القرآن: قوله: «سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ» يريد: سلهم ثُمَّ انظر أيهم يكفل بذلك.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {سلهم أيهم بذلك زعيم}: حميل يحمل عنا لهم بأن لهم ما يحكمون يوم القيامة لأنفسهم؛ هذا لقول أحدهم: {ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى} للجنة إن كانت جنة.

قال الواحدي في الوسيط، والبغوي في تفسيره: أيهم كفيل لهم، بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين؟.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: والمعنى: أيهم كفل بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين من الخير.

قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: (سلهم أيهم بذلك زعيم) أي سل يا محمد هؤلاء المتقولين علي: أيهم كفيل بما تقدم ذكره. وهو أن لهم من الخير ما للمسلمين.

قال الزمخشري في الكشاف: أيهم بذلك الحكم زعيم أى قائم به وبالاحتجاج لصحته، كما يقوم الزعيم المتكلم عن القوم المتكفل بأمورهم.

قال الشوكاني في فتح القدير: سلهم أيهم بذلك زعيم أي: سل يا محمد الكفار، موبخا لهم ومقرعا، أيهم بذلك الحكم الخارج عن الصواب، كفيل لهم بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين فيها.

قال السعدي في تفسيره: وقوله: {سلهم أيهم بذلك زعيم} أي: أيهم الكفيل بهذه الدعوى الفاسدة، فإنه لا يمكن التصدر بها، ولا الزعامة فيها.
.....................
(1): شطر من حديث رواه أبو داود (4800)، وأبو بشر الدولابي في الكنى والأسماء (1643)، والطبراني في الأوسط (4693)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، برقم: 1464، وأوره في الصحيحة برقم: 273.
...................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-10-12, 07:45 AM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿أَم لَهُم شُرَكاءُ فَليَأتوا بِشُرَكائِهِم إِن كانوا صادِقينَ﴾ [القلم: 41].

*قوله {أَم لَهُم}:* أي ألهم فيما يدّعون، ويزعمون أن لهم ما للمسلمين يوم القيامة.

قال القرطبي في تفسيره: (أم*لهم*شركاء) أي ألهم والميم صلة.

*قوله {شُرَكاءُ}:* آلهة تكفل لهم بما يقولون.
قاله الواحدي في الوجيز.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله عز وجل: (أم لهم شركاء) يعني: الأصنام التي جعلوها شركاء لله تعالى.

*قوله {فَليَأتوا}:* يعني المشركين.

*قوله {بِشُرَكائِهِم}:* أي بأصنامهم.

والمعنى: فليأتيوا بأصنامهم يوم القيامة، لتضمن وتكفل لهم ما يزعمون.

وهذا تعجيز المراد منه التوبيخ، وأنى لهم أن يأتوا بهذه الآلهة يوم القيامة، وهي لم تنفعهم بنافعة في الدنيا، فكيف بعدما فنيت وأبيدت؟.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: (أم لهم شركاء فليأتوا*بشركائه )*هذا تعجيز للكفار، ومعناه: إن كان لكم شركاء يقدرون على شيء فأتوا بهم.

قال الواحدي في الوجيز: {فليأتوا*بشركائه م} لتكفل لهم.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: أي*فليأتوا*بشركا ئهم*يوم القيامة.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقرأ ابن أبي عبلة وابن مسعود: «أم لهم شركاء*
فليأتوابشركهم» بكسر الشين دون ألف، والمراد بذلك على القراءتين الأصنام.

*قوله {إِن كانوا صادِقينَ}:* في دعواهم بأن لهم ما للمسلمين في الآخرة.

قال الشوكاني في فتح القدير: {إِن كانوا صادِقينَ} فيما يقولون، وهو أمر تعجيز.

قال الزمخشري في الكشاف: (إن كانوا صادقين) في دعواهم.

قال السمرقندي في بحر العلوم: (فليأتوا*بشركائه م*إن كانوا صادقين) يعني: يشهدون أن لهم في الآخرة ما للمسلمين، فهذا كله لفظ الاستفهام، والمراد به الزجر واليأس، يعني: ليس لهم ذلك.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: فليأتوا بشركائهم يعني بشهدائهم فيشهدوا لهم بالذي يقولون إن كانوا صادقين بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين من الخير.

قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: ألهؤلاء القوم شركاء فيما يقولون ويصفون من الأمور التي يزعمون أنها لهم، فليأتوابشركائهم في ذلك إن كانوا فيما يدعون من الشركاء صادقين.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

﴿أَم لَهُم شُرَكاءُ فَليَأتوا بِشُرَكائِهِم إِن كانوا صادِقينَ﴾ [القلم: 41]
أم لهم شركاء من دون الله يساوونهم في الجزاء مع المؤمنين؟! فليأتوا بشركائهم هؤلاء إن كانوا صادقين فيما يدّعونه من أنهم ساووهم مع المؤمنين في الجزاء.
.....................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-10-14, 07:33 PM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى

﴿فَأَقبَلَتِ امرَأَتُهُ في صَرَّةٍ فَصَكَّت وَجهَها وَقالَت عَجوزٌ عَقيمٌ﴾ [الذاريات: 29].

*قوله {فَأَقبَلَتِ}:* أخذت، وشرعت. وليس معناه إقبال من مكان إلى مكان.

قال الفراء في معاني القرآن: ولم تقبل من موضع إلى موضع إنما هو، كقولك: أقبل يشتمني، أخذ*فيشتمي.

*قوله {امرَأَتُهُ}:* يعني امرأة إبراهيم - عليه السلام -، وهي سارة.

*قوله {صَرَّة}ٍ:* أي في صيحة.
قاله الفراء في معاني القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، والطبري في تفسيره، ومكي في تفسير المشكل، والبغوي في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، وغلام ثعلب في ياقوتة الصراط.

إلا أن غلام ثعلب قال: {في*صرة} أي:*في صرخة وصيحة، وفي*صرة.

وزاد القرطبي: وضجة.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: وهو من*صر*القلم وغيره إذاصوت.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: «في*صرة» شدة صوت، يقال: أقبل فلان يصطر أي يصوت صوتا شديدا.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ): فِيهَا صِرٌّ: أي فيها صوت شديد جراء لهيب النار.

قال الشوكاني في فتح القدير: والصر: البرد الشديد، أصله: من الصرير الذي هو: الصوت، فهو*صوت*الريح الشديد.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: وجعل*فيها*صر*أي*ص وت، وهذا يخرج في اللغة.
وإنما جعل*فيها*صوتا لأنه جعل*فيها*نارا كأنها نار أحرقت الزرع - فالصر على هذا القول*صوت*لهيب النار، وهذا كله غير ممتنع.

ومنه {إنا أرسلنا عليهم ريحا*صرصرا}: يقول تعالى ذكره: إنا بعثنا على عاد إذ تمادوا في طغيانهم وكفرهم بالله ريحاصرصرا، وهي الشديدة العصوف في برد، التي لصوتها*صرير، وهي مأخوذة من شدةصوت*هبوبها إذا سمع*فيها.
قاله الطبري في تفسيره.

*قوله {فَصَكَّت وَجهَها}:* أي ضربت جبهتها بأصابعها.
قاله مكي في تفسير المشكل.

قال الفراء في معاني القرآن: أي جمعت أصابعها، فضربت جبهتها.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {فصكت وجهها} أي ضربت بجميع أصابعها جبهتها.

قال*غلام ثعلب في ياقوتة الصراط: {فصكت وجهها} أي: فضربت وجهها تعجبا.

*قوله {وَقالَت}:* أتلد.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن.

*قوله {عَجوزٌ عَقيمٌ}:* أي أألد وأنا عجوز عقيم لا ألد. ونظيرتها قوله تعالى (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ).

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: {عَجوزٌ عَقيمٌ} مختصر أي أنا عجوز عقيم.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

فلما سمعت امرأته البشارة أقبلت تصيح من الفرح، فلطمت وجهها، وقالت متعجبة: أتلد عجوز، وهي في الأصل عقيم!.
.................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-10-16, 07:24 PM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
{فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُه ُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} القلم: (44).

*قوله {فَذَرْنِي}:* فاتركني، ودعني، وخلني. يقال: خذ أو ذر. يعني: خذ أو دع، واترك، وخله.

ومنه ما رواه البخاري في صحيحه (5076)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ جَفَّ القَلَمُ بِمَا أَنْتَ لاَقٍ فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ».

فقوله (فَاخْتَصِ): من الاختصاء (1)، وقوله (أو ذر): يعني أو اترك. وفي رواية: "أو دَعْ". يعني: سواء اختصيت أم تركت فقدر الله نافذ فيك لا محالة.

قال الكَرمانيّ الحنفي المشهور بـابن المَلَك في: شرح مصابيح السنة للإمام البغوي: "أو ذر"؛ أي: اترك الاختصاء.

قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: وتقول: ذَرْهُ، أي دعه.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {فذرني}: فاتركني، ودعني، وخلني وهذا، وكِلْ أمره إليّ؛ فلا تنشغل به فأنا أكفيك أمره، وإليّ مرجعه أجازيه؛ فلدينا ما لا يقادر قدره، (إِنَّ لَدَينا أَنكالًا وَجَحيمًا۝وَطَع امًا ذا غُصَّةٍ وَعَذابًا أَليمًا﴾.

قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: (فذرني) أي دعني.

قال أبو حيان في البحر: فذرني ومن يكذب بهذا الحديث، المعنى: خل بيني وبينه، فإني سأجازيه وليس ثم مانع.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله تعالى: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ} وعيد ولم يكن ثم مانع، ولكنه كما تقول: دعني مع فلان، أي سأعاقبه.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: دع هؤلاء الذين لا يؤمنون بالقرآن.

قال الواحدي في الوسيط: يقول: خل بيني وبين من يكذب بهذا القرآن.

قال السمعاني في تفسيره: أي: خلني وإياه وكله إلي لأجازيه بعمله.

قال البغوي في تفسيره: أي فدعني والمكذبين بالقرآن، وخل بيني وبينهم.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: والمعنى: خل بيني وبينه.

قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: كِلْ يا محمد أمر هؤلاء المكذبين بالقرآن إلي.

قال التستري في تفسيره: قوله تعالى: (فذرني ومن يكذب بهذا الحديث) قال: يعني كله إلي، فإني أكفيك أمره، ولا تشغل به قلبك.

قال الزمخشري في الكشاف: كأنه يقول: حسبك إيقاعا به أن تكل أمره إلى وتخلى بيني وبينه، فإني عامل بما يجب أن يفعل به مطيق له، والمراد: حسبي مجازيا لمن يكذب بالقرآن، فلا تشغل قلبك بشأنه وتوكل على في الانتقام منه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتهديدا للمكذبين.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {فذرني}: أي فاتركني، ودعني، وخلني. ومنه قوله تعالى (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا): يعني اترك هذا الذي خلقته وحيدا، وفوض أمره إلي، وهو الوليد بن المغيرة؛ خلقه الله وحيدا بغير مال ولا ولد.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

ومنه (وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ): أي لا تترك لهم عظما ولا لحما ولا دما إلا أحرقته. وكرر اللفظ تأكيدا.
قاله القرطبي في تفسيره.

قال الكفوي في الكليات: أي لا تبقي على شيء يلقى فيها، ولا تدعه حتى تهلكه.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: أي لا تدع غاية من العذاب إلا أذاقته إياها.

ومنه (أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ): يعني أتعبدون هذا الصن، وتتركون وتدعون عبادة الله؟!.

قال الجلال المحلي في الجلالين: (وَتَذَرُونَ): تتركون.

قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: (وتذرون*أحسن*الخ لقين):تتركون*عبا دته.

قال السمرقندي في بحر العلوم: وتذرون*أحسن الخالقين*الذي خلقكم يعني:*تتركون*عبا ة الله.*

ومنه {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ}: يقول: وتدعون الذي خلق لكم ربكم من أزواجكم من فروجهن، فأحله لكم.
قاله الطبري في تفسيره.

ومنه (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ): {فذرهم} اتركهم.
قاله الجلال المحلي في الجلالين.

قال النسفي في مدارك التنزيل: فدع المكذبين.

ومنه (إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا:) أي يتركونه فلا يؤمنون به ولا يعملون له.
قاله البغوي في تفسيره.

قال الطبري في تفسيره: يقول: ويدعون خلف ظهورهم العمل للآخرة، وما لهم فيه النجاة من عذاب الله يومئذ.

قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: يتركون العمل لما هو أمامهم يوما ثقيلا يعني: ليوم.

ومنه (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ): يعني: خلوا عني، حتى أقتل موسى.
قاله السمرقندي في البحر.

قال ابن كثير في تفسيره: أي: قال لقومه: دعوني حتى أقتل لكم هذا.

قال الخطيب في أوضح التفاسير: {ذَرُونِي} دعوني واتركوني.

ومنه (اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا): وَذَرُوا: ودعوا، واتركوا، وخلوا.

قال الطبري في تفسيره: وذروا يعني ودعوا ما بقي من الربا، يقول: اتركوا طلب ما بقي لكم من فضل على رءوس أموالكم التي كانت لكم قبل أن تربوا عليها إن كنتم مؤمنين.

ومنه (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ): وَذَرُوا: أي ودعوا، واتركوا.

قال التستري في تفسيره: يعني اتركوا المعاصي بالجوارح، ومحبتها بالقلب، وبالإصرار عليها.

ومنه (وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا):
يعني: لا تدع على ظهر الارض من الكافرين ديارا، يعني: أحدا منهم.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

ومنه (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ): {وذروا} أي:اتركوا*{الذين* يلحدون} أي: يميلون عن الحق. قاله الخطيب الشربيني في السراج المنير.

ومنه (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ): وَذَرُوا الْبَيْعَ:*اتركو ا*التبايع في الأسواق حالة النداء لتدركوا الخطبة والصلاة.
قاله الجرجاني في درج الدرر.

ومنه {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}: أي يتركهم.
قاله السمين الحلبي في عمدة الحفاظ، والسمرقندي في بحر العلوم، والبقاعي في نظم الدرر، وغيرهم.

إلا أن البقاعي قال: أي يتركهم على حالة قبيحة.

و زاد السمرقندي: في ضلالتهم يترددون.

ومنه {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ}: يعني: دعنا وائذن لنا نتخلف ونقعد مع القاعدين الذين تخلفوا في المدينة عن القاعدين.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

قال الطبري في تفسيره: (وقالوا ذرنا) ، يقول: وقالوا لك: دعنا، نكن ممن يقعد في منزله مع ضعفاء الناس ومرضاهم، ومن لا يقدر على الخروج معك في السفر.

ومنه (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ):*{ لا*تذرني*فردا} أي*لا*تتركني*فرد *لا*ولد لي يرثني في نبوتي وعلمي وحكمتي ويرث ذلك من آل يعقوب حتى*لا*تنقطع منهم النبوة والصلاح.
قاله أبو بكر الجزائري في أيسر التفاسير.

ومنه (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا):* لا*تذرن*آلهتكم: أي*لا*تتركواعباد تها.
قاله البغوي في تفسيره.

انتهى

*فائدة:*

قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب: {فذرني} منسوخ بآية السيف وكذلك {فاصبر لحكم ربك}.

*قوله {وَمَنْ}:* مفعول معه أو معطوف على ضمير المتكلم.
قاله القرطبي في تفسيره.

*قوله {يُكَذِّبُ}:* يجحد. والتكذيب: الجحود. ونحوه (وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ): قال ابن كثير في تفسيره: أي ما*يكذببها ويبخس حقها ويردها إلا الظالمون.

*قوله {بِهَذَا الْحَدِيثِ}:* يعني القرآن.
قاله ابن أبي زمنين في تفسيره، وابن الجوزي في زاد المسير، والنسفي في مدارك التنزيل، وابن كثير في تفسيره، وغيرهم.

إلا أن النسفي قال: {بهذا الحديث} بالقرآن والمراد كل أمره إليَّ وخل بيني وبينه فإني عالم بما ينبغي أن يفعل به مطيق له فلا تشغل قلبك بشأنه وتوكل عليّ في الانتقام منه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديد المكذبين.

وزاد ابن كثير: وهذا تهديد شديد أي دعني وإياه مني ومنه أنا أعلم به منه كيف أستدرجه وأمده في غيه وأنظر ثم آخذه أخذ عزيز مقتدر.

قال ابن عطية في المحرر: و «الحديث» المشار إليه هو القرآن المخبر بهذه الغيوب.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيث): دليل أن كلام الله يسمى حديثا، قال تعالى {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}: أي ومن أصدق منه كلاما.

وقد سمى الله القرآن الذي تكلم به حديثا في غير موضع من كتابه، من ذلك قوله تعالى (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا): قال الطبري في تفسيره، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه: يعني به القرآن.*

ومنه (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا): أي القرآن.
قاله يحيى بن سلام في تفسيره، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والبغوي في تفسيره.

إلا أن يحيى بن سلام يقول: يعني: القرآن. أي: فلا تفعل. وفيها تقديم.

ويقول الزجاج : يعنى بالحديث*القرآن.

ومنه (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ): يعني:*القرآن. قاله ابن أبي زمنين في تفسيره.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: أي: بعد*القرآن*إذ كذبوا به،*فبأي*شيء يؤمنون*بعده*إيما نا ينتفعون به؟!

قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {فبأي*حديث*بعده*ي ؤمنون} أي: بأي كتاب بعد*القرآن*يؤمنو ن*إن لم يؤمنوا بهذا الحديث*بعد ظهور براهينه وقيام الدلائل على أنه من عند الله؟ !

ومنه (أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ): أفبهذا*الحديث، يعني*القرآن*أنتم ، يا أهل مكة،*مدهنون.
قاله البغوي في تفسيره.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: والحديث*المشار إليه هوالقرآن*المتضم البعث.

ومنه (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ) : أي القرآن.
قاله نجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن، والواحدي في الوجيز.

قال البغوي في تفسيره: أفمن*هذا*الحديث، يعني*القرآن،*تعج بونوتضحكون، يعني الاستهزاء، ولا تبكون، مما فيه من الوعد والوعيد.

ومنه (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ): أي فليأتوا بحديث مثل القرآن.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: والهاء في*مثله*عائدة على*القرآن.

ومنه (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ): مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى: يعني:*القرآن،*حد ثا*يفترى، أي: يختلق.
قاله البغوي في تفسيره.

قال الحوفي في البرهان في علوم القرآن: والضمير كناية عن القرآن، أي:*ما*كان*هذا*ال رآن*حديثا*يفترى.

انتهى

*قوله {سَنَسْتَدْرِجُ ُمْ}:* سنأخذهم بالعذاب.
قاله البغوي في تفسيره.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وجملة سنستدرجهم من حيث لا يعلمون، بيان لمضمون فذرني ومن يكذب بهذا الحديث باعتبار أن الاستدراج والإملاء يعقبهما الانتقام فكأنه قال: سنأخذهم.

قال الشريف الجرجاني في كتاب التعريفات: الاستدراج: الدنوّ إلى عذاب الله بالإمهال قليلًا قليلًا.

قال الزمخشري في الكشاف: استدرجه إلى كذا: إذا استنزله إليه درجة فدرجة، حتى يورطه فيه.

قال القشيري في لطائف الاشارات: والاستدراج: أن يريد الشيء ويطوى عن صاحبه وجه القصد فيه، ويدرجه إليه شيئا بعد شيء، حتى يأخذه بغتة.

قال السمعاني في تفسيره: الاستدراج في كلام العرب هو الأخذ قليلا قليلا، ومنه درج الصبي إذا مشى قليلا قليلا.

قال ابن عطية في المحرر: والاستدراج هو: الحمل من رتبة إلى رتبة، حتى يصير المحمول إلى شر وإنما يستعمل الاستدراج في الشر، وهو مأخوذ من الدرج.

قال الشوكاني في فتح القدير: والاستدراج: ترك المعاجلة، وأصله النقل من حال إلى حال، ويقال: استدرج فلان فلانا، أي: استخرج ما عنده قليلا قليلا، ويقال: درجه إلى كذا واستدرجه، بمعنى، أي أدناه إلى التدريج فتدرج هو. ثم ذكر سبحانه أنه يمهل الظالمين، فقال: وأملي لهم أي: أمهلهم ليزدادوا إثما.

وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: استدرجَ يستدرج، استدراجًا، فهو مُستدرِج، والمفعول مُستدرَج
• استدرج اللهُ العبدَ: أخذه قليلاً قليلاً ولم يباغته، أمهله ولم يعجّل عذابَه " {سَنَسْتَدْرِجُ ُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} ".
• استدرج فلانًا إلى كذا: خَدَعه حتى أطاعه، حمله على أن يفعل ما يريد بالإغراء أو الحيلة.

*قوله {مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ}:* أنه استدراج؛ أي من حيث لا يشعرون، ومن حيث لا يتوقعون أنه استتدراج.

وكان من ذلك أن الله استدرجهم للقتال يوم بدر، وذلك أن* العير قد نجت، وكان عليهم العودة من حيث أتوا ولكنهم لم يفعلوا فتلهم الله ببدر. وهذا شيء من استدراج الله - جل ذكره - لهم، ولا منتهى لمكره واستدراجه، ولا قبل لأحد به. (لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ).

قال القرطبي في تفسيره: ثم قال (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) معناه سنأخذهم على غفلة وهم لا يعرفون، فعذبوا يوم بدر.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} من الجهة التي لا يعشرون انه استدراج.

قال الواحدي في الوجيز: {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} أَيْ: نأخذهم قليلاً قليلاً ولا نباغتهم.

قال ابن كثير في تفسيره: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون): أي وهم لا يشعرون بل يعتقدون أن ذلك من الله كرامة وهو في نفس الأمر إهانة، كما قال تعالى: أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون.

تنبيه:

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}: هذا الكلام وإن كان قد ورد في شأن المشركين، إلا أنه ينبغي لأهل الإيمان أن يحذروا عقاب الله واستدراجه؛ فكم ممن يؤمل الستر فما يلبث إلا أن يفضحه الله، وكم ممن يرجو العفو فما يلبث وينقلب إلى الدار الآخرة فينصب عليه العذاب؛ فلا يغتر العبد وإن كان محسناً فليس بيننا وبين الله نسب، ولا طاقة ولا قبل لأحد بمكره وانتقامه؛ فليكن العبد دائما بين الخوف والرجاء (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا).

قال الزمخشري في الكشاف: وقيل: كم من مستدرج بالإحسان إليه، وكم من مفتون بالثناء عليه، وكم من مغرور بالستر عليه.

قال ابن عطية في المحرر: وفي معنى الاستدراج قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته».

قلت (عبدالرحيم): وأصله في الصحيحين، حديث أبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الله لَيُمْلِي للظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» قَالَ: قَرَأَ {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}.
......................
(1): قال الضَّريرُ الشِّيرازي في المفاتيح في شرح المصابيح: (فاختَصِ) بصاد مكسورة من غير راء بعدها، وهو أمر مخاطب؛ أي: مِن اختَصَى: إذا جعل نفسه خَصِيًّا، وهو أن يقطع خصيتَهَ وذكره أو خصيتهَ دون ذَكَرِه.

وقال أيضا - الشِّيرازي -: قوله: "فاختَصِ على ذلك أو ذَرْ"، وفي رواية: "أو دَعْ".
......................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-10-18, 10:58 AM
كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

قوله تعالى
﴿وَأُملي لَهُم إِنَّ كَيدي مَتينٌ﴾ [القلم: 45].

قوله {وَ}: عطف على قوله ( سَنَسْتَدْرِجُه ُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ).

قوله {أُملي لَهُم} : أمهلهم.
قاله الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن، والنسفي في مدارك التنزيل، والقشيري في لطائف الإشارات، والقرطبي في تفسيره، والكفوي في الكليات، وأبو العلاء الحنفي في مفاتيح الأغاني في القراءات والمعاني، والجلال المحلي في الجلالين.

زاد القرطبي: وأطيل لهم المدة. والملاوة: المدة من الدهر. وأملى الله له أي أطال له.

وزاد أبو العلاء: موسعا عليهم.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي أُطيلُ لهم وأُمهلُهم.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {وَأُملي لَهُم} عطف على سنستدرجهم وهو داخل في حكم السين أي أمهلهم.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {وَأُملي لَهُم}: أي أمهلهم، وأؤخرهم، وأمد، وأنسأ لهم، يعني: أطيل لهم، وأنظرهم؛ إمهالا لا إهمالا.

قال الأزدي في جمهرة اللغة: وأمليت له أملي، إذا أنسأته وأخرته إملاء.

قال الواحدي في البسيط: الإملاء في اللغة الإمهال وإطالة المدة، وهو نقيض الإعجال.

قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: وأملى الله تعالى له: أي أمهله وطول له.

قال ابن منظور في لسان العرب: وأملى للبعير في القيد: أرخى ووسع فيه. وأملى له في غيه: أطال.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وأملي: مضارع أملى، مقصورا بمعنى أمهل وأخر وهو مشتق من الملا مقصورا، وهو الحين والزمن، ومنه قيل لليل والنهار: الملوان، فيكون أملى بمعنى طول في الزمان، ومصدره إملاء.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ): يعني سول لهم الشيطان، وأملى لهم الله، أي أمهلهم، وأمدهم.

قال السمعاني في تفسيره: أي أمهلهم بالمد لهم في العمر، وهو راجع إلى الله تعالى ومعناه: وأملى لهم الله تعالى.

قال النحاس في معاني القرآن: وَأَمْلَى لَهُم: المعنى وأملى الله لهم أي مد الله لهم في آجالهم ملاوة.

قال الطبري في تفسيره: وقوله (وَأَمْلَى لَهُمْ)يقول: ومدّ الله لهم في آجالهم مُلاوة من الدهر، ومعنى الكلام: الشيطان سوّل لهم، والله أملى لهم.

ومنه (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا): معناه: إنما نؤخرهم.
قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه.

قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: إِنَّمَا نُمْلِي: أي نطيل لهم المدة وندر عليه الأرزاق استدراجا لهم، والإملاء: الإمداد، ومنه قيل للمدة الطويلة ملاوة من الدهر، وملي من الدهر. قال تعالى: {واهجرني مليا} [مريم:٤٦] أي دهرا طويلا.

ومنه (وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ): فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ: أي أمهلتهم.
قاله في المغرب في ترتيب المعرب، والواحدي في الوجيز.

قال البغوي في تفسيره: يعني: أمهلتهم وأخرت عقوبتهم.

قال الطبري في تفسيره: يقول: فأمهلت لأهل الكفر بالله من هذه الأمم، فلم أعاجلهم بالنقمة والعذاب.

ومنه (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ): أي أنسأت في أجلها وأمهلتها، قال أبو بكر: اشتقاقه من الملوة وهي المدة من الزمان؛ ملوة وملاوة وملاوة.
قاله السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ.

ومنه - من سورة الأعراف -: (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ): أي أؤخرهم.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب.

قال الطبري في تفسيره: وقوله: {وأملي لهم إن كيدي متين} [الأعراف: 183] يقول تعالى ذكره: وأنسئ في آجالهم ملاوة من الزمان، وذلك برهة من الدهر على كفرهم وتمردهم على الله لتتكامل حجج الله عليهم.

وقال ابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القران: أطيل المدّة وأتركهم ملاوة من الدهر.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {وَأُملي لَهُم}: أي: أمهل لهم وأؤخرلهم.
قاله السمعاني في تفسيره.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يقول لا أعجل عليهم بالعذاب.

قال الشوكاني في فتح القدير: أي: أمهلهم ليزدادوا إثما.

قال بيان الحق النيسابوري في باهر البرهان في معانى مشكلات القرآن (وأملي لهم) انظرهم في الملاوة وهي الدهر.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: أي: أطيل لهم وأمهلهم؛ حتى يبلغ الوقت الذي يعذبهم فيه.

قال الواحدي في الوجيز: أُمهلهم كي يزدادوا تمادياً في الشِّرك.

قال القرطبي في تفسيره: أي أمهلهم وأطيل لهم المدة . والملاوة : المدة من الدهر . وأملى الله له أي أطال له . والملوان : الليل والنهار . وقيل : " وأملي لهم " أي لا أعاجلهم بالموت ; والمعنى واحد .

قوله {لَهُم}: يعني المكذبين بالقرآن. إشارة إلى قوله (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُه ُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ).

قوله {إِنَّ كَيدي}: بهم.

وصفة الكيد ثابتة لله تعالى على ما يليق به، ولا تذكر إلا مقابلة، فهي من الصفات التي لا تثبت لله مطلقا، ولا تنفى عنه مطلقا وإنما تذكر مقيدة، على جهة المقابلة؛ فيقال يكيد بالكافرين، كما في قوله (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ): يعني يستهزئ بالمنافقين، فلا يقال: إن الله يستهزئ، أو يمكر، أو يكيد مجردا، ولا يشتق منها أسماء لله - جل ذكره -، بل تساق فينا سيقت من أجله. كما في قوله تعالى ﴿إِنَّهُم يَكيدونَ كَيدًا۝وَأَكيدُ كَيدًا﴾ [الطارق: 15-16].
ونحوه قوله تعالى (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ). - وتفصيله في كتب العقائد -.

فهو - تعالى شأنه - يكيد بالكافرين ويأتيهم من حيث لا يحتسبوا. والكيد من الله حق ومحمود لتمام عدله، ومن الخلق غير ذلك، لظلمهم وحيفهم.

قال البغوي في تفسيره: والكيد من الخلق: الحيلة، ومن الله: التدبير بالحق.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: (كيد): الكيد: ضرب من الاحتيال، وقد يكون مذموما وممدوحا، وإن كان يستعمل في المذموم أكثر، وكذلك الاستدراج والمكر، ويكون بعض ذلك محمودا، قال: {كذلك كدنا ليوسف}، وقوله: {وأملي لهم إن كيدي متين}.

قال القاسمي في محاسن التأويل: (والكيد) : السعي في فساد الحال على جهة الاحتيال عليه. يقال: كاده يكيده، إذا سعى في إيقاع الضرر على جهة الحيلة عليه. أفاده الرازي.

قال الشوكاني في فتح القدير: والكيد مبدؤه السعي فيالحيلة والخديعة، ونهايته إلقاء المخدوع من حيث لا يشعر في أمر مكروه لا سبيل إلى دفعه.

قال الألوسي في روح المعاني: وأصل الكيد الاحتيال في إيجاد ما يضر مع إظهار خلافه.

قوله {مَتينٌ}: شديد، قوي محكم، ونافذ وواقع لا محالة لا يفوت طالبه؛ لا كما يكيد البشر؛ فقد يكيد شخص لآخر ولا يصله منه شيء، فكم ممن يكيد وهو المكاد.

فقوله تعالى {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} أي شديد.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وابن أبي زمنين في تفسيره، والواحدي في الوجيز، والسمعاني في تفسيره.

زاد الواحدي: لا يطاق.

زاد ابن قتيبة: و "الكيد": الحيلةُ والمكر.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: يعني إن أخذي شديد.

وزاد ابن أبي زمنين: وكيده: أخذه إياهم بالعذاب.

قال الطبري في تفسيره - من سورة الاعراف -: {إن كيدي متين} [الأعراف: 183] يقول: {إن كيدي} [الأعراف: 183] بأهل الكفر قوي شديد.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

﴿وَأُملي لَهُم إِنَّ كَيدي مَتينٌ﴾ [القلم: 45].
وأمهلُهم زمنًا ليتمادوا في إثمهم، إن كيدي بأهل الكفر والتكذيب قوي، فلا يفوتونني، ولا يسلمون من عقابي.
.........................

كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-10-21, 03:22 PM
*نكات الكتاب العزيز:* *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.* *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424* قوله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمسِكُ السَّماواتِ وَالأَرضَ أَن تَزولا وَلَئِن زالَتا إِن أَمسَكَهُما مِن أَحَدٍ مِن بَعدِهِ إِنَّهُ كانَ حَليمًا غَفورًا﴾ [فاطر: 41]. *قوله {أَن تَزولا}:* أي لئلا تزولا. يعني: كي لا تزولا من أماكنها، وتسقط من علوها. و"أن" نصبا على المفعولية. قال النحاس في إعراب القرآن: «أن» في موضع نصب بمعنى كراهة. قال مكي بن حموش في مشكل إعراب القرآن: "أن" مفعول من أجله أي لئلا تزولا، أو عن. قال الصافي في الجدول في إعراب القرآن: {أَن تَزولا}: في محل نصب مفعول لأجله، بحذف مضاف أي كراهة أن تزولا. انتهى فمعنى قوله تعالى {أَن تَزولا}: لئلا تزولا. قاله يحيى بن سلام في التصاريف، وابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن، والطبري في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره، ومكي في مشكل إعراب القرآن، والواحدي في الوجيز، والسمعاني في تفسيره. زاد الطبري: من أماكنها. وزاد السمرقندي، وابن أبي زمنين: عن أماكنها. وزاد الواحدي: وتتحركا. قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {أَن تَزولا}: معناه: لئلا تزولا، ولكي لا تزولا. تقول: أطع ربك أن يغضب عليك: أي أطعه لئلا يغضب. يعني: لكي لا يغضب عليك. والعرب تقول: أسند الحائط أن يميل: أي أسنده لكي لا يقع. (1) ونظير ذلك في كتاب الله كثير، من ذلك قوله تعالى - من سورة الكهف - {إِنَّا جَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً*أَن*يَ فْقَهُوهُ}: أَن*يَفْقَهُوهُ: أي لئلا يفقهوه. يعني: جعل الله على قلوبهم أغطية لكي لا يفهموا القرآن؛ عقوبة لهم بسبب كفرهم وإعراضهم. انتهى فمعنى قوله تعالى {أَن*يَفْقَهُوهُ }: لئلا يفقهوه. قاله يحيى بن سلام في التصاريف، والطبري في تفسيره، وابن أبي زمنين في تفسيره، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، وسراج الدين النعماني في اللباب، وصديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن، وغيرهم. إلا أن الطبري قال: يقول تعالى ذكره: إنا جعلنا على قلوب هؤلاء*الذين يعرضون*عن*آيات*ا له*إذا*ذكروا بها أغطية لئلا يفقهوه. قال البغوي في تفسيره: (أن يفقهوه): أي يفهموه. يريد: لئلا يفهموه. قال مجير الدين العليمي في تفسيره: {أن*يفقهوه} أي:*لئلا*يفهموا القرآن. ونظيرتها - من سورة الأنعام - {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا}: أَنْ يَفْقَهُوه: لئلا يفهموه. قاله الواحدي في الوجيز، وابن أبي زمنين في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، وابن كثير في تفسيره. إلا أن ابن كثير قال: (أن*يفقهوه)*أي*لئ ايفهموا القرآن. ونظيرتها - من سورة الإسراء - {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآَنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا}؛ قال الشوكاني في فتح القدير: و "أن يفقهوه"*مفعول لأجله، أي: كراهة*أن*يفقهوه، أو*لئلا*يفقهوه، أي: يفهموا ما فيه من الأوامر والنواهي والحكم والمعاني. ومنه {وَهذا كِتابٌ أَنزَلناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعوهُ وَاتَّقوا لَعَلَّكُم تُرحَمونَ * أَن تَقولوا إِنَّما أُنزِلَ الكِتابُ عَلى طائِفَتَينِ مِن قَبلِنا وَإِن كُنّا عَن دِراسَتِهِم لَغافِلينَ}: {أَن تَقولوا}: أي لئلا تقولوا. يعني: لكي لا تقولوا إنما أنزل الكتاب على اليهود والنصارى من قبلنا ونحن عن قراءة كتبهم لغافلين لعدم معرفتنا بلغتهم يتخذون ذلك حجة على الله؛ فلذا أنزل الله القرآن عربيا بلغتهم، ولتقام الحجة عليهم. انتهى فمعنى قوله تعالى {أَن تَقولوا}: لئلا تقولوا. قاله ابن زنجلة في حجة القراءات، والطبري في تفسيره، وابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو العلاء الكرماني الحنفي في مفاتيح الأغاني في القراءات والمعاني، ومقاتل بن سليمان في تفسيره، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، وابن أبي زمنين في تفسيره، والواحدي في الوجيز، والبغوي في تفسيره، ونجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن، وبه قال الجصاص في أحكام القرآن، والسمعاني في تفسيره، وابن عطية في المحرر الوجيز. إلا أن ابن زنجلة قال: أي لئلا تقولوا يوم القيامة. وقال نجم الدين: أن تقولوا: لئلا تقولوا، أو كراهة أن تقولوا. ويقول الطبري: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك) لئلا تقولوا: إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا. وقال أن ابن قتيبة قال: أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين يريد هذا كتاب أنزلناه لئلا تقولوا: إنما أنزل الكتاب على اليهود والنصارى قبلنا. فحذف «لا». وإن كنا عن دراستهم أي قراءتهم الكتب وعلمهم بها (غافلين). (أو) لئلا تقولوا: لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم. قال السمرقندي في البحر: يعني: أنزلنا هذا القرآن لكي لا تقولوا: إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا يعني: اليهود والنصارى. قال السمعاني في تفسيره: ومعنى الآية: أنا إنما أنزلنا عليكم القرآن؛ لئلا تقولوا: إن الكتاب أنزل على من قبلنا بلغتهم ولسانهم فلم نعرف ما فيه، وغفلنا عن دراسته؛ فتمهدون بذلك عذرا لأنفسكم، وحجة على الله. قال ابن عطية في المحرر: فكأنه قال: وهذا القرآن يا معشر العرب أنزل حجة عليكم لئلا تقولوا إنما أنزلت التوراة والإنجيل بغير لساننا على غيرنا، ونحن لم نعرف ذلك، فهذا كتاب بلسانكم ومع رجل منكم. قال الأزدي في جمهرة اللغة: وقوله تعالى: {أن تقولوا إنمآ أنزل الكتاب على طآئفتين}: معناه: ألا تقولوا. ومنه {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ}: (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ): أَنْ تَمِيدَ بِكُم: أي لئلا تميد بكم. يعني: لكي لا تتحرك، وتميل، وتضطرب بكم الأرض. والميد: الحركة والإضراب، والميل، والدوران. انتهى فمعنى قوله تعالى {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ}: أي: لئلا تميد بكم. قاله الفراء في معاني القرآن، وابن فورك في تفسيره، وابن قتيبة في غريب القرآن، ومكي بم حموش في الهداية إلى بلوغ النهاية، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن أبي زمنين في تفسيره، والواحدي في الوجيز، والبغوي في تفسيره، وابن عطية في المحرر الوجيز، ونجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، وابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل. إلا أن ابن فورك قال: وإلقاء الرواسي في الأرض لئلا تميد بأهلها. إلا أن ابن أبي زمنين، والواحدي، وابن عطية قالوا: لئلا تميد. وزاد الفراء: و (أن)*في*هذا الموضع تكفي*من (لا) كما قال الشاعر: والمهر يأبى*أن*يزال ملهبا. معناه: يأبى*أن*لا يزال. قال يحيى بن سلام في تفسيره: {أن*تميد*بكم} [النحل: ١٥]*لئلا*تحرك*بكم. قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: (أن*تميد*بكم) يقول*لئلا*تزول*ب م*الأرض. ومنه {وَاتَّبِعوا أَحسَنَ ما أُنزِلَ إِلَيكُم مِن رَبِّكُم مِن قَبلِ أَن يَأتِيَكُمُ العَذابُ بَغتَةً وَأَنتُم لا تَشعُرونَ ۝ أَن تَقولَ نَفسٌ يا حَسرَتا عَلى ما فَرَّطتُ في جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السّاخِرينَ}: (أَن تَقولَ نَفس) : أي لئلا تقول نفس. يعني: لكي لا تقول نفس يا ندمي على ما تركت العمل به في الدنيا. انتهى فمعنى قوله تعالى {أَن تَقولَ نَفس}: يعني: لئلا تقول نفس. قاله الطبري في تفسيره، والبغوي في تفسيره، وبيان الحق النيسابوري في باهر البرهان في معانى مشكلات القرآن، والنسفي في مدارك التنزيل، والإيجي الشافعي في جامع البيان . إلا أن النسفي قال: {أَن تَقُولَ} لئلا تقول. وقال السمرقندي في بحر العلوم: أن تقول نفس يعني: لكي لا تقول نفس. قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والمعنى: لئلا تقول نقس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله. ومنه {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَرفَعوا أَصواتَكُم فَوقَ صَوتِ النَّبِيِّ وَلا تَجهَروا لَهُ بِالقَولِ كَجَهرِ بَعضِكُم لِبَعضٍ أَن تَحبَطَ أَعمالُكُم وَأَنتُم لا تَشعُرونَ}: (أَن تَحبَطَ أَعمالُكُم): أي لئلا تحبط أعمالكم. يعني: اجتنبوا هذا الصنيع لكي لا تحبط حسناتكم. انتهى فمعنى قوله تعالى {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ}: أي لئلا تحبطَ أعمالكم. قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والبغوي في تفسيره، إلا أن الزجاج قال: وقوله: (أن تحبط أعمالكم): معناه لا تفعلوا ذلك فتحبط أعمالكم. والمعنى لئلا تحبط أعمالكم. وقال البغوي: لئلا تحبط حسناتكم. قال الثعلبي في الكشف والبيان، والواحدي في الوجيز: (أن تحبط أعمالكم): كي لا تبطل حسناتكم. زاد الثعلبي: تقول العرب: أسند الحائط أن يميل. وقال الأزدي في جمهرة اللغة: أي: ألا تحبط. قال الشنقيطي في أضواء البيان: وقوله: {أن تحبط أعمالكم} أي لا تفعلوا ذلك لئلا تحبط أعمالكم، أو ينهاكم عن ذلك كراهة أن تحبط أعمالكم، وأنتم لا تشعرون أي: لا تعلمون بذلك. ومنه {يا أَهلَ الكِتابِ قَد جاءَكُم رَسولُنا يُبَيِّنُ لَكُم عَلى فَترَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَن تَقولوا ما جاءَنا مِن بَشيرٍ وَلا نَذيرٍ فَقَد جاءَكُم بَشيرٌ وَنَذيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ}: أن تقولوا ما جاءَنا مِن بَشيرٍ وَلا نَذيرٍ: أي لئلا تقولوا. يعني: لكي لا تقولوا محتجين على ربكم ما جاءنا من رسول يبشيرنا بالجنة، ولا نذير يخوفنا النار. فمعنى قوله تعالى {أن تقولوا}: أن تقولوا: يعني: لئلا تقولوا. قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره، والطبري في تفسيره، وابن أبي زمنين في تفسيره، والواحدي في البسيط. إلا أن قال الطبري قال: ويعني بقوله: "أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير" أن لا تقولوا، وكي لا تقولوا. قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني لكي لا تقولوا: ما جاءنا من رسول بعد ما درس الدين ليبشرنا وينذرنا فقد جاءكم محمد صلى الله عليه وسلم بشير بالجنة ونذير من النار والله على كل شيء قدير من المغفرة والعذاب وبعث الرسل. ومنه (يَستَفتونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفتيكُم فِي الكَلالَةِ إِنِ امرُؤٌ هَلَكَ لَيسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُختٌ فَلَها نِصفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِن لَم يَكُن لَها وَلَدٌ فَإِن كانَتَا اثنَتَينِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ وَإِن كانوا إِخوَةً رِجالًا وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثلُ حَظِّ الأُنثَيَينِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُم أَن تَضِلّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ): يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُم أَن تَضِلّوا: أي لئلا تضلوا. يعني: يبين الله لكم قسمة المواريث لكي لا تضلوا؛ ولو وكل إليكم قستمتها لضللتم ضلالا بعيدا. انتهى فمعنى قوله تعالى {أَن تَضِلّوا}: أي لئلا تضلوا. قاله يحيى بن سلام في التصاريف، والطبري في تفسيره، وابن خالويه في الحجة في القراءات السبع، والبغوي في تفسيره. إلا أن ابن خالويه قال: يريد*لئلا*تضلوا. إلا أن الطبري قال: بمعنى: أن لا تضلوا، وكي لا تضلوا. قال السمرقندي في بحر العلوم: لكي لا تضلوا ولا تخطئوا في قسمتها. قال الجصاص في أحكام القرآن: معناه أن لا تضلوا. ومنه (وَإِذ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَني آدَمَ مِن ظُهورِهِم ذُرِّيَّتَهُم وَأَشهَدَهُم عَلى أَنفُسِهِم أَلَستُ بِرَبِّكُم قالوا بَلى شَهِدنا أَن تَقولوا يَومَ القِيامَةِ إِنّا كُنّا عَن هذا غافِلينَ): {أن تقولوا}: أي لئلا تقولوا. يعني: لكي لا تقولوا* فمعنى قوله تعالى {أَن تَقولوا}: أي: لئلا تقولوا. قاله الجصاص في أحكام القرآن، وابن أبي زمنين في تفسيره، والواحدي في الوجيز. إلا أن الواحدي قال: {أن}: لا {تقولوا} لئلا تقولوا: أي لئلا يقول الكفار. قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: شهدنا عليكم أيها المقرُّون بأن الله ربكم، كيلا تقولوا يوم القيامة: إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ، إنا كنا لا نعلم ذلك، وكنا في غفلة منه. ومنه {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}:أي لئلا تقع على الأرض. يعني: لكي لا تقع على الأرض؛ فيهلك من فيهما. انتهى فمعنى قوله تعالى {أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ}: يعني لئلا تقع على الأرض. قاله يحيى بن سلام في التصاريف، ومقاتل بن سليمان في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره، ومكي في الهداية إلى بلوغ النهاية. إلا أن ابن أبي زمنين قال: يعني: لئلا تقع. وقال مكي: أي يمسكها بقدرته لئلا تقع على الأرض. قال النسفي في مدارك التنزيل: {رَحِيمٌ}: بإمساك السماء أن تقع على الأرض. ومنه {وَاسْتَشْهِدُو شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}: لئلا تضل. قاله الجصاص في أحكام القرآن. قال ابن زنجلة في حجة القراءات: المعنى عند الفراء لئلا تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى. قال الماوردي في النكت والعيون: فيه الوجهان: أحدهما: لئلا تضل، قاله أهل الكوفة. والثاني كراهة أن تضل، قاله أهل البصرة. ....................... (1): أنظر تفسير الطبري، والكشف والبيان للثعلبي، من تفسير سورة الحجرات (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) الآية. ...................... *كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.* *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-10-26, 11:02 AM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} (27).

*قوله {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ}:* أي ألم تعلم أن الله. يعني: اعلم، فالاستفهام هنا تقريري.

قال ابن خالويه في كتاب إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم: ومعنى «ألم تر» في أول السورة وكل ما في كتاب الله تعالى: ألم تعلم.

قال أبو حيان في البحر المحيط: {ألم*تر}، وهذا الاستفهام*تقرير ، ولا يكون إلا في الشيء الظاهر جدا.

قلت (عبدالرحيم): من ذلك قوله تعالى {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا}: ومعنى
(ألم*تروا*كيف*خلق الله): اعملوا أن الله خلق ذلك.
قاله مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية.

ومنه {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}: فمعنى ذلك: ألم تعلم يا محمد، الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف؟
قاله الطبري في تفسيره.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: معنى (ألم تر) ألم تعلم، أي ألم ينته علمك إلى خبر هؤلاء.

ومنه {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ}: أَلَمْ تَرَ: ألم تعلم لأن ذلك مما لا يصلح أن يراه الرسول وإنما أطلق لفظ الرؤية هاهنا على العلم.
قاله الفخر الرازي في التفسير الكبير.

*قوله {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً}:* يعني المطر.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

*قوله {فَأَخْرَجْنَا بِهِ}:* بذلك الماء.

قال القرطبي في تفسيره {بِهِ}: أي بالماء وهو واحد، والثمرات مختلفة.

قال القصاب في النكت: وقوله: {فأخرجنا به} أضاف الفعل إلى نفسه، وكان الأول بلفظ الغائب، لقوله: {ألم تر أن الله أنزل} ؛ لأن الضمير هو المظهر في المعنى فقام أحدهما مقام الآخر.

*قوله {ثَمَرَاتٍ}:* تقديره: من الزروع ثمرات.

يريد: فأخرجنا بذلك الماء الذي نزل من السماء زروعا فأثمرت ثمرات؛ فاستغني عنه لظهوره ووضوحه؛ إذ الثمرات نتاج الزروع، وهذا من المختصر المحذوف.

ونظيرتها قوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها}: ولا تجهر بصلاتك: يعني ولا تجهر بقراءة صلاتك فيسمع المشركون، ولا تسر بها اسرارا لا يسمعها من خلفك من أصحابك؛ ولذن بين بين.

قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن: معناه: ولا تجهر بقراءة صلاتك. ولا تخافت بقراءة صلاتك. وهو*من*المختصر.

*قوله {مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا}:* كالأبيض، والأحمر، والأسود، وغيرها.

قال الماوردي في النكت والعيون: وفيه مضمر محذوف تقديره مختلف ألوانها وطعومها وروائحها، فاقتصر منها على ذكر اللون لأنه أظهرها.

*قوله {ومن الْجِبَالِ جُدَدٌ}:* أي ومن بعض هذه الجبال أيضا جدد مختلفة ألوانها كاختلاف ألوان الثمرات.

وليست كل الجبال كذلك، لأن من هذه الجبال الأبيض الخالص، والأحمر الخالص، والأسود الشديد السواد، لا لون فيه غير لونه، وبعضها مختلفة الألوان مما هو مشاهد.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير:{مِنَ}: تبعيضية على معنى: وبعض تراب الجبال جدد.

*قوله {جُدَدٌ}:* مفردها: جُدة. نحو: غُدَة، وغُدَد. وهي الخطوط والطرق التي تكون في الجبال مختلفة الألوان.

قال النحاس في إعراب القرآن: "جُدَدٌ" جمع جدّة.

قال الأخفش الأوسط في معاني القرآن: و"الجُدَدُ" واحدتها "جُدَّةٌ" و"الجُدَدِ" هي الوان الطرائق التي فيها مثل "الغُدَّة" وجماعتها "الغُدَدُ".

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وأبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: {جُدَدٌ}: أي خطوط وطرائق. واحدتها: جُدَة.

قال السمرقندي في بحر العلوم: {ومن الجبال جدد بيض} يعني: خلق من الجبال جددا.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله تعالى: (ومن الجبال جدد بيض) أي: ومما خلقنا من الجبال جدد.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {جُدَدٌ}: يعني خطوطا، وطرقا تكون في الجبل الواحد، فاصله واحد والخطوط فيه مختلفة. فال/جُدَة: هي الخط، والطريق يكون ظاهرا في الشيء ظهورا واضحا.

والمعنى: كما خلقنا ثمارا مختلفة ألوانها خلقنا في الجبال أيضا طرقا مختلفة الألوان، يخالف لونها لون الجبل؛ فكما أن الماء الواحد يخرج زرعا مختلفا ثماره، كذا خلق الله في الجبل الواحد خطوطا مختلفة الألوان.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {جدد}: أي الخطوط والطرق التي تكون في الجبال؛ تكون كثيرة متفرعة كالعروق، وكالخطوط التي في الحمار الوحشي.

قال امرؤ القيس (يصف حمارا):
كأَن سَراتَهُ وجُدَّةَ مَتْنِه. . . كنائِنُ يَجْرِي فَوقَهُنَّ دَلِيصُ.

فقوله - الشاعر -: "وجُدَّةَ مَتْنِه": يعني: وخط ظهره.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: " جُدَّةَ مَتْنِه " الخطَّة السوداء التي تراها في ظَهْرِ حِمارِ الوَحْشِ. وكل طريقةٍ جادَّة وجُدَّة.

قال القصاب في النكت:* يعني بالجدة: الخطة السوداء التي في متن الحمار، والدليص: البراق.

قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: والجدة: الخطة التي في ظهر الحمار تخالف لونه.
قال الفراء في معاني القرآن: وقوله:*{جُدَدٌ*بِ يضٌ} الْخُطط والطرق تكون فِي الجبال كالعُروق،*بيض*وس ُود*وحمر، واحدها جُدّة.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وجدد: جمع جدة بضم الجيم، وهي الطريقة والخطة في الشيء تكون واضحة فيه. يقال للخطة السوداء التي على ظهر الحمار جدة، وللظبي جدتان مسكيتا اللون تفصلان بين لوني ظهره وبطنه.

*قوله {بِيضٌ}:* جمع أبيض. أي خطوط وطرائق بيض.

يريد: بعض هذه الخطوط التي تكون في الجبال: لونها أبيض.

*قوله {وَحُمْرٌ}:* جمع أحمر. أي خطوط وطرائق حمر.

يريد: بعض هذه الخطوط التي تكون في الجبال: لونها أحمر.

قال السمعاني في تفسيره: وَقَوله: {وحمر}: أَي طرائق حمرة.

*قوله {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا}:* يعني جُدَدا مختلفة الألوان، غير الابيض والأحمر والأسود، وهذا تعميم بعد تخصيص.

قال الطبري في تفسيره: {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا}: يعني: مختلف ألوان الجدد.

*قوله {وَ}:* من هذه الطرق والخطوط التي تكون في تلك الجبال.

*قوله {غَرَابِيبُ}:* مفردها: غِرْبِيبٌ. وهي الشديدة السواد.

ومنه قول القائل، يصف العنب:
ومن تعاجيب خلق الله غاطية ... يعصر منها ملاحي وغربيب.

قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: وتقول: هذا أسود غِرْبِيبٌ، أي شديد السواد.

قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: واشتقاقه من الغراب لشدة سواده. يقال: هو أسود من حلك الغراب.

قال الواحدي في البسيط: {غرابيب سود}: وهو جمع غربيب، وهو الشديد السواد الذي يشبه لونه لون الغراب، يقال: أسود غربيب وغرابي.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: والغِرْبِيبُ الشديد السوادِ.

قال أبو حيان في تحفة الأريب: {وغرابيب}: شديدة السواد.

*قوله {سُودٌ}:* مفردها: أسود. أي خطوط وطرائق سود.
يريد: بعض هذه الخطوط التي تكون في الجبال: لونها أسود حالك.

وأصل الكلام: "وسودٌ غرابيبٌ": أي سوداء حالكة شديدة السواد. كما في قوله (صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا)، ففي الكلام تقديم وتأخير.

والمعنى: ومن هذه الطرق والخطوط التي تكون في الجبال سود غرابيب، أي شديدة السواد.

قال الطبري في تفسيره: {وغرابيب سود} [فاطر: ٢٧] ، وذلك من المقدم الذي هو بمعنى التأخير؛ وذلك أن العرب تقول: هو أسود غربيب، إذا وصفوه بشدة السواد، وجعل السواد ها هنا صفة للغرابيب.

قال العكبري في التبيان في إعراب القرآن: (وغرابيب سود) : الأصل: وسود غرابيب؛ لأن الغربيب تابع للأسود، يقال: أسود غربيب، كما تقول: أسود حالك.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: (وغرابيب سود): أي ومن الجبال غرابيب وهي الحرار، الجبال التي هي ذات صخور سود. والغربيب الشديد السواد.

قال الخطيب الشربيني في السراج: يقال: أسود غربيب أي: شديد السواد تشبيها بلون الغراب أي: طرائق سود.

قال السمين الحلبي في الدر المصون: وغرابيب: جمع غربيب وهو الأسود المتناهي في السواد فهو تابع للأسود كقان وناصع وناضر ويقق.

قال الواحدي في الوجيز: {وغرابيب سود} وهي الجبال ذات الصُّخور السُّود.

قال الخضيري في السراج: {وغرابيب سود}: شديدة السواد؛ كالأغربة.

*نكتة:*

قال ابن عرفة في تسيره: قوله تعالى: {وغرابيب سود } الأصل سود غرابيب، لكنه عكس إشارة لشدة السواد.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} أي: وسود غرابيب، فهو مؤخر يراد به التقدم.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: "غرابيب سود": مقدم، ومؤخر، معناه سود غرابيب.

قال البغوي في تفسيره: وغرابيب سود، يعني سود غرابيب على التقديم، والتأخير.

قال السمعاني في تفسيره: قَوْله: {مُخْتَلف ألوانها وغرابيب سود} أَي: سود غرابيب على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، يُقَال: أسود غربيب أَي: شَدِيد السوَاد، وَفِي بعض الْأَخْبَار: " أَن الله يكره الشَّيْخ الغربيب " أَي الَّذِي يسود لحيته، والخضاب بالحمرة سنة، أما بِالسَّوَادِ مَكْرُوه. وَمعنى الْآيَة أي: طرائق سود.

قال بيان الحق الغزنوي النيسابوري في توضيح مشكلات القرآن: من شرط التأكيد أن يتقدم الأظهر، كقولك: أسود حالك، وأصفر فاقع، فكذلك ينبغي أن يجيء سود غرابيب، ولكن تقديم الغرابيب، لأن العرب ترغب عن اسم السواد، حتى يسمون الأسود من الخيل: الأدهم، والأسود من الإبل: الأصفر.

قال الشوكاني في فتح القدير: قال الفراء:
في الكلام تقديم وتأخير وتقديره: وسود غرابيب، لأنه يقال أسود غربيب، وقل ما يقال غربيب أسود.

قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: أصله سود غرابيب حذف الموصوف ثم فسر به.

انتهى

*المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):*

﴿أَلَم تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخرَجنا بِهِ ثَمَراتٍ مُختَلِفًا أَلوانُها وَمِنَ الجِبالِ جُدَدٌ بيضٌ وَحُمرٌ مُختَلِفٌ أَلوانُها وَغَرابيبُ سودٌ﴾ [فاطر: 27].
ألم تر - أيها الرسول - أن الله سبحانه أنزل من السماء ماء المطر، فأخرجنا بذلك الماء ثمرات مختلفًا ألوانها فيها الأحمر والأخضر والأصفر وغيرها بعد أن سقينا أشجارها منه، ومن الجبال طرائق بيض وطرائق حمر، وطرائق حالكة السواد.
........................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-10-28, 08:51 AM
*لطائف الكتاب العزيز:*

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
قوله تعالى
﴿أَفَمَن يَتَّقي بِوَجهِهِ سوءَ العَذابِ يَومَ القِيامَةِ وَقيلَ لِلظّالِمينَ ذوقوا ما كُنتُم تَكسِبونَ﴾ [الزمر: 24].

*قوله {يَتَّقي بِوَجهِهِ}:* يعني يدفع النار بوجهه، ولا يتهيأ له أن يتقيها بغيره. فأين يداه إذاً؟.

فإن قلت: لم يتق النار بيديه كما كان الحال في الدنيا، فمن خاف من شيء دفعه بيده؛ بدلا من وجهه الذي هو أكرم أعضاءه؟

فالجواب: إنما يتقي النار بوجهه لأن يديه مغلولتان، أي مقيدتان، ومربوطتان؛ وذلك أن الكافر يلقى في النار مكتوفا مربوطة يداه إلى رجليه مع عنقه ويكب على وجهه، فليس له شيء يتقي به إلا الوجه الذي هو أشرف أعضائه.

ألا ترى إلى قوله تعالى {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ}: أي قيدوه بالأغلال، أي اجمعوا يديه إلى عنقه بالأغلال، يفسرها قوله تعالى {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ}.

قال الواحدي في الوسيط، والبغوي في تفسيره، وابن الجوزي في زاد المسير، والمظهري في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، والجلال المحلي في الجلالين، والبقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، والشوكاني في فتح القدير: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ}: أي اجمعوا يديه إلى عنقه.

زاد الشوكاني: بالأغلال.

قال السمعاني في تفسيره: هو من غل اليد إلى العنق.

قال السعدي في تفسيره: فجعل*يتقي بوجهه*الذي هو أشرف الأعضاء، وأدنى شيء من العذاب يؤثر فيه، فهو*يتقي*فيه*سوء لعذاب لأنه قد غلت يداه ورجلاه.

انتهى

فقوله تعالى {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ:} وهو المشرك الذي غلّت يداه.
قاله الجرجاني في درج الدرر.

قال أبو السعود في تفسيره: لكون يده التي بها كان*يتقي*المكاره والمخاوف مغلولة إلى عنقه.

قال الزمخشري في الكشاف: ومعناه: أن الإنسان إذا لقى مخوفا من المخاوف استقبله بيده، وطلب أن يقي بها وجهه، لأنه أعز أعضائه عليه والذي يلقى في النار يلقى مغلولة يداه إلى عنقه، فلا يتهيأ له أن يتقى النار إلا بوجهه الذي كان يتقى المخاوف بغيره، وقاية له ومحاماة عليه.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: ومعنى {يتقي} يلقى النار بوجهه ليكفها عن نفسه، وذلك أن الإنسان إذا لقي شيئا من المخاوف استقبله بيديه، وأيدي هؤلاء مغلولة، فاتقوا النار بوجوههم.

قال الواحدي في الوجيز: {أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب} وهو الكافر يُلقي في النَّار مغلولاً فلا يتهيَّأ له أن يتَّقي النَّار إلاَّ بوجهه.

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: {يتقي بوجهه} : يلقى في النار مغلولا، فيتلقاها بوجهه.

قال الراغب الاصفهاني في المفردات: ويقال: اتَّقَى فلانٌ بكذا: إذا جعله وِقَايَةً لنفسه، وقوله: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ} [الزمر/ 24] تنبيه على شدّة ما ينالهم، وأنّ أجدر شيء يَتَّقُونَ به من العذاب يوم القيامة هو وجوههم، فصار ذلك كقوله: {وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ}.

قال السمرقندي في بحر العلوم: قوله عز وجل: {أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب} يعني: أفمن يدفع بوجهه شدة سوء العذاب، وجوابه مضمر. يعني: هل يكون حاله كحال من هو في الجنة. يعني: ليس الضال الذي تصل النار إلى وجهه، كالمهتدي الذي لا تصل النار إلى وجهه، ليسا سواء.

قال الزجاج في معاني القران: وجاء في التفسير أن الكافر يلقى في النار مغلولا، لا يتهيأ له أن يتقي النار إلا بوجهه.

استطراد:

قال تعالى {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ}: قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ: الغل: مختص بما يقيد به، فيجعل الأعضاء وسطه. والجمع أغلال.

قال الواحدي في الوجيز: {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً} أراد: في أعناقهم وأيديهم لأنَّ الغلَّ لا يكون في العنق دون اليد.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: لا يكون الغل في العنق دون اليد ولا في اليد دون العنق، فالمعنى إنا جعلنا في أعناقهم وفي أيمانهم أغلالا. (فهي إلى الأذقان).كناية عن الأيدي لا عن الأعناق، لأن الغل يجعل اليد تلي الذقن، والعنق هو مقارب للذقن، لا يجعل الغل العنق إلى الذقن.

وكما قال {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ}: إذ الأغلال في أعناقهم يعني: ترد أيمانهم إلى أعناقهم والسلاسل يسحبون يعني: تجعل السلاسل في أعناقهم، يسحبون، ويجرون، في الحميم يعني: في ماء حار، قد انتهى حره.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: فَالْغُلُّ مختصّ بما يقيّد به فيجعل الأعضاء وسطه، وجمعه أَغْلَالٌ، وغُلَّ فلان: قيّد به. قال تعالى: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ}.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

﴿أَفَمَن يَتَّقي بِوَجهِهِ سوءَ العَذابِ يَومَ القِيامَةِ وَقيلَ لِلظّالِمينَ ذوقوا ما كُنتُم تَكسِبونَ﴾ [الزمر: 24].

أيستوى هذا الذي هداه الله، ووفقه في الدنيا وأدخله الجنة في الآخرة، ومن كفر ومات على كفره فأدخله النار مغلول اليدين والرجلين، لا يستطيع أن يتقي النار إلا بوجهه المُكَب عليه؟! وقيل للظالمين لأنفسهم بالكفر والمعاصي على سبيل التوبيخ: ذوقوا ما كنتم تكسبون من الكفر والمعاصي، فهذا جزاؤكم.
............

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-10-28, 07:11 PM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص: 25].

*قوله {تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ}:* أي واضعة ثوبها على وجهها، قد استترت به.

قال الطبري في تفسيره: فجاءت موسى إحدى المرأتين اللتين سقى لهما تمشي على استحياء من موسى، قد سترت وجهها بثوبها.

قال الجرجاني في درج الدرر: {تَمْشِي عَلَى اِسْتِحْياءٍ:} متستّرة بكمّها وذيلها.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: قد سترت وجهها بكم درعها.

قال الإيجي الشافعي في جامع البيان:* مستحيية متسترة بكم درعها.

قال بن عجيبة في البحر المديد في تفسير القرآن المجيد: {فجاءته تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ} قد سترت وجهها بكفها، واستترت بكُمِّ درعها. وهذا دليل على كمال إيمانها وشرف عنصرها.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله {على استحياء} أي خَفِرةٌ (1)، قد سترت وجهها بكم درعها قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال عمرو بن ميمون: لم تكن سلفعا (2) من النساء ولاجة خراجة.

فائدة:

قال القصاب في النكت: وقوله تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}
دليل على أن من تطوع بعمل لآخر فعليه أن يعطيه أجره، إلا أن يمتنع من أخذه، ويحتمل أن لا يكون فرضا، ولكنه في أخلاق المروة والديانة أن يعرض عليه فإن امتنع العامل كان صاحبه قد قضى ما عليه من حق المروة والديانة.
.......................

(1): قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين، والأزدي في جمهرة اللغة: وامرأة خَفِرةٌ: حيية.

إلا أن الخليل قال: الخفر: شدة الحياء، وامرأة خَفِرةٌ: حيية مُتَخَفِّرةٌ.

قال ثعلب في الفصيح: وخفرت المرأة: إذا استحيت تخفر خفرا وخفارة.

(2): السَلْفَعُ من النساء: الجريئة على الرجال.

قال ابن السكيت في كتاب الألفاظ: السلفع: والجريئة البذيئة.

وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: وامرأةٌ سَلْفَعٌ: أي سَليطةٌ.

وفي شمس العلوم للحميري: السَلفع: المرأة الجريئة السليطة.

وقال ابن قتيبة في غريب الحديث: والسلفعة: الجريئة واكثر مَا يُقَال: السلفع بِلَا هاء لِأَنَّهُ اكثر مَا يُوصف بِهِ.

وقال الزبيدي في تاج العروس من جواهر القاموس: السَّلْفَعُ من النِّساءِ: الصَّخَّابَةُ البَذيئَةُ السَّيِّئَةُ الخُلُقِ.

.....................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-10-31, 08:50 AM
*تفسير غريب القرآن:*

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
{قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} يوسف: (66).

*قوله {تُؤْتُونِ}:* تعطوني.
قاله البغوي في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، وبه قال مقاتل بن سليمان في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، والحوفي في البرهان في علوم القرآن، ومكي بن حموش في الهداية إلى بلوغ النهاية، وغيرهم جمع.

قلت (عبدالرحيم): ونظير ذلك في كتاب كثير، من ذلك قوله تعالى {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ}: وَآَتَتْ: أعطت.
قاله الحوفي في البرهان في علوم القرآن، والبغوي في تفسيره، والجلال المحلي في الجلالين، والخطيب الشربيني في السراج المنير، وغيرهم.

إلا أن الحوفي قال: وآتت*بمعنى*أعطت.

ومنه {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ}: أي*أعطيت مهورهن.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، والسمرقندي في بحر العلوم.

ومنه {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءٌ}: تُؤْتِي الْمُلْك: تعطي الملك.

قال الطبري في تفسيره: فإنه يعني:*تعطيالملك من تشاء فتملكه وتسلطه على من تشاء.

قال النسفي في مدارك التنزيل: تعطي*من تشاء النصيب الذي قسمت له من الملك.

ومنه {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}: تُؤْتِي أُكُلَهَا: تعطي*ثمرها.
قاله البغوي في تفسيره، وأبو السعود في تفسيره، والسيوطي في الجلالين.

قال الواحدي في الوسيط: تعطي*هذه الشجرة،*أكلهاثم ها وما يؤكل منها.

قال مجير الدين العليمي في تفسيره: {تؤتي*أكلها}*تعطي *جناها.

*قوله {مَوْثِقًا}:* عهدا مؤكدا بالقسم. وكأنه قال لهم: عاهدوني، واحلفوا لي.

قال السعدي في تفسيره: أي عهدا ثقيلا، وتحلفون بالله.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: والمِيثاقُ: عقد مؤكّد بيمين وعهد.

قال البغوي في تفسيره: والعهد الموثق: المؤكد بالقسم.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والمَوثْق: أصله مصدر ميمي للتوثّق، أطلق هنا على المفعول وهو ما به التوثق، يعني اليمين.

*قوله {إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ}:* إلا أن تهلكوا جميعا.
قاله الواحدي في البسيط، وبيان الحق الغزنوي في باهر البرهان فى معانى مشكلات القرآن.

قال ابن قتيبة في غريب القران: أي تشرفوا على الهلكة وتغلبوا.

قال النحاس في معاني القرآن: أي إلا أن تهلكوا وتغلبوا.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وقوله: إلا*أن*يحاط*بكم*ل فظ عام لجميع وجوه الغلبة والقسر والمعنى تعمكم الغلبة من جميع الجهات حتى لا تكون لكم حيلة ولا وجه تخلص.*

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى - على لسان شعيب عليه السلام - {ٍوَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ}: أحاط بهم العذاب فلم ينج منهم أحد.
قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره.

قال الواحدي في الوجيز: يُوعدهم بعذابٍ يُحيط بهم فلا يفلت منهم أحدٌ.

قال السمعاني في تفسيره: أي: محيط بكم فيهلككم.

قال البغوي في تفسيره: يحيط بكم فيهلككم.

ومنه {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا}: أي: فأهلك جميع ماله.
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن ذ، وابن أبي زمنين في تفسيره: {وَأُحِيطَ}: أهلك.

قال الواحدي في الوجيز: {وأحيط بثمره} وأهلكت أشجاره المثمرة.

قال البغوي في تفسيره: {وأحيط بثمره}، أي: أحاط العذاب بثمر جنته، وذلك أن الله تعالى أرسل عليها نارا فأهلكتها وغار ماؤها.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} هو عبارة عن إهلاكه وأصله من أحاط به العدو لأنه إذا أحاط به فقد ملكه واستولى عليه ثم استعمل في كل أهلاك.

ومنه {يَسْتَعْجِلُون كَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ }: أي تجمعهم فتحرقهم، وتهلكهم جميعا.

قال البغوي في تفسيره: وإن جهنم لمحيطة بالكافرين، جامعة لهم لا يبقى أحد منهم إلا دخلها.

ومنه {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ: أي أيقنوا الهلكة.

قال الطبري في تفسيره: يقول: وظنوا أن الهلاك قد أحاط بهم وأحدق.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب: {وظنوا أنهم أحيط بهم} أي: دنوا للهلكة.

زاد ابن قتيبة: وأصل هذا أن العدو إذا أحاط ببلد، فقد دنا أهله من الهلكة.

*قوله {فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ}:* أعطوه عهودهم.
قاله البغوي في تفسيره.
......................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-11-02, 04:54 PM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
{وَما يُغني عَنهُ مالُهُ إِذا تَرَدّى} [الليل: 11].

*قوله {تَرَدَّى}:* أي: سقط في النار.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، ومجير الدين العليمي في فتح الرحمن في تفسر القرآن.

إلا أن ابن قتيبة قال:*{تردى}: في النار، أي سقط.

قال النحاس في إعراب القرآن: {وما يغني عنه ماله إذا*تردى}: "ما" في موضع نصب بيُغني، أي: وأي شيء يدفع عنه ماله إذا*سقط*في النار.

قال الزبيدي في تاج العروس: وقوله تعالى: {وما يغني عنه ماله إذا {تردى}، أي سقط في هوة النار.

قلت (عبدالرحيم): فيه مسائل:

المسألة الأولى:

قوله تعالى {إِذا تَرَدّى}: تَرَدّى: أي سقط. وإنما نبه على سقوطه، لشناعة عذابه، والمبالغة في اهانته.

وهو من التردي: الذي هو السقوط، والوقوع. من قولهم: تردى فلان من رأس الجبل إذا سقط. وليس معناه: من الردى، الذي هو الهلاك. وإن كان قال به* جماعة من أهل العلم.

قال الطبري في تفسيره - بعد أن ذكر أقوالا -: وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: إذا تردى في جهنم، لأن ذلك هو المعروف من التردي؛ فأما إذا أريد معنى الموت، فإنه يقال: ردي فلان، وقلما يقال: تردى.

قال السمعاني في تفسيره: قوله تعالى: {وما يغني عنه ماله إذا تردى} معناه: إذا هلك، يقال: تردى أي: سقط في النار، وهو الأصح؛ لأن التردي في اللغة هو السقوط، يقال: تردى من مكان كذا أي: سقط.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {إِذا تَرَدّى}: إذا سقط، ووقع، وألقي، وطرح في الجحيم.

ومنه ما رواه الشيخان من حديث أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ في نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيها أَبَدًا،...»: يعني: ألقى ورمى بنفسه من الجبل متعمدا فسقط ميتا.

قال ابن الجوزي في تفسير غريب ما في الصحيحين: "مَنْ تَرَدَّى مِنْ* جَبَلٍ": أَي*سقط*بِقصد مِنْهُ والتردي*السُّقُ ط وتردى فِي النَّار*سقط*فِيه َا.

ومنه قوله تعالى - في ذكر أصناف من المحرمات من المطعومات - {وَالْمُنْخَنِق ةُ وَالْمَوْقُوذَة ُ وَالْمُتَرَدِّي َةُ}: وَالْمُتَرَدِّي َةُ: أي وحرم عليكم أكل الساقطة من علو، أو الواقعة في بئر؛ ما لم تدركون ذكاتها.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {وَالْمُتَرَدِّ َةُ} الواقعة من جبل أو حائط أو في بئر.

قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم: هي التي تردت: أي سقطت فماتت ولم تلحق ذكاتها.

قال البغوي في تفسيره: والمتردية، هي التي تتردى من مكان عال، أو في بئر فتموت.

ومنه ما رواه أبو داوود (1552)، والنسائي (5531)، من حديث أبي اليسر مرفوعا: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ التَّرَدِّي، وَالْهَدْمِ، وَالْغَرَقِ، وَالْحَرِيقِ ..." (1).

قال الصنعاني في التنوير شرح الجامع الصغير: (اللهم إني أعوذ بك من التردي) أي السقوط، من تردى في البئر إذا سقط فيها.

قال التوربشتي في النيسر شرح مصابيح السنة: تردي*الرجل: إذا*سقط*في بئر، أو تهور من جبل.

المسألة الثانية:

قوله تعالى {وَما يُغني عَنهُ مالُهُ إِذا تَرَدّى}: إِذا تَرَدّى: أي إذا سقط، وهذا غاية في العذاب، والإهانة والإذلال، والخزي، فمن عظم مقت الله لهم، وهوانهم عليه تساقطوا في النار، ونظيرتها قوله تعالى {وَأَمّا مَن خَفَّت مَوازينُهُ * فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ}: يعني: يسقط على أم رأسه في قعر الجحيم.

قال الطبري في تفسيره: يقول: وأما من خف وزن حسناته، فمأواه ومسكنه الهاوية التي يهوي فيها على رأسه في جهنم.

قلت (عبدالرحيم): وقد ورد في غير ما آية أن أهل النار يُلْقَوْنَ، ويدفعون، ويطرحون، في جهنم، ويكبكبوا فيها - عياذا بالله -. كما قال تعالى {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ}: قال أبو حيان في البحر المحيط: إذا*ألقوا*فيها: أي*طرحوا، كما يطرح الحطب في النار العظيمة ويرمى به،*

وكما قال {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ}: قال ابن قتيبة في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، وأبو حيان الاندلسي في تحفة الاريب بما في القران من الغريب، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن، والكفوي في الكليات: أي أُلقُوا على رءوسهم.

إلا أن ابن الهائم قال: {فَكُبْكِبُوا}: أصله كبّبوا، أي ألقوا على رؤوسهم في جهنم، من قولك: كببت الإناء إذا قلبته.

وزاد الكفوي: في جهنم.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: والكَبْكَبَةُ: تدهور الشيء في هوّة.

المسألة الثالثة:

قوله تعالى {وَما يُغني عَنهُ مالُهُ إِذا تَرَدّى}: أي وما يغني عنه ماله وإن كثر من عذاب الله من شيء إذا أُلقِي، وسقط في جهنم، كما قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}: قال الأخفش الأوسط في معاني القرآن: يقول: "لَوْ أَنَّ هذا مَعَهُم لِلفداء ما تُقُبِّلَ مِنْهُم".

قال الطبري في تفسيره: لو أن لهم ملك ما في الأرض كلها وضعفه معه، ليفتدوا به من عقاب الله إياهم على تركهم أمره، وعبادتهم غيره يوم القيامة، فافتدوا بذلك كله، ما تقبل الله منهم ذلك فداء وعوضا من عذابهم وعقابهم، بل هو معذبهم في حميم يوم القيامة عذابا موجعا لهم.

ونحوه قوله تعالى {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ}: قال ابن كثير في أي: لا يقي المرء من عذاب الله ماله، ولو افتدى بملء الأرض ذهبا: {ولا بنون} ولو افتدى بمن في الأرض جميعا، ولا ينفع يومئذ إلا الإيمان بالله، وإخلاص الدين له، والتبري من الشرك.
....................
(1): صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، بررقم (1282 ).
....................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-11-05, 02:41 PM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿خُلِقَ مِن ماءٍ دافِقٍ﴾ [الطارق: 6].

*قوله {دافِقٍ}:* مدفوق. يعني: مدفوع مصبوب بشدة.
وهو فاعل بمعنى مفعول، كما يقال: مكان عامر: يعني معمور. وغامر يعني: مغمور.

قال الجرجاني في التعريفات: الدفق:*هو*الصب*بش دة.

قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: دفق*الماء: صبه. يقال دفق الماء فهو مدفوق، أي*مصبوب.

قال القرطبي في تفسيره: والدفق: صب الماء، دفقت الماء أدفقه دفقا: صببته، فهو ماء دافق، أي مدفوق، كما قالوا: سر كاتم: أي مكتوم، لأنه من قولك: دفق الماء، على ما لم يسم فاعله.

قال البغوي في تفسيره: وأراد ماء الرجل وماء المرأة لأن الولد مخلوق منهما، وجعله واحدا لامتزاجهما.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {دافِقٍ}: مدفوق.
قاله الفراء في معاني القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، والطبري في تفسيره، والبغوي في تفسيره، وغلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن، والواحدي في الوجيز، والزركشي في البرهان في علوم القرآن، والسيوطي في الإتقان، والخطيب الشربيني في السراج المنير، وغيرهم جمع.

إلا أن الواحدي قال: {خلق من ماء دافق}:*مدفوق*مصبو ب*في الرحم يعني: النطفة.

وزاد البغوي: أي*مصبوب*في الرحم، وهو المني، فاعل بمعنى مفعول.

وزاد غلام ثعلب: في معنى:*مدفوق، وهومما جاء على لفظ الفاعل وهو مفعول به.

قال الطبري في تفسيره: يعني:*من*ماء*مدفو ق، وهو مما أخرجته*العرب بلفظ*فاعل، وهو بمعنى المفعول، ويقال: إن أكثر*من*يستعمل ذلك*من*أحياء العرب، سكان الحجاز إذا كان في مذهب النعت، كقولهم: هذا سر كاتم، وهم ناصب، ونحو ذلك.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {فَهُوَ في عيشَةٍ راضِيَةٍ}: راضِيَةٍ: مرضية.
قاله السمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره، والبغوي في تفسيره، وغلام ثعلب في ياقوتة الصراط، والقشيري في لطائف الإشارات، والزركشي في البرهان، والشوكاني في فتح القدير.

إلا أن الزركشي قال: أي: مرضية بها وقيل على النسب أي: ذات رضا وهو مجاز إفراد لا تركيب.

إلا أن ابن أبي زمنين قال: أي:*مرضيةقد رضيها.

وزاد البغوي: في*الجنة.

ومنه {قالَ سَآوي إِلى جَبَلٍ يَعصِمُني مِنَ الماءِ قالَ لا عاصِمَ اليَومَ مِن أَمرِ اللَّهِ إِلّا مَن رَحِمَ}: لا عاصِمَ: لا عاصِمَ: لا معصوم.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، والسيوطي في الإتقان.

إلا أن ابن قتيبة قال: لا معصوم اليوم.

ومنه {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}: آَمِنًا: أي مأمونا فيه.
قاله ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن، والزركشي في البرهان، والكفوي في الكليات.

إلا أن الزركشي قال: وقوله: {أنا جعلنا*حرما*آمنا} أي:*مأمونا، وعكسه: {إنه كان وعده مأتيا} أي: آتيا.

ومنه ما رواه مسلم (١٨٧٦)، من حديث أبي هريرة، قَال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَضَمَّنَ اللهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا جِهَادًا فِي سَبِيلِي، وَإِيمَانًا بِي، وَتَصْدِيقًا بِرُسُلِي، فَهُوَ عَلَيَّ*ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ،....» فَهُوَ عَلَيَّ*ضَامِنٌ: أي مضمون.

قال في كشف المشكل من حديث الصحيحين: وقوله: ((فهو علي*ضامن)) أي*مضمون.
...........................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-11-07, 09:22 AM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿وَكَذلِكَ بَعَثناهُم لِيَتَساءَلوا بَينَهُم قالَ قائِلٌ مِنهُم كَم لَبِثتُم قالوا لَبِثنا يَومًا أَو بَعضَ يَومٍ قالوا رَبُّكُم أَعلَمُ بِما لَبِثتُم فَابعَثوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُم هذِهِ إِلَى المَدينَةِ فَليَنظُر أَيُّها أَزكى طَعامًا فَليَأتِكُم بِرِزقٍ مِنهُ وَليَتَلَطَّف وَلا يُشعِرَنَّ بِكُم أَحَدًا﴾ [الكهف: 19].

*قوله {بَعَثناهُم}:* أحييناهم.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، والواحدي في الوسيط، والفخر الرازي في التفسير الكبير، وغيرهم.

إلا أن أبا عبيدة قال: «وكذلك*بعثناهم»: أي*أحييناهم، وهو من يوم البعث.

وزاد ابن قتيبة: من هذه النومة التي تشبه الموت.

قال الجرجاني في درج الدرر: و (البعث) في اللغة تهييج وإثارة، وهو مستعمل في الإحياء وإنفاذ الرسول وتأمير الأمير وتوجيه الجند ونحوها.

قال صديق حسن خان في فتح البيان: وأصل البعث الإثارة للشيء من محله وقد تكون عن إغماء ونوم، ولهذا قيد البعث بالموت.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}: يعني بقوله: (ثم بعثناكم) ثم أحييناكم.
قاله الطبري في تفسيره.

ومنه {وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}: (والمَوتَى يَبعَثُهم اللَّهُ): أي يحييهم.
قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه.

مسألة:

قلت (عبدالرحيم): فإن قلت: ما وجه الإحياء هنا، وقد كانوا نياما، ولم يموتوا بعد؟

قلت: ألم ترى أن الله قال: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ}: فقوله {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ}: يعني: ثم يحييكم بالنهار؛ ولأن النوم يشبه الموت. فعبر عن الإحياء بالبعث، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من نومه قال: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا...». شطر من حديث رواه مسلم (2711)، من حديث البراء بن عازب.

فالبعث: الإحياء، ومنه سمي يوم القيامة يوم البعث، ومنه قوله تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}: فهذا يوم الإحياء الذي كنتم تنكرون أن الله يحييكم ويجمعكم فيه.

قال أبو حيان في البحر المحيط في التفسير: البعث: الإحياء.

قال في الغريبين في القرآن والحديث: وهو قوله تعالى: {ثم*يبعثكم فيه} أي*يحييكم.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {ثم*يبعثكم*فيه} أي:*يبعثكم*في النهار من نومكم.

قال السمرقندي في بحر العلوم: ثم*يبعثكمفيه*يعن ي: من النوم في النهار ويرد إليكم أرواحكم.

*قوله {لِيَتَساءَلوا بَينَهُم}:* ليسأل بعضهم بعضا واللام فيه لام العاقبة لأنهم لم يبعثوا للسؤال.
قاله البغوي في تفسيره.

*قوله {لَبِثتُم}:* أي أقمتم، ومكثتم.

واللُبْثُ: المكث، والإقامة. يقال: لبث في المكان أي مكث وأقام به.

قال الخليل بن احمد الفراهيدي في العين: لبث: اللَّبْث: المُكْثُ، ولَبِثَ لَبْثاً.

قال ابن فارس في مقاييس اللغة: اللَّامُ وَالْبَاءُ وَالثَّاءُ حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى تَمَكُّثٍ. يُقَالُ: لَبِثَ بِالْمَكَانِ: أَقَامَ.

قال الحميري في شمس العلوم: لبِثَ: اللبث: الإِقامة.

قال الجمل في معجم وتفسير لغوي لكلمات القرآن: لبث في المكان: أقام به.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا}: أي مقيمين، وماكثين، ومستقرين في جهنم أزمنة لا تنتهي.

قال الألوسي في روح المعاني: أي مقيمين في جهنم ملازمين لها.

قال السمرقندي في بحر العلوم: {لابثين فيها أحقابا} يعني: ماكثين فيها أبدا دائما.

ومنه {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَام}: كَمْ لَبِثْتَ: كم أقمت ومكثت ها هنا؟.
قاله الواحدي في الوجيز.

قال الجرجاني في درج الدرر: {كم لبثت}: أقمت بمكان أو على حال.

وقال الكفوي في الكليات: كم مكثت.

ومنه {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا}: لَمْ يَلْبَثُوا: لم يقيموا في الدنيا.
قاله أبو حيان في البحر المحيط.

ومنه {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}: فَقَدْ لَبِثْتُ: أَي: فقد أَقمت.
قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مّن قَبْلِهِ}: من قبل نزول القرآن أي فقد أقمت فيما بينكم أربعين سنة ولم تعرفوني متعاطياً شيئاً من نحوه ولا قدرت عليه ولا كنت موصوفاً بعلم وبيان فتتهموني بإختراعه.

ومنه {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ}: لم يقيموا، أو لم يستقروا.
قاله الجمل في معجم وتفسير لغوي لكلمات القرآن.

ومنه {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ}: فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ: أي أقام به مسجونا.
قاله الجمل في معجم وتفسير لغوي لكلمات القرآن.

ومنه{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}: يريد: أقام فيهم يدعوهم إلى الله.
قاله الواحدي في البسيط.

*قوله {بِوَرِقِكُم}:* بفضتكم.

والورِق بكسر، وسكون الراء: الفضة. وكانت نقودهم يومئذ. والورق بفتح الراء: كورق الشجر.

قال الجلال المحلي في الجلالين: بِوَرِقِكُم: بسكون الراء وكسرها بفضتكم.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: الورق: الفضة.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: (الورق) الفضة دراهم كانت أو غير دراهم.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {بِوَرِقِكُم}: فضتكم.
قاله أبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وابن كثير في تفسيره، وابن الهائم في التبيان في تفسير غريب القرآن، والبقاعي في نظم الدرر، والإيجي الشافعي في جامع البيان، ومجير الدين العليمي في فتح الرحمن في تفسر القرآن، وغيرهم.

إلا أن العليمي قال: المعنى: فأرسلوا واحدا منكم بفضتكم.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {بورقكم} هي الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة.

قال الكفوي في الكليات: {بورقكم} : الوَرِق: الْفضة، مَضْرُوبَة كَانَت أَو غَيرهَا.

قلت (عبدالرحيم): ومنه ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر، قال: اتَّخَذَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ...»: فقوله (من ورق): أي من فضة.
قاله القسطلاني في إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري.

*قوله {أَزْكى طَعامًا}:* أَزْكى: أَي أحل.

قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه، وغلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن، والجلال المحلي في الجلالين، وغيرهم.

إلا أن المحلي قال: أي أي أطعمة المدينة أحل.

قال مجير الدين العليمي في تفسيره: أحل وأطيب؛ لأنهم كان فيهم من يذبح للطواغيت.

قال البغوي في تفسيره: أي : أحل طعاما، حتى لا يكون من غصب أو سبب حرام وقيل : أمروه أن يطلب ذبيحة مؤمن ولا يكون من ذبيحة من يذبح لغير الله وكان فيهم مؤمنون يخفون إيمانهم.

قلت (عبدالرحيم): قوله {أَزْكى طَعامًا}: يعني أحل طعاما. فيه إشارة إلى إلى تطييب المطعم، وإشارة إلى صلاحهم وتقواهم، وذلك لأنهم تواصوا بأكل الحلال الطيب، وتناهوا عن أكل الخبيث، ووجه النهي هنا، أنهم أمروا بأزكى الطعام يعني: أحله وأطيبه، والأمر بالشيء نهي عن ضدده. وما ذاك إلا ببركة إيمانهم بالله، فالايمان له عمله وتأثيره في الجوارح. وهذا من علامة توفيق الله لهم، فلما آمنوا زادهم هدى وتقى، كما قال تعالى {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}، وكذا أهل الإيمان إلى قيام الساعة، قال تعالى {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}.

*قوله {فَليَأتِكُم بِرِزقٍ مِنهُ}:* برزق: أي بطعام.

قاله الطبري في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، والجرجاني في درج الدرر، وغيرهم.

إلا أن الجرجاني قال: {فليأتكم برزق منه}: يقول: طعاما منه.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}: رِزْقُهُمْ: طعامهم.

قال الطبري في تفسيره: «يقول:*ولهم طعامهم*وما يشتهون من المطاعم والمشارب...».

قال السمرقندي في بحر العلوم: ولهم*رزقهم*فيها* كرة*وعشيا، يعني: طعامهم*على مقدار البكرة*والعشي، وليس هناك*بكرة*ولا عشي.

*قوله {وَليَتَلَطَّف}:* أي وليترفق. يعني: يتكلف اللطف، ويحرص عليه. وأصل اللطف: الرفق. (1).

والمعنى: وليترفق في أمره عامة، وأمر الشراء خاصة؛ كي لا يفطن إليكم أحد.

قال الجرجاني في درج الدرر: {وَلْيَتَلَطَّف } في الشراء.

قال الثعلبي في تفسيره، ومجير الدين العليمي في تفسيره : وليتلطف: وليترفق في الشراء، وفي طريقه، وفي دخول المدينة.

زاد العليمي:* حتى لا يطلع عليه.

قال السمرقندي في بحر العلوم: وليتلطف، أي: وليرفق في السؤال.

قال الجرجاني في درج الدرر: {وليتلطف}: وليتكلف اللطف في القول والعمل؛ كيلا نفتضح.

قلت (عبدالرحيم): وفيه أنه ينبغي: إعمال اللطف، والرفق في الأمر كله عامة، وعند قضاء الحوائج خاصة، وأنه أدعى للسكون وعدم الجلبة.

وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: تلطَّفَ الشَّخْصُ في الأمر: ترفَّق فيه وعالجه بأدب "تلطَّف في معالجة المشكلة- {فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} ".

*قوله {وَلا يُشعِرَنَّ}:* ولا يعلمنَّ. وأصل الإشعار: الإعلام.

والمعنى: لا يُعْلِمَنَّ، ولا يُخْبِرَنَّ بكم، ولا بمكانكم أحدا من أهل المدينة، وإن أخذه الشُرَط، وكي لا يفتنا القوم في ديننا، فنفتن جميعا، كما قال تعالى - بعدها - {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا}: أي إن يعلموا مكانكم إما يقتلوكم بالرجم، أو يردوكم إلى دينهم.

ولعلهم أرسلوا أجلدهم وأقواهم، دينا وبدناً.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: يقال: شعرت بالأمر، أي علمت به.

قال الزبيدي في تاج العروس: أَصْلُ الإِشْعَار: الإِعْلام.

قال ابن سيده في المحكم والمحيط الاعظم: وأشْعَرَه الأمْرَ وأشْعَرَه بِهِ: أعْلَمَهُ إِيَّاه.

وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: أشعر فلانًا الأمرَ/ أشعر فلانًا بالأمرِ: أعلمه إيّاه " أشعرهُم بالخطر.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا}:*لا يعلمن.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، ويحيى بن سلام في تفسيره، وأبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن،والزجاج في معاني القرآن وإعرابه، والسمرقندي في بحر العلوم.

إلا أن مقاتلا، والسمرقندي قالا: أي لا يعلمن بمكانكم أحدا من الناس.

وزاد أبو عبيدة، والزجاج: بكم.

قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط، والجرجاني في درج الدرر، وابن كثير في تفسيره: أي ولا يعلمن بكم أحدا.

إلا أن الجرجاني قال: {وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً}: يقول: لا يعلمنّ بكم أحدا من المجوس.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره، وابن الهائم في التبيان: يُشْعِرَنَّ: يعلمنّ.

قال القرطبي في تفسيره: ولا يشعرن بكم أحدا أي لا يخبرن . وقيل : إن ظهر عليه فلا يوقعن إخوانه فيما وقع فيه.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} ولا يفعلن ما يؤدي إلى الشعر بنا من غير قصد منه فسمى ذلك إشعاراً منه بهم لأنه سبب فيه.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {ولا يشعرن بكم أحد}: أي لا يعلمن، ويدرين. ومنه قوله تعالى {قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ}: يشعركم: يدريكم.
قاله أبو بكر السجستاني في غريب القرآن.

وقال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط: أَي: وَمَا يعلمكم.

ومنه قوله تعالى {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}: شَعَائِرَ اللَّهِ: ما جعلها الله علامات على تقواه، ونسكه، وشرائعه.

قال القاسمي في محاسن التأويل: جمع شعيرة وهي العلامة، مأخوذ من*الإشعار*الذي هو*الإعلام، ومنه قولك: شعرت بكذا أي علمت انتهى.

ومنه {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}:* وسمي مشعرا، من الإشعار،*الإعلا *لأنه من معالم الحج،*وأصل الحرام: المنع فلا يفعل فيه ما نهي عنه.
قاله مجير الدين العليمي في تفسيره.

ومنه ما رواه البخاري (1491)، من حديث أبي هريرة* مرفوعا: «أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ»: أَمَا شَعَرْتَ: أي: أما علمت.
قاله ابن المَلَك في شرح مصابيح السنة للإمام البغوي.

قلت (عبدالرحيم): ويؤيده رواية مسلم (1069): "أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ؟».

ومنه ما رواه مسلم (983)، من حديث أبي هريرة مرفوعا: «يَا عُمَرُ، أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ؟»: أما شعرت: يعني: اما علمت.

قال البيضاوي في تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة: قوله: " يا عمر! أما شعرت " أي: علمت " أن عم الرجل صنو أبيه؟ " أي: مثله.

قال الضرير الشيرازي في المفاتيح في شرح المصابيح: قوله: "أما شعرت"؛ أي: أما علمتَ، الهمزة للاستفهام، وما للنفي.

ومنه ما رواه البخاري (4178)، من حديث ، وفيه: فَلَمَّا أَتَى ذَا الحُلَيْفَةِ، قَلَّدَ الهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ...». فقوله (وَأَشْعَرَهُ): أي علمه بعلامة، كي يعرف أنه مهدى للبيت الحرام، فلا يختلط بغيره، ولا يتعرض إليه أحد، كما قال تعالى {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}: أي من علامات تعظيم أوامر الله.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: وإِشْعَارُ البُدْنِ: إذا أُهدِيت. وهو أن تطعن في سَنامها، وتُجَلِّلَها وتُقَلِّدَها، لأن ذلك من علامات إهْدَائها.

قال محمد فؤاد عبدالباقي في شرحه على مسلم: وأصل الإشعار*والشعور* الإعلام*والعلام وإشعار الهدي لكونه علامة له ليعلم أنه هدي فإن ضل رده واحده وإن اختلط بغيره تميز.

قال الواحدي في الوجيز، والبغوي في تفسيره:{من شعائر الله} أعلام دينه.

قال الطبري في تفسيره: «يقول: من أعلام أمر الله الذي أمركم به في مناسك حجكم ...».

قال النسفي في مدارك التنزيل: {جعلناها لَكُمْ مّن شعائر الله} أي من أعلام الشريعة التي شرعها الله وإضافتها إلى اسمه تعظيم لها.
.............................. ....
(1): أنظر المعجم الوسيط.
.............................. ...

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-11-09, 09:22 AM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿نَزّاعَةً لِلشَّوى﴾ [المعارج: 16].

*قوله {نَزّاعَةً}:* أي قلّاعة.

وأصل النزع: القلع. يعني: جهنم تقلع، وتجذب، وتزيل بقوة وشدة.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {نزاعة} يعني: أكالة.

قال التوربيشتي في الميسر شرح مصابيح السنة: وأصل النزع: القلع. يقال: نزعت الشيء من مكانه أي: قلعته.

قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: وأصل النزع جذب الأشياء من مقارها بقوةٍ.

قال مجد الدين أبو السعادات في النهاية في غريب الحديث والأثر، وابن منظور في اللسان، والزبيدي في تاج العروس: وأصل النزع: الجذب والقلع.

زاد أبو السعادات: ومنه نزع الميت روحه. ونزع القوس، إذا جذبها.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {وَالنَّازِعَات غَرْقًا}: قسم بالملائكة تقلع وتجذب أرواح الكفار بقوة.

قال السمين الحلبي في الدر المصون في علوم الكتاب المكنون: لأنها تقلع أرواح الكفارة بشدة.

ومنه { تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ}: أي تقلعهم، بعنف من مواضعهم فتطرحهم على رؤوسهم .

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {تَنْزِعُ النَّاسَ} أي تقلَعُهم من مواضعهم.

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: {تنزع الناس}: تقتلعهم من مواضعهم، وترمي بهم على رؤوسهم، فتدق أعناقهم، وتنفصل عن أجسادهم.

*قوله {لِلشَّوى}:* جمع، مفردها: شواة. وهي: جلود الرؤوس، والأطراف من الآدميين، وكل ما ليس بمقتل من الجسم.

والمعنى: إن لظى، أي: جهنم قلاعة للأطراف كاليدين والرجلين، وجلدة الرأس، أي تبريه وتكشطه دون العظم، فلا تترك بذلك لحما، ولا جلدا، فإذا ذهبت عادت كما كانت {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ}.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: و: «الشوى» جلد الإنسان.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: الشوى أطراف الجسد.

قال نجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان: {نَزّاعَةً لِلشَّوى}: لجلدة الرأس.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: واحدتها شواة وهى اليدان والرجلان والرأس من الآدميين.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: الشوى: الأطراف، كاليد، والرجل.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} يريد: جلود الرؤوس. واحدها: "شواة".

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {نَزّاعَةً لِلشَّوى}: نزاعة*للشوى، وهي الأطراف: اليدان، والرجلان، وسائر الأطراف.
قاله البغوي في تفسيره.

قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره مخبرا عن لظى إنها تنزع جلدة الرأس وأطراف البدن.

قال السمرقندي في بحر العلوم: {نَزّاعَةً لِلشَّوى}: قلاعة للأعضاء.

قال القشيري في لطائف الإشارات: {نَزّاعَةً لِلشَّوى}: قلاعة للأطراف. تكشط الجلد عن الوجه والعظم.

قال الواحدي في الوجيز: {نزاعة للشوى} يعني: جلود الرأس تقشرها عنه.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {للشوى}: لأطراف الإنسان كاليدين والرجلين أوجمع شواة وهي جلدة الرأس تنزعها نزعا فتفرقها ثم تعود إلى ما كانت.

قال البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: أي هي شديدة النزع لجلود الرؤوس بليغته فما الظن بغيره من الجلد.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: واعلم أن النار إذا أفنت هذه الأعضاء، فالله تعالى يعيدها مرة أخرى، كما قال: كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب [النساء: ٥٦].

المعنى الاجمالي للآية ، من كتاب (المختصر في التفسير):
﴿نَزّاعَةً لِلشَّوى﴾ [المعارج: 16].
تفصل جلدة الرأس فصلاً شديدًا من شدة حرّها واشتعالها.
........................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-11-09, 07:15 PM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
{إِنَّ هذا أَخي لَهُ تِسعٌ وَتِسعونَ نَعجَةً وَلِيَ نَعجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكفِلنيها وَعَزَّني فِي الخِطابِ} [ص: 23].

*قوله {إِنَّ هذا أَخي}:* يقول: أخي على ديني.
قاله الطبري في تفسيره.

قال القرطبي في تفسيره: {إن هذا أخي}: أي على ديني، وأشار إلى المدعى عليه.

قال البغوي في تفسيره: فقال أحدهما: {إن هذا أخي} أي: على ديني وطريقتي.

قال السعدي في تفسيره: نص على الأخوة في الدين أو النسب أو الصداقة، لاقتضائها عدم البغي، وأن بغيه الصادر منه أعظم من غيره.

قلت (عبدالرحيم): فيه مسألتان:

المسألة الأولى: انظر إلى أدب صاحب الدعوى عندما عرض قضيته بأدب من القول حيث قال: "أخي"، فليتق الله عز وجل أقوام بينهم وبين اخوانهم خصومات، فليتلطفوا في عرضهم، ويتقوا الله في الخصومة عسى أن تكون سببا في رد الحقوق و التآلف بين الناس.

أما السباب والفسوق والعصيان في الخصومات وغيرها لا تزيد الحق إلا ضياعا، والناس إلا فرقة.

هذا ومما لا ريب فيه أنه لا بأس أن ينتصر المسلم لحقه ويسعى في تحصيله، كما قال تعالى {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}، وسيأتي مزيد تفصيل عند تعرضنا لتأويل سورة الشوى (إن شاء الله)، ولكن هذه إشارة، ووصية عسى أن ينفع الله بها.

المسألة الثانية:

قوله تعالى {إنَّ هذا أَخي}: الأخوة في القرآن على ضربين: أخوة دين، وأخوة نسب.

أما عن أخوة الدين:
فعليها المعول في الولاء والبراء، وهي أثبت وأعظم من غيرها، فكل مؤمن بالله فهو أخ لك تجب موالاته، ومودته، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}،

ومن كان كافرا بالله فلا* حظ له من الأخوة وإن كان من أبيك وأمك، وفي ذلك قال تعالى: {لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أولئك كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ}.

وهذا ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم، فكان منهم تجاه أقربائهم المشركين ما هو معلوم. {وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}. بغض النظر عن أن يبر المسلم قريبه الكافر إذا لم يكن محاربا. والتفصيل في موطنه.

وأما عن قوله تعالى {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ} وقوله {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ}، وقوله {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ}: فعني بكل هذا أخوة النسب؛ ولأن كل هؤلاء كذبوا الرسل، كما قال تعالى {كذبت عاد المرسلين}.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: ليس بأخيهم في الدين ولكن أخوهم في النسب.

قال يحيى بن سلام في تفسيره: {إذ قال لهم أخوهم هود}: أخوهم في النسب وليس بأخيهم في الدين.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {وإلى عاد} أي: وأرسلنا إلى عاد {أخاهم هودا} أخوهم في النسب، وليس بأخيهم في الدين.

قال البغوي في تفسيره: أخاهم في النسب لا في الدين.

*قوله {لَهُ تِسعٌ وَتِسعونَ نَعجَةً}:* النعجة: أنثى الغنم. والجمع: نعاج.

*قوله {وَلِيَ نَعجَةٌ واحِدَةٌ}:* فطمع فيها.
قاله السعدي في تفسيره.

*قوله {فَقالَ}:* أخي صاحب النعاج الكثيرة.

*قوله {أَكفِلنيها}:* أي ضُمَّها إليَّ. يعني: إلى نعاجي. وأصل الكفالة: الضم.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن، وابن الهائم في التبيان في غريب القرآن : {فقال أكفلنيها}: أي ضمها إلي واجعلني كافلها.

زاد ابن الهائم: أي الذي يضمها ويلزم نفسه حياطتها والقيام بها.

قال الطبري في تفسيره: وقوله (فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا) يقول: فقال لي: انزل عنها لي وضمها إليّ.

قال السمرقندي في بحر العلوم: أي: ضمها إلي.

قال النحاس في معاني القرآن: ومعنى (أكفلنيها) انزل لي عنها واجعلني كافلها.

قال الواحدي في الوجيز: {فقال أكفلنيها} أي: انزل عنها واجعلني أنا أكلفها.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} ملكنيها وحقيقته اجعلني أكفلها كما أكفل ما تحت يدى.

قلت (عبدالرحيم): وأصل الكفالة: الضم. ومنه قوله تعالى - حكاية عن موسى عليه السلام -: {إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ}: يَكْفُلُهُ: يضمه، فيصلح شأنه.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: ومعنى يكفله: يضمه إليه ويرضعه.

ومنه {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا}: أي ضَمَّها إليه.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن.

قال السمعاني في تفسيره: الكفالة: الضم، يعني: وضمها زكرياء إلى نفسه.

قال الكفوي في الكليات: {كفلها زكريا} : ضمها إليه وحضنها.

قال في طلبة الطلبة: الكفالة الضمان من حد دخل وأصلها الضم ومنه قولهم كفل فلان فلانا إذا ضمه إلى نفسه يمونه ويصونه قال الله تعالى {وكفلها زكريا}.

ومنه {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}: يَكْفُلُ مَرْيَم: يضنها إليه، لأنها كانت بنت خيرهم.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون} فيها أيهم يضمها إليه.

*قوله {وَعَزَّني}:* أي وغلبني.

قال الراغب في المفردات في غريب القران: وعَزَّهُ كذا: غلبه.

قال الفراهيدي في العين: والمُعازَّةُ: المُغالَبة في العِزِّ. وقوله تعالى: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ} أي غلبني.

قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: وعزه يعزه عزا، قهره وغلبه، وفي التنزيل: (وعزني في الخطاب).

قال في معاني كلمات الناس:* العزيز: معناه في كلام العرب: القاهر الغالب. من ذلك قول العرب: قد عز فلان فلانا يعزه عزا: إذا غلبه. قال الله عز وجل: {وعزني في الخطاب} فمعناه: غلبني في الخطاب.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {وَعَزَّنِي}: أي غلبني.
قاله الفراء في معاني القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، والتستري في تفسيره، وابن فورك في تفسيره، وابن كثيري في تفسيره، وابن عطية في المحرر الوجيز، وبيان الحق النيسابوري في باهر البرهان في معانى مشكلات القرآن، وابن الهائم في التبيان.

إلا أن النسفي وابن الهائم قالا: وغلبني.

وزاد ابن قتيبة: في القول. ويقال: صار أعز مني. يقال: عاززته فعززته وعزني.

*قوله {فِي الخِطاب}:* الخِطاب: الكلام، والحوار.

والمعنى: غلبني في الاحتجاج بكلامه، لأنه أقدر على البيان مني. وأصل الخطاب معناه: الكلام.

قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: الخطاب: الكلام بين اثنين.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا}: خِطَابًا: كلاما.

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: {خطابا}: كلاما، وسؤالا إلا بإذنه.

ومنه - حكاية عن داود عليه السلام -: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ}: الْخِطَابِ: الكلام.

قال برهان الدين الخوارزمي في المغرب في ترتيب المعرب: {وفصل الخطاب}: الكلام البين الملخص الذي يتبينه من يخاطب به ولا يلتبس عليه والفاصل بين الحق والباطل والصحيح والفاسد.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وفصل الخطاب: بلاغة الكلام وجمعه للمعنى المقصود بحيث لا يحتاج سامعه إلى زيادة تبيان، ووصف القول ب (الفصل) وصف بالمصدر، أي فاصل. والفاصل: الفارق بين شيئين، وهو ضد الواصل، ويطلق مجازا على ما يميز شيئا عن الاشتباه بضده.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {وَعَزَّني فِي الخِطاب}:* أي غلبني في الكلام.
قاله السمرقندي في بحر العلوم، وابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل.

زاد ابن جزي: والمحاورة يقال: عز فلان فلانا إذا غلبه.

قال البغوي في تفسيره: وعزني، وغلبني، في الخطاب، أي في القول.

قال أبو السعود في تفسيره: أي غلبنِي في مخاطبتِه إيَّاي محاجَّةً بأنْ جاء بحجاجٍ لم أقدرْ على ردِّه ...».


قال الكفوي في الكليات: غلبني في مخاطبته.

قال القاسمي في محاسن التأويل: أي غلبني في المكالمة.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: (وعزني في الخطاب): غلبني في الخصومة، أي كان أقوى على الاحتجاج مني.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

﴿إِنَّ هذا أَخي لَهُ تِسعٌ وَتِسعونَ نَعجَةً وَلِيَ نَعجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكفِلنيها وَعَزَّني فِي الخِطابِ﴾ [ص: 23].
قال أحد الخصمين لداود عليه السلام: إن هذا الرجل أخي، له تسع وتسعون نعجة، ولي نعجة واحدة، فطلب مني أن أعطيه إياها، وغلبني في الحجة.
.........................
كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +*966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-11-12, 11:35 AM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿أَم تَسأَلُهُم أَجرًا فَهُم مِن مَغرَمٍ مُثقَلونَ﴾ [القلم: 46].

*قوله {أَم}:* حرف استفهام.

والاستفهام هنا: للتهكم (1)، والتقريع، أي التوبيخ (2).

قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: [أم]:* حرف * استفهام* يعطف به.

قال صديق حسن خان في فتح البيان في مقاصد القرآن: والاستفهام* للتقريع (3) والتوبيخ* لهم، والمعنى أنك لم تسألهم ذلك ولم تطلبه منهم.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير - عند تأويله لسورة الطور -: والاستفهام المقدر بعد {أم} مستعمل في التهكم بهم بتنزيلهم منزلة من يتوجس خيفة من أن يسألهم الرسول صلى الله عليه وسلم أجراً على إرشادهم .

*قوله {تَسأَلُهُم}: * أي تطلب منهم. يعني: تطلب منهم على* ما تدعوهم إليه من الإيمان بالله، وتبليغ الرسالة.

والسؤال هنا بمعنى: الطلب. ومنه قوله تعالى {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ}: أي طلب طالب واستعجل العذاب، وهو واقع لا محالة.

ومنه {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ}: لِلسَّائِلِينَ: للطالبين الرزق، والقوت.

قال ابن عجيبة في البحر المديد: أي قدر فيها*الأقوات*للط البين*لها والمحتاجين إليها.

قال أبو هلال العسكري في الوجوه والنظائر: وقوله {سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ}: أي عدل لمن يطلب الرزق.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: وإنما قيل (للسائلين) لأن كلا يطلب القوت ويسأله.

قال الجمل في مخطوطته: السؤال:*الطلب.
سؤال: (قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه) "٢٤/ص" أي بطلب نعجتك لتضم إلي نعاجه.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {أم تسألهم} يقول للنبي: أم تسأل المشركين على القرآن.

*قوله {أَجرًا}:* أي مالا.

والمعنى: أم تطلب من هؤلاء المشركين على القرآن، وتبليغ الرسالة مالا دنيويا؟!، بل أنت المنفق في دعوتك من أجل إسلامهم.

قال القرطبي في تفسيره:* {أَجْرًا} على تبليغ الرسالة.

قال الألوسي في روح المعاني: (أم تسألهم) على الإبلاغ والإرشاد أجرا دنيويا.

قال السعدي في تفسيره:*ليس الأمر كذلك، بل أنت الحريص على تعليمهم، تبرعا من غير شيء، بل تبذل لهم الأموال الجزيلة، على قبول رسالتك، والاستجابة لأمرك ودعوتك، وتعطي المؤلفة قلوبهم ليتمكن العلم والإيمان من قلوبهم.

قلت (عبدالرحيم): فيه مسألتان:

*المسألة الاولى: *

قوله تعالى {أَم تَسأَلُهُم أَجرًا}: يريد: أسبب إعراضهم عنك أنك تطلب منهم مالا على دعوتك إياهم؟، يعني: لم تسألهم مالا على القرآن وتبليغ الرسالة ليعرضوا عنك، بل أنت المنفق من وسعك ليهتدوا.

بل لو أثقلهم المغرم ليفتدوا من عذاب الجحيم لكان خيرا لهم وربحا عظيما، فكيف وأنت لم تطلب منه شيئا من ذلك؟!. قال تعالى {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ}: أي إن سألتكم أجرا على الإيمان بي فإنه يعود عليكم أنتم وحدكم، أما أنا فأجري علي ربي.

بل وسيأتيهم يوم يعرضون فيه على النار ويودون لو افتدوا أنفسهم من عذابها بأموالهم، وما في الأرض ما نفعهم، وما تقبل منهم، كما قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

ولن يجدوا جزاء لدعوتك ولو جمعوا لك الدنيا وما فيها؛ فأنت تدعوهم السعادة الأبدية، إلى الخلود الأبدي في الجنان، وهم يريدون الشقوة والخلود في الجحيم.

وكذا يا محمد - صلى الله عليه وسلم - عادةُ الرسلِ قبلك يُبلِّغون ويَبْذُلُون النصح بلا مقابل، فلم يطلب أحد قط*ممن أرسلت قبلك أجرا على دعوته، وأخبروا أممهم وصرحوا به، حتى عُلم ذلك منهم، قال تعالى (اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ): يعني لا يسألوكم مالا على نصحه لكم.

قال ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح: وأمره أن لا يأخذ منهم على ذلك أجرا ولا شيئا من متاع الدنيا بقوله تعالى: {قل ما أسألكم عليه من أجر} وكذلك سائر الرسل في كتاب الله كلهم يقول: لا أسألكم عليه مالا ولا أجرا إن أجري إلا على الله وهو الجنة.

قلت (عبدالرحيم): وفيه دليل أن مدعي النبوة أرادوا المال والدنيا بدعوتهم الكفرية، فأثروا الدنيا على الآخرة، وفي غير ما آية يأمر الله نبيه التصريح* بأنه لا يريد عوضا عن دعوته إياهم، قال تعالى {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِي نَ}: وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِي ن: أي لست من المتصنعين بما ليس فيه، حتى أتصنع وأدعي النبوة بالباطل.

قال أبو السعود في تفسيره، وجماعة من أهل التأويل: (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِي ن): أي المتصنعين مما ليسوا من أهله حتى أنتحل النبوة وأتقول القرآن.

قال ابن كثير في تفسيره: {وما أنا من المتكلفين} أي: وما أزيد على ما أرسلني الله به، ولا أبتغي زيادة عليه بل ما أمرت به أديته لا أزيد عليه ولا أنقص منه وإنما أبتغي بذلك وجه الله عز وجل والدار الآخرة.

*المسألة الثانية:*

قوله تعالى {أَم تَسأَلُهُم أَجرًا}: الأجر هنا: المال. وقد جاء التصريح به في غير ما آية، كما في قوله تعالى على لسان هود - عليه السلام - (وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ): قال الطبري في تفسيره:* ومعنى الكلام: ويا قوم لا أسألكم عليه أجرا.

ومنه {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ}: أي أجرة على إبلاغك إياهم رسالة الله؟ أي : لست تسألهم على ذلك شيئا.
قاله ابن كثير في تفسيره.

ونظير ذلك في كتاب الله كثير، من ذلك قوله تعالى {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}: أي مالا يخرجونه إليك.
قاله أبو علي الفارسي في الحجة للقراء السبعة.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: هذا توبيخ لهم كأنه قال: أم سألتهم مالا فقلقوا بذلك*واستثقلوا*م ن*أجله.

ومنه {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا}: ومن جملة اقتداءك بهم أنك لا تسأل على دعوتك أجرا، وأعلِم الناس بذلك.

قال الواحدي في الوجيز: {أَجْرًا}: مالا تعطونيه.

ومنه (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى): لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا: أي مالا.
قاله السمعاني في تفسيره.

ومنه {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا}: أي لا أطلب مالا ولا نفعا يختص بي.
قاله ابن عطية في المحرر الوجيز.

*قوله {فَهُم}:* لأجل ذلك.
قاله الألوسي في روح المعاني.

*قوله {مِن}:* تعليلية. أي: للتعليل. بمعنى: من أجل.

ومنه قوله {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَة ُ مِنْ خِيفَتِهِ}: مِنْ خِيفَتِهِ: يعني يسبحون من أجل خيفته وهيبته.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ومن للتعليل، أي ينزهون الله لأجل الخوف منه، أي الخوف مما لا يرضى به وهو التقصير في تنزيهه.

ومنه قوله تعالى {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله}: أي من أجل خشية الله.

قال أبو حيان في البحر المحيط: فكان المعنى: لمايهبط*من*أجل*أ يحصل لعباد*الله*تعالى .

قال السمين الحلبي في الدر المصون، وسراج الدين النعماني في اللباب: قوله {مِنْ خَشْيَةِ الله}: منصوب المحل متعلق ب «يهبط». و «من» للتعليل.

ومنه قوله تعالى {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ}: أي يحسبهم الجاهل بحالهم أغنياء من أجل تعففهم الشديد.

قال البسيلي فس التقييد المبير: و(مِنَ) للتعليل، وهي متعلقة ب(يحسب).

ومنه {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ}: مِنْ يَوْمِهِمُ: من للتعليل، أي من أجل يومهم.
قاله الهرري في حدائق الروح والريحان فس روابي علوم القرآن.

انتهى

فقوله تعالى {مِن مغرم}: يعني: من أجل مغرم.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: و {مِن} للتعليل، أي مثقلون من أجل مغرم حُمل عليهم.

*قوله {مَغرَمٍ}:* أي غرم. يعني: غرامة مالية.

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين، وأبو علي القالي في البارع في اللغة العربية: والمغرم: الغُرم.

إلا أن القالي قال: والمغرم: هو الغُرم.

قال ابن فارس في مجمل اللغة: والمغرم: الثقل ديناً.

قال النحاس في إعراب القرآن: مغرم: مصدر أي أم تسألهم مالا فهم من أن يغرموا شيئا {مثقلون} أي يثقل ذلك عليهم.

قال ابن الجوزي في تذكرة الأريب بما في القرآن من الغريب: {من مغرم} أي غرم. والمعنى هل سألتهم أجرا فأثقلهم ذلك؟.

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن. {مَغرَمٍ}: غرامة تلك الأجرة.

قال أبو موسى المديني في المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث: أي غرم، وهو ما يلزم الإنسان نفسه، أو يلزمه غيره، وليس بواجب.

*قوله {مُثقَلون}:* يعني: من أجل هذا المغرم مثقلون. أي محملون حملا ثقيلا، ثقل عليهم آدائه.

قال الكفوي في الكليات: {مُثقَلون}: محملون الثقل.

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: {مُثقَلون}: مكلفون حملا ثقيلا.

قال السمرقندي في بحر العلوم {فهم من مغرم مثقلون}: يعني: من أجل المغرم، يمتنعون عن الإيمان. يعني: لا حجة لهم في الامتناع، لأنك لا تسأل منهم أجرا، فيثقل عليهم لأجل الأجر.

قال البغوي في تفسيره:* (فهم من مغرم مثقلون) أثقلهم ذلك المغرم الذي تسألهم ، فمنعهم من ذلك عن الإسلام .

قال الألوسي في روح المعاني: (فهم من مغرم مثقلون) مكلفون حملا ثقيلا فيعرضون عنك.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {فَهُم مِن مَغرَمٍ مُثقَلون}: فيه مسألتان:

المسألة الأولى:

قوله تعالى {مُثقَلون}: المثقل: من تحمل ثقيلا. ومنه أثقلته الديون، وأثقلته الشيخوخة: أفقدته الخفة(4)، وامرأة مثقل: ثقلت من حملها، ومنه قوله تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}: فَلَمَّا أَثْقَلَتْ: أي صارت ذات ثقل لأجل الحمل، وكبر الولد في بطنها.

قال السمين الحلبي في الدر المصون: قوله {أَثْقَلَتْ}: أي صارت ذا ثقل.

ومنه {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}: يقول تعالى: وإن تسأل*ذات*ثقل*من الذنوب من يحمل عنها ذنوبها، وتطلب ذلك لم تجد من يحمل عنها شيئا منها، ولو كان الذي*سألته ذا قرابة من أب أو أخ.
قاله الطبري في تفسيره.

المسألة الثانية:

قوله {فَهُم مِن مَغرَمٍ مُثقَلون}: يريد: لم تطلب منهم مالا مقابل دعوتك، ليثقل عليهم، فالواقع ليس كذلك، فأنت تطلب منهم يسيرا هينا، أن يؤمنوا بالله فحسب، وأي شيء عليهم لو فعلوا ذلك {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ}.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: قوله {وماذا*عليهم} المعنى: أي شيء*عليهم؟.
*
قال السيوطي في الجلالين: أي أي ضرر*عليهم*في ذلك والاستفهام للإنكار ولو*مصدرية أي لا ضرر فيه وإنما الضرر فيما هم عليه.

قلت (عبدالرحيم): وفي الصحيحين من حديث أنس، مرفوعا، أن الله يقول لأهون أهل النار عذابا: لو أن لك ما في*الأرض من شيء، كنت تفتدي به قال: نعم قال: لقد سألتك ما هو أهون من هذا، وأنت في صلب آدم، أن لا تشرك بي،*فأبيت*إلا*ال رك.

انتهى

المعنى الإجمالي للآية:

﴿أَم تَسأَلُهُم أَجرًا فَهُم مِن مَغرَمٍ مُثقَلونَ﴾ [القلم: 46].

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أتسأل يا محمد هؤلاء المشركين بالله على ما أتيتهم به من النصيحة، ودعوتهم إليه من الحقّ، ثوابا وجزاء (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ) يعني: من غرم ذلك الأجر مثقلون، قد أثقلهم القيام بأدائه، فتحاموا لذلك قبول نصيحتك، وتجنبوا لعظم ما أصابهم من ثقل الغرم الذي سألتهم على ذلك الدخول في الذي دعوتهم إليه من الدين.
قاله الطبري في تفسيره.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: (أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون): المعنى أن الحجة واجبة عليهم من كل جهة، لأنك أتيتهم بالبيان والبرهان ولم تسألهم على ذلك أجرا.

قال السعدي في تفسيره: {أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون} أي: ليس لنفورهم عنك، وعدم تصديقهم لما جئت به، سبب يوجب لهم ذلك، فإنك تعلمهم، وتدعوهم إلى الله، لمحض مصلحتهم، من غير أن تطلبهم من أموالهم مغرما يثقل عليهم.
..................
(1): قال في الفائق في غريب الحديث: التهكم: الاستهزاء والاستخفاف.

قال الحميري في شمس العلوم: والتهكم: التهزؤ.

(2): قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: وبخ:*التَّوبيخ: الملامةُ، وَبَّخُتُه بسوء فعله.

قال في التوقيف على مهمات التعاريف: التوبيخ: اللوم الشديد العنيف وقيل التقريع على جهة الزجر.

(3): قال الحميري في شمس العلوم: [التقريع]:*قرعه، أي وبخه وعنفه.

قال الرازي في مختار الصحاح: و (التقريع) التعنيف.*
*
(4): أنظر: معجم اللغة العربية المعاصرة.
...................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-11-14, 12:00 PM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿بَل تُؤثِرونَ الحَياةَ الدُّنيا﴾ [الأعلى: 16].

*قوله {تُؤْثِرُونَ}:* أي تختارون، وتفضلون، وتقدمون، وتخصون.

يعني: تخصون الحياة الفانية، وتقدمونها على الباقية الدائمة، والأحرى أن تختاروا ما يبقى. لذا قال بعدها: {وَالآخِرَةُ خَيرٌ وَأَبقى}: أي أدوم من الدنيا. وتصديقه قوله تعالى {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}: الْحَيَوَانُ (1): بمعنى الحياة، أي الحياة الحقيقية، الدائمة، الباقية التي لا تزول.

وأصل الإيثار: التفضيل، وهو أن تفضل، وتختار، وتقدم، وتخص نفساً دون أخرى. تقول: آثرت فلانا إيثارا: أي فضلته، واخترته، وقدمته على غيره، وجعلته أحق من غيره.

قال الدَّمِيري في شرح لامية العجم: آثرت فلانا على نفسي: اخترته.

قال الزبيدي في تاج العروس: وآثَرَ: اخْتارَ: وفَضَّلَ، وقَدَّمَ.

قال الأزدي في جمهرة اللغة: وآثرتُ فلَانا بِكَذَا وَكَذَا أُوثره إيثاراً، إِذا فضّلته، فَهُوَ موثَر وَأَنا موثِر.

قال أبو سهل الهروي في إسفار الفصيح: "وآثرت فلانا عليك " بالمد، ووزنه أفعلت، "فأنا أوثره إيثارا" : أي فضلته وقدمته واخترته.

قال ابن منظور في اللسان: وأَثِرَ أَن يَفْعَلَ كَذَا أَثَراً وأَثَر وآثَرَ، كُلُّهُ: فَضّل وقَدّم. وآثَرْتُ فُلَانًا عَلَى نَفْسِي: مِنَ الإِيثار. الأَصمعي: آثَرْتُك إِيثاراً أَي فَضَّلْتُك.


قال النحاس في معاني القرآن: يقال: لفلان عندي أثرة أو أثرة أي شئ أخصه به، ومنه آثرت فلانا على فلان.

قال الواحدي في البسيط: واستأثر فلان بكذا، إذا اختص به دون غيره.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: ويستعار الأثر للفضل، والإيثار للتفضل.

وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: آثر الشَّيءَ: فَضَّله واختاره "آثر البقاءَ بجوار والديه- {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} ".

انتهى


فمعنى قوله تعالى { تُؤْثِرُونَ}: تختارون.
قاله مقاتل بن سليمان في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم، والواحدي في الوجيز، والسمعاني في تفسيره، والإيجي الشافعي في جامع البيان، وغيرهم.

إلا أن السمرقندي قال: يعني: تختارون عمل الدنيا على عمل الآخرة.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ}: آثَرَكَ اللَّهُ: أي اختارك، وفضلك علينا.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره، والجرجاني في درج الدرر، والبغوي في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، وابن الجوزي في زاد المسير، وغيرهم: {تالله لقد آثرك الله علينا} أي: اختارك.

إلا أن البغوي قال: أي واختارك الله وفضلك علينا.

وزاد ابن الجوزي: *علينا بحسن الصورة وكمال السيرة.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن، والسمين الحلبي في عمدة الحفاظ، وأبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: {آثرك}: فضلك.

إلا أن أبا بكر قال: فضلك الله علينا.

قال الطبري في تفسيره: يقول جل ثناؤه: قال إخوة يوسف له: تالله لقد فضلك الله علينا، وآثرك بالعلم والحلم والفضل.

ومنه {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ}: لن نختارك، ولن نفضلك على ما جاءنا من عند الله، فاصنع ما أنت صانع.

قال ابن الجوزي في زاد المسير، والقرطبي في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، والكفوي في الكليات، وغيرهم: {قالوا لن*نؤثرك}*أي: لن*نختارك.

قال الواحدي في البسيط: قوله تعالى: {قالوا لن*نؤثرك} أي: لن نفضلك*ولن*نختارك .

قال السمرقندي في بحر العلوم: قوله: {قالوا لن*نؤثرك}، أي: لن نختار عبادتك وطاعتك ولن نتبع دينك على ما جاءنا من البينات، يعني: على دين الله بعد ما جاءنا من العلامات والذي فطرنا، يعني: ولا عبادتك على عبادة الذي خلقنا.


ومنه {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}: أي يفضلون ويختارون حاجة اخوانهم على أنفسهم.

قال الواحدي في الوجيز: {ويؤثرون على أنفسهم} أَي: يختارون إخوانهم المهاجرين بالمال على أنفسهم.

قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {ويؤثرون على أنفسهم} أي: يقدمون المهاجرين على أنفسهم.

قال السمين الخلبي في عمدة الحفاظ: أي يفضِّلون غيرَهُم على أنفسهم.

ومنه ما رواه الشيخان، من حديث أسيد بن حضير مرفوعا: (سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ): أي ستجدون بعدي من يفضل نفسه، وغيره عليكم في الدنيا، وأنت أحق وأولى بكل خير. يقول ذلك لأصحابه الانصار- رضي الله عنهم -.

قال الحميدي في تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم: "أثرة" استئثارا عليكم وتفضيلا يفضل به غيركم من أراد من الفيء وأموال الله والأثرة اسم من اثر يؤثر إيثارا واستأثر الله بالبقاء أي انفرد به ويقال أثرة وإثر نحو بدرة وبدر.

قال عياض اليحصبي السبتي في مشارق الأنوار على صحاح الآثار: قال الأزهري وهو الاستيثار أي يستأثر عليكم بأمور الدنيا ويفضل غيركم عليكم نفسه ولا يجعل لكم في الأمر نصيب.

قال الفَتَّنِي الكجراتي في مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار: ستلقون بعدي "أثرة"- بفتحتين اسم من أثر يؤثر إيثاراً إذا أعطى- أراد أنه يستأثر عليكم فيفضل غيركم في نصيبه من الفيء.
......................
(1): قوله تعالى {لَهِيَ الْحَيَوَان}: أي الحياة الدائمة الباقية.
قاله البغوي في تفسيره.

قال أبو بكر السجستاني، والواحدي في الوجيز، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، وابن الهائم في التبيان في غريب القرآن: {لَهِيَ الْحَيَوَان}: أي الحياة.

زاد الواحدي: الدائمة.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: معناه: هي دار الحياة الدائمة.
...................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-11-21, 10:29 AM
كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

قوله تعالى
﴿وَأَنّا لَمّا سَمِعنَا الهُدى آمَنّا بِهِ فَمَن يُؤمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخسًا وَلا رَهَقًا﴾ [الجن: 13].

قوله {وَأَنّا لَمّا سَمِعنَا}: يعني الجن.

قوله {الهُدى}: القرآن.
قاله البغوي في تفسيره، والماوردي في النكت والعيون، والسمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، والجلال المحلي في الجلالين، وغيرهم.

إلا أن الماوردي قال: {وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به}: يعني القرآن سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا به وصدقوه على رسالته، وقد كان رسول الله مبعوثا إلى الجن والإنس.

قوله {فَلا يَخافُ بَخسًا}: بَخسًا: أي نقصانا.

قال الخطابي في غريب الحديث: وأصل البخس: النقص.

قال بطال في النظم المستعذب، وابن فارس في مجمل اللغة: البخس: النقصان.

زاد بطال: بخسه فى البيع: إذا نقصه.

قلت (عبدالرحيم): فيه مسألتان:

المسألة الأولى:

قوله تعالى {فَمَن يُؤمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخسًا}: أي نقصا.

والمعنى: لا يخاف أن يُنْقِصَ اللهُ من أجره وحسناته شيئا، ولو كان طفيفا يسيرا، وذلك يوم القيامة، بل يضاعف الأجر والمثوبة فكيف ينقص من حسناته شيئا، وتصديقه قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}.

وقوله {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}: فلا ظلم ولو كان قدر نقطة في ظهر نواة. والنقير: النقطة في ظهر النواة.

ونبه على عدم البخس يوم الحساب الجزاء، لاشاعته في الدنيا. فكم ممن استوفى ولم يوف. كم ممن استوفى من أجير بعد كده وجهده ثم بخسه، أي نقصه في الأجر، ولا يخفى أن الله أنزل في المطففين ما أنزل.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: والباخس: الشيء الطفيف الناقص.

المسألة الثانية:

قوله تعالى {فَمَن يُؤمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخسًا}: أي نقصا. ومنه قوله تعالى {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ}: بخس: ناقص.
قاله ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل، والسيوطي المحلي في الجلالين، ومجير الدين العليمي في تفسيره.

زاد ابن جزي: عن قيمته.

وزاد العليمي: عن القيمة.

قال الحوفي في البرهان في علوم القرآن: باعوه بدراهم غير موزونة، ناقصة غير وافية لزهدهم كان فيه.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {بثمن بخس} مبخوس ناقص عن القيمة نقصانا ظاهرا أو زيف.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: وقوله تعالى: {وشروه بثمن بخس} قيل: معناه: باخس، أي: ناقص، وقيل: مبخوس أي: منقوص، ويقال: تباخسوا أي: تناقصوا وتغابنوا فبخس بعضهم بعضا.

ومنه {فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا}: وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا: أي ولا ينقص من الحق شيئا ولو طفيفا يسيرا.

فقوله {وَلَا يَبْخَسْ}: أي ولا ينقص.
قاله الهروي في الغريبين في القرآن والحديث، والماوردي في النكت والعيون.

إلا أن الماوردي قال: أي لا ينقص منه شيئا.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: أي: لا ينقص من حق الطالب.

قال الواحدي في الوجيز: وقوله: {ولا يبخس منه شيئا} البخس: النقصان، يقال: بخسه حقه. أي: نقصه، أمر من عليه الحق أن يقر بمبلغ المال الذي عليه ولا ينقص شيئا.

ومنه {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ}: أي ولا تنقصوا الناس أشياءهم، يعني: الذي لهم، وكانوا أصحاب تطفيف ونقص في الميزان.
قاله يحيى بن سلام في تفسيره.

ومنه {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ}: {وهم فيها لا يبخسون} أي: لا ينقصون.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {فَلا يَخافُ بَخسًا}: بَخسًا: أي: نقصا.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن الهائم في التبيان في غريب القرآن، والواحدي في الوجيز.

إلا أن ابن قتيبة قال: أي نقصا من الثواب.

قال الفراء في معاني القرآن: ينقص من ثواب عمله.

قوله {وَلا}: يخاف.

قوله {رَهَقًا}: أي ظلما.

والمعنى: ولا يخاف نقصانا من حسناته، ولا يخاف زيادة في سيئاته؛ بل المغفرة والتجاوز من الله الكريم.

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين، الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم : والرهق: الظلم.

زاد الخليل: وهو قوله: فلا يخاف بخسا ولا رهقا.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {رَهَقًا}: أي: ظلما.
قاله الفراء في معاني القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وابن أبي زمنين في تفسيره، وغيرهم، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، والسمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ، وغيرهم.

زاد ابن قتيبة: وأصل "الرهق": ما رهق الإنسان من عيب أو ظلم.

قال الواحدي في الوجيز: والمعنى: لا نخاف أن ينقص من حسناته ولا أن يزاد في سيئاته.

قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا} أي: نقصانا من حسناته ولا زيادة في سيئاته.

قال الطبري في تفسيره: {فلا يخاف بخسا}: يقول: لا يخاف أن ينقص من حسناته، فلا يجازى عليها؛ {ولا رهقا}: ولا إثما يحمل عليه من سيئات غيره، أو سيئة لم يعملها.

قال السمرقندي في بحر العلوم: {فلا يخاف بخسا} يعني: نقصانا من ثواب عمله، {ولا رهقا} يعني: ذهاب عمله. وهذا كقوله تعالى (فلا يخاف ظلما ولا هضما).

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {فلا يخاف بخسا} يعني: أن ينقص من عمله {ولا رهقا} ظلما أن يزاد عليه ما لم يعمل.

قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: {ولا رهقا}: ولا ظلما يلحقه بزيادة في سيئاته.

وفي كتاب اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري: (فلا يخاف بخسا ولا رهقا) بخسا: نقصا. رهقا: ظلما، بلغة قريش.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

﴿وَأَنّا لَمّا سَمِعنَا الهُدى آمَنّا بِهِ فَمَن يُؤمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخسًا وَلا رَهَقًا﴾ [الجن: 13].
وأنَّا لما سمعنا القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم آمنّا به، فمن يؤمن بربه فلا يخاف نقصًا لحسناته، ولا إثمًا يضاف إلى آثامه السابقة.
....................

كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2017-11-28, 03:02 PM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿فَاصبِر لِحُكمِ رَبِّكَ وَلا تَكُن كَصاحِبِ الحوتِ إِذ نادى وَهُوَ مَكظومٌ﴾ [القلم: 48].
ض
*قوله {فَاصبِر}:* أي فاحبس نفسك.

يعني: فاحبسها عن الغضب، والعجلة، والضجر أي ضيف النفس، والتبرم؛ عند تبلغك دين الله. أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالصبر على قومه، وأمره أن يصبر على امهال الله لهم، فإنه لحكمة عظيمة أمهلهم. وكما في قوله {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ}: أي ولا تستعجل لهم العذاب.

وأصل الصبر: الحبس. ومنه: قُتلَ صبرا: أي قتل حبسا. يعني: محبوسا. ومنه ما رواه الشيخان من حديث أنس، قَالَ: نَهى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ.

قال في أعلام الحديث: قوله: تُصْبَر: تُحبس على القتل. وأصل الصَّبر الحبس.

قال النووي في شرحه لمسلم: قال العلماء صبر البهائم أن تحبس وهي حية لتقتل بالرمي ونحوه.

قال ابن حجر في الفتح: قوله «أن تصبر» بضم أوله أي تحبس لترمى حتى تموت.

قال أبو عبيد في غريب الحديث: وأصل الصبر: الحبس، وكل من حبس شيئا، فقد صبره. والمصبورة التي نهي عنها في الحديث: (هي) المحبوسة على الموت.

قال الكفوي في الكليات: الصبر: الحبس، صبر عنه يصبره: حبسه.

قلت (عبدالرحيم): ومنه ما رواه الشيخان، من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، مرفوعا: مَنْ حَلَفَ*يَمينٍ*صَ بْرٍ*لِيَقْتَطِ َ بِها مَالَ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبانُ...».

قال الخطابي في معالم السنن: اليمين المصبورة هي اللازمة لصاحبها من جهة الحكم فيصبر من أجلها أي يحبس وهي يمين الصبر، وأصل الصبر الحبس، ومن هذا قولهم قتل فلان صبرا ً، أي حبساً على القتل وقهراً عليه.

*قوله {لِحُكمِ رَبِّكَ}:* لقضاء ربك. ونظيرتها قوله تعالى {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا}: أي فاصبر لقضاء ربك. وأصل الحكم: القضاء.

قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم،والرازي في مختار الصحاح: الحكم القضاء.

زاد ابن سيده: وجمعه أحكام.

قال الجرجاني في درج الدرر: والحاكم الذي يمنع الخصمين بقضائه عن التعدي. والحكم القضاء الحتم.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى (قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ): يقول: فاقض بيننا بالعدل.
قاله الطبري في تفسيره.

ومنه (إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ) : يقضى ما يشاء.
قاله الفراء في معاني القرآن.

ومنه (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ): وإذا حكمتم بين الناس: قضيتم.
قاله النسفي في مدارك التنزيل، والخطيب الشربيني في السراج المنير.

إلا أن الخطيب قال: أي: قضيتم بين من ينفذ عليه أمركم أو يرضى بحكمكم.

قال الطبري في تفسيره: إن الله يقضي في خلقه ما يشاء من تحليل ما أراد تحليله، وتحريم ما أراد تحريمه، وإيجاب ما شاء.

ومنه (مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ): تَحْكُمُونَ: تقضون.

قال السمرقندي في بحر العلوم: ما لكم كيف تحكمون يعني: ويحكم كيف تقضون بالجور؟.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {فاصبر لحكم ربك}: أي لقضاء ربك.
قاله القرطبي في تفسيره، والبغوي في تفسيره.

إلا أن البغوي قال: اصبر على أذاهم لقضاء ربك.

وزاد القرطبي: والحكم هنا القضاء.

قال الطبري في تفسيره: فاصبر يا محمد لقضاء ربك وحكمه فيك، وفي هؤلاء المشركين بما أتيتهم به من هذا القرآن، وهذا الدين، وامض لما أمرك به ربك، ولا يثنيك عن تبليغ ما أمرت بتبليغه تكذيبهم إياك وأذاهم لك.

*قوله {وَلا تَكُن}:* في الضجر والعجلة.
قاله البغوي في تفسيره.

*قوله {كَصاحِبِ الحوتِ}:* وصاحب النون. يريد: نبي الله يونس بن متى. وقد صح الخبر في تسميته - عليه السلام -.

والمعنى لا تكن مثله حين ذهب مغاضبا على قومه، كما قال {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.

فقوله {كَصاحِبِ الحوت}: يريد: فاصبر على إيذاء قومك، ولا تعجل كما عجل، ولا تغضب كما غضب، ولا تعرض عما أوكل إليك من التبليغ؛ فينالك منا كما نيل منه - عليه السلام - لما حبس في بطن الحوت.

وهذا كله برهان بيّن أن هذا القرآن من عند الله، وما تقوَّلَه محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإن السامع إذا تدبر آي القرآن وجد سلطان الله على نبيه في الحديث، خطاب الملك - جل شأنه - للملوك، والنصوص في ذلك كثيرة جدا، من ذلك قوله تعالى {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)} (الحاقة: 69).

وقوله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}، نزلت هذه الآية لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: كيف يفلح قوم شجوا نبيهم...» شطر من حديث رواه مسلم (1791)، من حديث أنس رضي الله عنه.

وقوله {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ}.

وقوله {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

وقوله {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ}.

وقوله {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}.

وسيأتي تأويل هذه الآيات في موضعها، لاحقا (إن شاء الله).

انتهى

فمعنى قوله تعالى {كَصاحِبِ الحوتِ}: يعني يونس عليه السلام. أي لا تكن مثله في الغضب، والضجر، والعجلة.
قاله القرطبي في تفسيره.

قال ابن الجوزي في تذكرة الاريب: {ولا تكن كصاحب الحوت} في عجلته وغضبه.

قال الطبري في تفسيره: وقوله: (وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ) الذي حبسه في بطنه، وهو يونس بن مَتَّى صلى الله عليه وسلم فيعاقبك ربك على تركك تبليغ ذلك، كما عاقبه فحبسه في بطنه.

قال الفراء في معاني القرآن: وقوله: {وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ } كيونس صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: لا تضجر بهم كما ضجر يونس حتَّى هرب من أصحابه فألقى نفسه فِي البحر حتَّى التقمه الحوت.

قال النحاس في اعراب القران: ولا تكن كصاحب الحوت في ما عمله من خروجه عن قومه، وغمه بتأخر العذاب عنهم.

لطيفة:

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى {وَلا تَكُن كَصاحِبِ الحوتِ}: كلمة الحوتِ: يراد به جنس السمك مطلقا. وليس معناه: الدابة العظيمة التي تكون في البحر فحسب، مثل حوت العنبر - مثلا -، ففي الصحيحين من حديث أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم: قَامَ مُوسى النَّبِيُّ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ فَعَتَبَ اللهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ فَأَوْحى اللهُ إِلَيْهِ أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ بِهِ فَقِيلَ لَهُ: احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ، فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهُوَ ثَمَّ ..." فالشاهد قوله (خذ حوتا في مكتل): أي سمكة في قفه فلا يتصور أن الله يأمره بأخذ هذا الحوت العظيم في مكتل!. والمكتل من القفة أو أكبر، وهي التي تكون من خوض، مثل المِشن.

قال أبو عمرو الشيباني في الجيم: وقال العذري: القُفَّة: الزبيل الذي ليس بعظم، والمِكْتَلُ أكبر منه، والعرَق أكبر من المِكْتَل.

قال في شرح ألفاظ المدونة: المكاتل: جمع مِكْتَل بكسر الميم ووقف الكاف - وهو ضرب من القفف يُكْتل فيها الطين والتراب أي يجمعان فيها.

قال القاضي عياض في إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم: وقوله: " فحمل حوتاً فى مكتل ": المكتل، بكسر الميم: الزنبيل وهى القفة.

انتهى

فالحوت اذا اطلق فالمراد به جنس السمك. ومن ذلك قوله تعالى {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ}: قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: حيتان - جمع حوتٍ، وَأكْثرُ ما تسَمًي العربُ السمَك الْحِيتَانَ والنينان.

*قوله {إِذ}:* منصوب*بمضاف*محذو ف، أي: ولا يكن حالك كحاله، أو قصتك كقصته في وقت ندائه، ويدل على المحذوف أن الذوات لا ينصب عليها النهي على أحوالها، وصفاتها.
قاله سراج الدين النعماني في اللباب.

*قوله {نادى}:**أي دعا ربه في بطن الحوت. وأصل النداء: الدعاء.

وتصديقه {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين}: قال يحيى بن سلام في التصاريف: في ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت.

فمعنى قوله تعالى {إِذ نادى}: دعا ربه.
قاله الجلال المحلي في الجلالين.

قال النسفي في مدارك التنزيل، والقاسمي في محاسن التأويل: {إِذ نادى}: دعا ربه في بطن الحوت.

زاد النسفي: بلا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.

قلت (عبدالرحيم): وأصل النداء: الدعاء. ومنه قوله تعالى {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ}: وَلَقَدْ نَادَانَا نُوح: أي دعانا نوح.
قاله ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: أي دعانا بأن ننقذه من الغرق.

قال ابن فورك في تفسيره: النداء: الدعاء بطريقة يا فلان.

ومنه - مخبرا عن زكريا عليه السلام -: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا}: إِذْ نَادَى: دعا ربه، في محرابه، نِدَاءً خَفِيًّا: دعا سرا من قومه في جوف الليل.
قاله البغوي في تفسيره.

ومنه {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}: أي دعا ربه.
قاله السمرقندي في بحر العلوم، والبغوي في تفسيره، والواحدي في الوسيط.

*قوله {وَهُوَ}:* يعني يونس - عليه السلام -.

*قوله {مَكظوم}:* مَكظوم: أي مملوء. وأصله من كظمت القربة، أي ملأتها.

قال الزبيدي في التاج: وكظم القربة: ملأها وسد فاها.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {وَهُوَ مَكظوم}: يعني: مملوء؛ ملئ قلبه غما، وحزنا، وذلك من عظيم الكرب. وتصديقه قوله تعالى {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ}.

قال سراج الدين النعماني في اللباب: وقوله: {وهو مكظوم} . جملة حالية من الضمير في «نادى». والمكظوم: الممتلىء حزنا وغيظا، ومنه كظم السقاء إذا ملأه.

قال الحميري في شمس العلوم: والمكظوم: المكروب.

قال ابن الجوزي في تذكرة الاريب: والمكظوم المملوء غما وكربا.

قال الزجاج في معاني القران: (إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ): أي مملوء غَمًّا وكرباً.

قال الطبري في تفسره: {إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} يقول: إذ نادى وهو مغموم، قد أثقله الغمّ وكظمه.

قال مكي في الهداية الى بلوغ النهاية: واذكر {إذ نادى وهو مكظوم} أي: إذ نادى ربه من بطن الحوت وهو مغموم لا يجد من يتفرج إليه.

قال القصاب في النكت: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} دليل على أن في أحكام الله على عباده محيرًا، تنبو عنه النفوس، ولا تهش لها العقول، فيحتاج النبي صلى الله عليه وسلم، في جلالته، ومعرفته، بالله -
جل جلاله - أن يصبر عليها، ويحمل نفسه على تجرع مرارتها، ولا يستبطىء النصرعلى أعدائه، فتضيق نفسُه من ذلك.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: فاصبر على الأذى لحكم ربك يعني لقضاء ربك والذي هو آت عليك ولا تكن كصاحب الحوت يعني يونس بن متى من أهل نينوي- عليه السلام- يقول لا تضجر كما ضجر يونس فإنه لم يصبر، يقول لا تعجل كما عجل يونس، ولا تغاضب كما غاضب يونس بن متى فتعاقب كما عوقب يونس إذ نادى ربه في بطن الحوت وكان نداؤه في سورة الأنبياء {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}.

قلت (عبدالرحيم): في هذه الآية من الأمر بالصبر على الدعوة خاصة، والصبر على قضاء الله وقدره عامة، فمن ابتلي بشيء فليصبر، وليفوض الأمر إلى الله، سيما إن بذل الأسباب، وعجز عن ادراك المراد.

وهذه الآية وإن كانت خطابا للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، إلا أن فيها عتاب من الله لنبيه يونس - عليه السلام -؛ على ما كان منه تجاه قومه، ولكن لا ضير فإن الله الذي يعاتبه هو الذي اصطفاه نبيا رسولا. وقد اجتباه ربه وتاب عليه، كما فعل من قبل مع أبيه آدم عليه السلام، {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}. وفيه: أن الله تعالى برحمته يدرك أولياءه بعد الزلل، فليبادر العبد بالتوبة بعد الزلة.

وكذلك يجب الإيمان بأن الأنبياء جميعا منزلهم واحدة من حيث الخيرية، فهم أكمل الخلق كلهم. وفي الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لاَ يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى.

وفي البخاري منفردا (4805)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ قَالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَقَدْ كَذَبَ "

قال ابن الجوزي في كشف المشكل من حديث الصحيحين: وقوله: " ما ينبغي لأحد أن يكون خيرا " أي ما ينبغي لي أن أقول إني خير، والخيرية هاهنا القوة في الصبر على تبليغ الرسالة كقوله: {أهم خير أم قوم تبع} [الدخان: 37] أي: أقوى، فكأنه قال: لا ينبغي لي أن أقول إني أقوى من يونس في التبليغ، فربما يكون قد عانى من الشدائد ما لم أعانه، وفضيلتي التي نلتها كرامة من الله لا من قبل نفسي، ولا بلغتها بقوتي، فليس لي أن أفتخر بها، وإنما يجب علي أن أشكر ربي عليها. وإنما خص يونس لما ذكر عنه من قلة الصبر.

قال مصطفى البغا في تعليقه على البخاري: (فقد كذب) أخبر بخلاف الحقيقة والمراد أن الأنبياء عليهم السلام من حيث كونهم أنبياء فهم في منزلة واحدة من الخيرية.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):
﴿فَاصبِر لِحُكمِ رَبِّكَ وَلا تَكُن كَصاحِبِ الحوتِ إِذ نادى وَهُوَ مَكظومٌ﴾ [القلم: 48].

فاصبر - أيها الرسول - لما حكم به ربك من استدراجهم بالإمهال، ولا تكن مثل صاحب الحوت يونس عليه السلام في التضجر من قومه؛ إذ نادى ربه وهو مكروب في ظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت.
.......................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-11-29, 12:07 PM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿لَولا أَن تَدارَكَهُ نِعمَةٌ مِن رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالعَراءِ وَهُوَ مَذمومٌ﴾ [القلم: 49]

*قوله {لَولا أَن تَدارَكَهُ}:* أَدْرَكَتْهُ.
قاله البغوي في تفسيره.

قال الواحدي في الوجيز، والجلال المحلي في الجلالين: أدركه.

قال الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم: ويقال: تداركه الله تعالى برحمته: أي أدركه، وتداركته رحمة ربه {لَولا أَن تَدارَكَهُ نِعمَةٌ مِن رَبِّه}.

*قوله {نِعمَةٌ}:* أي رحمة.

يعني لولا أن أدركه الله برحمته؛ بأن ألهمه التوبة ووفقه إليها وقبلها منه، أي وفق يونس - عليه السلام -. كما وفق أباه آدم من قبل، قال تعالى {فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.

فرحمة الله أجل النعم. ونظيرتها قوله تعالى {وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}: وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي: أي ولولا رحمة ربي بي لكنت من المشهدين عذاب جهنم.

قال سراج الدين النعماني في اللباب: {ولولا*نعمة*ربي} أي*رحمة*ربي، وإنعامه علي بالإسلام.

قال الكفوي في الكليات: {لَولا أَن تَدارَكَهُ نِعمَة}: يعني توفيق التوبة وقبولها.

قال السمعاني في تفسيره: قوله تعالى: {ولولا*نعمة*ربي*ل كنت*من المحضرين} أي:*ولولا*رحمة*رب ي*لكنت*من المحضرين*النار أي: الذين دخلوا النار.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {لولا أن تداركه نعمة من ربه} فتاب.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {لَولا أَن تَدارَكَهُ نِعمَةٌ}: رحمة.
قاله النسفي في مدارك التنزيل، والواحدي في الوجيز.

قال مقاتل بن سليمان في تفسيره: {لَولا أَن تَدارَكَهُ}: ولكن تدار كه نعمة. يعني رحمة من ربه.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: ثم قال تعالى: {لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ. . .}: أي رحمة فرحمه.*

قال السمرقندي في بحر العلوم: {لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ} يعني: لولا النعمة والرحمة التي أدركته من الله تعالى.

قال الزمخشري في الكشاف: ونعمة ربه: أن أنعم عليه بالتوفيق للتوبة وتاب عليه.

قال القاسمي في محاسن التأويل: {لولاأن*تداركه*ن مة*من*ربه}*وهو قبول توبته ورحمته، وتضرعه وابتهاله.

*قوله {لَنُبِذَ}:* لطُرِحَ، ولألقيَ، ولترك، ولرمي به من بطن الحوت. وأصل النبذ: الطرح والالقاء، والترك، والرمي. تقول: نبذت كلامي: أي تركته.

ومنه ما رواه الشيخان من حديث ابن عمر، وفيه: وَاللهِ لاَ أَلْبَسُهُ أَبَدًا*فَنَبَذ *النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ. أي فطرح، وألقى الناس خواتيمهم وكانت من ذهب.

ومنه ما رواه الشيخان، من حديث عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قُلْتُ لِلأَسْوَدِ: هَلْ سَأَلْتَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَمَّا يُكْرَهُ*أَنْ*يُ نْتَبَذَ*فِيهِ فَقَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَمَّا*نَهى*النّ َبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ*أَنْ*ي ُنْتَبَذَ*فِيهِ قَالَتْ: نَهَانَا فِي ذَلِكَ، أَهْلَ الْبَيْتِ،*أَنْ* نَنْتَبِذَ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ*

قال اليفرني في الاقتضاب قوله: "نهى أن ينتبذ". [النبذ] أصله:الطرح*والرم ي والترك.

قال الطبري في تفسيره: وأما*النبذ*فإن أصله في كلام العرب*الطرح، ولذلك قيل للملقوط: المنبوذ؛ لأنه مطروح مرمي به، ومنه سمي النبيذ نبيذا، لأنه زبيب أو تمر يطرح في وعاء ثم يعالج بالماء.*

قال أبو الربيع سليمان بن بنين*في اتفاق المباني واختلاف المعاني: والنبذ*الطرح.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ}: لينبذن*في الحطمة: أي*ليلقين*هذا الذي جمع مالا فعدده في الحطمة وهي اسم صفة من أسماء النار لأنها تحطم من فيها.
قاله ابن كثير في تفسيره.

ومنه {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ}: أي*ألقيناهم*ي اليم وهو البحر هو مليم أي وهو ملوم كافر جاحد فاجر معاند.
قاله ابن كثير في تفسيره.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ومعنى (نبذناهم)*ألقينا م، وكل شيء ألقيته تقول فيه قد نبذته. ومن ذلك نبذت النبيذ، ومن ذلك تقول للملقوط منبوذ لأنه قد رمي به.

ومنه {قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي}: فنبذتها: أي*طرحتها*في العجل.
قاله القرطبي في تفسيره.

ومنه {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}: اطرح إليهم عهدهم.
قاله الإيجي الشافعي في جامع البيان.

قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ: أي ألق عهدهم إليه، وآذنهم بالحرب ولا تأخذهم على غرة.

ومنه {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّه ُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}: {فنبذوه وراء ظهورهم}: أي رموه وطرحوه.*
قاله السمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ.

قال أبو السعود في تفسيره: {فنبذوه}*النبذ*ال رمي*والإبعاد أي طرحوا ما أخذ منهم من الميثاق الموثق بفنون التأكيد وألقوه.

قال الزبيدي في تاج العروس: (النَّبْذُ: طَرْحُكَ الشيْءَ) مِن يدِك (أَمامَك أَو وَرَاءَك، أَو عَامٌّ) ، يُقَال: نَبَذَ الشيْءَ، إِذا رَمَاه وأَبْعَدَه، ومنه الحديث (فنبذ خاتمه) أي ألقاه من يده، وكل طرح نبذ. ونبذ الكتاب وراء ظهره: ألقاه.

انتهى

فمعنى قوله تعالى*{لَنُبِذَ}: لطرح بالفضاء من بطن الحوت.
قاله الواحدي في الوجيز، والبغوي في تفسيره.

إلا أن الواحدي قال: لطرح حين ألقاه الحوت.

قال مجير الدين العليمي في تفسيره: لأُلقي*من*بطن الحوت.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: لألقي بوجه الأرض.

*قوله {بِالعَراءِ}:* أي بالأرض الفضاء، أي الصحراء.

وسميت " بالعراء " لأنها عارية، أي خالية من الشجر، ونحوه مما يستر. ونبه على العراء، لأنها أرض مهلكة.

قال الطبري في تفسيره: {لنبذ بِالعَراءِ}: وهو الفضاء من الأرض.

قال القرطبي في تفسيره: والعراء: الأرض الواسعة الفضاء التي ليس فيها جبل ولا شجر يستر.

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: والعَراء:*الأرضُ الفضاءُ التي لا يُسْتَتَرُ فيها بشيء. والجمع: أعْراء.

قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: والعَراءُ بالمد: الفضاء لا سِتر به. قال الله تعالى: (لَنُبِذَبالعرا ).

قال الهروي في تهذيب اللغة: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: إِنَّمَا قيل لَهُ عَرَاء لِأَنَّهُ لَا شجر فِيهِ وَلَا شَيْء يغطيه. وَقيل: إِن*العَراءوَجه* الأَرْض*الْخَال ي وَأنْشد:
ورفعتُ رجلا لَا أَخَاف عِثَارها
ونبذت بِالْبَلَدِ*الع راءَ*ثِيَابِي.

قال الألوسي في روح المعاني: (لنبذ*بالعراء) بالأرض الخالية*من الأشجار أي في الدنيا.

انتهى

فمعنى قوله تعالى*{لَنُبِذَ بِالعَراءِ} يعني: لطرح بالصحراء. والصحراء هي الأرض التي لا يكون فيها نخل ولا شجر، يوارى فيها.*
قاله السمرقندي في بحر العلوم.

قال الواحدي في الوجيز: {بالعراء} بالأرض الفضاء الواسعة لأنَّها خاليةٌ من البناء والإِنسان والأشجار.

قال الشوكاني في فتح القدير: أي لألقي من بطن الحوت على وجه الأرض الخالية من النبات.

*قوله {وَهُوَ}:* يعني يونس بن متى - عليه السلام -.
*قوله {مَذمومٌ}:* أي ندعه مذموماً، بعد أن طرح وألقي بالعراء(1)، ولكنه نبذ غير مذموم، ودليليه ما بعده {فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}.

وقوله {فَنَبَذناهُ بِالعَراءِ وَهُوَ سَقيمٌ۝وَأَنبَت نا عَلَيهِ شَجَرَةً مِن يَقطينٍ}: فلو أن الله ذبذه مذموما لما قال: وأنبتنا عليه شجرة من يقطين.

وكل هذا من آثر رحمة الله ونعمته عليه، وفيه أن الأنبياء كغيرهم يفتقرون إلى رحمة الله وعفوه بلا ريب.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {وهو مَذمومٌ}: أي يذم:، ويلام بالذنب الذي أذنبه ويطرد من الرحمة. والجملة في محل نصب على الحال من ضمير نبذ.
قاله الشوكاني في فتح القدير.

قال السمرقندي في بحر العلوم: {وَهُوَ مَذْمُومٌ} يعني: يذم ويلام. ولكن كان رحمة من الله تعالى، حيث نبذ بالعراء*وهو سقيم وليس بمذموم.

قال الجرجاني في درج الدرر في تفسير الآي والسور: {لنبذ*بالعراء وهو مذموم:} غير مغفور له، فلما سبقت الرحمة، وغفرت له الزلة نبذ بالعراء وهو سقيم غير مذموم.

قال القرطبي في تفسيره: (لنبذ*بالعراء*وه *مذموم) أي لنبذ*مذموما ولكنه نبذ سقيما غير مذموم.*

*قال النسفي في مدارك التنزيل: {وهو*مذموم} معاتب بزلته لكنه رحم فنبذ غير*مذموم.

قال الفراء في معاني القرآن: وقوله:*{لَوْلا*أَ نْ*تَدارَكَهُ*نِ عْمَةٌ*مِنْ*رَبّ ِهِ*لَنُبِذَبِا ْعَراء} حين نبذ- وهو مذموم، ولكنه نبد عير مذموم.

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: والمعنى أنه قد نبذ*بالعراء*وهو غير مذموم، ويدل على ذلك أن النعمة قد شملته.

قال الواحدي في البسيط: ولكن ربه منَّ عليه فنبذ*بالعراء*وهو *سقيم، وليس بمذموم*للنعمة التي تداركه.

قال العليمي في تفسيره: {وَهُوَ مَذْمُومٌ} يُذم ويلام بالذنب، ولكنه رُحم، فُنبذ غيرَ مذموم.

قال السمعاني في تفسيره: وَقَوله: {وَهُوَ*مَذْمُوم } أَي: نبذ غير*مَذْمُوم، وَلَوْلَا رَحْمَة ربه لَكَانَ*مذموما.
*
قال*البغوي في تفسيره: {لَنُبِذَ*بِالْع َراءِ}، لَطُرِحَ بِالْفَضَاءِ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ.

قال الزمخشري في الكشاف: وقد اعتمد في جواب «لولا» على الحال، أعنى قوله*وهو*مذموم يعنى أن حاله كانت على خلاف الذم حين نبذ*بالعراء، ولولا توبته لكانت حاله على الذم.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: {لَنُبِذَ*بالعرآ ء*وَهُوَ مَذْمُومٌ}: أي: لولا أن الله رحمه وسمع دعاءه من بطن الحوت فأجابه لطُرِحَ بالفضاء من الأرض وهو مذموم.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: (لنبذ*بالعراء*وه *مذموم) هو جواب لولا، والمنفي هو الذم لا نبذه*بالعراء، فإنه قد قال في الصافات فنبذناه*بالعراء* فالمعنى لولا رحمة الله*لنبذ*بالعرا ء*وهو*مذموم، لكنه نبذوهو*غير مذموم.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

﴿لَولا أَن تَدارَكَهُ نِعمَةٌ مِن رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالعَراءِ وَهُوَ مَذمومٌ﴾ [القلم: 49].
لولا أن رحمة الله أدركته لنبذه الحوت إلى أرض خلاء وهو مَلُوم.
.......................
(1): قال الماوردي في النكت والعيون: {وهو مذموم} فيه وجهان: أحدهما: بمعنى مليم. الثاني: مذنب، قاله بكر بن عبد الله، ومعناه أن ندعه مذموماً.
....................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*
*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-11-30, 07:10 PM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿فَاجتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصّالِحينَ﴾ [القلم: 50].

*قوله {فَاجتَباهُ رَبُّهُ}:* أي فاختاره، واصطفاه. يعني: صحاب الحوت، يونس - عليه السلام -.

وأصل الاجتباء: الاختيار، والاصطفاء.

قال الجرجاني في درج الدرر: و(الاجتباء):*الاخ تيار، أصله من اجتبيت الماء، إذا حصلته لنفسك.

قال الفارابي في معجم ديوان الأدب: الاجتباء:*الاصطف اء.

قال الشنقيطي في أضواء البيان، والطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: الاجتباء:*الاختي ار*والاصطفاء.

إلا أن الشنقيطي قال: الاجتباء*في اللغة العربية معناه*الاختيار، والاصطفاء.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآَيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا}: أي لولا اخترتها، واختلقتها من عندك؛ تعريضا منهم - قاتلهم الله - بأنه يختلق القرآن.

قال الطبري في تفسيره: {لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا}: هلا اخترتها واصطفيتها.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: أي هلا اخترت لنا آية من عندك. قال الله: {قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي}.

قال الهرري في حدائق الروح الريحان: {لولا*اجتبيتها}: أي: هلا*اصطفيت تلك الآية واخترعتها وأنشأتها من عند نفسك، كما اخترعت واختلقت ما قبلها.

ومنه {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ}: أي يختارك.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه.

إلا أن الزجاج قال: معناه: يختارك ويصطفيك.

قال الشوكاني في فتح القدير: أي ومعنى*الاجتباء:* لاصطفاء، وهذا يتضمن الثناء على يوسف وتعديد نعم الله عليه.

ومنه {اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ}: يقول:*الله يصطفي*إليه من يشاء من خلقه، ويختار لنفسه وولايته من أحب.
قاله الطبري في تفسيره.

ومنه {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاء}: يَجْتَبِي: يصطفي*ويختار.
قاله السمين الحلبي في الدر المصون.

ومنه {وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِ مْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاه ُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}: ومعنى قوله: (واجتبيناهم): مثل*اخترناهم، وهو مأخوذ من جبيت الماء في الحوض إذا جمعته.
قاله للزجاج في معاني القرآن.

قال البغوي في تفسيره: واجتبيناهم، اخترناهم*واصطفي اهم، وهديناهم، أرشدناهم، إلى صراط مستقيم.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {فَاجتَباهُ رَبُّهُ}: أَي: اصطفاه وَاخْتَارَهُ.
قاله الطبري في تفسيره، والسمعاني في تفسيره.

إلا أن الطبري قال: يعني: اصطفاه، واختاره لنبوته.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: {فَاجْتَباهُ} معناه: اختاره واصطفاه.*

*{فَجَعَلَهُ مِنَ الصّالِحين}:* أي من المرسلين.

يعني: فصيره رسولا تارة أخرى، وأعاد إليه النبوة. دل عله فعل "جعل"، فالجعل هنا بمعنى التصيير؛ كما في قوله {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}: أي صيرناه.

فقوله تعالى {فَجَعَلَهُ مِنَ الصّالِحين}: أي صيره نبيا رسولا إلى قومه، بعدما اقترف ما يستوجب حرمانه منها، فولو شاء الله لحرمه النبوة بمخالفته، ولكنه تمنن عليه، وتداركه، وخلصه من الذم. قال الله {وَأَرسَلناهُ إِلى مِائَةِ أَلفٍ أَو يَزيدونَ}: أي أرسلناه بعد المخالفة، والتوبة منها إلى قومه مرة أخرى إلى، وبدليل ما بعده {فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُم ْ إِلَى حِينٍ}، ونبه على إثبات الرسالة له بقوله {فَجَعَلَهُ مِنَ الصّالِحين}: أي من المرسلين.

قال الهرري في حدائق الروح والريحان: وقوله: {فاجتباه ربه} معطوف على مقدر، أي: فتداركته نعمة ورحمة من ربه، فاصطفاه وجمعه*إليه، وقربه بالتوبة عليه بأن*رد*إليه*الوح ، وأرسله إلى مئة ألف أو يزيدون.

قلت: وحكى جمع من أهل العلم، من أرباب التفسير عن ابن عباس في قوله تعالى (فجعله من الصالحين): قال: رَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ الْوَحْيَ وَشَفَّعَهُ فِي قَوْمِهِ.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {فَجَعَلَهُ مِنَ الصّالِحين}: يعني*من*المرسلين .
قال الطبري في تفسيره، والسمرقندي في بحر العلوم.

زاد الطبري: العاملين بما أمرهم بهربهم، المنتهين عما نهاهم عنه.

قال الزمخشري في الكشاف، وأبو حيان في البحر المحيط، والجلال المحلي في الجلالين، ومجير الدين العليمي في تقسيره، وإلايجي الشافعي في جامع البيان: أي الأنبياء.

إلا أن الزمخشري قال: أي*من*الأنبياء.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: {فَجَعَلَهُ*مِنَ *الصالحين}: أي اختاره للنبوّة*فجعله*صا لحاً، أي رفعه للعمل الصالح.

قال الشنقيطي في أضواء البيان: قوله تعالى: {فاجتباه ربه*فجعله*من الصالحين}: بينه تعالى بقوله: {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين}.

قلت (عبدالرحيم): ويشهد له أمران:

الأول: نص القرآن على رسالته، كما في قوله تعالى {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا}: والشاهد قوله (ويونس).

الأمر الثاني: مما يشهد أن المراد بالاجتباء، والصلاح الرسالة في قوله (فاجتباه ربه فجعله من الصالحين) قوله تعالى - على لسان نبيه سليمان -: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}:
قال الطبري في تفسيره: مع عبادك الصالحين الأنبياء والمؤمنين.

وقال - في الاجتباء - {وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِ مْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاه ُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}: واجتبيناهم*أي: اخترناهم*للرسال .
قاله ابن عجيبة في البحر المديد.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {واجتبيناهم}: استخلصناهم*للنب ة.

قال*أبو السعود في تفسيره، والقاسمي في محاسن التأويل: {واجتبيناهم}*للن وة والكرامة.

انتهى*

قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: {فَجَعَلَهُ مِنَ الصّالِحين}: هذا تخليص له من الذم.

قلت (عبدالرحيم): يشير - رحمه الله - إلى قوله تعالى {لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ}: يعني لولا أن أدركته رحمة من ربه لنبذ مذموما، ولكنه نبذ غير مذموم، فبهذا عافاه، وخلصه الله من الذم.

انتهى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
.....................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-12-07, 08:59 AM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.* *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى

﴿الحاقَّةُ﴾ [الحاقة: 1].

*قوله {الحاقَّةُ}:* يعني القيامة. أي: القيامة هي الحاقة.

سميت بالحاقة: لأن فيها حواق الأمور كلها؛ فهي تُثْبِتُ وتوجبُ، وتحقُ الحقَ الذي تنازع فيه أهل الدنيا، تحق ما تنازعوا وتخاصموا فيه في ربهم، وتوجب الحق لأهله، وتحق الجنة لأهلها، والنار لأهلها، وتحق الحق كله، ويتحقق فيه الثواب، والعقاب. فليس يوم القيامة إلا الحق والعدل؛ فهي حق في وقوعها، وتحق ما يجب احقاقه. أي أنها التي تحق فيها الأمور أي تعرف على الحقيقة من قولك لا أحق هذا أي لا أعرف حقيقته جعل الفعل لها وهو لأهلها. (1)

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: قال الفراء: " إنما قيل لها حاقة: لأن فيها حواق*الأمور*والث واب. و "الحقة": حقيقة الأمر. يقال: لما عرفت الحقة مني هربت. وهي مثل الحاقة".

قال الواحدي في البسيط، والفخر الرازي في التفسير الكبير : {الحاقة}: أجمعوا على أن المراد بها القيامة.

إلا أن الرازي قال: أجمعوا على أن الحاقة هي القيامة.

انتهى

فمعنى قوله تعالى {الحاقة}: يقول تعالى ذكره: الساعة الحاقة. التي تحق فيها الأمور، ويجب فيها الجزاء على الأعمال.
قاله الطبري في تفسيره.

قال ابن كثير في تفسيره: الحاقة من أسماء يوم القيامة لأن فيها يتحقق الوعد والوعيد ولهذا عظم الله أمرها.

قال القاسمي في محاسن التأويل: " الحاقة " أي الساعة الحاقة التي تحق فيها الأمور، ويجب فيها الجزاء على الأعمال. من قولهم: حق عليه الشيء، إذا وجب.

قال الشوكاني في فتح القدير: قوله: الحاقة هي القيامة لأن الأمر يحق فيها، وهي تحق في نفسها من غير شك.

قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن، ابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب: {الحاقة}: يعني: القيامة، سميت بذلك لأن فيها حواق الأمور. أي صحائح الأمور.

إلا أن ابن الجوزي قال: {الحاقة}: القيامة فيها حواق الأمور.

قال الواحدي في الوسيط، والسمعاني في تفسيره: وسميت بذلك لأنها ذات الحواق من الأمور.

زاد الواحدي: وهي الصادقة الواجبة الصدق، وجميع أحكام القيامة صادقة واجبة الوقوع والوجود.

زاد السمعاني: أي حقائقها.

قال الشنقيطي في أضواء البيان: سميت*بالحاقة؛ لأنه يحق فيها وعد الله بالبعث والجزاء.

قال السعدي في تفسيره: {الحاقة} من أسماء يوم القيامة، لأنها تحق وتنزل بالخلق، وتظهر فيها حقائق الأمور، ومخبآت الصدور، فعظم تعالى شأنها وفخمه، بما كرره من قوله: {الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة} فإن لها شأنا عظيما وهولا جسيما.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وروي ذلك عن ابن عباس وأصحابه وهو الذي درج عليه المفسرون فلقب بذلك «يوم القيامة» لأنه يوم محقق وقوعه، كما قال تعالى: وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه [الشورى: 7] ، أو لأنه تحق فيه الحقوق ولا يضاع الجزاء عليها، قال تعالى ولا تظلمون فتيلا [النساء: 49] وقال: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره [الزلزلة: 7- 8] .
وإيثار هذه المادة وهذه الصيغة يسمح باندارج معان صالحة بهذا المقام فيكون ذلك من الإيجاز البديع لتذهب نفوس السامعين كل مذهب ممكن من مذاهب الهول والتخويف بما يحق حلوله بهم.

...................

(1): قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: واختلفوا في معنى الحاقة على وجوه: أحدها: أن الحق هو الثابت الكائن، فالحاقة الساعة الواجبة الوقوع الثابتة المجيء التي هي آتية لا ريب فيها وثانيها: أنها التي تحق فيها الأمور أي تعرف على الحقيقة من قولك لا أحق هذا أي لا أعرف حقيقته جعل الفعل لها وهو لأهلها وثالثها: أنها ذوات الحواق من الأمور وهي الصادقة الواجبة الصدق، والثواب والعقاب وغيرهما من أحوال القيامة أمور واجبة الوقوع والوجود فهي كلها حواق ورابعها: أن الحاقة بمعنى الحقة والحقة أخص من الحق وأوجب تقول: هذه حقتي أي حقي، وعلى هذا الحاقة بمعنى الحق، وهذا الوجه قريب من الوجه الأول وخامسها: قال الليث: الحاقة النازلة التي حقت بالجارية فلا كاذبة لها وهذا معنى قوله تعالى: ليس لوقعتها كاذبة، [الواقعة: 20] وسادسها: الحاقة الساعة التي يحق فيها الجزاء على كل ضلال وهدى وهي القيامة وسابعها: الحاقة هو الوقت الذي يحق على القوم أن يقع بهم وثامنها: أنها الحق بأن يكون فيها جميع آثار أعمال المكلفين فإن في ذلك اليوم يحصل الثواب والعقاب ويخرج عن حد الانتظار وهو قول الزجاج وتاسعها: قال الأزهري: والذي عندي في الحاقة أنها سميت بذلك لأنها تحق كل محاق في دين الله بالباطل أي تخاصم كل مخاصم وتغلبه من قولك: حاققته فحققته أي غالبته فغلبته وفلجت عليه وعاشرها: قال أبو مسلم: الحاقة الفاعلة من حقت كلمة ربك.
.....................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.* *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-12-09, 09:58 AM
*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿مَا الحاقَّةُ﴾ [الحاقة: 2].

*قوله {مَا الحاقَّةُ}:* تقديره: الحاقة أي شيء هي؟!.

والتكرير، والاستفهام هنا للتهويل والتخويف، والتعظيم، والتفخيم. كأنه يقول: ما كنهها؟، أي شيء هذه القيامة إذا وقعت؟.

قال الماوردي في النكت والعيون: وقوله {ما الحاقة} تفخيماً لأمرها وتعظيماً لشأنها.

قال مجير الدين العليمي في تفسيره: {ما*الحاقة} استفهام تعجيب؛ تفخيما لشأنها، التقدير:*الحاقة* ي شيء هي؟!.

قال النحاس في إعراب القرآن: {ما الحاقة} مبتدأ وخبره وهما خبر عن الحاقة، وفيه معنى التعظيم. والتقدير: الحاقة ما هي؟ إلا أن إعادة الاسم أفخم، وكذا {وما أدراك ما الحاقة}.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: ومعنى الكلام أنه على التعظيم، والتقدير: الساعة الحاقة: أي: شيء هي!، ما أعظمها وأجلها وأشدها.

قال الشوكاني في فتح القدير: قوله:*ما*الحاقة*ع لى أن «ما» الاستفهامية مبتدأ ثان وخبره «الحاقة» ، والجملة خبر للمبتدأ الأول، والمعنى: أي شيء هي في حالها أو صفاتها.

قال القصاب في النكت: قوله - تعالى -: (الحاقة (١) ما الحاقة (٢) وما أدراك ما الحاقة (٣). وارد - والله أعلم - على الاختصار، كأنه ينبه على عظم ما في الحاقة من الأهوال، والشدائد لا على نفس الاسم، ويعظه بما فيها يومئذ.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {مَا الحاقَّةُ}: يقول: أي شيء الساعة الحاقة.
قاله الطبري في تفسيره.

قال الواحدي في البسيط: قوله: {ما} حديث تفخيم وتهويل.

قال البغوي في تفسيره: {ما الحاقة}: هذا استفهام معناه التفخيم لشأنها، كما يقال: زيد ما زيد، على التعظيم لشأنه.

قال السمرقندي في بحر العلوم: قوله تعالى: {الحاقة ما الحاقة} وهو اسم من أسماء القيامة، ومعناه القيامة ما القيامة؟ تعظيما لأمرها.

قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {ما الحاقة} مذكور على وجه التعظيم والتفخيم.
قال امرؤ القيس: (فدع عنك نهبا صيح في حجراته ... ولكن حديث ما حديث الرواحل) فما للاستفهام، وهو مذكور في هذا الموضع لتعظيم أمر الرواحل. كذلك هاهنا.

قلت (عبدالرحيم): ونظيرتها قوله تعالى: {ما أصحاب الميمنة} قال جميع أهل المعاني (ما) هاهنا تفخيم لقصتهم وتعظيم لشأنهم وتعجيب منهم، كما تقول: زيد ما زيد؟ أي: أي شيء هو؟ للتعجب منه، وهذا كقوله: {الحاقة (1) ما الحاقة} [الحاقة: 1، 2] و {القارعة (1) ما القارعة} [القارعة: 1، 2].
قاله الواحدي في البسيط.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {ما*الحاقة} مبتدأ وخبر وهما*خبر*الحاقة والأصل*الحاقة*ما *هي أي شيء هي تفخيم الشأنها وتعظيما*لهو لها أي سقها أن يستفهم عنها لعظمها فوضع الظاهر موضع الضمير لزيادة التهويل.

قال السعدي في تفسيره: فعظم تعالى شأنها وفخمه، بما*كرره من قوله: {الحاقة*ما*الحاق *وماأدراك*ما*الح اقة} فإن لها شأنا عظيما*وهولا جسيما، ومن عظمتها أن الله أهلك الأمم المكذبة بها بالعذاب العاجل.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى {القارِعَةُ * مَا القارِعَةُ}: مَا*الْقارِعَةُ: تهويل وتعظيم.
قاله البغوي في تفسيره.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وما*استفهامية، والاستفهام مستعمل في التهويل على طريقة المجاز المرسل المركب لأن هول الشيء يستلزم تساؤل الناس عنه.

ومنه {وَالمُؤتَفِكَة أَهوى۝فَغَشّاها ما غَشّى}: فَغَشّاها ما غَشّى: أي علاها من العذاب والحجارة ما علاها. والتكرير للتهويل، والتعظيم.

قال الشوكاني في فتح القدير: وفي هذه العبارة*تهويل*لل أمر الذي غشاها به وتعظيم له.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {ما*غشى}*تهويل*وت ظيم لما*صب عليها من العذاب وأمطر عليها من الصخر المنضود.

قال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط: {فغشاها*ما*غشى}: فيه*تهويل*للعذاب الذي حل بهم، لما*قلبها جبريل عليه السلام أتبعت حجارة*غشيتهم.

ومنه {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}: ابهام على جهة التفخيم، والتعظيم.
قاله ابن عطية في المحرر الوجيز.

قال القرطبي في تفسيره: تفخيم*للوحي الذي*أوحي*إليه.*

قال القاسمي في محاسن التأويل: وفيه*تفخيم*للموح ى به، إذ الإبهام يفيد التعظيم، كأنه أعظم من أن يحيط به بيان.

ومنه {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ}: فغشيهم من اليم*ما*غشيهم: أي علاهم وأصابهم*ما*علاهم وأصابهم، والتكرير للتعظيم والتهويل، كما*في قوله:الحاقة*ما*ا حاقة.
قاله الشوكاني في فتح القدير.

قال الشنقيطي في أضواء البيان: قوله {فغشيهم من اليم ما غشيهم} يدل*على*تعظيم*ال مر*وتفخيم*شأنه، ونظيره في القرآن قوله: {إذ يغشى السدرة ما يغشى} وقوله: {والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى}، وقوله: {فأوحى إلى عبده ما أوحى} واليم: البحر. والمعنى: فأصابهم من البحر ما أصابهم وهو الغرق، والهلاك المستأصل.
.................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2017-12-28, 06:54 PM
*البسيط في معاني وغريب القرآن:*

- كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي. للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

قوله تعالى
﴿إِنّا لَمّا طَغَى الماءُ حَمَلناكُم فِي الجارِيَةِ﴾ [الحاقة: 11].

*قوله {إِنّا}:* بقدرتنا وفضلنا عليكم.

ولفظ الجمع للتعظيم.
كما قال: {وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ}، وقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}. وقوله {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.

*قوله {لَمّا}:* أي حينما.

ومنه قوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ}:
أي: وأظهروا الندامة حينما عاينوا العذاب، والإسرار هنا: بمعنى الإظهار، وهو من الأضداد. وسيأتي تفصيله لاحقا - إن شاء الله -.

قال صديق حسن خان في فتح البيان: (لَمَّا): ظرف بمعنى: حين أي حين.

ومنه {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}: لَمَّا صَبَرُوا: أي حين صبروا جعلناهم أئمة.
قاله النحاس في إعراب القرآن.


*قوله {طَغَى}:* أي علا، وكثر.

وأصله من الطغيان، أي: تجاوز الحد. ومنه قوله تعالى: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ} أي: بالصيحة الطاغية التي تجاوزت حد الصيحات.

فقوله تعالى: {طَغَى}: يعني: تجاوز الحد فارتفع فوق كل شيء؛ حتى صار أمثال الجبال، وتصديقه: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ}.
يقال: طغى السيلُ: إذا جاء بماء عظيم.

ومما يدلك على كثرة وعظم الماء وطغيانه أن الله وصف ما قضى به من الطوفان والغرق كربا عظيما، قال الله: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ}: قال الطبري في تفسيره: يعني بالكرب العظيم: العذاب الذي أحل بالمكذبين من الطوفان والغرق، والكرب: شدة الغم.

قال الكفوي في الكليات: الطغيان: هو تجاوز الحد الذي كان عليه من قبل، وعلى ذلك: {لما طغى الماء}.

قال المناوي في التوقيف على مهمات التعاريف: وطغيان القلم: تجاوزه حد الاستقامة.


قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى: {كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}: قال الطبري في تفسيره: أي يتجاوز حدّه.


ومنه: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}: قال الماوردي في النكت والعيون: {في طغيانهم} يعني تجاوزهم في الكفر، والطغيان مجاوزة القدر.

انتهى. وقد سبق بيانه بإفاضة - بحمد الله - عند تأويل قوله: { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ}.


فمعنى قوله تعالى: {طَغَى الماءُ}: أَي علا.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وغيرهم.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: طَغَى الْماءُ عبارة عن كثرته.

قال يحيى بن سلام في التصاريف: {إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء} يعني لمّا كثر وارتفع.

قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: إنا لما كثر الماء فتجاوز حدّه المعروف، كان له، وذلك زمن الطوفان.

*قوله {الماءُ}:* الكثير الذي نزل من السماء، والذي تفجَّر من الأرض.

وتصديقه: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13)}: أي حملناه على سفينة ذات ألواح ومسامير.


*قوله {حَمَلناكُم}:* أي حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم.
قاله البغوي في تفسيره.

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {حملناكم} يعني: نوحا ومن معه الذين من ذريتهم.


قلت (عبدالرحيم): فيه مسألتان:


المسألة الأولى:

قوله تعالى: {حَمَلناكُم}: تقديره: حملنا آباءكم؛ وأنتم في أصلابهم. فالخطاب للشاهد والمراد به الغائب، ونظيرتها قوله تعالى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ}: يعني: نجينا آباءكم زمان فرعون. وأضيف إلى الأحياء لأنهم منهم، أي من الذين نجاهم الله زمان فرعون.

قال القرطبي في تفسيره: " والخطاب للموجودين والمراد من سلف من الآباء كما قال" إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية" : أي حملنا آباءكم وقيل إنما قال" نجيناكم" لأن نجاة الآباء كانت سببا لنجاة هؤلاء الموجودين. ا. ه

ونظيرتها: {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}: فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ : أي فلما قتل آباءكم هؤلاء الأنبياء، لان المخاطبين لم يباشروا القتل بأنفسهم، إنما كان أباؤهم في الزمن الغابر.

ونظيرتها: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}: أي وما كان الله ليضيع إيمانهم، أي صلاة إخوانكم الذين ماتوا قبل أن تحول القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام.

قال الواحدي في البسيط: وإنما أضيف إلى الأحياء، لأن الذين ماتوا على القبلة الأولى كانوا منهم. فقال: (إيمانكم) وهو يريد: إيمانهم، لأنهم داخلون معهم في الملة. وهو كقولك للقوم: قد قتلناكم وهزمناكم، يريد: قتلنا منكم، فيواجههم بالقتل وهم أحياء.

قال القصاب في النكت: فمعنى قوله تعالى: {حَمَلناكُم}: أي حملنا من أنتم من نسلهم، ومن كانوا آباءكم، لأن الجارية - وهي السفينة - لم يحُمل فيها محمد، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الموجودون عند نزول الآية، وقد حقق ذلك.

المسألة الثانية:

فإن قلت: ما وجه الامتنان في قوله تعالى: ﴿إِنّا لَمّا طَغَى الماءُ حَمَلناكُم فِي الجارِيَةِ﴾؟

فالجواب: أن الله أهلك أهل الأرض كلهم أجمعين زمان الطوفان، إلا من ركب مع نوح في السفينة، ولم يجعل الله نسلا لأحد ممن كان مع نوح إلا أولاده الثلاثة.

فلولا أن الله أنجى نوحا ومن معه لما كنتم في هذا الوجود، ألا تر أن الله قال: {ثُمَّ بَعَثناكُم مِن بَعدِ مَوتِكُم لَعَلَّكُم تَشكُرونَ}، فالحياة التي وهبها الله نعمة عظمى، ومنة كبرى من الله سبحانه، ملعون من أتلفها بغير حق.

كما أن الله جعل الناس كلهم من ذرية نوح - عليه السلام - فحسب بعد مهلك قومه، فلم يجعل الله نسلا ولا عقبا من غيرهم، لذا يسمى نوح "أبو البشرية الثاني"، ولذا نادى الله بني إسرائيل وغيرهم ممتنا ومذكرا لهم بهذه النعمة، فقال: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ}: ذُرِّيَّةَ: منصوبة على النداء، يعني: يا ذرية من حملنا مع نوح في السفينة.

ولأجله شرعَ اللهُ لنا ذكراً نذكر الله به، عند الاستيقاظ من النوم، اعترافا بنعمته، وثناءا عليه، أعني ما رواه مسلم من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، وفيه: وإذا استيقظ قال: «الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا، وإليه النشور».
فعلى العبد أن يحمد ربه في أمره عامة، وعندما يرد الله عليه روحه خاصة، فكم ممن اضطجع ثم سلبت روحه.


فإن قلت: ما الدليل على أن الله أهلك الأرض كلهم أجمعين زمان نوح - عليه السلام -، عدا من ركب معه في السفينة؟. وما الدليل أن الله لم يجعل نسلا ممن ركب معه إلا لبنيه الثلاثة؟.

فجواب الأول: قوله تعالى: {فَأَنْجَيْنَاه وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ . ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ}، قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني من بقي ممن لم يركب السفينة.

قال البقاعي في نظم الدرر: {الباقين} أي من بقي على الأرض ولم يركب معه في السفينة.

ودليل الثاني: قوله تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ . وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}: قال الطبري في تفسيره: وقوله (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّته هُمُ الْبَاقِينَ) يقول: وجعلنا ذريّة نوح هم الذين بقوا في الأرض بعد مَهْلِك قومه، وذلك أن الناس كلهم من بعد مَهْلِك نوح إلى اليوم إنما هم ذرية نوح، فالعجم والعرب أولاد سام بن نوح، والترك والصقالبة والخَزَر أولاد يافث بن نوح، والسودان أولاد حام بن نوح، وبذلك جاءت الآثار، وقالت العلماء. ا. ه.

قال البغوي في تفسيره: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّته هُمُ الْبَاقِينَ): وأراد أن الناس كلهم من نسل نوح.

قال النسفي في مدارك التنزيل: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّته هُمُ الْبَاقِينَ): وقد فني غيرهم.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّته هُمُ الْبَاقِينَ): أهل الأرض كلهم من ذرية نوح.

قال السمعاني في تفسيره: قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّته هُمُ الْبَاقِينَ}: قد بينا أن الناس من نسل نوح عليه السلام ولم يبق أحد من نسل غيره.

قال الواحدي في الوجيز: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّته هُمُ الْبَاقِينَ): لأن الخلق كلهم أهلكوا، إلا من كان معه في سفينته وكانوا من ذريته.

قال يحيى بن سلام في تفسيره، وابن أبي زمنين في تفسيره: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّته هُمُ الْبَاقِينَ): فالناس كلهم ولد سام وحام ويافث.

وسيأتي مزيد بحث عند تعرضنا لتأويل هذه الآيات (إن شاء الله).

*قوله {فِي الجارِيَة}:* الجارِيَة: يعني السفينة، التي أمره الله أن يصنعها: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا}، و"الجارية: مفرد. والجمع: الجواري.


والمعنى: لما علا الماء وكثر فكان الغرق محتوما حملناكم حملنا آباءكم في السفينة، مع نوح - عليه السلام - فنجوا من الغرق. ولولا أن الله نجاهم لما بقي لهم نسل ولا عقب، لذا كانت آية عظيمة ونعمة جسيمة، قال الله {وَآَيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}.


وسمى الله السفينة "بالجارية": لأنها تجري بسرعة على الماء الذي من شأنه الإغراق بيسر وخفة ونشاط كالجارية الشابة من شأنه الإغراق. وذلك مع عظم حجم السفينة، وتصديقه {فَالْجَارِيَات يُسْرًا}.

وكل ذلك تفضلا منه - سبحانه -، ولو شاء لأمسكها، أي أمسك السفن، ولما سخّر البحر والريح لتجري، كما قال: ﴿وَمِن آياتِهِ الجَوارِ فِي البَحرِ كَالأَعلامِ۝إِن يَشَأ يُسكِنِ الرّيحَ فَيَظلَلنَ رَواكِدَ عَلى ظَهرِهِ إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكورٍ۝أَو يوبِقهُنَّ بِما كَسَبوا وَيَعفُ عَن كَثيرٍ﴾ [الشورى: 32-34].

قال الفراء في معاني القرآن: «فَالْجارِياتِ يُسْراً»، وهى السفن تجرى ميسّرة.

قال ابن قتيبة في غريب القران: فَالْجارِياتِ يُسْراً أي السفن تجري في الماء جريا سهلا.

قال القرطبي في تفسيره: وواحد الجواري جارية، قال الله تعالى: {إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية}. سميت جارية لأنها تجري في الماء. والجارية: هي المرأة الشابة، سميت بذلك لأنها يجري فيها ماء الشباب.


انتهى


فمعنى قوله تعالى {حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية}: يعني في السّفينة
قاله يحيى بن سلام في التصاريف، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن أبي زمنين في تفسيره، والواحدي في الوسيط، وغيرهم جمع.

إلا أن ابن أبي زمنين قال: يعني: السفينة.

قال الطبري في تفسيره: وقوله: {حملناكم في الجارية}: يقول: حملناكم في السفينة التي تجري في الماء.

قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {حملناكم في الجارية} أي: السفينة، وجمعها الجواري وهي السفن.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ}: قال أبو بكر السجستاني في غريب القرآن: سفن فِي الْبَحْر كالجبال.

قال الهروي في الغريبين في القرآن والحديث: قوله: {ومن آياته الجوار}: يعني السفن، الواحدة: جارية.

انتهى

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

﴿إِنّا لَمّا طَغَى الماءُ حَمَلناكُم فِي الجارِيَةِ﴾ [الحاقة: 11].
إنا لما تجاوز الماء حدَّه في الارتفاع حملنا من كنتم في أصلابهم في السفينة الجارية التي صنعها نوح عليه السلام بأمرنا، فكان حَمْلاً لكم.
..................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.* *للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2018-01-13, 12:20 PM
*الوجيز في معاني وغريب القرآن:*

- كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

قوله تعالى
﴿لِنَجعَلَها لَكُم تَذكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ﴾ [الحاقة: 12].

*قوله {لِنَجعَلَها}:* أي لنجعل تلك الفعلة التي فعلنا من إغراق قوم نوح ونجاة من حملنا معه.
قاله البغوي في تفسيره.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: والضمير في (لنجعلها): عائد على الفعلة أي من يذكرها ازدجر.

*قوله {لَكُم}:* أيها الناس.
قاله الخطيب الشربيني في السراج المنير.

*قوله {تَذكِرَةً}:* أَي: عبرة وعظة.
قاله الطبري في تفسيره، والسمعاني في تفسيره، والبغوي في تفسيره، وابن الجوزي في زاد المسير، والنسفي في مدارك التنزيل، وإلايجي الشافعي في جامع البيان، وغيرهم.

إلا أن قال الطبري قال: يعني عبرة وموعظة تتعظون بها.

*قوله {وَتَعِيَها}:* وتحفظها.
قاله النسفي في مدارك التنزيل، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب،وغيرهم.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: وعى: الوَعْيُ: حفظ الحديث ونحوه.


*قوله {أُذُنٌ}:* من شأنها أن تعي المواعظ.
قاله أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط.

قلت (عبدالرحيم): قوله تعالى: {أُذُنٌ}: يعني صاحبها. كقولك: يد سارقة، تعني أن صاحبها سارق. ونظيرتها قوله تعالى: {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ}: قال ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن: وإنما يعني صاحبها.

قال الطبري في تفسيره: ووصف الناصية بالكذب والخطيئة، والمعنى لصاحبها.

*قوله {واعِيَة}:* حافظة لما تسمع.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: والأذن الواعية: هي التي تفهم ما تسمع وتحفظه.

قال الطبري في تفسيره: وقوله: {وتعيها أذن واعية}: يعني حافظة عقلت عن الله ما سمعت.
...........................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2018-01-22, 07:44 PM
*معاني وغريب القرآن، والحديث:*

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي. +966509006424*

قوله تعالى
{وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} الحاقة: (17).

*قوله {وَالْمَلَكُ}:* أي والملائكة. أفرد وأراد الجمع.

و " الملك " اسم جنس؛ فيشمل الواحد والجميع.

والعرب تجتزئ بالواحد عن الجماعة، نص عليه ابن زنجلة في حجة القراءات.

قال ابن كثير في تفسيره: {والملك على أرجائها}: الملك: اسم جنس، أي: الملائكة على أرجاء السماء.

قال الواحدي في البسيط: فـ (الملك) اسم الجنس يقع على الواحد والجمع.

قال علي بن فَضَّال في النكت في القرآن الكريم: {والملك}: واحد ويراد به الجماعة؛ لأنه جنس، ولا يجوز أن يكون واحداً بعينه.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن: {وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها}، في موضع: «والملائكة» .

قلت (عبدالرحيم): ونظيرتها قوله: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَ ا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}: إِمَامًا: أي أئمة.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل: (واجعلنا للمتقين إماما) أي قدوة يقتدي بنا المتقون، فإمام مفرد يراد به الجنس.

وقوله: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ}: أي الأطفال.

قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: (أو الطفل) اسم جنس بمعنى الجمع، والدليل على ذلك نعته ب"- الذين".

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: {أو الطفل} يريد الأطفال. يدلك على ذلك قوله: {الذين لم يظهروا على عورات النساء} أي لم يعرفوها ولم يفهموها.

وقوله: {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا}: أي الغرف، كما قال: { لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ}.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والتعريف في الغرفة تعريف الجنس فيستوي فيه المفرد والجمع مثل قوله تعالى: {وأنزلنا معهم الكتاب} فالمعنى: يجزون الغرف، أي من الجنة، قال تعالى: وهم في الغرفات آمنون.

وقوله: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}: أي: إن الناس.

قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط: والإنسان بمعنى:*الناس*هاه ا.

وقوله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}: أي: المفسدين من المصلحين، وكذا قول العرب: أهلك الناس الدينار والدرهم، أي: الدنانير والدراهم.
قاله ابن فَضَّال في النكت في القرآن.

وقوله (قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ): ضَيْفِي: أي ضيوفي.

قال القرطبي في تفسيره: أي*أضيافي.

قال الأخفش الأوسط في معاني القرآن: فاستغنى بالواحد عن الجمع.

ومنه: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ}: معناه: أنهار.
قاله الفراء في معاني القرآن.

قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: وهو اسم جنس ويقوم مقام الأنهار وهذا هو الظاهر الأصح.

قال الشنقيطي في أضواء البيان: والمفرد إن كان اسم جنس يكثر في كلام العرب إطلاقه مرادا به الجمع كقوله تعالى: (إن المتقين في جنات ونهر) يعني «وأنهار» بدليل قوله: (فيها أنهار من ماء غير آسن).

ومنه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِين َ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}: أي رفقاء، والعرب تلفظ بلفظ الواحد والمعنى يقع على الجميع.
قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن.

وقوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا}: أي أطفالا، فهو اسم جنس.
قاله القرطبي في تفسيره.



قال نجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان: الطفل اسم الجنس، يتناول الواحد والكثير.

قلت: هذا: ويطلق الجمع ويراد به الفرد، قال الله: {وَلَبِثُوا فِي كهفهم ثَلَاث مائَة سِنِين}: قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط: قال الشيخ أبو عمر: سنين بمعنى: سنة، وهذا لفظ جمع بمعنى واحد، كما جاء لفظ الواحد.

انتهى.

فقوله تعالى (وَالْمَلَكُ): يريد " والملائكة ".
قاله مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية، وغيره.

قال النحاس في إعراب القرآن: {الْمَلَكُ}: يعني الملائكة، لا اختلاف بين أهل العلم في ذلك.

قال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط: لأن الواحد بما هو واحد لا يمكن أن يكون*
على*أرجائها*في وقت واحد، بل في أوقات.


*قوله {عَلَى أَرْجَائِهَا}:* أي على أرجاء السماء.

مفردها: " رجا. وتثنيتها: رجوان.
والأرجاء: الجوانب، والأطراف،والنوا حي. ومنه قولهم: أَرْجَاءِ الْمَعْمُورَةِ: يعني جوانب الأرض ونواحيها.
ومنه منكبا الرجل: أي طرفاه، وجانباه.

والمعنى: والملائكة على نواحيها، وجوانبها، وأطرافها.

قال الأصفهاني في إعراب القرآن: الأرجاء: الجوانب، واحدها " رجا.

قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: و (الرجا) مقصور ناحية البئر وحافتاها وكل ناحية رجا وهما رجوان والجمع (أرجاء).



انتهى

فمعنى قوله تعالى: {عَلَى أَرْجَائِهَا}: يعني نواحيها بلغة هذيل.
قاله أبو عبيد القاسم بن سلام في لغات القبائل الواردة في القرآن، وذكره عبدالله بن حسنون في اللغات في القرآن.


قال الطبري في تفسيره: (وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا) يقول تعالى ذكره: والملك على أطراف السماء حين تشقق وحافاتها.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن، وابو بكر السجستاني في غريب القران: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا} أي على جوانبها ونواحيها.

قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط: {على أرجائها} أَي: على نَوَاحِيهَا، وَاحِدهَا: رجا، وَيكْتب بِالْألف، لَان تثنيته: رجوان.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وضمير { أرجائها } عائد إلى { السماء}، والمعنى : أن الملائكة يعملون في نواحي السماء ينفّذون إنزال أهل الجنة بالجنة وسَوق أهل النار إلى النار.

*قوله {وَ}:* الملك.

*قوله {يَحْمِلُ}:* أي يرفع. أقدرهم الله على حمله.

والحمل: الرفع. ومنه قوله تعالى:{وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة}: أي رفعت. وقد سبق تأويله.

ومنه: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ}: قال الشوكاني في فتح القدير: أي رفعناكم*فوق الماء حال كونكم*في السفينة.


*قوله {عَرْشَ رَبِّكَ}:* الذي هو أعظم المخلوقات على الإطلاق، والذي استوى عليه الرحمن؛ استواء يليق به.

*قوله {فَوْقَهُمْ}:* تأكيد، لأن العرش يعلوهم، ولا يكون إلا فوقهم.

وفائدة التأكيد: الإخبار أن العرش يعلوهم، فقد تجد من يحمل شيئا لكنه ليس فوقه، كأن يكون بمحاذاته أو دونه. ولذا أكد بقوله: {فَوْقَهُمْ}، وفيه إشارة إلى عظم خلقتهم. - فسبحان الله -. وقد روى أبو داود (4727) من حديث جابر بن عبد الله، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-، قال: " أُذِنَ لي أن أُحدِّثَ عن مَلَكٍ مِنْ ملائكةِ الله من حَمَلة العرش: إن ما بين شَحمةِ أذُنِه إلى عاتِقِه مَسيرةُ سبع مئةِ عام" (1).

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ويتعلق { فوقَهم } ب { يحمل عرش ربّك } وهو تأكيد لما دّل عليه يحمل من كون العرش عالياً فهو بمنزلة القيدين في قوله : { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه } [ الأنعام : 38 ] .

قلت (عبدالرحيم): ونظيرتها قوله تعالى: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ}: تأكيد، لأن السقف لا يسقط إلا من فوق، أي من علو.

ومنه قوله: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ}: تأكيد، ولأن الكتابة لا تكون إلا باليد.

*قوله {يَوْمَئِذٍ}:* يوم القيامة.

*قوله {ثَمَانِيَةٌ}:* أملاك؛ من الملائكة المقربين.

وتصديقه: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ }: قال البغوي في تفسيره: {وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ }: وهم حملة العرش.
...........................
(1): صححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 151.
......................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ أرسل " اشتراك " إلى: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2018-02-01, 11:49 AM
*معاني وغريب القرآن، والحديث*:

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري، المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

قوله تعالى
﴿قُطوفُها دانِيَةٌ﴾ [الحاقة: 23].

*قوله {قُطوفُها}:* ثمرها.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو حيان الأندلسي في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب.

قال القاسمي في محاسن التأويل: (قطوفها) جمع قطف بكسر القاف، وهو ما يقطف من ثمرها.
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين: قطف: القطف: اسم الثمار المقطوفة، والجميع القطوف.

*قوله {دانِيَةٌ}:* أي قريبة.

والمعنى: ثمر هذه الجنة قريب متناول، مسخر مذلل؛ يناله كل أحد، وعلى كل حال كان قاعدا أو قائما.

وتصديقه قوله تعالى: (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا): قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {وذللت قطوفها تذليلا} أي: أدنيت قطوفها إليهم.

قال القرطبي في تفسيره: وذللت أي سخرت لهم قطوفها أي ثمارها*تذليلا*أي *تسخيرا، فيتناولها القائم والقاعد والمضطجع، لا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك.

وأصل الدنو: القرب. و دَنَا منه ودنا إِليه دنواًّ: أي قرب (1). وَمنه سميت السَّمَاءُ الدُّنْيا: لقُرْبها مِنْ ساكِني الأَرْضِ (٢).

ومنه قوله تعالى: (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى): يقول: فكان جبرائيل من محمد - صلى الله عليه وسلم - على قدر قوسين، (أو أدنى من ذلك)، يعني: أو أقرب منه.
قاله الطبري في تفسيره.

ومنه: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ}: السَّمَاءَ الدُّنْيَا: هي القريبة منا.
قاله ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل.

ومنه: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا}: أي ظل الأشجار في الجنة قريبة من الأبرار.
قاله القرطبي في تفسيره.

ومنه: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ}: أي: ثمرها قريب إليهم، متى شاءوا تناولوه على أي صفة كانوا.
قاله ابن كثير في تفسيره.

ومنه: (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ): الدنيا:*هي*القري ة*أي*العدوة*التي من جهة المدينة، فهي أقرب لجيش المسلمين من العدوة*التي من جهة مكة.
قاله الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير.

ومنه: (غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ): في أدنى الأرض:
أي أقرب أرض الشام إلى أرض فارس.
قاله البغوي في تفسيره.

ومنه: (ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا):

ومنه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ): ذَلِكَ أَدْنَى: أقرب.
قاله الجلال المحلي في الجلالين.

ومنه: (وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ ولا يحزن): ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ ولا يحزن: أي التخيير الذي خيرتك في صحبتهن أقرب إلى رضاهن وأطيب لأنفسهن وأقل لحزنهن إذا علمن أن ذلك من الله عز وجل.
قاله البغوي في تفسيره.

ومنه: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا):
أي ذلك أقرب من الإتيان بالشهادة على وجهها، وأقرب إلى أن يخافوا.
قاله الزجاج في معاني القرآن.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {قطوفها دانية}: يقول: ما يقطف من الجنة من ثمارها دان قريب من قاطفه.

قال القاسمي في محاسن التأويل: أي قريبة سهلة التناول.

قال السعدي في تفسيره: {قطوفها دانية} أي: ثمرها وجناها من أنواع الفواكه قريبة، سهلة التناول على أهلها، ينالها أهلها قياما وقعودا ومتكئين.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):

﴿قُطوفُها دانِيَةٌ﴾ [الحاقة: 23].
ثمارها قريبة ممن يتناولها.
......................
(1): شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم للحميري.
.....................

*كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري، المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2018-02-11, 07:25 AM
*معاني وغريب القرآن، والحديث:*

*جمعه ورتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري، المكي. +966509006424*

قوله تعالى
﴿وَلَم أَدرِ ما حِسابِيَه﴾ [الحاقة: 26].

*قوله {و}:* يا ليتني.

عطف على قوله: {يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ}: يعني: هذا الذي أعطي كتابه بشماله يقول: يا ليتني لم أعط كتابي، ويا ليتني لم أعلم أي شيء حسابي.

قال الصافي في الجدول في إعراب القرآن: (الواو) عاطفة.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: ويجوز أن يكون عطفاً على التمني، أي: يا ليتني لم أدر مَا حسابيَه، أي لم أعرِف كنه حسابي ، أي نتيجته، وهذا وإن كان في معنى التمني الذي قبله فإِعادته تكرير لأجْل التحسر والتحزن.

*قوله{لَم}:* حرف نفي وقلب وجزم.
قاله محيي الدين درويش في إعراب القرآن.

*قوله {أَدرِ}:* فعل مضارع مجزوم بلم (1)، ومعناه: أعلم، وأعرف. والدراية: العلم، والمعرفة.

تقول: أدري، ودريت: أي علمت. ومنه قوله تعالى: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}: أي وما أعلم. و"إن": بمعنى ما.

ومنه قوله: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا}: يقول: وما تعلم نفس حي بأي أرض تكون منيتها.
قاله الطبري في تفسيره.

ومنه: {وَمَا يُدْرِيك لَعَلَّهُ يَزَّكَّى}: أي وما يعلمك.
قاله القرطبي في تفسيره.

قال في المفاتيح شرح المصابيح (الدراية): العلم، من (درى يدري).

قال الصاحب بن عباد في المحيط في اللغة: دَرى: عَلِمَ. وفَعَلَ ذاكَ من غَيْرِ دِرْيَةٍ. ويقولون: لا أدْرِ.

قال الحميري في شمس العلوم: [دَرَيْتُ] بالشيء: إِذا علِمْتُهُ دَرْيَةً ودَرياناً ودِرايَةً.

قال الجوهري في الصحاح تاج اللغة: [درى] دَرَيْتُهُ ودَرَيْتُ به دَرْياً ودُرْيَةً ودِرْيَةً ودِرايَةً، أي علمت به.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: (درى): الدراية:*المعرفة *المدركة بضرب من الحيل، يقال: دريته، ودريت به، درية، نحو: فطنة، وشعرة.

*قوله {ما}:* اسم استفهام، ومعناه هنا: التعظيم والتهويل.

قال الدعاس في اعراب القران: «ما» اسم استفهام مبتدأ.

قال محيي الدين درويش في إعراب القرآن وبيانه: (ما) اسم استفهام في محل رفع مبتدأ، و(حسابيه) خبرها والهاء للسكت والجملة سدّت مسدّ مفعولي أدر المعلقة عن العمل بالاستفهام ومعنى الاستفهام التعظيم والتهويل.

*قوله {حِسابِيَه}:* أصله: حسابي. والهاء للوقف، أي: السكت. وقد سبق بيانه.

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: وقوله عزّ وجلّ: {وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ}، {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ}، فالهاء فيها للوقف، نحو: {مالِيَهْ وسُلْطانِيَهْ}.

قال الدعاس في إعراب القرآن: «حِسابِيَهْ»: خبر، والياء مضاف إليه، والهاء للسكت.

قال الصافي في إعراب القرآن: (حسابيه) ، مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على ما قبل ياء المتكلّم، و (الياء) مضاف إليه، و (الهاء) للسكت لا محلّ لها.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {وَلَم أَدرِ ما حِسابِيَه}: يعني: لم أعلم ما حسابي.
قاله السمرقندي في بحر العلوم، والنسفي في مدارك التنزيل.

إلا أن النسفي قال: أي يا ليتني لم أعلم ما حسابي.

قال الطبري في تفسيره: {وَلَم أَدرِ ما حِسابِيَه}: يقول تعالى ذكره: وأما*من أعطي يومئذ كتاب أعماله بشماله، فيقول: يا ليتني لم أعط كتابيه، (ولم*أدر*ما*حسابي ه): يقول:*ولم أدر*أي*شيء*حسابي .

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):
﴿وَلَم أَدرِ ما حِسابِيَه﴾ [الحاقة: 26].
ويا ليتني لم أعرف أي شيء يكون حسابي.
............................
(1): قاله محيي الدين درويش في إعراب القرآن وبيانه.
............................

*جمعه ورتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة. المصري، المكي.*
*للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424*

عبدالرحيم آل حمودة
2018-02-12, 05:19 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة - المصري المكي -،
إلى من يطلع عليه من إخوانه المسلمين - حفظهم الله بالإسلام -:
سلام عليكم؛ أما بعد:

فيمكنكم متابعة منشوراتي في مجموعتي "معاني وغريب القرآن" - واتساب، عبر الرابط أدناه:

علما بأن المجموعة للمتابعة فقط، إلا من وجد خطأ في التفسير فليصحح على الملأ، نصحا لله ولكتابه:

https://chat.whatsapp.com/ALSUECMBbH1A7WNeTp1eT9

والسلام عليكم السلام ورحمة.

عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي. +966509006424

عبدالرحيم آل حمودة
2018-07-10, 04:26 PM
*"معاني وغريب القرآن"*

جمع، ورتيب: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة؛ المصري المكي.

قوله تعالى:
﴿لِلكافِرينَ لَيسَ لَهُ دافِعٌ﴾ [المعارج: 2].

*قوله {لِلكافِرينَ}:* أي قل هو للكافرين وحدهم، دون المؤمنين (١).

ولما سأل هذا الشقي عن عذاب الله الواقع، كما قال: ﴿سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ﴾ [المعارج: 1]، قال الله ردا عليه بقوله: ﴿لِلكافِرينَ لَيسَ لَهُ دافِعٌ﴾ [المعارج: 2].

قال ابن الجوزي في زاد المسير: فقوله عز وجل: «للكافرين» جواب للسؤال، كأنه لما سأل: لمن هذا العذاب؟ قيل: للكافرين.

قال ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن يقول: هو للكافرين خاصة دون المؤمنين.

فمعنى قوله تعالى: {لِلكافِرينَ}: يعني: على الكافرين.
قاله الطبري في تفسيره، والسمعاني في تفسيره.
إلا أن الطبري قال: يقول: واقع على الكافرين.

قال الزجاج في معاني القرآن: أي يقع بالكافرين.

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: واللام لشبه الملك، أي عذاب من خصائصهم كما قال تعالى : { فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين } [ البقرة : 24 ] .

قلت (عبدالرحيم): وكما في صحيح مسلم (185)، من حديث أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا، فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ، ...».

فائدة:

قال القيرواني في النكت في القرآن الكريم (في معاني القرآن الكريم وإعرابه): وقيل: (اللام) في قوله: {لِلْكَافِرِينَ} بمعنى (على) أي: واقع على الكافرين، وقال الفراء: هي بمعنى (الباء) أي: بالكافرين واقع، وهو قول الضحاك.

*قوله {لَيسَ لَهُ}:* لهذا العذاب.

*قوله {دافِعٌ}:* مانع، وراد.

يريد: ليس لهذا العذاب إذا نزل وحان وقته رادّ ولا مانع وحام، كما قال: ﴿وَلَئِن أَخَّرنا عَنهُمُ العَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعدودَةٍ لَيَقولُنَّ ما يَحبِسُهُ أَلا يَومَ يَأتيهِم لَيسَ مَصروفًا عَنهُم وَحاقَ بِهِم ما كانوا بِهِ يَستَهزِئونَ﴾ [هود: 8]،
وكما قال: ﴿وَيَستَعجِلون كَ بِالعَذابِ وَلَن يُخلِفَ اللَّهُ وَعدَهُ وَإِنَّ يَومًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ﴾ [الحج: 47].

قال الزمخشري في الكشاف: {ليس له دافع}: من جهته إذا جاء وقته وأوجبت الحكمة وقوعه.

قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: وقوله {لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ}: أي ليس للعذاب الواقع على الكافرين من الله رادٌّ يرده عنهم.

قال ابن كثير في تفسيره: {ليس له دافع}: أي لا دافع له إذا أراد الله كونه.

قال السمعاني في تفسيره: وقوله تعالى: {ليس له دافع} أي: لا يدفع العذاب على الكافرين أحد، ولا يمنعه منهم.

قلت (عبدالرحيم): وتصديقه: ﴿...وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَومٍ سوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُم مِن دونِهِ مِن والٍ﴾ [الرعد: 11].

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {دافِع}: راد.
قاله النسفي في مدارك التنزيل.

قال البغوي في تفسيره: {دافع}: مانع.

قال الراغب في المفردات: حام.

قال الإيجي الشافعي في جامع البيان، والعليمي في فتح الرحمن: {لَيسَ لَهُ دافِع}: يرده.

قلت (عبدالرحيم): ونحو ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِن يُرِدكَ بِخَيرٍ فَلا رادَّ لِفَضلِهِ}: قال السمرقندي في بحر العلوم: {فَلا رادَّ لِفَضلِه}: يعني: لا مانع لعطائه.

المعنى الاجمالي للآية، من كتاب "المختصر في التفسير":

﴿لِلكافِرينَ لَيسَ لَهُ دافِعٌ﴾ [المعارج: 2].
للكافرين بالله، ليس لهذا العذاب من يرده.
...................
(١): قال البغوي في تفسيره: أي هو للكافرين.

عبدالرحيم آل حمودة
2018-08-02, 05:15 PM
*"معاني وغريب القرآن"*

- جمع، ورتيب: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي. للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

قوله تعالى:
﴿وَتَكونُ الجِبالُ كَالعِهنِ﴾ [المعارج: 9].

*قوله {وَ}:* يوم.

*قوله {تَكونُ}:* تصير.

*قوله {الجِبالُ}:* الرواسي العظام، والتي كانت للأرض كالأوتاد، والتي كانت يضرب بها المثل في الثبات (١).

قال البقاعي في نظم الدرر: {وتكون الجبال}: التي هي أشد الأرض وأثقل ما فيها.

*قوله {كَالعِهنِ}:* كالصوف، جمع عهنة، ويقال عهون (٢).

قال الهروي في تهذيب اللغة، وابن فارس في مجمل اللغة، والحميري في شمس العلوم، وأبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، ونجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن: العهن: الصوف المصبوغ.

إلا أن الهروي قال: المصبوغ ألوانا.

قال مكي في النهاية: وأهل اللغة على أنه لا يقال (للصوف) " عهن " حتى يكون مصبوغا (٣).

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ}: يقول: وتكون الجبال كالصوف.

قال الماوردي في النكت والعيون: والمعنى أنها تلين بعد الشدة، وتتفرق بعد الاجتماع (٤).

قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {وَتَكون الْجبَال كالعهن}: كَالصُّوفِ الْأَحْمَرِ وَهُوَ أَضْعَفُ الصُّوفِ، وَهِي فِي حرف ابْن مَسْعُود (كالصوف الْأَحْمَر المنفوش)

قال الواحدي في الوسيط: {وتكون الجبال كالعهن}: كالصوف الأحمر في خفتها، وسيرها.

قال الزمخشري في الكشاف: {كَالْعِهْنِ}: كالصوف المصبوغ ألوانا، لأنّ الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، فإذا بست وطيرت في الجو: أشبهت العهن المنفوش إذا طيرته الريح.

قال جلال الدين المحلي في الجلالين: {وتكون الجبال كالعهن}: كالصوف في الخفة والطيران بالريح.

قال ابن كثير: وهذه الآية كقوله تعالى : ( وتكون الجبال كالعهن المنفوش ) [ القارعة : 5 ].

قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: والعهنة : شجر بالبادية لها ورد أحمر .
ووجه الشبه بالعهن تفرق الأجزاء كما جاءت في آية القارعة: {وتكون الجبال كالعهن المنفوشِ}: فإيثار العهن بالذكر لإِكمال المشابهة لأن الجبال ذات ألوان قال تعالى : {ومن الجبال جُدد بيضٌ وحُمْرٌ مختلف ألوانها}: وإنما تكون السماء والجبال بهاته الحالة حين ينحلّ تماسك أجزائهما عند انقراض هذا العالم والمصيرِ إلى عالم الآخرة.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):
﴿وَتَكونُ الجِبالُ كَالعِهنِ﴾ [المعارج: 9].
وتكون الجبال مثل الصوف في الخِفَّة.
....................

(١): قال السعدي: فإذا كان هذا القلق والانزعاج لهذه الأجرام الكبيرة الشديدة، فما ظنك بالعبد الضعيف الذي قد أثقل ظهره بالذنوب والأوزار؟.

(٢): انظر: إعراب القرآن للنحاس، ومعاني القرآن للأخفش الأوسط.

(٣): وهو قول البغوي في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، والشوكاني في تفسيره.

(٤): قال القرطبي في تفسيره: والمعنى أنها تلين بعد الشدة ، وتتفرق بعد الاجتماع . وقيل : أول ما تتغير الجبال تصير رملا مهيلا ، ثم عهنا منفوشا، ثم هباء منبثا.

عبدالرحيم آل حمودة
2018-11-03, 09:00 PM
*"معاني وغريب القرآن"*

- جمع، ورتيب: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي. للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

قوله تعالى:
﴿وَلا يَسأَلُ حَميمٌ حَميمًا﴾ [المعارج: 10].

*قوله {وَ}:* في ذلك اليوم.

*قوله {لا يَسأَلُ}:* عن الحال. من قولك: سألت زيداً، أي: سألته عن حاله وأمره (١)، ومنه قولهم: سألت عنك، أي عن حالك.

وقرأ الأكثرون: «يسأل» بفتح الياء. والمعنى: لا يسأل قريب عن قرابته، لاشتغاله بنفسه (٢). وقُرِىءَ على البناء للمفعول، أي: لا يُطلبُ من حميم حميمٌ، أولا يسألُ منْهُ حالة (٣)ٌ.

قال الطبري في تفسيره: والصواب من القراءة عندنا فتح الياء، بمعنى: لا يسأل الناس بعضهم بعضا عن شأنه.

*قوله {حَميمٌ}:* قريب.

و"الحميم": القريب والصديق، والولي، ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}:
قال القاسمي في محاسن التأويل: أي صديق أو قريب {حَمِيمٌ}: أي شديد الولاء.
وأصل*الحميم الماء الشديدة حرارته. كنى به عن الولي المخلص في وده، لما يجد في نفسه من حرارة الحب والشوق والاهتمام نحو مواليه (٤).

*قوله {حَميماً}:* قريبا.

وخص "الأقرباء" بالذكر: لأنهم كانوا في الدنيا، يسألون عن أحوال بعض، سيما إذا ألمت بهم الملمات؛ ليقوموا بما ينبغي القيام به، من دفع ضر أو جلب منفعة، أما في الآخرة ف/ {فَلا أَنسابَ بَينَهُم يَومَئِذٍ وَلا يَتَساءَلونَ} [المؤمنون: 101]، يذهلون عن السؤال عن أقربائهم لشدة الأهوال، وعظيم ما حل بهم وأشغلهم، وكما قال: {تذهل كل مرضعة عما أرضعت}.

قال كراع النمل في المُنَجَّد في اللغة: والحَميم: الماء الحارُّ. والحَميم: القريب. والحَمِيْمَة - بالهاء -: كِرامُ المالِ.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا}: أي لا يسأل ذو قرابة عن قرابته.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن.

قال الطبري في تفسيره: وقوله: {ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم}: يقول تعالى ذكره: ولا يسأل قريب قريبه عن شأنه لشغله بشأن نفسه.

قال الطاهر ابن عاشور: ومعنى {ولا يسأل حميم حميماً}: لشدة ما يعتري الناس من الهول فمن شدة ذلك أن يرى الحميم حميمه في كرب وعناء فلا يتفرغ لسؤاله عن حاله لأنه في شاغل عنه، فحذف متعلق: {يسأل}: لظهوره من المقام ومن قوله: {يبصرونهم}: أي يبصر الأخلاء أحوال أخلائهم من الكرب فلا يسأل حميم حميماً ، قال كعب بن زهير :
وقال كل خليل كنتُ ءآمُله ... لا أُلْهِيَنَّك إِني عنك مشغول.

قال الشنقيطي في أضواء البيان: وقد بين تعالى موجب ذلك وهو اشتغال كل إنسان بنفسه، كما في قوله تعالى: {لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه}، وكل يفر من الآخر يقول: نفسي نفسي، كما في قوله تعالى: {يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه}. وقد جاء ما هو أعظم من ذلك في حديث الشفاعة؛ كل نبي يقول: نفسي نفسي، وجاء قوله تعالى: {يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت}، وليس بعد ذلك من فزع إلا المؤمنون: {وهم من فزع يومئذ آمنون}، جعلنا الله تعالى منهم. آمين.
.............................

(١): قال الواحدي في البسيط: فقوله: {وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا}: من قولك: سألت زيداً، أي: سألته عن حاله وأمره.
ويجوز أن يكون المعنى: لا يَسْأل عن حميمه، فيُحذف الجار، ويوصل الفعل.
(٢): زاد المسير لابن الجوزي.
(٣): تفسير أبي السعود.
(٤): البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي.

عبدالرحيم آل حمودة
2018-11-03, 09:01 PM
*"معاني وغريب القرآن"*

- جمع، ورتيب: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي. للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

قوله تعالى:
﴿يُبَصَّرونَهُ يَوَدُّ المُجرِمُ لَو يَفتَدي مِن عَذابِ يَومِئِذٍ بِبَنيهِ﴾ [المعارج: 11].

*قوله {يُبَصَّرُونَهُ ْ}:* أي: يعرفونهم، ويرونهم.

قال ابن عطية في المحرر الوجيز: وتقول: بصر فلان بالشيء، وبصرته به أريته إياه ومنه قول الشاعر: [الوافر]
إذا بصرتك البيداء فاسري*...*وأما الآن فاقتصدي وقيلي.

وقال الرازي في مختار الصحاح: التبصير: التعريف والإيضاح.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى: ﴿قالَ بَصُرتُ بِما لَم يَبصُروا بِهِ فَقَبَضتُ قَبضَةً مِن أَثَرِ الرَّسولِ فَنَبَذتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَت لي نَفسي﴾ [طه: 96]:
قال النعماني في اللباب، والقاسمي في محاسن التأويل: أي*عرفت*أن الذي أنتم عليه ليس بحق.

فائدة:

قال ابن الجوزي في زاد المسير: وقرأ*قتادة، وأبو المتوكل، وأبو عمران «يبصرونهم» بإسكان الباء، وتخفيف الصاد، وكسرها.

قلت (عبدالرحيم): والتشديد أبلغ، وله فوائد:

منها: المبالغة في شدة المعرفة.

الثاني: درأً للوهم الذي يعتري المنشغل، وعدم الإلتباس (١). والمعنى: يعرفون أقربائهم في المحشر، معرفة تامة لا التباس فيها؛ ومع ذلك يفر بعضهم من بعض لشغل كل امرء بنفسه، كما قال: ﴿يَومَ يَفِرُّ المَرءُ مِن أَخيهِ۝وَأُمِّه ِ وَأَبيهِ۝وَصاحِ بَتِهِ وَبَنيهِ۝لِكُلّ ِ امرِئٍ مِنهُم يَومَئِذٍ شَأنٌ يُغنيهِ﴾ [عبس: 34-37].

قال القاسمي في محاسن التأويل: وفيه تنبيه على أن المانع من هذا السؤال هو الاندهاش مما نزل، لا احتجاب بعضهم من بعض.

انتهى

فمعنى قوله تعالى:*{يُبَصَّر ونَهُمْ}: أي يعرف الحميم حميمَه حتى يَعْرِفَه، وهو مع ذلك لا يسأل عن شأنه، ولا يكلِّمه اشتغالاً بنفسه.
قاله ابن الجوزي في زاد المسير.

*قوله {يَوَدُّ}:* يتمنى، ويحب.

قال الراغب في المفردات: ودد: الود:*محبة*الشيء وتمني كونه.

قال الزبيدي في تاج العروس: [ودد]:*الود، والوداد: الحب والصداقة، ثم استعير للتمني.

قلت (عبدالرحيم): ومنه: ﴿...وَدَّ الَّذينَ كَفَروا لَو تَغفُلونَ عَن أَسلِحَتِكُم وَأَمتِعَتِكُم فَيَميلونَ عَلَيكُم مَيلَةً واحِدَةً﴾ [النساء: 102]:
قال أبو حيان في تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب: {ود}: تمنى وأحب.

ومنه: ﴿وَلَتَجِدَنَّ ُم أَحرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذينَ أَشرَكوا يَوَدُّ أَحَدُهُم لَو يُعَمَّرُ أَلفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحزِحِهِ مِنَ العَذابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصيرٌ بِما يَعمَلونَ﴾ [البقرة: 96]:
قال القرطبي في تفسيره: ومعنى*يود:*يتمنى. *

ومنه: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}:
قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني*تتمنى*النفس *أن تكون*بينها، وبين ذلك العمل أجلا بعيدا، كما بين المشرق والمغرب، ولم تعمل ذلك العمل قط.

ومنه: ﴿ما يَوَدُّ الَّذينَ كَفَروا مِن أَهلِ الكِتابِ وَلَا المُشرِكينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيكُم مِن خَيرٍ مِن رَبِّكُم وَاللَّهُ يَختَصُّ بِرَحمَتِهِ مَن يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضلِ العَظيمِ﴾ [البقرة: 105]:
قال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى:"*ما*يود" أي*ما*يتمنى.

ومنه: ﴿يَومَئِذٍ يَوَدُّ الَّذينَ كَفَروا وَعَصَوُا الرَّسولَ لَو تُسَوّى بِهِمُ الأَرضُ وَلا يَكتُمونَ اللَّهَ حَديثًا﴾
[النساء: 42]:
قال الطبري في تفسيره: يقول:*يتمنى*الذي *جحدوا وحدانية الله وعصوا رسوله، "لو تسوى بهم الأرض"..

ومنه: ﴿يَحسَبونَ الأَحزابَ لَم يَذهَبوا وَإِن يَأتِ الأَحزابُ يَوَدّوا لَو أَنَّهُم بادونَ فِي الأَعرابِ يَسأَلونَ عَن أَنبائِكُم وَلَو كانوا فيكُم ما قاتَلوا إِلّا قَليلًا﴾ [الأحزاب: 20]:
قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: معنى "يودوا" يتمنوا، و"بادون": خارجون*في*البادي ة.

انتهى

فمعنى قوله تعالى:*{يود المجرم}: يتمنى المشرك.
قاله البغوي في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، والعليمي في فتح الرحمن، وغيرهم.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله عز وجل:*{يود*المجرم}: *يعني: يتمنى المشرك لو قبل منه هذا الفداء يومئذ ببنيه.

*قوله {الْمُجْرِمُ}:* الكافر، والمشرك (٢).

قال الماوردي في النكت والعيون: والمجرم هو الكافر.

قلت (عبدالرحيم): ولفظ "المجرم" في التنزيل، يطلق ويراد به الكافر والمشرك؛ وتصديق ذلك في التنزيل كثير، من ذلك قوله تعالى: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ}: الْمُجْرِمُونَ: أي الكافرون، لأنه لا يكذب بجهنم إلا كافر.

ومنه: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا}:
قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {لا*بشرى*يومئذ للمجرمين}: للمشركين*بالجنة.

ومنه: { وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُ مْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ}:
قال النسفي في مدارك التنزيل: {وكنتم*قوما*مجرم ن}*كافرين.

ومنه: {إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِين َ (34) إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ }:
قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: نفعل*بالمجرمين): بالمشركين.

ومنه: ﴿كَذلِكَ سَلَكناهُ في قُلوبِ المُجرِمينَ﴾
[الشعراء: 200]: قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني:*المشركين*م ازاة لهم، أي طبع على*قلوبهم، وسلك*فيها التكذيب.

ومنه: ﴿إِنَّهُ مَن يَأتِ رَبَّهُ مُجرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَموتُ فيها وَلا يَحيى﴾ [طه: 74]:
قال الجلال المحلي في الجلالين: قال تعالى {إنه*من*يأت*ربه*م رما}:*كافرا*كفرع ن.

ومنه: ﴿وَيُحِقُّ اللَّهُ الحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَو كَرِهَ المُجرِمونَ﴾ [يونس: 82]:
قال العليمي في فتح الرحمن: {ولو*كره*المجرمو }:*المشركون.

ومنه: ﴿قُل أَرَأَيتُم إِن أَتاكُم عَذابُهُ بَياتًا أَو نَهارًا ماذا يَستَعجِلُ مِنهُ المُجرِمونَ﴾ [يونس: 50]:
قال البغوي في تفسيره: أي: ماذا*يستعجل*من الله المشركون.*

*قوله {لَوْ}:* بمعنى أن.
قاله الإيجي الشافعي في جامع البيان.

*قوله {يَفْتَدِي}:* يستنقذ نفسه.

يقال: فدى فلان نفسه: أي استنقذها (٣).

*قوله {مِنْ عَذَابِ}:* الله إياه (٤).

*قوله {يَوْمِئِذٍ}:* يوم القيامة.

*قوله {بِبَنِيهِ}:* أجمعين، والذين كان لأجلهم يقتحم المآثم والمخاطر.

والتنصيص على "البنين" للإشارة إلى أهمية شأنهم في الحياة. انتهى

قال الماوردي في النكت والعيون: يعني يفتدي من عذاب جهنم بأعز من كان عليه في الدنيا من أقاربه، فلا يقدر.

قال الواحدي في الوسيط: لشدة ما يرى، يتمنى أن لو قبل منه أولاده فداء وأعزته، وهو قوله: {وصاحبته وأخيه وفصيلته} [المعارج: 12-13] عشيرته الأقربين، التي تئويه تضمه، ويأوي إليها، يقول الله تعالى: يود لو يفتدي بهذه الأشياء.
ثم ينجيه ذلك الفداء.

المعنى الإجمالي للآية، من "كتاب المختصر في التفسير"

﴿يُبَصَّرونَهُ يَوَدُّ المُجرِمُ لَو يَفتَدي مِن عَذابِ يَومِئِذٍ بِبَنيهِ﴾ [المعارج: 11]:
يشاهد كل إنسان قريبه لا يخفى عليه، ومع ذلك لا يسأل أحد أحدًا لهول الموقف، يودّ من استحق النار أن يقدم أولاده للعذاب بدلاً منه.
.............................. ....
(١):*قال الزمخشري في الكشاف: فإن قلت: ما موقع "يبصرونهم"؟ قلت: هو كلام مستأنف، كأنه لما قال {وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً}: قيل: لعله لا يبصره، فقيل:*يبصرونهم، ولكنهم لتشاغلهم لم يتمكنوا من تساؤلهم.

(٢): سلف وقد بينت أن الكفر والشرك بمعنى واحد.

(٣): وفي المعجم الوسيط: [ف د ي]: فدى*يفدي، افد،*فدى*وفداء*و دى، فهو فاد، والمفعول مفدي
•*فدى*فلانا:
-*استنقذه وخلصه مما كان فيه بماله أو بنفسه "فداه بنفسه/ بماله/ بروحه- فدت المرأة نفسها من زوجها: أعطته مالا حتى تخلصت منه بالطلاق- فداك أبي وأمي- {فإما منا بعد وإما*فدى} [ق]- {فإما منا بعد وإما*فداء}: أخذ مقابل لإطلاق الأسير".

(٤): قال الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذكره: "يود الكافر*يومئذ*ويت منى أنه يفتدي*من*عذاب*ال ه إياه ذلك اليوم..."

عبدالرحيم آل حمودة
2018-11-03, 10:09 PM
*"معاني وغريب القرآن"*

- جمع، ورتيب: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي. للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

قوله تعالى:
﴿وَصاحِبَتِهِ وَأَخيهِ۝وَفَصي لَتِهِ الَّتي تُؤويهِ﴾ [المعارج: 12-13].

*قوله {وَ}:* عطف.

*قوله {صاحِبَتِهِ}:* يريد: ويفادي نفسه بصاحبته مع بنيه؛ الذين سلف ذكرهم في قوله: ﴿يُبَصَّرونَهُ يَوَدُّ المُجرِمُ لَو يَفتَدي مِن عَذابِ يَومِئِذٍ بِبَنيهِ﴾ [المعارج: 11]،
يريد: يعرف القريب قريبه معرفة جيدة، ثم ينشغل عنهم، بل يتمنى الافتداء بهم جميعا؛ فكيف يهتم بهم ويسأل عن حالهم (١)؟.

والصاحبة: الزوجة، ومنه قوله تعالى: ﴿وَاعبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشرِكوا بِهِ شَيئًا وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا وَبِذِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكينِ وَالجارِ ذِي القُربى وَالجارِ الجُنُبِ ...﴾ [النساء: 36]،
قال غلام ثعلب في ياقوتة الصراط: و {الصاحب بالجنب}: أَي: الزَّوْجَة، والصاحب بالجنب - أَيْضا: الْجَار الملاصق (٢).

ومنه: ﴿وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَدًا﴾ [الجن: 3]. قال الطبري في تفسيره: وقوله: (ما اتخذ صاحبة) يعني زوجة.

قوله: ﴿بَديعُ السَّماواتِ وَالأَرضِ أَنّى يَكونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَم تَكُن لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ﴾ [الأنعام: 101].
قال القرطبي في تفسيره: (ولم تكن له صاحبة) أي زوجة.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {وصاحبته}: يعني: زوجته.
قاله الماوردي في النكت والعيون، والبغوي في تفسيره، وغيرهم جمع.

قلت (عبدالرحيم): وخصت الصاحبة بالذكر في الآية الكريمة، لشدة الترابط بين الرجل وامرأته، وشدة الوثاق والمحبة؛ ففيها إشارة إلى أنه: ينبغي أن تشتد وتقوى الصلة بين الرجل وزوجته، ولتكن هي محلا لينزلها الزوج ما يزل به من النوازل؛ كما كان من النبي مع خديجة، لما نزل به ما نزل من أمر الوحي (٣).

قال القاسمي في محاسن التأويل: {وصاحبته}: أي التي هي أحب إليه.

*قوله { وَأَخيهِ}:* أي الذي يستعين به في النوائب.
قاله القاسمي في محاسن التأويل.

*قوله {وَفَصيلَتِهِ}:* عشيرته الأدنون.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن.

قال الزجاج في معاني القرآن: معناه: أدنى قبيلته منه.

قال الطبري في تفسيره: {وفصيلته}، وهم عشيرته التي تؤويه، يعني التي تضمه إلى رحله، وتنزل فيه امرأته، لقربة ما بينها وبينه.

قال النحاس في إعراب القرآن: والجمع فصائل وفصل وفصلان.

قال الفخر في تفسيره: المراد من الفصيلة المفصولة، لأن الولد يكون منفصلا من الأبوين.

قال ابن عطية في المحرر: والفصيلة في هذه الآية قرابة الرجل الأدنون، مثال ذلك بنو هاشم مع النبي صلى الله عليه وسلم، والفصيلة في كلام العرب: أيضا الزوجة، ولكن ذكر الصاحبة في هذه الآية لم يبق في معنى الفصيلة إلا الوجه الذي ذكرناه.

فائدة:

قال في مختار الصحاح: إن العرب على ست طبقات: شعب، وقبيلة، وعمارة، وبطن، وفخد، وفصيلة، وما بينها من الآباء يعرفها أهلها.

*قوله {الَّتي}:* دون غيرهم.

*قوله {تُؤويه}:* أي تضمه.
قاله الجلال المحلي في الجلالين، والسيوطي في معترك الأقران.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قول الله تعالى: ﴿وَلَمّا دَخَلوا عَلى يوسُفَ آوى إِلَيهِ أَخاهُ قالَ إِنّي أَنا أَخوكَ فَلا تَبتَئِس بِما كانوا يَعمَلونَ﴾ [يوسف: 69]،
قال ابن أبي زمنين في تفسيره، واين جزي الغرناطي في التسهيل، والسنين الحلبي في عمدة الحفاظ: {آوى إِلَيهِ أَخاه}: أي ضمه.

زاد السمين: في مأواه.

قال الحوفي في في البرهان في علوم القرآن: {آَوَى}: يقال: أوى فلانٌ فلاناً، إذا ضمه إليه.

ومنه: ﴿تُرجي مَن تَشاءُ مِنهُنَّ وَتُؤوي إِلَيكَ مَن تَشاءُ ...﴾ [الأحزاب: 51]،
قال ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن: {وَتُؤوي إِلَيكَ مَن تَشاءُ}: أي تضم.

إلا أن أبا بكر قال: "تُؤوي إِلَيك": تضم إليك.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {التي تؤويه}: أي تضمه إليها عند الشدائد وتحميه، لأنه أقرب الناس إليها وأعزهم عليها فهم أعظم الناس حقاً عليه وأعزهم لديه.
قاله البقاعي في نظم الدرر.

قال الزمخشري في الكشاف: {تُؤْوِيهِ}: تضمه انتماء إليها، أو لياذا بها في النوائب.

قال الماوردي في النكت والعيون، والبغوي في تفسيره، والعليمي في فتح الرحمن: {الَّتي تُؤويه}: التي يأوي إليها.

إلا أن العليمي قال: {الَّتِي تُؤْوِيهِ}: ويأوي إليها.

وزاد الماوردي: في خوفه.

قال ابن في زاد المسير: ومعنى تؤويه تضمه، فيود أن يفتدي بهذه المذكورات ثم ينجيه من ذلك الفداء...

*قوله {وَأَخيهِ}:* هو الأخ المعروف. يريد: ويفتدي بأخيه، الذي كان يغيثه وينجده، ويغضب له ويحميه.

قال الواحدي في الوسيط: يقول الله تعالى: يود لو يفتدي بهذه الأشياء. ثم ينجيه ذلك الفداء.

قال ابن كثير في تفسيره: وقوله: {يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه كلا} أي: لا يقبل منه فداء ولو جاء بأهل الأرض، وبأعز ما يجده من المال، ولو بملء الأرض ذهبا، أو من ولده الذي كان في الدنيا حشاشة كبده، يود يوم القيامة إذا رأى الأهوال أن يفتدي من عذاب الله به، ولا يقبل منه.
...........................

(١): قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: (مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ) أي: هو بحيث يتمنى الافتداء بأقرب الناس فضلاً عن أن يهتم بحاله، ويسأل عنه.

(٢): قال ابن الجوزي في زاد المسير: وفي الصاحب بالجنب ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الزوجة، قاله علي، وابن مسعود، والحسن، وإبراهيم النخعي، وابن أبي ليلى. والثاني: أنه الرفيق في السفر، قاله ابن عباس في رواية مجاهد، وقتادة، والضحاك، والسدي، وابن قتيبة. وعن سعيد بن جبير كالقولين. والثالث: أنه الرفيق، رواه ابن جريج، عن ابن عباس، وبه قال عكرمة. قال ابن زيد: هو الذي يلصق بك رجاء خيرك. وقال مقاتل: هو رفيقك حضرا وسفرا. وفي ابن السبيل أقوال قد ذكرناها في (البقرة) .

(٣): وفي الحديث: .... فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف بوادره، حتى دخل على خديجة، فقال: «زملوني زملوني»، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، ثم قال لخديجة: «أي خديجة، ما لي» وأخبرها الخبر، قال: «لقد خشيت على نفسي»، قالت له خديجة: كلا أبشر، فوالله، لا يخزيك الله أبدا، والله، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، وهو ابن عم خديجة أخي أبيها، ...». شطر من حديث رواه مسلم برقم (١٦٠).

عبدالرحيم آل حمودة
2018-11-03, 10:10 PM
*"معاني وغريب القرآن"*

- جمع، ورتيب: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي. للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

قوله تعالى:
﴿كَلّا إِنَّها لَظى﴾ [المعارج: 15]

*قوله {كَلّا}:* ردع وزجر، وتنبيه، ونفي، واستنكار (١).

يريد: لا يكون الأمر كما يتمنى ويحب هذا الكافر (٢)؛ فلا ينجيه من عذاب الله شيء، ولو افتدى بأهل الأرض جميعا، فالعذاب نازل به لا محالة؛ كما قال: ﴿تَرَى الظّالِمينَ مُشفِقينَ مِمّا كَسَبوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِم ...﴾ [الشورى: 22]، قال النسفي في مدارك التنزيل: {وَهُوَ*وَاقِعٌ* ِهِمْ}: نازل*بهم*لا*محال *أشفقوا أو لم يشفقوا.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {كَلَّا}: أي: ليس الأمر على يتمنون، ولا يفيدهم من عذاب الله شيء.
قاله مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {كَلاَّ}: ردع للمجرم عن الودادة وتنبيه على أنه لا ينفعه الافتداء ولا ينجيه من العذاب.

*قوله {إِنَّها}:* أي النار الموعود بها المجرم.
قاله القاسمي في محاسن التأويل.

*قوله {لَظى}:* يصف النار وشدة حرها بأنها لظى؛ أي لهب خالص (٢).
و"لظى": اسم من أسماء جهنم (٣).
سميت بذلك: لأنها أشد النيران (٤).
وتقدير الكلام: العقوبة التي استوجبها "لظى" (٥).

قال الراغب الأصفهاني في المفردات: لظى: اللَّظَى: اللهب الخالص.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: و"لظى" علم لجهنم مشتق من اللظى، بمعنى: اللهب.

قال نجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان: والالتظاء: الاتقاد.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: هو يتلظى، أي: يتلهب ويتوقد. وكذلك النار تتلظى يراد به هذا المعنى. وأنشدوا:
جحيما تلظى لا تفتر ساعة ... ولا الحر منها غابر الدهر يبرد.

قال ابن عطية في المحرر: وفي هذا اللفظ تعظيم لأمرها وهولها.

قلت (عبدالرحيم): وفائدة الإخبار بأنها "لظى" يفيد: أنه لا شيء فيها غير اللهب؛ لا كما يكون في نار الدنيا المشتملة على الدخان - مثلا -، أو غيره مما يحجزها عن المحترق؛ حتى الحجارة التي هي وقودها لهب يحرق (٦).
فإن قلت: يرد عليه قوله تعالى: ﴿انطَلِقوا إِلى ظِلٍّ ذي ثَلاثِ شُعَبٍ﴾ [المرسلات: 30]: يعني: سيروا إلى ظل من دخان النار مفترق ثلاث فرق. قلت: هذا قبل أن يقذفوا في النار، فإذا ألقوا فيها لم يعاينوا إلا اللهب الخالص. أما قبل دخولها فإنهم يرون الدخان المتصاعد من جهنم - أعاذنا الله -. قال الجرجاني في درج الدرر: {إِنَّها لَظى (15) نَزّاعَةً لِلشَّوى}: لهب النّار.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب "المختصر في التفسير":

﴿كَلّا إِنَّها لَظى﴾ [المعارج: 15]:
ليس الأمر كما تمنّى هذا المجرم، إنها نار الآخرة تلتهب وتشتعل.
............................

(١): في معجم اللغة العربية المعاصرة:
كلاَّ [كلمة وظيفيَّة]:
- حرف يفيد الردع والزجر والاستنكار، يجوز الوقوف عليه، والابتداء بعده " {كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ}: زجر لمن كفر- {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ. قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}: لتنتهوا عن هذا القول".
- حرف يفيد النفي، عكسه بلى "هلاّ فعلت كذا؟ كلاّ- يقول نعم وأقول كَلاّ" ° كلاَّ وألف كَلاَّ: نفي باتٌّ.
- حرف جواب بمعنى حقًّا، يفيد التحقيق، ويكون قبل القسم " {وَمَا هِيَ إلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ. كَلاَّ وَالْقَمَرِ}".
- حرف للتنبيه والاستفتاح إذا لم يسبقه في القول ما يقتضي الزجر أو النفي " {كَلاَّ إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى} - {رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ} - {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} ".

(٢): قال ابن كثير في تفسيره: وقوله: {إنها لظى}: يصف النار وشدة حرها.

(٢): قال السمرقندي في بحر العوم: وقال أهل اللغة: {كلا}: ردع وتنبيه يعني: لا يكون كما تمنى.

(٢): قاله القاسمي في محاسن التأويل.

(٣): قال الطبري في تفسيره، وعلي بن فَضَّال في النكت، والسمعاني في تفسيره، وغيرهم: "لظى": اسم من أسماء جهنم.

(٤): قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم: ولَظى اسمُ جَهَنَّمَ غيرُ مَصْرُوفٍ سُمِّيَتْ بذلك لأَنَّها أَشَدُّ النِّيرانِ وفي التَّنْزِيلِ {كلا إنها لظى نزاعة للشوى} المعارج 15 16 وقد لَظِيَت النّارُ لَظًى والْتَظَتْ أَنْشَد ابنُ جِنِّي
(وبَيَّنَ للوُشاةِ غداةَ بانَتْ ... سُلَيْمَى حَرَّ وَجْدِي والْتِظايَهْ).
وقال أبو عمرو الداني في الفرق بين الضاد والظاء فى كتاب الله عز وجل وفى المشهور من الكلام: ويقال: إنّما سمّيت لظى للصوقها الجلد. ومنه: حيّة تتلظّى، من توقّدها وخبثها.

(٥): قال السمرقندي في بحر العلوم: ثم استأنف الكلام، فقال: {كلا إنها لظى}: يعني: النار والعقوبة لظى اسم من أسماء النار.

(٦): قال الله: ﴿...فَاتَّقُوا النّارَ الَّتي وَقودُهَا النّاسُ وَالحِجارَةُ أُعِدَّت لِلكافِرينَ﴾ [البقرة: 24].

عبدالرحيم آل حمودة
2018-11-03, 10:11 PM
*"معاني وغريب القرآن"*

- جمع، ورتيب: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي. للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

*قوله {نَزَّاعَةً}:* أي قلّاعة. والتشديد للبالغة، والتكثير (١).

والمعنى: تقلع وتكشط (٢) الجلد من مكانه؛ تبريه بريا حتى تنسفه، وتفرقه ولا تترك منه شيئا (٣)، يعني جهنم - أعاذنا الله منها -.

قال أبو موسى المديني في المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث، والواحدي في الوسيط: والنزع: القلع.

إلا أن الواحدي قال: النزع: قلع الشيء من مكانه.

قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط: نَزَعَه من مكانِه يَنْزِعُه: قَلَعَه.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى: {وَالنَّازِعَات غَرْقًا}: لأنها تقلع أرواح الكفرة بشدة.
قاله السمين الحلبي في الدر المصون.

ومنه: {تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ}: قال ابن قتيبة في غريب القرآن، والسمرقندي في بحر العلوم، وابن جزي الغرناطي في التسهيل: {تَنْزِعُ النَّاسَ}: أي تقلَعُهم من مواضعهم.

قال البغوي في تفسيره: تقلعهم، ثم ترمي بهم على رؤوسهم فتدق رقابهم.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {نزاعة للشوى}: قلّاعة للأطراف. تكشط الجلد عن الوجه وعن العظم.
قاله القشيري في تفسيره.

قال ابن أبي ومنين في تفسيره: {نزاعة}: يعني: أكالة.

*قوله: {لِلشَّوَى}:* مفردها: شواة. وهي: جلدة الرأس. يقال: سمعت كذا فاقشعرت منه شواتي: يعني جلدة رأسي (٤).

وخصت جلدة الرأس بالذكر، لغلظها وقوة التصاقها بعظم الرأس؛ ففي الآية إعجاز.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {نَزَّاعَةً لِلشَّوى}: لجلدة الرأس.
قاله نجم الدين النيسابوري في إيجاز البيان عن معاني القرآن.

قال الجرجاني في درج الدرر: {لِلشَّوَى}: واحدتها شواة وهي جلدة الرأس خاصة.

قال ابن قتيبة في غريب القرآن: يريد: جلود الرءوس.

قال الواحدي في الوجيز: يعني: جلود الرأس تقشرها عنه.

قال البقاعي في نظم الدرر: {نزاعة للشوى}: أي هي شديدة النزع لجلود الرؤوس بليغته فما الظن بغيره من الجلد.

المعنى الاجمالي للآية، من كتاب "المختصر في التفسير":

﴿نَزّاعَةً لِلشَّوى﴾ [المعارج: 16]:
تفصل جلدة الرأس فصلاً شديدًا من شدة حرّها واشتعالها.
.............................. ......

(١): قال علي بن فضّال في النكت: والنزع: الاقتلاع، وقيل: {نَزَّاعَةً} للتكثير، ...

قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والنزاعة: مبالغة في النزع وهو الفصل والقطع.

وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: ن ز ع
نَزّاع [مفرد]: صيغة مبالغة من نزَعَ/ نزَعَ إلى: " {كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى. نَزَّاعَةً لِلشَّوَى}: قلاّعة للأطراف أو جلد الرأس".

قال ابن فورك في تفسيره : الكشط: القلع عن شدة الفراق كَشَطَ جلدة الرأس يكشطها كشطاً إذا قلعها، فقلع السّماء عن مكانها على شدة وثاقاها في اعتمادها كقلع جلدة الرأس عن مكانها.

(٢): قال ابن منظور في اللسان: والنسف: القلع.

(٣): قال النسفي في مدارك التنزيل: {للشوى} لأطراف الإنسان كاليدين والرجلين أو جمع شواة وهي جلدة الرأس تنزعها نزعاً فتفرقها ثم تعود إلى ما كانت.

وقال ابن كثير في تفسيره: وقال الضحاك: تبري اللحم والجلد عن العظم، حتى لا تترك منه شيئا.

(٤): قال الزمخشري في أساس البلاغة: ش و ي: سمعت كذا فاقشعرت منه شواتي: جلدة رأسي.

عبدالرحيم آل حمودة
2018-11-03, 10:12 PM
*"معاني وغريب القرآن"*

- جمع، ورتيب: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي. للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

قوله تعالى:
﴿تَدعو مَن أَدبَرَ وَتَوَلّى﴾ [المعارج: 17].

*قوله {تَدعو}:* أي تنادي. والدعاء: النداء بصوت مسموع عال (١).

يريد: تنادي جهنم إلى نفسها (٢)؛ بصوت مخيف عال قبيح، كما قال: ﴿إِذا أُلقوا فيها سَمِعوا لَها شَهيقًا وَهِيَ تَفورُ﴾ [الملك: 7]، يعني: إذا طُرحوا في النار سمعوا صوتًا قبيحًا شديدًا؛ من شدة غليانها.

قال أبو الحسن الرماني في النكت في إعجاز القرآن: {شهيقا}: حقيقته صوتا فظيعا كشهيق الباكي، والاستعارة أبلغ منه وأوجز، والمعنى الجامع بينهما قبح الصوت.

قال الزجاج في معاني القرآن: وقوله عزَّ وجلَّ: {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ}: وهو أقبح الأصوات وهو كصوت الحمار.

انتهى

قال الأزدي في جمهرة اللغة: والنِّداء: نِداء الصَّوْت، وَهُوَ بُعْدُ مَدَاه. وَأنْشد: (فَقلت ادْعي وأدَعُوَ إنأنْدَى ... لصوتٍ أَن يناديَ داعيانِ) أَي أبْعَد لمداه.

قلت (عبدالرحيم): ومنه قوله تعالى: ﴿لا تَدعُوا اليَومَ ثُبورًا واحِدًا وَادعوا ثُبورًا كَثيرًا﴾ [الفرقان: 14]،
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: والدعاء: النداء بأعلى الصوت.

ومنه: ﴿فَدَعا رَبَّهُ أَنّي مَغلوبٌ فَانتَصِر﴾ [القمر: 10]،
قال يحيى بن سلام في التصاريف: يعني نادى ربَّه.

ومنه: ﴿قُل إِنَّما أُنذِرُكُم بِالوَحيِ وَلا يَسمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنذَرونَ﴾ [الأنبياء: 45]،
قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {ولا يسمع الصم الدعاء}: يعني: النداء.

ومنه: ﴿يَومَ يَدعوكُم فَتَستَجيبونَ بِحَمدِهِ وَتَظُنّونَ إِن لَبِثتُم إِلّا قَليلًا﴾ [الإسراء: 52]،
قال القرطبي في تفسيره: الدعاء: النداء إلى المحشر بكلام تسمعه الخلائق.

ومنه: ﴿إِن تَدعوهُم لا يَسمَعوا دُعاءَكُم وَلَو سَمِعوا مَا استَجابوا لَكُم وَيَومَ القِيامَةِ يَكفُرونَ بِشِركِكُم وَلا يُنَبِّئُكَ مِثلُ خَبيرٍ﴾ [فاطر: 14]،
قال يحيى بن سلام في التصاريف: يعني يوم يناديكم إِسرافيل.

ومنه: ﴿الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي وَهَبَ لي عَلَى الكِبَرِ إِسماعيلَ وَإِسحاقَ إِنَّ رَبّي لَسَميعُ الدُّعاءِ﴾ [إبراهيم: 39]، لَسَميعُ الدُّعاءِ: أي لمجيب النداء.

ومنه: ﴿فَتَوَلَّ عَنهُم يَومَ يَدعُ الدّاعِ إِلى شَيءٍ نُكُرٍ﴾ [القمر: 6]،
قال يحيى بن سلام في التصاريف: يعني نادى ربَّه: يعني ينادي المنادي.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {تَدعو}: تنادي: قَول ثَعْلَب.
قاله غلام ثعلب في ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن.

قال القشيري في تفسيره: قوله جل ذكره: {تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى}: تقول جهنم للكافر والمنافق: يا فلان ... إليّ إليّ.

قال ابن كثير في تفسيره: وقوله: {تدعوا من أدبر وتولى وجمع فأوعى}: أي: تدعو النار إليها أبناءها الذين خلقهم الله لها، وقدر لهم أنهم في الدار الدنيا يعملون عملها، فتدعوهم يوم القيامة بلسان طلق ذلق، ثم تلتقطهم من بين أهل المحشر كما يلتقط الطير الحب.

قلت (عبدالرحيم): ونداء جهنم وكلامها على الحقيقة؛ فهي تتكلم بصوت مسموع؛ كما قال: ﴿يَومَ نَقولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امتَلَأتِ وَتَقولُ هَل مِن مَزيدٍ﴾ [ق: 30]، وهذا نص صريح، في أنها تتكلم وتطلب الزيادة. وذلك على الله سهل يسير.

وفي الحديث: «تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ لَهَا عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ، يَقُولُ: إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلَاثَةٍ، بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَبِالمُصَوِّرِ ينَ» (٣).

وكذلك تبصر - جنهم - من وكلت بهم؛ ممن حق عليهم العذاب، قال الله: ﴿إِذا رَأَتهُم مِن مَكانٍ بَعيدٍ سَمِعوا لَها تَغَيُّظًا وَزَفيرًا﴾ [الفرقان: 12]، فقوله: {إِذا رَأَتهُم}: يعني: إذا أبصرتهم.

فيوم القيامة يشخص بصر الكافر لما يرى من العجائب التي كان يكذب بها في الدنيا، فالذي أنطق جوارج الإنسان يوم القيامة، قادر أن ينطق جهنم؛ قال الله: ﴿وَقالوا لِجُلودِهِم لِمَ شَهِدتُم عَلَينا قالوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذي أَنطَقَ كُلَّ شَيءٍ وَهُوَ خَلَقَكُم أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيهِ تُرجَعونَ﴾ [فصلت: 21].

*قوله {مَن أَدبَرَ}:* عن الإيمان.
قاله البغوي في تفسيره، وابن أبي زمنين في تفسيره، وغيرهم.

قال الأزدي في جمهرة اللغة: والإدبار: خلاف الإقبال.

*قوله {وَ}:* تدعو من:

*قوله {تَوَلّى}:* أعرض.
قاله الواحدي في الوجيز، وأبو السعود في تفسيره، وغيرهم.

إلا أن أبا السعود قال: أعرض عن الطاعة.

قال الأزدي في تهذيب اللغة: و (التَّوَلِّي) يكون بِمَعْنى: الْإِعْرَاض، وَيكون بِمَعْنى: الاتّباع.

قلت (عبدالرحيم): ومن الأول، قوله تعالى: ﴿عَبَسَ وَتَوَلّى﴾ [عبس: 1]،
قال الطبري في تفسيره: (وتولى) يقول: وأعرض.

ومنه: ﴿وَأَن أَلقِ عَصاكَ فَلَمّا رَآها تَهتَزُّ كَأَنَّها جانٌّ وَلّى مُدبِرًا وَلَم يُعَقِّب يا موسى أَقبِل وَلا تَخَف إِنَّكَ مِنَ الآمِنينَ﴾ [القصص: 31]،
قال القاسمي في محاسن التأويل: ولى مدبرا أي أعرض بوجهه عنها. جاعلا ظهره إليها.

ومنه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} الأنفال: (20)،
قال ابن الجوزي في زاد المسير: ومعنى التولِّي: الإِعراض عن طاعة الله ورسوله.

ومنه: ﴿أَفَرَأَيتَ الَّذي تَوَلّى﴾ [النجم: 33]، قال السمرقندي في بحر العلوم: يعني: أعرض عن الحق، وهو الوليد بن المغيرة، ومن كان في مثل حاله.

قال النسفي في مدارك التنزيل: {أَفَرَأَيْتَ الذى تولى}: أعرض عن الإيمان.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) يقول: تدعو لظى إلى نفسها من أدبر في الدنيا عن طاعة الله، وتولى عن الإيمان بكتابه ورسله.
قاله الطبري في تفسيره.

قال البغوي في تفسيره: تدعو، النار إلى نفسها، من أدبر، عن الإيمان، وتولى، عن الحق فتقول إلي يا مشرك إلي يا منافق إلي إلي.

قال ابن عطية في المحرر: وقوله تعالى: {تدعوا من أدبر وتولى}: يريد الكفار.

نكتة:

فإن قلت: لم جمع بين التولي والإدبار، مع أنه من الممكن أن يكتفى بأحدهما؟.

قيل: جمع بين الإدبار والتولي مبالغة في كفرهم وعنادهم، والتنبيه على كفرهم بقلوبهم وجوارحهم؛ كما قال: ﴿الَّذينَ كَفَروا وَصَدّوا عَن سَبيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعمالَهُم﴾ [محمد: 1]،
فجمع بين كفرهم وصدهم.

فجمع بين التولية والإدبار في قوله تعالى: {أدبر وتولى}: لإفراطهم وابعادهم عن الحق، وتكلفهم النفور منه والإعراض عنه؛ فهم أدبروا عن الإيمان بقلوبهم بالتكذيب، وتكلفوا الإعراض عن العمل بمقتضاه بجوارحهم؛ كما قال عنهم: ﴿قالوا لَم نَكُ مِنَ المُصَلّينَ۝وَل َم نَكُ نُطعِمُ المِسكينَ۝وَكُن ّا نَخوضُ مَعَ الخائِضينَ۝وَكُ نّا نُكَذِّبُ بِيَومِ الدّينِ﴾ [المدثر: 43-46]، فجمعوا بين كفر التكذيب بقلوبهم، وبين الكفر بالجوارح من ترك الصلاة وإطعام المسكين.

وكما أخبر عن تكذيب قوم نوح؛ ﴿كَذَّبَت قَبلَهُم قَومُ نوحٍ فَكَذَّبوا عَبدَنا وَقالوا مَجنونٌ وَازدُجِرَ﴾ [القمر: 9]، فالتكذيب عمل القلب، والقول عمل الجوارح، بل كان من فرط اعراضهم بالجوارح، ما أخبر عن قيل نوح - عليه السلام -: ﴿وَإِنّي كُلَّما دَعَوتُهُم لِتَغفِرَ لَهُم جَعَلوا أَصابِعَهُم في آذانِهِم وَاستَغشَوا ثِيابَهُم وَأَصَرّوا وَاستَكبَرُوا استِكبارًا﴾ [نوح: 7].

وقال: ﴿فَما لَهُم عَنِ التَّذكِرَةِ مُعرِضينَ۝كَأَن َّهُم حُمُرٌ مُستَنفِرَةٌ﴾ [المدثر: 49-50].،
قال الإيجي الشافعي في جامع البيان: أي: كأنهم في نفارهم عن الحق حمر وحشية فرت مِنْ مَنْ يصيدها، أو من الأسد. انتهى

قال المناوي في التوقيف على مهمات التعاريف: التولي: الإعراض المتكلف بما يفهمه التفعل. ذكره الحرالي.

قال الكفوي في الكليات: والإعراض: الانصراف عن الشيء بالقلب قال بعضهم: " المعرض والمتولي يشتركان في ترك السلوك، إلا أن المعرض أسوأ حالا، لأن المتولي متى ندم سهل عليه الرجوع والمعرض يحتاج إلى طلب جديد، وغاية الذم الجمع بينهما ".

ولله در ابن كثير - رحمه الله -، حيث قال في قوله تعالى: {أدبر وتولى}: أي: كذب بقلبه، وترك العمل بجوارحه.

قال الرازي في تفسيره: وقوله: {من أدبر وتولى}: يعني من أدبر عن الطاعة وتولى عن الإيمان.
وجمع المال فأوعى أي جعله في وعاء وكنزه، ولم يؤد الزكاة والحقوق الواجبة فيها فقوله: أدبر وتولى إشارة إلى الإعراض عن معرفة الله وطاعته.

المعنى الإجمالي للآية، من كتاب "المختصر في التفسير"

﴿تَدعو مَن أَدبَرَ وَتَوَلّى﴾ [المعارج: 17]
تنادي من أعرض عن الحق، وأبعد عنه ولم يؤمن به ولم يعمل.
............................

(١): قال العسكري في معجم الفروق اللغوية: الفرق بين الدعاء والنداء أن النداء هو رفع الصوت بما له معنى والعربي يقول لصاحبه ناد معي ليكون ذلك أندى لصوتنا أي أبعد له والدعاء يكون برفع الصوت وخفضه يقال دعوته من بعيد ودعوت الله في نفسي ولا يقال ناديته في نفسي وأصل الدعاء طلب الفعل دعا يدعو وادعى ادعاء لأنه يدعو إلى مذهب من غير دليل وتداعى البناء يدعو بعضه بعضا إلى السقوط والدعوى مطالبة الرجل بمال يدعو إلى أن يعطاه وفي القرآن تدعو من (أدبر من أدبر تولى) أي يأخذه العذاب كأنه يدعوه إليه.

(٢): قال البغوي في تفسيره: {تدعوا} أي: النار إلى نفسها.

(٣): رواه الترمذي في سننه (٢٥٧٤)، من حديث أبي هريرة مرفوعا، وذكره الالباني في الصحيحة برقم (512).

عبدالرحيم آل حمودة
2018-11-21, 03:19 PM
*"معاني وغريب القرآن"*

- جمع، ورتيب: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

قوله تعالى:
﴿وَجَمَعَ فَأَوعى﴾ [المعارج: 18].

*قوله {وَ}:* تدعو من (١). يريد: وتدعو "لظى" من:

*قوله {جَمَعَ}:* يعني: جمع المال؛ كما قال: ﴿الَّذي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ﴾ [الهمزة: 2]، قال ابن كثير في تفسيره: وقوله: {الذي جمع مالا وعدده} أي: جمعه بعضه على بعض، وأحصى عدده.

قال الراغب الأصفهاني في النفردات: "جمع": الجَمْع: ضمّ الشيء بتقريب بعضه من بعض، يقال: جَمَعْتُهُ فَاجْتَمَعَ، وقال عزّ وجل: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [القيامة/ 9] ، {وَجَمَعَ فَأَوْعى} [المعارج/ 18].

انتهى

فقوله: {جَمَعَ}: المال.
قاله البغوي في تفسيره، الماوردي في النكت والعيون، وابن أبي زمنين في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، وغيرهم جمع.

إلا أن ابن أبي زمنين قال: يعني: جمع المَال فأوعاه.

*قوله {فَأَوعى}:* أي فحفظه في أوعية.

والمعنى: تدعو لظى إليها من أدبر وتولى، وجمع المال فأوعاه، ولم يؤد حق الله فيه.

قال الرازي في تفسيره: فأصل الكلمة من الوعاء، فيقال: أوعيت الشيء أي جعلته في وعاء.

قال الراغب في المفردات: والإِيعَاءُ: حفظ الأمتعة في الوِعَاءِ.

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل: يقال: أوعيت المال وغيره إذا جمعته في وعاء.

قال البقاعي في نظم الدرر: والوعي: الحفظ في النفس، والإيعاء: الحفظ في الوعاء.

قلت (عبدالرحيم): ومن الأول قوله تعالى: ﴿لِنَجعَلَها لَكُم تَذكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ﴾ [الحاقة: 12]، قال الطبري في تفسيره: وقوله: (وَتَعِيَهَا*أُذ ُنٌ*وَاعِيَةٌ): يعني:*حافظة،*عقل عن الله ما سمعت.

قال ابن الهائم في التبيان في غريب القرآن: أي تحفظها*أذن*حافظة ، من قولك: وعيت العلم، إذا حفظته.

ومن الثاني: قوله تعالى: ﴿فَبَدَأَ بِأَوعِيَتِهِم قَبلَ وِعاءِ أَخيهِ ثُمَّ استَخرَجَها مِن وِعاءِ أَخيهِ ...﴾ [يوسف: 76].

انتهى

فمعنى قوله تعالى: {وجمع فأوعى}: يقول: وجمع مالا فجعله في وعاء، ومنع حق الله منه، فلم يزكِ، ولم ينفق فيما أوجب الله عليه إنفاقه فيه.
قاله الطبري في تفسيره.

قال الفراء في معاني القرآن: فلم يؤد منه زكاة، ولم يصل رحما.

قال القرطبي في تفسيره: فكان جموعا منوعا.

تنبيه:

قلت (عبدالرحيم): لا يعاب على المرء مجرد جمع المال، ولأنه مما جبلت عليه النفوس؛ فالآية تشير إلى فرط بخله وحرصه وطول أمله واعراضه عن الآخرة، وهذا شأن الكفار؛ كما قال: ﴿ذَرهُم يَأكُلوا وَيَتَمَتَّعوا وَيُلهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوفَ يَعلَمونَ﴾ [الحجر: 3].

قال ابن جزي الغرناطي في التسهيل، في قوله تعالى: {وجمع فأوعى}: وهذه إشارة إلى قوم من أغنياء الكفار جمعوا المال من غير حله ومنعوه من حقه.

قال الرازي في التفسير الكبير: وقوله: {وجمع فأوعى}: إشارة إلى حب الدنيا، فجمع إشارة إلى الحرص، وأوعى إشارة إلى الأمل، ولا شك أن مجامع آفات الدين ليست إلا هذه.

قال أبو السعود في تفسيره: تشاغل به عن الدين، وزهى باقتنائه حرصا وتأميلا.
..........................

(١): قال مكي في الهداية إلى بلوغ النهاية: أي: وتدعو من جمع مالاً فجعله في وعائه ومنع حق الله منه. ومعنى " أوعى ": أحاط بِمَنْعِ المَالِ وحِفْظِه، ومنه: وَعيْت العلم، وأذنٌ واعيةٌ.

عبدالرحيم آل حمودة
2018-11-21, 03:22 PM
*"معاني وغريب القرآن"*

- جمع، ورتيب: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424

قوله تعالى:
﴿إِنَّ الإِنسانَ خُلِقَ هَلوعًا﴾ [المعارج: 19].

*قوله {إِنَّ}:* توكيد للجملة (١).

*قوله {الْإِنْسَانَ}:* في معنى: الناس (٢).
لأن الإنسان هنا: اسم جنس، يقع على الواحد والجميع؛ وبدليل ما بعده {إلا المصلين}؛ فاستثنى من الناس المصلين. ونظير ذلك قوله تعالى: {خَلَقَ*الإنسان* ِنْ*عَلَقٍ}: قال الماوردي في النكت والعيون: يريد بالإنسان جنس الناس كلهم،*خلقوا*من*ع ق*بعد النطفة.

قال الطبري في تفسيره: {إِنَّ الإِنسانَ}: الكافر.

قال الرازي في تفسيره: قال بعضهم: المراد بالإنسان هاهنا الكافر، وقال آخرون: بل هو على عمومه، بدليل أنه استثنى منه إلا المصلين.

*قوله {خُلِقَ}:* ولم يقل "خلقناه"؛ ليفيد استعمال الأدب مع الله، مع أنه هو الذي خلق وركب فيه هذه الأخلاق. ونحوه: ﴿وَإِذا مَرِضتُ فَهُوَ يَشفينِ﴾ [الشعراء: 80]، فلم يقل: أمرضني؛ تأدبا.
قال القشيري في تفسيره: لم يقل: وإذا أمرضنى لأنه حفظ أدب الخطاب (٣).

قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {وإذا مرضت}: هو استعمال أدب، وإلا فالممرض والشافي هو الله تعالى بإجماع أهل الدين.

*قوله {هَلُوعًا}:* الْهَلُوعُ: فَعُولٌ مِنَ الْهَلَع،ِ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ (٤).

قال الطبري في تفسيره: والهلع: شدة الجزع مع شدة الحرص والضجر.

قال ابن سيدة في المخصص: والهلع: شدة الحرص وقلة الصبر. ورجل هلع وهالع وهلوع وهلواع هلواعة.

قال الحميري في شمس العلوم: [الهلوع]: الجزوع.

قال القرطبي في تفسيره: والهلع في اللغة : أشد الحرص وأسوأ الجزع وأفحشه ... والمعنى أنه لا يصبر على خير ولا شر حتى يفعل فيهما ما لا ينبغي .

قال الألوسي تفسيره: الهلع سرعة الجزع عند مس المكروه وسرعة المنع عند مس الخير من قولهم ناقة هلوع سريعة السير.

انتهى

فمعنى قوله تعالى: ﴿إِنَّ الإِنسانَ خُلِقَ هَلوعًا﴾
[المعارج: 19]، ضجورا، شحيحا، جزوعا، من الهلع وهو: شدة الحرص، وقلة الصبر، والمفسرون يقولون: تفسير الهلوع: ما بعده، وهو قوله: ﴿إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزوعًا۝وَإِذا مَسَّهُ الخَيرُ مَنوعًا﴾ [المعارج: 20-21]، إذا أصابه الفقر لا يصبر، ولا يحتسب، وإذا أصابه المال منعه من حق الله.
قاله الواحدي في الوسيط.

قال النسفي في مدارك التنزيل: وسأل محمد بن عبد الله بن طاهر ثعلباً عن الهلع فقال قد فسره الله تعالى ولا يكون تفسير أبين من تفسيره وهو الذي إذا ناله شر أظهر شدة الجزع وإذا ناله خير بخل به ومنعه الناس وهذا طبعه وهو مأمور بمخالفة طبعه وموافقة شرعه والشر الضر والفقر والخير السعة والغنى أو المرض والصحة.
.............................. ....

(١): قال ابن سيده في المخصص: وَمعنى "إنَّ" توكيد.

(٢): قال الزجاج في معاني القرآن: الإنسان ههنا في معنى "الناس".

(٣): قال ابن عطية في المحرر: فأسند الفعل قبل وبعد إلى الله تعالى، وأسند المرض إلى لنفسه، إذ هو معنى نقص ومصيبة، وهذا المنزع يطرد في فصاحة القرآن كثيرا.

(٤): قاله الشنقيطي في أضواء البيان.

عبدالرحيم آل حمودة
2021-11-20, 05:48 PM
﴿إِذا وَقَعَتِ الواقِعَةُ﴾ [الواقعة: ١]:


{إِذا}: يريد: اذكر إذا.


قال النسفي في مدارك التنزيل: وانتصاب "إذا"، بإضمار "اذكر".


{وَقَعَتِ}: أي: نزلت، وجاءت.
قاله القاسمي في محاسن التأويل.


قال الزجاج في معاني القرآن: تقول: "قد وقع الأمر"، كقولك: "قد جاء الأمر".


قال النسفي في مدارك التنزيل: و"وقوع الأمر": نزوله، يقال: "وقع ما كنت أتوقعه"، أي: نزل ما كنت أترقب نزوله.


قلت (عبدالرحيم): وإيثار التعبير بالوقوع، إشارة إلى شدتها وهجومها بغتة؛ كما قال: ﴿ثَقُلَت فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ لا تَأتيكُم إِلّا بَغتَةً﴾ [الأعراف: ١٨٧]، وقال: ﴿إِنَّ زَلزَلَةَ السّاعَةِ شَيءٌ عَظيمٌ﴾ [الحج: ١]؛ قال ابن جزي في التسهيل: فالواقعة، اسم من أسماء القيامة، تدل على هولها كالطامة والصاخة.


{الواقِعَةُ}: القيامة.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، والزجاج في معاني القرآن.
إلا أن الزجاج يقول: و”الواقعة“، ههنا: الساعة، والقيامة.


قال ابن كثير في تفسيره: سميت بذلك، لتحقق كونها ووجودها، كما قال: ﴿فيومئذ وقعت الواقعة﴾ [الحاقة: ١٥].
انتهى


- أعدّه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة.
---
• انضم إلينا عبر تليجرام:
https://t.me/abd1442
• أو عبر واتساب (مجموعة):
https://chat.whatsapp.com/I9afmlZem4oALHtFQDTYot
• أو عبر صفحتنا على فيسبوك:
https://cutt.us/baaRT
---
• تعرف على تطبيق "غريب" لمعاني القرآن:
- أندرويد: https://2u.pw/hjh1L
- آيفون: http://bit.ly/Ghareebios
- هواوي: http://bit.ly/GhareebHW
التعريف بالتطبيق - أ. د. عبدالرحمن بن معاضة الشهري، مدير مركز تفسير للدراسات القرآنية بالرياض:
https://youtu.be/9KMTZMca1Fg