طارق الحمودي
2008-05-10, 03:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
مقال في التكفير بالمآل
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن والاه, وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد:
فقد اختلف العلماء في التكفير بالمآل ولوازم الأقوال.فذهب قوم إلى أن( لازم المذهب مذهب) فكفروا بالمآل, وقيدوا ذلك بكون اللزوم بينا غير خفي .
فقال العطار في حاشيته على جمع الجوامع (1/371 ): (لازم المذهب لا يعد مذهبا إلا أن يكون لازما بينا), وهو موافق لما ذكره الدسوقي في حاشيته (4/301 ).
واختار قوم أنه ليس بمذهب إذا تبين عدم التزام المتكلم بلازمه.
قال الشاطبي في الاعتصام (3/172/تحقيق مشهور): (الذي كنا نسمعه من الشيوخ أن مذاهب المحققين من أهل الأصول (إن الكفر بالمآل,ليس بكفر في الحال) , كيف والمكفر ينكر ذلك المآل أشد الإنكار, ويرمي مخالفه به , تبين له وجه لزوم الكفر من مقالته, لم يقل بها على حال)
وقال ابن حزم في الفصل (2/369): (وأما من كفر الناس بما تؤول إليه أقوالهم,فخطأ ,لأنه كذب على الخصم,وتقويل له ما لم يقل به)
وقال الحافظ في فتح الباري (12/337): (لازم المذهب ليس بمذهب فقد يذكر العالم الشيء ولا يستحضر لازمه حتى إذا عرفه أنكره)
وقال القاري في مرقاة المفاتيح (1/283): (قال ابن حجر – أي الهيتمي - : الصواب عند الأكثرين من علماء السلف والخلف أنّا لا نكفر أهل البدع والأهواء إلا أن أتوا بمكفر صريح لا استلزامي لأن الأصح أن لازم المذهب ليس بلازم)
وقال ابن أمير الحاج في التقرير والتحبير (3/425): (لازم المذهب ليس بمذهب لصاحبه فمن يلزمه الكفر ولم يقل به فليس بكافر وعليه مشى الإمام الرازي والشيخ عز الدين بن عبد السلام)
- وهو مذهب العز ابن عبد السلام في قواعد الأحكام في مصالح الأنام (ص172 ) والزركشي في المنثور والبحر المحيط.
وشدد الشوكاني في ذلك فقال في السيل الجرار (4/580): (قد علم كل من كان من الأعلام أن التكفير بالإلزام من أعظم مزالق الأقدام,فمن أراد المخاطرة بدينه فعلى نفسه جنى )
واعلم أن التكفير بالمآل واللازم طريقة أهل البدع والأهواء.
قال ابن رشد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/343/): (أكثر أهل البدع إنما يكفرون بالمآل,واختلف قول مالك في التكفير بالمآل, ومعنى التكفير بالمآل أنهم لا يصرحون بقول هو كفر ولكن يصرحون بأقوال يلزم عنها الكفر, وهم لا يعتقدون ذلك اللزوم)
ومثاله ما ذكره مرعي بن يوسف الكرمي في أقاويل الثقات (ص92) فقال: (اِعلم أن كثيرا من الناس يظنون أن القائل بالجهة هو من المجسمة لأن من لازم الجهة التجسيم وهذا ظن فاسد فإنهم لا يقولون بذلك لأن لازم المذهب ليس بلازم عند المحققين فكيف يجوز أن ينسب للإنسان شيء من لازم كلامه وهو يفر منه بل قالوا نحن أشد الناس هربا من ذلك وتنزيها للباري تعالى عن الحد الذي يحصره فلا يحد بحد يحصره بل بحد يتميز به عظمة ذاته من مخلوقاته هذا السمع والبصر والقدرة والعلم من لازم وجودها أن تكون أعراضا ولذلك نفاها المعتزلة ولكن هذا اللازم ليس بلازم كما هو مقرر معلوم فتأمل ولا تخض مع الخائضين)
بخلاف أهل السنة, فقد سئل شيخ الإسلام كما في الفتاوى (20/217):
هل لازم المذهب مذهب أم لا ؟
فأجاب : (أما قول السائل هل لازم المذهب مذهب أم ليس بمذهب فالصواب أن مذهب الإنسان ليس بمذهب له, إذا لم يلتزمه. فإنه إذا كان قد أنكره ونفاه كانت إضافته إليه كذبا عليه, بل ذلك يدل على فساد قوله وتناقضه في المقال, غير التزامه اللوازم التي يظهر أنها من قبل الكفر والمحال مما هو أكثر, فالذين قالوا بأقوال يلزمها أقوال يعلم أنه لا يلتزمها, لكن لم يعلم أنها تلزمه. ولو كان لازم المذهب مذهبا للزم تكفير كل من قال عن الاستواء أو غيره من الصفات إنه مجاز ليس بحقيقة, فإن لازم هذا القول يقتضي أن لا يكون شيء من أسمائه أو صفاته حقيقة, وكل من لم يثبت بين الاسمين قدرا مشتركا لزم أن لا يكون شيء من الإيمان بالله ومعرفته والإقرار به إيمانا, فإنه ما من شيء يثبته القلب, إلا ويقال فيه نظير ما يقال في الآخر, ولازم قول هؤلاء يستلزم قول غلاة الملاحدة المعطلين, الذين هم أكفر من اليهود والنصارى, لكن نعلم أن كثيرا ممن ينفي ذلك لا يعلم لوازم قوله)
وأحسن شيء في هذا الباب ما حرره شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في القواعد النورانية (ص128) فقال : (لازم قول الإنسان نوعان:
أحدهما: لازم قوله الحق, فهذا مما يجب عليه أن يلتزمه, فإن لازم الحق حق. ويجوز أن يضاف إليه إذا علم من حاله أنه لا يمتنع من التزامه بعد ظهوره, وكثيرا ما يضيفه الناس إلى مذهب الأئمة من هذا الباب.
والثاني: لازم قوله الذي ليس بحق, فهذا لا يجب التزامه, إذ أكثر ما فيه أنه قد تناقض, وقد بينت أن التناقض واقع من كل عالم غير النبيين, ثم إن عرف من حاله أنه يلتزمه بعد ظهوره له, فقد يضاف إليه, وإلا فلا يجوز أن يضاف إليه قول لو ظهر له فساده لم يلتزمه, لكونه قد قال ما يلزمه وهو لم يشعر بفساد ذلك القول ولا يلزم.
هذا التفصيل في اختلاف الناس في لازم المذهب هل هو مذهب أو ليس بمذهب, هو أجود من إطلاق أحدهما.
فما كان من اللوازم يرضاه القائل بعد وضوحه له فهو قوله, وما لا يرضاه فليس قوله, و إن كان متناقضا. وهو الفرق بين اللازم الذي يجب التزامه مع لزوم اللازم الذي يجب ترك الملزوم للزومه, فإذا عرف هذا, عرف الفرق بين الواجب من المقالات و الواقع منها, و هذا متوجه في اللوازم التي لم يصرح هو بعدم لزومها.
فأما إذا نفى هو اللزوم, لم يجز أن يضاف إليه اللازم بحال, وإلا لأضيف إلى كل عالم ما اعتقدنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله, لكونه ملتزما لرسالته,فلما لم يضف إليه ما نفاه عن الرسول, و إن كان لازما له ظهر الفرق بين اللازم الذي لم ينفه و اللازم الذي نفا, ولا يلزم من كونه نص على الحكم نفيه للزوم ما يلزمه لأنه قد يكون عن اجتهادين في وقتين)
مقال في التكفير بالمآل
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه ومن والاه, وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد:
فقد اختلف العلماء في التكفير بالمآل ولوازم الأقوال.فذهب قوم إلى أن( لازم المذهب مذهب) فكفروا بالمآل, وقيدوا ذلك بكون اللزوم بينا غير خفي .
فقال العطار في حاشيته على جمع الجوامع (1/371 ): (لازم المذهب لا يعد مذهبا إلا أن يكون لازما بينا), وهو موافق لما ذكره الدسوقي في حاشيته (4/301 ).
واختار قوم أنه ليس بمذهب إذا تبين عدم التزام المتكلم بلازمه.
قال الشاطبي في الاعتصام (3/172/تحقيق مشهور): (الذي كنا نسمعه من الشيوخ أن مذاهب المحققين من أهل الأصول (إن الكفر بالمآل,ليس بكفر في الحال) , كيف والمكفر ينكر ذلك المآل أشد الإنكار, ويرمي مخالفه به , تبين له وجه لزوم الكفر من مقالته, لم يقل بها على حال)
وقال ابن حزم في الفصل (2/369): (وأما من كفر الناس بما تؤول إليه أقوالهم,فخطأ ,لأنه كذب على الخصم,وتقويل له ما لم يقل به)
وقال الحافظ في فتح الباري (12/337): (لازم المذهب ليس بمذهب فقد يذكر العالم الشيء ولا يستحضر لازمه حتى إذا عرفه أنكره)
وقال القاري في مرقاة المفاتيح (1/283): (قال ابن حجر – أي الهيتمي - : الصواب عند الأكثرين من علماء السلف والخلف أنّا لا نكفر أهل البدع والأهواء إلا أن أتوا بمكفر صريح لا استلزامي لأن الأصح أن لازم المذهب ليس بلازم)
وقال ابن أمير الحاج في التقرير والتحبير (3/425): (لازم المذهب ليس بمذهب لصاحبه فمن يلزمه الكفر ولم يقل به فليس بكافر وعليه مشى الإمام الرازي والشيخ عز الدين بن عبد السلام)
- وهو مذهب العز ابن عبد السلام في قواعد الأحكام في مصالح الأنام (ص172 ) والزركشي في المنثور والبحر المحيط.
وشدد الشوكاني في ذلك فقال في السيل الجرار (4/580): (قد علم كل من كان من الأعلام أن التكفير بالإلزام من أعظم مزالق الأقدام,فمن أراد المخاطرة بدينه فعلى نفسه جنى )
واعلم أن التكفير بالمآل واللازم طريقة أهل البدع والأهواء.
قال ابن رشد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/343/): (أكثر أهل البدع إنما يكفرون بالمآل,واختلف قول مالك في التكفير بالمآل, ومعنى التكفير بالمآل أنهم لا يصرحون بقول هو كفر ولكن يصرحون بأقوال يلزم عنها الكفر, وهم لا يعتقدون ذلك اللزوم)
ومثاله ما ذكره مرعي بن يوسف الكرمي في أقاويل الثقات (ص92) فقال: (اِعلم أن كثيرا من الناس يظنون أن القائل بالجهة هو من المجسمة لأن من لازم الجهة التجسيم وهذا ظن فاسد فإنهم لا يقولون بذلك لأن لازم المذهب ليس بلازم عند المحققين فكيف يجوز أن ينسب للإنسان شيء من لازم كلامه وهو يفر منه بل قالوا نحن أشد الناس هربا من ذلك وتنزيها للباري تعالى عن الحد الذي يحصره فلا يحد بحد يحصره بل بحد يتميز به عظمة ذاته من مخلوقاته هذا السمع والبصر والقدرة والعلم من لازم وجودها أن تكون أعراضا ولذلك نفاها المعتزلة ولكن هذا اللازم ليس بلازم كما هو مقرر معلوم فتأمل ولا تخض مع الخائضين)
بخلاف أهل السنة, فقد سئل شيخ الإسلام كما في الفتاوى (20/217):
هل لازم المذهب مذهب أم لا ؟
فأجاب : (أما قول السائل هل لازم المذهب مذهب أم ليس بمذهب فالصواب أن مذهب الإنسان ليس بمذهب له, إذا لم يلتزمه. فإنه إذا كان قد أنكره ونفاه كانت إضافته إليه كذبا عليه, بل ذلك يدل على فساد قوله وتناقضه في المقال, غير التزامه اللوازم التي يظهر أنها من قبل الكفر والمحال مما هو أكثر, فالذين قالوا بأقوال يلزمها أقوال يعلم أنه لا يلتزمها, لكن لم يعلم أنها تلزمه. ولو كان لازم المذهب مذهبا للزم تكفير كل من قال عن الاستواء أو غيره من الصفات إنه مجاز ليس بحقيقة, فإن لازم هذا القول يقتضي أن لا يكون شيء من أسمائه أو صفاته حقيقة, وكل من لم يثبت بين الاسمين قدرا مشتركا لزم أن لا يكون شيء من الإيمان بالله ومعرفته والإقرار به إيمانا, فإنه ما من شيء يثبته القلب, إلا ويقال فيه نظير ما يقال في الآخر, ولازم قول هؤلاء يستلزم قول غلاة الملاحدة المعطلين, الذين هم أكفر من اليهود والنصارى, لكن نعلم أن كثيرا ممن ينفي ذلك لا يعلم لوازم قوله)
وأحسن شيء في هذا الباب ما حرره شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في القواعد النورانية (ص128) فقال : (لازم قول الإنسان نوعان:
أحدهما: لازم قوله الحق, فهذا مما يجب عليه أن يلتزمه, فإن لازم الحق حق. ويجوز أن يضاف إليه إذا علم من حاله أنه لا يمتنع من التزامه بعد ظهوره, وكثيرا ما يضيفه الناس إلى مذهب الأئمة من هذا الباب.
والثاني: لازم قوله الذي ليس بحق, فهذا لا يجب التزامه, إذ أكثر ما فيه أنه قد تناقض, وقد بينت أن التناقض واقع من كل عالم غير النبيين, ثم إن عرف من حاله أنه يلتزمه بعد ظهوره له, فقد يضاف إليه, وإلا فلا يجوز أن يضاف إليه قول لو ظهر له فساده لم يلتزمه, لكونه قد قال ما يلزمه وهو لم يشعر بفساد ذلك القول ولا يلزم.
هذا التفصيل في اختلاف الناس في لازم المذهب هل هو مذهب أو ليس بمذهب, هو أجود من إطلاق أحدهما.
فما كان من اللوازم يرضاه القائل بعد وضوحه له فهو قوله, وما لا يرضاه فليس قوله, و إن كان متناقضا. وهو الفرق بين اللازم الذي يجب التزامه مع لزوم اللازم الذي يجب ترك الملزوم للزومه, فإذا عرف هذا, عرف الفرق بين الواجب من المقالات و الواقع منها, و هذا متوجه في اللوازم التي لم يصرح هو بعدم لزومها.
فأما إذا نفى هو اللزوم, لم يجز أن يضاف إليه اللازم بحال, وإلا لأضيف إلى كل عالم ما اعتقدنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله, لكونه ملتزما لرسالته,فلما لم يضف إليه ما نفاه عن الرسول, و إن كان لازما له ظهر الفرق بين اللازم الذي لم ينفه و اللازم الذي نفا, ولا يلزم من كونه نص على الحكم نفيه للزوم ما يلزمه لأنه قد يكون عن اجتهادين في وقتين)