مشاهدة النسخة كاملة : التمذهب الفقهي دراسة لا ديانة: (للنقاش)
أبو البراء محمد علاوة
2016-07-09, 09:13 PM
فرق بين التمذهب للدراسة وبين التمذهب للتعبد والديانة، فلا يستقيم وصف أي من المذاهب الأربعة بأنه الأصح على وجه العموم، وإنما يمكن إطلاق ذلك في بعض الجزئيات والمسائل بحسب الدليل، فنقول ـ مثلًا: إن المسألة الفلانية الأصح فيها مذهب مالك أو الشافعي... وهكذا.
يقول الطوفي في شرح مختصر الروضة: (مَنْ نَفَى التَّرْجِيحَ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، فَإِنَّمَا أَرَادَ: لَا يَصِحُّ تَرْجِيحَ مَجْمُوعِ مَذْهَبٍ عَلَى مَجْمُوعِ مَذْهَبٍ آخَرَ لِمَا ذَكَرَ، وَمَنْ أَثْبَتَ التَّرْجِيحَ بَيْنَهُمَا، أَثْبَتَهُ بِاعْتِبَارِ مَسَائِلِهَا الْجُزْئِيَّةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، إِذْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي الْحَدَثِ طَهُورٌ أَرْجَحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي أَنَّهُ غَيْرُ طَهُورٍ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ النَّهْيَ عَنِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْفَجْرِ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِهَا أَرْجَحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ فِي أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي إِجْزَاءِ الْبَعِيرِ عَنْ خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ، وَفِي تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ وَنَحْوهَا مِنَ الْمَسَائِلِ أَرْجَحُ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي طَهَارَةِ الْأَعْيَانِ بِالِاسْتِحَالَ ةِ أَرْجَحُ مِنْ غَيْرِهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْجُزْئِيَّاتِ الْقَابِلَةِ لِلرُّجْحَانِ وَالْمَرْجُوحِي َّةِ). اهـ
وجاء في المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران: (فَلَا يُقَال مَذْهَب الشَّافِعِي مثلا أرجح من مَذْهَب أبي حنيفَة أَو غَيرهمَا أَو بِالْعَكْسِ لَكِن هَذَا بِاعْتِبَار مَجْمُوع مَذْهَب على مَجْمُوع مَذْهَب آخر وَأما من حَيْثُ الْأَدِلَّة على الْمسَائِل فالترجيح ثَابت). اهـ
وكلام الأئمة في ذم التعصب المباعد عن الدليل لا يحصى ولا ينحصر، وقد ظهرت نبتة تدعوا للعودة للتدين بالمذهب دون الحيد عنه، بل وتذم من فعل غير ذلك حتى وصل الحال ببعضهم بوصفه آراء الشيخ الألباني: (شذوذات الألباني)، فما قولكم بارك الله فيكم؟
أبو البراء محمد علاوة
2016-07-10, 07:25 PM
https://www.youtube.com/watch?v=bx8fG33-bUY
أبو البراء محمد علاوة
2016-07-10, 10:05 PM
المذاهب الفقهية بين طرفين ووسط:
قال سليمان الخراشي حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
انقسم الناس في نظرتهم إلى المذاهب الفقهية الأربعة إلى طرفين ووسط :
فالطرف الأول : أوجبوا على جميع الأمة تقليد واحد منهم ؛ وقالوا قولتهم المشهورة " وواجبٌ تقليد حبرٍ منهمو " ، بل وصل الحال ببعضهم ؛ كالصاوي في حاشيته على الجلالين إلى القول : ( لا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الأربعة ، ولو وافق قول الصحابة ، والحديث الصحيح ، والآية ، فالخارج عن المذاهب الأربعة ضالٌ مُضل ، وربما أداه ذلك للكفر ؛ لأن الأخذ بظاهر الكتاب والسنة من أصول الكفر ) !!
وقد رد العلماء عليه مجازفته هذه ؛ كالإمام الشنقيطي في " أضواء البيان " ، وانظر للتفصيل : رسالة " تنزيه السنة والقرآن عن أن يكونا من أصول الضلال والكفران " ؛ للشيخ أحمد بن حجر آل أبوطامي رحمه الله .
ورحم الله شيخ الإسلام القائل : ( ولو فُتح هذا الباب - أي تقديم المذهب على الحديث الصحيح - لوجب أن يُعرض عن أمر الله ورسوله ، ويبقى كلُ إمامٍ في أتباعه بمنزلة النبي في أمته ) .
ثم تطور الحال ببعضهم إلى تقليد بعض متأخري المذاهب ، ممن جوّزوا البدع والمحدثات التي لم يقل بها صاحب المذهب ، فضلاً عن مخالفتها الدليل الشرعي ؛ فأصبح التمذهب تُكأة تُستغل في تسويغ البدع ، كما تجده في مسائل التوسل والتبرك والاستغاثة والقبور ونحوها ، ونسبة ذلك كله إلى المذهب !!
وجديرٌ بمن وصل به الحال إلى هذا أن يقرأ هذه الرسالة المهمة : " براءة الأئمة الأربعة من مسائل المتكلمين المبتدعة " للدكتور عبدالعزيز بن أحمد الحميدي :
https://saaid.net/book/open.php?cat=88&book=14022
لكي لا ينسب للأئمة الأربعة رحمهم الله مالم يقولوه أويعتقدوه ، وما هم منه برآء ، وإنما هو من إحداث بعض المتأخرين من أتباع المذهب ، ممن وقع في البدعة .
الطرف الثاني : قول بعض المنتمين لأهل الحديث ، ممن كان فعلهم ردة عكسية لأفعال الطرف الأول ، فنابذوا التمذهب بالمرة ، وتجرأ بعضهم على الأئمة - لاسيما أباحنيفة رحمه الله - ، وأصبحوا يأخذون فقههم من الكتاب والسنة مباشرة ، دون ضوابط ، أو تدرج في الطلب الفقهي ، فأتى بعضهم بالشذوذات .
الطرف الوسط : يقول أصحابه : لاحرج في اتباع المذاهب الأربعة ؛ لمعرفة الفقه ، وضبط مسائله ؛ بشرط أن يتبع الدليل الصحيح إذا ماخالف مذهبه ، وكان من طلبة العلم . وخيرُ من وجدته يمثل هذا الرأي: الشيخان : ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله ، وإليك أقوالهما :
ابن باز - رحمه الله - :
س / هل المسلم ملزم باتباع مذهب معين من المذاهب الأربعة أم لا ؟
ليس ملزماً ، بل إذا أراد أن يتبع مذهب من المذاهب ، إذا كان لا يعرف الدليل ليس بطالب علم يعرف الأدلة، وسار على مذهب من المذاهب الأربعة لا حرج عليه، ولكن ينبغي له بل يجب عليه أن يتحرى في ذلك سؤال أهل العلم من المتبصرين الذين هم في نظره وفي رأيه أقرب من غيره من الورع والعلم والفضل، حتى يتحرى لدينه ، ولا بأس لو كان شافعياً أو مالكياً أو حنبلياً أو حنفياً ، لا حرج في ذلك، أما العالم الذي يعرف الأدلة الشرعية، فالواجب عليه أن يتحرى الأدلة الشرعية ويأخذ بالدليل ولا يقلد غيره ، هذا هو الواجب عليه إلا عند الحاجة والعجز، فيقلد من هو في رأيه واجتهاده أعلم من غيره وأقرب إلى الحق من غيره.
س: حبذا لو قلتم كلمة لطلبة العلم، كيف يكون الاستنباط ومتى يكون الاستدلال بأقوال الناس والأئمة والعلماء ؟
ج: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتلميذه العلامة ابن القيم رحمه الله، وهكذا تلميذه الحافظ ابن كثير رحمه الله، وابن مفلح وغيرهم، نجلّهم ونعرف لهم قدرهم وفضلهم وعلمهم، ونستعين بكتبهم في مسائل العلم، وننظر إليها ونعتني بها ، ونعرف لهم فضلهم الجميل، ولكن لا يجوز أن تقلدهم في كل شيء، بل يجب على طالب العلم، أن يكون له حرية النظر والاستدلال ، وألا يقبل من زيد أو عمرو شيئًا بدون حجة، بل يكون عنده العناية وعنده النظر، فإذا قال العالم الكبير شيئًا لا وجه له، أو لا سند عليه، فليقف ولينظر فيما هو أولى منه، ولا يمنع كون ذلك العالم جليلا عند طالب العلم، ومعروفًا عنده بالفضل العظيم، لا يمنع أن يختار غير قوله، وأن يرجح غير قوله، إذا قام عليه الدليل، وهو الذي أدركنا عليه مشايخنا -رحمة الله عليهم- يأخذون من أقوال العلماء ما وافق الدليل، ومن جملتهم أبو العباس ابن تيمية وابن القيم وغيرهما، ويتركون ما خالف الدليل ، حتى لو كان معه من هو أكبر منه، كابن عباس وكالصحابة والتابعين والأئمة الأربعة، إذا قام الدليل على خلاف قول أحدهم، وجب الأخذ بالدليل وترك ما خالف الدليل، وإن كان قاله بعض الصحابة، أو بعض الأئمة الكبار .
وهذا هو عمل الأئمة: أحمد والشافعي ومالك وأبو حنيفة ، والثوري والأوزاعي وغيرهم، هكذا يعملون ، يختارون من الأقوال التي فيها خلاف، يختارون ما يرجحه الدليل، وهكذا أوصوا من بعدهم من تلاميذهم وأتباعهم، أوصوهم بهذا المنهج قالوا: لا تقلدونا ولا تقلدوا فلانًا أو فلانًا، وخذوا من حيث أخذنا ، هذا هو الواجب على أهل العلم، مع التريث والتثبت، ومع طيب الكلام في حق الأئمة والترضي عنهم ، وعدم الاعتراض عليهم بما يوهم أو يشير إلى ازدراء أو تنقص ، فهم خير منا وأفضل بأضعاف مضاعفة، ودرجات كثيرة، ولكن لا يمنع ذلك أن ننظر في الأقوال وأن نختار منها الأرجح بالدليل ، سواء كانت تلك الأقوال لمتأخرين أو متقدمين. رحمة الله على الجميع.
* * * * * * * * * *
س : هل المذاهب الأربعة المعروفة تأخذ بالسنة النبوية، وهل جميع ما جاء فيها مطابق للسنة النبوية الشريفة، وجهونا في ضوء هذا السؤال سماحة الشيخ؟
ج : الأئمة الأربعة من خيرة العلماء رحمة الله عليهم، وهم أبو حنيفة النعمان بن ثابت ، ومالك بن أنس ، ومحمد بن إدريس الشافعي ، وأحمد بن محمد بن حنبل ، هؤلاء الأربعة هم الأئمة الأربعة، وهناك أئمة آخرون في زمانهم وقبلهم وبعدهم كـالأوزاعي ، وسفيان الثوري ، وسفيان بن عيينة ، وعبد الله بن المبارك .. وغيرهم من أئمة الإسلام؛ يحيى بن سعيد القطان ، عبد الرحمن بن مهدي ، وإسحاق بن راهويه .. وغيرهم، هم أئمة يتلمسون الحق ويتلمسون السنة يعتنون بذلك، وفتاواهم مدارها على الكتاب والسنة؛ قال الله وقال رسوله، ويتحرون الأصول التي دل عليها الكتاب والسنة، وعلى ما ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم من الفتاوى، فمدار فتاواهم على القرآن العظيم والسنة المطهرة، والأصول المستنبطة من الكتاب والسنة، وعلى فتاوى الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وكل واحد يخطئ ويصيب، ليس أحد منهم معصوماً ، كل واحد يخطئ ويصيب، كل واحد له أخطاء له أغلاط لم تطابق السنة، وهكذا غيرهم من الأئمة له أخطاء وله صواب.فالواجب عرض أقوالهم إذا اختلفوا على الكتاب والسنة، أما إذا أجمع العلماء فالإجماع حجة، والإجماع لا يكون إلا عن نص، فإذا اختلفوا فالواجب على طالب العلم وعلى الفقيه أن يعرض المسألة المختلف فيها على الأدلة الشرعية، وأن يجتهد ويتحرى ما يقوم عليه الدليل فيأخذ به، عليه أن يتحرى ما يرجحه الدليل من القرآن العظيم والسنة المطهرة أو من فتاوى الصحابة حتى يطمئن إلى أرجح القولين أو أرجح الأقوال ثم يأخذ به.
* * * * * * * * * *
س : البعض حفظكم الله يزعم أن اتباع المذاهب الأربعة من أهل البدع فما رأي سماحتكم في ذلك؟
ج : هذا باطل ، هذا الكلام على إجماله باطل ، ما يجوز هذا الكلام. الأصل في المذاهب الأربعة الخير والهدى والصلاح لأنهم دعاة. علماء أربعة أبو حنيفة والشافعي ومالك وأحمد دعاة خير، علماء معروفون لكن الذنب يكون لمن تعصب لهم وقلدهم التقليد الأعمى ، فهم يخطئون ويصيبون ، كل واحد يخطئ ويصيب ، كل واحد له مسائل أخطأ فيها ، فالواجب على أتباعهم أن يتقوا الله وأن لا يتعصبوا ، وأن يأخذوا الحق بدليله ، فإذا أخطأ العالم الفلاني أو العالم الفلاني فلا يؤخذ بخطئه لأنه إمامهم الذي ينتسبون إليه. لا، الحق فوق ذلك فوق الجميع ، فالواجب على أتباع أبي حنيفة وأتباع مالك وأتباع الشافعي واتباع أحمد وعلى غيرهم من أهل العلم أن يأخذوا الحق بدليله وأن لا يتعصبوا لزيد ولا عمرو ، ويجب عدم التعصب ويحرم التعصب ، فليس للحنفي أن يتعصب للحنفية ، وليس للشافعي أن يتعصب للشافعية ، وهكذا المالكي ، وهكذا الحنبلي ، الحق فوق الجميع ، الواجب على أتباع هذه المذاهب أن يتقوا الله وأن يأخذوا الحق بدليله وأن يجتهدوا في ذلك حتى تكون الحجة هي المقدم ، والدليل هو المقدم ، فإذا وافق الدليل ما قاله الأحناف أخذ بقول الأحناف ، وإذا كان الدليل مع الحنبلية أخذ بقولهم في أي مسألة ، وهكذا مع المالكية والشافعية .
مثال لذلك : الجد مع الاخوة. المعروف عند الشافعية والمالكية والحنبلية توريث الاخوة والجد ، والمعروف عند الحنفية إسقاط الاخوة بالجد ، فنحن نقول : قول الحنفية هذا أصلح ، وأن الجد أب يُسقط الاخوة ، من أجل الدليل لا من أجل أنه قول الحنفية بل من أجل الدليل ، وهكذا القول بأن مس المرأة ينقض الوضوء ، والمعروف عند الشافعي أنه ينقض الموضوع مطلقاً ، وقال آخرون كالحنابلة أنه ينقض المس بالشهوة ، والصواب أنه لا ينقض مس المرأة ، لا ينقض مس المرأة بشهوة ولا بغير شهوة ، وإنما ينقض الوضوء الحدث المعروف فساء أو ضراط أو بول أو غائط أو مس الفرج باليد أو النوم... النواقض المعروفة ، أما قوله تعالى : ( أو لا مستم النساء ) فالمراد به الجماع ، لامستم أي جامعتم ، هذا هو الحق من معنى الآية ، هذه أمثلة لبيان الصواب، فلا يجوز التعصب بغير دليل لأي مذهب من المذاهب الأربعة ولا غيرها كالظاهرية ، ولا غيرها. الواجب الأخذ بالدليل وتحكيم الدليل ، فإذا كان الحق مع الحنفية أو مع الظاهرية أخذ به ، و إذا كان مع الشافعية أخذ به ، إذا كان مع المالكية أخذ. المحكم هو الدليل ، فعلى المنتسبين لهذه المذاهب أن يتقوا الله وأن يعتنوا بالدليل وأن يحكموه حتى تكون الحجة هي المقدمة، والدليل هو المقدم ، وحتى يُبتعد عن التعصب والتقليد الأعمى.
* * * * * * * * * *
س : سماحة الشيخ يعتقد البعض أنكم تقفون عند مذهب معين، هل تتفضلون بقول كلمة في هذا المقام؟
ج : الفتاوى الصادرة مني لا أقف فيها ولا أعتمد فيها على مذهب أحد ، لا أحمد ولا غيره، إنما عمدتنا في ذلك تحري ما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، سواء كان في مذهب أحمد أو مذهب الشافعي أو مالك أو أبي حنيفة أو الظاهرية أو بعض السلف المتقدمين، المقصود: تحري ما يدل عليه الكتاب والسنة، هذا هو الذي نعتمد عليه، لا نعتمد على مذهب أحمد ولا على غيره، إنما نعتمد على ما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وما دل عليه الكتاب والسنة، في الأحكام؛ لأن هذا هو الواجب على كل طالب علم.
* * * * * * * * * *
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
( يقول رحمه الله : ومن أصحابنا : يعني : الحنابلة ، وفي هذا دليل على أنه لا بأس أن ينتسب الإنسان إلى مذهب لإمام معين ، ولو كان الله تعالى أعطاه علما وفهما واتباعا فلا حرج أن ينتسب إلى إمام معين يتفقه على قواعده وأصوله ، لكن إذا بان له الدليل اتبعه ، وهو إذا اتبع الدليل في مسألة أو مسألتين أو عشر مسائل أو آلاف ، لا يعد غير منتسب إلى المذهب الذي كان ينتسبه ، ولهذا نجد الأئمة الكبار الفقهاء العظام ، نجد أنهم ينتسبون إلى المذاهب ، شيخ الاسلام وابن القيم والنووي وابن حجر وغيرهم ، أئمة علماء عظماء ينتسبون إلى المذاهب أو أحد المذاهب الأربعة ، ولا يعد هذا عيبا ولا خروجا عن طريق السلف خلافا لمن ظن من الناس الآن أن التفقه على مذهب معين معناه التعصب لهذا المذهب ، وهذا خطأ ، والصحيح أن التعصب للمذهب وتحريف النصوص لأجل موافقة المذهب خطأ عظيم ، لكن كوني أتفقه على مذهب معين أبني فقهي على قواعده واصوله ، لكن إذا بان لي الدليل أخذت بالدليل ، فهذا لا بأس به إطلاقا ، المحظور هو التعصب ) .
تعليقه على كتاب: "اقتضاء الصراط المستقيم"( ص 149 ) .
أم علي طويلبة علم
2016-07-11, 05:33 AM
السؤال:هل يجوز التعصب المذهبي الذي يقتدي به الإنسان في أي حكم من أحكام الشريعة حتى لو كان في هذا مخالفة للصواب؟ أم يجوز تركه والاقتداء بالمذهب الصحيح في بعض الحالات؟ وما حكم لزوم مذهب واحد فقط؟
الإجابة: الذي عنده القدرة على الاجتهاد المطلق لا يجوز له التقليد، والذي لا يقدر يقلد من هو أعلم منه، والتمذهب بمذهب واحد من المذاهب الأربعة المعروفة التي بقيت وحفظت وحررت بين المسلمين والانتساب إلى مذهب منها لا مانع منه فيقال: فلان شافعي، وفلان حنبلي، وفلان حنفي، وفلان مالكي، ولا زال هذا اللقب موجودًا من قديم بين العلماء حتى كبار العلماء يقال مثلاً: ابن تيمية الحنبلي وابن القيم الحنبلي وما أشبه ذلك ولا حرج في ذلك، ومجرد الانتماء إلى المذهب لا مانع منه لكن بشرط أن لا يتقيد بهذا المذهب فيأخذ كل ما به سواء كان صوابًا أو خطأ، بل يأخذ منه ما كان صوابًا، وما علم أنه خطأ لا يجوز له العمل به، وإذا ظهر له القول الراجح فإنه يجب عليه أن يأخذ به سواء كان في مذهبه الذي ينتسب إليه أو في مذهب آخر؛ لأن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد. فالقدوة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن نأخذ بالمذهب ما لم يخالف قول الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا خالفه يجب علينا أن نتركه وأن نأخذ بالسنة، ونأخذ بالقول الراجح المطابق للسنة من أي مذهب كان من مذاهب المجتهدين، أما الذي يأخذ بقول الإمام مطلقًا سواء كان خطأ أو صوابًا يعتبر تقليدًا أعمى، وإذا كان يرى أنه يجب تقليد إنسان معين غير الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا ردةٌ عن الإسلام، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "من قال: إنه يجب تقليد شخص بعينه غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا يستتاب، فإن تاب وإلا قتل"؛ لأنه لا أحد يجب اتباعه إلا محمدٌ صلى الله عليه وسلم، أما ما عداه من الأئمة المجتهدين رحمهم الله فنحن نأخذ بأقوالهم الموافقة للسنة، أما إذا أخطأ المجتهد في اجتهاده فإنه يحرم علينا أن نأخذ بالخطأ.
الشيخ صالح الفوزان- طريق الإسلام
أم علي طويلبة علم
2016-07-11, 05:45 AM
"وكيف يكون من ورثة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - مَن يجهد ويكدح في ردِّ ما جاء به إلى قول مقلِّده ومَتْبوعه، ويضيع ساعات عمره في التعصُّب والهوى، ولا يشعر بتضييعه؟!"
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/33877/#ixzz4E9dRUwqm
أبو مالك المديني
2016-07-11, 07:55 PM
قال ابن عبد البر: أجمع الناس على أن المقلد ليس معدوداً من أهل العلم، وأن العلم معرفة الحق بدليله؛ ولهذا جعل الفقهاء من شروط القاضي أن يكون مجتهداً، فلا يصح أن يتولاه المقلد؛ هذا الذي عليه جمهور العلماء ..
أبو مالك المديني
2016-07-11, 08:40 PM
قال الشيخ يوسف الغفيص -حفظه الله-: التمذهب (وفيه سبع مسائلُ) :
(المسألة الأولى) للتمذهب مقامان:
المقام الأول: التمذهب الجائز المحمود:
وهو اعتبار التمذهب من التراتيب العلمية، في أحيان كثيرة يكون التمذهب بديلاً عن الفوضى، وفي كثير من الأحوال تركه يؤدي إلى الفوضى، أما أنه يلزم من تركه الفوضى فهذا ليس شرطاً لازماً على الإطلاق.
وأما معيار اختيار المذهب: فنقول: الأصل شرعاً وعقلاً أن يُختار الأفضل والأقرب للسنة والأقرب للصواب.. ولكن هذا متعذر، ولما كان متعذراً كان التعليق به وجهاً من التعصب.
ومعنى ذلك: أن من يقول: إن مذهب الإمام أحمد أو مذهب الحنابلة هو أصح المذاهب بإطلاق، فإن هذا فيه تعصب، ومثله من يقول: مذهب الحنفية أو مذهب الشافعية أو المالكية أصح المذاهب، إذاًَ التفضيل المطلق لمذهب واحد من المذاهب الأربعة على غيره عند التحقيق أمر غير ممكن، ومن قال بذلك فهو اجتهاد عنده، وكما أن بعض الحنابلة يقدم مذهب الإمام أحمد، فإن الشافعية يوجد فيهم من يرجح بالجملة مذهب الشافعي، وهكذا في سائر المذاهب؛ بل إن الأصل في المتمذهبين أنهم ما تمذهبوا إلا لكونهم يرجحون المذهب على غيره.
إذاً: ليس هناك تفضيل مطلق منضبط علمياً عند سائر الفقهاء، أو كقواعد علمية صريحة منضبطة، إنما المحققون يعرفون التفضيل في أبواب معينة، فمثلاً: الإمام ابن تيمية من المحققين، مع أنه حنبلي إلا أنه يقول: وأصول مالك في البيوع والمعاملات أجود من غيره؛ لأنه أخذ فقه ذلك عن أعلم الناس بهذه المسائل في زمنه وهو سعيد بن المسيب. وإذا رجعنا إلى من قبل الأئمة الأربعة فسنجد أنهم يفضلون عطاء في المناسك، فإن فقه عطاء في المناسك من أجود الفقه.
إذاً: التفضيل الممكن يكون في أبواب معينة، كأن يقال مثلاً: في باب المياه مذهب فلان أجود من مذهب فلان، وهذا يصل إليه المحققون، كـابن تيمية - رحمه الله - فإنه يستعمل هذا كثيراً، ومن قبله الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام يشير في بعض كلامه -كما في كتاب الأموال- إلى شيء من هذا. ولما تعذر التفضيل المطلق فإن معيار الاختيار من أخصه قصد ما عليه أهل البلد، فمن نشأ في بيئةٍ حنبلية فالأولى له أن يتمذهب بمذهب الحنابلة، وفي البيئة الشافعية أو المالكية أو الحنفية كذلك؛ وذلك لمصالح شرعية بينة، من أخصها: أنه أضبط لعلمه؛ لأن ذلك المذهب كتبه منتشرة في ذلك المصر، والشيوخ الذين يدرسونه موجودون، وطرق التدريس له فيما بعد لحفظ العلم متاحة، وإذا أفتى به فإنه لا يفرق العامة ولا يلبس عليهم، وهكذا درج المتقدمون قبل هذه التمذهبات، فقد كان الإمام مالك - رحمه الله - في المدينة يحرص على فقه المدنيين، حتى إنه قدم عمل أهل المدينة وجعله حجة في بعض المسائل، فهذا من الفقه الفاضل، وهو نوع من الاقتداء الحسن، وما زال المسلمون سائرين عليه.
وأما حكم التمذهب كترتيبٍ علمي: فالترتيب العملي له وجهان:
الوجه الأول: إذا جاء من عارف فقيه فإن الترتيب بمعنى أنه يفقه أصول المذهب، فيفقه الحنفي درجة القياس في مذهب أبي حنيفة وأين يستعمل، كما أن الحنبلي يفقه درجة قول الصحابي وأين يستعمل، ويفقه المنطوق والمفهوم، وهل يعمل المذهب بالمفهوم أم لا؟ والمقصود: أنه يدرس أصول فقه المذهب، وذلك مثل تمذهب ابن عبد البر على مذهب الإمام مالك.
الوجه الثاني - وهو الشائع الآن عند كثير من المُجَالِسين لفقهاء المذاهب في أمصار المسلمين-: أن بعض طلاب العلم لا يصل إلى أنه يعرف أصول المذهب بقدر ما هو يحفظ فروع المذهب على طريقةٍ معينة.
فإذا أخذ التمذهب كترتيب علمي يبني عليه ولا يترك بيّن الدليل من أجله، إنما كترتيب علمي ليعرف نظم المسائل ولينضبط قوله، فهذا كترتيب علمي لا يجوز إنكاره.
ولقائل أن يقول: ما هو الدليل على ذلك؟ -وهنا نرجع إلى قضية الدليل النصي والدليل الاستقرائي-، ومن الدليل الاستقرائي: أن هذه المذاهب استقرت في القرن الرابع الهجري، وهذا لا يجادل فيه أحد، فمتى نقل أن أعياناً من العلماء المعتبرين قد صرحوا بتحريم التمذهب كترتيب علمي؟ أما كتقليد وتعصب وترك لظاهر الأدلة فهذا معلوم من الدين بالضرورة تحريمه، ولا يحتاج أن ينقل عن فلان أو فلان من الناس، ولذلك فإن بعض من يحرمون التمذهب يقولون: قال ابن القيم كذا، مع أن ابن القيم حنبلي فما الذي كان ينكره وهو حنبلي؟ أو يقولون: قال شيخ الإسلام ابن تيمية أو ابن رجب كذا، مع أنهما حنبليان، فالتمذهب بمعنى التقليد والتدين والالتزام والاختصاصات والتعصبات، هذا المفهوم هو المخالف لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنته.
أما التمذهب كترتيب علمي مع عدم الإلزام به إلا من باب ترك الفوضى العلمية وما إلى ذلك، فهذا إلى القرن العاشر - فيما أعلم - لم يحفظ عن إمام معتبر أنه منع منه، إنما الذي صرح المتقدمون كالأئمة الأربعة أنفسهم والفقهاء من أصحابهم المحققين، كبعض الذين ذكروا في المصنفات التي ذمت التقليد والمقلدين وما إلى ذلك -الذي صرحوا بمنعه والتحذير منه هو التمذهب بمعنى التقليد والتعصب وتقديم المذهب على الدليل.. ونحو ذلك. أما التمذهب كترتيب علمي فلم ينكر على هذا الوجه، بل إن جماهير علماء المسلمين في سائر بيئاتهم كانوا يتمذهبون على هذه المذاهب، مع أنهم درجات، فمنهم المحققون الذين انتظموا على فقه المذاهب بشكل صحيح، ومنهم دون ذلك.
أبو مالك المديني
2016-07-11, 08:45 PM
المقام الثاني: التمذهب المذموم:
وهو التمذهب على معنى التدين، أي: أنه يلتزم التمذهب على وجه الاختصاص بقول أحد، فيجعل هذا أخص تديناً من غيره، ويتعصب له حتى إنه يترك ظاهر الدليل من أجل قوله ونحو ذلك، فهذا الاستمساك المحض، والمغالبة المحضة بالمذهب، أو ذم المذاهب الأخرى، أو تشتيت المسلمين بالتمذهب.. ونحو ذلك من العوارض البينة، هذا لا شك أنه مذموم شرعاً وعقلاً، وليس هو من باب التوسعة على المسلمين كالمقام الأول، بل إنه يدخل في باب التضييق عليهم.
ولذلك إذا ورد سؤال: هل التمذهب توسعة على المسلمين أم أنه تضييق عليهم؟!
فيقال: فيه تفصيل: فإن اعتبر بالمفهوم الأول الشرعي المتعقل فهو توسعة على المسلمين، وإن اعتبر بالمفهوم الثاني التعصبي المضيق الذي يتجاهل القول الآخر مطلقاً، ويتجاهل ظاهر الدليل أحياناً إلى غيره، ويتكلف في إبعاد القول الثاني، وغير ذلك من أوجه الغلو التي حدثت في التاريخ.
(المسألة الثانية) خروج الإنسان عن مذهبه -سواء كان فقيهاً في أصول المذهب، أو كان عارفاً بفروع المذهب فقط- هذه المسألة لها أربع صور:
الصورة الأولى: الخروج إلى قول واحد من الأئمة الأربعة: فهذا الخروج يعتبر خروجاً لا بأس به، لكنه ليس مشتهراً عند الفقهاء المتمذهبين، والغالب عليهم أنهم يخرجون إلى أقوالٍ في مذاهبهم، ولذلك يقول ابن تيمية - وهو من محققي الحنابلة-: إني تأملت المسائل التي ظاهر المذهب فيها عند الأصحاب يخالف الدليل فإذا عامتها يكون فيه عن أحمد رواية توافق ما عليه ظاهر الدليل.
الصورة الثانية: الخروج إلى قول من هو في درجة الأئمة الأربعة العلمية من الأئمة المتقدمين ممن حُفظ قولهم: فهل الخروج عن المذاهب الأربعة إلى هذا القول جائز بشرطه أم أنه ممنوع من أصله؟
الجواب: هو جائز بشرطه؛ لأنه إذا قيل: إنه ممنوع، فيرد سؤال وهو: إذا اتفق الأئمة الأربعة على قول فهل يكون إجماعاً؟! إذا قيل: إنه إجماع، فسيكون لزوم قولهم من جهة كونه إجماعاً لا من جهة كونه قول الأئمة الأربعة، فتخصيصه بالأئمة الأربعة حقيقته وهم في الذهن؛ لأنه لا يقال في كل أقوال الأئمة الأربعة أنها مسائل إجماع، بل بعضها مسائل فيها إجماع وبعضها ليس فيه إجماع؛ فلا يسوغ أن تخص مسائل الإجماع باسم الأئمة الأربعة؛ لأنه لو ساغ ذلك لخُصّت بالأربعة الراشدين من الصحابة - رضي الله عنهم -.
أما إذا قيل: إنه لا يلزم أن يكون إجماعاً، فإذا لم يكن إجماعاً، والقول الآخر قولٌ بين معروف لأئمة معتبرين من التابعين والأئمة الذين هم في درجة هؤلاء، فما الذي يمنع شرعاً وعقلاً أن يكون الصحيح -إمكاناً وليس جزماً- في هذا القول؟ ليس هناك شيءٌ يمنع من ذلك، لا من جهة الشرع ولا من جهة العقل.
ومن المعلوم أن المتقدمين لم يكونوا يثربون على من خرج عن أقوال الأئمة الأربعة، أعني الخروج الذي هو بشرطه، وكذلك لم يكونوا ينتقدون الأقوال البينة غير الشاذة، فكذلك من خرج إلى تقليد ما لم ينتقد فلا ينتقد؛ لأنه لو كان منتقداً لكان الأولى بالانتقاد ذلك الذي قلده. وقد حاول بعض الفقهاء كـابن رجب - رحمه الله - أن يجمع جملة الأقوال إلى أقوال الأئمة الأربعة، ولو وجد ما يخالف قول الأئمة الأربعة من الأقوال فهو من جنس جمع الصحابة للقرآن على مصحف واحد وترك ما عداه.
والخلاصة: أن الخروج عن أقوال الأئمة الأربعة لقول معتبر -وليس لقول شاذ- عليه بعض فقهاء التابعين، أو بعض الأئمة المتبوعين كـالأوزاعي و الليث و الثوري ونحوهم؛ فهذا جائز شرعاً وعقلاً، ولا يمنعه إلا من فرض أحد أمرين: الأول: أن الحق محصور في غير الإجماع، والثاني: أن الحق الذي في غير قول الأئمة الأربعة لا يجوز اتباعه.
تنبيه: نحن هنا لا نتكلم عمن يفتي بالمذاهب الأربعة، ويقول: أنا لا أفتي إلا بالمذاهب الأربعة، فإن هذا لا يمنع، ولا ينكر عليه، وقد درج كثير من الفقهاء على هذا المنهج، كـابن رجب وغيره، فقد كانوا لا يفتون بما خرج عن المذاهب الأربعة، لكن هناك فرق بين كونه لا يفتي بما خرج عن المذاهب الأربعة، وبين كونه يجعل هذا ديناً لازماً على المسلمين، فمن خرج عن قول الأئمة الأربعة أنكر عليه إنكاراً شديداً، فهذا يلزم عليه إما أن الحق محصور في معين من الأقوال، وهذا غير صحيح، وإما أن أقوالهم فقط هي الإجماع، وهذا أيضاً غير صحيح.
إذاً: الصواب أن الخروج عن المذاهب الأربعة إلى قول إمام متقدم يسوغ بشرطه، وقولنا: (يسوغ) أي: أنه جائز وليس بلازم، ولذلك فقد ذكرت أنه من التزم أنه لا يفتي بخلاف المذاهب الأربعة فهذا التزام لا بأس به، وإذا كنا نسوغ أن يفتي البعض بالمذهب الحنفي أو الحنبلي وحده، فمن باب أولى أن من التزم أن لا يخرج عن المذاهب الأربعة أنه لا بأس به، وأرى أنه منهج يصلح لكثيرين وأولى لكثيرين، لكن من وصل إلى درجة كبيرة من التحقيق والعلم، وفقه الأقوال المتقدمة، والتفريق بين الشاذ وخلافه، والخلاف المحفوظ وعدمه، وما هو على وفق الأدلة وما هو على خلاف الأدلة، فخرج في بعض المسائل عن قول الأئمة الأربعة إلى قول أئمة متبوعين كـالليث و الأوزاعي أو من قبلهم من التابعين؛ فهذا مما يسوغ شرعاً وعقلاً، وقد درج عليه الكبار من المتقدمين فما أنكر عليهم، ولو أنكر عليهم لنقل. وإذا كان لم ينكر على الفاعلين، فمن باب أولى أن لا ينكر على المقلدين.
وقد يقول قائل: إن السبب في المنع: أن أقوال الأئمة الأربعة تحررت فضبطت أصولهم الفقهية ونظم مذهبهم من أول الفقه إلى آخره. فيقال: هل من شرط الأخذ بقول فقيه أن يعرف قوله في سائر المسائل؟ الجواب: لا، ولو شرط هذا الشرط لتعذر العمل بفقه الصحابة، ثم إننا نجد أن الأصول غير متفق عليها كأصول منضبطة عند الأئمة، فإذا نظرنا في أصول فقه الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية وجدنا خلافاً في كثير من المسائل، وإذا جئنا إلى الفروع وقرأنا الإنصاف أو الفروع أو كتب المذاهب الأخرى؛ وجدنا أنهم يختلفون كثيراً في تحرير المذهب والجزم حينما تتعدد الروايات، وليس معنى هذا أننا نشكك في استقرار المذاهب أو وجودها، لكن المقصود أنه لا يلزم أننا لا نعمل إلا بقول إمام له مذهب متكامل من أوله إلى آخره أصولاً وفروعاً، فإن هذا الشرط لا أصل له عند السلف، ولا أصل له عند الخلف كلزوم أو وجوب.
هذا الخروج، فيه ثلاثة مذاهب للمتأخرين:
المذهب الأول: لزوم الخروج عن مذاهب الأئمة الأربعة إذا عرض ظاهر دليل يقتضي المخالفة، وهذا الذي عرض به ظاهر الدليل قول محفوظ أو قول ثابت عن إمام متقدم، ومن أخص من انتصر لهذا المذهب الإمام أبو محمد ابن حزم، بل إنه ربما خرج إلى ما هو أوسع من ذلك أحياناً، فإن ابن حزم يرى لزوم الخروج عن المذاهب. وهو –أيضا- قد يخالف الأئمة الأربعة ثم يقول: وهذا الذي ذكرناه هو قول أبي بكر و عمر مثلاً، أو قول ابن مسعود، أو غيرهم، فإنه كثير العناية بآثار الصحابة كما هو معروفٌ في منهجهِ، وهذا في الجملة مما يحمد لـابن حزم -أعني العناية بآثار الصحابة- وإن كان فقهه لآثار الصحابة قد يتأخر في كثير من الموارد، فإنه ربما رأى آراءً ليست من مقتضى قولهم المعين.
المذهب الثاني: المنع، فأصحاب هذا المذهب يمنعون الخروج عن المذاهب الأربعة مطلقاً، بل يكون مدار الأقوال على هذه المذاهب، ومن أخص من تكلم عن هذا وضبطه ومال إليه الحافظ ابن رجب في رسالة له، مع أن الحافظ ابن رجب هو من أوسع المتأخرين علماً وأكثرهم عناية بآثار السلف، وهذا بين في الجزء الموجود من شرحه لصحيح البخاري، ففيه تظهر عناية الحافظ ابن رجب بآثار السلف، ومقالات أئمة الحديث بخاصة، فهو كثير العناية؛ كثير الفطنة؛ كثير الضبط لمثل ذلك.
فهذان الإمامان -أعني الإمام أبا محمد ابن حزم صاحب طريقة الإلزام، والحافظ ابن رجب صاحب طريقة المنع- كلاهما من المحققين المتأخرين، وإن كان ابن رجب أجود منهجاً؛ لأنه اعتبر منهج الإمام أحمد على طريقة المحققين من أصحابه، فضلاً عن عنايته بالآثار، أما أبو محمد ابن حزم فهو وإن كان كثير العلم حسن الفقه، إلا أنه انتحل مذهب الظاهرية، ومذهب الظاهرية يتأخر في الرتبة عن مذاهب أئمة الفقهاء كالإمام أحمد و الشافعي وأمثالهما. ولكن مع ذلك فإن هذين الإمامين -أعني أبا محمد ابن حزم و ابن رجب - هما من أكثر المتأخرين علماً وتحقيقاً، وإن كان هذا له طريقة وهذا له طريقة، ونجد أن أبا محمد ابن حزم واسع العلم بآثار النبي - صلى الله عليه وسلم - وبآثار الصحابة، وبمقالات الفقهاء، كثير العناية والأخذ بالسنة والهدي، وكذلك الحافظ ابن رجب واسع العلم بالآثار، فهما من الأئمة الكبار المتأخرين، ولـشيخ الإسلام ابن تيمية ثناء كبير على أبي محمد ابن حزم؛ حتى إنه قال: إنه إذا كان في المسألة نزاع والراجح فيها مرتبط بصحة الحديث، أو بورود الحديث، فإن القول الذي يذهب إليه ابن حزم في الجملة أو في كثير من الموارد يكون هو الصواب. وعليه نقول: إنه مع أن هذين الإمامين لكل منهما قول في هذه المسألة يخالف الآخر، فإن هذا لا يعني تأخراً في فقههما؛ بل يقال: إن طالب العلم لا ينبغي له أن يستغني عن كتب ابن حزم وكتب ابن رجب، فهي من أجود كتب المتأخرين، وإن كانت كتب ابن حزم ينبغي أن لا يبتدئ فيها، وإنما يستعمل النظر فيها بعد أن تتبين له أصول العلوم وأصول القواعد العلمية، أما كتب ابن رجب فإنها أقرب إلى التأصيل. ومذهب ابن حزم هذا يتابعه عليه جماعة، ولا سيما بعض من جاء في القرون المتأخرة من أصحاب الحديث، فإن بعضهم يستعملون هذه الطريقة، وهذا بين في طريقة بعض شيوخ الحديث المتأخرين.
وأنبه إلى أن القول بالإلزام أو بالمنع هو في الحقيقة يدور على أشخاص وليس رأياً عاماً، وإلا فإن من يريد أن يؤصل الأمور ببعض أوجه التأصيل الممكنة، ربما تطرق إلى ذهنه نتيجة أن الإلزام بالخروج هو مذهب العامة من أهل العلم؛ لأنه خروج إلى الدليل، وكذلك من يمنع ربما تحصل له بطريقة في نظره أن المنع هو مذهب الجمهور من الفقهاء، وقد يذكر أن العلماء أنكروا على فلان من أهل العلم لأنه خرج عن المذاهب في مسألة معينة. فأقول: هذا لا ينبغي التسرع فيه، فالإلزام ليس منضبطاً كمذْهَبٍ للجمهور من أهل العلم، كما أن المنع ليس منضبطاً، ولا يقال: هذا هو الذي درج عليه الفقهاء، وهذا هو المعروف عندهم، حتى إنهم شذذوا من خالفه؛ فإن هذا أيضاً فيه زيادة، نعم.. ربما يشذذون في مسائل معينة لأن هذه المسائل لها أحوال معينة عندهم.
أبو مالك المديني
2016-07-11, 09:23 PM
المذهب الثالث: أن الخروج عن المذاهب الأربعة سائغ، فليس لازماً وليس ممنوعاً؛ ولكن بضوابط:
الضابط الأول: أن يكون الخروج إلى قول محفوظ بين وليس شاذاً، كأن يكون قول جماعة من التابعين أو قول بعض أئمة الشام، أو قول بعض كبار المحدثين، ونحو ذلك، وهذا من طرق العلم به النظر في المصنفات، أو بعض كتب الخلاف المتقدمة؛ كاختلاف الفقهاء لـمحمد بن نصر المروزي، ونحو ذلك، وقد يقول الإمام الترمذي أحياناً: هذا المذهب عليه أكثر أهل العلم.. وذهب طائفةٌ من أهل الحديث إلى كذا.. ثم تجد أن القول الذي وصفه بأن عليه أكثر أهل العلم هو مذهب الأئمة الأربعة فيما بعد، فمعناه أن الترمذي حفظ القول الآخر.
الضابط الثاني: أن يكون الخروج إلى قول إمام متقدم.
الضابط الثالث: أن يكون الذي يرى الخروج عن المذاهب عنده ظاهر الدليل.
الضابط الرابع: أن يكون الخروج عن المذاهب من فقيه عارف.
وهنا قد يقول قائل: لماذا لا يكون الخروج لازماً لظاهر الدليل؟ أليس الأصل أننا متعبدون بالكتاب والسنة، وما ظهر من الدليل فإن الأخذ به واجب كما يؤصله الكثير من الكبار؟! فنقول: إن الأخذ بظاهر الدليل كأصل أمر لازم عند عامة الأئمة، وليس هناك خلاف معتبر في هذا الأصل كأصل مختص وحده، وهو أن الأخذ بظاهر الدليل لازم على جميع المكلفين، فإن هذا لا جدال فيه بين المتقدمين، إنما يقال: لما انتظمت المذاهب الأربعة بقول، مع ثبوت هذه المذاهب واستقرار طريقتها في الأمة قروناً متوالية، فإن الذي أسقط الإلزام هو اعتبار ممكن وليس اعتباراً لازماً؛ لأنه لو كان هذا الاعتبار لازماً لقلنا بالمنع، وهذا الاعتبار هو: أن تعيين ظاهر الدليل لا يخفى على الجمهور، وهذا كلام ممكن، ومن هنا قيل: إن الخروج ليس بلازم، وقيل: إنه ليس ممتنعاً؛ فإنه يمتنع شرعاً وعقلاً أن يتوارد أئمة الأمصار على ترك ظاهر الدليل، فإذا عرض ما ترك الجماهير ظاهره، فهذا يمكن أن يكون دليلاً على كونه غير مراد لحجةٍ عندهم.
وقد يقول البعض ولا سيما من يرون الإلزام كـابن حزم، أو أصحاب الحديث المعاصرين، أو ممن قبلهم الذين يميلون إلى طريقة أهل الحديث -قد يقولون: إن القول بأن الظاهر لا يخفى على الجمهور هو إمكانٌ وليس إلزاماً، ومجرد الإمكان لا يسلم، قالوا: لأن عندنا أمثلة ظاهر الدليل فيها يدل على حكم، ومذهب الأئمة الأربعة على حكم آخر، فيقال: فإذا عرض ما ترك الجماهير ظاهره فهذا يمكن أن يكون دليلاً على كونه- أي: هذا الظاهر المعين- غير مراد لحجةٍ عندهم. وقد يقول قائل: هل معنى هذا أننا نترك بعض الظاهر لمحض قول الجمهور؟ والجواب: أن هذا ليس هو المقصود، فنحن هنا نتكلم عن مسألة الإمكان، والذي يحقق ذلك هو الإجابة عن سؤال، وهو: هل الظاهر الذي يوجب الحكم هو النظر في معين أم النظر في المجموع؟ بمعنى: هل تعيين الظاهر يكون بالنظر في دليل واحد أم بالنظر في مجموع أدلة؟! نقول: يتعين بالنظر في مجموع أدلة، فإذا نظرت في دليل معين قلت: إن الظاهر خلاف قول الجمهور، ولكن إذا جمعت مجموع الأدلة تبين أن الجزم بأن قول الجمهور يخالف الظاهر فيه تأخر في الجملة، وذلك لأن الظاهر هو مجموع النظر في الدليل، وليس النظر المعين، وإلا فثمة اتفاق على الأخذ بالظاهر وترك أقوال الرجال، وهذا نؤصل به لعدم القول بالإلزام التي هي طريقة ابن حزم، بمعنى: هل يسوغ لبعض أهل العلم أن يلتزم المذاهب ويقول: أنا لا أخرج في الفتوى والقول عن المذاهب الأربعة؟ نقول: إن ذلك يسوغ، فإذا اعترض عليه وقيل: كيف يسوغ وقد يترك لذلك ظاهراً؟ قيل: هو بنى على هذه الحجة وهي أن الجمهور لا يخفى عليهم الظاهر في الجملة، فإن عرض ما ظاهره الخفاء فإن مرده عنده يمكن أن يفسر بأن هذا الظاهر ليس مراداً؛ لأن الظاهر هو مجموع النظر وليس النظر المعين، وهذا المنهج لا أقول: إنه منهج لازم، ولكن أقول: إنه منهج ممكن.
ومن الأمثلة على ذلك: قول ابن عباس - رضي الله عنهما - كما في الصحيحين: (جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر)، فربما قال قائل: إن ظاهر الحديث يدل على جواز الجمع بدون عذر، وهذا حديث متفق على صحته، ولكن نقول: إن هذا التفسير للحديث ليس مراداً.
وأحياناً قد يكون هناك ظاهرٌ لم يترك العمل به لكنه فسر بفقه معين، فقد يرى البعض أن الظاهر يقتضي فقهاً آخر، مثل حديث الخوارج المتفق عليه، وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - في الخوارج: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)، فلم يفقه الصحابة من هذا الحديث أن المقصود به أنهم كفار، مع أنه قد قال بعض العلماء: إن هذا دليل على أن الخوارج كفار، بل الإشكال أن بعضهم يقول: الخوارج كفار بصريح السنة، ولكن يقال لهم: كيف تقولون ذلك مع أن الصحابة لم يفهموا هذا الفهم؟! ولا يقال: إن ذلك من باب درء الفتنة، فإنهم قد قاتلوهم وحصل القتال، فالحديث إذاً لا يدل على أنهم كفار. ولذلك يقول ابن تيمية: إن هذا الحرف لا يفقه منه ذلك، ولو كان يفقه منه ذلك لفقهه الصحابة، فإن ظاهر مذهب الصحابة أنهم ليسوا كفاراً.
إذاً: هذا مما يبين أن الظاهر هو مجموع النظر، فإن الصحابة لم يكفروهم بهذا الحرف؛ ولأنهم نظروا إلى ظاهر السنة في هذه المناطات.
ولعله من نافلة القول أن نقول: إن المجوزين هم الأكثر من أهل العلم، ومن أخص المجوزين تقريراً وفعلاً شيخ الإسلام ابن تيمية، فهذا القول هو الأصل، وهو المقتضي إذا حقق بضوابطه.
بل إنه من الممكن، وقد وجد بالفعل: أن هناك أقوالاً معروفة في المصنفات - كما أشرت إليه - وفي بعض كتب الخلاف المتقدم وبعض كتب المحدثين: أقوالٌ لأئمةٍ معتبرين، وليست معروفة عند المذاهب الأربعة، لا يلزم أنها راجحة، ولكن تبقى أقوالاً محفوظة لا ينكر على من أخذ بها تحت الضوابط المتقدمة.
بعضهم يعلل بتعليلات ليست لازمة في الحقائق العلمية الكاملة كأن يقال: إن هذا يقود إلى الفوضى وما إلى ذلك، هذا نوع - إن صح التعبير- من الضبط الأخلاقي للعلم، ولذلك قلنا: إن الخروج لا بد له من ضوابط، فإذا قيل: إذا فتحنا هذا الباب خرج الناس إلى الشاذ وتخبطوا وما إلى ذلك، فيقال: هذا له ضوابط، ولا يجوز أن تصادر الحقائق العلمية لتخبط مجموعة من الناس ضدها. فنظرية الإغلاق لوجود متخبطين هذه لا تتناها، وحتى لو أغلقت سيتخبط أناس.. وهكذا، فتحقيق الحقائق العلمية يكون من هذا الوجه.
وأما فرض أنه لو كان هذا القول صحيحاً لعرفه الجمهور، فنقول: هذا فرض ممكن لكنه ليس بلازم؛ لأنه لو كان لازماً لوجد من طريقة المتقدمين أنهم يقصدون إلى أقوال الجماهير ولا يجتهدون بخلافها، ولوجد أن من طريقة المتقدمين: التحذير مما خالف قول الجمهور، وهذا لا يحذرون منه على الإطلاق، وأما من يقول: إنهم قد حذروا من مخالفة قول الجمهور، ويذكر لذلك أمثلة، فالأمثلة حقيقتها ليست من هذا، فالإمام مالك أحياناً يحذر من قول الجمهور لأنه لم يبلغه إلا هذا القول مثلاً، ومن الأمثلة على ذلك: صيام الست من شوال، فإنه لم يحذر منه حقيقة، لكنه شبه أنكره، مع أن الجمهور على أن صيام الست من شوال مستحب.
الصورة الثالثة: الخروج إلى قول غير الأئمة الأربعة، ولكنه قول متأخر، ذكره بعض المتأخرين: فإذا كان القول متأخراً -أي: جاء في القرون المتأخرة- ولم يعرف هذا القول عند أحدٍ من المتقدمين لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، فهذا الأصل منعه.
الصورة الرابعة: الخروج إلى قول تفقه به الناظر، وهذا يعرض لمن يشتغل بالحديث أحياناً، فربما رأى رأياً من ظاهر دليل عنده من السنة، وهذا الرأي لا يوجد قائل به من المتقدمين لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، فإن قيل له: من قال به من المتقدمين؟ قال: لا أعلم، ولكن هذا ما ظهر لي، فإذا نظرت في كتب المتقدمين وجدت أنهم لا يذكرون هذا القول أصلاً، وكأن الإجماع على خلافه، فهذا القولُ الذي تفقَّه به الناظرُ قولٌ غيرُ صحيحٍ، وهذا قد يعرض أحياناً لبعض طلبة العلم المشتغلين بالحديث، أنه إذا رأى أراءً لم يقل بها أحد من المتقدمين، فإن قيل له في ذلك قال: هذا ظاهر السنة، وهذا فيه تمانع في الشرع والعقل، فإنه يتعذر أن يدل ظاهر السنة على مسألة لم يذكرها المتقدمون، وإذا كان هناك مسألة نطق بها المتقدمون (فليست بنازلةٍ) واشتهر الخلاف بينهم، وذكروا فيها أربعة أقوال لا يذكرون بينها ما وصلت إليه أنه هو ظاهر السنة؛ فإن هذا يدل على أن ما وصلت إليه ليس صحيحاً معتداً به. إذاً: الخروج إلى قول المتفقه المتأخر بنظره الخاص ولم يسبقه إلى ذلك إمام، هذا أيضاً يمنع.
(المسألة الثالثة) المذهب نوعان شخصي أو اصطلاحي:
المذهب الشخصي: هو منصوص الإمام أو ما يقرب منه.
أما المذهب الاصطلاحي فالمقصود به: ما درسه فقهاء المذاهب الأربعة لتحرير مذهبهم، وهذا يختلفون فيه كثيراً.
وبطبيعة الحال فإن المذهب الشخصي قد يكون من جهة أوسع، كاختلاف الرواية عن الإمام أحمد بثلاث روايات كلها محفوظة، مع أن المذهب الاصطلاحي معتبر برواية واحدة، فمن هذا الوجه كان المذهب الشخصي أوسع، وباعتبار آخر نجد أن المذهب الشخصي يكون أضيق من المذهب الاصطلاحي، كتكميل المسألة وتكميل دليلها، وذكر الضوابط عليها، وما إلى ذلك.
(المسألة الرابعة) علاقة التمذهب بالآراء العقدية: هذا مما ينبه إليه طلبة العلم، كباب أحكام المرتدين، وبعض ما يذكرونه في مسائل التطبيقات على مسائل الردة، أو بعض المسائل المتعلقة بالأصول أو بالعقائد من بعض الجهات؛ فربما دخل على بعض الفقهاء - ولا سيما المتأخرين - بعض هذه الكلمات، حتى ربما جانبوا المذهب الذي عليه الجماهير والعامة من السلف. فهذه المسائل لا يكفي فيها النظر في آحاد كلام الفقهاء المتأخرين.
(المسألة الخامسة) التمذهب على الفقيه وصاحب الحديث: ربما كان التمذهب - وهو الأصل - على طريقة الفقهاء؛ كالأئمة الأربعة ومن جاء بعدهم من أصحابهم، وربما تمذهب البعض بمذهب بعض أصحاب الحديث، وهذا يقع، ولا يجوز أن يمنع منعاً مطلقاً، ولكنه يدار فيه القول على الضبط والتحقيق، وشرطه: أن لا يخرج عن أصول الفقهاء، كالتكلف بالآراء الشاذة تحت اسم الاستدلال بالدليل أو بالحديث، فهذا نوع من التكلف، فإذا ما ضبط على أصول الفقهاء فهذا وجه مقارب للقبول، ولا يجوز تضييقه، فإذا كان المعتبر فيه يعرف مسائل الإجماع، فلا يخرج عن الإجماع، ولا يأخذ بالشاذ، وإنما يسير إلى قول إمام متقدم= فهذا لا يمنع.
(المسألة السادسة) خلاف الظاهرية:
الأصل أن قول داود بن علي قول معتبر، وأما آحاد مقالات الظاهرية فهل هي خلاف معتبر أو ليس معتبراً؟ يقال: كل مسألة من حيث الآحاد ينظر في مورد الإجماع المتقدم، وعلاقة هذه المسألة بالإجماع المتقدم، فإذا انفرد ابن حزم ببعض الرأي الذي ليس له فيه سلف، فيمكن أن يقال هنا: إنه لا يعتبر قوله، وأما إذا كان قول الظاهرية على أصل أو قول معروف عند المتقدمين، فهذا لا يسوغ إنكاره، والأئمة المتقدمون لم ينكروا جميعاً فقه داود بن علي، إنما أخذوا عليه، وإن كانوا أخذوا عليه، فقد أخذوا على غيره، فقد أخذوا على أهل الرأي كثيراً؛ بل إن الإمام أحمد ترك بعض كلام إسحاق بن إبراهيم، مع أن الإمام أحمد من أقرب الناس إلى طريقة إسحاق، ومع ذلك قال: إنا نترك بعض الرأي من كلام إسحاق. بل إن أبا عبيد ربما أثنى على بعض هذه الأقوال بشيء أكثر من ذلك، أي: الأقوال التي ذمها من ذمها. فالمقصود: أنه لا يوجد عند المتقدمين إجماع على ترك فقه داود بن علي، فما تفرع عن الأصول المعتبرة التي لا تخالف الإجماع ولا الأصول فهو مقبول، وما كان شاذاً أو خالف الإجماع فيترك ويرد.
(المسألة السابعة ) هل الأمة بحاجة إلى التمذهب أم لا ؟!
إذا كان التمذهب من باب التراتيب العلمية، فهذا يحفظ المسلمين، ويحفظ أنصار المسلمين وعوام المسلمين من الاضطراب؛ فإن الناس إذا انتظم لهم مذهب وصار فقهاؤهم وشيوخهم يفتون به، انفك العوام عن الاضطراب، وتركوا التحليل والتحريم والخوض في دين الله بغير علم، فهو من هذا الوجه فيه مصلحة. وإما إذا فسر التمذهب بالتدين والتعصب، وترك العناية والأخذ بالسنن والآثار وما إلى ذلك، فهذا لا شك أن المسلمين لا يحتاجونه؛ لأن المسلمين يحتاجون إلى سنة نبيهم وليس إلى رأي فقيه بعينه.
انتهى من تعليقه على (رفع الملام) لأبي العباس ابن تيميّة الحفيد بشيءٍ من الاختصار .
أبو البراء محمد علاوة
2016-07-12, 02:23 AM
تأمل قوله: (فهم على مذهب أهل الحديث وليسوا بمقلدين ...).
سُئل شيخ الإسلام: هَلْ الْبُخَارِيُّ ؛ وَمُسْلِمٌ ؛ وَأَبُو دَاوُد ؛ وَالتِّرْمِذِي ؛ وَالنَّسَائِي ؛ وَابْنُ مَاجَه ؛ وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِى ؛ وَالدَّارِمِي وَالْبَزَّارُ ؛ وَالدَّارَقُطْن ِي ؛ وَالْبَيْهَقِي ؛ وَابْنُ خُزَيْمَة ؛ وَأَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ هَلْ كَانَ هَؤُلَاءِ مُجْتَهِدِينَ لَمْ يُقَلِّدُوا أَحَدًا مِنْ الْأَئِمَّةِ ؛ أَمْ كَانُوا مُقَلِّدِينَ ؟ وَهَلْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ أَحَدٌ يَنْتَسِبُ إلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ ؟ .......
فَأَجَابَ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، أَمَّا الْبُخَارِيُّ ؛ وَأَبُو دَاوُد فَإِمَامَانِ فِي الْفِقْهِ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ . وَأَمَّا مُسْلِمٌ ؛ وَالتِّرْمِذِي ؛ وَالنَّسَائِي ؛ وَابْنُ مَاجَه ؛ وَابْنُ خُزَيْمَة ؛ وَأَبُو يَعْلَى ؛ وَالْبَزَّارُ ؛ وَنَحْوُهُمْ ؛ فَهُمْ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَيْسُوا مُقَلِّدِينَ لِوَاحِدِ بِعَيْنِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَلَا هُمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِين َ عَلَى الْإِطْلَاقِ [ بَلْ هُمْ يَمِيلُونَ إلَى قَوْلِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ ] كَالشَّافِعِيِّ ؛ وَأَحْمَد ؛ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ ؛ وَأَمْثَالِهِمْ . وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِبَعْضِ الْأَئِمَّةِ كَاخْتِصَاصِ أَبِي دَاوُد وَنَحْوِهِ بِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَهُمْ إلَى مَذَاهِبِ أَهْلِ الْحِجَازِ - كَمَالِكِ وَأَمْثَالِهِ - أَمْيَلُ مِنْهُمْ إلَى مَذَاهِبِ أَهْلِ الْعِرَاقِ - كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ - . وَأَمَّا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِى فَأَقْدَمُ مِنْ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ مِنْ طَبَقَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ؛ وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ الواسطي ؛ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُد . وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ ؛ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ ؛ وَمُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ ؛ وَحَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ؛ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ ؛ وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ مِنْ طَبَقَةِ شُيُوخِ الْإِمَامِ أَحْمَد . وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ يُعَظِّمُونَ السُّنَّةَ وَالْحَدِيثَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمِيلُ إلَى مَذْهَبِ الْعِرَاقِيِّين َ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَنَحْوِهِمَا كَوَكِيعِ ؛ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمِيلُ إلَى مَذْهَبِ الْمَدَنِيِّينَ : مَالِكٌ وَنَحْوُهُ كَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ . وَأَمَّا البيهقي فَكَانَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ؛ مُنْتَصِرًا لَهُ فِي عَامَّةِ أَقْوَالِهِ . وَالدَّارَقُطْن ِي هُوَ أَيْضًا يَمِيلُ إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَئِمَّةِ السَّنَدِ وَالْحَدِيثِ لَكِنْ لَيْسَ هُوَ فِي تَقْلِيدِ الشَّافِعِيِّ كالبيهقي مَعَ أَنَّ البيهقي لَهُ اجْتِهَادٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ وَاجْتِهَادُ الدارقطني أَقْوَى مِنْهُ ؛ فَإِنَّهُ كَانَ أَعْلَمَ وَأَفْقَهَ مِنْهُ.
أبو البراء محمد علاوة
2016-07-12, 02:25 AM
قال الشوكاني في مقدم سيله الجرار: (فمن كان أهلا للترجيح ومتأهلا للتسقيم والتصحيح فهو إن شاء الله سيعرف لهذا التعليق قدره ويجعله لنفسه مرجعا ولما ينوبه _ أي يصيبه وينزل به_ ذخرا وأما من لم يكن بهذا المكان ولا بلغ مبالغ أهل هذا الشأن ولا جرى مع فرسان هذا الميدان فهو حقيق بأن يقال له: (ماذا بعشك يا حمامة فادرجي) _مثل يصرب لمن يرفع نفسه فوق قدره_
لا تعذر المشتاق في أشواقــــــه ... حتى تكون حشاك في أحشائه
لا يعرف الشوق إلا من يكابده ... ولا الصبابة إلا من يعانيها
دع عنك تعنيفي وذق طعم الهوى ... فإذا هويت فعند ذلك عنف
فكن رجلا رجله في الثرى ... وهامة همته في الثريا).
أبو البراء محمد علاوة
2016-07-12, 02:26 AM
جاء في المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران: (فَلَا يُقَال مَذْهَب الشَّافِعِي مثلا أرجح من مَذْهَب أبي حنيفَة أَو غَيرهمَا أَو بِالْعَكْسِ لَكِن هَذَا بِاعْتِبَار مَجْمُوع مَذْهَب على مَجْمُوع مَذْهَب آخر وَأما من حَيْثُ الْأَدِلَّة على الْمسَائِل فالترجيح ثَابت). اهـ
أبو البراء محمد علاوة
2016-07-12, 04:03 AM
http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&aud ioid=137936
محمد طه شعبان
2016-07-13, 02:28 PM
بارك الله فيكم.
أبو البراء محمد علاوة
2016-07-13, 03:13 PM
بارك الله فيكم.
وفيكم بارك الله
أبو البراء محمد علاوة
2016-07-18, 01:08 AM
الكلام على جواز التقليد.
قال الشوكاني في مقدمة سيله الجرار: (اعلم أنه قد ذهب الجمهور إلي أنه غير جائز.
قال القرافي: (مذهب مالك وجمهور العلماء وجوب الاجتهاد وإبطال التقليد، وادعى ابن حزم الإجماع على النهي عن التقليد، ورواه مالك وأبو حنيفة والشافعي، وروى المروزي عن الشافعي في أول مختصرة: أنه لم يزل ينهى عن تقليده وتقليد غيره).
وقد ذكرت نصوص الأئمة الأربعة المصرحة بالنهي عن التقليد لهم في الرسالة التي سميتها: (القول المفيد في حكم التقليد).
والحاصل أن المنع من التقليد إن لم يكن إجماعًا فهو مذهب الجمهور، ومن اقتصر في حكاية المنع من التقليد على المعتزلة فهو لم يبحث عن اقوال أهل العلم في هذه المسألة كما ينبغي.
وقد حكي عن بعض الحشوية -فرقة كالخوارج والمرجئة- أنهم يوجبون التقليد مطلقًا ويحرمون النظر، وهؤلاء لم يقنعوا بما هم فيه من الجهل حتى أوجبوه على غيرهم؛ فإن التقليد جهل وليس بعلم.
وذهب جماعة إلي التفصيل فقالوا يجب على العامي ويحرم على المجتهد، وبهذا قال كثير من أتباع الأربعة؛ ولكن هؤلاء الذين قالوا بهذا القول من أتباع الأئمة يقرون على أنفسهم بأنهم مقلدون، والمعتبر في الخلاف إنما هو قول المجتهدين لا قول المقلدين.
والعجب من بعض المصنفين في الأصول فإنه نسب هذا القول المشتمل على التفصيل إلي الأكثر وجعل الحجة لهم الإجماع على عدم الإنكار على المقلدين.
فإن أراد إجماع الصحابة فهم لم يسمعوا بالتقليد فضلًا عن أن يقولوا بجوازه، وكذلك التابعون لم يسمعوا بالتقليد ولا ظهر فيهم بل كان المقصر في زمان الصحابة والتابعين يسأل العالم منهم عن المسألة التي تعرض له فيروى له النص فيها من الكتاب أو السنة وهذا ليس من التقليد في شيء؛ بل هو من باب طلب حكم الله في المسألة والسؤال عن الحجة الشرعية.
وقد عرفت مما قدمنا أن المقلد إنما يعمل بالرأي لا بالرواية من غير مطالبة بحجة وإن أراد إجماع الأئمة الأربعة فقد عرفت أنهم مصرحون بالمنع من التقليد لهم ولغيرهم ولم يزل من كان في عصرهم منكرا لذلك أشد إنكار، وإن أراد إجماع المقلدين للأئمة الأربعة فقد عرفت أنه لا يعتبر خلاف المقلد فكيف ينعقد بقولهم الإجماع وإن أراد غيرهم فمن هم فإنه لم يزل أهل العلم في كل عصر منكرين للتقليد وهذا معلوم لكل من يعرف أقوال أهل العلم.
والحاصل أنه لم يأت من جوز التقليد فصلًا عمن أوجبه بحجة ينبغي الاشتغال بجوابها قط وقد أوضحنا هذا في رسالتنا المسماة: (بالقول المفيد في حكم التقليد)، وفي كتابنا الموسوم: (بأدب الطلب ونهاية الأَرب).
وأما ما ذكروه من استبعاد أن يفهم المقصرون نصوص الشرع وجعلوا ذلك مسوغًا للتقليد فليس الأمر كما ظنوه فهاهنا واسطة بين الاجتهاد والتقليد وهي سؤال الجاهل للعالم عن الشرع فيما يعرض له لا عن رأيه البحت واجتهاده المحض وعلى هذا كان عمل المقصرين من الصحابة والتابعين وتابعيهم.
ومن لم يسعه ما وسع هؤلاء الذين هم أهل القرون الثلاثة الفاضلة على ما بعدها فلا وسع الله عليه.
وما أحسن ما قاله الزركشي في البحر عن المزني فإنه قال يقال لمن حكم بالتقليد هل لك من حجة فإن قال: نعم، أبطل التقليد؛ لأن الحجة أوجبت ذلك عنده لا التقليد.
وإن قال بغير علم، قيل له: فلم أرقت الدماء وأبحت الفروج والأموال وقد حرم الله ذلك إلا بحجة!!!
فإن قال أنا أعلم أني أصبت وإن لم أعرف الحجة؛ لأن معلمي من كبار العلماء، قيل له: تقليد معلم معلمك أولى من تقليد معلمك؛ لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت عن معلمك كما لم يقل معلمك إلا بحجة خفيت عليك.
فإن قال: نعم ترك تقليد معلمه إلي تقليد معلم معلمه، وكذلك حتى ينتهي إلي العالم من الصحابة.
فإن أبى ذلك نقض قوله وقيل له: كيف يجوز تقليد من هو أصغر وأقل علمًا ولا يجوز تقليد من هو أكبر وأكثر علما؟.
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حذر من زلة العالم وعن ابن مسعود أنه قال: (لا يقلدنَّ أحدكم دينه رجلاً إن آمن أمن، وإن كفر كفر فإنه لا أسوة في الشر) انتهى
وأقول: متممًا لهذا الكلام وعند أن ينتهي إلي العالم من الصحابة يقال له هذا الصحابي أخذ علمه عن أعلم البشر المرسل من الله إلي عباده المعصوم عن الخطأ في أقواله وأفعاله فتقليده أولى من تقليد الصحابي الذي لم يصل إليه إلا شعبة من شعب علومه وليس له من العصمة شيء ولم يجعل الله سبحانه قوله ولا فعله ولا اجتهاده حجة على أحد من الناس.
واعلم أن رأي المجتهد عند عدم الدليل إنما هو رخصة له بلا خلاف في هذا ولا يجوز لغيره العمل به بحال من الأحوال فمن ادعى جواز ذلك فليأتنا بالدليل وهو لا محالة يعجز عنه وعند عجزه عن البرهان يبطل التقليد؛ لأنه كما عرفت العمل برأي الغير من غير حجة).
أبو البراء محمد علاوة
2016-07-20, 03:18 PM
قال ابن قاسم في مقدمة حاشيته للروض المربع: (ولا يجب التزام مذهب معين إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن التزم مذهبًا معينًا ثم فعل خلافه من غير تقليد لعالم آخر أفتاه، ولا استدلال بدليل يقتضي خلاف ذلك، ومن غير عذر شرعي يبيح له فعله، فإنما يكون متبعًا لهواه فإنه ليس لأحد أن يعتقد الشيء واجبًا أو محرما، ثم يعتقد الواجب حرامًا والمحرم واجبًا، بمجرد هواه، كمسألة الجد وشرب النبيذ وأما إذا تبين له ما يوجب رجحان قول على قول بدليل، أو رجحان مفت فيجوز بل يجب، والعاجز إذا اتبع من هو من أهل العلم والدين، ولم يتبين له أن قول غيره أرجح، فهو محمود مثاب، والله الموفق للصواب).
أبو البراء محمد علاوة
2016-07-25, 06:48 PM
https://www.youtube.com/watch?v=QoAW-0A9qEk
أبو البراء محمد علاوة
2016-07-27, 03:26 AM
قال ابن عثيمين في الشرح الممتع: (1/ 38): (أن المقلِّدَ ليس فقيهًا؛ لأنه لا يعرف الأحكام بأدلَّتها، غايةُ ما هنالك أن يكرِّرَها كما في الكتاب فقط. وقد نقل ابنُ عبد البَرِّ الإجماعَ على ذلك.وبهذا نعرف أهميَّة معرفة الدَّليل، وأن طالب العلم يجب عليه أن يتلقَّى المسائل بدلائلها، وهذا هو الذي يُنجيه عند الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله سيقول له يوم القيامة: {مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 65]، ولن يقول: ماذا أجبتم المؤلِّفَ الفلاني، فإذًا لا بُدَّ أن نعرفَ ماذا قالت الرُّسل لنعمل به.
ولكن التَّقليد عند الضَّرورة جائزٌ لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، فإِذا كُنَّا لا نستطيع أن نعرف الحقَّ بدليله فلا بُدَّ أن نسأل؛ ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إن التَّقليد بمنزلة أكل الميتة، فإذا استطاع أن يستخرج الدَّليلَ بنفسه فلا يحلُّ له التقليد).
أبو البراء محمد علاوة
2016-07-27, 04:08 AM
قال الشنقيطي في: (أضواء البيان): (7 /319 ): (هذا النوع من التقليد، لم يرد به نصّ من كتاب ولا سنة , ولم يقل به أحد من أصحاب رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، ولا أحد من القرون الثلاثة المشهود لهم بالخير، وهو مخالف لأقوال الأئمّة الأربعة رحمهم الله، فلم يقل أحد منهم بالجمود على رجل واحد معيّن دون غيره من جميع المسلمين).
أبو البراء محمد علاوة
2017-01-12, 10:39 PM
بين اتباع الدليل وتقليد الائمة (http://majles.alukah.net/t52894/)
أبو البراء محمد علاوة
2017-07-22, 05:23 PM
من فارق الدليل ضلَّ عن سواء السبيل:
قال ابن القيم: (ومَن أحالك على غيرِ أخبرنا، وحدَّثنا؛ فقد أحالك: إمَّا على خيالٍ صوفيٍّ، أو قياسٍ فلسفيٍّ، أو رأيٍ نفسيٍّ. فليس بعد القرآن وأخبرنا، وحدَّثنا، إلَّا شبهاتُ المتكلِّمين، وآراءُ المنحرفين، وخيالاتُ المتصوِّفين، وقياسُ المتفلسفين، ومَن فارق الدليلَ ضلَّ عن سواء السبيل، ولا دليل إلى الله والجنَّة سوى الكتاب والسنَّة، وكلُّ طريقٍ لم يصحبها دليلُ القرآن والسنَّة فهي مِن طرق الجحيم والشيطان الرجيم). [مدارج السالكين: (٢/ ٤٣٩)].
السعيد شويل
2017-07-25, 03:31 AM
أخى أبو البراء .. السلام عليكم ورحمة الله
...
هناك أمور مسلمات لايجوز الإجتهاد فيها وهى كل ماكان قطعى الثبوت وقطعى الدلالة لأن هذه الأمور محسومة مقطوع بها ..
فلايجوز الحوار أو الجدل بشأنها مثل الإيمان بوحدانية الله وبأن القرآن كلام الله والإيمان بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر بالصلاة والزكاة وحج البيت .....
.
وهناك أمور يجوز الإجتهاد فيها وهى التى ورد حكمها ظنياً وليس قطعياً مثل : قوله تعالى : { وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ } .
فالمسح على الرأس فى أركان الوضوء أمر لا اجتهاد فيه لأنه قطعى الثبوت وقطعى الدلالة ..
أما مقدار المسح : هل هو كل الرأس . أم الربع . أم بعض الرأس .. فهذا هو محل التأويل والإجتهاد .
........
ولقد كان الصحابة رضى الله عنهم يجتمعون فى اجتهادهم ويتوقفون توقفاً شديداً ويقيسون الأمور بأمثالها قبل إصدار أى حكم ..
وسار على هديهم التابعين وتابعى التابعين ..
ومن بعدهم نهج نهجهم طبقات مختلفة من المجتهدين منهم : طبقة الحسن البصرى ومحمد بن سيرين وطبقة أيوب السختيانى وقتادة وحفص وطبقة حماد والثورى والأوزاعى والليث بن سعد ..
ثم جاءت طبقة الأئمة الأربعة : وهم من قاموا بتدوين اجتهاداتهم : الإمام أبوحنيفة النعمان . الإمام مالك بن أنس . الإمام محمد بن إدريس الشافعى . الإمام أحمد بن حنبل ..
ثم جاء أصحابهم ( وهم من تلقوا العلم منهم ) كأبى يوسف ومحمد فى المذهب الحنفى وابن القاسم وابن وهب فى المذهب المالكى والمزنى فى المذهب الشافعى وابن تيمية فى المذهب الحنبلى .
...
فالفتوى أو الإجتهاد لابد وأن تستند إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. " لأنها كاشفة لحكم المسألة وليست منشئة له " ..
.......
أبو البراء محمد علاوة
2017-07-25, 05:58 PM
أخى أبو البراء .. السلام عليكم ورحمة الله
...
هناك أمور مسلمات لايجوز الإجتهاد فيها وهى كل ماكان قطعى الثبوت وقطعى الدلالة لأن هذه الأمور محسومة مقطوع بها ..
فلايجوز الحوار أو الجدل بشأنها مثل الإيمان بوحدانية الله وبأن القرآن كلام الله والإيمان بنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر بالصلاة والزكاة وحج البيت .....
.
وهناك أمور يجوز الإجتهاد فيها وهى التى ورد حكمها ظنياً وليس قطعياً مثل : قوله تعالى : { وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ } .
فالمسح على الرأس فى أركان الوضوء أمر لا اجتهاد فيه لأنه قطعى الثبوت وقطعى الدلالة ..
أما مقدار المسح : هل هو كل الرأس . أم الربع . أم بعض الرأس .. فهذا هو محل التأويل والإجتهاد .
........
ولقد كان الصحابة رضى الله عنهم يجتمعون فى اجتهادهم ويتوقفون توقفاً شديداً ويقيسون الأمور بأمثالها قبل إصدار أى حكم ..
وسار على هديهم التابعين وتابعى التابعين ..
ومن بعدهم نهج نهجهم طبقات مختلفة من المجتهدين منهم : طبقة الحسن البصرى ومحمد بن سيرين وطبقة أيوب السختيانى وقتادة وحفص وطبقة حماد والثورى والأوزاعى والليث بن سعد ..
ثم جاءت طبقة الأئمة الأربعة : وهم من قاموا بتدوين اجتهاداتهم : الإمام أبوحنيفة النعمان . الإمام مالك بن أنس . الإمام محمد بن إدريس الشافعى . الإمام أحمد بن حنبل ..
ثم جاء أصحابهم ( وهم من تلقوا العلم منهم ) كأبى يوسف ومحمد فى المذهب الحنفى وابن القاسم وابن وهب فى المذهب المالكى والمزنى فى المذهب الشافعى وابن تيمية فى المذهب الحنبلى .
...
فالفتوى أو الإجتهاد لابد وأن تستند إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. " لأنها كاشفة لحكم المسألة وليست منشئة له " ..
.......
جزاك الله خيرًا
أبو البراء محمد علاوة
2017-08-25, 04:20 PM
قال ابن حزم في: الرسالة الباهرة: (صـ 5): (من أخذ برأي إنسان واحد لا يعدوه، فما يعرف ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ما أجمع عليه العلماء، مما اختلفوا فيه، فما عرف قط ما هو الفقه ولا للفقه إليه طريق؛ بل هو خابط خبط عشواء في الدين راكب مضلة لا يدري حقيقة ما يعتقد من باطله).
أبو البراء محمد علاوة
2017-09-13, 11:36 AM
قال الذهبي: (فينبغي للمسلم أن يستعيذ من الفتن، ولا يشغب بذكر غريب المذاهب لا في الأصول ولا في الفروع، فما رأيت الحركة في ذلك تحصل خيرًا، بل تثير شرًا وعداوة ومقتًا للصلحاء والعباد من الفريقين، فتمسك بالسنة، وألزم الصمت، ولا تخض فيما لا يعنيك، وما أشكل عليك فرده إلى الله ورسوله، وقف، وقل: الله ورسوله أعلم ...). السير: (20/142).
أبو البراء محمد علاوة
2017-09-18, 01:25 AM
قال ابن تيمية: (فَمن ظن أَنه يَأْخُذ من الْكتاب وَالسّنة بِدُونِ أَن يقْتَدى بالصحابة وَيتبع غير سبيلهم فَهُوَ من أهل الْبدع والضلال، وَمن خَالف مَا أجمع عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ فَهُوَ ضال، وَفِي تكفيره نزاع وتفصيل، وَمن ادّعى الْعِصْمَة لأحد فِي كل مَا يَقُوله بعد الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ ضال، وَفِي تكفيره نزاع وتفصيل، وَمن قلد من يسوغ لَهُ تَقْلِيده فَلَيْسَ لَهُ أَن يَجْعَل قَول متبوعه أصح من غَيره بالهوى بِغَيْر هدى من الله، وَلَا يَجْعَل متبوعه محنة للنَّاس فَمن وَافقه وَالَاهُ، وَمن خَالفه عَادَاهُ؛ فَإِن هَذَا حُرْمَه الله وَرَسُوله بِاتِّفَاق الْمُؤمنِينَ بل يجب على الْمُؤمنِينَ أَن يَكُونُوا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله حق تُقَاته وَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا وَلَا تفَرقُوا} ...). [محتصر الفتاوى المصرية: (655 - 656)].
أبو البراء محمد علاوة
2017-09-30, 12:25 PM
قال القاسمي في تفسيره: محاسِن التأويل: (3/ 207): (اعْلَم أن كل حديث صَحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن رواه جامِعو الصِّحاح، أو صَحَّحَه مَن يُرْجَع إليه في التصحيح من أئمة الحديث، فهو مما تشمله هذه الآية، أعْنِي قوله تعالى: (مِمَّا قَضَيْتَ)، فحينئذٍ يَتعيّن على كل مؤمن بالله ورسوله الأخْذ به وقبوله ظاهرًا وباطنًا، وإلا بأن الْتَمَس مخارِج لِردِّه أو تأويله، بِخلاف ظاهره، لِتَمذهُبٍ تَقَلَّدَه، وعَصَبيّة رُبِّيَ عليها -كما هو شأن الْمُقَلِّدَة أعداء الحديث وأهله- فيَدخُل في هذا الوعيد الشديد المذكور في هذه الآية ، الذي تقشعّر له الجلود ، وتَرجف منه الأفئدة .
ونَقَل عن الطيبي قوله : (عَجبتُ ممن سُمِّي بالسُّنِّي، إذا سمِع مِن سُنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وله رأي ، رَجّح رأيه عليها ! وأي فَرْق بينه وبين المبتدِع ؟!).
أبو البراء محمد علاوة
2017-10-06, 01:29 AM
[هل على العامي أن يتمذهب بمذهب واحد من الأربعة أو غيرهم؟]
قال ابن القيم في: (إعلام الموقعين عن رب العالمين): (6/ 203 - 205):
(وهل يلزم العامي أن يتمذهب ببعض المذاهب المعروفة أم لا؟
فيه مذهبان:
أحدهما: لا يلزمه، وهو الصواب المقطوع به إذ لا واجب إلا ما أوجبه اللَّه ورسوله، ولم يوجب اللَّه ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة فيقلده دينه دون غيره، وقد انطوت القرون الفاضلة [مبرأة مبرأ] أهلها من هذه النسبة، بل لا يصح للعامي مذهب ولو تمذهب به فالعامي لا مذهب له لأن المذهب [إنما يكون] لمن له نوع نظر واستدلال، [ويكون بصيرًا بالمذاهب] على حسبه أو لمن قرأ كتابًا في فروع ذلك المذهب وعرف فتاوى إمامه وأقواله، وأما من لم يتأهل لذلك البتة، بل قال: أنا شافعي أو حنبلي أو غير ذلك لم يصر كذلك بمجرد القول، كما لو قال: أنا فقيه أو نحوي أو كاتب لم يصر كذلك بمجرد قوله.
يوضحه أن القائل [أنه] شافعي أو مالكي أو حنفي يزعم أنه متبع لذلك الإِمام سالك طريقه، وهذا إنما يصح له إذا سلك سبيله في العلم والمعرفة والاستدلال فأما مع جهله وبعده جدًا عن سيرة الإِمام وعلمه وطريقه فكيف يصح له الانتساب إليه إلا بالدعوى المجردة والقول الفارغ من [كل] معنى؟ والعامي لا يتصور أن يصح له مذهب ولو تصور ذلك لم يلزمه ولا لغيره، ولا يلزم أحدًا قط أَن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة [بحيث يأخذ أقواله كلها ويدع أقوال غيره.
وهذه بدعة قبيحة حدثت في الأمة] لم يقل بها أحد من أئمة الإِسلام وهم أعلى رُتبةً، وأجلُّ قدرًا، وأعلمُ باللَّه ورسوله من أن يُلزموا الناس بذلك، وأبعد منه قول من قال: يلزمه أن يتمذهب بمذهب عالم من العلماء، وأبعد منه قول من قال: يلزمه أن يتمذهب بأحد المذاهب الأربعة.
فياللَّه العجب، ماتت مذاهب أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومذاهب التابعين، وتابعيهم وسائر أئمة الإِسلام، وبطلت جملةً إلا مذاهب أربعة أنفس فقط من بين سائر الأمة والفقهاء؟! وهل قال ذلك أحد من الأئمة أو دعا إليه أو دلت عليه لفظة واحدة من كلامه عليه؟ والذي أوجبه اللَّه [تعالى] ورسوله على الصحابة والتابعين وتابعيهم هو الذي أوجبه على من بعدهم إلى يوم القيامة لا يختلف الواجب، ولا يتبدل، وإن اختلفت كيفيته أو قدره باختلاف القدرة والعجز والزمان والمكان والحال فذلك أيضًا تابع لما أوجبه اللَّه ورسوله.
ومَن صحَّح للعامي مذهبًا قال: هو قد اعتقد أن هذا المذهب الذي إنتسب إليه هو الحق فعليه الوفاء بموجب اعتقاده، وهذا الذي قاله هؤلاء لو صحَّ للزم منه تحريم استفتاء أهل غير المذهب الذي انتسب إليه، وتحريم تمذهبه بمذهب نظير إمامه، أو أرجح منه أو غير ذلك من اللوازم التي يدل فسادها على فساد ملزوماتها، بل يلزم منه أنه إذا رأى نصَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أو قول خلفائه الأربعة مع غير إمامه أن يترك النص وأقوال الصحابة ويقدِّم عليها قول من انتسب إليه.
وعلى هذا فله أن يستفتي من شاء من أتباع الأئمة [الأربعة] وغيرهم، ولا يجب عليه ولا على المفتي أن يتقيد بـ[أحد من الأئمة] الأربعة بإجماع الأمة، كما لا يجب على العالم أن يتقيد بحديث أهل بلده أو غيره من البلاد، بل إذا صح الحديث وجب عليه العمل به حجازيًا كان أو عراقيًا أو شاميًا أو مصريًا أو يمنيًا.
وكذلك لا يجب على الإنسان التقيد بقراءة السبعة المشهورين باتفاق المسلمين، بل إذا وافقت القراءة رسم المصحف الإِمام وصحت في العربية وصح سندها جازت القراءة بها وصحت الصلاة بها اتفاقًا، بل لو قرأ بقراءة تخرج عن مصحف عثمان وقد قرأ بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والصحابة بعده جازت القراءة بها ولم تبطل الصلاة بها على أصح الأقوال.
والثاني: تبطل الصلاة بها، وهاتان روايتان منصوصتان عن الإِمام أحمد.
والثالث: إن قرأ بها في ركن لم يكن مؤديًا لفرضه، وإن قرأ بها في غيره لم تكن مبطلة، وهذا اختيار أبي البركات ابن تيمية رحمة اللَّه عليه، قال: لأنه لم يتحقق الإتيان بالركن في الأول و [لا] الإتيان بالمبطل في الثاني، ولكن ليس له أن يتبع رخص المذاهب وأخذ غرضه من أي مذهب وجده فيه، بل عليه اتباع الحق بحسب الإمكان).
أبو البراء محمد علاوة
2017-10-18, 05:45 PM
قال ابن تيمية: (فهذه مسائل الاجتهاد التي تنازع فيها السلف والأئمة، فكل منهم أقر الآخر على اجتهاده من كان فيها أصاب الحق فله أجران، ومن كان قد اجتهد فأخطأ فله أجر، وخطؤه مغفور له، فمن ترجح عنده تقليد الشافعي لم ينكر على من ترجح عنده تقليد مالك، ومن ترجح عنده تقليد أحمد لم ينكر على من ترجح عنده تقليد الشافعي، ونحو ذلك.
ولا أحد في الإسلام يجيب المسلمين كلهم بجواب عام أن فلانًا أفضل من فلان فيقبل منه هذا الجواب، لأنه من المعلوم أن كل طائفة ترجح متبوعها، فلا تقبل جواب من يجيب بما يخالفها فيه، كما أن من يرجح قولًا أو عملًا لا يقبل قول من يفتي بخلاف ذلك، لكن إن كان الرجل مقلدا لمن يترجح عنده أنه أولى بالحق. وإن كان مجتهدًا اجتهد واتبع ما يترجح عنده أنه الحق ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
وقد قال تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16] .
لكن عليه أن لا يتبع هواه ولا يتكلم بغير علم، قال تعالى: {ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم} [آل عمران: 66] . وقال تعالى: {يجادلونك في الحق بعدما تبين} [الأنفال: 6] .
وما من إمام إلا له مسائل يترجح فيها قوله على قول غيره، ولا يعرف هذا التفاضل إلا من خاض في تفاصيل العلم). [الفتاوى الكبرى: (4/ 449)].
أبو البراء محمد علاوة
2017-10-18, 07:09 PM
قال ابن تيمية: (فلا يجوز لأحد أن يجعل الأصل في الدين لشخص إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقول إلا لكتاب الله عز وجل. ومن نصب شخصا كائنًا من كان فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل فهو {من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا} الآية وإذا تفقه الرجل وتأدب بطريقة قوم من المؤمنين مثل: اتباع: الأئمة والمشايخ؛ فليس له أن يجعل قدوته وأصحابه هم العيار فيوالي من وافقهم ويعادي من خالفهم فينبغي للإنسان أن يعود نفسه التفقه الباطن في قلبه والعمل به فهذا زاجر. وكمائن القلوب تظهر عند المحن. وليس لأحد أن يدعو إلى مقالة أو يعتقدها لكونها قول أصحابه ولا يناجز عليها بل لأجل أنها مما أمر الله به ورسوله؛ أو أخبر الله به ورسوله؛ لكون ذلك طاعة لله ورسوله. وينبغي للداعي أن يقدم فيما استدلوا به من القرآن؛ فإنه نور وهدى؛ ثم يجعل إمام الأئمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كلام الأئمة. ولا يخلو أمر الداعي من أمرين:
الأول: أن يكون مجتهدًا أو مقلدًا فالمجتهد ينظر في تصانيف المتقدمين من القرون الثلاثة؛ ثم يرجح ما ينبغي ترجيحه.
الثاني: المقلد يقلد السلف؛ إذ القرون المتقدمة أفضل مما بعدها. فإذا تبين هذا فنقول كما أمرنا ربنا: {قولوا آمنا بالله} إلى قوله: {مسلمون} ونأمر بما أمرنا به. وننهى عما نهانا عنه في نص كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه} الآية فمبنى أحكام هذا الدين على ثلاثة أقسام: الكتاب؛ والسنة؛ والإجماع). [مجموع الفتاوى: [(20 / 8 - 9)].
أبو البراء محمد علاوة
2019-04-25, 12:16 AM
قال الكمال بن الهمام: (لو التزم مذهبًا معينًا كأبي حنيفة أو الشافعي؛ فهل يلزمه الاستمرار عليه، فلا يعدل عنه في مسألة من المسائل؟
قيل: يلزم؛ لأنه بالتزامه يصير ملزما به، كما لو التزم مذهبه في حكم حادثة معينة؛ ولأنه اعتقد أن المذهب الذي انتسب إليه هو الحق ، فعليه الوفاء بموجب اعتقاده.
وقيل: لا يلزم، وهو الأصح كما في الرافعي وغيره؛ لأن التزامه غير ملزم، إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، ولم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة، فيقلده في دينه في كل ما يأتي ويذر، دون غيره ...). [التقرير والتحبير: (3/ 350)].
وجاء في "رد المحتار" (1/ 75) من كتب الحنفية: (تحصل مما ذكرناه أنه ليس على الإنسان التزام مذهب معين، وأنه يجوز له العمل بما يخالف ما عمله على مذهبه ، مقلدا فيه غير إمامه، مستجمعا شروطه).
ويقول الإمام القرافي: (قال يحيى الزناتي: يجوز تقليد المذاهب في النوازل، والانتقال من مذهب إلى مذهب، بثلاثة شروط:
أن لا يجمع بينهما على وجه يخالف الإجماع، كمن تزوج بغير صداق ، ولا ولي، ولا شهود، فإن هذه الصورة لم يقل بها أحد.
وأن يعتقد فيمن يقلده الفضل بوصول أخباره إليه، ولا يقلده رمياً في عماية.
وأن لا يتتبع رخص المذاهب.
قال: والمذاهب كلها مسالك إلى الجنة، وطرق إلى الخيرات، فمن سلك منها طريقاً وصله.
قاعدة: انعقد الإجماع على أن من أسلم فله أن يقلد من شاء من العلماء، بغير حجر، وأجمع الصحابة رضوان الله عليهم على أن من استفتى أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، أو قلدهما، فله أن يستفتي أبا هريرة، ومعاذ بن جبل، وغيرهما، ويعمل بقولهم من غير نكير، فمن ادعى رفع هذين الإجماعين فعليه الدليل). [شرح تنقيح الفصول: (صـ 432)، وانظر "الفواكه الدواني" (1 /24)].
ويقول العز ابن عبد السلام: (له أن يقلد في كل مسألة من شاء من الأئمة، ولا يتعين عليه إذا قلد إماماً في مسألة، أن يقلده في سائر مسائل الخلاف، لأن الناس من لدن الصحابة رضي الله عنهم، إلى أن ظهرت المذاهب: يسألون فيما يسنح لهم ، العلماءَ المختلفين، من غير نكير من أحد). [فتاوى العز ابن عبد السلام: (صـ 25)].
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية – ناقلًا عن ابن حمدان ومقررًا له -: (من التزم مذهبا معينا ، ثم فعل خلافه من غير تقليد لعالم آخر أفتاه؛ ولا استدلال بدليل يقتضي خلاف ذلك، ومن غير عذر شرعي يبيح له ما فعله؛ فإنه يكون متبعا لهواه، وعاملًا بغير اجتهاد ولا تقليد، فاعلًا للمحرم بغير عذر شرعي؛ فهذا منكر.
وهذا المعنى هو الذي أورده الشيخ نجم الدين .
وقد نص الإمام أحمد وغيره على أنه ليس لأحد أن يعتقد الشيء واجبًا أو حرامًا، ثم يعتقده غير واجب ولا حرام؛ بمجرد هواه). [مجموع الفتاوى: (20 /220)].
وينظر أيضًا: الفتاوى الفقهية الكبرى، لابن حجر الهيتمي: (4 /325)، شرح الكوكب المنير: (4/ 577).
أبو البراء محمد علاوة
2019-04-25, 12:36 AM
لفضيلة الشيخ الدكتور يوسف الغفيص حفظه الله، كلام محرر مرتب حول مقاصد هذه المسألة، في محاضرته النافعة: (المنهجية في دراسة الفقه): (لقد تكونت في الأمة عدة مذاهب، ولكن الذي انضبط في ما بعد هي المذاهب الخمسة التي أشرت إليها سابقاً، ثم جاء -ولاسيما بعد القرن العاشر- من صرح بنقد التمذهب، ونحن نقول: هل التمذهب نوع من التدين أم أنه نوع من الترتيب العلمي؟
لقد كان التمذهب في أصله ترتيبًا علميًا، بمعنى: أنك إذا قلت: إن فلانًا من الشافعية، أو الحنفية، أو إن ابن عبد البر مالكي، فإن معنى ذلك: أنه على أصول الإمام مالك في الاستدلال؛ لأنه سبق معنا أن الأدلة: الكتاب والسنة والإجماع، ثم ما يسمى بالأدلة المختلف فيها .
فهذا معنى التمذهب بصورته العلمية السائغة الذي هو من باب التراتيب العلمية، أي: أن جماعةً من أهل العلم اختاروا أصول فقه الشافعي، وجماعةً أخرى اختاروا أصول فقه أحمد أو أهل الحديث من البغداديين ونحوهم، وجماعةً أخرى اختاروا أصول فقه الإمام مالك .. وهكذا.
فإذا فهم التمذهب على هذا الوجه فهو من باب التراتيب العلمية .
وهل هذا هو الذي وقع في التاريخ أم أن الذي وقع هو التعصب؟
نقول: لقد وقع في التاريخ هذا وذاك، فكما أن ثمة محققين من أصحاب الأئمة الأربعة يسمون مذهبيين، على هذا المعنى السابق الذي ليس هو من باب التدين والتعصب، وإنما من باب التراتيب العلمية والاختيار في الاجتهاد، فكذلك وُجد المتمذهبون المتعصبون.
ولذلك إذا قيل: هل ينكر التمذهب أو لا ينكر؟
قيل: بحسب المقصود: أما من ينكر التمذهب جملةً وتفصيلاً فيقول: إنه لا يجوز لعالم أن يقول: إنه حنبلي أو شافعي، حتى وإن قصد أنه يختار أصول الاستدلال عند الشافعي، ويقدمها على أصول الاستدلال عند مالك، بمعنى: أنه مثلاً لا يستعمل إجماع أهل المدينة، خلافاً للمالكي الذي يستعمل إجماع أهل المدينة، فيبني فقهه على أصول الإمام الشافعي ، فإن هذا التمذهب بهذا المفهوم بدعة أو ضلالة. فهذا تقحم في المسائل ..؛ لأنه يخالف إجماع الأمة في قرون مضت؛ لأنك وإن قلت: إنه وجد من العلماء من لم يتمذهب، فإنه لم ينقل عن عالم في جملة من قرون الأمة أنه صرح بإنكار التمذهب على هذا المفهوم.
ثم إن التمذهب بهذه الصورة، والذي هو اقتفاء بعض أصول الفقه عند فلان أو فلان، لم ينشأ مع المذاهب الأربعة، بل نص الشافعي في رسالته، وقال: كان كثير من المكيين أو أكثرهم لا يخرجون عن قول عطاء، وكان كثير من أهل المدينة لا يخرجون عن قول سعيد بن المسيب، ثم لما ظهر فيهم مالك واشتهر علمه، بدؤوا يتبعون الإمام مالك، قال: وكان أهل العراق يأخذون بقول النخعي.
فكان هذا أمرًا معروفًا عند العلماء، ولذلك إذا قرأت في كتب العلم المطولة، أو ما يتعلق ببعض الفقهيات؛ تجد أن مالكاً في الموطأ، أو في جواباته في المدونة ربما علل كثيراً من جوابه بقوله: أدركنا العلماء على ذلك..
أما إذا تحول التمذهب إلى أن هذا المذهب هو الراجح وما عداه يكون مرجوحًا، أو تقديم قول الحنابلة على الشافعية مطلقًا، أو التعصب، أو هجر السنن النبوية تقديماً للمذاهب الفقهية؛ فلا شك أن هذا تمذهب مذموم في شريعة الله، وبإجماع أئمة المسلمين المتقدمين).
انتهى باختصار من : https://al-maktaba.org/book/33674/48
أبو البراء محمد علاوة
2019-06-17, 04:32 PM
جوابًا على من تشدق بقول: (الراجح بدعة اصطناعية):
[مسألة من التزم مذهبا أنكر عليه مخالفته بغير دليل أو تقليد أو عذر آخر]
1044 - 20 مسألة:
وردت هذه المسألة من أصبهان على الشيخ الإمام العالم شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية، وسئل أن يشرح ما ذكره نجم الدين بن حمدان في آخر كتاب الرعاية وهو قوله: " من التزم مذهبا أنكر عليه مخالفته بغير دليل أو تقليد أو عذر آخر ".
ويبين لنا ما أشكل علينا من كون بعض المسائل يذكر فيها في الكافي والمحرر والمقنع والرعاية والخلاصة والهداية روايتان أو وجهان ولم يذكر الأصح والأرجح، فلا ندري بأيهما نأخذ، وإن سألونا عنه أشكل علينا؟ .
أجاب: الحمد لله.
أما هذه الكتب التي يذكر فيها روايتان أو وجهان ولا يذكر فيها الصحيح فطالب العلم يمكنه معرفة ذلك من كتب أخرى، مثل: كتاب التعليق للقاضي أبي يعلى، والانتصار لأبي الخطاب، وعمدة الأدلة لابن عقيل؛ وتعليق القاضي يعقوب البرزيني وأبي الحسن الزاغوني، وغير ذلك من الكتب الكبار التي يذكر فيها مسائل الخلاف ويذكر فيها الراجح.
وقد اختصرت رءوس مسائل هذه الكتب في كتب مختصرة مثل: رءوس المسائل للقاضي أبي يعلى، ورءوس المسائل للشريف أبي جعفر، ورءوس المسائل لأبي الخطاب، ورءوس المسائل للقاضي أبي الحسين، وقد نقل عن الشيخ أبي البركات صاحب المحرر أنه كان يقول لمن يسأله عن ظاهر مذهب أحمد أنه ما رجحه أبو الخطاب في رءوس مسائله.
ومما يعرف منه ذلك: كتاب المغني للشيخ أبي محمد، وكتاب شرح الهداية لجدنا أبي البركات.
وقد شرح الهداية غير واحد كأبي حليم النهرواني، وأبي عبد الله بن تيمية صاحب التفسير الخطيب عم أبي البركات وأبي المعالي بن المنجا، وأبي البقاء النحوي، لكن لم يكمل ذلك.
وقد اختلف الأصحاب فيما يصححونه فمنهم من يصحح رواية ويصحح آخرون رواية فمن عرف ذلك نقله ومن ترجح عنده قول واحد على قول آخر اتبع القول الراجح، ومن كان مقصوده نقل مذهب أحمد نقل ما ذكروه من اختلاف الروايات والوجوه والطرق.
كما ينقل أصحاب الشافعي وأبي حنيفة ومالك مذاهب الأئمة فإنه في كل مذهب من اختلاف الأقوال عن الأئمة واختلاف أصحابهم في معرفة مذهبهم ومعرفة الراجح شرعا ما هو معروف.
ومن كان خبيرًا بأصول أحمد ونصوصه عرف الراجح في مذهبه في عامة المسائل وإن كان له بصر بالأدلة الشرعية عرف الراجح في الشرع وأحمد كان أعلم من غيره بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولهذا لا يكاد يوجد له قول يخالف نصا كما وجد لغيره، ولا يوجد له قول ضعيف في الغالب إلا وفي مذهبه قول يوافق القول الأقوى وأكثر مفاريده التي لم يختلف فيها مذهبه يكون قوله فيها راجحًا كقوله بجواز فسخ الإفراد والقران إلى التمتع، وقبوله شهادة أهل الذمة على المسلمين عند الحاجة كالوصية في السفر، وقوله بتحريم نكاح الزانية حتى تتوب، وقوله بجواز شهادة العبد وقوله بأن السنة للمتيمم أن يمسح الكوعين بضربة واحدة، وقوله: في المستحاضة بأنها تارة ترجع إلى العادة وتارة ترجع إلى التمييز وتارة ترجع إلى غالب عادات النساء، فإنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها ثلاث سنن عمل بالثلاثة أحمد دون غيره.
وقوله: بجواز المساقاة والمزارعة على الأرض البيضاء والتي فيها شجر وسواء كان البذر منهما أو من أحدهما وجواز ما يشبه ذلك وإن كان من باب المشاركة ليس من باب الإجارة ولا هو على خلاف القياس ونظير هذا كثير.
وأما ما يسميه بعض الناس مفردة لكونه انفرد بها عن أبي حنيفة والشافعي مع أن قول مالك فيها موافق لقول أحمد أو قريب منه وهي التي صنف لها الهراسي ردا عليها وانتصر لها جماعة، كابن عقيل، والقاضي أبي يعلى الصغير، وأبي الفرج بن الجوزي، وأبي محمد بن المثنى، فهذه غالبها يكون قول مالك وأحمد أرجح من القول الآخر وما يترجح فيها القول الآخر يكون مما اختلف فيه قول أحمد وهذا كإبطال الحيل المسقطة للزكاة والشفعة. ونحو ذلك الحيل المبيحة للربا والفواحش ونحو ذلك.
وكاعتبار المقاصد والنيات في العقود والرجوع في الأيمان إلى سبب اليمين وما هيجها مع نية الحالف وكإقامة الحدود على أهل الجنايات كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفاؤه الراشدون يقيمونها كما كانوا يقيمون الحد على الشارب برائحة والقيء ونحو ذلك، وكاعتبار العرف في الشروط وجعل الشرط العرفي كالشرط اللفظي والاكتفاء في العقود المطلقة بما يعرفه الناس وأن ما عده الناس بيعا فهو بيع وما عدوه إجارة فهو إجارة وما عدوه هبة فهو هبة وما عدوه وقفا فهو وقف لا يعتبر فيه لفظ معين ومثل هذا كثير). [الفتاوى الكبرى: (5/ 92 - 94)].
أبو البراء محمد علاوة
2019-06-17, 04:49 PM
[فصل من التزم مذهبا أنكر عليه مخالفته بغير دليل، أو تقليد، أو عذر آخر فهذا يراد به شيئان]
فصل: وأما قول الشيخ نجم الدين بن حمدان: من التزم مذهبًا أنكر عليه مخالفته بغير دليل، أو تقليد، أو عذر آخر فهذا يراد به شيئان:
أحدهما: أن من التزم مذهبا معينا ثم فعل خلافه من غير تقليد لعالم آخر أفتاه ولا استدلال بدليل يقتضي خلاف ذلك، ومن غير عذر شرعي يبيح له فعله.
فإنه يكون متبعا لهواه وعاملًا بغير اجتهاد ولا تقليد فاعلًا للتحريم بغير عذر شرعي وهذا منكر.
وهذا المعنى هو الذي أراد الشيخ نجم الدين.
وقد نص الإمام أحمد وغيره على أنه ليس لأحد أن يعتقد الشيء واجبًا، أو حرامًا ثم يعتقده غير واجب، أو محرم بمجرد هواه مثل أن يكون طالبًا لشفعة الجوار فيعتقدها أنها حق له ثم إذا طلبت منه شفعة الجوار اعتقدها أنها ليست ثابتة، أو مثل من يعتقد إذا كان أخا مع جد أن الإخوة تقاسم الجد فإذا صار جدا مع أخ اعتقد أن الجد لا يقاسم الإخوة، أو إذا كان له عدو يفعل بعض الأمور المختلف فيها، كشرب النبيذ المختلف فيه، ولعب الشطرنج، وحضور السماع اعتقد أن هذا ينبغي أن يهجر وينكر عليه فإذا فعل ذلك صديقه اعتقد ذلك أن هذا من مسائل الاجتهاد التي لا تنكر فمثل هذا ممن يكون في اعتقاده حل الشيء وحرمته ووجوبه وسقوطه بسبب هواه هو مذموم مجروح خارج عن العدالة وقد نص أحمد وغيره على أن هذا لا يجوز.
وأما إذا تبين له ما يوجب رجحان قول على قول إما بالأدلة المفصلة إن كان يعرفها ويفهمها وإما بأن ترى أحد رجلين أعلم بتلك المسألة من الآخر، أو هو أتقى لله فيما يقول فيرجع عن قول إلى قول لمثل هذا فهذا يجوز بل يجب.
وقد نص الإمام أحمد على ذلك، وما ذكره ابن حمدان المراد به القسم الأول.
ولهذا قال من التزم مذهبًا أنكر عليه مخالفته بغير دليل، أو تقليد يسوغ له أن يقلد في خلافه أو عذر شرعي أباح المحظور الذي يباح بمثل ذلك العذر لم ينكر عليه.
وهنا مسألة ثانية قد يظن أنه أرادها ولم يردها لكنا نتكلم على تقدير إرادتها وهو أن من التزم مذهبًا لم يكن له أن ينتقل عنه، قاله بعض أصحاب أحمد وكذلك غير هذا ما يذكره ابن حمدان وغيره يكون مما قاله بعض أصحابه وإن لم يكن منصوصًا عنه، وكذلك ما يوجد في كتب أصحاب الشافعي ومالك وأبي حنيفة كثير منه يكون مما ذكره بعض أصحابهم وليس منصوصا عنهم، بل قد يكون خلاف ذلك.
وأصل هذه المسألة أن العامي هل عليه أن يلتزم مذهبًا معينًا يأخذ بعزائمه ورخصه.
فيه وجهان لأصحاب أحمد، وهما وجهان لأصحاب الشافعي، والجمهور من هؤلاء وهؤلاء لا يوجبون ذلك، والذين أوجبوه يقولون إذا التزمه لم يكن له أن يخرج عنه ما دام ملتزمًا له، أو ما لم يتبين له أن غيره أولى بالالتزام منه.
ولا ريب أن التزام المذاهب والخروج عنها إن كان لغير أمر ديني مثل أن يلتزم مذهبا لحصول غرض دنيوي من مال أو جاه ونحو ذلك فهذا مما لا يحمد عليه بل يذم عليه في نفس الأمر ولو كان ما انتقل إليه خيرًا مما انتقل عنه وهو بمنزلة من يسلم لا يسلم إلا لغرض دنيوي أو يهاجر من مكة إلى المدينة لامرأة يتزوجها أو دنيا يصيبها.
وقد كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل هاجر إلى امرأة يقال لها أم قيس فكان يقال له مهاجر أم قيس، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر في الحديث الصحيح: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه» .
وأما إن كان انتقاله من مذهب إلى مذهب لأمر ديني، مثل أن يتبين له رجحان قول على قول فرجع إلى القول الذي يرى أنه أقرب إلى الله ورسوله فهو مثاب على ذلك، بل واجب على كل أحد إذا تبين له حكم الله ورسوله في أمر أن لا يعدل ولا يتبع أحدا في مخالفة حكم الله ورسوله، فإن الله فرض طاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - على كل أحد في كل حال، فقال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء: 65] وقال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} [آل عمران: 31] وقال تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} [الأحزاب: 36] .
وقد صنف الإمام أحمد كتابًا في طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهذا متفق عليه بين أئمة المسلمين.
فطاعة الله ورسوله، وتحليل ما أحله الله ورسوله، وتحريم ما حرمه الله ورسوله، وإيجاب ما أوجبه الله ورسوله واجب على جميع الثقلين الإنس والجن واجب على كل أحد في كل حال سرا وعلانية، لكن لما كان من الأحكام ما لا يعرفه كثير من الناس رجع الناس في ذلك إلى من يعلمهم ذلك، لأنه أعلم بما قال الرسول وأعلم بمراده.
فأئمة المسلمين الذين اتبعوهم وسائل وطرق وأدلة بين الناس وبين الرسول يبلغونهم ما قاله ويفهمونهم مراده بحسب اجتهادهم واستطاعتهم وقد يخص الله هذا العالم من العلم والفهم ما ليس عند الآخر.
وقد يكون عند ذلك في مسألة أخرى من العلم ما ليس عند هذا، وقد قال تعالى: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين} [الأنبياء: 78] {ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما} [الأنبياء: 79] .
فهذان نبيان كريمان حكما في قضية واحدة فخص الله أحدهما بالفهم وأثنى على كل منهما «والعلماء ورثة الأنبياء» واجتهاد العلماء في الأحكام كاجتهاد المستدلين على جهة الكعبة، فإذا كان أربعة أنفس يصلي كل واحد بطائفة إلى أربع جهات لاعتقادهم أن الكعبة هناك، فإن صلاة الأربعة صحيحة، والذي صلى إلى جهة الكعبة واحد وهو المصيب الذي له أجران، كما في الصحيح، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجر» .
وأكثر الناس إنما التزموا المذاهب بل الأديان بحكم ما تبين لهم فإن الإنسان ينشأ على دين أبيه، أو سيده، أو أهل بلده كما يتبع الطفل في الدين أبويه وسادته وأهل بلده، ثم إذا بلغ الرجل فعليه أن يلتزم طاعة الله ورسوله، حيث كانت ولا يكون ممن إذا قيل لهم: اتبعوا ما أنزل الله، قالوا: بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، فكل من عدل عن اتباع الكتاب والسنة وطاعة الله ورسوله إلى عادته وعادة أبيه وقومه فهو من أهل الجاهلية المستحقين للوعيد، وكذلك من تبين له في مسألة من المسائل الحق الذي بعث الله به رسوله ثم عدل عنه إلى عادته فهو من أهل الذم والعقاب.
وأما من كان عاجزًا عن معرفة ما أمر الله به ورسوله، وقد اتبع فيها من هو من أهل العلم والدين ولم يتبين له أن قول غيره أرجح من قوله فهو محمود مثاب، لا يذم على ذلك ولا يعاقب.
وإن كان قادرًا على الاستدلال ومعرفة ما هو الراجح ولو في بعض المسائل، فعدل عن ذلك إلى التقليد، فهذا قد اختلف فيه، فمذهب أحمد المنصوص عنه الذي عليه أصحابه أن هذا آثم أيضًا، وهذا مذهب الشافعي وأصحابه، وحكي عن محمد بن الحسن وغيره: أنه يجوز له التقليد قيل مطلقًا، وقيل: يجوز تقليد الأعلم.
وحكى بعضهم هذا عن أحمد كما ذكره أبو إسحاق في اللمع وهذا غلط على أحمد، فإن أحمد إنما يقول هذا في الصحابة فقط على اختلاف عنه في ذلك.
وأما مثل مالك والشافعي وسفيان، ومثل إسحاق بن راهويه وأبي عبيد فقد نص في غير موضع على أنه لا يجوز للعالم القادر على الاستدلال أن يقلدهم وقال: لا تقلدوني ولا تقلدوا مالكًا ولا الشافعي ولا الثوري وكان يحب الشافعي ويثني عليه، ويحب إسحاق ويثني عليه، ويثني على مالك والثوري وغيرهما من الأئمة، ويأمر العامي بأن يستفتي إسحاق وأبا عبيد وأبا ثور وأبا مصعب، وينهى العلماء من أصحابه، كأبي داود، وعثمان بن سعيد، وإبراهيم الحربي، وأبي بكر الأثرم، وأبي زرعة، وأبي حاتم السجستاني، ومسلم، وغير هؤلاء أن لا يقلدوا أحدا من العلماء ويقول عليكم بالأصل بالكتاب والسنة. [الفتاوى الكبرى: (5/ 94 - 98)].
أبو البراء محمد علاوة
2019-06-26, 04:10 AM
قال ابن عبد البر رحمه الله: (لم يبلغنا عن أحد من الأئمة أنه أمر أصحابه بالتزام مذهب معين لا يرى صحة خلافه، بل المنقول عنهم تقريرهم الناس على العمل بفتوى بعضهم بعضا، لأنهم كانوا على هدى من ربهم، ولم يبلغنا في حديث صحيح ولا ضعيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أحدا من الأمة بالتزام مذهب معين لا يرى خلافه).
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.