تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : هل أقوال علماء الصحابة حجة لا يجوز مخالفتها؟



أبو البراء محمد علاوة
2015-09-07, 09:49 PM
229770: هل أقوال علماء الصحابة حجة لا يجوز مخالفتها

السؤال :
هل قول علماء الصحابة ، العارفين بتأويل القرآن ، كابن عباس ، رضي الله عنهما ، حجة ، لا يجوز مخالفتها ؟





الجواب :
الحمد لله
قول الصحابي عند أهل العلم - إذا صحّ السند إليه - له عدة حالات– على وجه الاجمال - :
القسم الأول :
قول الصحابي الذي لا يقال مثله بالاجتهاد والرأي وإنما سبيله الرواية فقط ، كأن يكون عن أمر غيبي مثلا .
فهذا القول يعتمد عليه ويكون له حكم الرفع ، فهنا احتمال قوي أنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم ، والصحابة أحيانا يروون السنة بلفظها ومسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحيانا بمعناها وغير مسندة خاصة إذا خرجت على سبيل الفتوى أو الجواب على سؤال .
مثال ذلك :
قال الله تعالى :
( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) البقرة ( 197 ) .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " لَا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ؛ فَإِنَّ مِنْ سُنَّةِ الْحَجِّ أَنْ تُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ " رواه ابن خزيمة في صحيحه ( 4 / 162 ) .
فنسبة شيء إلى السنة عمدته الرواية لا الرأي والاجتهاد .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
" وهذا إسناد صحيح ، وقول الصحابي : " من السنة كذا " في حكم المرفوع عند الأكثرين ، ولا سيما قول ابن عباس تفسيرا للقرآن ، وهو ترجمانه " .
انتهى من" تفسير ابن كثير " ( 1 / 541 ).
لكن يستثنى من هذا إذا كان هناك احتمال قوي أنه من الروايات الاسرائيلية المنقولة عن أهل الكتاب .
قال محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى :
" فإن كان مما لا مجال للرأي فيه فهو في حكم المرفوع ، كما تقرر في علم الحديث ، فيقدَّمُ على القياس ، ويُخَصُّ به النص , إن لم يُعْرَف الصحابي بالأخذ من الإسرائيليات " .
انتهى من " مذكرة أصول الفقه " ( ص 256 ) .

فإذا كان الاحتمال القوي أنه من الأخبار المنقولة عن أهل الكتاب ؛ ففي هذه الحالة يكون له حكم الأخبار الإسرائيلية ؛ وحكمها كما بينه الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى :
" من المعلوم أن ما يروى عن بني إسرائيل من الأخبار المعروفة بالإسرائيليات له ثلاث حالات : في واحدة منها يجب تصديقه ، وهي ما إذا دل الكتاب أو السنة الثابتة على صدقه . وفي واحدة يجب تكذيبه ، وهي ما إذا دل القرآن أو السنة أيضا على كذبه . وفي الثالثة لا يجوز التكذيب ولا التصديق ، وهي ما إذا لم يثبت في كتاب ولا سنة صدقه ولا كذبه " .
انتهى من " أضواء البيان " ( 4 / 238 ) .
ومثال ذلك :
" حديث الفتون " الذي رواه النسائي في " السنن الكبرى " ( 10 / 172 – 183 ) عن ابن عباس رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى : ( وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ) طه / 40 ، وهو حديث طويل جدا .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى بعد أن ذكره :
" هكذا رواه الإمام النسائي في السنن الكبرى ، وأخرجه أبو جعفر بن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما كلهم من حديث يزيد بن هارون به ، وهو موقوف من كلام ابن عباس ، وليس فيه مرفوع إلا قليل منه ، وكأنه تلقاه ابن عباس رضي الله عنه مما أبيح نقله من الإسرائيليات عن كعب الأحبار أو غيره ، والله أعلم . وسمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول ذلك أيضا " انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 5 / 293 ) .
القسم الثاني :
قول الصحابي الذي يقال مثله بالاجتهاد والرأي .
وهذا له عدة حالات :
الحالة الأولى :
إذا خالف نصا شرعيا : فيقدم النص ولا يعمل بقول الصحابي .
مثال ذلك :
قال الله تعالى :
( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ) النساء ( 11 ) .
فالله نص على نصيب ميراث البنات مع الأولاد ، ونصيب البنات لوحدهن إذا كن فوق اثنتين وعلى نصيب البنت وحدها ، ولم ينص على نصيب البنتين .
فابن عباس رضي الله عنهما أفتى بأن للبنتين نصف التركة .
وقد أجمع أهل العلم بعده على خلاف قوله وقالوا بأن لهن الثلثين .
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى :
" وفرض الله تعالى للبنت الواحدة النصف ، وفرض لما فوق الثنتين من البنات الثلثين ، ولم يفرض للبينتين فرضاً منصوصا في كتابه .
وأجمع أهل العلم على أن للثنتين من البنات الثلثين ، فثبت ذلك بإجماعهم وتوارث في كل زمان على ذلك إلى هذا الوقت ..." انتهى من " الإشراف " ( 4 / 316 ) .
ومما استدل به أهل العلم .
حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: " جَاءَتْ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ بِابْنَتَيْهَا مِنْ سَعْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ ، قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَكَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا ، وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا ، فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالًا وَلَا تُنْكَحَانِ إِلَّا وَلَهُمَا مَالٌ ، قَالَ: يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ ، فَنَزَلَتْ : آيَةُ المِيرَاثِ ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَمِّهِمَا ، فَقَالَ : أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعْدٍ الثُّلُثَيْنِ ، وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ ) رواه الترمذي ( 2092 ) وقال : " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ " ، وصححه الحاكم والذهبي " المستدرك " ( 4 / 334 ) ، وحسنه الألباني " إرواء الغليل " ( 6 / 121 – 122 ) .
قال ابن حجر رحمه الله تعالى :
" وقد انفرد بن عباس بأن حكمهما حكم الواحدة وأبى ذلك الجمهور ، واختلف في مأخذهم فقيل حكمهما حكم الثلاث فما زاد ، ودليله بيان السنة فإن الآية لما كانت محتملة بينت السنة أن حكمهما حكم ما زاد عليهما ، وذلك واضح في سبب النزول فإن العم لما منع البنتين من الإرث وشكت ذلك أمهما قال صلى الله عليه وسلم لها ( يقضي الله في ذلك ) فنزلت آية الميراث ، فأرسل إلى العم فقال : ( اعط بنتي سعد الثلثين ) ... ويعتذر عن ابن عباس بأنه لم يبلغه فوقف مع ظاهر الآية " انتهى من " فتح الباري " ( 12 / 15 – 16 ) .

الحالة الثانية :
قول الصحابي إذا خالفه غيره من الصحابة .
ففي هذه الحالة لا يكون قول أحدهم حجة دون الآخر ، بل يرجح بين أقوالهم ولا يخرج عنها.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى :
"وإن تنازعوا رد ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول ، ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم له باتفاق العلماء " انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 20 / 14 ) .
ومثال لذلك :
الحاج إذا جامع زوجته بعد التحلل الأول وقبل طواف الإفاضة ، فأفتى ابن عباس رضي الله عنه ؛ بأنه يكفيه أن يخرج إلى التنعيم فيعتمر وعليه فدية .
وأفتى ابن عمر رضي الله عنه ؛ بأن حجه قد فسد ، وعليه الحج مرة أخرى .
ففي هذه الحالة يرجح بين أقوالهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" روى قتادة عن علي بن عبد الله البارقي : ( أن رجلا وامرأة أتيا ابن عمر قضيا المناسك كلها ما خلا الطواف فغشيها – أي جامعها - ، فقال ابن عمر : عليهما الحج عاما قابلا ، فقال: أنا إنسان من أهل عمان ، وإن دارنا نائية ، فقال: وإن كنتما من أهل عمان ، وكانت داركما نائية ، حجا عاما قابلا ، فأتيا ابن عباس ، فأمرهما أن يأتيا التنعيم ، فيهلا منه بعمرة ، فيكون أربعة أميال مكان أربعة أميال ، وإحرام مكان إحرام ، وطواف مكان طواف ) رواه سعيد بن أبي عروبة في المناسك عنه ، وروى مالك عن ثور بن زيد الديلي ، عن عكرمة – قال : لا أظنه إلا عن ابن عباس - قال: " الذي يصيب أهله قبل أن يفيض : يتعمر ويهدي " ... فإذا اختلف الصحابة على قولين :
أحدهما: إيجاب حج كامل ، والثاني : إيجاب عمرة . لم يجز الخروج عنهما ، والاجتزاء بدون ذلك " انتهى من " شرح العمدة - المناسك " ( 3 / 239 – 240 ) .

الحالة الثالثة :
قول الصحابي إذا اشتهر ولم نعلم أحدا من الصحابة أنكره .
فمثل هذا القول جعله جمهور أهل العلم حجة .
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وأما أقوال الصحابة ؛ فإن انتشرت ولم تنكر في زمانهم فهي حجة عند جماهير العلماء".
انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 20 / 14 ) .
وقال محمد الامين الشنقيطي رحمه الله تعالى :
" وإن كان – أي قول الصحابي – مما للرأي فيه مجال ، فإن انتشر في الصحابة ولم يظهر له مخالف فهو الإجماع السكوتي ، وهو حجة عند الأكثر " .
انتهى من " مذكرة أصول الفقه " ( ص 256 ) .
ومثال ذلك :
قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمًا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فِيمَ تَرَوْنَ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ : ( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ ) ؟ قَالُوا : اللَّهُ أَعْلَمُ ، فَغَضِبَ عُمَرُ فَقَالَ : قُولُوا نَعْلَمُ أَوْ لاَ نَعْلَمُ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ ، قَالَ عُمَرُ : يَا ابْنَ أَخِي قُلْ وَلاَ تَحْقِرْ نَفْسَكَ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ . قَالَ عُمَرُ : أَيُّ عَمَلٍ ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لِعَمَلٍ ، قَالَ عُمَرُ: لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ " رواه البخاري ( 4538 ) .
وهذا تفسير من ابن عباس ، أقره عليه عمر رضي الله عنه ، ولم ينكر عليهما أحد ممن حضر ، فيكون قولا معتمدا في تفسير هذه الآية .
ولهذا قال ابن كثير رحمه الله تعالى بعد أن أورده :
" وفي هذا الحديث كفاية في تفسير هذه الآية " انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 1 / 696 ) .

الحالة الرابعة :
قول الصحابي إذا لم نعلم باشتهاره ، ولا نعلم أن أحدا من الصحابة أنكره .
فجمهور أهل العلم على قبول قوله والاعتماد عليه .
قال ابن تيمية:
"وإن قال بعضهم قولاً ولم يقل بعضهم بخلافه ولم ينتشر ؛ فهذا فيه نزاع ، وجمهور العلماء يحتجون به ؛ كأبي حنيفة ، ومالك ، وأحمد في المشهور عنه ، والشافعي في أحد قوليه ، وفي كتبه الجديدة الاحتجاج بمثل ذلك في غير موضع ... " .
انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 20 / 14 ) .

ويدخل في هذه الحالة ما استنبطه ابن عباس رضي الله عنه من التفسير ، ولم يعرف له مخالف ولا موافق من الصحابة .

والله أعلم .


http://islamqa.info/ar/229770

رامي المالكي
2015-09-08, 11:07 AM
لمزيد فائدة..

178977: متى يكون قول العالم – صحابيا كان أو غيره – حجة ؟

السؤال :
أحيانا نسمع أقوالاً رويت عن الصحابة ، وأحيانا أخرى أقوالاً رويت عن الأئمة في مناسبات مختلفة ، في حين أن القاعدة العامة توجهنا إلى اتباع الكتاب والسنة ، فمتى يتوجب على المسلم أن يأخذ بقول الصحابي أو قول الإمام ؟ وكيف يوفّق بين هذا الأمر وقاعدة وجوب اتباع الكتاب والسنة ؟

الجواب :
الحمد لله
وجوب اتباع الكتاب والسنة لا ينافي الأخذ عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن علماء الأمة المشهود لهم بالعلم والفضل ، بل إن الأخذ عنهم في الجملة هو من اتباع الكتاب والسنة ، قال الله تعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) الأنبياء/ 7 .
وروى أبو داود (3641) عن أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ( ... وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .

وقول العالم – سواء كان صحابيا أو غيره – لا يخلو إما أن يكون موافقا للسنة أو مخالفا لها ، فإن كان موافقا لها : وجب الأخذ به والعمل بمقتضاه ؛ لأن أهل العلم أعلم بالله وبرسوله ممن سواهم .
وإن كان مخالفا للسنة فإنه لا يؤخذ به ، وإنما يؤخذ بالسنة ، لكن متى تبينت لصاحبها ، وتبين له مخالفة قول هذا القائل المعين لها .
والقاعدة : أن كل واحد يؤخذ منه ويرد عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ويحفظ مع ذلك لأهل العلم – وعلى رأسهم الصحابة رضي الله عنهم – مكانتهم ومنزلتهم في الدين .
وأما إذا لم يرد نص في المسألة فقول الصحابي الفقيه إذا لم يخالف غيره من الصحابة حجة عند كثير من أهل العلم .
والقاعدة في ذلك أن قول الصحابي حجة ما لم يخالف نصا ، أو يخالف غيره من الصحابة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إذا كان الصحابي من الفقهاء المعروفين بالفقه فإن قوله حجة بشرطين :
الشرط الأول : ألا يخالف قول الله ورسوله ؛ فإن خالف قول الله ورسوله وجب طرحه والأخذ بما قال الله ورسوله .
الشرط الثاني : ألا يخالف قول صحابي آخر ؛ فإن خالف قول صحابي آخر وجب النظر في الراجح ؛ لأنه ليس قول أحدهما أولى بالقبول من الآخر " .
انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (59 /24) .
وكذا قولهم رضي الله عنهم في أسباب النزول وتفسير القرآن والسنة حجة ؛ لأنهم أعلم بالتنزيل وبلغة العرب ، وفيهم نزل القرآن ، وقد عايشوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فهم أعلم بسنته .

أما العلماء ممن عداهم : فهم أعلم الناس بالكتاب والسنة ، وأدرك الناس بالقياس الصحيح ، وأقدر الناس على استنباط الأحكام واستخراجها من أصولها ، قال الله تعالى : ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَ هُ مِنْهُمْ ) النساء/ 83 .
قال السعدي رحمه الله :
" وفي هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولى من هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله ، ولا يتقدم بين أيديهم ، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 190) .
ويتأكد الرد إلى أهل العلم ، والوقوف عند أقوالهم في المسائل المشكلة والمشتبهة ؛ فهذا لا حظ فيها لنظر القاصر ، ومن لم يتبصر بالعلم ، ويختص بذلك الأمر ، ولهذا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم برد ما اشتبه إلينا علمه من كتاب الله أو سنة رسوله إلى أهل العلم به :
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا يَتَدَارَءُونَ ، فَقَالَ : ( إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِهَذَا ؛ ضَرَبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ ، وَإِنَّمَا نَزَلَ كِتَابُ اللَّهِ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا ، فَلَا تُكَذِّبُوا بَعْضَهُ بِبَعْضٍ ؛ فَمَا عَلِمْتُمْ مِنْهُ فَقُولُوا ، وَمَا جَهِلْتُمْ فَكِلُوهُ إِلَى عَالِمِهِ ) رواه أحمد (6702) وابن ماجة (85) وحسنه الألباني في " مشكاة المصابيح " (237) .
قال الشيخ ملا علي القاري رحمه الله :
" (فَكِلُوهُ) أَيْ: رُدُّوهُ وَفَوِّضُوهُ (إِلَى عَالِمِهِ) : وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَلَا تُلْقُوا مَعْنَاهُ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِكُمْ " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (1/313) .
والحاصل : أنه متى اتفق أهل العلم على معنى آية أو حديث ، أو إثبات حكم شرعي ، أو نفيه ، فهذا حجة شرعية ثابتة ؛ لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة .
وأما إذا اختلفوا ، فالحكم بين الأقوال والأفعال والأحوال هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فما كان من أقوالهم أشبه بالكتاب والسنة وأقرب للحكم بهما وجب اتباعه ، وما كان منها مخالفا للكتاب والسنة أو كان أبعد عن الحكم بهما وجب رده ، مع الإقرار لجميعهم بالعلم والفضل والصيانة والديانة ؛ فإنهم الذين اصطفاهم الله لحفظ دينه ورعاية شرعه وحكمه وإقراره في الناس .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" فَإِذَا تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ فِي مَسْأَلَةٍ وَجَبَ رَدُّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ فَأَيُّ الْقَوْلَيْنِ دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَجَبَ اتِّبَاعُهُ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (20 /12) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" إذا قام الدليل على مسألة من المسائل ، وجب الأخذ بما قام عليه الدليل من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإن خالف إماما كبيرا ، بل وإن خالف بعض الصحابة ، فالله يقول : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) ولم يقل سبحانه : ردوه إلى فلان أو فلان .
لكن لا بد من التثبت واحترام أهل العلم ، والتأدب معهم ، فإذا وجد المرء قولا ضعيفا عن أحد الأئمة أو العلماء أو المحدثين المعتبرين ، فإن ذلك لا ينقص من قدرهم ، وعليه أن يحترم أهل العلم ، والتأدب معهم ، ويتكلم بالكلام الطيب ، ولا يسبهم ولا يحتقرهم ، ولكن يبين الحق بالدليل مع دعائه للعالم ، والترحم عليه ، وسؤال الله أن يعفو عنه .
هكذا يجب أن تكون أخلاق أهل العلم مع أهل العلم : يقدرون أهل العلم لمكانتهم ، ويعرفون لهم قدرهم ومحلهم وفضلهم " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (26 /305) .
راجع لتمام الفائدة إجابة السؤال رقم : (128658 (http://islamqa.info/ar/128658)) .
والله أعلم .


موقع الإسلام سؤال وجواب

أبو البراء محمد علاوة
2015-09-08, 02:06 PM
أحسن الله إليك