مشاهدة النسخة كاملة : بشرى ( مقالات الرافعي المجهولة في اللغة والأدب )
أبو مالك المديني
2017-01-05, 07:50 PM
قيل عن الرافعي رحمه الله :
( إن أسلوبه سليم من الشوائب الأعجمية التي تقع لنا في كتاباتنا نحن العرب المتأخرين ، فكأني وأنا أقرأ له ؛ أقرأ من قلم الـمُـبَرِّد )
أحمد لطفي السيد
( إنه ليتفق لهذا الكاتب من أساليب البيان ما لا يتفق مثله لكاتب من كتاب العربية في صدر أيامها )
عباس محمود العقاد
( وكذلك تظلم الأستاذ الرافعي إن قلت إن خطه من العلم باللغة العربية وآدابها وبدقائقها وأسرارها قليل ؛ وإنما الحق أن الذين يعلمون هذه اللغة كما يعلمها الرافعي قليلون جدًّا وأحسبهم يحصون أيضًا )
طه حسين
( كان رأيي فيه دائمًا أنه أعلم أهل العربية وأوسع أدبائها اطلاعًا على علوم الدين ... وأحسبني حين أقول : إن له بين آثاره ما لا يرقى إليه قلم قديم أو حديث )
إبراهيم عبد القادر المازني
يتبع بإذن الله ..
أبو مالك المديني
2017-01-05, 09:04 PM
"مقالات الرافعي المجهولة في اللغة والأدب"
جمعها وقدم لها / وليد عبد الماجد كساب - ثغر الإسكندرية - سيدي بشر - الأحد 11 ذو القعدة 1437هــ - 14 أغسطس 2016 م
وقد نشرته المجلة العربية - كتاب المجلة العربية 242
أبو مالك المديني
2017-01-05, 11:50 PM
سأحاول جاهدا أن أكتب لكم هنا ما جاء في هذه المجلة من مقالات مجهولة للرافعي رحمه الله ، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله .
أبو مالك المديني
2017-01-10, 05:24 PM
قال وليد عبد الماجد كساب ص 13 :
أشواك في الطريق :
انتويتُ جمع تراث الرافعي المجهول واهتديتُ إلى تتبع الكتب التي أرَّخت للرافعي أو لفترة من حياته أو لمعركة من معاركه ؛ فتتبعت رسائله إلى محمود أبي رية ، وما كتبه العريان في (حياة الرافعي) ، والكاتب العراقي الدكتور مصطفى البدري في سفره الضخم (الإمام مصطفى صادق الرافعي) ، والأستاذ أنور الجندي في كتابيه (المعارك الأدبية) و(صفحات مجهولة من الأدب العربي المعاصر) ؛ فأمسكت بعض خيوط توصَّلتُ من خلالها إلى عناوين عدد من المقالات التي وردت عَرَضًا في سياق الحديث .
لكن ثمَّة صعوبات كثيرة واجهتني أثناء التنقيب في صحافة القرن الماضي وتراثه عن كتابات الرافعي المجهولة؛ وذلك بسبب من اتساع تراث الرجل وتناثره بشكل يدع الباحث حيران تتقاذفه الأوهام ، حتى لقد أحصيتُ نحو خمسين صحيفة ومجلة كتب لها الرافعي، منها مطبوعات لم أستدل ولو على عدد واحد منها لنُدرتها مثل مجلة (المضمار) الرياضية، وقد ألحقتُ بهذا الكتاب بيانًا بها إتمامًا للفائدة وإعانةً لمن رغب من الباحثين في سلوك هذه السبيل الوعرة .
كان الحصول على بعض الدوريات - التي لم تحظ بالاهتمام الكافي رغم نفاسة ما تحويه من تراث - ضربًا من المستحيل؛ فمثلا مكثتُ سنوات طويلة أبحث عن مقال الطبقات الذي نشره الرافعي مطلع القرن الماضي في (مجلة الثريا) دون جدوى حتى إنَّ أعداد المجلة كانت متاحة جميعها بدار الكتب المصرية إلا العدد الذي أبحثُ عنه، وقد ظللت أُفتِّش عنه داخل مصر وخارجها حتى أكرمني الله تعالى بأخي أحمد عبد الرحيم الذي وصلني بالصديق الأديب السعودي حامد المالكي؛ فأهداني المقال مشفوعًا بمقالات أخرى نفيسة؛ فلهما الشكر الجزيل .
يتبع بإذن الله ..
عبدُالرَّحمن بنُ القِنويّ
2017-01-11, 11:29 PM
نرجُو منكم رفع الكتاب pdf وفقكم اللهُ.
أبو مالك المديني
2017-01-12, 07:06 PM
وكيف السبيل إلى ذلك ؟
أبو مالك المديني
2017-01-19, 09:16 PM
قال كساب :
وصعَّب من مهمتي أن أكثر الصحف والمجلات القديمة لم تتم فهرستها بشكل يجعلها متاحة أمام الباحثين ، إذ لم أصادف كشافاتٍ إلا لبعض المجلات الكبرى كـ ( الرسالة) و (المقتطف) و (الهلال) وهناك مجلات محدودة الأعداد مثل مجلتي (الزهور) و (أبولو) كان البحث فيها أيسر بطبيعة الحال ؛ لكن ما عساي أن أفعل في صحيفة مثل ( المؤيد) أو ( السياسة) و ( كوكب الشرق) وغيرها من الصحف التي لم تحظ بالفهرسة وللرجل فيها عدد غير قليل من المقالات ؟!
كان التعامل مع ما عثرت عليه صعبًا ومضنيًا في الوقت ذاته ، فقد كنت أجد المقال فأنقلب إلى الناسخ مسرورًا ليكتبه ، وسرعان ما أصدم عندما أعيد قراءته فأكتشف أن صاحبنا قد أعاد نشره في كتاب له بعد تغيير العنوان فقط كما في مقاله ( في وحي الروح .. التراب المتكلم أمام التراب الصامت) الذي نشر في المقتطف وأعاد نشره في ( كتاب المساكين) وربما دمجه في مقال آخر كما في مقاله المعنون بــ ( لماذا أستمسك بالطربوش ؟!) المنشور بمجلة الهلال حيث أعاد نشره في وحي القلم وسماه ( سر القبعة) ؛ لذا أصبحت أكثر حرصًا على تحري الدقة والبحث بتؤدة وتريث حتى لا أتورط من جديد وتذهب جهودي سدى ، ولعل في هذه الأمثلة التي أوردناها دليل على تهافت الرأي القائل : إن العريان قد تصرف في مقالات الرافعي وهو الأمر الذي سبب القطيعة بينهما ، والأمثلة في هذا الشأن أكثر من أن تذكر .
أما عن مستوى جودة الدوريات محل البحث ؛ فالأصل هو عدم الوضوح لإيغالها في القدم ، وقد عانيت كثيرًا من طمس بعض الكلمات وإشكالها في الأصل ، ولعل ذلك راجع في أساسه إلى مستوى الدوريات العتيقات البائسة الآخذة بالتلف بسبب من عقوقها والإساءة إليها من (أمة اقرأ) ، ولكَم كنت أتحسر عند رؤية هذا التراث الذي تظاهر عليه الإهمال والبلى ؛ حتى إن الأوراق لو قدمت لتتكسر في هشاشة من وقع الرطوبة الفتاكة !
تمنيت لو قدمت لي أسرة الرافعي الدعم المعنوي اللازم وظاهرتني في هذه المهمة التي استهدفت خدمة أدب جدهم أبي السامي ..
وتعددت زياراتي لهم وتوالت الاتصالات الهاتفية دون جدى . وأذكر أنني قد وقفت منذ نحو سبع سنوات في بيت حفيد الرافعي على ملف مكتوب عليه ( أسرار الإعجاز) وبداخله بعض الأوراق التي تسلل إليها البلى على غير استحياء ، فتصفحتُها على عجل ؛ فإذا بها آيات وخواطره عليها ، وسعيت مرارًا في التحصل على صورة من الكتاب لنشره حتي يفيد منه الناس ، لاسيما في ظل إلحاح كثير من عشاق أدب الرافعي الذين راسلوني من سوريا والمغرب والجزائر والسعودية واليمن وتركيا وغيرها من الأقطار يطالبون مني إخراج الكتاب ، لكن ذلك لم يكن مجديًا مع أسرته التي لم أرد منها إلا المودة في القربى !!
أبو مالك المديني
2017-02-04, 03:06 PM
قال كساب :
فلماذا غابت هذه الأعمال ؟!
هناك اتجاه يرى في نشر المجهولات تعديا على حقوق صاحبها وإساءة إليه ؛ ويتذرع أصحاب هذا الاتجاه بأن الكاتب لو أراد نشر هذه الأعمال وإذاعتها لفعل ؛ لكنه أهملها لكونها بدائية ساذجة لم تعد تُعبر عن فكره وقلمه ، وهذا كلام له وجه من الصحة لا يُغفل ، لكن ماذا نفعل إذا كان الكاتب نفسه قد أشار في غير موضع إلى افتقاده بعض المقالات التي ضاعت في دوامة السنين ؟!
جمع الرافعي من مقالاته وجعلها بين دفتين ، كما الحال في كتابه ( تحت راية القرآن ) الذي سماه ( المعركة بين القديم والجديد ) وأصله مقالات كتبها في صحيفة ( كوكب الشرق ) وغيرها عام 1926م تقريبا ، كما جمع مقالاته التي كتبها في مجلة ( العصور ) في نقد الشاعر عبد الله عفيفي والأستاذ عباس العقاد وضمنها كتابا سماه ( على السَّفود ) ، ثم أصدر جزأين من كتابه الأكثر ذيوعا ( وحي القلم ) وقضى نحبه قبل أن يُصدر الجزء الثالث ، فتولى العريان هذا الأمر .
ليست وفاة الأستاذ هي السبب الأوحد لغياب هذه المقالات عن القاريء كل هذه السنوات ، بل هناك سببان آخران - لا نستطيع أن نغفلهما - حالا دون نشر كثير مما كتبه .
الأول :
أن الرافعي كان أحيانا يفقد مقالاته بعد نشرها ، وقد سجل ذلك في عدد من الرسائل إلى أبي رية، ففي رسالته رقم ( 112 ) المؤرخة في 25 أغسطس 1928م يقول : " وقد عجبت من أنك وجدت خمسين مقالة ، وسأدلك على كل مقالة تنشر إن شاء الله لتكون ( دفتر خانة ) رافعية حتى يجيء الوقت " ، وفي رسالته رقم ( 132 ) المؤرخة في 5 يناير 1930م يخاطبه قائلا : " يا أبا رية .. إذا كانت عندك المقالة التي نشرتُها في الهلال عن الأخلاق الواجب أن تحتفظ بها المرأة الشرقية وما كتب عن هذه المقالة في ( منيرفا ) فأرسل إليَّ ذلك ... سيصدر الكتاب وليس عليه اسمي مراعاة للظروف الحكومية الحاضرة " .
وقد تتبعت كثيرا من المقالات التي أشار إليها الرافعي في هذه الرسالات وحصلت على بعضها بعد بحث شاقٍ ومضنٍ .
الثاني :
تغير الظروف السياسية وتعاقب الحكومات في ذلك الوقت ، فكانت كلما تولت حكومة زمام الأمور لعنت أختها ، وفي بعض رسائله تلميح إلى هذا التضييق الذي كان يعانيه كغيره من الأدباء والمفكرين ؛ من ذلك الرسالة المؤرخة في 18 يناير 1920م التي رد فيها على تساؤل ( أبو رية ) واندهاشه من عدم رثاء الزعيم ( محمد فريد ) ، يقول الرافعي : " أما ما كنت كتبتَ لي عنه من رثاء الشهيد العظيم فريد بك ؛ فأنت لا تعرف الظروف المحيطة التي جعلتني أرى السلامة في السكوت ، واعلم أنني لو نظمت ذلك الرثاء كما يجب أن ينظم ، وفي المعاني التي تليق به ، لرأيت في الصحف خبر نقلي إلى قنا أو ما دونها ، فترك الشر ساكنا أجمل بي".
إنه يرى السكوت أفضل في ذلك الحين ، فهو الذي يضيق بالوظيفة وأعبائها ، ويرى فيها مضيعة لوقته ، وإهدار لطاقته ، يخشى أن يصيبه الجهر بآرائه السياسية بالنقل إلى منطقة نائية ؛ فتذهب بما تبقى من راحته التي ظل ينشدها طيلة حياته ، ولأن ترك الشر ساكنا - كما يرى - أجملُ به من الحديث في أمر قد يكلفه الكثير ، وأظن ذلك هو السبب نفسه الذي جعله لا يعيد نشر مقاله في رثاء ابن عمه الأستاذ أمين الرافعي الذي توفي عام 1927م وكان على خلاف سياسي كبير مع سعد زغلول باشا والوفد ، رغم أن هذا المقال من أجمل ما كتب الرافعي وفي رسالة - سبق ذكرها منذ قليل - أخبر أبا رية أن سيُصدر كتابا دون توقيع ؛ نظرا للظروف السياسية وقتها .
قبل الانتهاء من إعداد هذه المقالات المجهولة ، فكرت في تصديرها بدراسة علمية ضافية تتناول الكاتب والمقالات غير أني تراجعت وعزمت على تقديمها للقراء والباحثين بتصدير موجز بعيد عن الإسهاب لأفتح المجال أمام الدراسات النقدية واللغوية الجادة ؛ إذ تميط هذه المقالات الحجب عن جانب مطمور من جهود الرافعي في مجال اللغة والأدب ، وهي جهود حقيقة بالبحث والدراسة ، بل لعلها تكون فرصة حتى يعيد الباحثون الذين تناولوا جانبي اللغة والنقد في أدب الرافعي النظر في ضوء هذه المقالات القديمة الجديدة ، لكني سأكتفي من قراءة هذه المجهولات بالإشارة إلى عدة أمور أراها حرية بالتأمل .
يتبع بإذن الله .
صالح سعيد النائلي
2017-02-18, 11:58 AM
بارك الله فيكم، ننتظر المزيد.
أبو مالك المديني
2017-02-18, 02:10 PM
نرجُو منكم رفع الكتاب pdf وفقكم اللهُ.
كيف السبيل إلى ذلك ؟
أبو مالك المديني
2017-02-18, 02:11 PM
بارك الله فيكم، ننتظر المزيد.
وفيكم بارك ، سنكمل بإذن الله .
أبو مالك المديني
2017-02-23, 09:56 PM
لكني سأكتفي من قراءة هذه المجهولات بالإشارة إلى عدة أمور أراها حرية بالتأمل .
1 - من الشعر إلى النثر
لم يجد الرافعي نفسه في كتابة الشعر رغم جودة بضاعته منه وإصداره أكثر من ديوان في أوائل حياته ، وهناك أبيات له صارت مضرب المثل في بابها :
من ذلك قوله مُتغزِّلاً :
يا من على البُعد ينسانا ونذكرُه *** لسوف تذكرنا يوما وننساكا
إن الظلام الذي يجلوك يا قمرُ *** له صباحُ متى تُدرِكه أخفاكا
وبين يدي ديوانه (نسيمُ السَّحَر) وهو - فيما أعلم - ديوان لم يعرف عنه تاريخ الأدب شيئا يذكر ، ولم يتناوله من أرخوا لحياة الرجل أو درسوا جانبًا من آدبه ، يقول الرافعي في مقدمته :
"وهنا أُثبتُ كلمة تُذكِّرني الأمر فيما بعد يوم يكونُ لهذا الديوان - إن شاء مَنْ وهَبَ - المنزلةُ الأولى بين أدباء العصر".
كانت الساحة ملأى بعدد من أعلام الشعراء.
فقام بمحاولة طريفة لوضع نفسه على خريطة الشعر العربي وفي القلب منها مصر ، ففي العام 1905م كانت مجلة ( الثريا ) لصاحبها إدوارد جدّي على موعد مع مقالٍ طويلٍ لكاتب مجهول - اكتفى بأن رمز إلى نفسه بنجمة (*) - قسَّم الكاتب شعراء عصره إلى طبقات ثلاث ، وجعل في الأولى أربعة شعراء هم : الشاعر العراقي عبد المحسن الكاظمي ، ومحمود سامي البارودي ، وحافظ إبراهيم ، ثم وضع نفسه رابعا ، وضمت الطبقتان الأخريان أسماءً لامعة كإسماعيل صبري ، وأحمد شوقي ، وخليل مطران ، ومحمد توفيق البكري ، وشكيب أرسلان ، ومصطفى لطفي المنفلوطي ، وأحمد الكاشف ، وأحمد محرم ، ولم يحتج الشعراء والقراء إلى كثير عناءٍ ليعرفوا أن كاتب المقال هو الرافعي رغم إمعانه في الإنكار ، قبل أن يُقرَّ بذلك لاحقاً.
ومما غاب عن أعين النقاد والمشتغلين - أو غيبوه - أن الرافعي لم يكن مقلدًا محضًا في شعره ، بل نادى بالخروج على قيود الشعر المكبِّلة ، يقول الأستاذ رجاء النقاش : " ولست أشك في أن وقفة الرافعي ضد قيود الشعر التقليدية كانت أخطر وأول وقفة عرفها الأدب العربي في تاريخه الطويل ، وأهمية هذه الوقفة أنها كانت حوالي سنة 1910 ، أي قبل ظهور معظم الدعوات الأدبية الأخرى التي دعت إلى تحرير الشعر العربي تحريرًا جزئيًا أو كليًا من القافية والوزن ".
يأس الرافعي من تحصيل إمارة الشعر وسط هذا الزَّخَم من الشعراء ، وعندها لم يعد أمامه إلا أن يكتفي بكتابة المقال ويُبدع فيه ، فتعددت سُهَم الرافعي وتشعبت مجالات إبداعه فكتب الرسالة والمراثي كما كتب القصة وإن لم يتقيد فيها بقواعد السرد الحديث.
وأسهب في الحديث عن ذلك في مقال كتبه تحت عنوان ( فلسفة القصة ولماذا لا أكتب فيها).
كتب الرافعي المسرحية !! بالتزامن مع قرض الشعر في وقت مبكر من حياته.
وكانت له سهمته النقدية من خلال عدد من المقالات النقدية التي لم يحظ أكثرها بالانتشار.
وكذلك كان له جهده العلمي المنظم في كتابه ( تاريخ آداب العرب ) الذي أرَّخ فيه للأدب العربي بعيدًا عن التقسيم المعتاد لعصوره التاريخية كما هو الحال عند التالين من مؤرخي الأدب العربي كالدكتور شوقي ضيف الذي اختار أن يؤرخ للأدب بعد تقسيم العصور التاريخية منذ العصر الجاهلي وصدر الإسلام ومرورًا بالدولة الأموية والعباسية وهكذا ؛ لكن الرافعي اختار أن يتناول قضايا الأدب الكبرى من جذورها ويدرس تطورها عبر العصور التاريخية المختلفة .
أبو مالك المديني
2017-03-12, 06:17 PM
يتبع بإذن الله ..
أبو مالك المديني
2017-03-23, 08:43 PM
2 - الرافعي والملكة اللغوية .
نشأ الرافعي نشأة دينية في بيت عرف بالعلم ، وكان أبوه قاضيًا كبيرًا يعرف للعلم حقه ولأهله فضلهم ، فنشأ على حب القراءة والتعلم ، كما ربَّاه تربية إيمانية أثرت في نفسه وحببت إليه القرآن ولغته ، ولنستأنس بالرافعي ليحدثنا عن طرف من تربية أبيه له ؛ يقول :
كنت في العاشرة من سني ، وقد جمعت القرن كله حفظًا وجودته بأحكام القراءة ، ونحن يؤمئذ في مدينة (دمنهور) عاصمة البحيرة ، وكان أبي - رحمه الله - كبير القضاة الشرعيين في هذا الإقليم ، ومن عادته أنه كان يعتكف كل سنة في أحد المساجد عشرة الأيام الأخيرة من شهر رمضان ، يدخل المسجد فلا يبرحه إلا ليلة عيد الفطر بعد انقضاء الصوم ، فهناك يتأمل ويتعبد ويتصل بمعناه الحق ...
وذهبت ليلة فبت عند أبي في المسجد فلما كنا في جوف الليل الآخير أيقظني للسحور ، ثم أمرني فتوضأت لصلاة الفجر وأقبل هو على قراءته .
اكتسب الرافعي ملكة لغوية متينة بعد أن تفتحت عينه على أمهات الكتب ينهل من معينها ، وحفظ القرآن الكريم والأحاديث الشريفة في سن مبكرة، واتسعت مداركه شيئًا فشيئًا ؛ إذ كان يقرأ كل ما يجده من كتب؛ حتى إنه عندما سئل في استفتاء مجلة ( الهلال) عن أهم الكتب التي أفادته ؛ قال : في أيام التحصيل كنت أقرأ كل ما أصابته يدي ، وكنت أكثر الملاحظة وأدقق فيها ؛ فلا أعرف كتابًا أنا منه أكثر مما أنا من غيره ، ولكن إن يكن ؛ فلعله كتاب في الحديث اسمه (الجامع الصغير) ، كنت أحضر به درس أبي - رحمه الله - ثم قرأته من بعد للسيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده، وقد أشار في مقدمة ديوانه المجهول ( نسيم السَّحَر) إلى أنه كان شيخ نفسه يقول : أما العلوم فقد تناولت الأدبيات بنفسي ، لم يرشدني في ذلك أستاذ، ولا علمني إنسان، ومن آتاه الله من فضله استغنى عن المخلوقين ..
وما زلت أنمي قواي العقلية بالحكمة وغيرها مما تحصد من زرعه ثمار الفضائل الإنسانية، وقد قيل : إنه استظهر كتاب (نهج البلاغة) في القطار أثناء ذهابه وإيابه بين طنطا وطلخا ؛ فأفاد منه فوائد لغوية وأسلوبية جمة .
نلاحظ هنا أن كثيرا من مقالات الرافعي التي أوردناها في مجال اللغة جاءت في معرض الرد والتصويب اللغوي ؛ حتى إن المجمع اللغوي نفسه لم يسلم من استدركاته ؛ فقد كتب سلسلة مقالات في صحيفة ( البلاغ) بدأها أول فبراير سنة 1934م بمقال عنوانه ( أول الغلط من المجمع اللغوي) انتقد فيها المجمع بتوقيع (أديب صغير) ، وليس باسمه الصريح ، وأخذ عليهم بعض الكلمات والأساليب التي رآها غير صحيحة .
كان الرافعي ثبتًا في اللغة على علم بها ، وهو الأمر الذي شهد به أقرانه وخصومه التقليديون أنفسهم ، فعندما قرَّظ الأستاذ أحمد لطفي السيد لكتاب (تاريخ أداب العرب) قال عن أسلوب الرافعي " إنه سليم من الشوائب الأعجمية التي تقع لنا في كتاباتنا نحن العرب المتأخرين ، فكأني وأنا أقرأ له أقرأ من قلم الـمُبَرِّد" .
ومن العجيب أن الأستاذ عباس محمود العقاد قال عنه بعد وفاته بنحو ثلاث سنين : " إن للرافعي أسلوبًا جزلاً ، وإن له من بلاغة الإنشاء ما يسلكه في الطبقة الأولى من كتَّاب العربية المنشئين ".
وكان قد قال قبل أن يختلفا وتنشب بينهما المعارك : " إنه ليتفق لهذا الكاتب من أساليب البيان ما لا يتفق مثله لكاتب من كتَّاب العربية في صدر أيامها".
أما الدكتور طه حسين فرغم خلافه القديم مع الرافعي فإنه أقر في كتابه (حديث الأربعاء) بتمكنه اللغوي ؛ يقول: " وكذلك تظلمُ الأستاذ الرافعي إن قلتَ إن حظه من العلم باللغة العربية وآدابها وبدقائقها وأسرارها قليل ، وإنما الحق أن الذين يعلمون هذه اللغة كما يعلمها الرافعي قليلون جدا وأحسبهم يُـحصون أيضًا ".
ويُـمعن الأستاذ زكي مبارك في مدح قدرات الرافعي اللغوية حيث يقول في معرض قدحه للأستاذ أحمد أمين : " آه ثم آه !! ما جزعتُ على وفاة الأستاذ مصطفى صادق الرافعي كما جزعت عليها اليوم ! فلو كان الرافعي حيًّا ورأى أحمد أمين يقول في ماضي الأدب العربي ما يقول ؛ لأصلاه نار العذاب وصيَّره أضحوكةً بين أهل الشرق والغرب".
وفي حديثه عن الرافعي نجد الأستاذ إبراهيم عبدالقادر المازني يقول في مقاله المعنون بــ (مصطفى صادق الرافعي فقيد الأدب الكلاسيكي) : " كان رأيي فيه دائمًا أنه أعلم أهل العربية وأوسع أدبائها اطلاعًا على علوم الدين ... وأحسبني لا أبالغ حين أقول : إن له بين آثاره ما لا يرقى إليه قلم قديم أو حديث ".
هكذا كان بعض رموز الفكر والأدب يقرون بتمكن الرافعي اللغوي رغم الخلاف الشديد بينهم !!
يتبع ...
أبو الوليد بن عبد الرحمان
2017-03-27, 03:27 PM
كيف السبيل إلى ذلك ؟
شكر الله لك، أستاذنا أبا مالك.
يمكنك الرفع على موقع أرشيف (https://archive.org/create/) أو غيره.
أبو مالك المديني
2017-03-31, 07:21 PM
جزاك الله خيرا أخانا الفاضل أبا الوليد .
3 - الرافعي والنقد الأدبي
لم يكن الرافعي غائبا عن ساحة النقد الأدبي كما يُتصوَّر، بل كانت له جهود مبكرة لا يمكن إغفالها بحال من الأحوال ، نعم أغلب ما قدَّمه الرجل من نقدٍ كان في إطار المعارك الأدبية الحامية وهو ما جعله يختلط بغيره من النقد الشخصي الذي استهدف هدم الخصم ورميه بالنقائص، ولما كان الرافعي حديد اللسان؛ فقد طغت هذه الحدة فأصبحت هي السمة الأبرز في نقده، ومن ثم رآها الكثيرون خارجة عن إطار الموضوعية، وفي ذلك يقول العريان :" لقد كان ناقدًا عنيفًا حديد اللسان، لا يعرف المداراة ولا يصطنع الأدب في نضال خصومه ، وكانت فيه غيرة واعتداد بالنفس، وكان فيه حرص على اللغة من جهة الحرص على الدين".
وحسب ما وصل إلينا من مقالات؛ فقد بدأت جهود الرافعي النقدية مبكرًا في عام 1903م عندما صدَّر الجزء الأول من ديوانه بمقدمة تناول فيها الشعر وفنونه ومذاهبه، ورغم أنه لم يُعرِّف الشعر تعريفًا محددًا ؛ فقد ضمَّن مقدمته رؤىً تجديدية للشعر العربي، وهي رؤى لابد من الوقوف أمامها مليًّا حتى نذُبَّ عن الرجل ما يُروَّج عنه من وقوعه أسيرًا للقديم، ولعل بعض الباحثين ينبري لدراسة هذه الآراء التجديدية التي نادى بها الرافعي في مقدمته للديوان وفي غيرها من المقالات التي نشرها في كتبه والتي نشرناها هنا.
وفي عام 1905م - وعمره آنذاك نحو خمسة وعشرين عامًا - كتب مقال (الثريا) الذي أشرنا إليه آنفا، فكشف عن ذائقةٍ نقديةٍ مطبوعةٍ، ثم تأتي بعد ذلك معركة النشيد الوطني في مطلع العقد الثالث من القرن العشرين، وهي المعركة التي أسهم فيها كل من الرفعي والعقاد بنقدٍ لاذعٍ لنشيد أحمد شوقي الذي مطلعه :
بني مصرَ مكانكمو تهيَّا *** فهيَّا مهِّدوا للمُلك هيَّا
ثمة معركة هي الأشهر في النقد وهي معركة السفافيد؛ حيث بدأ الرافعي كتابة سلسلة مقالات بين عامي 1929 و 1930 تحت عنوان (على السَّفُّود) بـــ (مجلة العصور) باسم رمزيٍّ هو ( إمام من أئمة الأدب العربي) ، وهي المقالات التي انتقد فيها شاعر الملك عبد الله عفيفي والأستاذ العقاد، وقد أثارت جلبة كثيرة في الأوساط الفكرية والأدبية، ثم أصدر هذه المقالات في كتاب منفرد يحمل ذات العنوان واللقب.
وبعض أساتذتنا يرى أن ما كتبه الرافعي في هذه السفافيد، وإن دلَّ على عارضة العالم القوي الثبت، وعلى ملاحظة الأديب المعتمد على تراثنا الثقافي العظيم، فإنه يدور في إطار الطريقة الجزئية للنقد، وليس في إطار النظريات والفلسفات المتقدمة؛ لكن هذا الكتاب يكشف عن بعض الحلقات المفقودة في المنجز النقدي للرافعي كما في مقالاته، مثل : حرفة الأدب، وإعجاز القرآن؛ نقد ظهرت أذنه، وكتاب ابن الرومي .. نقد وتحقيق، والشعر الفني في نظم شوقي بك، وكلها مقالات جديرة بالدراسة بإمكانها أن تضيف الجديد إلى الرافعي ناقدًا.
أبو مالك المديني
2017-04-29, 10:14 PM
لماذا يعادون الرافعي ؟!
أرى أن الكتابة في الوقت الراهن عن الرافعي وأمثاله ممن تغيَّوا الحفاظ على هوية الأمة أمر واجب تُحتِّمه الظروف الراهنة التي تعيشها أمتنا، وسط المحاولات الضارية التي تستهدف بنيانها من القواعد، إذ للرافعي خصوصيةٌ كبيرةٌ بين كُتَّاب عصره وهو ما وضحه تلميذه محمد سعيد العريان بقوله :
"فالرافعي أديب الخاصة، كان ينشيء إنشاءه في أي فروع الأدب ليضيف ثروة جديدة إلى اللغة تعلو بها وتعزُّ مكانًا بين اللغات.
نعم كانت الرمزية سمة مميزة لكتاباته؛ لكنه لم يُغرق فيها إلى الحد الذي يخرجها عن إطار الإبداع الأدبي إلى الكتابات الفلسفية التي تستعصي على الفهم وتأباها النفس، وكان له تفكيره المتفرِّد عن غيره، ولطالما رأى في نفسه ما لا يراه الآخرون، وهو ما جعله هدفًا لسهام الآخرين في شعره ونثره، ولا أجد رجلاً تعرَّض لظلم التاريخ والنقد كما هذا الرجل، فبسبب من اتجاهه المحافظ أُخِّر عن مكانته التي تليق به، ولم يحظ بنفس الاهتمام الذي أحاط برجال عصره الأقل شأنا !
ومن أسف أن بعض من انتقدوا الرافعي لم ينصفوا في نقدهم له، نعم هو ليس فوق النقد؛ لكنهم غضُّوا الطرف عن النصف الآخر من الكوب، فعندما تُخضع الأستاذة نعمات أحمد فؤاد أدب الرفعي لمعاناته مع المرض والفقر فتتبع بعض كتاباته ورسائله، وتحاول جهدها التقليلَ من شأن الرجل انتصارًا لأستاذها بشكل غير مباشر؛ فهذا ما يبعث الحزن في النفس ؛ إذ صار العلم ( تصفية حسابات ) واختل ميزان النقد الأدبي حتى طاش !
لقد جر مذهب الرافعي المحافظ عليه ويلات كثيرة ، ففي الوقت الذي كانت الثقافة تولي وجهها شطر الغرب في خفوت وإدبار عن هويتنا وتراثنا بداعي التجديد؛ كان الرجل يؤكد اعتزازه بمذهبه الذي يقوم على ترسيخ الفضائل ومحاربة كل رذيلة؛ ولذلك نراه غير متردد في الجهر بإطار هذا المذهب قائلاً:
" والقبلة التي أتجه إليها في الأدب إنما هي النفس الشرقية في دينها وفضائلها؛ فلا أكتب إلا ما يبقيها حية ويزيد في حياتها وسمو غايتها، ويمكِّن لفضائلها وخصائصها في الحياة؛ ولذا لا أمسُّ من الآداب كلها إلا نواحيها العليا، ثم إنه يخيل إلي دائما أنني رسول لغوي بعثت للدفاع عن القرآن ولغته وبيانه، فأنا دائمًا في موقف الجيش تحت السلاح له ما يعانيه وما يحاوله ويفي به وما يتحفظ فيه، وتاريخ نصره وهزيمته في أعماله دون سواها .
وبسببٍ من معاركه التي لم تضع أوزارها؛ رمي الرجل بكل نقيصةٍ ، وجد خصومُه كثيرًا في تشويه صورته وأدبه ورميه بالتشدد والتطرف، وهذا ما أشار إليه تلميذه العريان في قوله :
"ولم يكن يعتبر له مذهبًا في النقد إلا المذهب الأدبي الذي لزمه منذ نشأ في الأدب؛ فمن ذلك كانت خصوماته الأدبية تنتهي نهايتها إلى اتهامه في وطنيته وفي مذهبه السياسي، ورآها أكثر خصومه من كُتَّاب الشعب فرصة سانحة لينالوا منه عند القراء، فانتهزوها، وبالغوا في اتهامه وأغرقوا في الطعن على وطنيته وتأولوا مذهبه .
ليس ذلك فحسب، بل من عجبٍ أنهم رموه بعدم الوطنية وهو الذي أحب بلده كما لم يحبه أحدٌ غيره، ونشيده الوطني الخالد بعذوبة كلماته وغلبة عاطفته يشي بغير ذلك .
إن الإشكالية الكبرى عند هؤلاء الذين يدَّعون الحداثة مشترطين القطيعة مع التراث أن " أكثر ما كان يتناوله الرافعي من شؤون الأدب هو ما يتصل بحقيقة الإسلام أو معنى من معانيه ، وهل هناك أقبح من أن يأخذ عليه أحدهم أنه أسير الجملة القرآنية ؟!
فهل هذا اتهام يوجهه عقلاء ؟!
أم رفيدة المسلمة
2017-05-01, 01:57 PM
جهد كبير جزاكم الله خيرا .
ولو تجمع المادة في ملف وورد أو pdf لكان أحسن ، حتى ينتفع به أكثر .
أبو مالك المديني
2017-05-05, 07:39 PM
وجزاكم مثله ، ولعلي بإذن الله أفعل ذلك عند انتهاء كتابة المادة كاملة ، والله المستعان.
أم أروى المكية
2017-05-08, 12:39 AM
واصلوا وصلكم الله بهداه.
أبو مالك المديني
2017-05-19, 07:56 PM
لقد راعني ما قرأته في تصدير كتبه الأستاذ رجاء النقاش منذ سنوات لمختاراته من كتاب (وحي القلم) الذي أصدرته الهيئة العامة للكتاب ضمن مشروع مكتبة الأسرة في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي حيث كشف حقائق مؤلمة تؤكد ما ذهبنا إليه في هذه المقدمة وما كتبناه سابقًا ، إذ يشير - كان ذلك في عام 1995 - إلى أنَّ الحياة الأدبية العربية بدأت تكتشف الرافعي من جديد بعد أن أهملته ما يقرب من ستين سنة متصلة ، وبعد أن نظرت إليه على أنه أديب تقليدي تصعب قراءته؛ لأن كتابته مليئة بالتعقيد والتكلف كما كان يقال عنه !! الآن فقط ، وبعد وفاة الرافعي بثمانية وخمسين عامًا بدأ الأدباء يعودون إلى الرافعي ويعيدون التفكير فيه ويرون أن نظرتهم إليه كانت خاطئة وأن أسرار الجمال في أدبه كانت أكثر بكثير مما توهَّم المتوهمون الذين حكموا عليه بالغموض واتعقيد". ومما يؤسف له أن دور النشر في مصر قد سارت على نفس الطريق في إهمال الرافعي وإعطاء ظهرها له " فلم تنشر له دار مصرية كلمة واحدة منذ ما يقرب من نصف قرن كامل".
ورغم الحملات المنظمة التي لا تزال تشن على الرافعي وأدبه ؛ فإن مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة على الشبكة العنكبوتية قد أعادت للرافعي بعض حقه ؛ إذ سرت عباراته وكلماته في هذا العالم الافتراضي وشاعت بشكل ملحوظ، وأسس بعض القراء عشرات الصفحات والمنتديات باسمه تارة ، وتارة أخرى باسم كتبه ؛ فكشفوا عن لآليء أدبه ودرره في الدين والحياة ، وفي كل يوم يكتسب هذا الرجل أرضًا جديدة بين محبي العربية رغم التعتيم المتعمد حول أدب وشخصيته .
لقد كنت أتوخى مراجعة المقالات وأحرص على تدقيقها وتفسير غوامضها وإضافة بعض ما من شأنه توضيح النص للقاريء الكريم ، وعزو ما ورد فيها من نصوص وأشعار؛ وحاولت جهدي أن أقدم النص كما أراده صاحبه ؛ فصححت مجتهدًا ما تراءى لي من أخطاء ، وضبطت الكلمات في المواضع التي قد تلتبس على القاريء الكريم ، أو في المواطن التي قد تعينه على فهم أفضل مع حرصي على ألا أثقل النص بالحواشي الزائدة التي لا تزيد القاريء إلا خبالاً ، أما الحواشي التي وضعها الرافعي فقد أثبتها كما هي ووضعت اسمه في آخرها ين قوسين هكذا : ( الرافعي ) .
وقد رأيت إيراد المقالات حسب تاريخها من الأقدم إلى الأحدث مع توضيح مناسبتها في الحاشية كلما عنَّ ذلك ؛ وأثبتُّ عددًا من الوثائق والصور النادرة التي تحصلت على كثير منها من ذاكرة مصر المعاصرة بمكتبة الإسكندرية .
فلهم مني خالص الشكر والتقدير ، وعساي أن أكون قد أصبت الطريق الصحيح في التعامل مع هذه الأعمال التي تقدم للقاريء أول مرة.
إن تراث الرافعي المجهول الذي لم يصل إلى القاريء ليس محدودًا كما يظن خطأ ، ولا هو قليل الفائدة ، فقد صاحبنا مكثرًا من الكتابة لا يتردد في تلبية أي دعوة للكتابة مهما كان حجم المجلة أو الصحيفة ، ولست أزعم أني قد جمعت كل مجهولاته بحيث لم أترك شاردة ولا واردة ؛ بل هناك أعمال أخرى كثيرة بتوقيعه أو باسم وهمي كما كان شأنه في كثير من المقالات ، فضلا عن خزائن ورثته وورثة أصدقائه وأقربائه وتلاميذه الذين كانت له معهم مراسلات .
وبعد ؛ فرغم كل العنت الذي لاقيته مذ ولجت سبيل الرافعي الشائكة هذه حتى بلغت معه السعي في هذا الكتاب الذي تقدمه ( المجلة العربية ) للقاريء الكريم مشكورة ؛ فقد كنت حريصًا على ألا أتكاسل أو أتوانى عن تأدية هذا العمل الشاق؛ إذ إن أدب هذا الرجل الصلب جزء أصيل لا يتجزأ من هوية هذه الأمة ، وبعث هذا التراث والمحافظة عليه أمر واجب تحتمه الظروف الراهنة القاسية التي نصارع فيها من أجل البقاء، والغارة على ثوابتنا قائمة ومستعرة ؛ فهل سنفيد من ماضينا لحاضرنا ومستقبلنا ؛ أم سنكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا ؟!
وليد عبد الماجد كساب
ثغر الإسكندرية - سيدي بشر
الأحد 11 ذو القعدة 1437 هـ
14 أغسطس 2016 م
أبو مالك المديني
2017-06-11, 07:20 PM
حياة الرافعي : تاريخ وأحداث
1230هـ : وفاة الشيخ عبد القادر الرافعي الكبير عميد الرافعيين بطرابلس الشام.
1243هـ : / 1827م : هجرة الشيخ محمد طاهر الرافعي إلى مصر وتولى قضاء المذهب الحنفي بقرار من السلطان العثماني محمود الثاني . وبه بدأ أول عهد آل الرافعي بمصر حسب رأي البعض ، ويرجح بعض الباحثين أن أصلهم مصري وليس سوريا ؛ وينتهي إلى قرية (بيسارة) في محافظة أسيوط بصعيد مصر.
1881 : مولد مصطفى صادق بن عبد الرازق بن سعيد بن أحمد بن عبد القادر الرافعي بقرية بهتيم بمحافظة القليوبية بمصر في بيت جده لأمه أسماء ابنة الشيخ أحمد الطوخي.
1314هـ / 1896 أو 1897م : صدور الطبعة الأولى من مسرحيته (حسام الدين الأندلسي) تقديم الشاعر محمود سامي البارودي، وهي المسرحية التي ظلت غائبة عن خريطة الأدب أكثر من قرن من الزمان حتى أعان الله كاتب هذه السطور فأعاد تقديمها إلى القاريء سنة 1436هـ / 2015 م.
1897 - 1898 : حصوله على شهادة الابتدائية من مدرسة المنصورة الأميرية، ثم إصابته بمرض التيفود الذي أفقده جزءًا من سمعه.
أبريل 1899 : تعيينه بمحكمة طلخا الشرعية، قبل أن ينتقل إلى محمكمة إيتاي البارود الشرعية ، ثم إلى محكمة كر الزيات فمحكمة شبين الكوم، وأخيرًا محكمة طنطا التي استقر به المقام فيها حتى وفاته .
1903 : صدور الجزء الأول من ديوان الرافعي بشرح أخيه محمد كامل الرافعي ، وبتقريظ الشاعر محمود سامي البارودي والشاعر العراقي عبد المحسن الكاظمي والشاعر حافظ إبراهيم والكاتب والشاعر مصطفى لطفي المنفلوطي، ثم كتب الشيخ إبراهيم اليازجي تقريظًا له في مجلة (الضياء) بعدد يونيو من العام نفسه .
1904 : زواجه من شقيقة صديقه الأستاذ عبد الرحمن البرقوقي أحد أعيان كفر الشيخ وصاحب مجلة (البيان) فيما بعد.
1904 : صدور الجزء الثاني من ديوان الرافعي.
1905 : المعتمد البريطاني اللورد كرومر يشير في تقرير رفعه إلى الحكومة البريطانية إلى تعاظم دور عائلة الرافعي في القضاء بشكل لافت.
1905 : الشاعر العراقي الكبير عبد المحسن الكاظمي يتأهب لمغادرة القاهرة إلى الأندلس ويكتب للرافعي كتابًا جاء فيه : ( ثق أني أسافر مطمئنًا وأنت بقيتي في مصر )
أبو مالك المديني
2017-07-03, 09:44 PM
1905 : الرافعي يبدأ معركة (طبقات شعراء العصر) بمقال كتبه مجهَّلا في (مجلة الثريا) قسَّم فيه شعراء عصره إلى طبقات وجعل نفسه في الطبقة الأولى مع الكاظمي والبارودي وحافظ ، واستمرت المعركة عدة شهور وشهدت ردودًا لاذعة في كثير من الصحف والمجلات ، وتعتبر هذه المعركة هي البداية الحقيقية للرافعي إذ عرف من خلالها بشكل أوسع.
1324هـ / 1906م : صدور الجزء الثالث من ديوان الرافعي.
1327هـ / 1908م : صدور الجزء الأول من ديوان ( النظرات).
1911م : صدور كتابه (تاريخ آداب العرب) الذي انقطع لتأليفه منذ منتصف سنة 1909.
1911 : معركته مع أحمد لطفي السيد بسبب دعوة الأخير إلى العامية بديلا للغة العربية الفصحى.
1912: إنشاء كتابه (حديث القمر) وهو أول ما أنشأه الرافعي من أدب الإنشاء، وكان قد شرع في كتابته بعد عودته من رحلة لبنان من العام نفسه.
1332هـ / 1914م : صدور كتاب ( إعجاز القرآن) أول الأمر كجزء من كتابه السابق (تاريخ آداب العرب) قبل أن يتم فصله بعد ذلك ونشره مستقلا.
1335هـ / 1917م : الرافعي يصدر كتابه (المساكين) إثر قيام الحرب العالمية الأولى وما جرَّته من ويلات على العالم والإنسانية.
1920 : الرافعي يفقد السمع نهائيا ويبدأ تعامله مع الناس من خلال الكتاب وقراءة حركة شفاه الآخرين.
1339هـ / 1920م : صدور كتابه ( النشيد الوطني المصري) عن نشيد (اسلمي يا مصر) أهداه لسعد زغلول باشا.
1912 : الرافعي يهاجم سعد زغلول في مقال بعنوان (جنود سعد) بجريدة (الأخبار) عقب الاعتداء على ابن عمه أمين بك الرافعي ، فيما قيل: إنه كان بإيعاز من زغلول نفسه.
1921 : محاولة لنقل الرافعي إلى أسيوط إثر دسيسة من بعض النس وقيل: إن سببها هو مقاله ( جنود سعد)، ثم توسط البعض لإلغاء النقل إلى أسيوط وجعله مخففا لى المنصورة .
1342هـ / 1923م : اعتماد نشيد الرافعي ( اسلمي يا مصر) نشيدا قوميا لمصر، وقد ظل معمولا به حتى عام 1936.
1924 : صدور كتابه ( رسائل الأحزان) وانتقاد الدكتور طه حسين له في صحيفة ( السياسة الأسبوعية).
1924: معركته الصحفية مع الكاتب فكري أباظة ، ونشره مقالا في يناير من نفس العام بصحيفة الأهرام تحت عنوان (إلى الأستاذ فكري أباظة).
1343هـ / 1925م : إصدار كتاب (السحاب الأحمر).
1925 : تقدُّمه لجائزة القصة التي أعلنت عنها مجلة (المقتطف) بقصة تحت عنوان (عاصفة القدر) وإخفاقه في الفوز، واتهامه للجنة بالتحيز في التحكيم.
1926 : اعتماد الرافعي شاعرًا للملك فؤاد الأول بعد ترشيحه من قبل محمد نجيب باشا.
1926 : نشوب معركة الشعر الجاهلي بين الدكتور طه حسين وكثير من رموز عصره ومنهم الرافعي، وهي المعركة الأشهر في تاريخ الحياة الفكرية والسياسية في مصر؛ إذ رأى فيها الكثيرون خروجًا على ثوابت الدين الإسلامي الحنيف، وقد جمع الرافعي جل هذه المقالات فيما بعد في كتابه (تحت راية القرآن).
1926 : سعد زغلول باشا يقرِّظ الطبعة الملكية لكتاب (إعجاز القرآن) للرافعي بعد فصله عن كتاب (تاريخ آداب العرب)، ويقول مقولته الشهيرة : " كأنه تنزيل من التنزيل، أو قبس من نور الذكر الحكيم ".
1926 : الأستاذ عباس محمود العقاد ينتقد كتاب (إعجاز القرآن) بصحيفة (البلاغ الأسبوعي) والرافعي يرد عليه بمقال لاذع.
1927 : وفاة ابن عمه أمين الرافعي ، وهو أحد رواد الحركة الوطنية المصرية، التحق بـ (الحزب الوطني) مع الزعيم مصطفى كامل، وزامل سعد زغلول قبل أن يختلف معه، وهو علم من أعلام الصحافة العربية.
1927 أو 1928: انتخاب الرافعي عضوًا بالمجمع العلمي بدمشق، والذي سمي فيما بعد بمجمع اللغة العربية بدمشق.
1928 : جمعية الشبان المسلمين تختار نشيد الرافعي (ربنا إياك ندعو) نشيدًا رسميًّا لها من بين عدة أناشيد تقدم بها بعض الشعراء.
أبو مالك المديني
2017-07-24, 10:38 PM
1929 - 1930: الرافعي يكتب سلسلة مقالاته (على السفود) بـــــ (مجلة العصور) باسم رمزي هو (إمام من أئمة الأدب العربي)، وهي المقالات التي أثارت جلبةً كثيرةً في الأوساط الفكرية والأدبية، ثم صدور هذه المقالات في كتاب منفرد يحمل ذات العنوان واللقب.
1930: الشاعر عبد الله عفيفي يحلُّ محل الرافعي شاعرًا للملك بإيعاز من الإبراشي باشا.
1930: معركته الأدبية مع الدكتور زكي مبارك على صفحات (مجلة المقتطف)، وقد دارت المعركة حول بداية نشأة فن المقامات المعروف في الأدب العربي.
1930: معركته مع سلامة موسى في مجلة (الفتح) عقب انتقاد موسى له في مجلته (المجلة الجديدة) ورميه بعدة تهم ونقائص.
1349هـ / 1931م: صدور كتابه (أوراق الورد: رسائلها ورسائله).
1350هـ/1931م: الرافعي يكتب نقدًا - نشر في مجلة المعرفة - لكتاب (ابن الرومي) الذي ألفه الأستاذ عباس محمود العقاد.
1932: بداية تعرف الأديب محمد سعيد العريان إليه في طنطا، وإلى العريان يرجع كثير فضل في نشر أدب الرافعي والتعريف به.
1933: الرافعي ينتقد (ديوان الأربعين) لعباس محمود العقاد في عدة مقالات مسلسلة على صفحات (البلاغ) نقدًا لاذعًا؛ لكنه أقل حدة من السفافيد، ويمكن القول: إن هذه المقالات تفصح عن الرافعي الناقد الحقيقي.
1934: بداية كتابته في (مجلة الرسالة) بدعوة من صاحبها الأستاذ أحمد حسن الزيات، وكان مقال (فلسفة القصة) أول ما كتب، وقد نشر في العدد الأربعين.
1355هـ/1936م: صدور الجزء الأول والثاني من كتابه الأشهر (وحي القلم).
1937: سأله محرر (الدنيا) قبل وفاته بنحو شهرين: بعد الموت ماذا تريد أن يقال عنك؟ فكتب إليه الرافعي مقالًا موجزًا يعتبر من أخريات ما كتب.
فجر الاثنين 29 صفر 1356هـ/10 مايو 1937م:
وفاة الرافعي إثر سكتة قلبية مفاجأة ودفنه بمقابر العائلة بطنطا.
1937: اندلاع بين الرافعيين والعقاديين إثر كتابة العريان سلسلة مقالاته (حياة الرافعي) في مجلة الرسالة، حيث تصدى له تلميذ العقاد النجيب آنذاك - مما أثار حفيظة العريان وعلي طنطاوي وانضم إليهم كثيرون.
1360هـ/1941م: العريان يصدر الجزء الثالث من (تاريخ آداب العرب) الذي يحتوي على تاريخ الشعر ومذاهبه والفنون المستحدثة منه.
1942م: العريان يصدر الجزء الثالث من كتاب الرافعي الأشهر (وحي القلم) ويضم المقالات التي عثر عليها ولم تنشر من قبل في كتب الرافعي.
1371هـ/1950م: محمود أبو رية يصدر (رسائل الرافعي)، وهو كتاب يضم (218) رسالة كتبها الرافعي إليه في الفترة من 1912 حتى 1934م، وقد أصدر أبو رية طبعة أخرى متأخرة زاد فيها نحو عشرين رسالة أخرى.
أبو مالك المديني
2017-08-13, 04:11 PM
ديوان نسيم السَّحَر
من كلام الفقير
مصطفى صادق الرافعي
كان الابتداء في كتابته يوم الأحد لأربعة عشر يومًا
خلون من محرم المحرم افتتاح
سنة ألف وثلاثمائة وثمان عشرة
من هجرة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم
آمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أجرى سلسال البلاغة من أفواه الشعراء، وهو الله الذي لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة. والصلاة والسلام على منبع الفصاحة العربية سيدنا محمد وآله وأصحابه، أما بعد.
فإن من الشعر حكمة، ومن البيان سحرًا، وإن أحسن بيت يقال ما جرت به الألسن في ميادين الأمثال، وما عسى أن يلفظ في مدح كلام جعله العرب علة العلل في بلاغة القرآن وإعجازه أم (يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ)
ذلك الميدان جرت فيه أفراس الشعراء؛ فمنها السابق واللاحق، والمقصر والواقف، والقوي والضعيف، شأن العامل في كل عمل، أما ما عدا الأول فلا تذكر درجة، ثم هو بعد ذلك درجات ومناصب، والسابقون السابقون أولئك هم المقربون.
وليس من الشعر إلا ما كان مطبوعًا لا تشوبه نقيصة التكلف، ولا تدنسه وصمة المجاهدة، على أن هذا وإن جاء تارة في لباس ذلك إلا أنه حكى ولكن فاته الشنب، أما وإن مما أنعم ذو الفضل العظيم على كاتب هذه الأسطر أن وهبه تلك الملكة، ولا أقول ذلك افتخارًا، ولكن (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ).
وشيءحسبته لتسلية!
ولا صديق إليه مشتكى حزني
ولا أنيس إليه منتهى جدلي
لا يسعني أن يكون طعمة الضباع الضياع؛ بل لا يسعني إلا أنه أعد له المكانة الرابعة من حافظتي بعد كلام الله ورسوله ومن سبق من المتقدمين، ولا غرابة إن قيدت ما سرد منه في هذا الكتاب.
على أني لم أتحقق أني حللت ذلك المنزل، فإني أضرب الآن في العشرين من العمر، وما كان السابق مدة تذكر، فلا والله ما أعدها إلى سنة أو بضع سنة.
وهنا أثبت كلمة تذكرني الأمر فيما بعد، يوم يكون لهذا الديوان إن شاء الله من وهب المنزلة الأولى بين أدباء العصر.
يوم أنزل في اللغوب لجمعه وترتيبه بقواي لا أستئني منها شيئًا (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ)
مجمل من ترجمة الحياة
نشأت بقرية بهتيم من أعمال مصر في الثامنة والتسعين بعد المائتين والألف، ولست أذكر شهر الميلاد ولا اليوم - من أب شامي، من طرابلس، ووالدة مصرية من بهتيم، تولاها الله برعايته، ثم حملت بعد ذلك إلى المكاتب لحفظ القرآن؛ وكان من توفيق الله أن حفظته مجودًا في الحادية عشرة من سني.
ثم نقلت بعدها إلى المدارس وبقيت فيها إلى الثامنة عشرة، حتى إذا آن وقت الخروج منها بانتهاء الدراسة، كانت في يدي شهادة تثبت الكفاءة منها، وأنا الآن أكاد أقطع العشرين، وما بين زمن النشوء لهذه المدة أمراض تتناوب هذا الجسد النحيل، نسأل الله أن يقطع دابرها.
أما العلوم؛ فقد تناولت الأدبيات بنفسي؛ لم يرشدني في ذلك أستاذ، ولا علمني إنسان، ومن آتاه الله من فضله استغنى عن المخلوقين.
وقد أصبحت - ولله الحمد - مع سني ذلك في منزلة إذا دعوت فيها الكلام ارتجالًا أتتني بوادره عجالًا، وأول الغيث قطر ثم ينسكب.
وما زلت أنمي قواي العقلية بالحكمة وغيرها مما تحصد من زرعه ثمار الفضائل الإنسانية.
نسأل الله المزيد.
ربي زدني من الفيوضات علمًا
وارو روحي بمحكم التنزيل
إن علمي يقل عند مرادي
فامح مني شوائب التقليل
مصطفي صادق الرافعي
طنطا - في يوم الأحد 14 محرم 1318.
أبو مالك المديني
2017-09-26, 06:07 PM
المقالات المجهولة
شعراء العصر(1)
قرأت في بعض أعداد (الثريَّا) كلمة عن الأدب قديمًا وحديثًا؛ فقلت كلمة مألوفة ولم ألبث أن رأيت جملة أخرى لأديب غيور على الشعراء كان رأس الشعر بين أولها وأخرها، كأنما خدش بين حجرين؛ فقلت: إني أنظم الشعر فأُسرّ، وأقرأ عنها فأسرّ، فمالي لا أنفثها والقوم قد أصبحوا يتنافسون في أسماء الشعراء كما يتنافسون في ألقاب الأمراء، وقد استويا في الزُّور فلا أكثر أولئك شاعر، ولا أكثر هؤلاء أمير.
ثم رأيت بعد أن عزم الله لي كتابة هذا المقال أن أتركه بغير توقيع، وإن كنت أعلم أن أكثر من يقرأونه كذلك سيخرجون من خاتمته كما لو كانوا أمِّيِّين لم يقرأوا فاتحته، فإن الحكمة كلها والمعرفة بجميع طبقاتها أصبحت في أحرف الأسماء، فإن قيل: كتاب لفلان؛ قلنا: أين يباع؟! وإن كان من سقط المتاع، على أن اسمي قد لا يكون في غير بطاقتي، وكتبي إلى أصحابي القليلين، وفي سجل بعض الجرائد والمجلات، فليظنني القاريء ما ضرب على رأسه الظن.
كان يقال قبل أن تبلى عظام الأدباء: مغرسُّ الشِّعر القلبُ، وزارعه الفكر، وقيِّمه العقل، وزهره الإعراب، وثمره الصواب، وجانيه اللسان، فأنت ترى أن مما يشترط لكنال الشاعر أن يكون ذا قلب قد وسع منه الاختبار فتقلبت فيه المعاني من كل طائفة، وفكر قادر بما اكتسب من القوة أن يكره ما شاء من المعاني على التجلي؛ فيأخذ منها ويدع، ومع ذلك عقل يتعهد الفكر ويسقيه، والقلب فيزيد فيه، فإذا جرى الكلام على إعرابه في لغته، ووقف من غايته عند حد الصواب؛ تناوله اللسان بأَسَلَتِه (2)، ومر به فكان شعرًا، ولذلك لا يكون من الشعر ما إذا نطقت به لا تشعر بقلبك يهتز، وفكرك يتحرك، وعقلك يتنبه، ولسانك برنين معانيه كأنه جرس يدق، وإذا كان الشرط ثقيلًا كما علمت؛ ربما لا يكون عنده في هذه الأمة أكثر من أصابع لكف، فما الذي يحمل الناس على الغرور والدعوى حتى ليمكنك أن تضع معجمًا ضخمًا من أسماء شعراء اليوم؟!
لعل ذلك لأن أكثرهم يجد السبيل إلى النظم أسهل مما يتصور، فهو يرى أنه إذا كتب كلمات يذكر فيها الخدَّ والورد، والقَدَّ والنَّهْد، ويذيب فيه قلبه، ويشق مرارته، ويلعن الدهر وحكمه، والحظَّ ونجمه، ثم يقول فلان كريم كالبحر، وذلك لئيم كالدهر، ويبكي الدار ومن بنى الدار، أو يرتقي فيذكر بعض المخترعات كيف جاء بها الوزن، واتفقت معها القافية، على شريطة أن يتجنب في ذلك مثل (المنسرح) وضروب بعض الأبحر؛ لئلا تموج في صحيفته، فقد أصبح شاعرًا (تحت التجربة)، ولكن متى اهتدت يداه إلى بعض الدواوين أو اختلفت عينه إليها، وكتبت عنه إحدى الصحف: ( قال يمدح، أو قال يهنيء، أو عثرنا، أو وقفنا ... إلخ إلخ )، فتلك الشهادة الناطقة بأن اسمه قد أضيف إلى الأسماء الخالدة في سجل الدهر، وأصبح لا يقال له إلا (الشاعر المجيد .. ).
هذه حالة كثيرين من القوم لا يقولون إلا الشعر الفاتر، يستدفئون به في الشتاء، ويخرجون (3) عقول الناس في الصيف، وليتهم يعرفون نصيحة (أبي العبر)، وإن كان أحمق، فقد قالها منذ ألف وأكثر من مائة سنة لمحمد بن مبروك الشيباني، قال له: " بلغني أنك تقول الشعر، إن قدرت أن تقوله جيدا جيدا، وإلا فليكن باردا باردا، وإياك والفاتر فإنه صفع كله".
وسأذكر في هذه الأسطر كل من عرفته، أو اتصل بي اسمه من الشعراء وأقطع عليه رأيي، فإما وسعه فكمل به، وإما أظهره كما هو في نفسه، لا كما هو عند نفسه، ولذلك فقد ضممتهم إلى ثلاث طبقات وجاريت في تسمية بعضهم بالشعراء عادتنا المألوفة..
_______________
(1) مجلة الثريا، الجزء التاسع، السنة السادسة، يناير 1905م.
(2) الأسلة: مستدق اللسان والذراع.
(3) يعني يمسحون؛ ففي التهذيب: خرجت السماء خروجا إذا أصحت بعد إغامتها.
أبو مالك المديني
2017-11-13, 06:57 PM
الطبقة الأولى:
الكاظمي: هو رجل من العراق قدم مصر من بضع سنين، ولم يزل فيها إلى اليوم، ولا أراني مبالغًا إذا قلت: إنه ليس أحدٌ أحقَّ باسم الشاعر منه بيننا. فهو طويل النفس، قوي العارضة، حاضر البديهة، رفيع الخيال، لا يتعاصى عليه معنى، ولا يلوذ عنه فكر.
ثم هو يمتاز عن غيره بحسن الإنشاد على غير ما نرى من باقي الشعراء الذين تعترض أنفسهم في مجاري أنفاسهم، فلا يُتم أحدهم البيت حتى ينتفض وريده، ولما حل هذا الشاعر في مصر، وسمع به القوم؛ هرع إليه كل الفضلاء، وكلهم أصبح له صديقًا، ولقد لقبه المرحوم محمود باشا البارودي بـ (ماكينة الشعر)؛ لأنه متى شاء نظم، وقلَّ أن تنزل له قصيدة عن سبعين بيتًا نصفها جيد مختار، مع أنك تقرأ لغيره القصيدة في ثلاثين وأربعين وأكثر، لا تختار منها أكثر من خمسة إلى عشرة أبيات.
وللكاظمي أدب نفس عجيب، فهو الحري بقول أنوشروان: "عجبت لمن يشهره الأدب، كيف تدعوه نفسه إلى مكرمة"، والرجل ضنين بشعره كل الضنِّ، فلا يذيله إنشاءً ولا إنشادًا، ولذلك لم أطلع منه إلا على القليل، ومنه هذه الأبيات قالها من قصيدة يعاتب بها كبيرًا من كبراء مصر ويتهكم عليه، وكان قد وعده وأخلفه:
ومن عجب لي تعزى البحار
وأرضى من الماء بالجدول
وأصبر منه على حالة
على مثلها الصبر لم يجمل
برغمي أصبحت أدعو الكريم
بين البرية بالأبخل
أعرني وجهًا يقد الصفا
ويقسم في الناس من جندل
وقل لي كيف ألاقي الورى
إذا قلت قولا ولم أفعل
سألتك فانهج معي غير ذا
ولولا ودادك لم أسأل
وإن أنت لم تلو عن خطة
تعسف في ليلها الأليل
فعندي من العتب مشبوبة
وأخشى بجمرتها تصطلي
فلا تتركني بفصل الخطاب
أحزُّ بكفي في مِفصلي
أعيذك من قلم إنْ طغى
على الطرسِ طوَّح بالمقتل
فبيناه من عسل ناطف
إذا هو يقذف بالحنظل
إذا أنا أرسلته للكفاح
بجعد من القول أو مرسل
تهب قوارصُه العاصفاتُ
وتعصف بالشامخ الأطول
وكيف أخاف عليه العثارَ
وهذي قوائمه أنملي
يتبع بإذن الله..
أبو مالك المديني
2017-12-28, 06:53 PM
ولو لم يكن له غير هذا البيت العجيب لكفاه، وهو قادر على الارتجال قدرةً انفرد بها عن جميع الشعراء المعاصرين؛ ومن ذلك: أنه رأى ذات مرة مليحًا يمر بين أشجار روضة كان بها مع جماعة من صحبه؛ فنظر إليه، فخجل الفتى، ثم تلهَّى بقطف وردة من غصنها، فارتجل الشاعر أرجوزة منها:
وشادنُ مرَّ مع الظبَاءِ ... يمرحُ في خميلةٍ غَنَّاءِ
أخجلتُه فعادَ من حياء... يقتطفُ الوردَ وعينَ الرائي
تقطف من وجنته الجمراء...
هذا هو شاعر الطبقة الأولى، على أن الشعر ما قدمناه في صدر الكلام، وهنا ربما اعترض بعض من يعرف الرجل، فيقول: لماذا لا ينظم في الأغراض الجديدة على نحو ما ينبغي أن يتجدَّد الشعر بحسب انقلاب الحال وتبدُّل الأيام؟
ولمثل هذا المعترض أقول: إن في مجال الكاظمي متسعًا لكل غرض كما يُعرف من أسلوبه وتنهض بحجته تلك المقدرة التي تشاهدها في كلامه.
ولكنَّ له أحوالًا تسوق نفسه إلى حيث تبدأ بالتنفس، ولو بلغ من أفاضل قومنا أن يعتبروا الشعر فنًّا بذاته داخلًا في أصول التهذيب كما هو الشأن عند غيرنا، لصح ذلك الاعتراض، ونحن إنما نتكلم عن أحوال الشعراء كما هي قائمة بهم، لا كما هم قائمون بها.
2 - الباوردي
يتبع بإذن الله...
أبو مالك المديني
2018-01-22, 09:27 PM
2 - الباوردي:
اتفق لهذا الشاعر - رحمه الله - ما لم يكن لغيره، فلا نذكره بغير الحسنى، وقد لبث يقول الشعر زهاء نصف قرن، ومع ذلك لم ينظم أكثر من ألفي بيت إلا قليلًا، ولكن أكثرها جيدٌ بديعٌ، وإنما فضلنا عليه الكاظمي؛ لأن الشعر كان عصيًّا عليه في أكثر أيامه بخلاف الأول، وكان قد بدأ ينقض معلقة عنترة منذ ثلاث سنوات، ومات - رحمه الله - ولم يتمها، ومن هذه القصيدة:
كم غادر الشعراء من متردِّم ... وَلَرُبَّ تَالٍ بَزَّ شَأْوَ مُقَدَّمِ
فِي كُلِّ عَصْرٍ عبْقَرِيٌّ لاَ يَنِي ... يفرى الفري بكلِّ قولِ محكمِ
وَكفاكَ بي رجلًا إذا اعتقلَ النهى ... بِالصَّمْتِ أَوْ رَعَفَ السِّنَانُ بِعَنْدَمِ
إلى أن يقول في وصف مصر:
هي جنـة الحسـن التي زهـراتـها ... حــور المهـــا وهزار أيكتهـا فمـي
وله هذه القصيدة يعارض بها قصيدة أبي فراس الحمداني، وهي من آيات سحره وبديع شعره:
طَرِبتُ، وعَادَتنى المَخيلةُ والسُّكرُ ... وَأَصْبَحْتُ لاَ يُلْوِي بِشِيمَتِي الزَّجْرُ
كَأَنِّيَ مَخْمُورٌ سَرَتْ بِلِسَانِهِ ... مُعتَّقة ٌ مِمَّا يَضنُّ بِها التجرُ
صَرِيعُ هَوى ً، يُلْوي بِيَ الشَّوْقُ كُلَّمَا ... تَلأْلأَ بَرْقٌ، أَوْ سَرَتْ دِيَمٌ غُزْرُ
إِذَا مَال ميزَانُ النَّهارِ رَأَيْتُنِي ... على حَسراتٍ لا يُقاومها صَبرُ
يَقولُ أناسٌ إنَّهُ السِحرُ ضلَّة ً ... وَمَا هِيَ إلاَّ نَظْرَة ٌ دُونَهَا السِّحْرُ
فَكَيْفَ يَعِيبُ النَّاسُ أَمْرِي، وَلَيْسَ لِي ... وَلاَ لاِمْرِىء ٍ في الحُبِّ نَهْيٌ وَلاَ أَمْرُ؟!
ولَو كانَ ممَّا يُستطاعُ دِفاعهُ ... لألوَت بهِ البيضُ المباتير والسُّمرُ
وَلَكِنَّهُ الْحُبُّ الَّذِي لَوْ تَعَلَّقَتْ ... شرارتهُ بِالجمرِ لاحتَرقَ الجمرُ
عَلَى أَنَّنِي كَاتَمْتُ صَدْرِيَ حُرْقَة ً... مِنَ الْوجْدِ لاَ يَقْوَى عَلَى مسِّها صَدْرُ
وَكَفْكَفْتُ دَمْعاً، لَوْ أَسَلْتُ شُؤونَهُ ... عَلَى الأَرْضِ مَا شَكَّ امْرُؤٌ أَنَّهُ الْبَحْرُ
حياءً وكِبراً أن يقالَ ترجَّحت ... بهِ صَبوة ٌ، أو فلَّ من عزمِه (1) الهَجرُ
وإنِّى امرؤٌ لولا العوائقُ أذعَنت ... لِسلطانهِ البدو المُغيرَة ُ والحَضرُ
مِنَ النَّفَرِ الْغُرِّ الَّذِين سُيُوفُهُمْ ... لَهَا في حَوَاشِي كُلِّ دَاجِيَة ٍ فَجْرُ
إِذَا اسْتَلَّ مِنْهُمْ سَيِّدٌ غَرْبَ سَيْفِهِ ... تفزَّعتِ الأفلاكُ، والتفَتَ الدَهرُ
لَهُمْ عُمُدٌ مَرْفُوعة ٌ، وَمَعاقِلٌ ... وألوِية ٌ حُمرٌ، وأفنيَة ٌ خُضرُ
وَنَارٌ لَهَا فِي كُلِّ شَرْقٍ ومَغْرِبٍ ... لِمُدَّرِعِ الظَّلْمَاءِ أَلْسِنَة ٌ حُمْرُ
تَمُدُّ يَداً نَحْوَ السَّمَاءِ خَضِيبَة ً ... تصافحها الشِعرَى، ويلثِمُها الغَفرُ
وَخَيْلٌ يَرُجُّ الْخَافِقَيْنِ صَهِيلُهَا ... نزائعُ معقودٌ بِأعرافِها النَّصرُ
مُعَوَّدة ٌ قَطعَ الفيافي، كأنَّها ... خُداريَّة ٌ فتخاءُ، ليسَ لَها وكرُ
أقاموا زماناً، ثمَّ بدَّدَ شملهُم ... أخو فتكات بالكرام اسمُه الدهر
فلم يبقَ منهُم غيرُ آثارِ نِعمَة ... تضوعُ بِريَّاها الأحاديثُ والذكرُ
وَقَدْ تَنْطِقُ الآثَارُ وَهْيَ صَوَامِتٌ ... ويُثنى بريَّاهُ على الوابلِ الزَّهرُ
لَعَمْرُكَ مَا حَيٌّ وَإِنْ طَالَ سَيْرُهُ ... يُعدُّ طليقاً والمنونُ لهُ أسرُ
وما هذهِ الأيامُ إلاَّ منازلٌ ... يَحُلُّ بِها سَفْرٌ، وَيَتْرُكُهَا سَفْرُ
فلا تَحسبنَّ المرءَ فيها بِخالدٍ ... وَلَكِنَّهُ يَسْعَى، وَغَايَتُهُ الْعُمْرُ
_________
(1) في الديوان (أو فلَّ من غَرْبِهِ الهجرُ) وغرب كل شيء حده.
حسن المطروشى الاثرى
2018-01-22, 11:15 PM
جميل جدا نفع الله بكم
أم أروى المكية
2018-01-23, 12:30 AM
رحم الله الرافعي.
مقالات نافعة.
جزاكم الله خيرا.
مسترشدي
2018-01-23, 12:49 AM
2 - الباوردي:
حياءً وكِبراً أن يقالَ ترجَّحت ... بهِ صَبوة ٌ، أو فلَّ من عزمِه به الهَجرُ
صوابُه:
حياءً وكِبراً أن يقالَ ترجَّحت ... بهِ صَبوة ٌ أو فلَّ من غَربِهِ الهَجرُ
بارك الله فيك.
أبو مالك المديني
2018-01-23, 06:32 PM
صوابُه:
حياءً وكِبراً أن يقالَ ترجَّحت ... بهِ صَبوة ٌ أو فلَّ من غَربِهِ الهَجرُ
بارك الله فيك.
وفيك بارك الله.
لكن نقلت هذا من الكتاب المشار إليه: مقالات الرافعي المجهولة، وهي هكذا كما نقلت.
ورأيت في بعض المواضع على الشبكة العنكبوتية ما تفضلتَ به، لكن أثبت ما أنقل منه.
أبو مالك المديني
2018-01-23, 06:33 PM
جميل جدا نفع الله بكم
جزاكم الله خيرا أخانا الحبيب.
أبو مالك المديني
2018-01-23, 06:33 PM
رحم الله الرافعي.
مقالات نافعة.
جزاكم الله خيرا.
بورك فيكم.
مسترشدي
2018-01-23, 06:50 PM
وفيك بارك الله.
لكن نقلت هذا من الكتاب المشار إليه: مقالات الرافعي المجهولة، وهي هكذا كما نقلت.
ورأيت في بعض المواضع على الشبكة العنكبوتية ما تفضلتَ به، لكن أثبت ما أنقل منه.
نعم، ولكن المثبت في الكتاب خطأ محض، لأن وزن البيت لا يستقيم به.
والتصويب الذي ذكرتُه هو من ديوان البارودي.
وغالب ظني أنّ مقال الرافعي ذكر البيت بهذا اللفظ:
به صبوة أو فَلَّ مِن عَزْمِه الهجرُ
ذلك أنني لاحظت عددا من الفروق بين رواية الرافعي للقصيدة وما هو مثبت في الديوان.
وكأنّ الشاعر أعاد صياغة بعض المواضع لاحقًا. وهذا يقع كثيرًا للشعراء...
وأستبعد أن يكون الرافعي نفسه هو من غيّر في تلك المواضع، استحسانا منه لعبارة دون أخرى...
جزاك الله خيرا.
أبو مالك المديني
2018-01-23, 08:03 PM
وغالب ظني أنّ مقال الرافعي ذكر البيت بهذا اللفظ:
به صبوة أو فَلَّ مِن عَزْمِه الهجرُ
وأستبعد أن يكون الرافعي نفسه هو من غيّر في تلك المواضع، استحسانا منه لعبارة دون أخرى...
جزاك الله خيرا.
وجزاك مثله.
ولكن أثبت المحقق (وليد كساب) ما وجده هكذا فيما وقف عليه، ولكنه نبه على ذلك في حاشيته على هذا الموضع فقال:
في الديوان (أو فلَّ من غَرْبِهِ الهجرُ) وغرب كل شيء حده.
فلذلك نقلته كما في الكتاب كما قلت آنفا.
مسترشدي
2018-01-23, 10:13 PM
الأمر لا يتعلق بنقلك، أخي أبا مالك. فقد نقلتَ النصَّ بأمانة. وأنت مأجور على ذلك.
الأمر يتعلق بالمحقق؛ لأنّ أدنى درجات تحقيق الكتب والمقالات المطبوعة أن ينتبه المحقق إلى الأخطاء المطبعية، لا سيما وهي كثيرة في الدوريات، وأن يميز بينها وبين ما يحتمل وجها يستقيم به النص لفظًا ومعنى.
والموضع الذي يعنينا هنا مرتبط بالشعر، وقوامه الوزن.وعلمنا بفحولة البارودي وتمكّنه من آلة النظم يجعلنا نجزم باستحالة صدور مثل هذا الخطا عنه.
وزيادة "به" في عجز البيت لا معنى لها. فهي مخلّة بالمعنى، إضافة إلى إخلالها بالوزن.
وكان الأولى أن يثبت المحقق "من عزمه" ويعرض عن "به" ويشير في الهامش إلى ورودها في الأصل وإلى أن إثباتها مخل بالوزن والمعنى معًا.
والمحقق أورد رواية الرافعي لرجز عبد المحسن الكاظمي على هذا النحو:
وشادنُ مرَّ مع الظبَاءِ ... يمرحُ في خميلةٍ غَنَّاءِ
أخجلتُه فعادَ من حياء... يقتطفُ الوردَ وعينَ الرائي
تقطف من وجنته الجمراء...
والصواب:
- "وشادنٍ"،
- "وعَيْنُ الرائي"
- "وجنته الحمراء" (بحاء مهملة)
ولا يقولن قائل إن عليه أن يثبتها على ما وجدها عليه في الأصل، لأنّ في ذلك إساءة للكاظمي، ثم للرافعي، ثم للشعر، ثم للتحقيق.
ولو كان الوجه أن يثبت النص كما وجده في الأصل، لكان الأوْلى والأسلم أن يصوّر المقالات وينشرها مصوَّرةً. لكن التحقيق غير التصوير الفوتوغرافي...
والله أعلم.
أبو مالك المديني
2018-01-24, 07:58 PM
وزيادة "به" في عجز البيت لا معنى لها. فهي مخلّة بالمعنى، إضافة إلى إخلالها بالوزن.
وكان الأولى أن يثبت المحقق "من عزمه" ويعرض عن "به" ويشير في الهامش إلى ورودها في الأصل وإلى أن إثباتها مخل بالوزن والمعنى معًا.
[/RIGHT]
البيت الذي ذكره ليس فيه: (به).
بل هذه خطأ، فقد نسختها ولم أنتبه إليها، وسبقت يدي، جزاك الله خيرا، لذا لما نقلت البيت في المشاركة الأخيرة (37) كما يلي:
في الديوان (أو فلَّ من غَرْبِهِ الهجرُ) وغرب كل شيء حده.
فلم أذكرها أصلا، وذكرت تنبيه المحقق للفظ المذكور، نفع الله بكم على إطلالكم بهذه الفوائد.
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.