أبو حمزة مأمون السوري
2016-04-01, 12:10 AM
تعقيب على محقق تفسير الطبري ( إسلام بن منصور )
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه
أما بعد
فأثناء تصفحي للمجلد العاشر من تفسير الطبري ( تحقيق : إسلام بن منصور سدده الله ) وقفت على كلام سيء جدا سوَّد به المحقق حاشيةً من حواشيه على هذا السفر العظيم .
ففي (10/442) قال الطبري : حدثنا الربيع، قال: ثنا ابن وهب، عن سليمان بن بلال، عن شريك بن أبي نمر، قال: سمعت أنس بن مالك يحدثنا عن ليلة المسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم "أنه عرج جبرائيل برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة، ثم علا به بما لا يعلمه إلا الله ، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار ربّ العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى الله إليه ما شاء ، فأوحى الله إليه فيما أوحى خمسين صلاة على أمته كلّ يوم وليلة، وذكر الحديث".
فعلق المحقق بنقولات قصد منها استنكار هذه الرواية وتعصيب الجناية بشريك لأنه تفرد بأشياء لا يحتمل تفرده بها
وهذا كله أمر مقبول إن شاء الله
غير أن سقطة المحقق هداه الله تكمن في اختياره كلاما مستوحشا حوى تعطيلاً لصفات الله عزَّ وجل – دونأي تعقيب عليه !! - .
وأسرد هاهنا إن شاء الله هذه النقول وأبين كوامنها (1)
قال ابن حجر : قال الخطابي : ليس في هذا الكتاب يعني صحيح البخاري حديث أشنع ظاهراً ولا أشنع مذاقاً من هذا الفصل , فإنه يقتضي تحديد المسافة بين أحد المذكورين وبين الآخر , وتمييز مكان كل واحد منهما , هذا إلى ما في التدلي من التشبيه والتمثيل له بالشيء الذي تعلق من فوق إلى أسفل .اهـ
قلت : وصفه للحديث بالشناعة نتج عن عقيدته في تعطيل الصفات إذ لم يتحمل وصف الله بالتدلي ،
بينما نحن أهل السنة لو ثبت عندنا الحديث لأثبتناه وأثبتنا الصفة التي وردت فيه كغيرها من صفات الله سبحانه وتعالى بلا تكييف ولا تمثيل.
قال الإمام أحمد رحمه الله كما في لمعة الاعتقاد : ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت، ولا نتعدى القرآن والحديث .اهـ
وأما قوله : فإنه يقتضي تحديد المسافة بين .. .
وهذا أيضا مبني على عقيدة الأشاعرة في نفي علو الله , فلو كان الله في مكان معين كما هو عند أهل السنة لاقتضى ذلك وجود مسافة معينة بينه وبين أي شي من خلقه
وأما وصف الله بأنه في مكان
فقد قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي قدس الله روحه : بَلْ هُوَ عَلَى عَرْشِهِ، فَوْقَ جَمِيعِ الْخَلَائِقِ (( فِي أَعْلَى مَكَانٍ وَأَطْهَرِ مَكَانٍ ))، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {هُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} .اهـ
وأما تحديد المسافة بينه وبين خلقه
قال البخاري رحمه الله : 7514 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى قَالَ يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ أَعَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ وَيَقُولُ عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ فَيُقَرِّرُهُ ثُمَّ يَقُولُ إِنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ .
فما معنى كلمة (يدنو) إن لم تكن ثمة مسافة ؟! ومن ماذا يدنو العبد ؟!
وقال الدارمي رحمه الله في النقض : فَيُقَالُ لِهَذَا الْمُعَارِضِ الْمُدَّعِي مَا لَا عِلْمَ لَهُ : مَنْ أَنْبَأَكَ أَنَّ رَأْسَ الْجَبَلِ لَيْسَ بِأَقْرَبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَسْفَلِهِ ؟؛ لِأَنَّهُ مَنْ آمَنَ بِأَنَّ اللَّهَ فَوْقَ عَرْشِهِ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّ رَأْسَ الْجَبَلِ أَقْرَبُ إِلَى اللَّهِ مِنْ أَسْفَلِهِ، وَأَنَّ السَّمَاءَ السَّابِعَةَ أَقْرَبُ إِلَى عَرْشِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ السَّادِسَةِ، وَالسَّادِسَةَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنَ الْخَامِسَةِ، ثُمَّ كَذَلِكَ إِلَى الْأَرْضِ. كَذَلِكَ رَوَى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ: "رَأْسُ الْمَنَارَةِ أَقْرَبُ إِلَى اللَّهِ مِنْ أَسْفَلِهِ" وَصَدَقَ ابْنُ الْمُبَارَكِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ إِلَى السَّمَاءِ أَقْرَبُ كَانَ إِلَى اللَّهِ أَقْرَبَ. وَقُرْبُ اللَّهِ إِلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ أَقْصَاهُم وأدناهم وَاحِد لَا يَبْعُدُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ. وَبَعْضُ الْخَلْقِ أَقْرَبُ مِنْ بَعْضٍ عَلَى نَحْوِ مَا فَسَّرْنَا مِنْ أَمْرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَكَذَلِكَ قُرْبُ الْمَلَائِكَةِ مِنَ اللَّهِ ، فَحَمَلَةُ الْعَرْشِ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ جَمِيعِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ فِي السَّمَوَاتِ ، وَالْعَرْشُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ، وَقُرْبُ اللَّهِ إِلَى جَمِيعِ ذَلِكَ وَاحِدٌ هَذَا مَعْقُولٌ مَفْهُومٌ إِلَّا عِنْدَ مَنْ لَا يُؤْمِنُ أَنَّ فَوْقَ الْعَرْشِ إِلَهًا , وَلِذَلِكَ سَمَّى الْمَلَائِكَةَ الْمُقَرَّبِينَ وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَه ُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} .اهـ
قال ابن حجر : ثم قال الخطابي وفي هذا الحديث لفظة أخرى تفرد بها شريك أيضاً لم يذكرها غيره وهي قوله فعلا به يعني جبريل إلى الجبار تعالى فقال وهو مكانه يا رب خفف عنا ، قال : والمكان لا يضاف إلى الله تعالى.اهـ
قلت : قد سبق دحض هذه المقالة من كلام الإمام الدارمي رحمه الله وهو أعلم بالله وصفاته من غيره !
ثم قال ابن حجر : وقد نقل القرطبي عن بن عباس أنه قال : دنا الله سبحانه وتعالى . قال : والمعنى (( دنا أمره وحكمه )) , ..إلخ(2)
قلت : وهذا تأويل آخر !
فلو ثبت الأثر لثبتت الصفة وتكون كغيرها من الصفات التي نثبتها حقيقة
قال الشيخ ابن سحمان رحمه الله في الضياء الشارق ص81 : ونعلم أن ما وصف الله به نفسه من ذلك فهو حق ليس فيه لغز ولا أحاجي، بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه، لا سيما إذا كان المتكلم أعلم الخلق بما يقول، وأفصح الخلق في بيان العلم، وأنصح الخلق في البيان والتعريف والدلالة والإرشاد.اهـ
ثم قال ابن حجر : وقد أزال العلماء إشكاله فقال القاضي عياض في الشفاء : إضافة الدنو والقرب إلى الله تعالى أو من الله ليس دنو مكان ولا قرب زمان (( وإنما هو بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم إبانة لعظيم منزلته وشريف رتبته وبالنسبة إلى الله عز وجل تأنيس لنبيه وإكرام له ويتأول فيه ما قالوه في : حديث ينزل ربنا إلى السماء وكذا في حديث من تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً)) .اهـ
وهذا النقل فيه عدة تأويلات فــ :
الأول : تأويل القرب المكاني من الله .
الثاني : تأويل حديث النزول .
الثالث : تأويل حديث "من تقرب مني شبراً"(2)
قال ابن حجر : وقال غيره الدنو : مجاز(3) عن القرب المعنوي لإظهار عظيم منزلته عند ربه تعالى والتدلي طلب زيادة القرب وقاب قوسين بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه و سلم عبارة عن لطف المحل وإيضاح المعرفة وبالنسبة إلى الله إجابة سؤاله ورفع درجته .اهـ
وهذا النقل أيضا في التعطيل والجرأة والسماجة كسالفه
هذا آخر التنبيهات ..
والظن بالأخ المحقق سدده الله أنه اغتر بكلامهم وتمويهاتهم .. ولا أظنه يعتقد هذه الأشياء البتة .. والمرجو منه أن ينبه هو بنفسه على هذا الخطأ ويزيله من الكتاب في الطبعات القادمة .
فالأمر كما قال لصدِّيق حسن خان كما في الدرر السنية (13/24) : أن ظاهر الصنيع، أنك أحسنت الظن ببعض المتكلمين، وأخذت من عباراتهم بعضاً بلفظه وبعضاً بمعناه، فدخل عليك شيء من ذلك، لم تمعن النظر فيها ; ولهم عبارات مزخرفة تتضمن الداء العضال .اهـ
وثمة تنبيهات مهمة أخرى أتمنى من الأخ إسلام بن منصور أن يتواصل معي في أقرب وقت ممكن حتى أطلعه عليها
nawwaf.aldfar@gmail.com
هذا وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد .
________
(1) بلاياها
(2) بعض السلف فسروا الحديث على أنه تقرب معنوي وليس بحسي ولكن يُنتَبه إلى اختلاف المأخذ بينهم وبين الجهمية فهم فسروها بذلك مراعاة للسياق مع إثباتهم لباقي صفات الكمال وأما الجهمية فسروها بالقرب المعنوي مراعاة لديانة التعطيل .
(3) هو صرف اللفظ من المعنى الراجح إلىالمرجوح بقرينة .
وتقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز أمر حادث , قال ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (7/87-88) : وبكل حال فهذا التقسيم هو اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة , لم يتكلم به أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان , ولا أحد من الأئمة المشهورين في العلم .اهـ
_______
أتممته ولله الحمد يوم الأربعاء
21 جمادى الأخرة 1437هـ
قبيل صلاة العصر.
كتبه : نواف الشمري
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه
أما بعد
فأثناء تصفحي للمجلد العاشر من تفسير الطبري ( تحقيق : إسلام بن منصور سدده الله ) وقفت على كلام سيء جدا سوَّد به المحقق حاشيةً من حواشيه على هذا السفر العظيم .
ففي (10/442) قال الطبري : حدثنا الربيع، قال: ثنا ابن وهب، عن سليمان بن بلال، عن شريك بن أبي نمر، قال: سمعت أنس بن مالك يحدثنا عن ليلة المسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم "أنه عرج جبرائيل برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة، ثم علا به بما لا يعلمه إلا الله ، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار ربّ العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى الله إليه ما شاء ، فأوحى الله إليه فيما أوحى خمسين صلاة على أمته كلّ يوم وليلة، وذكر الحديث".
فعلق المحقق بنقولات قصد منها استنكار هذه الرواية وتعصيب الجناية بشريك لأنه تفرد بأشياء لا يحتمل تفرده بها
وهذا كله أمر مقبول إن شاء الله
غير أن سقطة المحقق هداه الله تكمن في اختياره كلاما مستوحشا حوى تعطيلاً لصفات الله عزَّ وجل – دونأي تعقيب عليه !! - .
وأسرد هاهنا إن شاء الله هذه النقول وأبين كوامنها (1)
قال ابن حجر : قال الخطابي : ليس في هذا الكتاب يعني صحيح البخاري حديث أشنع ظاهراً ولا أشنع مذاقاً من هذا الفصل , فإنه يقتضي تحديد المسافة بين أحد المذكورين وبين الآخر , وتمييز مكان كل واحد منهما , هذا إلى ما في التدلي من التشبيه والتمثيل له بالشيء الذي تعلق من فوق إلى أسفل .اهـ
قلت : وصفه للحديث بالشناعة نتج عن عقيدته في تعطيل الصفات إذ لم يتحمل وصف الله بالتدلي ،
بينما نحن أهل السنة لو ثبت عندنا الحديث لأثبتناه وأثبتنا الصفة التي وردت فيه كغيرها من صفات الله سبحانه وتعالى بلا تكييف ولا تمثيل.
قال الإمام أحمد رحمه الله كما في لمعة الاعتقاد : ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت، ولا نتعدى القرآن والحديث .اهـ
وأما قوله : فإنه يقتضي تحديد المسافة بين .. .
وهذا أيضا مبني على عقيدة الأشاعرة في نفي علو الله , فلو كان الله في مكان معين كما هو عند أهل السنة لاقتضى ذلك وجود مسافة معينة بينه وبين أي شي من خلقه
وأما وصف الله بأنه في مكان
فقد قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي قدس الله روحه : بَلْ هُوَ عَلَى عَرْشِهِ، فَوْقَ جَمِيعِ الْخَلَائِقِ (( فِي أَعْلَى مَكَانٍ وَأَطْهَرِ مَكَانٍ ))، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {هُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} .اهـ
وأما تحديد المسافة بينه وبين خلقه
قال البخاري رحمه الله : 7514 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى قَالَ يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ أَعَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ وَيَقُولُ عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ فَيُقَرِّرُهُ ثُمَّ يَقُولُ إِنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ .
فما معنى كلمة (يدنو) إن لم تكن ثمة مسافة ؟! ومن ماذا يدنو العبد ؟!
وقال الدارمي رحمه الله في النقض : فَيُقَالُ لِهَذَا الْمُعَارِضِ الْمُدَّعِي مَا لَا عِلْمَ لَهُ : مَنْ أَنْبَأَكَ أَنَّ رَأْسَ الْجَبَلِ لَيْسَ بِأَقْرَبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَسْفَلِهِ ؟؛ لِأَنَّهُ مَنْ آمَنَ بِأَنَّ اللَّهَ فَوْقَ عَرْشِهِ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّ رَأْسَ الْجَبَلِ أَقْرَبُ إِلَى اللَّهِ مِنْ أَسْفَلِهِ، وَأَنَّ السَّمَاءَ السَّابِعَةَ أَقْرَبُ إِلَى عَرْشِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ السَّادِسَةِ، وَالسَّادِسَةَ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنَ الْخَامِسَةِ، ثُمَّ كَذَلِكَ إِلَى الْأَرْضِ. كَذَلِكَ رَوَى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ: "رَأْسُ الْمَنَارَةِ أَقْرَبُ إِلَى اللَّهِ مِنْ أَسْفَلِهِ" وَصَدَقَ ابْنُ الْمُبَارَكِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ إِلَى السَّمَاءِ أَقْرَبُ كَانَ إِلَى اللَّهِ أَقْرَبَ. وَقُرْبُ اللَّهِ إِلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ أَقْصَاهُم وأدناهم وَاحِد لَا يَبْعُدُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ. وَبَعْضُ الْخَلْقِ أَقْرَبُ مِنْ بَعْضٍ عَلَى نَحْوِ مَا فَسَّرْنَا مِنْ أَمْرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَكَذَلِكَ قُرْبُ الْمَلَائِكَةِ مِنَ اللَّهِ ، فَحَمَلَةُ الْعَرْشِ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ جَمِيعِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ فِي السَّمَوَاتِ ، وَالْعَرْشُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ، وَقُرْبُ اللَّهِ إِلَى جَمِيعِ ذَلِكَ وَاحِدٌ هَذَا مَعْقُولٌ مَفْهُومٌ إِلَّا عِنْدَ مَنْ لَا يُؤْمِنُ أَنَّ فَوْقَ الْعَرْشِ إِلَهًا , وَلِذَلِكَ سَمَّى الْمَلَائِكَةَ الْمُقَرَّبِينَ وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَه ُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} .اهـ
قال ابن حجر : ثم قال الخطابي وفي هذا الحديث لفظة أخرى تفرد بها شريك أيضاً لم يذكرها غيره وهي قوله فعلا به يعني جبريل إلى الجبار تعالى فقال وهو مكانه يا رب خفف عنا ، قال : والمكان لا يضاف إلى الله تعالى.اهـ
قلت : قد سبق دحض هذه المقالة من كلام الإمام الدارمي رحمه الله وهو أعلم بالله وصفاته من غيره !
ثم قال ابن حجر : وقد نقل القرطبي عن بن عباس أنه قال : دنا الله سبحانه وتعالى . قال : والمعنى (( دنا أمره وحكمه )) , ..إلخ(2)
قلت : وهذا تأويل آخر !
فلو ثبت الأثر لثبتت الصفة وتكون كغيرها من الصفات التي نثبتها حقيقة
قال الشيخ ابن سحمان رحمه الله في الضياء الشارق ص81 : ونعلم أن ما وصف الله به نفسه من ذلك فهو حق ليس فيه لغز ولا أحاجي، بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه، لا سيما إذا كان المتكلم أعلم الخلق بما يقول، وأفصح الخلق في بيان العلم، وأنصح الخلق في البيان والتعريف والدلالة والإرشاد.اهـ
ثم قال ابن حجر : وقد أزال العلماء إشكاله فقال القاضي عياض في الشفاء : إضافة الدنو والقرب إلى الله تعالى أو من الله ليس دنو مكان ولا قرب زمان (( وإنما هو بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم إبانة لعظيم منزلته وشريف رتبته وبالنسبة إلى الله عز وجل تأنيس لنبيه وإكرام له ويتأول فيه ما قالوه في : حديث ينزل ربنا إلى السماء وكذا في حديث من تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً)) .اهـ
وهذا النقل فيه عدة تأويلات فــ :
الأول : تأويل القرب المكاني من الله .
الثاني : تأويل حديث النزول .
الثالث : تأويل حديث "من تقرب مني شبراً"(2)
قال ابن حجر : وقال غيره الدنو : مجاز(3) عن القرب المعنوي لإظهار عظيم منزلته عند ربه تعالى والتدلي طلب زيادة القرب وقاب قوسين بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه و سلم عبارة عن لطف المحل وإيضاح المعرفة وبالنسبة إلى الله إجابة سؤاله ورفع درجته .اهـ
وهذا النقل أيضا في التعطيل والجرأة والسماجة كسالفه
هذا آخر التنبيهات ..
والظن بالأخ المحقق سدده الله أنه اغتر بكلامهم وتمويهاتهم .. ولا أظنه يعتقد هذه الأشياء البتة .. والمرجو منه أن ينبه هو بنفسه على هذا الخطأ ويزيله من الكتاب في الطبعات القادمة .
فالأمر كما قال لصدِّيق حسن خان كما في الدرر السنية (13/24) : أن ظاهر الصنيع، أنك أحسنت الظن ببعض المتكلمين، وأخذت من عباراتهم بعضاً بلفظه وبعضاً بمعناه، فدخل عليك شيء من ذلك، لم تمعن النظر فيها ; ولهم عبارات مزخرفة تتضمن الداء العضال .اهـ
وثمة تنبيهات مهمة أخرى أتمنى من الأخ إسلام بن منصور أن يتواصل معي في أقرب وقت ممكن حتى أطلعه عليها
nawwaf.aldfar@gmail.com
هذا وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد .
________
(1) بلاياها
(2) بعض السلف فسروا الحديث على أنه تقرب معنوي وليس بحسي ولكن يُنتَبه إلى اختلاف المأخذ بينهم وبين الجهمية فهم فسروها بذلك مراعاة للسياق مع إثباتهم لباقي صفات الكمال وأما الجهمية فسروها بالقرب المعنوي مراعاة لديانة التعطيل .
(3) هو صرف اللفظ من المعنى الراجح إلىالمرجوح بقرينة .
وتقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز أمر حادث , قال ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (7/87-88) : وبكل حال فهذا التقسيم هو اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة , لم يتكلم به أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان , ولا أحد من الأئمة المشهورين في العلم .اهـ
_______
أتممته ولله الحمد يوم الأربعاء
21 جمادى الأخرة 1437هـ
قبيل صلاة العصر.
كتبه : نواف الشمري