المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التوفيق بين حديث ( لن تُغزى مكة بعد هذا العام ) وغزو الحجاج والقرامطة لها



احمد ابو انس
2016-11-10, 05:34 PM
التوفيق بين حديث ( لن تُغزى مكة بعد هذا العام ) وغزو الحجاج والقرامطة لهالي سؤال مرتبط بالحديث التالي من كتاب صحيح الجامع الصغير: ( لَنْ تُغزى مكةُ بعد هذا العام أبداً ) ، فيكف يكون فهمنا للحديث وهناك حوادث ، مثل : غزو مكة على يد أبي طاهر من القرامطة ، والعراك الذي دار بين الحَجَّاج وعبد الله بن الزبير ؟ .

تم النشر بتاريخ: 2009-06-17

الجواب:
الحمد لله
نص الحديث الذي سأل عنه السائل : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعِ بْنِ الأَسْوَدِ أَخِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (لاَ تُغْزَى مَكَّةُ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ أَبَداً) رواه أحمد في "مسنده" (24/133) ، وحسَّنه المحققون .
وللحديث شاهد عند الترمذي ( 1611 ) عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْبَرْصَاءِ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ يَقُولُ : (لاَ تُغْزَى هَذِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وأما معنى الحديث فهو محمول على معنيين :
الأول : أن أهل مكة لا يَكفرون أبداً , ولا يُغزون على الكفر ؛ وهكذا فسَّره سفيان بن عيينة ، كما نقله عنه الطحاوي في " شرح مشكل الآثار " ( 4 / 162 ) .
ويشهد لذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لَا تَنْتَهِي الْبُعُوثُ عَنْ غَزْوِ هَذَا الْبَيْتِ حَتَّى يُخْسَفَ بِجَيْشٍ مِنْهُمْ) رواه النسائي (2878) ، وصححه الألباني في "صحيح النسائي" .
والثاني : أنه إخبارٌ بمعنى النهي ، أي : لا يجوز لمسلم ، أو لجيش أن يتعرض لحرمتها .
ويشهد لهذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْقَتْلَ - أَوِ : الْفِيلَ - وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنِين َ ، أَلاَ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي ، وَلاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي أَلاَ وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) رواه البخاري (112) ومسلم (1355) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
"وَمُحَصِّله : أَنَّهُ خَبَر بِمَعْنَى النَّهْي ، بِخِلَافِ قَوْله : ( فَلَمْ تَحِلّ لِأَحَدٍ قَبْلِي ) فَإِنَّهُ خَبَر مَحْض ، أَوْ مَعْنَى قَوْله : (وَلَا تَحِلّ لِأَحَدٍ بَعْدِي) أَيْ : لَا يُحِلّهَا اللَّه بَعْدِي ، لِأَنَّ النَّسْخ يَنْقَطِع بَعْده ؛ لِكَوْنِهِ خَاتَم النَّبِيِّينَ" انتهى .
"فتح الباري" (4/46) .
وعلى كلا الوجهين لا يرِد ما فعله الجنابي القرمطي ، ولا الحجَّاج الظالم ، بالكعبة ، وأهلها ، فهم لم يغزوا مكة لأجل كفر أهلها ، بل الأول هو الكافر كفراً أشد من كفر أهل الكتاب ، والثاني لم يرد إلا إخضاع عبد الله بن الزبير لطاعة الخليفة المسلم .
وقد ذكر ابن كثير رحمه الله ما فعله أبو طاهر الجنابي بمكة وأهلها ، ثم قال :
"وقد سأل بعضهم ههنا سؤالاً فقال : قد أحلَّ الله سبحانه بأصحاب الفيل , وكانوا نصارى ما ذكره في كتابه , ولم يفعلوا بمكة شيئاً مما فعله هؤلاء , ومعلوم أن القرامطة شرٌّ من اليهود ، والنصارى ، والمجوس ؛ بل ومن عبَدة الأصنام , وأنهم فعلوا بمكة ما لم يفعله أحد ؛ فهلا عوجلوا بالعذاب ، والعقوبة ، كما عوجل أصحاب الفيل ؟
وقد أجيب عن ذلك : بأن أصحاب الفيل إنما عوقبوا إظهاراً لشرف البيت , ولِما يراد به من التشريف العظيم بإرسال النبي الكريم من البلد الذي فيه البيت الحرام ، فلما أرادوا إهانة هذه البقعة التي يراد تشريفها , وإرسال الرسول منها : أهلكهم سريعاً عاجلاً , ولم يكن شرائع مقررة تدل على فضله ، فلو دخلوه وأخربوه : لأنكرت القلوب فضله , وأما هؤلاء القرامطة : فإنما فعلوا ما فعلوا بعد تقرير الشرائع , وتمهيد القواعد , والعلم بالضرورة من دين الله بشرف مكة ، والكعبة , وكل مؤمنٍ يعلم أن هؤلاء قد ألحدوا في الحرم إلحاداً بالغاً عظيماً , وأنهم من أعظم الملحدين الكافرين ، بما تبيَّن من كتاب الله وسنَّة رسوله ، فلهذا لم يحتج الحال إلى معالجتهم بالعقوبة ، بل أخرهم الرب تعالى ليوم تشخص فيه الأبصار , والله سبحانه يمهل ، ويُملي ، ويستدرج ، ثم يأخذ أخذ عزيزٍ مقتدرٍ" انتهى .
" البداية والنهاية " ( 11 / 162 ) .

والله أعلم


الإسلام سؤال وجواب

احمد ابو انس
2016-11-10, 05:38 PM
كيف نفهم معنى كون الحرم آمناً لمن دخله مع وجود ما حصل فيه من قتل وإيذاء ؟هناك عدة آيات في القرآن تتحدث عن أمن مكة ، كالآية التي تقول بأن مكة هي البلد الأمين ، ولا أتذكر ما إذا كان هناك حديث أو آية قرآنية أيضاً تقول بأن من دخل مكة كان آمناً ، وقيل أيضا في أحد الأحاديث بأن الدجال لن يتمكن من دخول مكة ، وبأن الملائكة تحرس طرق الدخول للمدينة ، ولهذا فبوجه عام يمكنني الفهم بأن المقصود بأمن مكة هو الأمن المادي الذي يكفله الله سبحانه وتعالى ، لكني مع هذا أشعر بأنه يمكن أن يكون استنتاجا خاطئا ، لأنه حدث في الماضي قتال داخل مكة ، وقد روي عن قتل مسلمين داخل الكعبة المشرفة . ولهذا فإن السؤال هو : هل " الأمن " المذكور في القرآن والسنَّة يعنى : تحريم القتل داخل المنطقة الحرام وليس وعداً بأمن مادي ؟ . وأنا - والحمد لله - أبعد ما أكون عن الشك في مصداقية وعود الله - والعياذ بالله - لكني فقط غير متأكد من الفهم الصحيح للمعنى .

تم النشر بتاريخ: 2010-07-01

الجواب :
الحمد لله
أولاً:
ما ذكرتَه أخي السائل في مقدمة سؤالك قد جاء النص عليه في الكتاب والسنَّة الصحيحة ، وإليكه بترتيبك :
1. قال تعالى ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ . وَطُورِ سِينِينَ . وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ) التين/ 1 – 3 .
قال البيضاوي – رحمه الله - :
( وهذا البلد الأمين ) أي : الآمن ، من أمُن الرجل أمانة فهو أمين ، أو المأمون فيه ، يأمن فيه من دخله ، والمراد به مكة .
" تفسير البيضاوى " ( 5 / 507 ) .
2. ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ . فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) آل عمران/ 96 ، 97 .
3. عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ ؛ لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلَّا عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا ، ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ ، فَيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ ) .
رواه البخاري ( 1782 ) ومسلم ( 2943 ) .
النقاب : الطرق .
ثانياً:
الأمن الذي ذكره الله تعالى من خصائص بيته المحرَّم ، قد ذكر العلماء رحمهم الله له معاني كثيرة ، منها الضعيف ، ومنها القوي المقبول .
ومن أضعف الأقوال : قول من قال إن من دخل الحرم أمِن من عذاب الآخرة ! .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
ومَن ظن أنَّ مَن دخل الحرم كان آمناً من عذاب الآخرة مع ترك الفرائض من الصلاة وغيرها ومع ارتكاب المحارم : فقد خالف إجماع المسلمين ، فقد دخل البيت من الكفار والمنافقين والفاسقين مَن هو مِن أهل النار بإجماع المسلمين .
" مجموع الفتاوى " ( 18 / 344 ) .
وأشهر معاني " الأمن " المقبولة :
1. أن الأمن في الحرم في الجاهلية ، وهو الأمن على النفس للداخل فيه ، من القتل والإيذاء من الجبابرة ، وممن هو فيه من الناس ، كولِيِّ من قتله .
2. وأيضاً : الأمن على البيت الحرام أن يصيبه خسف أو هدم عقوبة من الله تعالى ، وهو ما امتنَّ الله تعالى به على أهل الحرم في الجاهلية .
قال تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ) العنكبوت/ 67 .
قال الإمام الطبري - رحمه الله - :
يعني بقوله ( آمِناً ) : آمناً من الجبابرة وغيرهم ، أن يُسلَّطوا عليه ، ومِن عقوبة الله أن تناله كما تنال سائر البلدان ، من خسف ، وائتفاك ، وغرق ، وغير ذلك من سخط الله ومثلاته - أي : عقوباته - التي تصيب سائر البلاد غيره .
" تفسير الطبري " ( 2 / 44 ، 45 ) .
والائتفاك : هو العذاب الشديد .
وقد ذكر ابن العربي المالكي رحمه الله في معنى " الأمن " أقوالاً ، القول الثاني منها : أن " من دخله كان آمناً من التشفي والانتقام ، كما كانت العرب تفعله فيمن أناب إليه من تركها لحقٍّ يكون لها عليه .
" أحكام القرآن " ( 1 / 69 ) .
وهو القول الذي رجحه ، قال :
والصحيح فيه : القول الثاني ، وهذا إخبار من الله تعالى عن منَّته على عباده ، حيث قرر في قلوب العرب تعظيم هذا البيت ، وتأمين من لجأ إليه ; إجابة لدعوة إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين أنزل به أهله وولده ، فتوقع عليهم الاستطالة ، فدعا أن يكون آمنا لهم ، فاستجيب دعاؤه .
" أحكام القرآن " ( 1 / 69 ) .
ولمَّا كان الحرم آمناً جاءت أهلَه الثمرات من كل مكان ، رزقاً من رب العالمين ، واستجابة لدعاء إبراهيم عليه السلام .
قال تعالى : ( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا ) القَصَص/ 57 .
3. أن الأمن المراد في الآية الثانية المذكورة سابقاً أنه خبر بمعنى الإنشاء ، والإنشاء هنا هو الأمر بتأمين من يدخل الحرم ، فليس خبراً مجرداً كما هو الحال في وصفه أيام الجاهلية ، أو في آخر الزمان أنه يأمن فيه داخله من الدجال .
ولا أحد ينكر ما حصل في الحرم لبيته ولأهله ، من الهدم والقتل ، وحاشاه أن يكون خبراً مجرَّداً في الإسلام ، والواقع يشهد بعدم وجود أمان لمن دخله في أزمان عديدة .
وكلا المعنيين يحتمله قوله تعالى : ( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا ) البقرة/ 125 .
قال الطاهر بن عاشور - رحمه الله - :
والمراد من " الجعل " في الآية : إما الجعل التكويني ؛ لأن ذلك قدَّره الله ، وأوجد أسبابه ، فاستقر ذلك بين أهل الجاهلية ، ويسَّرهم إلى تعظيمه .
وإما " الجعل " : أن أمر الله إبراهيم بذلك ، فأبلغه إبراهيم ابنَه إسماعيل ، وبثه في ذريته ، فتلقاه أعقابهم تلقي الأمور المسلَّمة ، فدام ذلك الأمن في العصور والأجيال ، من عهد إبراهيم عليه السلام إلى أن أغنى الله عنه بما شرع من أحكام الأمن في الإسلام في كل مكان ، وتم مراد الله تعالى .
فلا يريبكم ما حدث في المسجد الحرام من الخوف ، في حصار " الحجَّاج " في فتنة " ابن الزبير " ، ولا ما حدث فيه من الرعب والقتل والنهب في زمن " القرامطة " حين غزاه الحسن ابن بهرام الجنابي - نسبة إلى بلدة يقال لها جنَّابة ، بتشديد النون - كبير القرامطة ، إذ قتل بمكة آلافاً من الناس ، وكان يقول لهم : " يا كلاب ، أليس قال لكم محمد المكي : ( وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ) آل عمران: من الآية 97 ، أيُّ أمنٍ هنا ؟! " ، وهو جاهل غبي ؛ لأن الله أراد الأمر بأن يجعل المسجد الحرام مأمناً في مدة الجاهلية ، إذ لم يكن للناس وازع عن الظلم ، أو هو خبر مراد به الأمر مثل ( وَالْمُطَلَّقَا تُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) البقرة/ 228 .
" التحرير والتنوير " ( 1 / 690 ، 691 ) .
فتحصَّل لنا أن معنى " الأمن " في الحرم :
1. أن يكون خبراً مجرداً ، وله أحوال :
أ. أمن البيت في الجاهلية من الهدم والغرق والخسف .
ب. أمن أهله في الجاهلية من القتل من الجبابرة ، وأمن داخله من الناس ، فكان الرجل يرى قاتل والده ولا يمسه بسوء ولا يخيفه .
ج. أمن أهله في الإسلام من فتنة الدجال .
2. أن يكون خبراً بمعنى الإنشاء ، والمراد به : الأمر بتأمين من كان فيه من الناس داخله .
وانظر توسعّاً مفيداً في جواب السؤال رقم ( 137801 (https://islamqa.info/ar/137801) ) .
ونرجو بما قلناه أن يكون قد زال عندك الإشكال في معنى " الأمن " في الحرم ، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحب ويرضى .
والله أعلم


الإسلام سؤال وجواب