المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نظرية الكسب عند الأشاعرة ونقضها



أبو البراء محمد علاوة
2015-11-15, 07:05 PM
نظرية الكسب عند الأشاعرة ونقضها


بسم الله الرحمن الرحيم

ورد في جوهرة التوحيد (ص113) تعريف الأشاعرة للقضاء بأنه: "إرادة الله الأشياء في الأزل على ما هي عليه فيما لا يزال" وجاء في تعريف القدر: "إيجاء الله الأشياء على قدر مخصوص ووجه معين أراده تعالى".

قال الباجوري: "فالقضاء والقدر راجعان لما تقدم من العلم والإرادة وتعلق القدرة" وبهذا القول يتفق الأشاعرة مع أهل السنة والجماعة في إثبات مراتب القدر.

أما أفعال العباد - وهو أصل الخلاف في القدر - فقد إتفقت الأشاعرة مع أهل السنة في وجه وخالفتهم في وجه آخر، إذ أن أفعال العباد لها متعلقان - بالله وبالعبد -:

الأول: بالله، فهذا القدر هو القدر المتفق بين أهل السنة والاشاعرة على أن الله خالق أفعال العباد.

الثاني: بالعبد، وهنا وقع الخلاف بين أهل السنة والأشاعرة، من حيث إثبات تأثير قدرة العبد على الأفعال.

فالأشاعرة تتفق مع أهل السنة والجماعة في القول بأن الله خالق أفعال العباد، ووقع الخلاف في مسألة تعلق الأفعال بالعباد.

فهم بنوا نظريتهم في الكسب وقدرة العبد على أصول غير مسلمة، وهي:


أولاً: الفعل هو المفعول.

والأشاعرة أطردت أصلاً فاسداً في توحيد الأسماء والصفات، أثرت على هذه المسألة، إذ جعلوا الفعل هو المفعول، ويظهر تأثير هذا الأصل في مسألة أفعال العباد عند إيراد هذا السؤال عليهم: هل أفعال العباد فعل العبد؟ وقد تخبطوا في الإجابة، وانقسموا إلى ثلاثة أقوال:

جمهورهم قالوا: هي كسب العبد لا فعله، ولم يفرقوا بين الكسب والفعل بفرق محقق.

ومنهم من قال: بل هي فعل بين فاعلين، وهو قول الغزالي.

ومنهم من قال: بل الرب فعل ذات الفعل والعبد صفته، وهذا قول الباقلاني.

انظر: مجموع الفتاوى (2/119) بتصرف.

إذ "أن من المستقر في فطر الناس، أن من فعل العدل فهو عادل ومن فعل الظلم فهو ظالم، ومن فعل الكذب فهو كاذب، فإذا لم يكن العبد فاعلاً لكذبه وظلمه وعدله، بل الله فاعل ذلك لزم أن يكون هو المتصف بالكذب والظلم"، وهذا من أعظم الباطل، ولست أدري كيف تجيب الأشاعرة المعتزلة في مسألة الكلام وأن من قام به الكلام فهو المتكلم، وأن الكلام إذا كان مخلوقاً كان كلاماً للمحل الذي خلقه فيه، فكذلك إرادة العبد وقدرته.

كما أن الشرع والعقل متفقان على أن العبد يحمد ويذم على فعله، ويكون حسنه له أو سيئة، فلو لم يكن إلا فعل غيره لكان ذلك الغير هو المحمود المذموم عليها.

انظر: مجموع الفتاوى (8-119-120) بتصرف.


ثانياً: منع تأثير الأسباب في المسببات مطلقاً.

تعتقد أهل السنة والجماعة بأن المسببات تحدث بالأسباب مع القول بأن الأسباب والمسببات مخلوقة لله تعالى وربطها بمشيئة الله وقدرته.

في حين زعمت الأشاعرة بأن المسببات تحدث عند الأسباب.

وزعمهم هذا باطل، يبطله القرآن الكريم إذ ورد في غير موضع ذكر الأسباب وربطها بالمسببات، وهي كثيرة جداً ذكر الحافظ ابن القيم في (شفاء العليل ص316-317) و(مدارج السالكين 3/461) من أنواعها ما يلي:

1) كل موضع تضمن الشرط والجزاء أفاد سببية الشرط للجزاء، كقوله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}.

2) كل موضع رتب فيه الحكم الشرعي على وصف قبله بحرف أفاد التسبيب، كقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ}.

3) كل موضع ذكرت فيه الباء تعليلاً لما قبلها بما بعدها أفاد التسبيب، كقوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ}.

4) كل موضع صرح فيه بأن كذا جزاء لكذا أفاد التسبيب، كقوله تعالى: {أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

وعليه إن السبب إذا وجد فلابد أن يقع المسبب، وربط ذلك بمشيئة الله؛ إذ إنه قد ينعقد السبب التام ولا يقع مسببه إذا شاء الله عدم وقوعه، وقد حكى الحافظ اين القيم في (إعلام الموقعين 2/699) بوجود تأثير الأسباب في المسببات على "جواز بل وقوع سلب سببيتها عنها إذا شاء الله، ودفعها بأمور أخرى نظيرها أو أقوى منها مع بقاء مقتضى السببية فيها، كما تصرف كثير من أسباب الشر بالتوكل والدعاء والصدقة والذكر والاستغفار والعتق والصلة، وتصرف كثير من أسباب الخير بعد انعقادها بضد ذلك".

وهذا القول يبطل ما يلزم به الأشاعرة أهل السنة من إن إثبات التلازم بين الأسباب والمسببات يفضي إلى إنكار النبوات الثابتة بمعجزات الرسل.


ثالثاً: إنكار تأثير قدرة العبد في الفعل.

لقد وافقت الأشاعرة أهل السنة في إثبات خلق الله أفعال العباد الاختيارية والاضطرارية، إلا إنهم نسبوا فعل الإنسان الإختياري إليه كسباً لا خلقاً - وهذا إن كان حقاً ولكن أريد به باطلاً -، إذ إنهم عرفوا الكسب كما قال شارح أم البراهين (ص45) بأن: "الكسب مقارنة القدرة الحادثة للفعل من غير تأثير".

فهم بذلك ارادوا الفرار قول الجبرية فقالوا بالكسب، وهو إثبات للعبد اختياراً وقدرة حادثة.

كما إنهم أرادوا الفرار من قول المعتزلة، فقالوا بعدم تأثير قدرة العبد الحادثة في الفعل، فلا يوجد تأثير للأسباب في مسبباتها.

غير إن تفسيرهم للكسب بالاقتران باطل أساساً، فالكسب في اللغة هو الطلب والجمع (انظر: قاموس المحيط ص167)، وكذلك في القرآن كقوله تعالى: {أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} وقوله: {فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ} إذ استعمل في فعل الصالحات والسيئات.

كما إن فرارهم من قول المعتزلة أوقعم في الجبر المتوسط، وهذا ما دفع التفتازاني في (شرح المقاصد 4/263) إلى أن يقول: "فالإنسان مضطر في صورة المختار"، وقال الرازي في (محصل افكار المتقدمين والمتأخرين ص288) بعد ان أورد إشكالات على نظرية الكسب: "وعند هذا التحقيق يظهر أن الكسب اسم بلا مسمى"، وهذا حقيقة قولهم إذ يلزم مقارنة القدرة الحادثة للفعل القول بتكليف العاجز؛ لأن هذه المقارنة لا تؤثر أصلاً. إذ أن إثبات الأشعرة مقارنة القدرة الحادثة للفعل ليس بشيء ولا طائل تحته، إذ لا مزية من إثباتها ما لم تؤثر في الفعل أصلاً.

لذلك أثبت شيخ الإسلام ابن تيمية في غير موضع أن مسألة الكسب عند الأشاعرة لا حقيقة له، إذ ما دام العبد ليس بفاعل، ولا له قدرة مؤثرة في الفعل فالزعم بأنه كاسب، وتسمية فعله كسباً لا حقيقة له؛ لأنه القائل بذلك لا يستطيع أن يوجد فرقاً بين الفعل الذي نفاه عن العبد، والكسب الذي أثبته له، وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية بأن قولهم هذا قريب من الجبر الذي صرح به الجهم.

كما أن القرآن مملوء بذكر إضافة أفعال العباد إليهم، كقوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ} ونحو ذلك كثير جداً.

هذا والله ولي التوفيق.

الفقير إلى الله الغني الحميد/ أبو إبراهيم الرئيسي

http://www.muslm.org/vb/showthread.php?252217-%D9%86%D8%B8%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B3%D8%A8-%D8%B9%D9%86%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B4%D8%A7 %D8%B9%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D9%86%D9%82%D8%B6%D9%87 %D8%A7

أبو البراء محمد علاوة
2015-11-15, 07:09 PM
أفعال العباد عند الأشاعرة


وافق الأشاعرة أهل السنة في مسألة خلق أفعال العباد الاختيارية والاضطرارية فقالوا: إنها مخلوقة لله تعالى، ولم تختلف عبارتهم في ذلك.
قال صاحب الجوهرة:



فخالق لعبده وما عمل



موفق لمن أراد أن يصل (1)







وأقاموا الأدلة النقلية والعقلية على صحة هذا القول.
ولكنهم خالفوا أهل السنة في بعض فروع هذه المسألة، ومن ذلك: هل العبد فاعل لفعله حقيقة أو لا؟
فالأشعرية نسبوا فعل الإنسان الاختياري إليه كسباً لا خلقاً، وهذا صحيح، ولكنهم اضطربوا في هذا الكسب الذي أثبتوه للعبد واختلفت عبارتهم فيه.
والتفسير المستقر عندهم الآن هو كما قال شارح أم البراهين: "والكسب مقارنة القدرة الحادثة للفعل من غير تأثير" (2) .
وحاولوا بهذا التفسير التوسط بين الجبرية والمعتزلة، فقالوا بالكسب فراراً من قول الجبرية، وزعموا أنهم بهذا الكسب يثبتون للعبد اختياراً !، وقالوا بعدم تأثير قدرة العبد الحادثة في الفعل فراراً من قول المعتزلة وتحقيقاً تاماً لوحدانية الأفعال فلا مؤثر إلا الله وحده، ولا يوجد تأثير للأسباب في مسبباتها!!.
المناقشة:
الأول: تفسيرهم الكسب بالاقتران مخالف للغة العرب واستعمال القرآن الكريم، فهو في اللغة بمعنى الطلب والجمع (3) ، وهو في القرآن لم يخرج عن هذا المعنى، فمن ذلك قول الله تعالى: أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [البقرة: 267]، وهو يستعمل في فعل الصالحات والسيئات (4) ، فمن الأول قوله تعالى: أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام: 158] ومن الثاني قوله تعالى: فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة: 79] ومن الآيات التي تجمع بينهما قوله تعالى: ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ [عمران: 161].
فظهر مما تقدم أن الكسب يرجع إلى ما يكسبه الإنسان من عمل القلب أو عمل الجوارح وهو المعبر عنه بالاجتراح والعمل، وظهر أن تفسير الأشعرية للكسب بالمقارنة قول لم يسبقوا إليه (5) .
الثاني: إثباتهم قدرة للعبد غير مؤثرة فراراً من القول بأن ذلك يفضي إلى إثبات مؤثر غير الله تعالى، فيستلزم القول بأن أفعال العباد مخلوقة لهم بقدرتهم قول تبين ضعفه فإنه إذا تبين أن الله قد خلق العبد وخلق صفاته التي بها يقع الفعل من القدرة والإرادة وهما من أسباب العمل، وخلق أيضاً عمله على وفق سنته من تأثير الأسباب في مسبباتها – على حسب ما تم تفصيله – فلا حرج بعد ذلك، ولا يلزم أن تكون الأسباب هي الخالقة للفعل.
الثالث: إن بناء التكليف على هذه المقارنة غير معقول وينتهي إلى القول بتكليف العاجز، وهذا هو الذي دفع الإيجي إلى وصفه الأشعرية بأنهم مجبرة متوسطة (6) ، ودفع التفتازاني إلى أن يقول: "فالإنسان مضطر في صورة المختار" (7) ، ودفع الرازي بعد أن أورد إشكالات على كسب الأشعري: "وعند هذا التحقيق يظهر أن الكسب اسم بلا مسمى" (8) .
الرابع: إثبات مقارنة القدرة الحادثة للفعل قول عند التحقيق قصد به مخالفة الجبرية وهو ليس بشيء، كما تقدم في الفقرة السابقة، إذ يقال لهم: ما الداعي لذكرها إذاً إذا كانت لا تؤثر؟، وما المزية لها في الذكر إذا كانت لا تؤثر في الفعل؟. فإن قولكم: الفعل يقارن القدرة الحادثة قول لا طائل تحته إذ يمكن أن نقول: إنه يقارن العلم والسمع والبصر الحادث وغير ذلك من الصفات... فصار بهذا ذكرهم للقدرة لا معنى له وهو مجرد تمويه (9) .
وقد تنازع الأشعرية في معنى قدرة العبد على الطاعة. فقال الأشعري: هي العرض المقارن للطاعة. وهذا فيما حكاه عنه الأشاعرة. وقال إمام الحرمين: هي سلامة السباب والآلات.
وأورد على كلام الأشعري الإلزام الذي تقدم، وهو أنه يلزم من هذا تكليف العاجز، لأن التكليف على قوله واقع قبل إقدراه على العمل.
وأجيب عن هذا الإيراد بجوابين بناء على أن العرض هل يبقى زمانين أو لا؟
فعلى قول الأشعري: إن العرض لا يبقى زمانين:
فالجواب: إن العبد قادر بالقوة لما اتصف به من سلامة الأسباب والآلات. وهي التي عليها اعتبار التكليف. وعلى القول بأن العرض يبقى زمانين فإنه لا مانع من تقدم القدرة على الطاعة (10) ، ولكن ما زال الإشكال باقياً عليه في عدم فائدة هذه القدرة غير المؤثرة!
وأما تفسير إمام الحرمين فأورد عليه: أن الكافر أيضاً يكون قادراً بهذا الاعتبار على الطاعة، فاحتاجوا إلى إدخال جملة أخرى تكون قيداً لكلامه وهي:
"وتسهيل سبيل الخير إليه" وبهذا يخرج الكافر (11) . مع ملاحظة أمرين:
الأول: إن إمام الحرمين نص على مسألة تسهيل سبيل الخير في رسالته النظامية (12) .
الثاني: إن إمام الحرمين أثبت قدرة للعبد مؤثرة في مقدورها (13) .
ولكي يكون هذا القول صواباً لابد من تفسير التأثير تفسيراً صحيحاً وهو: أن خروج الفعل من العدم إلى الوجود كان بتوسط القدرة المحدثة لا أنها منفردة بالإيجاد سواء كان في صفة الفعل أو ذاته. ومع هذا فما خلقه الله فعلاً للعبد كان العبد هو الفاعل له حقيقة، لأنه قائم به، والشيء إنما يوصف به من قام به (14) . (15)



http://www.dorar.net/enc/firq/368

أبو مالك المديني
2015-11-15, 08:12 PM
جزاك الله خيرا أبا البراء .
للفائدة :
http://majles.alukah.net/t110784/
http://majles.alukah.net/t23222/?23222=

أبو البراء محمد علاوة
2015-11-15, 11:08 PM
وجزاك مثله شيخنا

أبو الحسين علي المالكي
2015-11-17, 11:33 AM
لقد نقد نظرية الكسب الأستاذ محمد زاهد الكوثري في كتابه الاستبصار ... مع التنبه الى أن الرجل ماتريدي ...

أبكاني ذنبي
2016-11-04, 11:06 PM
أحسن الله إليكم.. من أول من قال بنظرية الكسب والتي أخذ منها الأشاعرة؟

أبو البراء محمد علاوة
2016-12-21, 01:31 AM
أحسن الله إليكم.. من أول من قال بنظرية الكسب والتي أخذ منها الأشاعرة؟

وإليك أحسن الله:
قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ في ( شرح الطحاوية ) :" الكَسْبُ من الألفاظ التي جاءت في الكتاب والسنة.
- فأُضيفَ الكسب إلى القلب فقال - عز وجل - {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}[البقرة:225].
- وأضيف الكسب إلى العبد فقال - عز وجل - {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ}[البقرة:267].
- وأضيف في التكليف أيضاً في قوله {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}[البقرة:286]، {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[التوبة:82، 95]، ونحو ذلك.
وتفسيره في الآيات أن يُقَال:
- كسب القلب هو عمله وهو قَصْدُهُ وإرادته، يعني عمل القلب هو قَصْدُهُ وإرادته وتوجهه وعزمه إلى آخره، يعني في اليمين {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} يعني بما قَصَدْتُمْ أن تُوقِعُوهُ يميناَ، ولهذا في الآية الأخرى في المائدة قال {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ}[المائدة:89] الآية.
- أما كسب العمل {مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} يعني من طيبات ما تَمَوَّلْتُمْ من الأموال ومن التجارات ومما أُخْرِجَ لكم من الأرض نتيجة لعملكم.
- أما الكسب الذي هو نتيجة التكليف {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} فالكسب هنا بمعنى العمل، لذا قال في الآية {ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[البقرة:281، آل عمران:161] وفي الآية الأخرى سورة [آل عمران]، قال {وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[النحل:111].
فإذاً كَسَبَتْ وعَمِلَتْ تتنوع في القرآن:
فالكسب الذي هو نتيجة التكليف هو العمل؛ لكن قيل عنه كسب تفريقاً ما بينه وما بين الاكتساب؛ لأنَّ الله - عز وجل - لمَّا ذَكَرَ التكليف في آية البقرة قال {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} ليبيِّنَ - عز وجل - أنَّ عمل العمل الصالح كسب سهل يمكن أن يعمله بدون كُلفةٍ منه ومشقة عليه، أما عمل السيئات التي عليه فيعملها بكُلفَةٍ منه ومخالفَةْ وزيادة اعتمال وتَصَرُّفْ في مخالفة ما تأمره به فطرته.
لهذا قالوا: زاد المَبْنَى في {اكْتَسَبَتْ}لأن َّهُ يحتاج إلى جُهدٍ منه ومشقة بخلاف العمل الصالح فإنه يُقْبِلُ عليه بنفسه.
فإذاً العمل هو الكسب، وهذا هو تفسير أهل السنة والجماعة للكسب على ما دلّت عليه الآيات.
وأما الآخرون من الفِرَقْ: الجبرية والقدرية ففسَّرُوا الكسب بتفسيرات أُخَرْ.
- أما القدرية فإنهم قالوا: الكسب هو خَلْقُ العبد لفعله؛ لأنَّهُ يوافق لمعتقدهم في ذلك.
- والجبرية الذين هم الأشاعرة في هذا الباب فأخرجوا للكسب مصطلحاً جديداً غير ما دلَّ عليه الكتاب والسنة، وقد ذكرته لكم عدة مرات في أنَّ الكسب عندهم هو اقتران الفعل بفعل الله - عز وجل -، اقتران ما يُحْدِثُهُ العبد بفعل الله - عز وجل -.
فعندهم أنَّ الفعل حقيقة هو فعل الله، والعبد حَصَلَ له العمل؛ لكن النتيجة هي الكسب.
فالعبد في الظاهر مُخْتَارْ، العبد في الظاهر يعمل، العبد في الظاهر يُحَصِّلْ ما يريد؛ لكنه في الباطن مفعول به.
والكسب هذا عندهم مما اختلفوا فيه على أقوال كثيرة جداً وليس تحتها حاصل.
المقصود من الكلام أنَّ الكسب عند الجبرية عند الأشاعرة ما يُفَسَّر بتفسيرٍ صحيح، وهو من الألفاظ المبتدعة التي ضَلُّوا بسببها في باب القدر، أَحْدَثَهُ الأشعري ولم يُفَسِّرْهُ بتفسيرٍ صحيح، وأصحابه أيضاً لم يُفَسِّرُوهُ بتفسير صحيح إلا بدعوى الاقتران" .

محمد حسن ابو مازن
2017-01-03, 08:59 PM
في حقيقة الامر حاولت أن أقرأ الموضوع حتى نهايته فلم أستطع لكثرة وزحمة التفاعل في الرأي حتى ان ما كنت اعتقده في هذا المجال قد اهتز حيث انني قرأت يوما تعريفا للقضاء والقدر منسوبا للشيخ ابن تيمية فارتاح ضميري لهذا التعريف وهو كالآتي : القضاء هو أمر الله للعباد على الوضع المثالي الذي يرضيه تعالى وأما القدر هو ما ينفذه العبد من هذا الأمر وأعتقد أن الآية الكريمة التي تقول ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين احيانا ) فأمر الله بعبادته قضاء ولكن العباد لا تنفذ هذا الأمر بالكامل فما ينفذه كل عبد من هذا الأمر يسمى قدر ومن يحسن إلى والديه تمام الإحسان فهو قضاء ولكن الجميع لا ينفذ الأمر الا بشكل نسبي وهذا هو قدر كل عبد
كما انني فهمت من هذا المثال ان دار القضاء سميت بهذا الاسم لأن بها قوانين هي المثالية في التنفيذ ولكن ما ينفذ من هذه القوانين تسمى قدرا لأن الجميع لا يلتزم التزاما مثاليا بهذه القوانين
ارجو ممن لديه علم بهذا الذي فهمته عن الشيخ ابن تيميه ان يدلي بدلوه حتى اصحح فكرتي

أبو البراء محمد علاوة
2017-01-04, 01:04 AM
مجمل اعتقاد أهل السنة في القضاء والقدر



هل توضح لي نظرة الإسلام للقضاء والقدر، وماذا يجب علي اعتقاده في هذا الشأن ؟.
تم النشر بتاريخ: 2003-12-02
الحمد لله
فالكلام على نظرة الإسلام للقضاء والقدر قد يطول قليلاً وحرصاً على الفائدة فسنبدأ بمختصر مهم في هذا الباب ثم نتبعه ببعض الشرح الذي يسمح به المقام سائلين الله النفع والقبول :
اعلم وفقك الله أن حقيقة الإيمان بالقضاء هي : التصديق الجازم بأن كل ما يقع في هذا الكون فهو بتقدير الله تعالى .
وأن الإيمان بالقدر هو الركن السادس من أركان الإيمان وأنه لا يتم إيمان أحد إلا به ففي صحيح مسلم ( 8 ) عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه بلغه أن بعض الناس ينكر القدر فقال : " إذا لقيت هؤلاء فأخبرهم أني براء منهم وأنهم برآء مني ، والذي يحلف به عبد الله بن عمر ( أي : يحلف بالله ) لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبا ثم أنفقه ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر"
ثم اعلم أن الإيمان بالقدر لا يصح حتى تؤمن بمراتب القدر الأربع وهي :
1) الإيمان بأن الله تعالى علم كل شيء جملة وتفصيلا من الأزل والقدم فلا يغيب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض .
2) الإيمان بأن الله كتب كل ذلك في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة .
3) الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة فلا يكون في هذا الكون شيء من الخير والشر إلا بمشيئته سبحانه .
4) الإيمان بأن جميع الكائنات مخلوقة لله فهو خالق الخلق وخالق صفاتهم وأفعالهم كما قال سبحانه : ( ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء ) الأنعام/102
ومن لوازم صحة الإيمان بالقدر أن تؤمن :
- بأن للعبد مشيئة واختياراً بها تتحقق أفعاله كما قال تعالى : ( لمن شاء منكم أن يستقيم ) التكوير/28 وقال : ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) البقرة/286
- وأن مشيئة العبد وقدرته غير خارجة عن قدرة الله ومشيئته فهو الذي منح العبد ذلك وجعله قادراً على التمييز والاختيار كما قال تعالى : ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) التكوير/29
- وأن القدر سر الله في خلقه فما بينه لنا علمناه وآمنا به وما غاب عنا سلمنا به وآمنا ، وألا ننازع الله في أفعاله وأحكامه بعقولنا القاصرة وأفهامنا الضعيفة بل نؤمن بعدل الله التام وحكمته البالغة وأنه لا يسأل عما يفعل سبحانه وبحمده .

وبعد فهذا مجمل اعتقاد السلف الصالح في هذا الباب العظيم وسنذكر فيما يلي تفصيلاً لبعض ما تقدم من القضايا فنقول سائلين الله العون والتسديد :
أولاً : معنى القضاء والقدر في اللغة :
القضاء لغة : هو إحكام الشيء وإتمام الأمر ، وأما القدر فهو في اللغة: بمعنى التقدير .
ثانيا : تعريف القضاء والقدر في الشرع :
القدَر : هو تقدير الله تعالى الأشياء في القِدَم ، وعلمه سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده وعلى صفات مخصوصة ، وكتابته سبحانه لذلك ، ومشيئته له ، ووقوعها على حسب ما قدرها ، وخَلْقُه لها .
ثالثاً : هل هناك فرق بين القضاء والقدر؟ :
من العلماء من فرق بينهما ، ولعل الأقرب أنه لا فرق بين ( القضاء ) و ( القدر ) في المعنى فكلٌ منهما يدل على معنى الآخر ، ولا يوجد دليل واضح في الكتاب والسنة يدل على التفريق بينهما ، وقد وقع الاتفاق على أن أحدهما يصح أن يطلق على الآخر ، مع ملاحظة أن لفظ القدر أكثر وروداً في نصوص الكتاب والسنة التي تدل على وجوب الإيمان بهذا الركن . والله أعلم .
رابعاً : منزلة الإيمان بالقدر من الدين :
الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة التي وردت في قوله صلى الله عليه وسلم عندما سأله جبريل عليه السلام عن الإيمان : " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره " رواه مسلم ( 8 ) وقد ورد ذكر القدر في القرآن في قوله تعالى : ( إنا كل شئ خلقناه بقدر ) القمر/49 . وقوله تعالى: ( وكان أمر الله قدرا مقدورا ) الأحزاب/38 .
خامساً : مراتب الإيمان بالقدر:
اعلم وفقك الله لرضاه أن الإيمان بالقدر لا يتم حتى تؤمن بهذه المراتب الأربع وهي :
أ ـ مرتبة العلم : وهي الإيمان بعلم الله المحيط بكل شيء الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وأن الله قد علم جميع خلقه قبل أن يخلقهم ، وعلم ما هم عاملون بعلمه القديم وأدلة هذا كثيرة منها قوله تعالى : ( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ) الحشر/22 ، وقوله تعالى : ( وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ) الطلاق/12 .
ب ـ مرتبة الكتابة : وهي الإيمان بأن الله كتب مقادير جميع الخلائق في اللوح المحفوظ . ودليل هذا قوله تعالى : ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) الحج/70 .
وقوله صلى الله عليه وسلم : " كتب الله مقادير الخلائق قبل أن تخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة " رواه مسلم ( 2653 ) .
ج ـ مرتبة الإرادة والمشيئة : وهي الإيمان بأن كل ما يجري في هذا الكون فهو بمشيئة الله سبحانه وتعالى ؛ فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، فلا يخرج عن إرادته شيء .
والدليل قوله تعالى : ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّه ُ) الكهف/23 ،24 وقوله تعالى : ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) التكوير/29 .
د ـ مرتبة الخلق : وهي الإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء ، ومن ذلك أفعال العباد ، فلا يقع في هذا الكون شيء إلا وهو خالقه ، لقوله تعالى: ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) الزمر/62 . وقوله تعالى : ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُون ) الصافات/96 .
وقوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يصنع كل صانع وصنعته " أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد( 25 ) وابن أبي عاصم في السنة ( 257و 358 ) وصححه الألباني في الصحيحة ( 1637) .
قال الشيح ابن سعدي ـ رحمه الله ـ : " إن الله كما أنه الذي خلقهم ـ أي الناس ـ ، فإنه خلق ما به يفعلون من قدرتهم وإرادتهم ؛ ثم هم فعلوا الأفعال المتنوعة : من طاعة ومعصية ، بقدرتهم وإرادتهم اللتين خلقها الله ) ( الدرة البهية شرح القصيدة التائية ص 18 )
التحذير من الخوض بالعقل في مسائل القدر :
الإيمان بالقدر هو المحك الحقيقي لمدى الإيمان بالله تعالى على الوجه الصحيح ، وهو الاختبار القوي لمدى معرفة الإنسان بربه تعالى ، وما يترتب على هذه المعرفة من يقين صادق بالله ، وبما يجب له من صفات الجلال والكمال ، وذلك لأن القدر فيه من التساؤلات والاستفهامات الكثيرة لمن أطلق لعقله المحدود العنان فيها ، وقد كثر الاختلاف حول القدر ، وتوسع الناس في الجدل والتأويل لآيات القرآن الواردة بذكره ، بل وأصبح أعداء الإسلام في كل زمن يثيرون البلبلة في عقيدة المسلمين عن طريق الكلام في القدر ، ودس الشبهات حوله ، ومن ثم أصبح لا يثبت على الإيمان الصحيح واليقين القاطع إلا من عرف الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا ، مسلِّماً الأمر لله ، مطمئن النفس ، واثقاً بربه تعالى ، فلا تجد الشكوك والشبهات إلى نفسه سبيلاً ، وهذا ولا شك أكبر دليل على أهمية الإيمان به من بين بقية الأركان . وأن العقل لا يمكنه الاستقلال بمعرفة القدر فالقدر سر الله في خلقه فما كشفه الله لنا في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم علمناه وصدقناه وآمنا به، وما سكت عنه ربنا آمنا به وبعدله التام وحكمته البالغة ، وأنه سبحانه لا يسأل عما يفعل ، وهم يسألون . والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه .
يراجع ( أعلام السنة المنشورة 147 ) ( القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة و ( الإيمان بالقضاء والقدر للشيخ / محمد الحمد )



الإسلام سؤال وجواب
https://islamqa.info/ar/49004