أبوعاصم أحمد بلحة
2015-03-25, 07:13 AM
24-03-2015 | د. عامر الهوشان (http://taseel.com/Display/Author/AuthorsPubs.aspx?ID=545)
فما هو حكم هذه الهجرة بمختلف أسبابها؟؟ وإلى أي مدى تتحمل الحكومات الإسلامية مسؤولية تزايد هذه الهجرة وتداعياتها الدينية والدنيوية؟؟ هذا ما سأحاول الحديث عنه في هذا المقال مبتدأً بتعريف مختصر عن دار الإسلام ودار الكفر والحرب, كتمهيد ضروري لفهم حكم الهجرة من دار الإسلام إلى بلاد الغرب.
لا يختلف اثنان على أن ترك الأوطان أمر في غاية الصعوبة, فقد جُبل الإنسان على حب المكان والأرض التي ولد وترعرع فيها, ففيها جذوره وأصوله وأرحامه وذكرياته وطفولته, وقد عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك الحب والتعلق بقوله -حين خرج من وطنه ومكان ولادته ونشأته مكة مهاجرا إلى المدينة المنورة-: (وَاَللّهِ إنّك لَأَحَبّ أَرْضِ اللّهِ إلَيّ وَإِنّك لَأَحَبّ أَرْضِ اللّهِ إلَى اللّهِ وَلَوْلَا أَنّ أَهْلَك أَخْرَجُونِي مِنْك مَا خَرَجْت) "الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام للسهيلي 4/133"
إلا أن أسباب كثيرة قد تدفع الإنسان إلى ترك بلده ووطنه, أهمها: طلب العلم والمعرفة التي قد لا تكون متوفرة وميسورة في بلده, وكذلك الحروب التي يطال أثرها المدنيين ولا تقتصر على المقاتلين في الوقت المعاصر, وما تسببه من خوف وذعر بين الناس على أنفسهم وأهليهم وأولادهم, بالإضافة لطلب الرزق والتوسع منه ومن أسباب الحياة التي قد تكون ضيقة قليلة في وطن الإنسان, ناهيك عن الهجرة فرار بالدين, والتي تعتبر من أعظم أنواع وأسباب الهجرة قديما وحديثا, ومنها هجرة المسلمين إلى الحبشة والمدينة المنورة.
وإذا كانت الهجرة في سبيل الله فرارا من الفتنة في العقيدة والدين, وانتقالا من ديار الكفر إلى بلاد الإسلام محمودة ومأجورة, وقد حث الله تعالى عباده إليها بأكثر من موقع في القرآن الكريم وآية, قال تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} النساء/100 , وقال تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} النحل/110
كما حث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابة على هذا النوع من الهجرة حين اشتد أذى المشركين على المسلمين في مكة وبالغوا في فتنتهم عن دينهم, فأمرهم بالهجرة إلى الحبشة أولا ثم إلى المدينة, وهي سنة يتأسى بها المسلمون الذين يفتنون عن دينهم في أي أرض وفي كل عصر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
إلا أن واقع هجرة المسلمين في هذا الزمان تختلف اختلافا جذريا عما كانت عليه الهجرة في واقع المسلمين الأوائل, فبينما كانت الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام, أضحت اليوم من بلاد المسلمين إلى بلاد الغرب, وفي حين كان الغرب يرسل أبناءه لنيل العلوم والمعارف من بلاد المسلمين أصحاب الحضارة في ذلك الوقت, أصبح المسلمون يرسلون فلذات أكبادهم إلى بلاد الغرب للتزود بالعلوم الحديثة التي يفتقدونها في بلادهم.
فما هو حكم هذه الهجرة بمختلف أسبابها؟؟ وإلى أي مدى تتحمل الحكومات الإسلامية مسؤولية تزايد هذه الهجرة وتداعياتها الدينية والدنيوية؟؟ هذا ما سأحاول الحديث عنه في هذا المقال مبتدأً بتعريف مختصر عن دار الإسلام ودار الكفر والحرب, كتمهيد ضروري لفهم حكم الهجرة من دار الإسلام إلى بلاد الغرب.
تعريف دار الإسلام ودار الحرب والعهد
أما دار الإسلام فهي: كل بقعة تكون فيها أحكام الإسلام ظاهرة. وقال الشافعي: هي كل أرض تظهر فيها أحكام الإسلام, أو يسكنها المسلمون وإن كان معهم فيها أهل الذمة, أو فتحها المسلمون وأقروها بيد الكفار, أو كانوا يسكنونها ثم أجلاهم الكفار عنها.
وقد اختلف الفقهاء في إمكانية تحول دار الإسلام إلى دار كفر:
فقال الشّافعيّة: لا تصير دار الإسلام دار كفر بحال من الأحوال، وإن استولى عليها الكفّار، وأجلوا المسلمين عنها، وأظهروا فيها أحكامهم. لخبر: «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه»
وقال المالكيّة، والحنابلة، وصاحبا أبي حنيفة " أبو يوسف ، ومحمّد ": تصير دار الإسلام دار كفر بظهور أحكام الكفر فيها.
وذهب أبو حنيفة إلى أنّه لا تصير دار كفر إلاّ بثلاث شرائط:
أ - ظهور أحكام الكفر فيها.
ب - أن تكون متاخمةً لدار الكفر.
ج - أن لا يبقى فيها مسلم، ولا ذمّيّ آمناً بالأمان الأوّل، وهو أمان المسلمين.
وأما دار الحرب فهي: كلّ بقعة تكون أحكام الكفر فيها ظاهرةً.
وأما دار العهد - وتسمّى أيضا دار الموادعة ودار الصّلح - فهي: كلّ ناحية صالح المسلمون أهلها بترك القتال على أن تكون الأرض لأهلها. (1)
وقد أجاب الشيخ عطية صقر عن سؤال حول المقصود بدار الحرب والإسلام فقال:
إن المحققين من العلماء قالوا: إن مدار الحكم على بلد بأنه بلد إسلام أو بلد حرب هو الأمن على الدين, حتى لو عاش المسلم فى بلد ليس له دين أو دينه غير دين الإسلام، ومارس شعائر دينه بحرية فهو فى دار إسلام، بمعنى أنه لا تجب عليه الهجرة منها. (2)
كما ذكر المرحوم الشيخ محمد أبو زهرة رأيين للفقهاء فى دار الإسلام ودار الحرب, ثم اختار رأى أبى حنيفة وهو: أن مدار الحكم هو أمن المسلم، فإن كان اَمنا بوصف كونه مسلما فالدار دار إسلام وإلا فهى دار حرب. (3)
وقد أشار وزير العدل في موريتانيا سابقاً – إلى أن أكثر العلماء من المذاهب الثلاثة قسموا الدور إلى ثلاثة – بخلاف أبي حنيفة الذي قسم الدار إلى قسمين فقط - دار إسلام ودار حرب ودار هدنة وموادعة وصلح, فأكثر الدور الآن - أي ديار غير المسلمين- هي في الحقيقة من هذا النوع من دار الهدنة، بناء على الاتفاقيات الدولية التي انخرط فيها المسلمون مع غيرهم في ميثاق الأمم المتحدة, فيمكن اعتبار هذه الدور في العالم الغربي والعالم الشرقي أنها من باب دار الهدنة ودار الموادعة.
حكم الهجرة من بلاد الإسلام إلى بلاد الغرب
بداية لا بد من ذكر أقوال الفقهاء القدامى في موضوع الهجرة من دار الحرب – وتسمى دار الكفر أيضا على اعتبار أن كل دار حرب دار كفر وليس العكس – وقد قسّم الفقهاء النّاس في هذا الشأن إلى ثلاثة أضرب:
أ - من تجب عليه الهجرة: وهو من يقدر عليها، ولا يمكنه إظهار دينه مع المقام في دار الحرب، وإن كانت أنثى لا تجد محرماً، إن كانت تأمن على نفسها في الطّريق، أو كان خوف الطّريق أقلّ من خوف المقام في دار الحرب, لقوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً} النساء/97.
وفي الآية وعيد شديد، والوعيد الشّديد لا يكون إلاّ في ارتكاب المحرّم وترك الواجب, ولحديث: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ. قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَلِمَ ؟ قَالَ : لاَ تَرَاءَى نَارَاهُما) سنن الترمذي برقم 1604 وحسنه الألباني.
وحديث: (لا تنقطع الهجرة ما دام العدوّ يقاتل) مسند الإمام أحمد برقم 1671 بإسناد حسن, وأمّا حديث: (لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا) صحيح البخاري برقم 2783, فمعناه لا هجرة من مكّة بعد فتحها، لصيرورة مكّة دار إسلام إلى يوم القيامة إن شاء اللّه.
ب- من لا هجرة عليه: وهو من يعجز عنها، إمّا لمرض، أو إكراه على الإقامة في دار الكفر، أو ضعف كالنّساء، والولدان. لقوله تعالى: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِ ينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً}.
ج - من تستحبّ له الهجرة، ولا تجب عليه، وهو: من يقدر على الهجرة ويتمكّن من إظهار دينه في دار الحرب، فهذا يستحبّ له الهجرة ليتمكّن من الجهاد، وتكثير المسلمين. (4)
الحكم الشرعي في الهجرة إلى بلاد الغرب في الوقت المعاصر
الأصل في دخول المسلم دارا غير إسلامية هو الحظر والمنع والحرمة, والاستثناء هو الجواز والإباحة, بشرط أن يكون هناك مبرر لدخوله أو إقامته, ولا خلاف في هذا بين الفقهاء, وإذا زال المبرر الشرعي لدخوله وجب عليه الخروج من هذه الدار إن أمكنه ذلك, ولم تكن هناك حاجة ملحة أو مصلحة مؤكدة لبقائه إلى حين.
فما هو حكم هذه الهجرة بمختلف أسبابها؟؟ وإلى أي مدى تتحمل الحكومات الإسلامية مسؤولية تزايد هذه الهجرة وتداعياتها الدينية والدنيوية؟؟ هذا ما سأحاول الحديث عنه في هذا المقال مبتدأً بتعريف مختصر عن دار الإسلام ودار الكفر والحرب, كتمهيد ضروري لفهم حكم الهجرة من دار الإسلام إلى بلاد الغرب.
لا يختلف اثنان على أن ترك الأوطان أمر في غاية الصعوبة, فقد جُبل الإنسان على حب المكان والأرض التي ولد وترعرع فيها, ففيها جذوره وأصوله وأرحامه وذكرياته وطفولته, وقد عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك الحب والتعلق بقوله -حين خرج من وطنه ومكان ولادته ونشأته مكة مهاجرا إلى المدينة المنورة-: (وَاَللّهِ إنّك لَأَحَبّ أَرْضِ اللّهِ إلَيّ وَإِنّك لَأَحَبّ أَرْضِ اللّهِ إلَى اللّهِ وَلَوْلَا أَنّ أَهْلَك أَخْرَجُونِي مِنْك مَا خَرَجْت) "الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام للسهيلي 4/133"
إلا أن أسباب كثيرة قد تدفع الإنسان إلى ترك بلده ووطنه, أهمها: طلب العلم والمعرفة التي قد لا تكون متوفرة وميسورة في بلده, وكذلك الحروب التي يطال أثرها المدنيين ولا تقتصر على المقاتلين في الوقت المعاصر, وما تسببه من خوف وذعر بين الناس على أنفسهم وأهليهم وأولادهم, بالإضافة لطلب الرزق والتوسع منه ومن أسباب الحياة التي قد تكون ضيقة قليلة في وطن الإنسان, ناهيك عن الهجرة فرار بالدين, والتي تعتبر من أعظم أنواع وأسباب الهجرة قديما وحديثا, ومنها هجرة المسلمين إلى الحبشة والمدينة المنورة.
وإذا كانت الهجرة في سبيل الله فرارا من الفتنة في العقيدة والدين, وانتقالا من ديار الكفر إلى بلاد الإسلام محمودة ومأجورة, وقد حث الله تعالى عباده إليها بأكثر من موقع في القرآن الكريم وآية, قال تعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} النساء/100 , وقال تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} النحل/110
كما حث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابة على هذا النوع من الهجرة حين اشتد أذى المشركين على المسلمين في مكة وبالغوا في فتنتهم عن دينهم, فأمرهم بالهجرة إلى الحبشة أولا ثم إلى المدينة, وهي سنة يتأسى بها المسلمون الذين يفتنون عن دينهم في أي أرض وفي كل عصر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
إلا أن واقع هجرة المسلمين في هذا الزمان تختلف اختلافا جذريا عما كانت عليه الهجرة في واقع المسلمين الأوائل, فبينما كانت الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام, أضحت اليوم من بلاد المسلمين إلى بلاد الغرب, وفي حين كان الغرب يرسل أبناءه لنيل العلوم والمعارف من بلاد المسلمين أصحاب الحضارة في ذلك الوقت, أصبح المسلمون يرسلون فلذات أكبادهم إلى بلاد الغرب للتزود بالعلوم الحديثة التي يفتقدونها في بلادهم.
فما هو حكم هذه الهجرة بمختلف أسبابها؟؟ وإلى أي مدى تتحمل الحكومات الإسلامية مسؤولية تزايد هذه الهجرة وتداعياتها الدينية والدنيوية؟؟ هذا ما سأحاول الحديث عنه في هذا المقال مبتدأً بتعريف مختصر عن دار الإسلام ودار الكفر والحرب, كتمهيد ضروري لفهم حكم الهجرة من دار الإسلام إلى بلاد الغرب.
تعريف دار الإسلام ودار الحرب والعهد
أما دار الإسلام فهي: كل بقعة تكون فيها أحكام الإسلام ظاهرة. وقال الشافعي: هي كل أرض تظهر فيها أحكام الإسلام, أو يسكنها المسلمون وإن كان معهم فيها أهل الذمة, أو فتحها المسلمون وأقروها بيد الكفار, أو كانوا يسكنونها ثم أجلاهم الكفار عنها.
وقد اختلف الفقهاء في إمكانية تحول دار الإسلام إلى دار كفر:
فقال الشّافعيّة: لا تصير دار الإسلام دار كفر بحال من الأحوال، وإن استولى عليها الكفّار، وأجلوا المسلمين عنها، وأظهروا فيها أحكامهم. لخبر: «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه»
وقال المالكيّة، والحنابلة، وصاحبا أبي حنيفة " أبو يوسف ، ومحمّد ": تصير دار الإسلام دار كفر بظهور أحكام الكفر فيها.
وذهب أبو حنيفة إلى أنّه لا تصير دار كفر إلاّ بثلاث شرائط:
أ - ظهور أحكام الكفر فيها.
ب - أن تكون متاخمةً لدار الكفر.
ج - أن لا يبقى فيها مسلم، ولا ذمّيّ آمناً بالأمان الأوّل، وهو أمان المسلمين.
وأما دار الحرب فهي: كلّ بقعة تكون أحكام الكفر فيها ظاهرةً.
وأما دار العهد - وتسمّى أيضا دار الموادعة ودار الصّلح - فهي: كلّ ناحية صالح المسلمون أهلها بترك القتال على أن تكون الأرض لأهلها. (1)
وقد أجاب الشيخ عطية صقر عن سؤال حول المقصود بدار الحرب والإسلام فقال:
إن المحققين من العلماء قالوا: إن مدار الحكم على بلد بأنه بلد إسلام أو بلد حرب هو الأمن على الدين, حتى لو عاش المسلم فى بلد ليس له دين أو دينه غير دين الإسلام، ومارس شعائر دينه بحرية فهو فى دار إسلام، بمعنى أنه لا تجب عليه الهجرة منها. (2)
كما ذكر المرحوم الشيخ محمد أبو زهرة رأيين للفقهاء فى دار الإسلام ودار الحرب, ثم اختار رأى أبى حنيفة وهو: أن مدار الحكم هو أمن المسلم، فإن كان اَمنا بوصف كونه مسلما فالدار دار إسلام وإلا فهى دار حرب. (3)
وقد أشار وزير العدل في موريتانيا سابقاً – إلى أن أكثر العلماء من المذاهب الثلاثة قسموا الدور إلى ثلاثة – بخلاف أبي حنيفة الذي قسم الدار إلى قسمين فقط - دار إسلام ودار حرب ودار هدنة وموادعة وصلح, فأكثر الدور الآن - أي ديار غير المسلمين- هي في الحقيقة من هذا النوع من دار الهدنة، بناء على الاتفاقيات الدولية التي انخرط فيها المسلمون مع غيرهم في ميثاق الأمم المتحدة, فيمكن اعتبار هذه الدور في العالم الغربي والعالم الشرقي أنها من باب دار الهدنة ودار الموادعة.
حكم الهجرة من بلاد الإسلام إلى بلاد الغرب
بداية لا بد من ذكر أقوال الفقهاء القدامى في موضوع الهجرة من دار الحرب – وتسمى دار الكفر أيضا على اعتبار أن كل دار حرب دار كفر وليس العكس – وقد قسّم الفقهاء النّاس في هذا الشأن إلى ثلاثة أضرب:
أ - من تجب عليه الهجرة: وهو من يقدر عليها، ولا يمكنه إظهار دينه مع المقام في دار الحرب، وإن كانت أنثى لا تجد محرماً، إن كانت تأمن على نفسها في الطّريق، أو كان خوف الطّريق أقلّ من خوف المقام في دار الحرب, لقوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً} النساء/97.
وفي الآية وعيد شديد، والوعيد الشّديد لا يكون إلاّ في ارتكاب المحرّم وترك الواجب, ولحديث: (أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ. قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَلِمَ ؟ قَالَ : لاَ تَرَاءَى نَارَاهُما) سنن الترمذي برقم 1604 وحسنه الألباني.
وحديث: (لا تنقطع الهجرة ما دام العدوّ يقاتل) مسند الإمام أحمد برقم 1671 بإسناد حسن, وأمّا حديث: (لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا) صحيح البخاري برقم 2783, فمعناه لا هجرة من مكّة بعد فتحها، لصيرورة مكّة دار إسلام إلى يوم القيامة إن شاء اللّه.
ب- من لا هجرة عليه: وهو من يعجز عنها، إمّا لمرض، أو إكراه على الإقامة في دار الكفر، أو ضعف كالنّساء، والولدان. لقوله تعالى: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِ ينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً}.
ج - من تستحبّ له الهجرة، ولا تجب عليه، وهو: من يقدر على الهجرة ويتمكّن من إظهار دينه في دار الحرب، فهذا يستحبّ له الهجرة ليتمكّن من الجهاد، وتكثير المسلمين. (4)
الحكم الشرعي في الهجرة إلى بلاد الغرب في الوقت المعاصر
الأصل في دخول المسلم دارا غير إسلامية هو الحظر والمنع والحرمة, والاستثناء هو الجواز والإباحة, بشرط أن يكون هناك مبرر لدخوله أو إقامته, ولا خلاف في هذا بين الفقهاء, وإذا زال المبرر الشرعي لدخوله وجب عليه الخروج من هذه الدار إن أمكنه ذلك, ولم تكن هناك حاجة ملحة أو مصلحة مؤكدة لبقائه إلى حين.