المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل من عبارات أو فوائد قصيرة تزيد من همة طالب العلم؟



أم علي طويلبة علم
2016-09-23, 12:15 AM
هل من عبارات أو فوائد قصيرة تزيد من همة طالب/ طالبة العلم المبتدئ -والمبتدئ سواء كان صغير أم كبير في السن-، نضع هنا بين يديه ما يزيد من همته في الطلب ؟؟
.
.
.
.
.

محمد طه شعبان
2016-09-23, 08:00 PM
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
"وآكدُ ما يُتطوَّعُ به من العبادات البَدنية: الجِهَاد.
وقيل: العِلْم.
والصَّحيح: أنه يختلف باختلاف الفاعل؛ وباختلاف الزَّمن، فقد نقول لشَخصٍ: الأفضلُ في حَقِّك الجِهادُ، والآخرُ: الأفضلُ في حَقِّكِ العِلْم، فإذا كان شُجاعاً قويًّا نشيطاً؛ وليس بذاك الذَّكيِّ؛ فالأفضلُ له الجِهاد؛ لأنه أَليقُ به. وإذا كان ذكيًّا حافظاً قويَّ الحُجَّة؛ فالأفضلُ له العِلْم، وهذا باعتبار الفاعل.
وأما باعتبار الزَّمن؛ فإننا إذا كُنَّا في زمن تَفَشَّى فيه الجهلُ والبِدعُ، وكَثُرَ مَنْ يُفتي بلا عِلم؛ فالعِلمُ أفضلُ من الجهاد، وإنْ كُنَّا في زمن كَثُرَ فيه العُلماءُ؛ واحتاجتِ الثُّغور إلى مرابطين يدافعون عن البلاد الإسلامية؛ فهنا الأفضل الجهاد. فإنْ لم يكن مرجِّحٌ، لا لهذا ولا لهذا؛ فالأفضلُ العِلم.
((الشرح الممتع)) 2/46.

محمد طه شعبان
2016-09-23, 10:35 PM
قال ابن حزم رحمه الله:
«لَو لم يكن من فضل الْعلم إِلَّا أَن الْجُهَّال يهابونك ويُجِلُّونك، وَأَن الْعلمَاء يحبونك ويكرمونك، لَكَانَ ذَلِك سَببًا إِلَى وجوب طلبه، فَكيف بِسَائِر فضائله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَلَو لم يكن من نقص الْجَهْل إِلَّا أَن صَاحبه يَحْسد الْعلمَاءَ ويغبط نظراءه من الْجُهَّال، لَكَانَ ذَلِك سَببًا إِلَى وجوب الْفِرَار عَنهُ، فَكيف بِسَائِر رذائله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
لَو لم يكن من فَائِدَة الْعلم والاشتغال بِهِ إِلَّا أَنه يقطع المشتغل بِهِ عَن الوساوس المضنية ومطارح الآمال الَّتِي لَا تفِيد غير الْهَمِّ وكفاية الأفكار المؤلمة للنَّفس، لَكَانَ ذَلِك أعظم دَاع إِلَيْهِ، فَكيف وَله من الْفَضَائِل مَا يطول ذكره وَمن أقلهَا مَا ذكرنَا مِمَّا يحصل عَلَيْهِ طَالب الْعلم، وَفِي مثله أتعب ضعفاء الْمُلُوك أنفسهم فتشاغلوا عَمَّا ذكرنَا بالشطرنج والنرد وَالْخمر والأغاني وركض الدَّوَابِّ فِي طلب الصَّيْد وَسَائِر الفضول الَّتِي تعود بالمضرة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأما فَائِدَة فَلَا فَائِدَة، لَو تدبر الْعَالم فِي مُرُور ساعاته مَاذَا كَفاهُ الْعلم من الذل بتسلط الْجُهَّال وَمن الْهَمِّ بمغيب الْحَقَائِق عَنهُ وَمن الْغِبْطَة بِمَا قد بَان لَهُ وَجهه من الْأُمُور الْخفية عَن غَيره لزاد حمدًا لله ﻷ وغبطة بِمَا لَدَيْهِ من الْعلم ورغبة فِي الْمَزِيد مِنْهُ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))»اهـ.

([1]) «الأخلاق والسير في مداواة النفوس» (21، 22).

محمد طه شعبان
2016-09-23, 10:38 PM
يقول الإمام ابن جماعة رحمه الله – بعد ما ذكر طائفة من النصوص الواردة في فضل العلم والعلماء -:
((وقد ظهر بما ذكرناه: أن الاشتغال بالعلم لله أفضل من نوافل العبادات البدنية من صلاة وصيام وتسبيح ودعاء ونحو ذلك، لأن نفع العلم يَعُمُّ صاحبَه والناسَ، والنوافل البدنية مقصورة على صاحبها؛ ولأن العلم مصحح لغيره من العبادات؛ فهي تفتقر إليه وتتوقف عليه، ولا يتوقف هو عليها، ولأن العلماء ورثة الأنبياء عليهم الصلاة والتسليم وليس ذلك للمتعبدين، ولأن طاعة العالم واجبة على غيره فيه، ولأن العلم يبقى أثره بعد موت صاحبه، وغيره من النوافل تنقطع بموت صاحبها، ولأن في بقاء العلم إحياءَ الشريعة وحفظَ معالم الملة([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))اهـ.

([1]) ((تذكرة السامع والمتكلم)) (43، 44).

أم علي طويلبة علم
2016-09-23, 10:42 PM
أنه طريق الجنة قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة ).رواه مسلم

محمد طه شعبان
2016-09-23, 10:51 PM
قال العلامة ابن القيم رحمه الله:
((وقد اختلف في تفضيل مداد العلماء على دم الشهداء وعكسه، وذُكر لكل قول وجوه من التراجيح والادلة ونفس هذا النزاع دليل على تفضيل العلم ومرتبته؛ فإن الحاكم في هذه المسئلة هو العلم فيه وإليه، وعنده يقع التحاكم والتخاصم، والمفضل منهما من حَكَمَ له بالفضل؛ فإن قيل: فكيف يقبل حكمه لنفسه؟ قيل: وهذا أيضًا دليل على تفضيله وعلو مرتبته وشرفه؛ فإن الحاكم إنما لم يسغ أن يحكم لنفسه لأجل مظنة التهمة، والعلم لم تلحقه تهمة في حكمه لنفسه، فإنه إذا حكم حكم بما تشهد العقول والنظر بصحته وتتلقاه بالقبول ويستحيل حكمه لتهمة فإنه إذا حكم بها انعزل عن مرتبته وانحط عن درجته فهو الشاهد المزكي العدل والحاكم الذي لا يجور ولا يُعزل، فإن قيل: فماذا حكمه في هذه المسئلة التي ذكرتموها؟ قيل: هذه المسألة كثر فيها الجدال واتسع المجال وأدلى كل منهما بحجته واستعلى بمرتبته، والذي يفصل النزاع ويعيد المسالة إلى مواقع الاجماع الكلام في أنواع مراتب الكمال وذكر الافضل منهما والنظر في أي هذين الامرين أولى به وأقرب إليه، فهذه الاصول الثلاثة تبين الصواب ويقع بها فصل الخطاب.
فأما مراتب الكمال فأربع: النبوة والصديقية والشهادة والوَلاية، وقد ذكرها الله سبحانه في قوله: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليمًا}، وذكر تعالى هؤلاء الأربع في سورة الحديد فذكر تعالى الايمان به وبرسوله ثم ندب المؤمنين إلى أن تخشع قلوبهم لكتابه ووحيه ثم ذكر مراتب الخلائق شقيهم وسعيدهم فقال: {إن المصدقين والمصدقات واقرضوا الله قرضًا حسنًا يضاعف لهم ولهم أجر كريم والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم} وذكر المنافقين قبل ذلك فاستوعبت هذه الاية أقسام العباد شقيهم وسعيدهم؛ والمقصود أنه ذكر فيها المراتب الأربعة: الرسالة والصديقية والشهادة والوَلاية، فأعلى هذه المراتب النبوة والرسالة ويليها الصديقية؛ فالصديقون هم أئمة أتباع الرسل ودرجتهم أعلى الدرجات بعد النبوة، فإن جرى قلم العالم بالصديقية وسال مداده بها كان أفضل من دم الشهيد الذي لم يحلقه في رتبة الصديقية، وإن سال دم الشهيد بالصديقية وقطر عليها كان أفضل من مداد العالم الذي قصر عنها؛ فأفضلهما صديقهما، فإن استويا في الصديقية استويا في المرتبة والله اعلم))اهـ.
((مفتاح دار السعادة)) (1/ 80).

محمد طه شعبان
2016-09-23, 10:52 PM
معذرة هذه كلمات طويلة، ولكنها مفيدة، ولا ينبغي أن نتجاهلها في هذا الباب.

أم علي طويلبة علم
2016-09-23, 10:54 PM
جزاكم الله خيرا ونفع بكم
وقد تستخدم مشاركاتكم في نشره بين الطالبات المبتدئات، والحث على طلب العلم.

محمد طه شعبان
2016-09-23, 11:21 PM
https://www.youtube.com/watch?v=5tLuciWRUI0

أم علي طويلبة علم
2016-09-23, 11:22 PM
حياة الفتى والله بالعلم والتقى *** إذا لم يكونا لا اعتبار لذاته

محمد طه شعبان
2016-09-23, 11:31 PM
قال القرطبي رحمه الله عند قوله تعالى: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}: «فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ أَشْرَفَ مِنَ الْعِلْمِ لَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يَسْأَلَهُ الْمَزِيدَ مِنْهُ كَمَا أَمَرَ أَنْ يَسْتَزِيدَهُ مِنَ الْعِلْمِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))»اهـ.

([1]) «تفسير القرطبي» (4/ 41).

محمد طه شعبان
2016-09-23, 11:42 PM
قال ابن جماعة رحمه الله في قوله تعالى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَة ُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}: «بدأ سبحانه بنفسه، وثنى بالملائكة، وثلَّث بأهل العلم؛ وكفاهم ذلك شرفًا وفضلًا وجلالةً ونبلًا([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».

([1]) «تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم» (41).

محمد طه شعبان
2016-09-23, 11:45 PM
وَعَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
قال ابن بطال رحمه الله: «فيه فضل العلماء على سائر الناس، وفيه فضل الفقه في الدين على سائر العلوم؛ وإنما ثبت فضله لأنه يقود إلى خشية الله والتزام طاعته وتجنب معاصيه، قال الله تعالى:{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر: ٢٨]([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))»اهـ.
([1]) متفق عليه: أخرجه البخاري (71)، ومسلم (1036).
([2]) «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (1/ 154).

محمد طه شعبان
2016-09-23, 11:48 PM
وقال سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رحمه الله: «مَا مِنْ عَمَلٍ أَفْضَلَ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ إِذَا صَحَّتِ النِّيَّةُ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».

([1]) «جامع بيان العلم وفضله» (1/ 123).

محمد طه شعبان
2016-09-23, 11:51 PM
قَالَ الشافعي رحمه الله: «مَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا فَعَلَيْهِ بِالْعِلْمِ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ فَعَلَيْهِ بِالْعِلْمِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
([1]) «المجموع» (1/ 20).

أم علي طويلبة علم
2016-09-24, 10:32 PM
قال عليه الصلاة والسلام: (وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب) [صحيح الترمذي]

محمد علي حمودة
2024-07-06, 03:16 AM
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾
[ سورة الجمعة (https://surahquran.com/62.html): 5]

تفسير الوسيط:
والمراد بالمثل في قوله-تبارك وتعالى-: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ الصفة والحال.
والمراد بالذين حملوا التوراة: اليهود الذين كلفهم الله-تبارك وتعالى- بالعمل بما اشتملت عليه التوراة من هدايات وأحكام وآداب،
ولكنهم نبذوها وتركوا العمل بها..والأسفار: جمع سفر، وهو الكتاب الكبير المشتمل على ألوان من العلم النافع، وسمى بذلك لأنه يسفر ويكشف عما فيه من المعاني المفيدة للمطلع عليها. والمعنى: حال هؤلاء اليهود الذين أنزل الله-تبارك وتعالى- عليهم التوراة لهدايتهم.. ولكنهم لم ينتفعوا بها.. كحال الحمار الذي يحمل كتب العلم النافع، ولكنه لم يستفد من ذلك شيئا، لأنه لا يفقه شيئا مما يحمله..ففي هذا المثل شبه الله-تبارك وتعالى- اليهود الذين لم ينتفعوا بالتوراة التي فيها الهداية والنور، بحال الحمار الذين يحمل كتب العلوم النافعة دون أن يستفيد بها.
ووجه الشبه بين الاثنين: هو عدم الانتفاع بما من شأنه أن ينتفع به انتفاعا عظيما، لسمو قيمته، وجلال منزلته.
قال صاحب الكشاف: شبه اليهود في أنهم حملة التوراة وقراؤها وحفاظ ما فيها، ثم إنهم غير عاملين بها، ولا بمنتفعين بآياتها ...
بالحمار، حمل أسفارا، أى: كتبا كبارا من كتب العلم، فهو يمشى بها، ولا يدرى منها إلا ما يمر بجنبيه وظهره من الكد والتعب، وكل من علم ولم يعمل بعلمه فهذا مثله، وبئس المثل...
وقال الإمام ابن كثير (https://surahquran.com/tafsir-ibn-kathir/altafsir.html): يقول-تبارك وتعالى- ذامّا لليهود الذين أعطوا التوراة فلم يعملوا بها، إن مثلهم في ذلك كمثل الحمار يحمل أسفارا.. فهو يحملها حملا حسيا ولا يدرى ما عليه، وكذلك هؤلاء.
لم يعملوا بمقتضى ما في التوراة بل أولوه وحرفوه، فهم أسوأ من الحمار، لأن الحمار لا فهم له، وهؤلاء لهم فهوم لم يستعملوها، ولهذا قال-تبارك وتعالى-: في آية أخرى:أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ، أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ...
وقال القرطبي (https://surahquran.com/tafsir-alqurtubi/altafsir.html): وفي هذا المثل تنبيه من الله-تبارك وتعالى- لمن حمل الكتاب، أن يتعلم معانيه، ويعمل بما فيه، لئلا يلحقه من الذم ما لحق هؤلاء اليهود، قال الشاعر:زوامل للأسفار لا علم عندهم ...
بجيّدها، إلا كعلم الأباعر لعمرك ما يدرى البعير إذا غدا ...
بأوساقه، أو راح ما في الغرائروعبر- سبحانه - عن تكليفهم العمل بالتوراة وعن تركهم لذلك بقوله: حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها للإشعار بأن هذا التكليف منه-تبارك وتعالى- لهم، كان عهدا مؤكدا عليهم، حتى لكأنهم تحملوه كما يتحمل الإنسان شيئا قد وضع فوق ظهره أو كتفيه.
ولكنهم نبذوا هذا العهد، وألقوا بما فوق أكتافهم من أحمال، وانقادوا لأهوائهم وشهواتهم انقياد الأعمى لقائده..ولفظ «ثم» في قوله ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها للتراخي النسبي، لأن عدم وفائهم بما عهد إليهم، أشد عجبا من تحملهم لهذه العهود.
وشبههم، بالحمار الذي هو مثل في البلادة والغباء، لزيادة التشنيع عليهم، والتقبيح لحالهم، حيث زهدوا وأعرضوا عن الانتفاع بأثمن شيء نافع، - وهو كتاب الله- كما هو شأن الحمار الذي لا يفرق فيما يحمله على ظهره بين الشيء النافع والشيء الضار.
وجملة «يحمل أسفارا» في موضع الحال من الحمار، أو في موضع جر على أنها صفة للحمار، باعتبار أن المقصود به الجنس، فهو معرفة لفظا، نكرة معنى.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: «يحمل» ما محله؟ قلت: محله النصب على الحال، أو الجر على الوصف، لأن لفظ الحمار هنا، كلفظ اللئيم في قول الشاعر: ولقد أمر على اللئيم يسبني...
ثم أضاف- سبحانه - إلى ذم هؤلاء اليهود ذما آخر فقال: بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ....وبِئْس َ فعل ذم، وفاعله ما بعده وهو قوله: مَثَلُ الْقَوْمِ وقد أغنى هذا الفاعل عن ذكر المخصوص بالذم، لحصول العلم بأن المذموم هو حال هؤلاء القوم الذين وصفهم- سبحانه - بأنهم قد كذبوا بآياته.
أى: بئس المثل مثل هؤلاء القوم الذين كذبوا بآيات الله-تبارك وتعالى- الدالة على وحدانيته وقدرته، وعلى صدق أنبيائه فيما يبلغونه عنه-تبارك وتعالى-.
وقوله: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ تذييل قصد به بيان الأسباب التي أدت إلى عدم توفيق الله-تبارك وتعالى- لهم إلى الهداية.
أى: والله-تبارك وتعالى- قد اقتضت حكمته، أن لا يهدى إلى طريق الخير، من ظلم نفسه، بأن آثر الغي على الرشد، والعمى على الهدى، والشقاوة على السعادة، لسوء استعداده، وانطماس بصيرته.

تفسير ابن كثير:
يقول تعالى ذاما لليهود الذين أعطوا التوراة وحملوها للعمل بها ، فلم يعملوا بها ، مثلهم في ذلك كمثل الحمار يحمل أسفارا ، أي: كمثل الحمار إذا حمل كتبا لا يدري ما فيها ، فهو يحملها حملا حسيا ولا يدري ما عليه . وكذلك هؤلاء في حملهم الكتاب الذي أوتوه ، حفظوه لفظا ولم يفهموه ولا عملوا بمقتضاه ، بل أولوه وحرفوه وبدلوه ، فهم أسوأ حالا من الحمير ; لأن الحمار لا فهم له ، وهؤلاء لهم فهوم لم يستعملوها ; ولهذا قال في الآية الأخرى : { أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون } [ الأعراف : 179 ] وقال ها هنا : { بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين }
وقال الإمام أحمد رحمه الله : حدثنا ابن نمير ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب ، فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا ، والذي يقول له " أنصت " ، ليس له جمعة ".

تفسير القرطبي :
قوله تعالى : مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين. ضرب مثلا لليهود لما تركوا العمل بالتوراة ولم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم .
حملوا التوراة أي كلفوا العمل بها ; عن ابن عباس .
وقال الجرجاني : هو من الحمالة بمعنى الكفالة ; أي ضمنوا أحكام التوراة .
كمثل الحمار يحمل أسفارا هي جمع سفر ، وهو الكتاب الكبير ; لأنه يسفر عن المعنى إذا قرئ .
قال ميمون بن مهران : الحمار لا يدري أسفر على ظهره أم زنبيل ; فهكذا اليهود .
وفي هذا تنبيه من الله تعالى لمن حمل الكتاب أن يتعلم معانيه ويعلم ما فيه ; لئلا يلحقه من الذم ما لحق هؤلاء .
وقال الشاعر مروان بن سليمان بن يحيى بن أبي حفصة : زوامل للأسفار لا علم عندهم بجيدها إلا كعلم الأباعر لعمرك ما يدري البعير إذا غدا بأوساقه أو راح ما في الغرائر وقال يحيى بن يمان : يكتب أحدهم الحديث ولا يتفهم ولا يتدبر ، فإذا سئل أحدهم عن مسألة جلس كأنه مكاتب .
وقال الشاعر :إن الرواة على جهل بما حملوا مثل الجمال عليها يحمل الودعلا الودع ينفعه حمل الجمال له ولا الجمال بحمل الودع تنتفع وقال منذر بن سعيد البلوطي رحمه الله فأحسن :انعق بما شئت تجد أنصارا وزم أسفارا تجد حمارا يحمل ما وضعت من أسفار يحمله كمثل الحمار يحمل أسفارا له وما درى إن كان ما فيها صوابا وخطا إن سئلوا قالوا كذا روينا ما إن كذبنا ولا اعتدينا كبيرهم يصغر عند الحفل لأنه قلد أهل الجهل" ثم لم يحملوها " ؛ أي لم يعملوا بها .
شبههم - والتوراة في أيديهم وهم لا يعملون بها - بالحمار يحمل كتبا وليس له إلا ثقل الحمل من غير فائدة .
و " يحمل " في موضع نصب على الحال ; أي حاملا .
ويجوز أن يكون في موضع جر على الوصف ; لأن الحمار كاللئيم .
قال :ولقد أمر على اللئيم يسبني فمضيت ثمة قلت لا يعنيني بئس مثل القوم : المثل الذي ضربناه لهم ; فحذف المضاف .
والله لا يهدي القوم الظالمين أي من سبق في علمه أنه يكون كافرا .

عن العمل بالعلم، قال الأصبهاني:

اعمل بعلمك تغنم أيها الرجل ... لا ينفع العلم ان لم يحسن العمل
والعلم زين (وتقوي) وتقى الله زينته ... والمتقون لهم في علمهم شغل
وحجة الله يا ذا العلم بالغة ... لا المكر ينفع فيها لا ولا الحيل
تعلم العلم واعمل ما استطعت به ... لا يلهينك عنه اللهو والجدل
كتاب ((ذم من لا يعمل بعلمه)) لابن عساكر، وقد كتب هذه الأسطر قبل سرد الأبيات:
أنشدنا أبو الحسين محمد بن محمد الفقيه، قال: ثنا أحمد بن علي أبو بكر الحافظ، قال: أنشدنا محمد بن أبي علي الأصبهاني لبعضهم.