المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مجالس فقهية ( 6 ) الإمام الشافعي رحمه الله ..



محبرة الداعي
2008-05-17, 03:01 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. أما بعد ::

فها نحن في مجلس الإمام الشافعي ولم يتبقى لنا في المجالس عدد ما مضى فقد قاربت شمسها الأفول .. وتلك سنة الله تعالى في الحياة .. أن ليس عليها ما يدوم .. وأذكر بما سبق التذكير به أن هذه المجالس ليست إلا إشارات ونقاط لا تحصر ولا تستوعب .. إنما هي نوع توضيح وتسهيل وتقريب .. والله الموفق بمنّه وكرمه ..

المذهب الشافعي :

إمام المذهب : هو محمد بن إدريس بن العباس المطلبي القرشي يلتقي نسبه مع النبي صلى الله عليه وسلم في جده عبد مناف ويكنى بأبي عبدالله .

مولده ووفاته :

كان ميلاد الإمام سنة 150 للهجرة وهي السنة التي توفي فيها الإمام النعمان بن ثابت ( أبو حنيفة ) وكان مولده في فلسطين المباركة قيل ولد في غزة وقيل بل في عسقلان وقيل وهو قول ضعيف ولد في اليمن !

عاش يتيما رحمه الله وانتقل بعد سنتين إلى مكة المكرمة ونشأ فيها وكانت بدايته في العلم من هناك , رحل إلى المدينة ثم إلى العراق وكان له فيها مذهب عرف بالمذهب القديم , ثم انتقل إلى مصر وله كان فيها المذهب الجديد الذي هو المذهب المعتمد للإمام الشافعي رحمه الله تعالى , وتوفي في مصر سنة 204 للهجرة .

قالوا فيه :

أدركت العناية الربانية هذا الرجل , فبهر من حوله بحسن أخلاقة وجزالة عباراته , ودقة فهمه , وحسن لفظه , وسلامة قلبه , وعلو نفسه , وقوة حجته , وأثر وعظه , كان ذكيا حافظا , يروى عنه أنه حفظ موطأ مالك في تسع ليال , جلس للإفتاء في سن مبكرة لما ظهر من نباهته وفقهه !

قال عبدالله ابن الإمام أحمد : قلت لأبي أي رجل كان الإمام الشافعي ؟! فإني سمعتك تكثر الدعاء له . فقال لي : كان الشافعي كالشمس للدنيا , وكالعافية للناس , فانظر هل لهذين من خلف , أو عنهما من عوض !

وقال : الشافعي أحد ستة أدعو لهم !

وذلك لعظم ما كان بينهما من ود ومحبة يقول الشافعي رحمه الله تعالى كما ديوانه :


قالوا يزورك أحمد وتزوره = قلت الفضائل لا تغادر منزله
إن زارني فبفضله وإن زرته فلفضله = فالفضل في الحالين له !

يقول أبو ثور وهو أحد طلابه : ما رأينا مثل الشافعي , ولا هو رأى مثل نفسه !

ويقول محمد بن الفضل البزاز : سمعت أبي يقول : حججت مع أحمد بن حنبل , ونزلنا بمكان واحد – يعني بمكة – وخرج أبو عبدالله باكرا , وخرجت أنا معه , فلما صلينا الصبح درت المسجد , فجئت مجلس سفيان بن عيينة , وكنت طالبا لأحمد بن حنبل حتى وجدته عند شاب أعرابي وعليه ثياب مصبوغة , وعلى رأسه جمة , فزاحمت حتى قعدت عند أحمد بن حنبل و فقلت : يا أبا عبدالله , تركت ابن عيينة وعنده الزهري , وعمرو بن دينار , وزياد بن علاقة , والتابعون ما الله به عليم ! فقال لي : اسكت ؛ فإن فاتك حديث يعلو تجده بنزول , ولا يضرك في دينك , ولا في عقلك , ولا في فهمك . وإن فاتك عقل هذا الفتى أخاف ألا تجده إلى يوم القيامة . ما رأيت أحدا أفقه في كتاب الله من هذا الفتى القرشي , قلت من هذا ؟! قال : محمد بن إدريس .

وقال محمد بن عبدالله بن عبد الحكم : ما رأيت الشافعي يناظر أحدا إلا ورحمته ولو رأيت الشافعي يناظر لظننت أنه سبع يأكلك , وهو الذي علم الناس الحجج !

وقال أبو زرعة وهو إمام في الحديث : ما عند الشافعي حديث غلِّط فيه !

شيوخه :

أخذ الشافعي رحمه الله العلم في مقتبل عمره من علماء مكة ويروى أن سبب أخذه للعلم أن أحد أبناء عمومته رأى الشافعي مكبا على الشعر فقد تربى الشافعي في بادية بني هذيل وأخذ عنهم العربية والأشعار حتى بلغ فيها مبلغ الرجال حتى قال وهو إمام في اللغة صححت أشعار بني هزيل لفتى من قريش يقال له الشافعي لما كان شابا , فقال له لو انصرفت إلى الفقه لكان أنفع لك وأولى بك , فكان لها أثرا ووقعا في نفسه رحمه الله فاتجه إلى العلم والعلماء وطلب العلم على أيديهم فمن هؤلاء مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة في زمانه وفقيهها , وسفيان بن عيينة شيخ المحدثين , مالك بن أنس إمام المذهب المالكي وكان للشافعي حظوة عنده رحمه الله , وانتقل إلى اليمن وأخذ العلم عن أئمتها كعمرو بن أبي مسلمة , وتولى القضاء فيها , ولم يكن على صفاء مع واليها يقول الشافعي رحمه الله :
خرجت إلى اليمن فارتفع لي بها الشأن و وكان بها وال من قبل الرشيد وكان ظلوما غشوما , وكنت ربما آخذ علي يديه وأمنعه من الظلم . ثم يحكي الشافعي خبره مع وشاية الوالي عليه للخليفة هارون الرشيد فيقول : وكان باليمن تسعة من العلوية قد تحركوا , وإني أخاف أن يخرجوا , وإن هاهنا رجلا من ولد شافع المطلب لا أمر لي معه ولا نهي !
قال : فكتب إليه هارون : إن احمل هؤلاء واحمل الشافعي معهم , فقرنت معهم ! فلما قدمنا على هارون الرشيد , أدخلنا عليه وعنده محمد بن الحسن . وكان قبل ذلك في السجن يحصل بعض النقاش في السجن وعرف بذلك رحمه الله وأنه فقيه وأخباره كثيرة لا يتسع ذكرها هنا ..

قال : فدعا هارون بالنطع والسيف وضرب رقاب العلوية , ثم التفت محمد بن الحسن فقال : يا أمير المؤمنين , هذا المطلبي , لا يغلبنك بفصاحته , فإنه رجل لَسِن ! فقلت : مهلا يا أمير المؤمنين , فإنك أنت الداعي وأنا المدعو , وأنت القادر على ما تريد مني , ولست أقدر على ما أريده منك ! يا أمير المؤمنين ما تقول في رجلين : أحدهما يراني أخاه , والآخر يراني عبده ! أيهما أحبَّ إلي ؟! فقال : الذي يراك أخاه . قال فقلت فذاك أنت يا أمير المؤمنين . قال فقال لي : كيف ذاك ؟ فقلت يا أمير المؤمنين , إنكم ولد العباس وهم ولد علي , ونحن بنو المطلب فأنتم ولد العباس ترونا إخوتكم وهم يرونا عبيدهم ! قال : فسري ما كان به فاستوى جالسا .. فذكر خبره وما حدث له في السجن وكيف أن هارون أعجب به وعفا عنه وأمر له بعطاء بعد أن عرض على السيف !

ذهب بعد ذلك إلى مكة وجلس للتدريس فيها ثم عاد إلى بغداد ولقي أحمد بن حنبل وكان له فيها فقها عرف فيما بعد القول القديم كما سبق وبينا .

وأخذ العلم عن محمد بن الحسن , وداود العطار , وإسماعيل بن علية , والفضيل بن عياض , وغيرهم رحم الله الجميع .


أصول المذهب :

يعد الإمام الشافعي رحمه الله تعالى من أوائل من صنف في علم أصول الفقه في كتابه الشهير الرسالة , وذكر الشافعي أصول مذهبه وهي الكتاب والسنة والإجماع فيما ليس فيه نص من كتاب ولا سنة ! وكذلك قول الصحابي إن لم يكن مخالف منهم والقياس ويحتج بخبر الواحد ولا يشترط فيه الشهرة ولا موافقة عمل أهل المدينة إن كان صحيحا . ومما أخذ على المذهب الشافعي الأخذ بظاهر النصوص وتغليب اللفظ على المعنى , ولم يأخذ بالاستحسان ولا المصالح المرسلة , ولا سد الذرائع ..

تلاميذ الشافعي وأصحابه :

تميز الإمام الشافعي بأمور لم تتوفر في غيره من الأئمة فقد تلقى العلم في بداية طلبه على أشهر علماء مدرسة الحجاز في مكة المكرمة ثم مالك بن أنس إمام دار الهجرة ثم ناشر المذهب الحنفي وإمامه محمد بن الحسن الشيباني وعاصر فريد عصره الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله , فكثر طلابه فمنهم :

الحسن بن محمد المشهور بالزعفراني والحسن بن علي المشهور بالكرابيسي , وإسماعيل بن يحيى المزني وهو أشهرهم الذي قال عنه الشافعي : المزني ناصر مذهبي ! , وأبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي , والربيع بن سليمان المرادي الذي قال عنه الشافعي : ما خدمني أحد ما خدمني الربيع بن سليمان ! والإمام أحمد بن حنبل , أبو ثور الكلبي , وغيرهم الكثير ..

كتب المذهب :

يعد الإمام الشافعي رحمه من الأئمة الذين صنفوا , وكتبوا علمهم ودونوه , فقد ألف رحمه الله تعالى كتابه ( الأم ) وهو من أقدم كتب الفقه وبيّن فيه منهجه في الاستنباط والاستدلال بيانا عمليا ويمثل هذا الكتاب القول الجديد والمعتمد للإمام رحمه الله .

الرسالة كذلك للإمام نفسه وهي تعد الأولى في علم أصول الفقه .

مختصر المزني لإسماعيل بن يحيى المزني ناصر المذهب , وقد طبقت شهرت هذا المختصر الآفاق وهو أحد أربعة كتب قرأت على الإمام وأقرها وهي كتابه الأم وكتاب الإملاء وهذا المختصر ومختصر البويطي .

جاوزت شروح المختصر أربعين شرحا ومن أشهر شروحه كتاب الحاوي الكبير لأبي الحسن علي بن محمد الماوردي الذي قال عنه ابن خلكان لم يطالعه أحد إلا وشهد له بالتبحر !

وهو مطبوع وأضيف إليه بعض الرسائل النافعة .

من الكتب كذلك ..:

نهاية المطلب في دراية المذهب لإمام الحرمين الجويني رحمه الله .. وقد شرح هذا الكتاب واختصر وممن اختصر الغزالي في كتابه البسيط في المذهب ثم اختصر البسيط إلى الوسيط في المذهب ثم اختصره في كتابه الوجيز ومن أسهل شروحه فتح العزيز شرح الوجيز لأبي القاسم عبدالكريم بن محمد الرافعي واختصر هذا الشرح الإمام النووي رحمه الله في كتابه روضة الطالبين وعمدة المحققين .

ومن الكتب كذلك ..:

المهذب لأبي إسحاق الشيرازي وشرحه النووي في كتابه المجموع لكنه لم توفي قبل إتمامه فأكمله تاج الدين السبكي من باب الربا واخترمته المنية قبل إتمامه فأكمله المطيعي .

وتوجد طبعة فيها السبعة كتب كتاب المهذب مع المجموع والوجيز وشرحه فتح العزيز والتلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لابن حجر العسقلاني ..

ومن الكتب المعتمدة عند المتأخرين أيضا :

كتاب منهاج الطالبين المعروف بالمنهاج للنووي رحمه الله وشروحه كثيرة من أشهرها :

مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج لمحمد الشربيني

وكتاب نهاية المحتاج للجمال الرملي , وكتاب تحفة المحتاج شرح المنهاج لابن حجر الهيتمي .


مصطلحات عند الشافعية :

الأقوال : تطلق على اجتهادات الإمام الشافعي .

الأوجه والطرق : تطلق على اجتهادات الأصحاب والتلاميذ .

القول أو المذهب القديم : يطلق على رأي الشافعي في العراق .

المذهب أو القول الجديد : يطلق على رأي الشافعي الأخير . وهو المعتمد في رأيه .

نص الشافعي على كذا : أي نص الإمام على حكمها .

الصحيح كذا : إذا كان الخلاف ضعيفا .

الأصح كذا : إذا كان الخلاف قويا .

ولهم مصطلحات عديدة كالأظهر وأظهر من الآخر ونحو تلك العبارات من أراد الاستزادة فليرجع إليها في مظانها ..

وإلى مجلس قادم بإذن الله تعالى والله أعلم .