ابوخزيمةالمصرى
2015-08-06, 03:21 PM
ضوابط الهجر الشرعي (http://ferkous.com/home/?q=art-mois-78)
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فإنَّ البدع يكمن عظيم خطرها في تغيير وجه الدين وتشويه صورته، وذلك بتحريف الشريعة وتبديل معالمها، وكلَّما فُتح باب الابتداع في الدين زادت الأمَّة فُرقةً وخفي الحقُّ وغابت السنَّة في مجرى الشبهات المحيطة بالقلوب الضعيفة والميِّتة، بالنظر لكثرة البدع وفشوِّ الأهواء، الأمر الذي يؤدِّي -بطريقٍ أو بآخر- إلى ضعف الأمَّة وذهاب قوَّتها نتيجةً للخصومات والتنازع وظلم بعضها بعضًا وما يعقبها من العداوة والبغضاء.
والمبتدع في الدين متَّبعٌ لهواه: قدَّم شريعة الهوى على الهدى، واستحكم عنده الاستنباط المرسل على الحقِّ المسند، واتَّبع المتشابه من النصوص الشرعية وترك المحكم، واكتفى بالقرآن عن السنَّة في التشريع، واستدرك على صاحب الشرع، وادَّعى عدم كمال الشريعة ولو بلسان حاله، فانتصر لبدعته بالشبهات والضلالات والخرافات، واستدلَّ لها بترويج الأحاديث الموضوعة والضعيفة والقصص المكذوبة، فكان خطر المبتدع على الدين والأمَّة عظيمًا، وأثره السيِّئ عليها كبيرًا وجسيمًا، لذلك -تفاديًا لآفاته ومخاطره- أجمع أهل السنَّة والجماعة على هجر المبتدع والتحذير ممَّن ظهرت عليه علاماتُ الزيغ والانحراف من الدعاة إلى البدعة المظهرين للمعصية، بل أهل السنَّة مأمورون بمعاداة أهل البدع، والتشديد عليهم، والتنكيل بمن انحاش إلى جهتهم، وقد صرَّح الإمام أبو عثمان إسماعيل الصابوني -رحمه الله- بهذا الاتِّفاق بقوله: «واتَّفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع وإذلالهم وإخزائهم وإبعادهم وإقصائهم والتباعد منهم ومِن مصاحبتهم ومعاشرتهم، والتقرُّب إلى الله عزَّ وجلَّ بمجانبتهم ومهاجرتهم»(١).
فمحاربة البدع في الدين(٢) ونبذُها والتحذير منها والتشديد على أهلها من أبرز سمات المنهج السلفي لمناقضة البدع لأحد شرطَيِ العبادة، وهو المتابعة للرسول صلَّى الله عليه وسلَّم. وهجرُ أهل البدع والأهواء نوعٌ من العقوبة والتعزير والتأديب لمن بانت عليه بدعتُه وأعلن بمعصيته، فإنَّ ظهور العقوبة متعلِّقٌ بظهور المعصية، وهجرُ المجاهر بمعصيته هو هجرٌ للسيِّئات، وهجرُ السيِّئات هجرُ ما نهى الله عنه، لذلك كانت معاداة أهل البدعة وعدم مجالستهم والإصغاء إلى كلامهم والسماع منهم أو عرض آرائهم وشبهاتهم ومجادلتهم أمرًا مجمعًا عليه عند السلف، قال البغوي -رحمه الله-: «وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنَّة على هذا مجمعين متَّفقين على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم»(٣)، وقال ابن أبي زمنين -رحمه الله-: «ولم يزل أهل السنَّة يعيبون أهل الأهواء المضلَّة وينهون عن مجالستهم ويخوِّفون فتنتهم ويخبرون بخَلاقهم، ولا يرون ذلك غِيبةً لهم ولا طعنًا عليهم»(٤)، كما أفصح عن المقصود الشرعيِّ للهجر ابنُ تيمية -رحمه الله- في مَعْرِض بيانِ أنواع الهجر وأنه نوعان: أحدهما: بمعنى الترك للمنكرات، والثاني: بمعنى العقوبة عليها، فاستدلَّ لذلك بقوله تعالى: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ [المدثِّر: ٥]، وقوله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٠](٥)، وفي الحديث: «وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ»(٦)، فالهجر -إذن- يدخل في باب العقوبات الشرعية، فهو من جنس الجهاد في سبيل الله، ذلك لأنَّ تطهير الدين واجبٌ على الكفاية، لئلاَّ تمرض النفوس وتَفْسُدَ القلوب، محافظةً على كيان المجتمع المسلم وتماسُكه، حتَّى لا تنتشر البدعة وتفشوَ فيه وتؤثِّرَ على دينه وعقيدته(٧).
غير أنَّ الأمر بهجر أهل البدع ومجانبتِهم والإنكار عليهم وزجرهم وتأديبهم يخضع لضوابطَ شرعيةٍ يجب على الهاجر أن يراعيَها قبل الإقدام على الهجر، ليكون عدلاً وسطًا بين الإفراط والتفريط، وهي:
- أوَّلاً: أن يَحذَر الهاجر من اتِّباع الهوى، والْتماس حظوظ النفس، لأنَّ هجر المبتدع وأهل المعاصي عملٌ يُتقَرَّب به إلى الله تعالى، إذ شرط قبول العمل: الإخلاص والمتابعة لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: ١١٠].
- ثانيًا: أن يتثبَّت ويتبيَّن أنَّ ما وقع فيه المخالف دلَّت النصوص والأصول الشرعية على بِدعِيَّتِه وكونه معصيةً من جهةٍ، وأن يتيقَّن -من جهةٍ أخرى- أنَّ المخالف قد وقع فيها فعلاً، والتأكُّدُ من ذلك يندرج تحت باب «حَمْلِ النَّاسِ فِي دِينِهِمْ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ حَالِهِمْ، وَعَدَمِ أَخْذِهِمْ بِالتَّخَرُّصِ وَالظَّنِّ»، بل يتبيَّن حقيقةَ الحال لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ﴾ [الحجرات: ١٢]، وقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً﴾ [الإسراء: ٣٦]، وقد عقد الإمام ابن مفلحٍ -رحمه الله- فصلاً خاصًّا في كتابه «الآداب الشرعية»(٨) بعنوان: «لا تجوز الهجرة بخبر الواحد(٩) عمَّا يوجب الهجرةَ».
كما يجب أن يراعى خلوُّ المتلبِّس بالبدعة أو المعصية من الموانع والأعذار، كالجهل والتأوُّل وغيرهما، فأهل الأعذار والموانع تُقدَّم لهم النصيحة والبيان الذي لا تبقى معه الشبهة العالقة في الأذهان، فالرجل لا يُحْكَم عليه بالابتداع إلاَّ إذا خالف نصًّا شرعيًّا ظاهرًا أو أمرًا مجمعًا عليه خلافًا لا يُعْذَر فيه، وفي هذا السياق قال ابن تيمية -رحمه الله-: «...والبدعة التي يُعَدُّ بها الرجل من أهل الأهواء، ما اشتهر عند أهل العلم بالسنَّة مخالفتُها للكتاب والسنَّة، كبدعة الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة...»(١٠)، ويقول في نصٍّ آخَرَ: «من خالف الكتابَ المستبين، والسنَّة المستفيضة، أو ما أجمع عليه سلف الأمَّة خلافًا لا يُعْذَر فيه، فهذا يُعامَل بما يُعامَل به أهل البدع»(١١).
- ثالثًا: أن يراعيَ نوع البدعة ومراتبَها وأحوال أهلها، قال الشاطبي -رحمه الله-: «وإذا ثبت أنَّ المبتدع آثمٌ فليس الإثم الواقع عليه على رتبةٍ واحدةٍ، بل هو على مراتب مختلفةٍ، واختلافها يقع من جهاتٍ بحسب النظر الفقهي، فيختلف من جهة كون صاحبها مدَّعيًا للاجتهاد فيها أو مقلِّدًا، أو من جهة وقوعها في الضروريات أو الحاجيات أو التحسينيات، وكلُّ مرتبةٍ منها لها في نفسها مراتب، ومن جهة كون صاحبها مستترًا بها أو معلنًا، ومن جهة كونه داعيًا لها أو غير داعٍ لها، ومن جهة كونه -مع الدعاء إليها- خارجًا على غيره أو غير خارجٍ، ومن جهة كون البدعة حقيقيةً أو إضافيةً، ومن جهة كونها بيِّنةً أو مُشْكِلَةً، ومن جهة كونها كفرًا أو غير كفرٍ، ومن جهة الإصرار عليها أو عدمه، إلى غير ذلك من الوجوه التي يُقْطَع معها بالتفاوت في عِظَمِ الإثم وعدمه أو يغلب على الظنِّ»(١٢)، ولا شكَّ في وجود تفاوتٍ عريضٍ بين مختلف أنواع البدع من جهة مراتبها وأهلها: فلا بدعة أعظم وزرًا من البدعة المكفِّرة فإنها تُخرج المبتدع عن الإسلام كبدعة الباطنية والزنادقة، والبدعةُ الحقيقية أكبر ذنبًا من الإضافية لأنَّ الأُولى مخالَفةٌ محضةٌ للأدلَّة الشرعية من كلِّ الوجوه كالقول بالقدر، وإنكار الإجماع وخبر الواحد، والقول بالإمام المعصوم ونحو ذلك، بخلاف البدعة الإضافية فهي -وإن كانت تجري مجرى البدعة الحقيقية- إلاَّ أنَّ بينهما فرقًا ظاهرًا: فالبدعة الإضافية مشروعةٌ من وجهٍ فلم تنافِ الأدلَّة من كلِّ الوجوه، وكذلك البدعة البيِّنة المأخذ أعظم ذنبًا من المشكلة لأنَّ في الإقدام عليها مخالَفةً محضةً، بخلاف البدعة المُشْكِلة فيُحتمل ألاَّ تكون بدعةً، والإقدام على المحتمل أخفض رتبةً من الإقدام على البيِّن الظاهر، والمصرُّ على البدعة -ولو كانت صغيرةً- أعظم وزرًا من غير المصرِّ، لأنَّ البدعة تعظم بالإصرار عليها، ويُلْحَق بهذا المقصودِ المبتدعُ المتهاون بها المسهِّل لأمرها فهو أعظم ذنبًا من غيره(١٣)، ومن ذلك التفريق بين من استقرَّت بدعته وأظهرها ودعا إليها ونافح عنها، وبين المستتر ببدعته غير الداعي إليها، فالأوَّل هو الذي يُزْجَر بهجره ويُحذَّر منه، وهو محلُّ إجماع أهل العلم، بخلاف المستتر بمعصيته أو المُسِرِّ لبدعته، فهذا يُقْبَل ظاهرُه إن أبدى الخيرَ والصلاح، لأنَّ «ضرره مقصورٌ عليه لا يتعدَّاه إلى غيره، فعلى أيِّ صورةٍ فُرضت البدعة -كونها كبيرةً أو صغيرةً أو مكروهةً- فهي باقيةٌ على حكمها»(١٤)، لذلك تُوكَل سريرَته إلى الله تعالى، فمثلُه -في الحكم- يُنَزَّل منزلةَ المنافقين الذين جاءوا إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عامَ تبوكَ يحلفون ويعتذرون، فقبل النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ظاهرَهم وعلانيتهم، ووكل سرائرهم إلى الله(١٥)، فمن أَسَرَّ أُسِرَّ هجرُه، بخلاف من أعلن بمعصيته، فإعلانه بها ذريعةٌ إلى الاقتداء به، وخاصَّةً المبتدع الداعي إلى بدعته بلسانٍ فصيحٍ، فمظنَّة الاقتداء به ظاهرةٌ، فكان ظهور العقوبة متعلِّقًا بظهور المعصية، وقد جاء كلام الشاطبي -رحمه الله- مفصحًا عن هذا المعنى بقوله: «وأمَّا إذا دعا إليها فمظنَّة الاقتداء أقوى وأظهر، ولا سيَّما المبتدع اللَّسِن الفصيح الآخذ بمجامع القلوب إذا أخذ في الترغيب والترهيب، وأدلى بشبهته التي تُداخل القلب بزخرفها، كما كان معبدٌ الجُهَنِيُّ يدعو الناس إلى ما هو عليه من القول بالقدر، ويلوي بلسانه نسبتَه إلى الحسن البصري»(١٦)، وبلور ابن تيمية -رحمه الله- في تفصيلٍ له بما نصُّه: «فأمَّا من كان مستترًا بمعصيةٍ أو مُسِرًّا لبدعةٍ غيرِ مكفِّرةٍ؛ فإنَّ هذا لا يُهْجَر، وإنما يُهْجَر الداعي إلى البدعة، إذ الهجر نوعٌ من العقوبة، وإنما يعاقب من أظهر المعصيةَ قولاً أو عملاً، وأمَّا من أظهر لنا خيرًا فإنَّا نقبل علانيتَه، ونَكِلُ سريرتَه إلى الله تعالى، فإنَّ غايته أن يكون بمنزلة المنافقين الذين كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقبل علانيتهم وَيَكِلُ سرائرهم إلى الله لَمَّا جاءوا إليه عامَ تبوكَ يحلفون ويعتذرون، ولهذا كان الإمام أحمد وأكثر من قبله وبعده من الأئمَّة كمالكٍ وغيره لا يقبلون روايةَ الداعي إلى بدعةٍ ولا يجالسونه بخلاف الساكت، وقد أخرج أصحاب الصحيح عن جماعاتٍ مِمَّن رُمِيَ ببدعةٍ من الساكتين، ولم يُخْرِجوا عن الدعاة إلى البدع»(١٧).
لذلك كان الأصل أنَّ الحكم على الناس في الدنيا إنما هو بحسب ما ظهر منهم خيرًا أو سوءًا، أمَّا ما كان خفيًّا أو مستترًا فالمطالبة بالتنقيب عن بواطن الناس غيرُ مأمورٍ به شرعًا، ويؤيِّد هذا الأصل قصَّة الرجل الذي راجع النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الزكاة وقال له: «يَا رَسُولَ اللهِ اتَّقِ اللهَ»، قَالَ: «وَيْلَكَ، أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ»، قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ، قَالَ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ: «يَا رَسُولَ اللهِ، أَلاَ أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟» قَالَ: «لاَ، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي» فَقَالَ خَالِدٌ: «وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ»، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ»، الحديث(١٨)، كما يدلُّ عليه قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ»، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ»(١٩)، وفي شرح معنى قوله: «وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ» يقول الخطَّابي -رحمه الله-: «معناه: فيما يستسرُّون به دون ما يُخِلُّون به من الأحكام الواجبة عليهم في الظاهر، وفيه دليلٌ أنَّ الكافر المستسرَّ بكفره لا يُتعرَّض له إذا كان ظاهره الإسلام ويُقْبَل توبتُه إذا أظهر الإنابة من كفرٍ عُلم بإقراره أنه كان يستسرُّ به وهو قول أكثر العلماء»(٢٠).
وقد أخرج البخاري -رحمه الله- عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه أنه كان يقول: «إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ، وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ، اللهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ وَإِنْ قَالَ: إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ»(٢١).
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فإنَّ البدع يكمن عظيم خطرها في تغيير وجه الدين وتشويه صورته، وذلك بتحريف الشريعة وتبديل معالمها، وكلَّما فُتح باب الابتداع في الدين زادت الأمَّة فُرقةً وخفي الحقُّ وغابت السنَّة في مجرى الشبهات المحيطة بالقلوب الضعيفة والميِّتة، بالنظر لكثرة البدع وفشوِّ الأهواء، الأمر الذي يؤدِّي -بطريقٍ أو بآخر- إلى ضعف الأمَّة وذهاب قوَّتها نتيجةً للخصومات والتنازع وظلم بعضها بعضًا وما يعقبها من العداوة والبغضاء.
والمبتدع في الدين متَّبعٌ لهواه: قدَّم شريعة الهوى على الهدى، واستحكم عنده الاستنباط المرسل على الحقِّ المسند، واتَّبع المتشابه من النصوص الشرعية وترك المحكم، واكتفى بالقرآن عن السنَّة في التشريع، واستدرك على صاحب الشرع، وادَّعى عدم كمال الشريعة ولو بلسان حاله، فانتصر لبدعته بالشبهات والضلالات والخرافات، واستدلَّ لها بترويج الأحاديث الموضوعة والضعيفة والقصص المكذوبة، فكان خطر المبتدع على الدين والأمَّة عظيمًا، وأثره السيِّئ عليها كبيرًا وجسيمًا، لذلك -تفاديًا لآفاته ومخاطره- أجمع أهل السنَّة والجماعة على هجر المبتدع والتحذير ممَّن ظهرت عليه علاماتُ الزيغ والانحراف من الدعاة إلى البدعة المظهرين للمعصية، بل أهل السنَّة مأمورون بمعاداة أهل البدع، والتشديد عليهم، والتنكيل بمن انحاش إلى جهتهم، وقد صرَّح الإمام أبو عثمان إسماعيل الصابوني -رحمه الله- بهذا الاتِّفاق بقوله: «واتَّفقوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع وإذلالهم وإخزائهم وإبعادهم وإقصائهم والتباعد منهم ومِن مصاحبتهم ومعاشرتهم، والتقرُّب إلى الله عزَّ وجلَّ بمجانبتهم ومهاجرتهم»(١).
فمحاربة البدع في الدين(٢) ونبذُها والتحذير منها والتشديد على أهلها من أبرز سمات المنهج السلفي لمناقضة البدع لأحد شرطَيِ العبادة، وهو المتابعة للرسول صلَّى الله عليه وسلَّم. وهجرُ أهل البدع والأهواء نوعٌ من العقوبة والتعزير والتأديب لمن بانت عليه بدعتُه وأعلن بمعصيته، فإنَّ ظهور العقوبة متعلِّقٌ بظهور المعصية، وهجرُ المجاهر بمعصيته هو هجرٌ للسيِّئات، وهجرُ السيِّئات هجرُ ما نهى الله عنه، لذلك كانت معاداة أهل البدعة وعدم مجالستهم والإصغاء إلى كلامهم والسماع منهم أو عرض آرائهم وشبهاتهم ومجادلتهم أمرًا مجمعًا عليه عند السلف، قال البغوي -رحمه الله-: «وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنَّة على هذا مجمعين متَّفقين على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم»(٣)، وقال ابن أبي زمنين -رحمه الله-: «ولم يزل أهل السنَّة يعيبون أهل الأهواء المضلَّة وينهون عن مجالستهم ويخوِّفون فتنتهم ويخبرون بخَلاقهم، ولا يرون ذلك غِيبةً لهم ولا طعنًا عليهم»(٤)، كما أفصح عن المقصود الشرعيِّ للهجر ابنُ تيمية -رحمه الله- في مَعْرِض بيانِ أنواع الهجر وأنه نوعان: أحدهما: بمعنى الترك للمنكرات، والثاني: بمعنى العقوبة عليها، فاستدلَّ لذلك بقوله تعالى: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ [المدثِّر: ٥]، وقوله تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٠](٥)، وفي الحديث: «وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ»(٦)، فالهجر -إذن- يدخل في باب العقوبات الشرعية، فهو من جنس الجهاد في سبيل الله، ذلك لأنَّ تطهير الدين واجبٌ على الكفاية، لئلاَّ تمرض النفوس وتَفْسُدَ القلوب، محافظةً على كيان المجتمع المسلم وتماسُكه، حتَّى لا تنتشر البدعة وتفشوَ فيه وتؤثِّرَ على دينه وعقيدته(٧).
غير أنَّ الأمر بهجر أهل البدع ومجانبتِهم والإنكار عليهم وزجرهم وتأديبهم يخضع لضوابطَ شرعيةٍ يجب على الهاجر أن يراعيَها قبل الإقدام على الهجر، ليكون عدلاً وسطًا بين الإفراط والتفريط، وهي:
- أوَّلاً: أن يَحذَر الهاجر من اتِّباع الهوى، والْتماس حظوظ النفس، لأنَّ هجر المبتدع وأهل المعاصي عملٌ يُتقَرَّب به إلى الله تعالى، إذ شرط قبول العمل: الإخلاص والمتابعة لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: ١١٠].
- ثانيًا: أن يتثبَّت ويتبيَّن أنَّ ما وقع فيه المخالف دلَّت النصوص والأصول الشرعية على بِدعِيَّتِه وكونه معصيةً من جهةٍ، وأن يتيقَّن -من جهةٍ أخرى- أنَّ المخالف قد وقع فيها فعلاً، والتأكُّدُ من ذلك يندرج تحت باب «حَمْلِ النَّاسِ فِي دِينِهِمْ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ حَالِهِمْ، وَعَدَمِ أَخْذِهِمْ بِالتَّخَرُّصِ وَالظَّنِّ»، بل يتبيَّن حقيقةَ الحال لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ﴾ [الحجرات: ١٢]، وقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً﴾ [الإسراء: ٣٦]، وقد عقد الإمام ابن مفلحٍ -رحمه الله- فصلاً خاصًّا في كتابه «الآداب الشرعية»(٨) بعنوان: «لا تجوز الهجرة بخبر الواحد(٩) عمَّا يوجب الهجرةَ».
كما يجب أن يراعى خلوُّ المتلبِّس بالبدعة أو المعصية من الموانع والأعذار، كالجهل والتأوُّل وغيرهما، فأهل الأعذار والموانع تُقدَّم لهم النصيحة والبيان الذي لا تبقى معه الشبهة العالقة في الأذهان، فالرجل لا يُحْكَم عليه بالابتداع إلاَّ إذا خالف نصًّا شرعيًّا ظاهرًا أو أمرًا مجمعًا عليه خلافًا لا يُعْذَر فيه، وفي هذا السياق قال ابن تيمية -رحمه الله-: «...والبدعة التي يُعَدُّ بها الرجل من أهل الأهواء، ما اشتهر عند أهل العلم بالسنَّة مخالفتُها للكتاب والسنَّة، كبدعة الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة...»(١٠)، ويقول في نصٍّ آخَرَ: «من خالف الكتابَ المستبين، والسنَّة المستفيضة، أو ما أجمع عليه سلف الأمَّة خلافًا لا يُعْذَر فيه، فهذا يُعامَل بما يُعامَل به أهل البدع»(١١).
- ثالثًا: أن يراعيَ نوع البدعة ومراتبَها وأحوال أهلها، قال الشاطبي -رحمه الله-: «وإذا ثبت أنَّ المبتدع آثمٌ فليس الإثم الواقع عليه على رتبةٍ واحدةٍ، بل هو على مراتب مختلفةٍ، واختلافها يقع من جهاتٍ بحسب النظر الفقهي، فيختلف من جهة كون صاحبها مدَّعيًا للاجتهاد فيها أو مقلِّدًا، أو من جهة وقوعها في الضروريات أو الحاجيات أو التحسينيات، وكلُّ مرتبةٍ منها لها في نفسها مراتب، ومن جهة كون صاحبها مستترًا بها أو معلنًا، ومن جهة كونه داعيًا لها أو غير داعٍ لها، ومن جهة كونه -مع الدعاء إليها- خارجًا على غيره أو غير خارجٍ، ومن جهة كون البدعة حقيقيةً أو إضافيةً، ومن جهة كونها بيِّنةً أو مُشْكِلَةً، ومن جهة كونها كفرًا أو غير كفرٍ، ومن جهة الإصرار عليها أو عدمه، إلى غير ذلك من الوجوه التي يُقْطَع معها بالتفاوت في عِظَمِ الإثم وعدمه أو يغلب على الظنِّ»(١٢)، ولا شكَّ في وجود تفاوتٍ عريضٍ بين مختلف أنواع البدع من جهة مراتبها وأهلها: فلا بدعة أعظم وزرًا من البدعة المكفِّرة فإنها تُخرج المبتدع عن الإسلام كبدعة الباطنية والزنادقة، والبدعةُ الحقيقية أكبر ذنبًا من الإضافية لأنَّ الأُولى مخالَفةٌ محضةٌ للأدلَّة الشرعية من كلِّ الوجوه كالقول بالقدر، وإنكار الإجماع وخبر الواحد، والقول بالإمام المعصوم ونحو ذلك، بخلاف البدعة الإضافية فهي -وإن كانت تجري مجرى البدعة الحقيقية- إلاَّ أنَّ بينهما فرقًا ظاهرًا: فالبدعة الإضافية مشروعةٌ من وجهٍ فلم تنافِ الأدلَّة من كلِّ الوجوه، وكذلك البدعة البيِّنة المأخذ أعظم ذنبًا من المشكلة لأنَّ في الإقدام عليها مخالَفةً محضةً، بخلاف البدعة المُشْكِلة فيُحتمل ألاَّ تكون بدعةً، والإقدام على المحتمل أخفض رتبةً من الإقدام على البيِّن الظاهر، والمصرُّ على البدعة -ولو كانت صغيرةً- أعظم وزرًا من غير المصرِّ، لأنَّ البدعة تعظم بالإصرار عليها، ويُلْحَق بهذا المقصودِ المبتدعُ المتهاون بها المسهِّل لأمرها فهو أعظم ذنبًا من غيره(١٣)، ومن ذلك التفريق بين من استقرَّت بدعته وأظهرها ودعا إليها ونافح عنها، وبين المستتر ببدعته غير الداعي إليها، فالأوَّل هو الذي يُزْجَر بهجره ويُحذَّر منه، وهو محلُّ إجماع أهل العلم، بخلاف المستتر بمعصيته أو المُسِرِّ لبدعته، فهذا يُقْبَل ظاهرُه إن أبدى الخيرَ والصلاح، لأنَّ «ضرره مقصورٌ عليه لا يتعدَّاه إلى غيره، فعلى أيِّ صورةٍ فُرضت البدعة -كونها كبيرةً أو صغيرةً أو مكروهةً- فهي باقيةٌ على حكمها»(١٤)، لذلك تُوكَل سريرَته إلى الله تعالى، فمثلُه -في الحكم- يُنَزَّل منزلةَ المنافقين الذين جاءوا إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عامَ تبوكَ يحلفون ويعتذرون، فقبل النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ظاهرَهم وعلانيتهم، ووكل سرائرهم إلى الله(١٥)، فمن أَسَرَّ أُسِرَّ هجرُه، بخلاف من أعلن بمعصيته، فإعلانه بها ذريعةٌ إلى الاقتداء به، وخاصَّةً المبتدع الداعي إلى بدعته بلسانٍ فصيحٍ، فمظنَّة الاقتداء به ظاهرةٌ، فكان ظهور العقوبة متعلِّقًا بظهور المعصية، وقد جاء كلام الشاطبي -رحمه الله- مفصحًا عن هذا المعنى بقوله: «وأمَّا إذا دعا إليها فمظنَّة الاقتداء أقوى وأظهر، ولا سيَّما المبتدع اللَّسِن الفصيح الآخذ بمجامع القلوب إذا أخذ في الترغيب والترهيب، وأدلى بشبهته التي تُداخل القلب بزخرفها، كما كان معبدٌ الجُهَنِيُّ يدعو الناس إلى ما هو عليه من القول بالقدر، ويلوي بلسانه نسبتَه إلى الحسن البصري»(١٦)، وبلور ابن تيمية -رحمه الله- في تفصيلٍ له بما نصُّه: «فأمَّا من كان مستترًا بمعصيةٍ أو مُسِرًّا لبدعةٍ غيرِ مكفِّرةٍ؛ فإنَّ هذا لا يُهْجَر، وإنما يُهْجَر الداعي إلى البدعة، إذ الهجر نوعٌ من العقوبة، وإنما يعاقب من أظهر المعصيةَ قولاً أو عملاً، وأمَّا من أظهر لنا خيرًا فإنَّا نقبل علانيتَه، ونَكِلُ سريرتَه إلى الله تعالى، فإنَّ غايته أن يكون بمنزلة المنافقين الذين كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقبل علانيتهم وَيَكِلُ سرائرهم إلى الله لَمَّا جاءوا إليه عامَ تبوكَ يحلفون ويعتذرون، ولهذا كان الإمام أحمد وأكثر من قبله وبعده من الأئمَّة كمالكٍ وغيره لا يقبلون روايةَ الداعي إلى بدعةٍ ولا يجالسونه بخلاف الساكت، وقد أخرج أصحاب الصحيح عن جماعاتٍ مِمَّن رُمِيَ ببدعةٍ من الساكتين، ولم يُخْرِجوا عن الدعاة إلى البدع»(١٧).
لذلك كان الأصل أنَّ الحكم على الناس في الدنيا إنما هو بحسب ما ظهر منهم خيرًا أو سوءًا، أمَّا ما كان خفيًّا أو مستترًا فالمطالبة بالتنقيب عن بواطن الناس غيرُ مأمورٍ به شرعًا، ويؤيِّد هذا الأصل قصَّة الرجل الذي راجع النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الزكاة وقال له: «يَا رَسُولَ اللهِ اتَّقِ اللهَ»، قَالَ: «وَيْلَكَ، أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ»، قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ، قَالَ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ: «يَا رَسُولَ اللهِ، أَلاَ أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟» قَالَ: «لاَ، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي» فَقَالَ خَالِدٌ: «وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ»، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ»، الحديث(١٨)، كما يدلُّ عليه قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ»، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ»(١٩)، وفي شرح معنى قوله: «وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ» يقول الخطَّابي -رحمه الله-: «معناه: فيما يستسرُّون به دون ما يُخِلُّون به من الأحكام الواجبة عليهم في الظاهر، وفيه دليلٌ أنَّ الكافر المستسرَّ بكفره لا يُتعرَّض له إذا كان ظاهره الإسلام ويُقْبَل توبتُه إذا أظهر الإنابة من كفرٍ عُلم بإقراره أنه كان يستسرُّ به وهو قول أكثر العلماء»(٢٠).
وقد أخرج البخاري -رحمه الله- عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه أنه كان يقول: «إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ، وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ، اللهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ وَإِنْ قَالَ: إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ»(٢١).