المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نقد مقال قراءة في الذِّهنية السلفيَّة -نواف الجديمي



الرايه
2007-03-15, 06:19 AM
نقد مقال قراءة في الذِّهنية السلفيَّة
كتبه
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :
فقد نشرت مجلة البيان في عددها ( 156 )
قضية للمناقشة بعنوان : « قراءة في الذهنية السلفية » للكاتب الأستاذ نواف الجديمي ،
وقد أحسن الكاتب في اهتمامه بالنقد الذاتي لمناشط السلفيين ، فهذا النقد ومحاسبة النفس أمر متقرر شرعاً والحوار العلمي الجاد وسيلة من وسائل البناء والتصحيح ، كما أحسنت مجلة البيان في قبولها لهذا النقد الذي يتوجه إليها ابتداءاً . وثمة تعقيبات على بعض ما نشره الأخ الكاتب نواف - وفقه الله للصالحات- أسوقها على النحو الآتي :

أولاً : ذكر الكاتب أن هذه المآخذ والإشكاليات تسود غالب الاتجاهات السلفية
المعاصرة ، وهذا تعميم خاطئ ؛ فالكاتب لم يحدد هذه المعاصرة لا زمناً ولا مكاناً ولا حالاً ، ولا سيما أن الكاتب أشار إلى قصور استقرائه ومحدودية تجربته
ثانياً : ذكر الكاتب الفاضل ثلاث ملحوظات رئيسة في قراءته للذهنية السلفية ،
وأحسب أن هذه الملحوظات توجد بنسب متفاوتة في التيارات الإسلامية الأخرى ، وتخصيص السلفيين بها لا يخلو من نقد ومراجعة ، وخاصة أنه قد يشعر القارئ بأن الكاتب يرى بأن هذا ممَّا تفرّد به السلفيون دون غيرهم .. !
ثالثاً : قرر الكاتب أن التيار السلفي دائماً ما يركز على دائرة المعلومات
ويهمل دائرة الأفكار ، وأن السلفيين يهتمون بالحفظ ويهملون الفكر ، وأن من حفظ الكتب الستة فله شأن عندهم دون من تضلع في أصول الفقه . وأحسب أنه لا يخفى على الكاتب الفاضل أهمية حفظ نصوص الوحيين ، وأن ذلك مطلوب شرعاً ؛ فقد تواتر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : « نضّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها ؛ فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه » [1] وهذا لفظ الترمذي من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - ، لا سيما أن العرب قد خُصوا بالحفظ ، وهذه الأمة موصوفة بأن إنجيلها في صدورها . وكما قال الخليل بن أحمد - رحمه الله - : ليس بعلم ما حوى القِمَطْرُ ما العلم إلا ما حواه الصدرولماذا يفترض الكاتب أن حفظ السلفيين للمعلومات كحفظ الحاسب ؟
وهذا قياس مع الفارق لمن له أدنى فكر وتأمل !
وها هو ابن عباس - رضي الله - عنهما وقد طُبع على الحفظ كان يكره كتابة العلم ، ومع ذلك فقد كان له من الإشراقات والفتوحات في التفسير ما لا يحصى ، كما كان صاحب مناظرات قوية مع الخوارج ونحوهم من أهل الأهواء ، فما كان هذا الحفظ إلا سبيلاً لنشر العلم و « المعلومات » الأصيلة ، وإفحام المخالفين ، وحل المعضلات .
فلا إشكال في حفظ النصوص الشرعية ، لكن الإشكالية أن يقتصر على الحفظ مجرداً عن الفهم والفقه ، ولو أن الكاتب عني بهذه الإشكالية ، وطالب بإيجاد برامج عملية لاستنهاض الفهم وتنمية ملكات التفكير والتجديد والإبداع لكان أليق وأنسب .
ولما هوّن الكاتب من شأن المعلومات هوّل من شأن الأفكار ، وأقول للكاتب : لماذا هذه التفرقة والانفصام بين المعلومات والأفكار ؟
وهل يمكن أن تتأتى الأفكار إلا بمعلومات ، ولا سيما أن كل إنسان حارث ومفكر ، كما قال صلى الله عليه وسلم : « أصدق الأسماء حارث و همام » ؟ [2] .
ثم ألا ترى معي أن الأفكار المجردة عن المعلومات الراسخة تؤدي إلى الخلط والاضطراب ؟!
فالمعلومات والأفكار متلازمة لا ينبغي الفصل بينها . فالمعلومات أساس الأفكار، والأفكار ثمرة المعلومات .
ولعل مقصود الكاتب أن بعض السلفيين أهملوا كتب الفكر واشتغلوا بالكتب الشرعية ، وأحسب أن العناية بكتب الفكر كانت في مرحلة سابقة ، عندما كانت الاشتراكية والقومية ونحوها من المذاهب المادية التي تشكك في الإسلام وتطعن في الغيبيات رائجة في حقبة زمنية ماضية حيث ظهر - ولله الحمد - من كتابات المفكرين الإسلاميين من يذبّ عن دين الإسلام ويفنّد شبهات الخصوم ، كما هو ظاهر
فكانت كتب الفكر الإسلامي الأصيل ضرورية تجاه تلك الأفكار المنحرفة ، وكما فعل من قبل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عندما واجه تلك الأفكار الفلسفية والكلامية والصوفية باللغة والأسلوب الذي يفهمه أولئك ، فأظهر الحجة عليهم وكشف ضلالاتهم ، ومن المناسب أن نورد ما يقرر ذلك من كلامه - رحمه الله - : « ولا ريب أن الألفاظ في المخاطبات تكون بحسب الحاجات ، كالسلاح في المحاربات ، فإذا كان عدو المسلمين في تحصنهم وتسلحهم على صفة غير الصفة التي كانت عليها فارس و الروم ، كان جهادهم بحسب ما توجبه الشريعة التي مبناها على تحري ما هو لله أطوع وللعبد أنفع ، وهو الأصلح في الدنيا والآخرة ... إلخ » [3] .
وأحسب أن هذه الصحوة المباركة قد ارتقت - نضجاً وعلماً - بدءاً من الكتب
الفكرية الأصيلة في تقرير الثقة بالإسلام والرد على أعداء الإسلام إلى الاشتغال بالعلوم الشرعية في تقرير منهج السلف الصالح والرد على المبتدعة إلى غير ذلك ؛ فما كان للسلفيين أن يحقروا الكتب الفكرية الإسلامية الأصيلة وهم يقررون قبول الحق من كل شخص ولو كان كافراً ، وها هو العلاَّمة ابن باز - رحمه الله يقرأ كتاب ( النظرية السياسية ) للمودودي رحمه الله مقرراً له [5] ،
وها هو العلاَّمة الألباني - رحمه الله - يورد كلاماً طويلاً لسيد قطب - رحمه الله - في مقدمة كتابه ( مختصر العلو ) للذهبي .
رابعاً : ادعى الكاتب أن السلفيين لا يعرفون جملة من المذاهب الفكرية
كالقومية العربية والماركسية والبعث العربي .. وأما آخر النظريات الفكرية فإن غالب النخب السلفية لم يسمعوا بأسمائها فضلاً عن دراستها ، هكذا قال الكاتب -
هداه الله - .
ويبدو أن الكاتب كان يتحدث عن هذا المأخذ وقد انقدح في ذهنه نمط محدد من السلفيين ، وليس من العدل أن يُحكم على جميع السلفيين أو غالبهم من خلال الحكم على طائفة منسوبة إليهم ، وإلا فكيف غاب عن الكاتب جهود الأستاذ محمد رشيد رضا الإصلاحية ضد الأفكار المنحرفة ؟
وأين جهود العلاَّمة عبد الرحمن السعدي تجاه الملاحدة كما في رسالتيه :
« انتصار الحق في الرد على الملاحدة »
و « الأدلة القواطع والبراهين في إبطال أصول الملحدين » ؟
بل كتبَ الشيخ السعدي لمحمد رشيد رضا رسالة يؤكد عليه أن تُعنى مجلة المنار بالردّ على الملحدين .
وأين إنجازات سيد ومحمد قطب في مواجهة التغريب والمذاهب المادية ومشكلات الحضارة ؟
وأين مؤلفات الدكتور محمد محمد حسين - رحمه الله - في الرد على المذاهب الأدبية والفكرية كما في مؤلفاته أمثال :
( الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر ) ،
و ( حصوننا مهددة من الداخل ) ،
و ( الإسلام والحضارة الغربية ) ؟
وأين مواقف العلماء تجاه الغزو التشريعي والتشكيك في تحكيم الشريعة مثل ما كتبه الشيخ أحمد شاكر ، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي ، والعلاَّمة محمد بن إبراهيم آل الشيخ ، والشيخ عبد الرحمن الدوسري - رحمهم الله - ؟ [5] .
وتأمل ما سطره العلاَّمة السعدي ( ت 1376هـ ) في الرد على تلك الدعوى :
« قد عُلِمَ من قواعد الدين أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وأن الوسائل لها أحكام المقاصد ولا يخفى أنه لا يتم التحرز من أضرار الأمم الأجنبية والتوقي لشرورها إلا بالوقوف على مقاصدهم ودرس أحوالهم وسياساتهم ، وخصوصاً السياسة الموجهة منهم للمسلمين ؛ فإن السياسة الدولية قد أسست على المكر والخداع وعدم الوفاء واستعباد الأمم الضعيفة بكل وسائل الاستعباد ؛ فجهل المسلمين بها نقص كبير وضرر خطير ، ومعرفتها والوقوف على مقاصدها وغاياتها التي ترمي إليها نفع عظيم ، وفيه دفع للشر أو تخفيفه ، وبه يعرف المسلمون كيف يقابلون كل خطر » [6] .
ولا يزال باحثو أهل السنة وعلماؤها - في هذه السنوات الأخيرة - يسطرون الكتب والرسائل العلمية تجاه جملة من الأفكار الوافدة [7] .
لا شك أننا - معشرَ السلفيين - نعترف بتقصير وإهمال تجاه جملة من النوازل الفكرية المستجدة ، ولا يخفى أن ثمة فرقاً بين الاعتراف بهذا التقصير وبين أن يظن أن السلفيين إنما تركوها تديناً بهذا الترك والإهمال . وأحسب أن هذا التقصير ليس خاصاً بالسلفيين وحدهم ، بل هو مشكلة قائمة عند معظم التيارات الإسلامية ! وأما انتقاد الكاتب السلفيين لعدم دراستهم الديمقراطية ، والدراسات البنكية ، وعلم النفس .. !
فأقول : وهل يتعين على السلفيين أن يدرسوا كل القضايا النازلة ولا سيما أنها قد درسها غيرهم وبطريقة صحيحة [8] ، والحق ضالة المؤمن ؟
أم يريد الباحث أن تؤلف مؤلفات عن موقف أهل السنة من الديمقراطية ؟
وما الفرق بين هذا العنوان وبين : موقف الإسلام من الديمقراطية ؟
ولا سيما أن ثمة كتابات ومؤلفات في هذا الصدد ، وأما الدراسات البنكيةوالبدائل الشرعية فهي موجودة ، ولكن هل ترك لنا عقيل من دار ؟
وعلى كلٍّ فيبدو أن الكاتب يحتاج إلى مراجعة لنتاج أهل السنة قبل أن يصدر هذه الأحكام .
كما أن جملة من الإشكالات الواردة جاءت كرد فعل من الكاتب تجاه بعض الممارسات الخاطئة لفصائل من أهل السنة ، كما أن بعض إشكالاته قد عالجها بما يقابل تلك الإشكالات ؛ والانحراف انحراف على كل حال ، والخطأ لا يعالج بالخطأ مثل كلامه عن عداء الكفار للمسلمين ورغبته في تحريره واقعاً دون مجازفة ، مع أن من بدهيات هذا الدين أن عداء الكفار للمسلمين أصل ثابت ومحكم ، وما قد يقع خلاف الأصل فهو لمصالح وملابسات لا تشكك في هذا الأصل .
وأما عقدة المؤامرة عند السلفيين فقد توجد مبالغة عند بعضهم ، لكن هذه « العقدة » ، لم تكن ردة فعل تجاه السذاجة وحسن الظن بالأعداء عند الكثير من المسلمين ، بل كانت حصيلة أحداث ووقائع ، ومع ذلك كله فلا حاجة إلى تهويل المؤامرة أو تهوينها .
ختاماً : ينبغي التأكيد على أن الحوار الجاد والنقد العلمي البناء مطلب مهم من
المطالب الشرعية التي يجب التأكيد عليها ، والتعاون في إشاعتها ، ولهذا أشكر للأخ نواف حرصه على النقد والتصحيح ، وأرجو أن يتسع صدره لنقد النقد ؛
وهذا هو حسن الظن به إن شاء الله تعالى .
نسأل الله تعالى أن يهدينا وسائر إخواننا صراطه المستقيم .
________
(1) أخرجه أحمد ، (3/225) ، والترمذي في كتاب العلم ، ح/7 .
(2) أخرجه أحمد ، ح/ 18258 .
(3) مجموع الفتاوى ، 4/107 .
(4) ذكر الشيخ مسعود الندوي (ت 1373هـ) لقاءه بالشيخ ابن باز سنة 1368هـ وأن الشيخ ابن باز أفاده بأنه قرأ كتاب (النظرية السياسية) للمودودي ، وأبدى الشيخ ابن باز اعتراضه على قول المودودي في الآية الكريمة : { وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} (الحديد : 25) بأن معنى الحديد هنا القوة السياسية ثم قال الشيخ : يمكن أن يكون الأصل قوة أساسية ثم جاءت الترجمة « قوة
سياسية » ، فقال الشيخ مسعود : في الأصل قوة سياسية والمترجم التزم الأصل فقال ابن باز : حسناً، هذا أمر يسير ، لا أثر له على كتابه الأصلي انظر كتاب (شهور في ديار العرب) لمسعود الندوي ، ص50 .
(5) قد يظن بعض القراء أن ثمة تساهلاً في إطلاق السلفية على بعض المذكورين ك « محمد رشيد رضا ، وسيد قطب » - رحمة الله عليهم - ، ولا يخفى أن الأستاذ محمد رشيد رضا لا يخلو من نزعة صوفية سابقة ، كما أن عنده لوثة عقلانية ، كما أن سيد - رحمه الله - لا ينفك عن بعض الهنات اليسيرة التي صوبها بعض العلماء ونبهوا علىها ولم يغمطوا للرجل حقه ، وفي الجملة فإن المآخذ على هذين العلمين لا تخرجهما عن دائرة أهل السنة ، فلم تكن مخالفتهما فيما أحسب لقاعدة أو أصل كلي من قواعد الدين وأصوله ، كما حرر هذه المسألة الإمام الشاطبي في الاعتصام .
(6) رسالة وجوب التعاون بين المسلمين ، ص : 13 .
(7) انظر مثلاً : العلمانية ، للحوالي ، ومصادر المعرفة في الإسلام ، والانحراف العقدي في الأدب العربي المعاصر ، لسعيد الغامدي وغيرها كثير .
(8) درس بعض باحثي أهل السنة الديمقراطية كما في كتاب الثوابت والمتغيرات ، للصاوي وبنود وسراب الديمقراطية ، للرحال ، وغير ذلك .
وأحسب أن هذه الصحوة المباركة قد ارتقت - نضجاً وعلماً - بدءاً من الكتب
الفكرية الأصيلة في تقرير الثقة بالإسلام والرد على أعداء الإسلام إلى الاشتغال
بالعلوم الشرعية في تقرير منهج السلف الصالح

عبد الرحمن السديس
2007-03-23, 01:45 AM
بارك الله فيكم وفي الشيخ عبد العزيز ونفع به .

سبحان الله هناك تشابه بين دعاوى هذا الأخ ودعاوى الدكتور الأحمري عن السلفية والسلفيين، ويجمعها سوء التصور، وتعميم الكلام، وعدم التورع عن الحكم على الناس بالدعاوى والظن الباطل .