مشاهدة النسخة كاملة : تأملات في العقائد السلفية ... {فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} ... (2) مناقشة كلام شيخ الإسلام
عيد فهمي
2008-04-02, 09:29 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومَن تبِع وَفده.
أما بعد
فقد جاء في مجموع فتاوى ابن تيمية (ج1/ص251) في مناظرته على العقيدة الواسطية:
((فأحضر بعض أكابرهم كتاب "الأسماء والصفات" للبيهقي -رحمه الله تعالى- فقال: هذا فيه تأويل الوجه عن السلف فقلت: لعلك تعني قوله تعالى: فففولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه اللهققق فقال: نعم. قد قال مجاهد والشافعي يعني قبلة الله. فقلت: نعم، هذا صحيح عن مجاهد والشافعي وغيرهما، وهذا حق وليست هذه الآية من آيات الصفات. ومن عدّها في الصفات فقد غلط كما فعل طائفة ؛ فإن سياق الكلام يدل على المراد حيث قال: فففولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه اللهققق والمشرق والمغرب الجهات. والوجه هو الجهة؛ يقال أي وجه تريده؟ أي: أي جهة. وأنا أريد هذا الوجه. أي: هذه الجهة. كما قال تعالى: فففولكل وجهة هو موليهاققق ولهذا قال: ففففأينما تولوا فثم وجه اللهققق أي تستقبلوا وتتوجهوا والله أعلم.))أ.هـ.
ثم تبنى هذا التفسير في غالب كتبه وتبعه عليه بعض الناس.
بل ونسب ذلك إلى جمهور السلف في موضع آخر حيث قال في مجموع الفتاوى (ج2/ص429):
((قوله: فففولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه اللهققق أى قبلة الله ووجهة الله هكذا قال جمهور السلف))
قلت:
هذا تأويل صريح للآية، ومخالف لما ورد عن السلف فيها، ونسبة هذا التفسير لجمهور السلف غير صحيح بل لا وجود له عن غير مجاهد ومقاتل وسوف نذكر ذلك في موضعه.
وكلام شيخ الإسلام رحمه الله يُرد عليه من وجوه:
الأول: لا يعرف إطلاق وجه الله على القبلة لغة ولا شرعا ولا عرفا بل القبلة لها اسم يخصها والوجه له اسم يخصه فلا يدخل أحدهما على الآخر ولا يستعار اسمه له.
الثاني: الوجه إذا أضيف لله في القرآن والسنة لا يراد به إلا الصفة في غير هذا الموضع، فاستثناؤه تحكّم غير مقبول
الثالث: قوله: ((والوجه هو الجهة؛ يقال أي وجه تريده؟ أي: أي جهة. وأنا أريد هذا الوجه. أي: هذه الجهة.)) من أخطر ما يكون إذ به يمكن ردّ جميع آيات والأحاديث التي فيها ذكر صفة الوجه، وهناك فارق بين الوجه إذا جاء معرفا بـ (أل) وبين (وجه) إذا جاء مضافا (وجه الله) فهذا لا يحتمل غير الصفة بل إن شيخ الإسلام نفسه شنّع على مثبتة المجاز في اعتبارهم (وجه الطريق) مجازا وقال هو وجه على الحقيقة وتختلف كيفيته باختلاف المضاف إليه وإن كان معناه واحدا، فكيف خالف ذلك هنا؟
الرابع: أن الأحاديث الصحيحة جاءت مفسرة للآية مشتقة منها:
كقوله صلى الله عليه و سلم "إذا قام أحدكم الى الصلاة فإنما يستقبل ربه"
وقوله: "فإن الله يقبل إليه بوجهه عنه"
وقوله: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصقن قبل وجهه" وقوله: "فإن الله بينه وبين القبلة"
وقوله: "إن الله يأمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فان الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت"
وقال: "إن العبد اذا توضأ فأحسن الوضوء ثم قام الى الصلاة أقبل الله عليه بوجهه فلا ينصرف عنه حتى ينصرف أو يحدث حدث سوء"
وقوله: "إذا قام العبد يصلي أقبل الله عليه بوجهه فاذا التفت أعرض الله عنه وقال: يا ابن آدم أنا خير ممن تلتفت اليه فاذا أقبل على صلاته أقبل الله عليه فإذا التفت أعرض الله عنه"
الخامس: الظاهر في معناه إذا اطّرد استعماله في موارده مستويا امتنع تأويله وإن جاز تأويل ظاهر ما لم يطرد في موارد استعماله؛ لأن التأويل إنما يكون لموضع جاء نادرا خارجا عن نظائره منفردا عنها فيؤول حتى يرد إلى نظائره، وتأويل هذا غير ممتنع؛ لأنه إذا عرف من عادة المتكلم باطراد كلامه في توارد استعماله معنى ألفه المخاطب فإذا جاء موضع يخالفه رده السامع بما عهد من عرف المخاطب إلى عادته المطردة هذا هو المعقول في الأذهان والفطر وعند كافة العقلاء.
السادس: ما جاء عن الشافعي فهو وجادة للبيهقي بغير إسناد ومن أنعم النظر في الكلمة المنقولة عنه أيقن أنها ليست من كلامه وهي قوله: "فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ }يَعْنِي -وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- : فَثَمَّ الْوَجْهُ الَّذِي وَجَّهَكُمْ اللَّهُ إلَيْهِ" فما هذا بأسلوب الشافعي خاصة قوله: (والله أعلم) بين ثنايا كلامه، وكتبه شاهدة بذلك، ولعلها مدرجة بين ثنايا كلامه ممن روى عن المزني هذه النسخة أو مِن بعض مَن امتلكها فلا حجة فيها
وعلى فرض ثبوتها -وهو بعيد- فالأولى حملها على التفسير باللازم لموافقة جمهور السلف الذين عدوها من آيات الصفات.
السابع: اعتماد قول مجاهد في تفسير الآية غير مقبول لأمور:
الأول: اختلاف القول عنه فيها فاعتماد ما وافق فيه منهج السلف أولى من غيره.
الثاني: طعن بعض أهل العلم في إسناد ذلك له.
الثالث: احتمال كونه من التفسير باللازم وهذا مشهور عن السلف وخصوصا مجاهد وهو يظهر أكثر من الرابع .
الرابع من الأمور: قد صح عن مجاهد تأويل بعض آيات الصفات، مما يجعل النفس لا تطمئن لما نقل عنه في باب الصفات، وأذكر لذلك مثالا واضحا جليًّا:
قوله تعالى: فففإِلَى رَبّهَا نَاظِرَةققق
قال الطبري -بعد أن ذكر مذهب السلف الصحيح في تفسيرها-:
((وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنها تنتظر الثواب من ربها.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عمر بن عبيد، عن منصور، عن مجاهد( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) قال: تنتظر منه الثواب.
قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) قال: تنتظر الثواب من ربها.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) قال: تنتظر الثواب.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور عن مجاهد( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) قال: تنتظر الثواب من ربها، لا يراه من خلقه شيء.
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن مجاهد (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) قال: نضرة من النعيم (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) قال: تنتظر رزقه وفضله.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، قال: كان أناس يقولون في حديث: "فيرون ربهم" فقلت لمجاهد: إن ناسا يقولون إنه يُرى، قال: يَرى، ولا يراه شيء.))أ.هـ.
وهذا تأويل فاسد من مجاهد، وقد ردّ عليه ابن تيمية وإن لم يصرّح باسمه فقال في الفتوى الحموية والرسالة العرشية:
((فأما الذى جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقا وتكلفا فقد استهوته الشياطين فى الأرض حيران فصار يستدل بزعمه على جحد ما وصف الرب وسمى من نفسه بأن قال لابد إن كان له كذا من أن يكون له كذا فعمى عن البين بالخفى فجحد ما سمى الرب من نفسه لصمت الرب عما لم يسم منها فلم يزل يملى له الشيطان حتى جحد قول الله عز و جل فففوجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرةققق فقال: لا يَراه أحد يوم القيامة. فجحد والله أفضل كرامة الله التى أكرم بها أولياءه يوم القيامة من النظر الى وجهه ونضرته إياهم فى مقعد صدق عند مليك مقتدر))وإن كان قد اعتذر له في موضع آخر في قاعدة: هل كل مجتهد مصيب؟ حيث قال:
((فصل والخطأ المغفور في الاجتهاد هو فى نوعي المسائل الخبرية والعلمية .... وكما نقل عن بعض التابعين: إن الله لا يُرى. وفسروا قوله: فففوجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرةققق بأنها تنتظر ثواب ربها كما نقل عن مجاهد وأبي صالح)) وهذا يؤكد أنه كان على علم بقول مجاهد عندما انتقده.
ولم يعوّل أحد من أهل السنة على قوله ذلك قال ابن كثير في تفسيره:
((ومن تأوّل ذلك بأن المراد بـ فففإِلَىققق مفرد الآلاء، وهي النعم، كما قال الثوري، عن منصور، عن مجاهد: فففإِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌققق فقال تنتظر الثواب من ربها. رواه ابن جرير من غير وجه عن مجاهد. وكذا قال أبو صالح أيضا -فقد أبعد هذا القائل النجعة، وأبطل فيما ذهب إليه.))أ.هـ.
فكيف يعتمد قوله فيما خالف فيه سلف الأمة هنا ولم يعتمد هناك؟ وهذا يظهر من السابع.
الثامن من الوجوه: قد توارد سلف الأمة الذين صنفوا في العقيدة خاصة على عدّ هذه الآية من آيات الصفات، فقول ابن تيمية السابق: ((ومن عدّها في الصفات فقد غلط)) فيه ما فيه، فقد عدّها في الصفات الإمام أحمد وابنه الإمام عبد الله بن أحمد والإمام عثمان بن سعيد الدارمي والإمام ابن خزيمة والإمام ابن بطة والإمام اللالكائي والإمام البربهاري والإمام الطبري والإمام ابن عبد البر والإمام ابن القيم والإمام السعدي وابن عثيمين وغيرهم كثير ممن سبقوه أو لحقوه أو عاصروه.
فهل يقال: كل هؤلاء غلطوا وخالفوا جمهور السلف؟ ومَن السلف غيرهم؟
وسوف أذكر هنا بعض النقولا ت عمَّن عدّ هذه الآية من آيات الصفات ممن سبقوا ابن تيمية من أهل السنة، فمنهم:
1- الإمام أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله
قال ابنه عبد الله بن أحمد في كتاب السنة (2/512):
1202 - وجدت في كتاب أبي بخط يده مما يحتج به على الجهمية من القرآن الكريم ....وفي البقرة فففولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليمققق
2- الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله
قال في نقضه على بشر المريسي (2/709):
وسنذكر في ذكر الوجه آيات وآثارا مسندة ليعرضها أهل المعرفة بالله على تفسيرك هل يحتمل شيئا منها شيء منه فإن كنت لا تؤمن بها فخير منك وأطيب من عباد الله المؤنين من قد آمن بها وأيقن، قال الله تعالى فففكل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرامققق فففكل شيء هالك إلا وجههققق فففإلا ابتغاء وجه ربه الأعلىققق ففففأينما تولوا فثم وجه اللهققق فففإنما نطعمكم لوجه اللهققق فالخيبة لمن كفر بهذه الآيات كلها أنها ليست بوجه الله نفسه
3- الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة رحمه الله
قال في كتاب التوحيد (1/25):
وقال فففولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه اللهققق فأثبت الله لنفسه وجها
وقال في (1/38):
ونبينا قد أعلم أمته ما أمر الله عز و جل به يحيى بن زكريا عليهما السلام أن يأمر به بني إسرائيل لتعلم وتستيقن أمته أن لله وجها يقبل به على وجه المصلي له كما أوحى إليه فيما أنزل عليه من الفرقان ففففأينما تولوا-أى بصلاتكم- فثم وجه اللهققق
4- الإمام عبيد الله بن محمد بن بطة
قال في كتاب الإبانة (3/319):
الله عز و جل وصف نفسه بما شاء ثم وصف خلقه بمثل تلك الصفات في الأسماء والصفات واحدة وليس الموصوف بها مثله، قال الله عز وجل ففففأينما تولوا فثم وجه اللهققق و فففكل شيء هالك إلا وجههققق وقال: ففففولوا وجوهكم شطرهققق فذكر لنفسه وجها وذكر لخلقه وجوها
..........
وهناك غيرهم كثير، وقد تابعهم أئمة أهل السنة بعد شيخ الإسلام أيضا وسأقتصر على ذكر كلام واحد منهم فقط لشدّة صلته بابن تيمية ألا وهو خريجه وحامل علمه وناشر أقواله الإمام ابن القيم -ومنه استفدت أكثر ردودي السابقة-؛ لتعلم أن أئمة السلفية هم أكثر الناس حرصا على اتباع الحق وليس تقليد الرجال، وأن الحق أحب إلينا من كل أحد، وأن منهجنا أن كلا يؤخذ منه ويترك إلا رسول الله
فقد نقل صاحب شرح قصيدة ابن القيم (2/303- 307) كلام الإمام ابن القيم في الصواعق -وهو أوعب ما وجدته في الكلام على هذه الآية-:
الصحيح في قوله ففففثم وجه اللهققق أنه كقوله في سائر الآيات التي فيها ذكر الوجه فإنه قد اطرد مجيئة في القرآن والسنة مضافا الى الرب تعالى على طريقة واحدة ومعنى واحد فليس فيه معنيان مختلفان في جميع المواضع غير الموضع الذي ذكره في سورة البقرة وهو قوله ففففثم وجه اللهققق وهذا لا يتعين حمله على القبلة أو الجهة ولا يمنع أن يراد به وجه الرب حقيقة فحمله على موارده ونظائره كلها أولى ومنها أنه لا يعرف إطلاق وجه الله على القبلة لغة ولا شرعا ولا عرفا بل القبلة لها اسم يخصها والوجه له اسم يخصه فلا يدخل أحدهما على الآخر ولا يستعار اسمه له نعم القبلة تسمى وجهة كما قال تعالى فففولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونواققق وقد تسمى "جهة" وأصلها "وجهة" لكن أُعلَّت بحذف "فائها" كـ "زنة" و "عدة" وإنما سميت قبلة و وجهة؛ لأن الرجل يقابلها ويواجهها بوجهه، وأما تسميتها وجها فلا عهد به فكيف إذا أضيف إلى الله تعالى مع أنه لا يعرف تسمية القبلة وجهة الله في شيء من الكلام مع أنها تسمى وجهة فكيف يطلق عليها وجه الله ولا يعرف تسميتها وجها، وايضا فمن المعلوم أن قبلة الله التي نصبها لعباده هي قبلة واحدة وهي القبلة التي أمر الله عباده أن يتوجهوا اليها حيث كانوا لا كل جهة يولي وجهه اليها فإنه يولي وجهه الى المشرق والمغرب والشمال وما بين ذلك وليست تلك الجهات قبلة الله فكيف يقال أي وجهة وجهتموها واستقبلتموها فهي قبلة الله فإن قيل هذا عند اشتباه القبلة على المصلي وعند صلاته النافلة في السفر قيل اللفظ لا شعار له بذلك البتة بل هو عام مطلق في الحضر والسفر وحال العلم والاشتباه والقدرة والعجز يوضحه أن إخراج الاستقبال المفروض والاستقبال في الحضر وعند العلم والقدرة وهو أكثر أحوال المستقبل وحمل الآية على استقبال المسافر في التنقل على الراحلة وحال الغيم ونحوه بعيد جدا عن ظاهر الآية وإطلاقها وعمومها وما قصد بها فإن "أين" من أدوات العموم وقد أكد عمومها بما أراده لتحقيق العموم كقوله وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطرهوالآية صريحة في أنه أينما ولى العبد فثم وجه الله من حضر أو سفر في صلاة وغيرها وذلك أن الآية لا تعرض فيها للقبلة ولا لحكم الاستقبال بل سياقها لمعنى آخر وهو بيان عظمة الرب تعالى وسعته وأنه أكبر من كل شيء وأعظم منه وأنه محيط بالعالم العلوي والسفلي فذكر في أول الآية إحاطة ملكه في قوله ولله المشرق والمغربمنبها بذلك على ملكه لما ابينهما ثم ذكر عظمته سبحانه وأنه أكبر وأعظم من كل شئ فأينما ولى العبد وجهه فثم وجه الله ثم ختم باسمين دالين على السعة والاحاطة فقال فففإن الله واسع عليمققق فذكر اسمه الواسع عقيب قوله فأينما تولوا فثم وجه اللهكالتفسير والبيان والتقرير له فتأمله فهذا السياق لم يقصد به الاستقبال في الصلاة بخصوصه وإن دخل في عموم الخطاب حضرا وسفرا بالنسبة الى الفرض والنفل والقدرة والعجز وعلى هذا فالآية باقية على عمومها وأحكامها ليس منسوخة ولا مخصوصة بل لا يصح دخول النسخ فيها لأنها خبر عن ملكه للمشرق والمغرب وأنه أينما ولى الرجل وجهه فثم وجه الله وعن سعته وعلمه فكيف يمكن دخول النسخ والتخصيص في ذلكوأيضا هذه الآية ذكرت ما بعدها لبيان عظمة الرب والرد على من جعل له عدلا من خلقه الشركة معه في العبادة ولهذا ذكرها بعد الرد على من جعل له ولدا فقال تعالى فففوقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرضققق إلى قوله فففكن فيكونققق فهذا السياق لا تعرض فيه للقبلة ولا سيق الكلام لأجلها وإنما سيق لذكر عظمة الرب وبيان سعة علمه وحلمه والواسع من أسمائه فكيف تجعلون له شريكا بسببه وتمنعون بيوته ومساجده ان يذكر فيها اسمه تسعون في خرابها فهذا للمشركين ثم ذكر ما نسبه اليه النصارى من اتخاذ الولد ووسط بين كفر هؤلاء وقوله تعالى فففولله المشرق والمغربققق فالمقام مقام تقرير لأصول التوحيد والايمان والرد على المشركين لا بيان فرع معين جزئيومنها انه لو أريد بالوجه في الآية الجهة والقبلة لكان وجه الكلام أن يقال فأينما تولوا فهو وجه الله لأنه إذا كان المراد بالوجه الجهة فهي التي تولي نفسها وإنما يقال ثم كذا اذا كان أمران كقوله تعالى فففوإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيراققق فالنعيم والملك ثَمَّ، لا إنه نفس الظرف.والوجه لو كان المراد به الجهة نفسها لم يكن ظرفا لنفسها فإن الشيء لا يكون ظرفا لنفسه فتأمله ألا ترى أنك إذا أشرت الى جهة الشرق والغرب لا يصح أن تقول ثم جهة الشرق، ثم جهة الغرب، بل تقول هذه جهة الشرق، وهذه جهة الغرب، ولو قلت هناك جهة الشرق والغرب لكان ذكر الظرف لغوا وذلك لأن "ثَمَّ" إشارة الى المكان البعيد فلا يشار بها الى قريب والجهة والوجهة مما يحاذيك الى آخرها فجهة الشرق والغرب وجهة القبلة مما يتصل الى حيث ينتهي فكيف يقال فيها "ثَمَّ" اشارة الى البعيد؟ بخلاف الاشارة الى وجه الرب تبارك وتعالى فإنه يشار الى ذاته ولهذا قال غير واحد من السلف فثم الله تحقيقا لان المراد وجهه الذي هو من صفات ذاته والاشارة اليه بأنه "ثَمَّ" كالإشارة اليه بأنه فوق سمواته وعلى العرش وفوق العالم ومنها أن تفسير القرآن بالقرآن هو أولى التفاسير ما وجد اليه السبيل ولهذا كان يعتمده الصحابة والتابعون والأئمة بعدهم والله تعالى ذكر في القرآن القبلة باسم القبلة والوجهة وذكر وجهه الكريم باسم الوجه المضاف اليه فتفسيره في هذه الآية بنظائره هو المتعين ومنها أنك إذا تأملت الأحاديث الصحيحة وجدتها مفسرة للآية مشتقة منها:
كقوله صلى الله عليه و سلم "إذا قام أحدكم الى الصلاة فانما يستقبل ربه"
وقوله: "فإن الله يقبل إليه بوجهه عنه"
وقوله: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصقن قبل وجهه"
وقوله: "فإن الله بينه وبين القبلة"
وقوله: "إن الله يأمركم بالصلاة فاذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت"
وقوله: "إن العبد اذا توضأ فأحسن الوضوء ثم قام إلى الصلاة أقبل الله عليه بوجهه فلا ينصرف عنه حتى ينصرف أو يحدث حدث سوء"
وقوله: "إذا قام العبد يصلي أقبل الله عليه بوجهه فإذا التفت أعرض الله عنه وقال: يا ابن آدم أنا خير ممن تلتفت إليه فإذا أقبل على صلاته أقبل الله عليه فإذا التفت أعرض الله عنه"
التاسع: قول ابن تيمية: ((قوله: فففولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه اللهققق أى قبلة الله ووجهة الله هكذا قال جمهور السلف)) فيه ما فيه أيضا، بل جعلها جمهور السلف من آيات الصفات كما ذكرتُ، وإنما قال بما قاله الشيخ رحمه الله جمهور المتكلمين وكتبهم شاهدة بذلك فليراجعها مَن شاء، وإنما يُروى ذلك عن مجاهد ومقاتل والشافعي وقد بيّنتُ ما فيه.
وقد ناقشني بعض الفضلاء المحبين لشيخ الإسلام -وكلنا بحمد الله نحبه- في ذلك على الخاص محاولا الانتصار لقوله فسألته سؤالا واحدا قبل النقاش وأردت منه الإنصاف في إجابته ففعل بارك الله له
سألته: لو لم يرد هذا التفسير عن ابن تيمية، هل كنت تعدّها من آيات الصفات؟
فقال: نعم
قلت: والشيخ حبيب إلينا ولكن الحق أحب إلينا من الشيخ
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل
وكتبه
عيد بن فهمي بن محمد بن علي الحسيني
عفا الله عنه
عبدالله الشهري
2008-04-03, 12:13 AM
نسأل الله تعالى أن يلهمنا الصواب وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، وإن خالف كلام إمام من الأئمة أو علم من الأعلام ، فلا أحلى ولا ألذ من طلب الحق ، وأحلى من ذلك على قلب المجتهد إصابته - بحسب ما وسعه . جزاك الله خيرا على هذا التحليل العلمي المؤدب ، وفي الحقيقة مسائل العقيدة لا بد أن يحسم طالب العلم أمرها مبكراً في حياته بالجد والبحث الخالصين كي يقوم بما خلق له من العبودية والطاعة على الوجه المرضي.
أبو فهر السلفي
2008-04-03, 12:16 AM
الأخ الفاضل...أحب فيك روح الباحث الحر النزيه الذي يستفرغ وسعه في طلب الحق بدلائله من غير اغترار بالخطأ لسطوة قائله...وإن كنتُ أنكر عليك أشياء إلا أن الإنصاف يقتضي ما ذكرتُه...
وأنبهك أن لشيخ الإسلام كلام آخر جرى فيه على تفسير السلف....فيما يُفهم من كلامه....فحبذا لو راجعتَه...
أبو فهر السلفي
2008-04-03, 12:19 AM
وانظر تتميماً مختصر الصواعق المرسلة (ص/1018) والفتاوى (6/17)
عيد فهمي
2008-04-03, 12:29 AM
الأخوان الكريمان الشهري وأبا فهر
جزاكما الله خيرا
أخوكما المحب/ عيد فهمي
عيد فهمي
2008-04-03, 12:40 AM
وإن كنتُ أنكر عليك أشياء.
حبذا لو تراسلني بها على الخاص
رحم الله أخا أهدى إليّ عيوبي
أبوزكرياالمهاجر
2008-04-03, 12:42 AM
بارك الله فيك شيخنا الفاضل
حقيقة بحث محكم
وأسأل الله أن يبارك فى علمك وعمرك وعملك
محب لكم فى الله
عيد فهمي
2008-04-03, 12:49 AM
بارك الله فيك شيخنا الفاضل
حقيقة بحث محكم
وأسأل الله أن يبارك فى علمك وعمرك وعملكولك مثله أخي الكريم
محب لكم فى اللهأحبك الله الذي أحببتني فيه
أبو فهر السلفي
2008-04-03, 01:39 PM
سبحان الله لا أدري كيف كان هذا...فقد فاتني أن أدل على المواطن التي قال فيها شيخ الإسلام بقول جمهور السلف...
وهما موضعان أولهما أظهر من الثاني...
بيان تلبيس الجهمية 6-79
الجواب الصحيح 4/414
أبو فهر السلفي
2008-04-03, 01:40 PM
وأبشر بخير فالدين النصيحة...
عبد الوهاب أحد
2008-04-03, 01:58 PM
السلام عليكم ورحمة الله تعالى
المشايخ الكرام، ما علاقة صفة الصورة بصفة الوجه؟ هل هما مترادفان؟
أم أن الصورة لا تختص بالوجه، بل لكل صفة صورة؟
نرجو الإفادة من المشايخ.
ابو بكر الاردني
2008-04-03, 03:32 PM
بسم الله الرحمن الرحيم فنحمد الله الواهب للنعم والمجزل بالعطيا ان يهبك يا اخي علما نا فعا ولسانا صادقا وجمعنا بك وشيخ الاسلام ورالرسول المجتبى تحت ظله يوم لا ظل الا ظله
المتعلم
2008-04-03, 06:05 PM
رأيت هنا نقاشا في الموضوع لا بد من الوقوف عليه لتتم الاستفادة من الموضوع (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=132357)
ابو عمر السلفي
2008-04-04, 12:54 AM
بحث طيب من الأخ عيد ولكن دعوى العنوان عريضة ولا تطابق محتوى الموضوع .
فقولك رعاك الله (تصحيح العقائد السلفية) فيه نظر وأيما نظر
فكأنك وجدت خطئاً في العقيدة السلفية فقمت بتصحيح ذلكم الخطأ !!
وإنما أنت نقلت قولا لشيخ الإسلام - وهو وجيه - ذهب إليه يخالف القول المتفق عليه من جمهور السلف في دليلٍ من أدلة صفة الوجه للبارئ جل في علاه !
فكيف تنسب هذا الخطأ للعقائد السلفية وتسميه تصحيحا لها ؟
فغاية ما هنالك بيان الخلاف في هذا الدليل وترجيح الصواب بمرجحٍ صحيح
وأما العقيدة وهي إثبات صفة الوجه فهي ثابتة ولا خلاف فيها , والله اعلم
العفالقي
2008-04-05, 12:26 PM
(((((((((((((يُرد عليه من وجوه)))))))))))
ليتك تتأدب مع الجبال الشامخة ،وتعود نفسك التواضع مع من هو دونك فضلاً عمن يتجاوزك مرات كثيرة كالشمعة مع الشمس ثم إن هؤلاء الجبال يفسر كلامهم بعضه بعضاً .
بوركت على ما اسديته
أبو الفداء
2008-04-06, 04:56 PM
الحمد لله
الاخوة والمشايخ الكرام تحية من عند الله طيبة مباركة أما بعد
فشكر الله للشيخ عيد جهده الطيب وقوله السديد، وفقه الله وحفظه
أما بعد
فالأخ الحبيب أبا عمر، سلمك الله من الزلل ومن السرعة في النقد والهجوم بلا روية.
تقول: "فكأنك وجدت خطئاً (خطأ: (راجع باب الهمزات (ابتسامة)) في العقيدة السلفية فقمت بتصحيح ذلكم الخطأ !!"
يا أخي الحبيب ليس هناك خطأ في تسمية الأخ عيد لبحثه بهذا الاسم، والاشكال جاء من جهة فهمك أنت. فلعله يحفى عليك الفرق اللغوي بين لفظة (تصحيح) و(اصلاح)! ان تعديل الخطأ وتغييره لا يسمى تصحيحا وانما اصلاحا! وان قلنا صحح فلان خطأ فلان، كان ذلك معناه أنه نسبه الى الصحة، أي زعم أنه صواب، لا أنه أصلحه وبين خطأه، فالفرق كبير يا رعاك الله! وعنوان الموضوع هو (تصحيح)، بمعنى اظهار الحق والصواب والقول الصحيح في العقائد المنسوبة الى السلف رحمهم الله، فكيف يفهم أن العنوان معناه أن الكاتب وجد أخطاء في العقيدة السلفية وعزم على "تصحيحها"؟؟
والذي أفهمه من هذا الطرح والطرح السابق عليه من الشيخ عيد أنه يريد بيان القول الصحيح في تلك العقائد لرواد هذه الساحة المباركة حتى لا يقع الأحداث - من أمثالي - في أقوال مردودة على أصحابها - وان علا شأنهم وعظم ثقلهم بين أئمة السلف - فيأخذوها على أنها هي عقيدة السلف وليست كذلك! فأسأل الله أن يبارك للشيخ في وقته وعمره وأن يعينه على مواصلة ذلك المسير المبارك.
وأما قولك يا أخي: "وإنما أنت نقلت قولا لشيخ الإسلام - وهو وجيه "
فأين وجاهته وأنت تعترف بأن الشيخ رحمه الله خالف مذهب السلف فيه، بل وهو نفسه قال بخلافه في غير ذلك الموضع؟ راجع البحث بروية يا أخي أكرمك الله.
وأما الأخ الفاضل العفالقي، فمه يا أخي مه! والله لو كان شيخ الاسلام نفسه حيا اليوم بين أظهرنا لأنكر عليك كلامك هذا! نعم هو جبل شامخ رحمه الله لا نماري في هذا أبدا، وهو امام لنا ولمشايخنا ومشايخ مشايخنا ومن سلفهم وصولا الى القرن السابع الذي مات فيه رحمه الله! ولكن ما بال بعضنا ينتسب الى منهج السلف ولا يقبل الأخذ والرد العلمي بالدليل؟؟ بالله أين سوء الأدب في قول القائل عن كلام لأحد الأئمة الأعلام أنه: "يُرد عليه من وجوه"؟؟ ما هذا الغلو العجيب؟؟! ثم أنتم تستنكرون على المتصوفة غلوهم؟ سبحان الله! لو رحنا ننسب كل قائل لهذه الكلمة الى سوء الأدب اذ يرد على امام من أئمته، لما تركنا عالما ولا طالب علم الا وشتمناه، بما في ذلك شيخ الاسلام نفسه!! يا أخانا كل يؤخذ منه ويرد الا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحق بدلائله لا بقائله كما أحسبك لا تمل من الدندنة ليلا ولا نهارا! وقولك: "ثم إن هؤلاء الجبال يفسر كلامهم بعضه بعضاً" هذا اطلاق لا نسلم لك به أبدا! والله كأنك تتكلم عن نصوص الوحيين! ان الله لما جعل في كتابه وفي نصوص الوحيين المحكم والمتشابه انما ابتلانا بذلك ليرى أصحاب الزيغ ويميزهم عن الراسخين الذين يرجعون المتشابه الى المحكم فيزول التعارض المتوهم ويبين الحق لطالبه! فهل تزعم أن الأئمة في تصانيفهم جعلوا كلاما محكما وآخر متشابها ليفتنوا به الناس؟! هل تزعم أنهم تعمدوا أن يجعلوا كلامهم في بعض المسائل لا يفهم مرادهم منه فهما صحيحا الا اذا قام القارئ بجمع مقالات المصنف فيه من كل كتبه الى بعضها البعض؟؟ سبحان الله! انني أعجب والله من انتهاج بعض الاخوة الكرام لهذا المنهج في تناول كتب الأئمة وكأنه قاعدة ثابتة لا حياد عنها! نعم نحن ندافع عن الواحد من أئمتنا ازاء المخالفين الذين يطعنون فيه لقول من أقواله ان وجدنا كلامه في غير ذلك الموضع يزيل ذلك الالتباس ويرفع تلك الشبهة، فنأتي به اذا ونقول ليس هذا مراد الشيخ ولكن مراده كذا وكذا والدليل ما قاله في موضع كذا وكذا.. ولكن ما المانع في أن يكون أحدهم قد أخطأ كما يخطئ البشر؟ ما المانع في أن يكون ذهب مذهبا ثم لاح له الرجوع عنه فخالفه، فنقل عنه في مصنفاته ذلك الاختلاف، ولم يتبين للقارئ من كلام الامام أيهما كان سابقا وأيهما كان ما انتهى اليه في اختياراته؟ بل ما المانع في أن تجد ترددا منهم في بعض المسائل أو توقف أو اختلاف وتعارض قول أحيانا، أليسوا بشرا غير معصومين يجوز عليهم ما يجوز على غيرهم من البشر؟؟ لو سلمنا لك بكلامك هذا لكنا مثل أصحاب البدع الذين عبدوا مشايخهم من دون الله، فأخذوا عنهم كل ما قالوا وغلوا في كلامهم حتى سلكوا المسالك الباطنية فيه وشربوه كالعميان بما فيه من خطأ وفساد كأنما كان وحيا منزلا! تقول له ما دليلك يقول قال الشيخ فلان! فما بال بعضنا يحارب التقليد بكل ما أوتي من عزم وقوة ثم اذا ما طولب بالدليل وجدته يقلد هو الآخر وينقل عن فلان وفلان (على عظم شأن المنقول عنه وحفظ منزلته ومكانته) دون العزو الى الدليل النصي الصحيح؟؟
اخواني، تعلموا وأفيدوا من أئمة المنهج رحمهم الله ولكن لا تقلدوهم بلا بصيرة، فهذه آفة من آفات الطلب، ولا تغلوا فيهم، فما هم الا بشر يصيبون ويخطئون ويهمون أحيانا، والرد على الواحد منهم بالدليل العلمي ليس عدوانا على منزلته أو مكانته او سوء أدب معه، وانما هو واجب شرعي لمن تأهل للنظر، ووفقه الله لاستجماع أدلة القول الصحيح! وفقنا الله واياكم لما يحب ويرضى.
ابو عمر السلفي
2008-04-07, 03:11 AM
فالأخ الحبيب أبا عمر، سلمك الله من الزلل ومن السرعة في النقد والهجوم بلا روية.
تقول: "فكأنك وجدت خطئاً (خطأ: (راجع باب الهمزات (ابتسامة)) في العقيدة السلفية فقمت بتصحيح ذلكم الخطأ !!"
يا أخي الحبيب ليس هناك خطأ في تسمية الأخ عيد لبحثه بهذا الاسم، والاشكال جاء من جهة فهمك أنت. فلعله يحفى عليك الفرق اللغوي بين لفظة (تصحيح) و(اصلاح)! ان تعديل الخطأ وتغييره لا يسمى تصحيحا وانما اصلاحا! وان قلنا صحح فلان خطأ فلان، كان ذلك معناه أنه نسبه الى الصحة، أي زعم أنه صواب، لا أنه أصلحه وبين خطأه، فالفرق كبير يا رعاك الله! وعنوان الموضوع هو (تصحيح)، بمعنى اظهار الحق والصواب والقول الصحيح في العقائد المنسوبة الى السلف رحمهم الله، فكيف يفهم أن العنوان معناه أن الكاتب وجد أخطاء في العقيدة السلفية وعزم على "تصحيحها"؟؟
.
اعيذك من شر نفسك يا أبا الفداء
ومن شر الهمز واللمز بالهمزات
وأما قولك (وعنوان الموضوع هو (تصحيح)، بمعنى اظهار الحق والصواب والقول الصحيح في العقائد المنسوبة الى السلف رحمهم الله) !!!
ولم أفهم الفرق بين ما زعمت فيه فرق والله المستعان .
- جاء في معجم لغة الفقهاء:
التصحيح: مص صحح، إزالة العيب / / - إزالة الخطأ...Correction * إزالة الخطأ، ومنه تصحيح الكتاب.
- مقاييس اللغة :
(صح) الصاد والحاء أصل يدلُّ على البَراءَة من المرض والعَيب.
الصِّحَّة: ذَهاب السُّقْم، والبراءةُ من كلِّ عَيب.
ثم وفقك الله أين هي العقيدة التي تحتاج إلى تصحيح أو إصلاح ؟
الخلاف هنا ليس عقدي وإنما استدلالي يا رعاك الله
وأنا على يقين بأنك تفهم الفرق بين الخلاف في العقيدة وبين الخلاف في الإستدلال لها !
فوقاك الله شر نفسك
أبو الفداء
2008-04-07, 03:18 PM
"اعيذك من شر نفسك يا أبا الفداء
ومن شر الهمز واللمز بالهمزات"
آمين، والله وحده العليم كم في هذه النفس اللقسة من أمراض ونقائص، أسأل الله العافية وأعوذ به من أن يقبضها وهي على هذا الحال الشعث..
ويا أخي أنا كنت أمازحك بملاحظة الهمزات، فأنا أعلم أن ذلك غالبا ما يكون سبق قلم من الكاتب (أو سبق لوحة مفاتيح في هذه الحالة ان جاز التعبير) وأنا من عجلتي وسرعتي في الكتابة يقع مني لحون في الواوات والياءات وغيرها الله بها عليم، فضلا عن الهمزات.. فلعلك لم تفهم لماذا وضعت الابتسامة، بارك الله فيك
(ابتسامة جديدة)
الفرق الذي أقصده يا أخي الحبيب أن لفظة (تصحيح) يغلب الاصطلاح عليها بين أهل العلم على ما اصطلح عليه أهل الحديث من استعمالها على معنى نسبة الصحة الى الكلام ووصفه بأنه خال من العيب، كما يصحح المحدث الحديث وينسبه الى الصحة، وهذا يدخل في معاني الصحة (كما نقلت أنت نفسك من مقاييس اللغة، اذ أن اظهار الصحة هو الدلالة على البراءة من المرض والعيب) فكان اعتماده اصطلاحا للتصحيح هو الأشهر، خلافا للفظة (اصلاح) فهي لا تعني الا تغيير الفاسد الى حال الصلاح والصحة، ولا يدخل فيها اثبات صحة الصحيح من حيث اللغة، لهذا فرقت بين المعنيين.. أرجو أن يكون كلامي هذه المرة أكثر وضوحا.
وعلى أي الأحوال فحتى وان حمل معنى (تصحيح) على معنى (اصلاح وتغيير الفاسد الى الصحيح) كما تحمله أنت، فما كنت لأفهم من ذلك الا أن صاحب الموضوع يريد بذلك اصلاح عقائد المنتسبين الى السلفية بارجاعها الى مصادرها عند السلف، لا اصلاح الأخطاء التي وقعت فيما اعتقده السلف أنفسهم واتفقوا عليه، فهذا لا يقول بمثله عامي فضلا عن طالب علم!!
والأمر كما تقول، ليس هناك عقيدة تحتاج الى اصلاح أو تغيير، ولكن لو فهمت كلمة تصحيح على نحو ما أسلفت لزال من عندك الاشكال فيها!
أما كون الخلاف استدلاليا لا عقديا فهذا لم أخالف فيه، ولا أظن أن في كلامي ما يوحي بأني قصدت أن الخلاف عقدي أو أنه حول اثبات ونفي الصفة! ولكن في كثير من الأحيان يكون الخلاف الاستدلالي حول نص من النصوص غير سائغ بالمرة - كما هي الحال في النص الذي بين أيدينا في هذا الموضوع - للأسباب التي أفاض في بيانها الامام ابن القيم رحمه الله فيما نقله عنه الشيخ عيد وفقه الله.. ولو فتح الباب أمام هذا القول الذي اعتمده شيخ الاسلام رحمه الله في تفسير هذه الآية لكان بابا لكل صاحب تأويل فاسد يأتي منه على جميع آيات صفة الوجه فيذهب بها جملة واحدة! فأراد صاحب الموضوع أن ينبه على خطأ من يعول على هذا التفسير من المعاصرين لمجرد أنه وجده معتمدا في بعض مصنفات شيخ الاسلام رحمه الله، وأن يبين الفهم الصحيح - ومن ثم كان عنوان الموضوع - لجماهير السلف لهذه الآية الكريمة، فهذه ثلمة تحتاج الى معالجة صيانة لكلام الله تعالى من سوء التأويل، والله الموفق الى سواء السبيل.
ملحوظة: ما عدت أجد الجزء الأول من هذا الموضوع والمتعلق بمسألة الاستقرار، فهل حذفته الادارة؟
ملحوظة ثانية الى أبي عمر من أخيه المحب: لو اجتهدت في احسان الظن بأخيك الشيخ عيد وبمقاصده مما يكتب لزال عنك كثير من التحامل عليه، ولدققت النظر قبل أن تطعن في عنوان الموضوع.. فنحن مأمورون بالحمل على محامل الخير وتلمسها كلها لاخواننا ما استطعنا اليها سبيلا حتى اذا ما عدمت ولم نجد منها شيئا كانت حينئذ الملامة والنقد والعتاب.. فاذا كان اللفظ يحتمل وجهين أو معنيين أحدهما صالح والآخر فاسد، فلماذا نسارع بالهجوم بافتراض المعنى الفاسد ولا يخلو الأمر من أن يكون الفساد في تصورنا نحن وليس في كلام اخواننا؟ ولا زلت أنصحك بالتأني والروية - وأنا أشد الناس حاجة الي من ينصحني بهما - قبل الرد والهجوم، وفقني الله واياك لما يحب ويرضى.
(وأضيف ابتسامة أخيرة لوصل المودة)
أبو عبدالرحمن الطائي
2008-04-08, 02:41 AM
بارك الله في الأخ الشيخ عيد فهمي على بيانه وجهده في حشد هذه النصوص الطيبة المباركة، غير أني أرى أنه حجّر واسعاً وما أنصف شيخ الإسلام ابن تيمية في مناقشته هذه، لذا سجلت هذه الملاحظات عسى أن تقع منه موقع الرضا.
قول الأخ الفاضل عيد: هذا تأويل صريح للآية، ومخالف لما ورد عن السلف فيها، ونسبة هذا التفسير لجمهور السلف غير صحيح بل لا وجود له عن غير مجاهد ومقاتل وسوف نذكر ذلك في موضعه.
قلت: هذا ليس تأويلاً، بل تفسير لسياق الآية، ولم يتفرد به شيخ الإسلام، بل ورد كذلك عن جهابذة كبار، كما سيأتي.
ثم قولك: إنه لا وجود له عن غير مجاهد ومقاتل، فيه حصرٌ غير مرضي، فقد نقل هذا عن جمعٍ من السلف والخلف، كما في النقولات الآتية بعدُ.
قوله: وكلام شيخ الإسلام رحمه الله يُرد عليه من وجوه:
الأول: لا يعرف إطلاق وجه الله على القبلة لغة ولا شرعا ولا عرفا بل القبلة لها اسم يخصها والوجه له اسم يخصه فلا يدخل أحدهما على الآخر ولا يستعار اسمه له.
قلت: هذه إن كانت من عند أخينا الشيخ عيد لم نقبلها منه ـ فنحن: القارئَ والكاتبَ ـ ممن لا أهلية له لمثل هذا النفي في مثل عصرنا هذا، وإن كان نقله عن الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى، فكان ينبغي نسبة القول إليه، فذلك من بركة العلم.
وعندها سنقول: إن كلام الإمام ابن القيم نفيٌ ينازع فيه، والله أعلم.
وكذلك ما جاء في الوجه الثاني والثالث، فلعله مما اقتبسه الشيخُ من كلام ابن القيم، فَيَرِدُ عليه ما مرَّ آنفاً.
قوله في الوجه الرابع: أن الأحاديث الصحيحة جاءت مفسرة للآية مشتقة منها، ثم ذكر ثلة من الأحاديث الطيبة في هذا المعنى.
قلت: ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ ممن يَستدِلُّ بمثل هذا الأحاديث وغيرها على إثبات صفة الوجه لله تعالى، وما كانت خافية عليه، بل إنه ممن يستدل بالآية ذاتها على إثبات صفة الوجه له سبحانه.
قوله في السادس: ما جاء عن الشافعي فهو وجادة للبيهقي بغير إسناد ومن أنعم النظر في الكلمة المنقولة عنه أيقن أنها ليست من كلامه وهي قوله: "فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ }يَعْنِي -وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- : فَثَمَّ الْوَجْهُ الَّذِي وَجَّهَكُمْ اللَّهُ إلَيْهِ" فما هذا بأسلوب الشافعي خاصة قوله: (والله أعلم) بين ثنايا كلامه، وكتبه شاهدة بذلك، ولعلها مدرجة بين ثنايا كلامه ممن روى عن المزني هذه النسخة أو مِن بعض مَن امتلكها فلا حجة فيها
وعلى فرض ثبوتها -وهو بعيد- فالأولى حملها على التفسير باللازم لموافقة جمهور السلف الذين عدوها من آيات الصفات.
قلت: على هذا الكلام مآخذ:
منها: التشكيك بنسبة هذا الكلام للشافعي، بدعوى الوجادة، وهذا غريب جداً، فأي وجادة أثبت من وجادة البيهقي ـ أخبر الناس بمؤلفات الشافعي ـ، وهذا يجرنا للطعن بكثير مما هذا حاله!
ومنها قولك « ومن أنعم النظر في الكلمة المنقولة عنه أيقن أنها ليست من كلامه » قلت: أنعمنا النظر فما أيقنا أنها ليست من كلامه!!
وقولك: « فما هذا بأسلوب الشافعي خاصة قوله: (والله أعلم) بين ثنايا كلامه، وكتبه شاهدة بذلك »
أقول استقرأتَ كتبَ الإمام الشافعي، فتوصلتَ إلى ذلك؟ أم هي رمية من غير رام؟ فكتب الإمام الشافعي مليئة بمثل هذا الأسلوب، فخذ ثلة من الشواهد على ذلك:
قال الشافعي في «الأم» 1/40 ـ ط المعرفة : «فكان فَرْضُ الله الغُسلَ مطلقًا لم يذكر فيه شيئا يبدأ به قبل شيء، فإذا جاء المغتسِل بالغسل أجزأه ـ والله أعلم ـ كيفما جاء به ».
وقال في «الأم» 1/71: «حكم الله عز وجل في كتابه أن فرض الصلاة موقوت، والموقوت - والله أعلم - الوقت الذي يصلى فيه وعددها ».
وقال في 1/92: «وبهذا نأخذ، ومعناه عندنا - والله أعلم - على ما يعرف من مراح الغنم وأعطان الإبل أن الناس يريحون الغنم في أنظف ما يجدون من الأرض لأنها تصلح على ذلك والإبل تصلح على الدفع من الأرض فمواضعها التي تختار من الأرض أدقعها وأوسخها».
وقال في 1/114: «ولو سجد على بعض جبهته دون جميعها كرهت ذلك له ولم يكن عليه إعادة لأنه ساجد على جبهته ولو سجد على أنفه دون جبهته لم يجزه لأن الجبهة موضع السجود وإنما سجد ـ والله أعلم ـ على الأنف لاتصاله بها ومقاربته لمساويها».
إلى غير ذلك في عشرات المواضع.
وليس بمثل ذلك تُرَدُّ النصوص الثابتة عن الأئمة.
قوله في الوجه السابع: اعتماد قول مجاهد في تفسير الآية غير مقبول.
قلت: نُقِل قول مجاهد كوجه من وجوه تفسير هذه الآية، ولم يَرُدَّه أحد على مجاهد، بل جعلوه وجهاً للاختلاف في تفسير الآية المذكورة.
قوله في الثامن من الوجوه: قد توارد سلف الأمة الذين صنفوا في العقيدة خاصة على عدّ هذه الآية من آيات الصفات، فقول ابن تيمية السابق: ((ومن عدّها في الصفات فقد غلط)) فيه ما فيه، فقد عدّها في الصفات الإمام أحمد وابنه الإمام عبد الله بن أحمد والإمام عثمان بن سعيد الدارمي والإمام ابن خزيمة والإمام ابن بطة والإمام اللالكائي والإمام البربهاري والإمام الطبري والإمام ابن عبد البر والإمام ابن القيم والإمام السعدي وابن عثيمين وغيرهم كثير ممن سبقوه أو لحقوه أو عاصروه. فهل يقال: كل هؤلاء غلطوا وخالفوا جمهور السلف؟ ومَن السلف غيرهم؟
قلت: شيخ الإسلام غلَّط من عدَّ هذه الآية من آيات الصفات، وصَدَقَ من وجهٍ ـ رحمه الله ـ ، غير أنه لم يُغلِّط من استدل بها على إثبات الوجه، فهذا لا يلغي جواز الاستدلال بهذا الآية في إثبات الوجه لله تعالى. إذ فرقٌ بين إثبات الصفة، وتوجيه معناها الوارد ضمن السياق، وهذا شبيه بقوله تعالى: ﴿فأتى الله بنيانهم من القواعد﴾ وقوله ﴿فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا﴾ وقوله سبحانه: ﴿ونحن أقرب إليه من حبل الوريد﴾ وقوله سبحانه: ﴿فأخذنا منه باليمين﴾ وغيرها، إذ فُسِّرت بدلالة السياق والقرينة، فالذين يثبتون الإتيان والمجيء ويمين الله ونحو ذلك، غير مَستَنكَر منهم بيانُ ظاهر ما تحويه هذه الآيات من معاني إتيان العذاب، والقوة، والبطش، وهذا واضح جلي ، والله أعلم.
فلا عجب ـ بعدُ ـ أن نجد الأئمة أثبتوا الوجه لله بهذه الآية ـ ومنهم ابن تيمية ـ وفسروها بالجهة، فلا تعارض، ولا حاجة أن أضرب كلامهم بكلام شيخ الإسلام وأتصور مخالفته إياهم.
يقول الشيخ عبد الرحمن بن صالح المحمود: الاحتجاج بهذه الآية على إثبات صفة الوجه لله صحيح لأن هذه الآية وإن سيقت مساق بيان القبلة، إلا أنه لا يعبر فيها بنسبة الصفة إلى الله إلا ما صح أن يكون صفةً لله. وعليه فقوله تعالى: (فأينما تولوا فثم وجه الله) سياقها ومعناها يدل على القبلة لكن لما قال (وجه الله) دلَّ على أن الله سبحانه وتعالى له وجه يليق بجلاله وعظمته. اهـ.
قوله: وسأقتصر على ذكر كلام واحد منهم فقط لشدّة صلته بابن تيمية ألا وهو خريجه وحامل علمه وناشر أقواله الإمام ابن القيم.
قلت: فبان لي أن كلامك ـ أخانا المكرم عيد ـ مستقى من هذا المصدر الطيب المبارك الآن، لكن سأترك ما تعقبتُه عليك على حاله، فقد كنت أتمنى منكَ أن تذكره أولاً.
ثم إني سائقٌ ـ كما سقتَ ـ جملةً مما قيل في هذا الآية، والله الهادي:
أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره 1/212 (1124) بسند جيد، ولم أقف له على علة، عن ابن عباس قال: ﴿فأينما تولوا فثم وجه الله﴾ : قبلة الله، أينما توجهت شرقاً أو غرباً.
قلت: إسناده جيد قوي، ولا يضر الإسنادَ جعل النضر بن عربي روايته عن مجاهد تارة، وعن عكرمة عن ابن عباس أخرى، فهو وارد عند مثل هذه الطبقة، إذا لا غرابة أن يسمعه من مجاهد من قوله، ويسمعها من عكرمة عن ابن عباس، والله أعلم.
أخرج الطبري في تفسيره 2/451 بسند جيد قول قتادة: في قوله ﴿فأينما تولوا فثم وجه الله﴾ قال: هي القبلة.
وقد ذكر الطبري 2/456 أن الآية تثبت أن لله وجهاً حقيقة، ثم بيّن أن مما يحتمله معنى الآية أن تكون بمعنى قبلة الله، وهو أحد الوجوه التي ذكرها بعدُ في 1/459 ـ 460.
وقد مضى على متابعة شيخ الإسلام أفاضل العلماء والأئمة.
من ذلك: ما ورد عن اللجنة الدائمة للإفتاء والدعوة والإرشاد، فقد سُئلت في الفتوى رقم (11865) عن بعض الصفات وما ورد بشأنها في كتاب الله تعالى، ومنها: ما المراد بالوجه في كل نص من النصوص الآتية : { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ }، { وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ }.
فأجابت: كلمة (وجه الله) في الجملة الأولى يراد بها قبلة الله كما ذكر مجاهد والشافعي رحمهما الله تعالى ، فإن دلالة الكلام في كل موضع بحسب سياقه ، وما يحف به من قرائن ، وقد دل السياق والقرائن على أن المراد بالوجه في هذه الجملة (القبلة) ؛ لقوله تعالى : { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ }، فذكر تعالى الجهات والأماكن التي يستقبلها الناس ، فتكون هذه الآية كآية { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا }، وإذن فليس الآية من آيات الصفات المتنازع فيها بين المثبتة والنفاة ، وأما كلمة (وجه) في الجمل الباقية في السؤال ، فالمراد بها إثبات صفة الوجه لله تعالى حقيقة على ما يليق بجلاله سبحانه ؛ لأن الأصل الحقيقة ولم يوجد ما يصرف عنها ، ولا يلزم تمثيله بوجه المخلوقين ، لأن لكل وجها يخصه ويليق به .
ومنهم الإمام العلامة العثيمين، فقد ذكر في تفسيره اختلاف المفسرين من السلف والخلف فيها، ثم رجح انه وجه الله حقيقة.
وقال في «شرح السفّارينية»: «وأما قوله تعالى : { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله } ( البقرة 115 ) .
ففيها قولان للسلف :
القول الأول : أن المراد بوجه الله وجه الله الحقيقي ، وقالوا : إن الآية نزلت في الصلاة والمصلي أينما توجه فالله قبل وجهه [45] .
وقال آخرون : بل المراد بالوجه : الجهة ، كقوله تعالى : { ولكلٍّ وجهةٌ هو موليها } ( البقرة 148 ) [46] ، فالمراد أينما تكونوا فثم جهة الله التي أمركم باستقبالها وتكون الآية نزلت فيمن اشتبهت عليه القبلة فاتجه إلى غير القبلة وهو يريد القبلة .
فنقول : هذه جهة صحيحة لأنك اجتهدت وأداك اجتهادك إلى ذلك أو لصلاة النافلة على السفر فإنك تصلي حيث كان وجهك لكن بقية الآيات لا يراد بها إلا الوجه». اهـ.
كذلك فقد سئل ـ رحمه الله ـ في سلسلة لقاءات الباب المفتوح: ورد في مختصر الصواعق المرسلة للإمام ابن القيم رحمه الله حين أتى إلى قوله عز وجل: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } [البقرة:115] ذكر أنه ورد عن بعض السلف ومنهم الشافعي بأن المعنى في قوله: (وَجْهُ اللَّهِ) أي: قبلة الله, ثم نقض ذلك ترجيحاً من عدة وجوه, وقال من بينها: ما بالكم أخذتم هذه على قبلة الله, مع أنه في كل النصوص التي وردت فيها وجه الله هي إضافة الصفة إلى الموصوف, فرجح من عدة أوجه -كما قلت- قوله: إن تفسيرها نعني به إحاطة الله التامة والمطلقة, فكما تعلم الأشاعرة يؤولون قضية الدعاء ورفع الأيدي إلى السماء بقولهم: إن هذه قبلة الدعاء, وأنكر السلف عليهم ذلك وقالوا: إن هناك قبلة واحدة للصلاة وللدعاء, فهل للأشاعرة أن يقولوا: إن القول في قبلة الله في هذا التفسير أيضاً يستلزم عدة قبلات لله عز وجل, فأرجو من فضيلتكم إزالة مثل هذه الشبهة مأجورين وجزاكم الله خيراً؟
فأجاب:
أولاً: أنا أرجو من الإخوان الحاضرين أن لا يوردوا مثل هذا السؤال المطول المعقد, وأكثر الإخوة الآن قد لا يفهمون هذا إطلاقاً ولا طرأ على بالهم إطلاقاً, فمثل هذا يكون بيني وبين السائل.
لكن الآية الكريمة فيها قولان للسلف : القول الأول: أن المعنى: فأينما تولوا فثم وجهة الله، أي: قبلته, بمعنى: أنك إذا أشكل عليك القبلة, ثم صليت وأنت في البر, صليت إلى جهة ظننتها القبلة ثم تبين إنها ليست القبلة فصلاتك صحيحة, لأن هذه الآية ذكرت كمقدمة لقوله تعالى: { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [البقرة:142] فهذه الآية كقوله: { قُل لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ } [البقرة:142] و { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } [البقرة:115] أي: إن اتجهتم إلى الكعبة فأنتم مولون وجه الله, وإن اتجهتم إلى بيت المقدس كما انتقدكم اليهود فأنتم مولون إلى وجه الله: { لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [البقرة:142] وهذا قول له قوته.
القول الثاني: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } [البقرة:115] أي: فالله تعالى قبل وجوهكم, ويؤيد هذا القول قول النبي صلى الله عليه وسلم في المصلي: إنه لا يبصق قبل وجهه, قال: ( فإن الله قبل وجهه ).
فالآية محتملة لهذا ولهذا, ومعناها صحيح على كلا القولين.أما الأشاعرة وقولهم: إن هذا قبلة الدعاء, فيقال لهم: أنتم هل تدعون السماء أم تدعون رب السماء؟ فإذا رفعتم أيديكم إلى السماء وقلتم: يا ألله، فإنما تنادون الله عز وجل, فإذاً الله هناك, لستم تقولون: يا سماء، وكونهم يقولون: إن السماء قبلة الداعي، خطأ, لأن قبلة الداعي هي الكعبة, فإن العبادة التي يشرع فيها استقبال القبلة إنما يشرع إلى الكعبة.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أهـ.
والشيخ عبد الله الغنيمان، فقد سئل في شرحه للواسطية: ما معنى قول الله تعالى: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } [البقرة:115] ؟
فأجاب: الصواب أن هذه الآية في القبلة، يعني: الاتجاه والجهة التي يصلى إليها، فإذا كان الإنسان في مكان وكان يعرف جهة القبلة، فذاك وإن كان لا يعرف جهة القبلة فأي وجهة صلى إليها فهي صحيحة إذا اجتهد ونظر. اهـ.
والشيخ عبد الرحمن بن صالح المحمود، فقد سئل أثناء شرحه لكتاب لمعة الاعتقاد : كيف نرد على من يستدل بقوله تعالى: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } [البقرة:115] على أن الله تعالى في كل مكان؟
فأجاب:
نرد عليه بأن هذه الآية إنما هي في القبلة، أي: أينما تولوا في صلاتكم فإنما تستقبلون قبلة الله سبحانه وتعالى، وليس كل آية فيها إحاطة الله سبحانه وتعالى تدل على أن الله في كل مكان، وإلا فهم قد احتجوا قبل ذلك بمثل قوله تعالى: { وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ } [الزخرف:84]، فقالوا: قوله: (وفي الأرض إله) يدل على أنه أيضاً يكون في الأرض، وهذا لا حجة فيه. اهـ.
وقول العلامة صالح آل الشيخ في شرحه للحموية: «قوله جل وعلا في سورة البقرة: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾[البقرة:115]، هنا فسر السلف الوجه بالقبلة؛ لأن الوجه من حيث اللفظ يطلق على الجهة ويطلق على الصفة، وجه بمعنى وِجهة، والوجه وجه الله بمعنى الصفة التي هي الوجه المعروفة، هنا ما حُمل على الصفة مع أنها إضافة وجه الله، إضافة صفة إلى متصف، وذلك لدلالة السياق لدلالة التركيب، وهذا ظاهر لقوله (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) لسياق الآيات في القبلة (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) يعني القبلة؛ ولهذا خرجت هذه الآية من أن تكون من آيات الصفات».
ـ وقال بعدُ: «قول الله جل وعلا ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾[البقرة:115]، ظاهر هذه الآية واضح في أنها ليست من آيات الصفات وإنما المقصود بها الكلام عن القبلة، ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ يعني الوُجْهَة ـ وُجْهَة الله ـ وهي القبلة».
قلت: وفي مصنفات العلماء تفصيل لكل ذلك، ما أحببت الزيادة على ما هنا لضيق الوقت وقلة الزاد، وأستغفر الله وأستزيده من فضله.
عيد فهمي
2008-04-08, 09:38 AM
سبحان الله!
ذكرت في موضوعي هذه الجملة:
خريجه وحامل علمه وناشر أقواله الإمام ابن القيم -ومنه استفدت أكثر ردودي السابقةفجاء من يقول:
هذه إن كانت من عند أخينا الشيخ عيد لم نقبلها منه ـ فنحن: القارئَ والكاتبَ ـ ممن لا أهلية له لمثل هذا النفي في مثل عصرنا هذا، وإن كان نقله عن الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى، فكان ينبغي نسبة القول إليه، فذلك من بركة العلم.وعندها سنقول: إن كلام الإمام ابن القيم نفيٌ ينازع فيه، والله أعلم.
وكذلك ما جاء في الوجه الثاني والثالث، فلعله مما اقتبسه الشيخُ من كلام ابن القيم.فإن كان قال ذلك قبل أن يكمل قراءة الموضوع فكيف ينتهض للاعتراض على موضوع لم يتم قراءته؟
وإن كان قاله بعد أن قرأه وأعرض عن ذلك قصدا فأسأل الله العافية من سوء السريرة.
وأما قوله بعد ذلك:
قوله: وسأقتصر على ذكر كلام واحد منهم فقط لشدّة صلته بابن تيمية ألا وهو خريجه وحامل علمه وناشر أقواله الإمام ابن القيم.
قلت: فبان لي أن كلامك ـ أخانا المكرم عيد ـ مستقى من هذا المصدر الطيب المبارك الآنفأقول لا حاجة لك لاستنباط ذلك فقد ذكرتُه صريحا كما قدّمتُ فلماذا أعرضتَ عنه؟
ولولا هذا الفعل من صاحب هذا الردّ لرددتُ على ما ذكره ردًّا علميًّا مفصلا.
لكن ما الحاجة في الردّ إن كان سيقرأ منه ما يحلو له، ويعرض عما لا يروق إليه قصدا؟
والله المستعان
أبو عبدالرحمن الطائي
2008-04-08, 01:30 PM
غفر الله لي ولكم يا شيخ عيد، وعافاني وإياكم مما يعكّر صفو الأخوّة والمحبة. وأرجو أن لا يكون الأمرُ مانعاً من الاستفادة من ردكم على ملاحظاتي، جزاكم الله خيراً ونفع بكم
المتعلم
2008-04-08, 06:02 PM
أشكر الشيخ الشيخ الفاضل أبا عبد الرحمن الطائي من جهتين :
رده العلمي المتين.
وإعراضه وصبره على تعليق الأخ عيد .
وأرجو من الأخ عيد أن يلين في خطاب إخوانه وأن يحسن الظن بهم وقبل ذلك يجب عليه أن يفهم كلام أهل العلم على وجه قبل الاعتراض ثم إن لم يظهر له يوره مورد المستشكل والسائل لا كما يفعله في هذه العنوانين الفجة التي لم يكن فيها فقط الاعتراض على المؤلف بل تصحيح العقائد السلفية !
حرملة
2008-08-23, 04:31 AM
بارك الله فيك أبا عبد الرحمن الطائي في طيب خلقك
خلوصي
2008-08-23, 06:38 AM
كأنكون مكبرين " المسائل " شوي ؟!
يعني في مذهب العوام أمتالي - أقوى مذهب على الإطلاق - و الله لمّا بتئرالي كل القرآن و السنة ما راح حس بتجسيم و لا تشبيه ...
" يد الله فوق أيديهم " " فثم وجه الله " " قلوب العباد بين أصبعين ..." ... إلخ
لاكن لما حضرات الإخوة السلفية بيؤلولي كلام ما تفوّه به الصحابة الّي كانو متلي بنقاء الفطرة من هادي الناحية .... بيؤولوا متلا " إن لله يداً لا كأيدينا و وجها لا كأوجهنا ....." إيه و الله شعر راسي بيوئّف ! ! ؟ ؟
ولك شو هالحكي ..؟! منين جبتلّي هالتوليفة لحتى تلخبطني أنا و أمتالي ؟!
يعني إذا أئمة " السلف " موووو الصحابة -لاحظ !!- احتاجو لهادي التخريجة لحاجة ما .... مو معناتا هلّا تجي و تجيبليّاها و تلزمني فيا و تعتبرها عقيدة الفرقة الناجية ؟!!
لك يا اخي و الله شي خطير هادي التخريجات ...؟ إيه غصباً عني راح تخليني جسّم بخيالي و قلبي و وجداني ..!
لكان لمّا بئرا " كل شيء هالك إلا وجهه "
بعد
" صياغاتكون " العلمية " " السلفية " " موو الصحابية " ...
إيه غصبا عني راح يروح مخي التعبان يفكر بهادي الطريئة " طيب شو حيصير باليدين ؟ !
يا شباب ... يا طيبين !! الله يخليكون لا تخلطو بين " مذهب " " السلف" و حال الصحابة ..... " يد الله فوق أيديهم " شي ... و صياغتكون " إن لله يدا " شي تاني !! ؟ يعني من ناحية التربية الفكرية القلبية ...
الله يرجع جميع المسلمين إلى حال العوام من الصحابة و التابعين ...... من ناحية دقة الفطرة في فهم كلام الله و رسوله و التأثر فيون .... آمين .
" ولك و الله و الله نحنا العوام - إذا اتقينا - ... نحنا الفرقة الناجية " :) " خلوصي "
فالّي حابب يخلّص حالو يلحأنا .......
الإمام الدهلوي
2008-08-23, 11:41 AM
أخي الخلوصي الصحاربة رضوان الله عليهم لم يتكلموا في هذه المسائل لأنه لم يكونوا بحاجة في الرد على أهل الأهواء والبدع من المشبهة والنفاة والمعطلة ولم يظهر في زمانهم من يأول تلك النصوص ويصرفها عن إلى تأويلات باطلة من النفي أو التشبيه فكانت العقائد عندهم واضحة على المحجة البيضاء لقرب عهدهم بزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن لم تأخر الزمن وظهرت البدع وصار الناس يخترعون العقائد التي لم تكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحتاج تلميذ الصحابة والتابعين أن يردوا على أؤلئك المبتدعة ويحذروا الناس من ضلالهم فعلى سبيل المثال لم ظهر بعض الناس يقول بأن القرآن مخلوق وأن الله لا يتكلم تطلب الأمر أن يرد على اتباع الصحابة والتابعين ويبينوا له أن القول بخلق القرآن باطل لأنه في حقيقته تكذيب لصريح القرآن الكريم الذي يقول الله فيه ( وكلم الله موسى تكليماً ) وقوله ( ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه ) والأيات في أثبات أن الله متكلم تكلم بالقرآن كثيرة جداً فمن نفى هذه الصفة عن ذات الله فقد كذب القرآن ومن كذب القرآن فليس بمسلم فحتاج الامر إلى أن نقول للناس أن الله متكلم ولكن كلام يليق بجلاله وعظمته فنصدق بهذا المبدأ من حيث الأصل ولكن الكيفية أو الطريقة فنحن لا نعلمها لأن الله يقول عن نفسه الكريمة ( ليس كمثله شيئ ) فالكيفية لله لا نعلمها فنصدق بها على مراد الله وهكذا فلا تشبيه ولا تعطيل ولا نفي ولا تكييف بل على مراد الله كما أراد الله ولو أن أهل البدع سكتوا ووقفوا حيث أراد الله أن يقفوا لما وقع هذا النزاع بين الأمة
فهذه هي عقيدة العوام وهذا هو ما كان عليه العلماء فليس للعامة عقيدة وللعلماء عقيدة أخرى بل العوام تبع للعلماء في هذا الباب فدين العوام الذي كان السلف يوصون الناس أن يكونوا عليه هو ما تواتر من الصحابة إلى التابعين إلى تابعي التابعين حتى عصر الأئمة المجتهدين والله أعلم.
أبو الفداء
2008-08-23, 03:07 PM
أحسنت أيها الامام الدهلوي.. بارك الله فيك..
أخانا الحبيب خلوصي.. لو كان مجرد قولك للمتفلسف الغارق في بضاعة أرسطو وأفلاطون وأضرابهما، والذي جاء من أثر ذلك بأبطل الباطل في تأويل صفات الله، لو كان مجرد قولك له: "لا تتحكم في فهم كلام الله وكلام رسوله بما لم يثبت عن الله ولا عن رسوله ولا عن الصحابة رضي الله عنهم" يكفي لاسكاته ودفع شبهات عقله الفاسد عن المسلمين، لما احتاج السلف رحمهم الله الى مثل هذه العبارات في الرد عليه.. ولكن بقدر الداء يكون الدواء.. والله المستعان.
وأما العامة، فلله الحمد، عقيدة السلف هي فطرة المسلمين.. فمن لم ينله من أثر كلام هؤلاء المتفلسفة شيء، ولم يتلوث فكره وقلبه بشيء منه، فهو على الفطرة في ذلك.. والفطرة لو تأملت لما وجدتها بخلاف ما قرره السلف رحمهم الله وردوا به على هؤلاء المبتدعة.. فالمسلم الذي لم يقرأ كلام المعتزلة والأشاعرة في صفة النزول الى السماء الدنيا كل ليلة مثلا - الثابتة في البخاري - لن تجده يتكلف أن يفكر في حقيقة ذلك ولا في كيفه، ولن ينقدح في عقله ذلك التصور الباطل الذي من أجله ردت عقول القوم تلك المعاني وعطلتها ظلما وعدوانا!! فلولا أن كانت فلسفة هؤلاء المبتدعة الضالة - وهم في هذا الباب ليسوا أكثر من فلاسفة متهافتين! - تبث وتدرس وينظر لها وتنشر في الناس على أنها هي عقيدة السلف، ما كان يجب على المسلمين تعلم العقيدة بفهم السلف وتعلم أباطيل الفرق الضالة وكيفية الرد عليها، كما هو منهج دراسة العقيدة في المدرسة السلفية.. والا فالعامة بلا علم كالريشة في مهب الريح، يرد عليهم ما يرد من الشبهات ليل نهار.. فبلا علم ولا ضبط بفهم السلف وكيفية صياغة الرد على أهل الكلام، انطلاقا من ذلك الفهم، فانهم لا يأمنون الهلكة، ولا حول ولا قوة الا بالله..
خلوصي
2008-08-23, 04:55 PM
أساتذتي الكرام الإمام الدهلوي و أبا الفداء...
جزاكم الله خيراً ...
و لكن .. كأنني بكم قد خرجتم عن محل بحث كلامي ... فالرجاء منكم توجيه كلامكم حسب محل البحث تحديدا ... و بارك الله فيكم
خادمكم السعيد بخدمتكم .. خلوصي
ابن الرومية
2008-08-23, 05:51 PM
طيب يا شيخنا هو في الحقيقة كلامك وجيه من جهة أنه لا يجب الخوض في مثل هذه المسائل يعني السلف كلهم لم يكونوا يحبون الكلام الا فيما تحته عمل يعني في اللي يعجبك يا شيخ :) هذا من حيث الاجمال و لكن كون العامي اللي على الفطرة عقيدته على الحق لا يعني ان العالم العارف بأصول هذه الحقيقة أنه مش عل الحق أو متنطع فالحق مراتب و بعض الناس اعلم بالحق من بعض يعني على سبيل المثال العامي و العالم سواء من الصحابة او من غيرهم يشتركان في المعرفة و التسليم بأن الله سميع بصيرو ينقدح في ذهنهما نفس المعنى الوسط بين التعطيل و التشبيه و لكن العالم من الصحابة و من غيرهم يزيد هنا على العامي بمعرفته لأصول و حدود معاني هاتين الصفتين فيكون عالما و فقيها بوجه صحة قولنا "ان الله له سمع و بصر " و أنه لا ينافي قولنا "ان الله سميع بصير" و عالما و بصيرا و متحققا و محققا لوجه بطلان قولهم "ان الله سميع بصير لا بسمع و لا ببصر" و بالتالي أقدر من العامي على حمايته و حماية فطرته من أمثال هذه الفيروسات التي تضر بالتصور و القصد و الطلب و لهذا ورد عن علماء الصحابة التكلم بمثل هذه المعاني التي لم ترد بلفظها لا في كتاب و لا سنة و بها استعان ورثثهم من علماء التابعين و تابعيهم في الرد على من انكرها بحجة عدم ورودها في الكتاب و السنة و ان كان الأولى السكوت عن كل ذلك و عدم الخوض فيه الا للضرورة كما تقول شيخنا ..و ان تأملت وجدت ان هذا معنى قول رسول الله صلى الله عليه و سلم "قال بلغوا عني ولو آية " وقوله '' نضر الله امرأ سمع مقالتي فحفظها فوعاها فبلغها كما سمعها فرب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" ""فربّ مبلغ أوعى من سامع"...و الا فان قلبنا الميزان سنجعل العامي المتحقق أفضل دائما من العالم المحقق...بتتذكر يا شيخنا؟؟؟ :)
أبو الفداء
2008-08-23, 06:03 PM
يا ابن الرومية، راجع كلامي بروية..
بارك الله فيك
فأنا لا أقول أن نكون من العوام أو أن العوام أضبط للعقيدة من أهل العلم والتحقيق.. هذه ما يقولها عاقل يا أخي الفاضل.
ولكن أوضح لأخينا خلوصي بارك الله فيه، أن أهل الكلام والابتداع لما لوثوا الفطرة النقية في أنفسهم وفي أتباعهم وأحدثوا أمورا منكرة ما كان الصحابة ينقدح مثلها في أذهانهم - لا العلماء منهم ولا العامة - من الله علينا بمن قام منهم ومن أتباعهم بالتخريج لتلك المعاني على فهمهم - رضي الله عنهم - للرد على أصحاب الخبث العقلي والفلسفي وابطال زبالة عقولهم.. فأصبح اليوم واجبا على الناس أن يتعلموا العقيدة الصحيحة بذاك الفهم بتلك الردود حتى يستبين لهم سبيل المجرمين ويتبعوا سبيل المؤمنين ولا تنتزعهم غربان الابتداع والضلال عن الحق انتزاعا.. فأين يجد العامة مثل هذا العلم الخطير الا عند العلماء المحققين؟
لعله أشكل عليك قولي: "فلولا أن كانت فلسفة هؤلاء المبتدعة الضالة - وهم في هذا الباب ليسوا أكثر من فلاسفة متهافتين! - تبث وتدرس وينظر لها وتنشر في الناس على أنها هي عقيدة السلف، ما كان يجب على المسلمين تعلم العقيدة بفهم السلف وتعلم أباطيل الفرق الضالة وكيفية الرد عليها، كما هو منهج دراسة العقيدة في المدرسة السلفية"
وبالتأكيد فأنا لا أقول بهذا ان كلام المتكلمة وابتداعهم هو علة وجوب تعلم العقيدة بجملتها، فتعلم "لا اله الا الله" هو أول واجب على كل مسلم، وهو رأس الأمر كله.. ولكن المراد من كلمتي هذه هو تعلم بدع المتكلمة تحديدا وتعلم الرد عليها بمثل هذا الكلام، كباب من أبواب العقيدة.. فلولا وقوع البدع والفلسفات الضالة في الأمة في ذلك، ما لزمنا أن نتعلم تلك الأفكار مع تعلم الرد المنضبط عليها.. ولا يخفى أن أكثر مصنفات العقيدة هي في ذلك الباب أصلا..
أبو الفداء
2008-08-23, 06:06 PM
"يعني السلف كلهم لم يكونوا يحبون الكلام الا فيما تحته عمل يعني في اللي يعجبك يا شيخ"
لم أفهم هذه العبارة... أرجو التوضيح.
خلوصي
2008-08-23, 11:48 PM
جزاكم الله خيراً جميعاً أيها الكرام
نعم أتذكر يا ابن الرومية المشاكس :)
و لكنني على ثقة أنك لا تسألني إلا و أنت عارف بالجواب ... تحريضا منك على التباحث المفيد ... فبارك الله فيكم .
ابن الرومية
2008-08-24, 02:06 AM
يا شيخ أبو الفداء الكلام كله كان موجها الى الشيخ الحبيب خلوصي ...يعني تصفية حسابات :) و الظاهر ان الرصاصات أصابتكم فاعتذر منكم فان تأملتم حفظكم الله كلامي فهو معكم مائة بالمائة و لكن ان شاء الله ديتها على الشيخ الحبيب خلوصي حين يجيب عن سؤالاتي البريئة :)
نضال مشهود
2010-03-23, 10:34 AM
خلاصة القضية والله أعلم أن قوله تعالى (أَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) قد يقصد بها بالقصد الأول (القبلة) وقد يقصد به (الصفة) . وكلا القولين قد قاله طائفة من السلف والأئمة . وكلاهما يدل على الآخر ولو بالإشارة أو بوساطة الأدلة الأخرى .
ابو معاذ الاثرى
2010-03-24, 11:47 PM
نشكر جهود المشايخ الكرام على بذلهم هذه الجهود التى يرحع علينا الاستفاده منها وجزاكم الله خيرا وزادكم علما
شذى الجنوب
2010-03-25, 09:21 AM
جزى الله الشيخ الفاضل عيد خير الجزاء وبارك في علمه وعمله.
وليتقبل مني هذا الرد وأكون له شاكرة فيما لو صحح لي هو أو غيره.
أولا: كل سلفي صادق يوقن أن لا عصمة إلا للأنبياء.
ثانيا: نقر لشيخ الإسلام بإمامته وعلمه وفضله فغالب من جاء بعده عيال عليه وخاصة في باب الأسماء والصفات.
ثالثا: مع فضل شيخ الإسلام ومكانته وتبحره في العلم لا نقول بعصمته بل هو كغيره من سوى الأنبياء معرض للخطأ.
رابعا: قبل الحكم بخطأ عالم بلغ مرتبة الاجتهاد المطلق كابن تيمية لا بد من التمحيص والفحص لكلامه والنظر في كلام من سبقه حول المسألة ذاتها –التي نظنه أخطأ فيها- والنظر فيه يكون من جهتين :
1- النظر في الكلام من حيث منطلقه وهل له قاعدة يرجع إليها لا تخرجه عن فهم السلف .
2- النظر في الكلام من حيث خصوصية دلالته وهل مؤداه حقا لخطأ يخالف فيه فهم السلف واعتقادهم.
والذي يظهر لي –واحتمال خطأ كلامي فوق صوابه- أن شيخ الإسلام يتكئ فيما ذهب إليه إلى التفسير بالسياق والقرينة فالسياق يدل على القبلة والجهة، وهذا النوع موجود كثيرا في كلام السلف ويشبه حديث الهرولة فيمن نفى حقيقتها من السلف.
وعليه ينتفي مأخذ التأويل بلا خطام ولا زمام عن شيخ الإسلام، وينتفي عنه فتح الباب لأصحاب العقائد الفاسدة لتأويل صفة الوجه وغيرها، لأن هؤلاء يؤولون بلا قرينة ولا دليل.
وعند التأمل في الآية تأملا يراعي القواعد السلفية ويحذر المزالق الخلفية نجد أن سياق الآية ولفظها يدل على الجهة من وجه ويدل على صفة الوجه والإحاطة من وجه آخر.
والله تعالى أعلم وأحكم.
نضال مشهود
2010-03-28, 10:01 AM
وما دام أن لفظ الآية يحتمل الوجهين وهما في الصحة سيان فالأمر واسع . بارك الله فيكم .
أم حكيم
2010-08-05, 12:54 PM
الأخ / نضال مشهود ، قولك:
((وما دام أن لفظ الآية يحتمل الوجهين وهما في الصحة سيان فالأمر واسع . بارك الله فيكم .))
أقول ( وبالله التوفيق ) : هذا لو لم يأت مفسرا في الأحاديث ، ارجع إلى الموضوع الأصلي وتأمل قول الشيخ عيد (حفظه الله) :
(( الرابع: أن الأحاديث الصحيحة جاءت مفسرة للآية مشتقة منها:
كقوله صلى الله عليه و سلم "إذا قام أحدكم الى الصلاة فإنما يستقبل ربه"
وقوله: "فإن الله يقبل إليه بوجهه عنه"... )) .
الباحث الفاضل /عيد فهمي ، قولك :
((لكن ما الحاجة في الردّ إن كان سيقرأ منه ما يحلو له، ويعرض عما لا يروق إليه قصدا؟
والله المستعان)) .
جزاك الله خيرا لقد أحسنت حين طرحت هذا الموضوع فلا يصدنك خطأ مخطئ عن إكمال إحسانك ،وما أجرك إلا على الله .
تقبل مني كل احترام وتقدير على طرحك الدقيق لموضوعاتك .و السلام عليكم .
عمر بن سليمان
2010-08-05, 02:45 PM
لم اطلع على ردود الأخوة المتداخلين وسأعود بإذن الله
لكن اراك تهمش بسهو او بغيره قول شيخ الاسلام ( فَإِنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ ) أقول هذا كلام مفصلي في الموضوع بل هو الأصل كله
ثم عدا ان الشافعي لايقول ( الله اعلم ) هل من حجة أثبت تجعل نسبة الكلام للشافعي غير صحيحة
ثم قولك التفسير باللازم : اللازم عند من ؟ هو يعتقد بأن اللازم هو الوجه بمعنى الجهة حيث قالت العرب ( أي وجه تريد )
قال ابن منظور
( والسُّنَّة: الطريقة، والسَّنن أَيضاً... يقال: امْضِ على سَنَنِك وسُنَنِك أَي على وجهك....وامْضِ على سَنَنِك أَي وَجْهك وقَصْدك [هل يعني امض مكبا على وجهك] ... والمُسَنْسَِنُ الطريق المسلوك، وفي التهذيب: طريق يُسْلَكُ ... وجاءت الرياحُ سَنائِنَ إذا جاءت على وجه واحد وطريقة واحدة لا تختلف ...وصَفْحُ كل شيء: وجهه وناحيته ... وفي الحديث: كانَتْ وُجُوهُ بُيُوت أَصحابِهِ شارعةً في المسجد؛ وَجْهُ البيتِ: الخَدُّ الذي يكون فيه بابه أَي كانت أَبواب بيوتهم في المسجد، ولذلك قيل لَخَدِّ البيت الذي فيه الباب وَجْهُ الكَعْبةِ.)ا.هـ
وهذا اللازم الذي اختاره الشيخ لازم يفرضه السياق العربي أيضا وقد قال به احد السلف
فاذا قيل ان الحال يحتمل الوجهين فأيهما آخذ :
ماوافق قول العرب وفرضه السياق القرآني العربي الفصيح وقال به أحد السلف ؟
أم ما وافق كلام العرب ووافق السلف واهمل السياق القرآني ؟ احذر هنا فثمة مزلق فموافقة السلف فقط لأنهم قالوا واهمال ماتعتقد امر ( قد ) يكون فيه خطورة في بعض الاحوال ... فتأمل
ايضا وجدت خلطا في المفهوم بين هذا ( فإن الله يقبل إليه بوجهه عنه ) والاية محل النقاش
ماشأن هذا بهذه ؟!! هذا سياق وهذا سياق ... أشح بك عن الاحتطاب
ثم تقول :
سألته: لو لم يرد هذا التفسير عن ابن تيمية، هل كنت تعدّها من آيات الصفات؟
فقال: نعم
وأقول :
لا
لكن وعلى كل حال أجدني في خيار بين التسليم لك بما تقول ومن ثم التسليم بـ ( وحدة الوجود ) أو البقاء على قول شيخ الاسلام ... فأيهما اسلم ؟
دم بخير
أبو الفداء
2010-08-05, 03:12 PM
لكن وعلى كل حال أجدني في خيار بين التسليم لك بما تقول ومن ثم التسليم بـ ( وحدة الوجود ) أو البقاء على قول شيخ الاسلاممهلا يا أخي، ما هكذا تورد الإبل! لا مدخل لوحدة الوجود في أي من المذهبين المذكورين هنا في فهم هذا النص، البتة!! ولا يقال بهذا إلا كما يقال بأن النزول يقتضي الحلول فتأمل!
سواء كان الوجه الجهة أو الوجه الصفة، فأنت لا تدري حقيقة ذلك الوجه (الصفة) ولا تعقل كيف يكون الله في جهة مقابلتك حيثما وجهت وجهك، والله ليس كمثله شيء على أي حال! فدع عنك هذا بارك الله فيك.
عمر بن سليمان
2010-08-05, 03:20 PM
مهلا يا أخي، ما هكذا تورد الإبل! لا مدخل لوحدة الوجود في أي من المذهبين المذكورين هنا في فهم هذا النص، البتة!! ولا يقال بهذا إلا كما يقال بأن النزول يقتضي الحلول فتأمل!
سواء كان الوجه الجهة أو الوجه الصفة، فأنت لا تدري حقيقة ذلك الوجه (الصفة) ولا تعقل كيف يكون الله في جهة مقابلتك حيثما وجهت وجهك، والله ليس كمثله شيء على أي حال! فدع عنك هذا بارك الله فيك.
شكر الله لك اخي
انما اردت فقط الرد على الأخ الفاضل بنفس طريقته حينما قال بأن هذا المسلك يجعلنا نردّ جميع آيات والأحاديث التي فيها ذكر صفة الوجه
بلسان حال مقاله : أن بإلزامك هذا اللازم ، غيرك أيضا يُلْزِم من قولك لازم فإن استسغت لازمك فاستسغ لازمي والا فالعكس بالعكس
ربما اكون اخطأت الطريقة
أم حكيم
2010-08-05, 04:40 PM
الشيخ عيد(وفقك الله) لقدذكرت أثناءنقلك لكلام ابن القيم (رحمه الله):
((ولهذا ذكرها بعد الرد على من جعل له ولدا فقال تعالى"وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض"
ملاحظة:الآية في سورة البقرة بلفظ ((الله)) بدل ((الرحمن)) (الآية 116 من سورة البقرة)
أبو سفيان الأثرى
2010-08-05, 06:58 PM
بارك الله في الأخ الشيخ عيد فهمي على بيانه وجهده في حشد هذه النصوص الطيبة المباركة، غير أني أرى أنه حجّر واسعاً وما أنصف شيخ الإسلام ابن تيمية في مناقشته هذه، لذا سجلت هذه الملاحظات عسى أن تقع منه موقع الرضا.
قول الأخ الفاضل عيد: هذا تأويل صريح للآية، ومخالف لما ورد عن السلف فيها، ونسبة هذا التفسير لجمهور السلف غير صحيح بل لا وجود له عن غير مجاهد ومقاتل وسوف نذكر ذلك في موضعه.
قلت: هذا ليس تأويلاً، بل تفسير لسياق الآية، ولم يتفرد به شيخ الإسلام، بل ورد كذلك عن جهابذة كبار، كما سيأتي.
ثم قولك: إنه لا وجود له عن غير مجاهد ومقاتل، فيه حصرٌ غير مرضي، فقد نقل هذا عن جمعٍ من السلف والخلف، كما في النقولات الآتية بعدُ.
قوله: وكلام شيخ الإسلام رحمه الله يُرد عليه من وجوه:
الأول: لا يعرف إطلاق وجه الله على القبلة لغة ولا شرعا ولا عرفا بل القبلة لها اسم يخصها والوجه له اسم يخصه فلا يدخل أحدهما على الآخر ولا يستعار اسمه له.
قلت: هذه إن كانت من عند أخينا الشيخ عيد لم نقبلها منه ـ فنحن: القارئَ والكاتبَ ـ ممن لا أهلية له لمثل هذا النفي في مثل عصرنا هذا، وإن كان نقله عن الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى، فكان ينبغي نسبة القول إليه، فذلك من بركة العلم.
وعندها سنقول: إن كلام الإمام ابن القيم نفيٌ ينازع فيه، والله أعلم.
وكذلك ما جاء في الوجه الثاني والثالث، فلعله مما اقتبسه الشيخُ من كلام ابن القيم، فَيَرِدُ عليه ما مرَّ آنفاً.
قوله في الوجه الرابع: أن الأحاديث الصحيحة جاءت مفسرة للآية مشتقة منها، ثم ذكر ثلة من الأحاديث الطيبة في هذا المعنى.
قلت: ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ ممن يَستدِلُّ بمثل هذا الأحاديث وغيرها على إثبات صفة الوجه لله تعالى، وما كانت خافية عليه، بل إنه ممن يستدل بالآية ذاتها على إثبات صفة الوجه له سبحانه.
قوله في السادس: ما جاء عن الشافعي فهو وجادة للبيهقي بغير إسناد ومن أنعم النظر في الكلمة المنقولة عنه أيقن أنها ليست من كلامه وهي قوله: "فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ }يَعْنِي -وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- : فَثَمَّ الْوَجْهُ الَّذِي وَجَّهَكُمْ اللَّهُ إلَيْهِ" فما هذا بأسلوب الشافعي خاصة قوله: (والله أعلم) بين ثنايا كلامه، وكتبه شاهدة بذلك، ولعلها مدرجة بين ثنايا كلامه ممن روى عن المزني هذه النسخة أو مِن بعض مَن امتلكها فلا حجة فيها
وعلى فرض ثبوتها -وهو بعيد- فالأولى حملها على التفسير باللازم لموافقة جمهور السلف الذين عدوها من آيات الصفات.
قلت: على هذا الكلام مآخذ:
منها: التشكيك بنسبة هذا الكلام للشافعي، بدعوى الوجادة، وهذا غريب جداً، فأي وجادة أثبت من وجادة البيهقي ـ أخبر الناس بمؤلفات الشافعي ـ، وهذا يجرنا للطعن بكثير مما هذا حاله!
ومنها قولك « ومن أنعم النظر في الكلمة المنقولة عنه أيقن أنها ليست من كلامه » قلت: أنعمنا النظر فما أيقنا أنها ليست من كلامه!!
وقولك: « فما هذا بأسلوب الشافعي خاصة قوله: (والله أعلم) بين ثنايا كلامه، وكتبه شاهدة بذلك »
أقول استقرأتَ كتبَ الإمام الشافعي، فتوصلتَ إلى ذلك؟ أم هي رمية من غير رام؟ فكتب الإمام الشافعي مليئة بمثل هذا الأسلوب، فخذ ثلة من الشواهد على ذلك:
قال الشافعي في «الأم» 1/40 ـ ط المعرفة : «فكان فَرْضُ الله الغُسلَ مطلقًا لم يذكر فيه شيئا يبدأ به قبل شيء، فإذا جاء المغتسِل بالغسل أجزأه ـ والله أعلم ـ كيفما جاء به ».
وقال في «الأم» 1/71: «حكم الله عز وجل في كتابه أن فرض الصلاة موقوت، والموقوت - والله أعلم - الوقت الذي يصلى فيه وعددها ».
وقال في 1/92: «وبهذا نأخذ، ومعناه عندنا - والله أعلم - على ما يعرف من مراح الغنم وأعطان الإبل أن الناس يريحون الغنم في أنظف ما يجدون من الأرض لأنها تصلح على ذلك والإبل تصلح على الدفع من الأرض فمواضعها التي تختار من الأرض أدقعها وأوسخها».
وقال في 1/114: «ولو سجد على بعض جبهته دون جميعها كرهت ذلك له ولم يكن عليه إعادة لأنه ساجد على جبهته ولو سجد على أنفه دون جبهته لم يجزه لأن الجبهة موضع السجود وإنما سجد ـ والله أعلم ـ على الأنف لاتصاله بها ومقاربته لمساويها».
إلى غير ذلك في عشرات المواضع.
وليس بمثل ذلك تُرَدُّ النصوص الثابتة عن الأئمة.
قوله في الوجه السابع: اعتماد قول مجاهد في تفسير الآية غير مقبول.
قلت: نُقِل قول مجاهد كوجه من وجوه تفسير هذه الآية، ولم يَرُدَّه أحد على مجاهد، بل جعلوه وجهاً للاختلاف في تفسير الآية المذكورة.
قوله في الثامن من الوجوه: قد توارد سلف الأمة الذين صنفوا في العقيدة خاصة على عدّ هذه الآية من آيات الصفات، فقول ابن تيمية السابق: ((ومن عدّها في الصفات فقد غلط)) فيه ما فيه، فقد عدّها في الصفات الإمام أحمد وابنه الإمام عبد الله بن أحمد والإمام عثمان بن سعيد الدارمي والإمام ابن خزيمة والإمام ابن بطة والإمام اللالكائي والإمام البربهاري والإمام الطبري والإمام ابن عبد البر والإمام ابن القيم والإمام السعدي وابن عثيمين وغيرهم كثير ممن سبقوه أو لحقوه أو عاصروه. فهل يقال: كل هؤلاء غلطوا وخالفوا جمهور السلف؟ ومَن السلف غيرهم؟
قلت: شيخ الإسلام غلَّط من عدَّ هذه الآية من آيات الصفات، وصَدَقَ من وجهٍ ـ رحمه الله ـ ، غير أنه لم يُغلِّط من استدل بها على إثبات الوجه، فهذا لا يلغي جواز الاستدلال بهذا الآية في إثبات الوجه لله تعالى. إذ فرقٌ بين إثبات الصفة، وتوجيه معناها الوارد ضمن السياق، وهذا شبيه بقوله تعالى: ﴿فأتى الله بنيانهم من القواعد﴾ وقوله ﴿فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا﴾ وقوله سبحانه: ﴿ونحن أقرب إليه من حبل الوريد﴾ وقوله سبحانه: ﴿فأخذنا منه باليمين﴾ وغيرها، إذ فُسِّرت بدلالة السياق والقرينة، فالذين يثبتون الإتيان والمجيء ويمين الله ونحو ذلك، غير مَستَنكَر منهم بيانُ ظاهر ما تحويه هذه الآيات من معاني إتيان العذاب، والقوة، والبطش، وهذا واضح جلي ، والله أعلم.
فلا عجب ـ بعدُ ـ أن نجد الأئمة أثبتوا الوجه لله بهذه الآية ـ ومنهم ابن تيمية ـ وفسروها بالجهة، فلا تعارض، ولا حاجة أن أضرب كلامهم بكلام شيخ الإسلام وأتصور مخالفته إياهم.
يقول الشيخ عبد الرحمن بن صالح المحمود: الاحتجاج بهذه الآية على إثبات صفة الوجه لله صحيح لأن هذه الآية وإن سيقت مساق بيان القبلة، إلا أنه لا يعبر فيها بنسبة الصفة إلى الله إلا ما صح أن يكون صفةً لله. وعليه فقوله تعالى: (فأينما تولوا فثم وجه الله) سياقها ومعناها يدل على القبلة لكن لما قال (وجه الله) دلَّ على أن الله سبحانه وتعالى له وجه يليق بجلاله وعظمته. اهـ.
قوله: وسأقتصر على ذكر كلام واحد منهم فقط لشدّة صلته بابن تيمية ألا وهو خريجه وحامل علمه وناشر أقواله الإمام ابن القيم.
قلت: فبان لي أن كلامك ـ أخانا المكرم عيد ـ مستقى من هذا المصدر الطيب المبارك الآن، لكن سأترك ما تعقبتُه عليك على حاله، فقد كنت أتمنى منكَ أن تذكره أولاً.
ثم إني سائقٌ ـ كما سقتَ ـ جملةً مما قيل في هذا الآية، والله الهادي:
أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره 1/212 (1124) بسند جيد، ولم أقف له على علة، عن ابن عباس قال: ﴿فأينما تولوا فثم وجه الله﴾ : قبلة الله، أينما توجهت شرقاً أو غرباً.
قلت: إسناده جيد قوي، ولا يضر الإسنادَ جعل النضر بن عربي روايته عن مجاهد تارة، وعن عكرمة عن ابن عباس أخرى، فهو وارد عند مثل هذه الطبقة، إذا لا غرابة أن يسمعه من مجاهد من قوله، ويسمعها من عكرمة عن ابن عباس، والله أعلم.
أخرج الطبري في تفسيره 2/451 بسند جيد قول قتادة: في قوله ﴿فأينما تولوا فثم وجه الله﴾ قال: هي القبلة.
وقد ذكر الطبري 2/456 أن الآية تثبت أن لله وجهاً حقيقة، ثم بيّن أن مما يحتمله معنى الآية أن تكون بمعنى قبلة الله، وهو أحد الوجوه التي ذكرها بعدُ في 1/459 ـ 460.
وقد مضى على متابعة شيخ الإسلام أفاضل العلماء والأئمة.
من ذلك: ما ورد عن اللجنة الدائمة للإفتاء والدعوة والإرشاد، فقد سُئلت في الفتوى رقم (11865) عن بعض الصفات وما ورد بشأنها في كتاب الله تعالى، ومنها: ما المراد بالوجه في كل نص من النصوص الآتية : { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ }، { وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ }.
فأجابت: كلمة (وجه الله) في الجملة الأولى يراد بها قبلة الله كما ذكر مجاهد والشافعي رحمهما الله تعالى ، فإن دلالة الكلام في كل موضع بحسب سياقه ، وما يحف به من قرائن ، وقد دل السياق والقرائن على أن المراد بالوجه في هذه الجملة (القبلة) ؛ لقوله تعالى : { وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ }، فذكر تعالى الجهات والأماكن التي يستقبلها الناس ، فتكون هذه الآية كآية { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا }، وإذن فليس الآية من آيات الصفات المتنازع فيها بين المثبتة والنفاة ، وأما كلمة (وجه) في الجمل الباقية في السؤال ، فالمراد بها إثبات صفة الوجه لله تعالى حقيقة على ما يليق بجلاله سبحانه ؛ لأن الأصل الحقيقة ولم يوجد ما يصرف عنها ، ولا يلزم تمثيله بوجه المخلوقين ، لأن لكل وجها يخصه ويليق به .
ومنهم الإمام العلامة العثيمين، فقد ذكر في تفسيره اختلاف المفسرين من السلف والخلف فيها، ثم رجح انه وجه الله حقيقة.
وقال في «شرح السفّارينية»: «وأما قوله تعالى : { ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله } ( البقرة 115 ) .
ففيها قولان للسلف :
القول الأول : أن المراد بوجه الله وجه الله الحقيقي ، وقالوا : إن الآية نزلت في الصلاة والمصلي أينما توجه فالله قبل وجهه [45] .
وقال آخرون : بل المراد بالوجه : الجهة ، كقوله تعالى : { ولكلٍّ وجهةٌ هو موليها } ( البقرة 148 ) [46] ، فالمراد أينما تكونوا فثم جهة الله التي أمركم باستقبالها وتكون الآية نزلت فيمن اشتبهت عليه القبلة فاتجه إلى غير القبلة وهو يريد القبلة .
فنقول : هذه جهة صحيحة لأنك اجتهدت وأداك اجتهادك إلى ذلك أو لصلاة النافلة على السفر فإنك تصلي حيث كان وجهك لكن بقية الآيات لا يراد بها إلا الوجه». اهـ.
كذلك فقد سئل ـ رحمه الله ـ في سلسلة لقاءات الباب المفتوح: ورد في مختصر الصواعق المرسلة للإمام ابن القيم رحمه الله حين أتى إلى قوله عز وجل: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } [البقرة:115] ذكر أنه ورد عن بعض السلف ومنهم الشافعي بأن المعنى في قوله: (وَجْهُ اللَّهِ) أي: قبلة الله, ثم نقض ذلك ترجيحاً من عدة وجوه, وقال من بينها: ما بالكم أخذتم هذه على قبلة الله, مع أنه في كل النصوص التي وردت فيها وجه الله هي إضافة الصفة إلى الموصوف, فرجح من عدة أوجه -كما قلت- قوله: إن تفسيرها نعني به إحاطة الله التامة والمطلقة, فكما تعلم الأشاعرة يؤولون قضية الدعاء ورفع الأيدي إلى السماء بقولهم: إن هذه قبلة الدعاء, وأنكر السلف عليهم ذلك وقالوا: إن هناك قبلة واحدة للصلاة وللدعاء, فهل للأشاعرة أن يقولوا: إن القول في قبلة الله في هذا التفسير أيضاً يستلزم عدة قبلات لله عز وجل, فأرجو من فضيلتكم إزالة مثل هذه الشبهة مأجورين وجزاكم الله خيراً؟
فأجاب:
أولاً: أنا أرجو من الإخوان الحاضرين أن لا يوردوا مثل هذا السؤال المطول المعقد, وأكثر الإخوة الآن قد لا يفهمون هذا إطلاقاً ولا طرأ على بالهم إطلاقاً, فمثل هذا يكون بيني وبين السائل.
لكن الآية الكريمة فيها قولان للسلف : القول الأول: أن المعنى: فأينما تولوا فثم وجهة الله، أي: قبلته, بمعنى: أنك إذا أشكل عليك القبلة, ثم صليت وأنت في البر, صليت إلى جهة ظننتها القبلة ثم تبين إنها ليست القبلة فصلاتك صحيحة, لأن هذه الآية ذكرت كمقدمة لقوله تعالى: { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [البقرة:142] فهذه الآية كقوله: { قُل لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ } [البقرة:142] و { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } [البقرة:115] أي: إن اتجهتم إلى الكعبة فأنتم مولون وجه الله, وإن اتجهتم إلى بيت المقدس كما انتقدكم اليهود فأنتم مولون إلى وجه الله: { لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [البقرة:142] وهذا قول له قوته.
القول الثاني: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } [البقرة:115] أي: فالله تعالى قبل وجوهكم, ويؤيد هذا القول قول النبي صلى الله عليه وسلم في المصلي: إنه لا يبصق قبل وجهه, قال: ( فإن الله قبل وجهه ).
فالآية محتملة لهذا ولهذا, ومعناها صحيح على كلا القولين.أما الأشاعرة وقولهم: إن هذا قبلة الدعاء, فيقال لهم: أنتم هل تدعون السماء أم تدعون رب السماء؟ فإذا رفعتم أيديكم إلى السماء وقلتم: يا ألله، فإنما تنادون الله عز وجل, فإذاً الله هناك, لستم تقولون: يا سماء، وكونهم يقولون: إن السماء قبلة الداعي، خطأ, لأن قبلة الداعي هي الكعبة, فإن العبادة التي يشرع فيها استقبال القبلة إنما يشرع إلى الكعبة.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أهـ.
والشيخ عبد الله الغنيمان، فقد سئل في شرحه للواسطية: ما معنى قول الله تعالى: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } [البقرة:115] ؟
فأجاب: الصواب أن هذه الآية في القبلة، يعني: الاتجاه والجهة التي يصلى إليها، فإذا كان الإنسان في مكان وكان يعرف جهة القبلة، فذاك وإن كان لا يعرف جهة القبلة فأي وجهة صلى إليها فهي صحيحة إذا اجتهد ونظر. اهـ.
والشيخ عبد الرحمن بن صالح المحمود، فقد سئل أثناء شرحه لكتاب لمعة الاعتقاد : كيف نرد على من يستدل بقوله تعالى: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } [البقرة:115] على أن الله تعالى في كل مكان؟
فأجاب:
نرد عليه بأن هذه الآية إنما هي في القبلة، أي: أينما تولوا في صلاتكم فإنما تستقبلون قبلة الله سبحانه وتعالى، وليس كل آية فيها إحاطة الله سبحانه وتعالى تدل على أن الله في كل مكان، وإلا فهم قد احتجوا قبل ذلك بمثل قوله تعالى: { وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ } [الزخرف:84]، فقالوا: قوله: (وفي الأرض إله) يدل على أنه أيضاً يكون في الأرض، وهذا لا حجة فيه. اهـ.
وقول العلامة صالح آل الشيخ في شرحه للحموية: «قوله جل وعلا في سورة البقرة: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾[البقرة:115]، هنا فسر السلف الوجه بالقبلة؛ لأن الوجه من حيث اللفظ يطلق على الجهة ويطلق على الصفة، وجه بمعنى وِجهة، والوجه وجه الله بمعنى الصفة التي هي الوجه المعروفة، هنا ما حُمل على الصفة مع أنها إضافة وجه الله، إضافة صفة إلى متصف، وذلك لدلالة السياق لدلالة التركيب، وهذا ظاهر لقوله (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) لسياق الآيات في القبلة (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) يعني القبلة؛ ولهذا خرجت هذه الآية من أن تكون من آيات الصفات».
ـ وقال بعدُ: «قول الله جل وعلا ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾[البقرة:115]، ظاهر هذه الآية واضح في أنها ليست من آيات الصفات وإنما المقصود بها الكلام عن القبلة، ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ يعني الوُجْهَة ـ وُجْهَة الله ـ وهي القبلة».
قلت: وفي مصنفات العلماء تفصيل لكل ذلك، ما أحببت الزيادة على ما هنا لضيق الوقت وقلة الزاد، وأستغفر الله وأستزيده من فضله.
بوركتم، لا فض فوك، وزادك أدبا وعلما.
ولولا هذا الفعل من صاحب هذا الردّ لرددتُ على ما ذكره ردًّا علميًّا مفصلا.
لكن ما الحاجة في الردّ إن كان سيقرأ منه ما يحلو له، ويعرض عما لا يروق إليه قصدا؟
والله المستعان
لو تركت هذا جانبا، ورردت ردا علميا مفصلا، لكان أنفع لنا.
أم حكيم
2010-08-06, 12:11 AM
فقد نقل صاحب شرح قصيدة ابن القيم (2/303- 307) كلام الإمام ابن القيم في الصواعق -وهو أوعب ما وجدته في الكلام على هذه الآية-((.....فففوإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيراققق فالنعيم والملك ثَمَّ، لا إنه نفس الظرف.والوجه لو كان المراد به الجهة نفسها لم يكن ظرفا لنفسها فإن الشيء لا يكون ظرفا لنفسه فتأمله ألا ترى أنك إذا أشرت الى جهة الشرق والغرب لا يصح أن تقول ثم جهة الشرق، ثم جهة الغرب، بل تقول هذه جهة الشرق، وهذه جهة الغرب، ولو قلت هناك جهة الشرق والغرب لكان ذكر الظرف لغوا وذلك لأن "ثَمَّ" إشارة الى المكان البعيد فلا يشار بها الى قريب والجهة والوجهة مما يحاذيك الى آخرها فجهة الشرق والغرب وجهة القبلة مما يتصل الى حيث ينتهي فكيف يقال فيها "ثَمَّ" اشارة الى البعيد؟ بخلاف الاشارة الى وجه الرب تبارك وتعالى...))
رأيي أن قول ابن القيم هنا يكفي في فض النزاع .
ثم الذي يوجه الاتهام إلى الشيخ عيد فيقول (ما أنصف شيخ الإسلام ابن تيمية في مناقشته هذه)
أقول له: كلامك يقتضي أن ابن القيم أيضا لم ينصف شيخ الإسلام ابن تيمية في مناقشته هذه.
إني أذكر المعارض لابن القيم بأنه لن يغلبه في متابعته لأستاذه ابن تيمية ولا في دفاعه عنه ولا في فهمه لآراءه. تأمل كلامه عنه على هذا الرابط http://majles.alukah.net/showthread.php?p=395128#post39 5128
لكن ليت المعارض يتذكر أن ابن تيمية - رحمه الله - سيكون أسعد حين نترك قوله في سبيل متابعة الحق . والله الهادي إلى السبيل .
العمطهطباوي
2010-10-10, 08:40 PM
جزاك الله خيرا اخي
أم حكيم
2010-12-03, 11:42 PM
فقد نقل صاحب شرح قصيدة ابن القيم (2/303- 307) كلام الإمام ابن القيم في الصواعق -وهو أوعب ما وجدته في الكلام على هذه الآية-((.....فففوإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيراققق فالنعيم والملك ثَمَّ، لا إنه نفس الظرف.والوجه لو كان المراد به الجهة نفسها لم يكن ظرفا لنفسها فإن الشيء لا يكون ظرفا لنفسه فتأمله ألا ترى أنك إذا أشرت الى جهة الشرق والغرب لا يصح أن تقول ثم جهة الشرق، ثم جهة الغرب، بل تقول هذه جهة الشرق، وهذه جهة الغرب، ولو قلت هناك جهة الشرق والغرب لكان ذكر الظرف لغوا وذلك لأن "ثَمَّ" إشارة الى المكان البعيد فلا يشار بها الى قريب والجهة والوجهة مما يحاذيك الى آخرها فجهة الشرق والغرب وجهة القبلة مما يتصل الى حيث ينتهي فكيف يقال فيها "ثَمَّ" اشارة الى البعيد؟ بخلاف الاشارة الى وجه الرب تبارك وتعالى...))
رأيي أن قول ابن القيم هنا يكفي في فض النزاع .
ثم الذي يوجه الاتهام إلى الشيخ عيد فيقول (ما أنصف شيخ الإسلام ابن تيمية في مناقشته هذه)
أقول له: كلامك يقتضي أن ابن القيم أيضا لم ينصف شيخ الإسلام ابن تيمية في مناقشته هذه.
إني أذكر المعارض لابن القيم بأنه لن يغلبه في متابعته لأستاذه ابن تيمية ولا في دفاعه عنه ولا في فهمه لآراءه. تأمل كلامه عنه على هذا الرابط http://majles.alukah.net/showthread.php?p=395128#post39 5128
لكن ليت المعارض يتذكر أن ابن تيمية - رحمه الله - سيكون أسعد حين نترك قوله في سبيل متابعة الحق . والله الهادي إلى السبيل .
أرجو المعذرة لقد نسيت في مشاركتي السابقة أن أوضح الاقتباس وهو الملون الآن باللون الأزرق وهو مقتبس من موضوع الشيخ عيد فتح الله عليه وجزاه خيرا .
أسماء
2010-12-16, 07:08 PM
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
بارك الله فيك شيخنا الفاضل
التغلبي
2011-06-07, 06:26 AM
بارك الله فيكم
زادكم الله علما وحرصا , فليس غير السلفيين يجوز لهم أن يختلفوا بينهم ويناقشوا الموضوع بهذه الطريقة العلمية ,
فكل المخالفين يناقش بحذر أن يخالف أربابه
والله المستعان ولكن آثرني كلام الأخ أبا الفداء في مسأله النزول والحلول ...فقد سمعت بعض المنتسبين للإسلام من جهمية العصر من أتباع الهرري الحبشي لا رحم الله في مغرز إبرة ...يقول نفس هذا الكلام
هلا بينت لي أخي كيف هذا ؟
أبو الفداء
2011-06-07, 07:19 AM
والله المستعان ولكن آثرني كلام الأخ أبا الفداء في مسأله النزول والحلول ...فقد سمعت بعض المنتسبين للإسلام من جهمية العصر من أتباع الهرري الحبشي لا رحم الله في مغرز إبرة ...يقول نفس هذا الكلام
إن كنت تقصد قولي بأن النزول الحقيقي لا يلزم منه الحلول (بمعنى الامتزاج بالعالم المخلوق والدخول فيه)، فليس هذا قول الجهمية بارك الله فيك، وإنما هو قول أهل السنة دفعا لشبهات الجهمية!
عبد الرزاق بن صالح
2011-06-08, 09:32 AM
جزى الاخوة خيرا على ما قدموا من العلم والاخلاق والطرافة وشكرا لخلوصي على سهولته وعاميته
ابن محمود
2020-02-25, 03:21 PM
كلامك فيه نظر وقول مجاهد قول معتبر بل هو الصواب وعلي ذلك يدل سياق الاية ويدل علي ذلك ايضا سبب نزولها فقد ثبت في صحيح مسلم عن ابن عمر انها نزلت في الرجل يصلي النافلة حيثما توجهت به راحلته
بالنسبة للعنوان فسئ فالعقيدة السلفية صحيحة لا تصحح
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.