أبو مالك المديني
2016-08-22, 10:39 PM
تخريج حديث الاستلقاء :
قال العلامة الألباني في السلسلة الضعيفة :
755 - " إن الله عز وجل لما قضى خلقه استلقى ، ووضع إحدى رجليه على الأخرى وقال : لا ينبغي لأحد من خلقه أن يفعل هذا " .
منكر جدا .
رواه أبو نصر الغازي في جزء من " الأمالي " ( 77 / 1 ) من طرق عن إبراهيم بن المنذر الحزامي : حدثنا محمد بن فليح بن سليمان عن أبيه عن سعيد بن الحارث عن عبيد بن حنين قال : بينا أنا جالس إذ جاءني قتادة بن النعمان رضي الله عنه فقال : انطلق بنا يا ابن حنين إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فإني قد أخبرت أنه قد اشتكى ، فانطلقنا حتى دخلنا على أبي سعيد ، فوجدناه مستلقيا رافعا رجله اليمنى على اليسرى ، فسلمنا وجلسنا ، فرفع قتادة بن النعمان يده إلى رجل أبي سعيد فقرصها قرصة شديدة ، فقال أبو سعيد : سبحان الله يا ابن أم أوجعتني ! فقال له : ذلك أردت ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .
فقال أبو سعيد : لا جرم والله لا أفعل أبدا . وقال : " قال الإمام أبو موسى ( يعني المديني الحافظ ) : رواه ابن الأصفر عن إبراهيم بن محمد بن فليح عن أبيه عن سالم أبي النضر عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن قتادة ، ورواه محمد بن المبارك الصوري عن إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح عن أبيه عن سالم أبي النضر ، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد كلاهما عن قتادة ، ورواه عن قتادة أيضا سوى عبيد بن حنين وأبي الحباب وبسر بن سعيد - عبيد الله بن عبد الله بن عتبة .
ورواه عن إبراهيم بن المنذر محمد بن إسحاق الصغاني ومحمد بن المصفى ومحمد بن المبارك الصوري وجعفر بن سليمان النوفلي وأحمد بن رشدين وأحمد بن داود المكي وابن الأصفر وغيرهم ، وحدث به من الحفاظ عبد الله بن أحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي عاصم وأبو القاسم الطبراني ، وروي عن شداد بن أوس أيضا مرفوعا . وروي عن عبد الله بن عباس وكعب بن عجرة رضي الله عنهما موقوفا ، وعن كعب الأحبار أيضا ، وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى : ( الرحمن على العرش استوى ) هذا المعنى ، ورواة هذا الحديث من طريق قتادة وشداد عامتهم من رجال الصحيح ، وذلك كله بعد قول الله تعالى ( أفمن يخلق كمن لا يخلق ) إنما يوافق الاسم الاسم ، ولا تشبه الصفة الصفة " .
قلت : مع التنزيه المذكور فإن الحديث يستشم منه رائحة اليهودية الذين يزعمون أن الله تبارك وتعالى بعد أن فرغ من خلق السموات والأرض استراح ! تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، وهذا المعنى يكاد يكون صريحا في الحديث فإن الاستلقاء لا يكون إلا من أجل الراحة سبحانه وتعالى عن ذلك .
وأنا أعتقد أن أصل هذا الحديث من الإسرائيليات، وقد رأيت في كلام أبي نصر الغازي أنه روي عن كعب الأخبار ، فهذا يؤيد ما ذكرته ، وذكر أبو نصر أيضا أنه روي موقوفا عن عبد الله بن عباس وكعب بن عجرة ، فكأنهما تلقياه - إن صح عنهما - عن كعب كما هو الشأن في كثير من الإسرائيليات ، ثم وهم بعض الرواة فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم . ثم إن قول أبي نصر " إن رواة طريق قتادة من رجال الصحيح " صحيح ، وكذلك قال الهيثمي في " المجمع " ( 8 / 100 ) بعد أن عزاه للطبراني ، ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون سند الحديث بالذات صحيحا لجواز أن يكون فيه من تكلم فيه ، وإن كان صاحب الصحيح احتج به ، فإنه يجوز أن ذلك لأنه لم يثبت جرحه عنده ، أو أنه كان ينتقي من حديثه مع اعتقاده أن فيه ضعفا يسيرا لا يسقط به حديثه جملة عنده ، خلافا لغيره .
وإسناد هذا الحديث من هذا القبيل ، فإن محمد بن فليح بن سليمان وأباه ، وإن أخرج لهما البخاري فإن فيهما ضعفا وخاصة الأب ، فقد ضعفه ابن معين حتى جعله دون الدراوردي وهذا حسن الحديث ! وقال في رواية : " فليح ليس بثقة ولا ابنه " ، وكذلك ضعفه ابن المديني والنسائي والساجي وقال : " هو من أهل الصدق ، ويهم " . ولذلك لم يسع الحافظ إلا الاعتراف بضعفه فقال في " التقريب " : " صدوق كثير الخطأ " . وأما ابنه محمد فهو أحسن حالا من أبيه ، ففي " الميزان " : " قال أبو حاتم : ما به بأس ، وليس بذاك القوي . ووثقه بعضهم وهو أو ثق من أبيه . وقال ابن معين ليس بثقة " . وقال الحافظ : " صدوق يهم " . وإن مما يدل على ضعفهما وضعف حديثهما اضطرابهما في إسناده .
فتارة يقولان : عن سعيد بن الحارث عن عبيد بن حنين عن قتادة . وتارة : عن سالم أبي النضر بدل سعيد بن الحارث ، ويقرن مع ابن حنين بسر بن سعيد وتارة يجعل مكانهما أبا الحباب سعيد بن يسار ، وهذا كله من فوائد أبي نصر رحمه الله في هذا الجزء من " الأمالي " . حيث حفظ لنا فيه ما ينير السبيل على البحث في حال هذا الحديث . وأما إسناد حديث شداد فلم أقف عليه لننظر فيه ، وغالب الظن أن فيه علة تقدح في صحته . والله أعلم .
ومما يوهن من شأن هذا الحديث أنه صح عن عباد بن تميم، عن عمه، أنه رأى رسول الله عليه وسلم مستلقيا في المسجد ، واضعا إحدى رجليه على الأخرى .
رواه البخاري ( 1 / 466 بفتح الباري طبع بولاق ) وترجم له بـ " باب الاستلقاء في المسجد " ثم روى عن سعيد بن المسيب قال : كان عمر وعثمان يفعلان ذلك ، فلوكان الاستلقاء المذكور لا ينبغي لأحد من خلقه سبحانه كما زعم الحديث لما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خلفاؤه من بعده ، كما لا يخفى .
ولا يعارض هذا ثبوت النهي عن الاستلقاء في صحيح مسلم ( 6 / 154 ) وغيره لأنه غير معلل بهذه العلة المذكورة في هذا الحديث المنكر ، وللعلماء مذهبان في الجمع بين هذا النهي وبين فعله صلى الله عليه وسلم المخالف للنهي :
الأول : ادعاء نسخ النهي .
الثاني : حمل النهي حيث يخشى أن تبدو العورة ، والجواز حيث يؤمن ذلك (1) وفي كل من المذهبين إشارة إلى رد هذا الحديث ، فإنه لا يتمشى معهما البتة ، أما على المذهب الأول ؛ فلأن الحديث صريح في أن الاستلقاء المذكور فيه من خصوصيات الله عز وجل، فكيف يجوز ذلك ؟!
وأما على المذهب الثاني ؛ فلأنه صريح في أن العلة عنده هو انكشاف العورة أو عدم انكشافها ، فلو كان يصح عنده أن العلة كون الاستلقاء من خصوصياته سبحانه لم يجز التعليل بغيرها وهذا ظاهر لا يخفى أيضا . وجملة القول إن هذا الحديث منكر جدا عندي ، ولقد قف شعري منه حين وقفت عليه ، ولم أجد الآن من تكلم عليه من الأئمة النقاد غير أن الحافظ الذهبي أورده في ترجمة " فليح " ، كأنه يشير بذلك إلى أنه مما أنكر عليه كما هي عادته في " ميزانه " . والله أعلم .
ثم وجدت في بعض الآثار ما يشهد لكون الحديث من الإسرائيليات ، فروى الطحاوي في " شرح المعاني " ( 2 / 361 ) - بسند حسن - أنه قيل للحسن ( وهو البصري ) : قد كان يكره أن يضع الرجل إحدى رجليه على الأخرى ؟ فقال : ما أخذوا ذلك إلا عن اليهود " .
ثم رأيت البيهقي سبقني إلى الكلام على الحديث بنحو ما ظهر لي ، فقال في " الأسماء والصفات " ( ص 355 ) بعد أن ساقه من طريق إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح : " فهذا حديث منكر ، ولم أكتبه إلا من هذا الوجه ، وفليح بن سليمان مع كونه من شرط البخاري ومسلم ، فلم يخرجا حديثه هذا في " الصحيح " ، وهو عند بعض الحفاظ غير محتج به " .
ثم روى بسنده عن ابن معين قال : لا يحتج بحديثه . وفي رواية : قال : ضعيف . قال : وبلغني عن النسائي أنه قال : ليس بالقوي . قال : " فإذا كان فليح بن سليمان المدني مختلفا في جواز الاحتجاج به عند الحفاظ لم يثبت بروايته مثل هذا الأمر العظيم . وفيه علة أخرى ، وهي أن قتادة بن النعمان مات في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه . وصلى عليه عمر ، وعبيد بن حنين مات سنة خمس ومائة ، وله خمس وسبعون سنة في قول الواقدي وابن بكير ، فتكون روايته عن قتادة منقطعة ، وقول الراوي : وانطلقنا حتى دخلنا على أبي سعيد لا يرجع إلى عبيد بن حنين ، وإنما يرجع إلى من أرسله عنه ، ونحن لا نعرفه ، فلا تقبل المراسيل في الأحكام ، فكيف في هذا الأمر العظيم ؟! " .
__________
(1) وهذا هو الذي رجحه الحافظ في " الفتح " . اهـ .
قال العلامة الألباني في السلسلة الضعيفة :
755 - " إن الله عز وجل لما قضى خلقه استلقى ، ووضع إحدى رجليه على الأخرى وقال : لا ينبغي لأحد من خلقه أن يفعل هذا " .
منكر جدا .
رواه أبو نصر الغازي في جزء من " الأمالي " ( 77 / 1 ) من طرق عن إبراهيم بن المنذر الحزامي : حدثنا محمد بن فليح بن سليمان عن أبيه عن سعيد بن الحارث عن عبيد بن حنين قال : بينا أنا جالس إذ جاءني قتادة بن النعمان رضي الله عنه فقال : انطلق بنا يا ابن حنين إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فإني قد أخبرت أنه قد اشتكى ، فانطلقنا حتى دخلنا على أبي سعيد ، فوجدناه مستلقيا رافعا رجله اليمنى على اليسرى ، فسلمنا وجلسنا ، فرفع قتادة بن النعمان يده إلى رجل أبي سعيد فقرصها قرصة شديدة ، فقال أبو سعيد : سبحان الله يا ابن أم أوجعتني ! فقال له : ذلك أردت ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .
فقال أبو سعيد : لا جرم والله لا أفعل أبدا . وقال : " قال الإمام أبو موسى ( يعني المديني الحافظ ) : رواه ابن الأصفر عن إبراهيم بن محمد بن فليح عن أبيه عن سالم أبي النضر عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن قتادة ، ورواه محمد بن المبارك الصوري عن إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح عن أبيه عن سالم أبي النضر ، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد كلاهما عن قتادة ، ورواه عن قتادة أيضا سوى عبيد بن حنين وأبي الحباب وبسر بن سعيد - عبيد الله بن عبد الله بن عتبة .
ورواه عن إبراهيم بن المنذر محمد بن إسحاق الصغاني ومحمد بن المصفى ومحمد بن المبارك الصوري وجعفر بن سليمان النوفلي وأحمد بن رشدين وأحمد بن داود المكي وابن الأصفر وغيرهم ، وحدث به من الحفاظ عبد الله بن أحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي عاصم وأبو القاسم الطبراني ، وروي عن شداد بن أوس أيضا مرفوعا . وروي عن عبد الله بن عباس وكعب بن عجرة رضي الله عنهما موقوفا ، وعن كعب الأحبار أيضا ، وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى : ( الرحمن على العرش استوى ) هذا المعنى ، ورواة هذا الحديث من طريق قتادة وشداد عامتهم من رجال الصحيح ، وذلك كله بعد قول الله تعالى ( أفمن يخلق كمن لا يخلق ) إنما يوافق الاسم الاسم ، ولا تشبه الصفة الصفة " .
قلت : مع التنزيه المذكور فإن الحديث يستشم منه رائحة اليهودية الذين يزعمون أن الله تبارك وتعالى بعد أن فرغ من خلق السموات والأرض استراح ! تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، وهذا المعنى يكاد يكون صريحا في الحديث فإن الاستلقاء لا يكون إلا من أجل الراحة سبحانه وتعالى عن ذلك .
وأنا أعتقد أن أصل هذا الحديث من الإسرائيليات، وقد رأيت في كلام أبي نصر الغازي أنه روي عن كعب الأخبار ، فهذا يؤيد ما ذكرته ، وذكر أبو نصر أيضا أنه روي موقوفا عن عبد الله بن عباس وكعب بن عجرة ، فكأنهما تلقياه - إن صح عنهما - عن كعب كما هو الشأن في كثير من الإسرائيليات ، ثم وهم بعض الرواة فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم . ثم إن قول أبي نصر " إن رواة طريق قتادة من رجال الصحيح " صحيح ، وكذلك قال الهيثمي في " المجمع " ( 8 / 100 ) بعد أن عزاه للطبراني ، ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون سند الحديث بالذات صحيحا لجواز أن يكون فيه من تكلم فيه ، وإن كان صاحب الصحيح احتج به ، فإنه يجوز أن ذلك لأنه لم يثبت جرحه عنده ، أو أنه كان ينتقي من حديثه مع اعتقاده أن فيه ضعفا يسيرا لا يسقط به حديثه جملة عنده ، خلافا لغيره .
وإسناد هذا الحديث من هذا القبيل ، فإن محمد بن فليح بن سليمان وأباه ، وإن أخرج لهما البخاري فإن فيهما ضعفا وخاصة الأب ، فقد ضعفه ابن معين حتى جعله دون الدراوردي وهذا حسن الحديث ! وقال في رواية : " فليح ليس بثقة ولا ابنه " ، وكذلك ضعفه ابن المديني والنسائي والساجي وقال : " هو من أهل الصدق ، ويهم " . ولذلك لم يسع الحافظ إلا الاعتراف بضعفه فقال في " التقريب " : " صدوق كثير الخطأ " . وأما ابنه محمد فهو أحسن حالا من أبيه ، ففي " الميزان " : " قال أبو حاتم : ما به بأس ، وليس بذاك القوي . ووثقه بعضهم وهو أو ثق من أبيه . وقال ابن معين ليس بثقة " . وقال الحافظ : " صدوق يهم " . وإن مما يدل على ضعفهما وضعف حديثهما اضطرابهما في إسناده .
فتارة يقولان : عن سعيد بن الحارث عن عبيد بن حنين عن قتادة . وتارة : عن سالم أبي النضر بدل سعيد بن الحارث ، ويقرن مع ابن حنين بسر بن سعيد وتارة يجعل مكانهما أبا الحباب سعيد بن يسار ، وهذا كله من فوائد أبي نصر رحمه الله في هذا الجزء من " الأمالي " . حيث حفظ لنا فيه ما ينير السبيل على البحث في حال هذا الحديث . وأما إسناد حديث شداد فلم أقف عليه لننظر فيه ، وغالب الظن أن فيه علة تقدح في صحته . والله أعلم .
ومما يوهن من شأن هذا الحديث أنه صح عن عباد بن تميم، عن عمه، أنه رأى رسول الله عليه وسلم مستلقيا في المسجد ، واضعا إحدى رجليه على الأخرى .
رواه البخاري ( 1 / 466 بفتح الباري طبع بولاق ) وترجم له بـ " باب الاستلقاء في المسجد " ثم روى عن سعيد بن المسيب قال : كان عمر وعثمان يفعلان ذلك ، فلوكان الاستلقاء المذكور لا ينبغي لأحد من خلقه سبحانه كما زعم الحديث لما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خلفاؤه من بعده ، كما لا يخفى .
ولا يعارض هذا ثبوت النهي عن الاستلقاء في صحيح مسلم ( 6 / 154 ) وغيره لأنه غير معلل بهذه العلة المذكورة في هذا الحديث المنكر ، وللعلماء مذهبان في الجمع بين هذا النهي وبين فعله صلى الله عليه وسلم المخالف للنهي :
الأول : ادعاء نسخ النهي .
الثاني : حمل النهي حيث يخشى أن تبدو العورة ، والجواز حيث يؤمن ذلك (1) وفي كل من المذهبين إشارة إلى رد هذا الحديث ، فإنه لا يتمشى معهما البتة ، أما على المذهب الأول ؛ فلأن الحديث صريح في أن الاستلقاء المذكور فيه من خصوصيات الله عز وجل، فكيف يجوز ذلك ؟!
وأما على المذهب الثاني ؛ فلأنه صريح في أن العلة عنده هو انكشاف العورة أو عدم انكشافها ، فلو كان يصح عنده أن العلة كون الاستلقاء من خصوصياته سبحانه لم يجز التعليل بغيرها وهذا ظاهر لا يخفى أيضا . وجملة القول إن هذا الحديث منكر جدا عندي ، ولقد قف شعري منه حين وقفت عليه ، ولم أجد الآن من تكلم عليه من الأئمة النقاد غير أن الحافظ الذهبي أورده في ترجمة " فليح " ، كأنه يشير بذلك إلى أنه مما أنكر عليه كما هي عادته في " ميزانه " . والله أعلم .
ثم وجدت في بعض الآثار ما يشهد لكون الحديث من الإسرائيليات ، فروى الطحاوي في " شرح المعاني " ( 2 / 361 ) - بسند حسن - أنه قيل للحسن ( وهو البصري ) : قد كان يكره أن يضع الرجل إحدى رجليه على الأخرى ؟ فقال : ما أخذوا ذلك إلا عن اليهود " .
ثم رأيت البيهقي سبقني إلى الكلام على الحديث بنحو ما ظهر لي ، فقال في " الأسماء والصفات " ( ص 355 ) بعد أن ساقه من طريق إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح : " فهذا حديث منكر ، ولم أكتبه إلا من هذا الوجه ، وفليح بن سليمان مع كونه من شرط البخاري ومسلم ، فلم يخرجا حديثه هذا في " الصحيح " ، وهو عند بعض الحفاظ غير محتج به " .
ثم روى بسنده عن ابن معين قال : لا يحتج بحديثه . وفي رواية : قال : ضعيف . قال : وبلغني عن النسائي أنه قال : ليس بالقوي . قال : " فإذا كان فليح بن سليمان المدني مختلفا في جواز الاحتجاج به عند الحفاظ لم يثبت بروايته مثل هذا الأمر العظيم . وفيه علة أخرى ، وهي أن قتادة بن النعمان مات في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه . وصلى عليه عمر ، وعبيد بن حنين مات سنة خمس ومائة ، وله خمس وسبعون سنة في قول الواقدي وابن بكير ، فتكون روايته عن قتادة منقطعة ، وقول الراوي : وانطلقنا حتى دخلنا على أبي سعيد لا يرجع إلى عبيد بن حنين ، وإنما يرجع إلى من أرسله عنه ، ونحن لا نعرفه ، فلا تقبل المراسيل في الأحكام ، فكيف في هذا الأمر العظيم ؟! " .
__________
(1) وهذا هو الذي رجحه الحافظ في " الفتح " . اهـ .