محمد شمس الحق صديق
2015-05-26, 01:06 AM
لعلك تسأل، أخي الكريم! لماذا ندعو الآخرين إلى الإسلام؟ ألا يكفي بأن القرآن متوافر بمعظم لغات غير المسلمين؟ ألم يمنح الله لهم عقلا يدركون به الغث من السمين، والطيب من الخبيث؟ أليس الكون كتاب مفتوح للجميع بحيث لو تدبر آياته لو وصل إلى بر الآمان؟
نعم يا أخي، سؤالك وجيه. غير أن المشكلة أن غشاوة النسيان تعمي الأبصار و طرحات النظريات تذهل عن الحقيقة. ألا ترى أن الآبائية كانت تقف حائلة في إدراك حقيقة النبوة المحمدية في محيط أهل مكة. فهم كانوا يظنون أن الآباء بحكم قدم عهدهم وأبهة الاحترام التي تحيط بهم كانوا دائما على الحق. وأن أي دعوى لا توافق كلامهم فإنها دعوة باطلة لا محالة. فكان المنهج لديهم في تقييم الآراء والتوجهات هو مدى توافقها مع ما قالته الآباء والأجداد. إقرأ إن شئت قوله تعالى : وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ( سورة البقرة : 170 ) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ( سورة المائدة : 104 ) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (سورة يونس: 78) ) وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ( سورة الأنبياء:51-53) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (سورة الشعراء: 69- 74) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ( سورة لقمان: 21-22) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ ( سورة الصافات: 69- 71) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ. (سورة الزخرف: 22-23) فالآبائية بحكم قدم عهدها كان قد أصبح جزءا لا يتجزأ من العقل الباطن للعرب الجاهليين. والعقل الباطن هو الذي يرجع إليه اتخاذ معظم قرارات الإنسان، وهو العقل اللاوعي الذي لا يفقه ولا يفهم، بل ينفذ الأوامر بصورة تلقائية. أما العقل الواعي الذي يفكر وينتخب ويعرف الخير من الشر، لا يبقى له من حول ولا قوة أمام طغيان اللا شعور الذي يعمل بصورة عمياء. أضرب لك مثال الرجل الذي يدخن منذ أمد بعيد ويحاول تركه كل يوم ولكنه يفشل كل مرة. فعقله الواعي يأمره بترك التدخين، ويذكره بأنه مضر بالصحة، ويلح عليه أن يتخذ قراره الحاسم لتركه فورا. غير أن عقله اللاوعي الذي فهم بسبب تكرار عملية التدخين أن هذا الأمر ضروري للمرء، فهو يدفعه إليه دفعا حثيثا كلما يحين الميعاد. ولا يمكن للإنسان المدمن ترك التدخين إلا بإعادة برمجة العقل اللاوعي عن طريق تقليل مرات التدخين وتركه شيئا فشيئا. فالقرارات، كما يقول Tom Asacker لا يتخذها الإنسان، في معظمها، على أساس المعلومات والحقائق المتوافرة، بل يتخذها مدفوعا بالرغبة. تلك الرغبة التي يتحكم فيها العقل الباطن ويبقها ناضجة طرية. فالآبائية هي الرغبة وليست قرار ا عقليا مدروسا. واستبدال هذه الرغبة بما هو أصوب وأجدر يتطلب وقتا وجهدا. فهي رغبة جاهلة عمياء لا تريد أن ترى النور المتلألئ خارجها. ولذا أمر الله تعالى نبيه بالصبر على يقولون ويهجرهم هجرا جميلا:( وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا. وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِي نَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا. [سورة المزمل: 10-11]) وكان من رحمة الله تعالى بعرب الجزيرة أنه أبقى نبيه في مكة ثلاثة عشرة عاما. وهذه السنوات الثلاثة عشر لم تنزل فيها الأحكام المنظمة للحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. بل كان التركيز الكبير على ما يخص التوحيد وإخلاص العبودية لله تعالى التي تحتاج أول ما تحتاج إلى نبذ الآبائية. وفي العصر الحديث وإن كانت الآبائية القديمة لم يعد لها سلطانها التليد بسبب شيوع التفكير العلمي في العالم المتقدم، بخاصة، إلا أن نوعا آخر من الآبائية قد نشأت وترعرعت وأخذت موقعها في لا شعور المثقف الغربي المعاصر. وهي إن كانت أقل حدة من الآبائية الشركية القديمة إلا أنها تعلب دورا كبيرا في رفض المعتقدات الدينية أيا كان نوعها. وهي آبائية التجربة العلمية التي ترفض أية مقدمات إيمانية بدعوى أنها لا تستقيم في محك المنطق التجريبي الذي يثقون به ويعتبرونه معيارا لغربلة الآراء والأفكار. فالقوم رغم عدم تمكنهم من تحييد نظرية الخلق التي هي أكبر دليل على وجود الله تعالى، وفشلهم في الاتيان بتفسير علمي مقنع حول وجود السماوات والأرض بدون خلق وإبداع من إله قدير عالم للغيب والشهادة، إلا أنهم مصرون في العمه والتيه في الغي والضلال الذي يضفون عليه ظلما وزورا الصبغة العلمية. فالمسألة هنا أيضا مسألة الآبائية. فقد أصبح العقل اللاوعي الغربي متشربا بالنظريات اللادينية منذ عدة قرون، وهذه النظريات تمثل غشاوة كثيفة غطت الفطرة السليمة بحيث أنهم باتوا مستعدين للإعتقاد بتوجهات وآراء لا تقل سخافة عن الأساطير اليونانية القديمة. فهم يؤمنون بأن المخلوقات كلها جاءت عن طريق النشوء والارتقاء، وحتى الكون نفسه يمكن أن يكون قد جاء عن طريق النشوء والارتقاء. أي كان هناك الملايين من الأكوان البسيطة تدرجت إلى التعقيد عبر عملية الارتقاء الذي دامت المليارات من السنين. فهذه كلها طرحات وخزعلبات لا يمكن اختبارها أبدا في المختبرات العلمية.
وإذا كانت الآبائية القديمة احتاجت إلى الصبر والتمهيل حتى يتمكن الخطاب الدعوي المتكرر من إعادة برمجة العقل اللاوعي، فإننا بحاجة إلى انتهاج المنهج عينه في محاولة منا لإعادة صياغة العقل اللاوعي لدى الشعوب الغربية. غير أن الصبر ينبغي أن يقترن بأعمال جبارة لنشر كلمة الله ودغدغة المشاعر، إذ الصبر الفارغ غير المصحوب بالعمل الدعوي الكادح ليس مما يجدينا في شيء.
نعم يا أخي، سؤالك وجيه. غير أن المشكلة أن غشاوة النسيان تعمي الأبصار و طرحات النظريات تذهل عن الحقيقة. ألا ترى أن الآبائية كانت تقف حائلة في إدراك حقيقة النبوة المحمدية في محيط أهل مكة. فهم كانوا يظنون أن الآباء بحكم قدم عهدهم وأبهة الاحترام التي تحيط بهم كانوا دائما على الحق. وأن أي دعوى لا توافق كلامهم فإنها دعوة باطلة لا محالة. فكان المنهج لديهم في تقييم الآراء والتوجهات هو مدى توافقها مع ما قالته الآباء والأجداد. إقرأ إن شئت قوله تعالى : وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ( سورة البقرة : 170 ) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ( سورة المائدة : 104 ) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (سورة يونس: 78) ) وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ( سورة الأنبياء:51-53) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (سورة الشعراء: 69- 74) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ( سورة لقمان: 21-22) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ ( سورة الصافات: 69- 71) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ. (سورة الزخرف: 22-23) فالآبائية بحكم قدم عهدها كان قد أصبح جزءا لا يتجزأ من العقل الباطن للعرب الجاهليين. والعقل الباطن هو الذي يرجع إليه اتخاذ معظم قرارات الإنسان، وهو العقل اللاوعي الذي لا يفقه ولا يفهم، بل ينفذ الأوامر بصورة تلقائية. أما العقل الواعي الذي يفكر وينتخب ويعرف الخير من الشر، لا يبقى له من حول ولا قوة أمام طغيان اللا شعور الذي يعمل بصورة عمياء. أضرب لك مثال الرجل الذي يدخن منذ أمد بعيد ويحاول تركه كل يوم ولكنه يفشل كل مرة. فعقله الواعي يأمره بترك التدخين، ويذكره بأنه مضر بالصحة، ويلح عليه أن يتخذ قراره الحاسم لتركه فورا. غير أن عقله اللاوعي الذي فهم بسبب تكرار عملية التدخين أن هذا الأمر ضروري للمرء، فهو يدفعه إليه دفعا حثيثا كلما يحين الميعاد. ولا يمكن للإنسان المدمن ترك التدخين إلا بإعادة برمجة العقل اللاوعي عن طريق تقليل مرات التدخين وتركه شيئا فشيئا. فالقرارات، كما يقول Tom Asacker لا يتخذها الإنسان، في معظمها، على أساس المعلومات والحقائق المتوافرة، بل يتخذها مدفوعا بالرغبة. تلك الرغبة التي يتحكم فيها العقل الباطن ويبقها ناضجة طرية. فالآبائية هي الرغبة وليست قرار ا عقليا مدروسا. واستبدال هذه الرغبة بما هو أصوب وأجدر يتطلب وقتا وجهدا. فهي رغبة جاهلة عمياء لا تريد أن ترى النور المتلألئ خارجها. ولذا أمر الله تعالى نبيه بالصبر على يقولون ويهجرهم هجرا جميلا:( وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا. وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِي نَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا. [سورة المزمل: 10-11]) وكان من رحمة الله تعالى بعرب الجزيرة أنه أبقى نبيه في مكة ثلاثة عشرة عاما. وهذه السنوات الثلاثة عشر لم تنزل فيها الأحكام المنظمة للحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. بل كان التركيز الكبير على ما يخص التوحيد وإخلاص العبودية لله تعالى التي تحتاج أول ما تحتاج إلى نبذ الآبائية. وفي العصر الحديث وإن كانت الآبائية القديمة لم يعد لها سلطانها التليد بسبب شيوع التفكير العلمي في العالم المتقدم، بخاصة، إلا أن نوعا آخر من الآبائية قد نشأت وترعرعت وأخذت موقعها في لا شعور المثقف الغربي المعاصر. وهي إن كانت أقل حدة من الآبائية الشركية القديمة إلا أنها تعلب دورا كبيرا في رفض المعتقدات الدينية أيا كان نوعها. وهي آبائية التجربة العلمية التي ترفض أية مقدمات إيمانية بدعوى أنها لا تستقيم في محك المنطق التجريبي الذي يثقون به ويعتبرونه معيارا لغربلة الآراء والأفكار. فالقوم رغم عدم تمكنهم من تحييد نظرية الخلق التي هي أكبر دليل على وجود الله تعالى، وفشلهم في الاتيان بتفسير علمي مقنع حول وجود السماوات والأرض بدون خلق وإبداع من إله قدير عالم للغيب والشهادة، إلا أنهم مصرون في العمه والتيه في الغي والضلال الذي يضفون عليه ظلما وزورا الصبغة العلمية. فالمسألة هنا أيضا مسألة الآبائية. فقد أصبح العقل اللاوعي الغربي متشربا بالنظريات اللادينية منذ عدة قرون، وهذه النظريات تمثل غشاوة كثيفة غطت الفطرة السليمة بحيث أنهم باتوا مستعدين للإعتقاد بتوجهات وآراء لا تقل سخافة عن الأساطير اليونانية القديمة. فهم يؤمنون بأن المخلوقات كلها جاءت عن طريق النشوء والارتقاء، وحتى الكون نفسه يمكن أن يكون قد جاء عن طريق النشوء والارتقاء. أي كان هناك الملايين من الأكوان البسيطة تدرجت إلى التعقيد عبر عملية الارتقاء الذي دامت المليارات من السنين. فهذه كلها طرحات وخزعلبات لا يمكن اختبارها أبدا في المختبرات العلمية.
وإذا كانت الآبائية القديمة احتاجت إلى الصبر والتمهيل حتى يتمكن الخطاب الدعوي المتكرر من إعادة برمجة العقل اللاوعي، فإننا بحاجة إلى انتهاج المنهج عينه في محاولة منا لإعادة صياغة العقل اللاوعي لدى الشعوب الغربية. غير أن الصبر ينبغي أن يقترن بأعمال جبارة لنشر كلمة الله ودغدغة المشاعر، إذ الصبر الفارغ غير المصحوب بالعمل الدعوي الكادح ليس مما يجدينا في شيء.