المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أقوال الإمامين الشافعي وابن تيمية حول حديث حاطب



مطيع باكرمان
2008-03-28, 10:33 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا مبحث لطيف لشيخنا الفاضل أبي مجاهد حفظه الله فيما يتعلق بأقوال الإمامين الشافعي وابن تيمية رحمهما الله لعله أن يزيل بعض الإشكالات فيما يتعلق بحديث حاطب رضي الله عنه
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد ،
فإن حديث حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه في مكاتبته للمشركين يعد ركيزة من ركائز بيان ( الولاء والبراء ) ، ذلك أنه حديث متواتر مقطوع بصحته عن الرسول e وهو كذلك بيّن واضح في ألفاظه ثم إنه يبين كيف يكون التعامل حكماً وقضاء مع الذين تقع منهم موالاة للعدو وهم في دار الإسلام وصف المسلمين ومعسكر الموحدين ، والحديث قد تناوله علماء الأمة بالشرح والبيان في كتبهم على اختلاف مواضيعها في العقيدة والتفسير والحديث والفقه والسيرة والتاريخ ، غير أن شُذَّاذاً من الناس اليوم أخذوا يفسرون الحديث على غير تفسيره ، ويؤولونه على غير تأويله ؛ ليطّرد مسلكهم و أصلهم الذي أصلوه في الموالاة ، وهو أن كل إعانة للكفار على المسلمين كفر مخرج من الملة ، ولو كانت إعانة من أجل الدنيا ممن هو في صف المؤمنين ، فأحببت أن أجمع ابتداء بعض أقوال أهل العلم في بيان بعض دلالات حديث حاطب رضي الله عنه مع شيء من التعليق عليها ليتدبرها من أحب الإنصاف ويتأملها طلاب الحقائق - استعجالاً للإفادة - حتى ييسر الله عز وجل لنا نظمها في سلك واحد لتكون عقداً جميلاً نهديه لشباب الصحوة الإسلامية، وطلاب علم الشريعة، والله الموفق وحده إلى ما يحبه ويرضاه .
أبو مجاهد صالح بن محمد باكرمان


أولاً: الإمام الشافعي رحمه الله تعالى :
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه العظيم ( الأم )( ) :
[ المسلم يدل المشركين على عورة المسلمين :
قيل للشافعي: أ رأيت المسلم يكتب إلى المشركين من أهل الحرب بـ : أن المسلمين يريدون غزوهم. أو بالعورة من عوراتهم. هل يحل ذلك دمه ويكون في ذلك دلالة على ممالأة المشركين؟.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: لا يحل دم من ثبتت له حرمة الإسلام إلا: أن يقتل. أو يزنى بعد إحصان. أو يكفر كفراً بيِّناً بعد إيمان ثم يثبت على الكفر.
وليس الدلالة على عورة مسلم ، ولا تأييد كافر بأن يحذر أن المسلمين يريدون منه غرة ليحذرها أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بيِّن ].
التعليق :
أ - العورة في اللغة ما يجب حفظه وستره والمراد هنا السر من أسرار المسلمين.
ب - الكفر البيّن :هو الواضح الذي لاشك فيه ولا احتمال.
ج - اشترط لقتل المرتد الثبات على الردة ، إذ الأصل أن أحكام الردة لاتُنزّل على الردة العارضة التي يتوب منها صاحبها.
د - [ ليس الدلالة على عورة المسلم ، ولا تأييد كافر بأن يحذر أن المسلمين يريدون منه غرة ليحذرها أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بيِّن ]لأن هذه الأفعال بمجردها - لمن هو في صف المسلمين - ليست بكفر مخرج من الملة ، فغايتها أن تكون إعانة على قتل المسلمين والفتك بهم ،وقتل المسلمين والفتك بهم مجرداً عن الاستحلال وعن محبة انتصار المشركين ليسا من الكفر الأكبر المخرج من الملة ؛ بل هما من كبائر الذنوب وعظائم المعاصي، لكن دون الشرك الأكبر

ولما كانت هذه الأفعال يحتمل أن تفعل بقصد محبة انتصار الكفار على المسلمين احتملت أن تكون كفراً أكبر بهذا الشرط؛ لذلك لم تكن بالكفر البيّن ؛ فإذا تبيّن أن التجسس للمشركين على المسلمين ليس بكفر بيّن ، وهو قطعاً ليس بزناً ولا قتل والرسول e إنما أحل دم هؤلاء الثلاثة علم أنه معصوم الدم ولا يجوز قتله. فالشافعي رحمه الله تعالى لم يحكم بإسلام الجاسوس الذي يتجسس للمشركين على المسلمين فحسب ؛ بل لم يُجِزْ قتله إذا لم يكن قاتلاً. وإن كانت مسألة قتله مسألة خلافية .
ثم روى الإمام الشافعي رحمه الله تعالى قصة حاطب رضي الله عنه من رواية علي بن أبي طالب رضي الله عنه, وذكر بعض دلالاتها فقال :
[ فقلت للشافعي: أقلت هذا خبراً أم قياساً ؟
قال: قلته ـ بما لا يسع مسلماً عَلِمه عندي أن يخالفه ـ بالسنة المنصوصة ، بعد الاستدلال بالكتاب.
فقيل للشافعي: فاذكر السنة فيه .
قال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد عن عبيدا لله بن أبى رافع قال: سمعت علياً يقول: بعثنا رسول الله e أنا والمقداد والزبير فقال: (انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظغينة معها كتاب) فخرجنا تعادى بنا خيلنا فإذا نحن بالظعينة، فقلنا لها: أخرجي الكتاب فقالت: ما معي كتاب، فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب, فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله e فإذا فيه " من حاطب بن أبى بلتعة إلى ناس من المشركين ممن بمكة " يخبر ببعض أمر النبي e قال: (ما هذا يا حاطب؟) قال: لا تعجل على يا رسول الله! إني كنت امرءاً ملصقاً في قريش ولم أكن من أنفسها, وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها قراباتهم، ولم يكن لى بمكه قرابة فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يداً، والله ما فعلته شكاً في ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله e : ( إنه قد صدق) فقال عمر: يا رسول الله ! دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي e : (إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل .


الله U قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) قال: فنزلت ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء( .
قال الشافعي رحمه الله تعالى: [في هذا الحديث ـ مع ما وصفنا لك ـ طرح الحكم باستعمال الظنون .
لأنه لـما كان الكتاب:
" يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال من أنه لم يفعله شاكاً في الإسلام وأنه فعله ليمنع أهله .
" ويحتمل أن يكون زلة لا رغبة عن الإسلام .
" واحتمل المعنى الأقبح ... كان القول قوله فيما احتمل فعله.
وحكم رسول الله e فيه بأن : لم يقتله . ولم يستعمل عليه الأغلب.
ولا أحد أتى في مثل هذا أعظم في الظاهر من هذا؛ لأن أمر رسول الله e مباين في عظمته لجميع الآدميين بعده.
فإذا كان من خابر المشركين بأمر رسول الله e ورسول الله e يريد غرتهم فصدقه ما عاب عليه الأغلب مـما يقع في النفوس فيكون لذلك مقبولاً كان من بعده في أقل من حاله وأولى أن يقبل منه مثل ما قبل منه].
التعليق :
أ - من فوائد الحديث - إضافة إلى كون الجاسوس لا يقتل - طرح الحكم باستعمال الظنون؛ فلا يحكم على مسلم بمجرد الظن وإن كان غالباً في مقابل يقين الأصل والبراءة الأصلية .
ب - كتاب حاطب رضي الله عنه للمشركين يحتمل ثلاثة احتمالات ..., ولـما احتمل فعله كان القول قوله فيما احتمل فعله؛ ولهذا استجوبه النبي e - بأبي هو وأمي- حتى يتبين قصده ومراده,ولم يحكم عليه بالأغلب ؛لأن الأغلب أن موالاة الكافرين إنما تصدر عن المنافقين .
ج - تجسسُ حاطب رضي الله عنه هو أخطر تجسس في التاريخ - حسب الظاهر - ؛ لأنه تجسسٌ على أعظم الخلق أجمعين محمد e، وتجسس عليه ليس كتجسس على من سواه.

د - إذا لم يستعمل الأغلب على جاسوس تجسس للمشركين على رسول معصوم فمن دونه من الجواسيس أولى بأن لا يستعمل في حقهم الأغلب ،وأن يكون القول قولهم فيما احتمل فعلهم.وهذا هو مقتضى قياس الأولى .فظهر بجلاء لا
خفاء فيه أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى لا يرى كفر الجاسوس الذي يتجسس للمشركين على المسلمين مطلقاً، وإنما يرى استجوابه لتظهر حقيقته كما استجوبه رسول الله e,فهذه هي السنة و مذهب أهل السنة، بل جمهور الفقهاء لم يجز قتله بله تكفيره!
ثم ذكر الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ما يمكن أن يرد على استدلاله بالحديث وأجاب عنه فقال :
[ قيل للشافعي: أ فرأيت إن قال قائل: إن رسول الله e قال: (قد صدق) إنما تركه لمعرفته بصدقة لا بأن فعله كان يحتمل الصدق وغيره. فيقال له:
- قد علم رسول الله e أن المنافقين كاذبون وحقن دماءهم بالظاهر فلو كان حكم النبي e في حاطب بالعلم بصدقه كان حكمه على المنافقين القتل بالعلم بكذبهم ولكنه إنما حكم في كلًّ بالظاهر وتولى الله U منهم السرائر.
- ولئلا يكون لحاكم بعده أن يدع حكماً له مثل ما وصفت من علل أهل الجاهلية.
- وكل ما حكم به رسول الله e فهو عام حتى يأتي: عنه دلالة على أنه أراد به خاصاً. أو عن جماعة المسلمين الذين لا يمكن فيهم أن يجعلوا له سنة. أو يكون ذلك موجوداً في كتاب الله U .
قلت للشافعي: أفتأ مر الإمام إذا وجد مثل هذا بعقوبة من فعله أم تركه كما ترك النبي e؟
فقال الشافعي: إن العقوبات غير الحدود فأما الحدود فلا تعطل بحال، وأما العقوبات فللإمام تركها على الاجتهاد، وقد روى عن النبي e أنه قال: (تجافوا لذوى الهيئات) وقد قيل في الحديث: (ما لم يكن حد). فإذا كان هذا : من الرجل ذي الهيئة بجهالة كما كان هذا من حاطب بجهالة وكان غير متهم أحببت أن يتجافى له.وإذا كان من غير ذي الهيئة كان للإمام ـ والله تعالى أعلم ـ تعزيره.


وقد كان النبي e في أول الإسلام يردد المعترف بالزنا فترك ذلك من أمر النبي e لجهالته يعنى المعترف بما عليه، وقد ترك النبي e عقوبة من غل في سبيل الله ].
التعليق :
أ - أورد الشافعي رحمه الله تعالى شبهة أن النبي e حكم في حاطب رضي الله عنه بعلمه وردها من ثلاثة أوجه :
1 - أن النبي e لا يحكم في الناس بعلمه بدليل تعامله مع المنافقين فقد علم باطن طائفة منهم بالوحي ( قصة حذيفة ) وحقن دماءهم بالظاهر.( )
ب - أن مثل هذا التعليل يفتح الباب للحكام بعد النبي e ليتركوا حكمه بمثل هذه العلة من علل أهل الجاهلية الذين يتركون أحكام الشريعة البينة بتعليلات عقولهم السخيفة.
ج - أن الأصل في ما حكم به النبي e العموم حتى يرد ما يخصصه من : كتاب أو سنة أو إجماع.
د - مسألة التعزير غير مسألة الحد والقتل فيجوز للإمام أن يعزر الجاسوس المسلم - عند الإمام الشافعي رحمه الله تعالى - بما دون القتل إلا أن يكون من أهل الهيئات لاسيما إذا ارتكب هذه المعصية بجهالة لا عن خبث و سوء طوية.


ثانياً : شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
1 - تواتر قصة حاطب ودلالاتها عند السلف :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بعدما ذكر حديث حاطب وقصته( ) :
( وهذه القصة مما اتفق أهل العلم على صحتها وهي متواترة عندهم معروفة عند علماء التفسير وعلماء الحديث وعلماء الـمغازي والسير والتواريخ وعلماء الفقه وغير هؤلاء ، وكان علي رضي الله عنه يحدث بهذا الحديث في خلافته بعد الفتنة وروى عنه كاتبه عبد الله بن أبي رافع ليبين لهم أن السابقين مغفور لهم ولو جرى منهم ما جرى ، فإن عثمان وعلياً وطلحة و الزبير أفضل باتفاق المسلمين من حاطب بن أبي بلتعة وكان حاطب مسيئاً إلى ممالكيه وكان ذنبه في مكاتبته المشركين وإعانتهم على النبي e وأصحابه أعظم الذنوب التي تضاف إلى هؤلاء ، ومع هذا فالنبي e نهى عن قتله وكذب من قال : إنه يدخل النار لأنه شهد بدراً والحديبية وأخبر بمغفرة الله لأهل بدر ، ومع هذا فقد قال عمر رضي الله عنه : دعني أضرب عنق هذا المنافق واستحل قتله ولم يقدح ذلك في إيمان واحد منهما ولا في كونه من أهل الجنة )( ) ، ثم ذكر ابن تيمية رحمه الله تعالى قصة الإفك وما حدث فيها .
التعليق :
أ - حديث حاطب وقصته في مكاتبة المشركين متواترة .
ب - كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يروي الحديث في خلافته ليبين للناس أن السابقين مغفور لهم ولو جرى منهم ما جرى ، والمقصود كبائر الذنوب بدون شك لأن الشرك لا يُغفر إلا بالتوبة, والتوبة عامة لكل أحد ليست خاصة بالسابقين الأولين . وإذا كان علي رضي الله عنه يستدل بالحديث على أن حسنات الأولين المتقدمة تكفر ما يحدث منهم من أخطاء ولو كانت كبائر فإذا كان علي رضي الله عنه يستدل لذلك ، ولم يعارضه في هذا الاستدلال .


أحد عـلم أن فهم السلف لهذا الحديث كان كذلك وأنهم فهموا منه أن حاطباً رضي الله عنه ارتكب كبيرة غير أنه غفر له بحسنة بدر.
ج - في حديث حاطب رضي الله عنه موضعان للاستدلال لما أراد علي رضي الله عنه الاستدلال له :
" الأول : ما حدث من حاطب رضي الله عنه من مكاتبة المشركين وإعانتهم على النبي e مكفَّراً بشهوده بدراً .
" الثاني : ما حدث من عمر بن الخطاب رضي الله عنه من وقوعه في تكفير حاطب رضي الله عنه خطأ وتأويلاً واستحلاله قتله ، ولم يقدح ذلك في إيـمانه لسابقته .
د - أن إعانة المشركين على المسلمين ليست كفراً على الإطلاق فإذا كانت إعانة المشركين على النبي e قد لا تكون كفراً كما في قصة حاطب رضي الله عنه ، فإعانة الكفار على من دون النبي e من المسلمين أولى بأن لا تكون كفراً على الإطلاق ، وإنما قد تكون كفراً مخرجاً من الملة وقد تكون كبيرة دون الشرك .ومعلوم أنه لا تجسس أعظم من تجسس على محمد e.
2 - الموالاة للكفار إذا كانت لرحم أو لحاجة لم تكن كفراً مخرجاً من الملة :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتاب الإيـمان ( ):
[ الأصل الثاني: أن شعب الإيمان قد تتلازم عند القوة ولا تتلازم عند الضعف:
- فإذا قوي ما في القلب من التصديق والمعرفة والمحبة لله ورسوله أوجب بغض أعداء الله ؛ كما قال تعالى:) ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ( [ المائدة : 81 ]. وقال: ) لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ( [ المجادلة : 22].
- وقد تحصل للرجل لرحم أو حاجة فتكون ذنباً ينقص به إيمانه ولا يكون به كافراً .

- كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي e وأنزل الله فيه ) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ( [ الممتحنة : 1 ]
- وكما حصل لسعد بن عبادة لما انتصر لابن أبي في قصة الإفك فقال لسعد بن معاذ: " كذبت والله لا تقتله ولا تقدر على قتله ". قالت عائشة: " وكان قبل ذلك رجلًا صالحاً ولكن احتملته الحمية " ولهذه الشبهة سمى عمر حاطباً منافقاً فقال: " دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق. فقال: ( إنه شهد بدراً ) فكان عمر متأولاً في تسميته منافقاً للشبهة التي فعلها.
- وكذلك قول أسيد بن حضير لسعد بن عبادة : " كذبت لعمر الله لنقتلنه إنـما أنت منافق تجادل عن الـمنافقين " هو من هذا الباب.
- وكذلك قول من قال من الصحابة عن مالك بن الدخشم : " منافق " ، وإن كان قال ذلك لـما رأى فيه من نوع معاشرة ومودة للمنافقين .
ولهذا لم يكن المتهمون بالنفاق نوعاً واحداً بل: فيهم المنافق المحض. وفيهم من فيه إيمان ونفاق ، وفيهم من إيمانه غالب وفيه شعبة من النفاق وكان كثير ذنوبهم بحسب ظهور الإيمان. ولما قوى الإيمان وظهر الإيمان وقوته عام تبوك صاروا يعاتبون من النفاق على ما لم يكونوا يعاتبون عليه قبل ذلك ].
التعليق :
أ - أن الـموالاة للكفار إذا كانت لرحم أو حاجة لا تكون كفراً مخرجاً من الـملة ، وإنـما الـموالاة الـمكفرة هي التي تكون من أجل الدين، وأما الـمتمحضة للدنيا بدون اعتقاد فاسد فليست بكفر .
ب - أن قصة حاطب رضي الله عنه من أوضح الدلائل لذلك ، وفعله ليس بكفر أكبر أصلاً، كما بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .
ج - أن الأدلة على هذه المسألة من السنة النبوية كثيرة جداً. وذكر طرفاً منها .

3 - تجسس حاطب رضي الله عنه معصية صدرت عن عجلة لا عن شك في الدين :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( فهذه أمور صدرت عن شهوة وعجلة لا عن شك في الدين كما صدر عن حاطب - رضي الله عنه - التجسس لقريش مع أنها ذنوب ومعاصي يجب على صاحبها أن يتوب وهي بـمنزلة عصيان أمر النبي e )( ) .
التعليق :
أ - أن تجسس حاطب رضي الله عنه معصية وذنب دون الشرك .
ب - أنها بمنزلة معصية أمر النبي e، ومن المعلوم أن مطلق معصية النبي صلى الله عليه وسلم ليست بشرك ولا كفر مخرج من الملة .
ج - أن هذه الذنوب تستوجب التوبة .
( 4 ) غفران الله عز وجل لذنوب أهل بدر والحديبية تـمنع معاقبتهم على تلك الذنوب :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( وفي هذا الحديث بيان أن الله يغفر لهؤلاء السابقين كأهل بدر والحديبية من الذنوب العظيمة بفضل سابقتهم وإيمانهم بها كما لم تجب معاقبة حاطب رضي الله عنه مما كان منه )( ) .
التعليق :
1 - الذنوب العظيمة - مما دون الشرك - تكفر بالحسنات العظيمة .
2 - أن أصحاب الحسنات العظيمة لا يعاقبون على ذنوبهم ( ما لم يكن حد ، جمعاً بين النصوص ) .
3 - أن حاطباً رضي الله عنه من أصحاب الحسنات الكبيرة التي تكفر السيئات العظيمة ولا يعاقبون على ذنوبهم .


( 5) سيئات السابقين الأولين مغفورة بحسناتهم بدون اشتراط توبة :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( ... وكذلك حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه كاتب المشركين بأخبار النبي e فلما أراد عمر قتله قال النبي e:( لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة ) وهذه النصوص تقتضي أن السيئات مغفورة بتلك الحسنات ، ولم يشترط مع ذلك توبة و إلا فلا اختصاص لأولئك بهذا ، والحديث يقتضي المغفرة بذلك العمل ، وإذا قيل هذا لأن أحداً من أولئك لم يكن له إلا صغائر لم يكن ذلك من خصائصه أيضاً ، وإن هذا يستلزم تجويز الكبيرة من هؤلاء المغفور لهم )( ) .
التعليق :
أ - أن النبي e نهى عن قتل حاطب رضي الله عنه وعلل منع قتله بوجود حسنة بدر معه فدل ذلك على أن حسنة بدر كفرت سيئته بمكاتبة المشركين وإعانتهم على النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك يدل لزوماً على أن سيئة حاطب رضي الله عنه ليست بكفر مخرج من الملة و إلا لما كفرتها حسنة بدر لأن الكفر الأكبر لا يغفره إلا التوبة .
ب - القاعدة العامة أن الحسنات الكبيرة تكفر السيئات ولو كانت كبيرة .
ج - عدم اشتراط التوبة في تكفير السيئات الكبيرة لأولي الحسنات الكبيرة وأهل السابقة الحسنة ؛ لأن اشتراط التوبة لا يجعل لهم امتيازاً على من سواهم فالتوبة تكفر السيئات حتى من الكافر ، والنبي e إنما علل تكفير سيئة حاطب رضي الله عنه بشهوده بدراً ، فنصّ على علة التكفير فدلّ على أن حاطباً رضي الله عنه مغفور له بشهوده بدراً قبل أن يحدث توبة .
د - لا يمكن أن يعلل تكفير سيئات أهل بدر ونحوهم من أهل الحسنات العظيمة بأن سيئاتهم من صغائر الذنوب ولذلك كفرتها الحسنات دون حدوث توبة وذلك أن تكفير الحسنات لصغائر الذنوب ليست مما يتميز به مسلم عن آخر فكل .


مسلم تكفر صغائره بما يعمله من حسنات فعلم أن الميزة التي امتاز بها أهل الحسنات العظيمة هي أن حسناتهم العظيمة تكفر ما يحدث منهم من كبائر ولو لم يحدثوا توبة .
( 6 ) الحسنة العظيمة يغفر الله بها السيئة العظيمة :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بعدما ذكر قصة حاطب رضي الله عنه : ( فهذه السيئة العظيمة غفرها الله له بشهود بدر ، فدلّ ذلك على أن الحسنة العظيمة يغفر الله بها السيئة العظيمة )( ) .
التعليق :
أ - أنّ ما فعله حاطب رضي الله عنه من تجسسه على النبي صلى الله عليه وسلم لصالح المشركين سيئة عظيمة .
ب - تلك السيئة العظيمة غفرت لحاطب رضي الله عنه بحسنة عظيمة هي شهود بدر .
ج - سيئة حاطب رضي الله عنه ليست بكفر مخرج من الملة و إلا لما كفرتها الحسنة هذا مفهوم قطعي من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .
( 7) جواب النبي e لعمر رضي الله عنه يدل على أن حاطباً رضي الله عنه باق على إيمانه وهو معصوم الدم :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( ومن هذا الباب أن الرجل الذي قال له لما قسم غنائم حنين : إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله فقال عمر رضي الله عنه : دعني يا رسول الله أقتل هذا المنافق ، فقال : (( معاذ الله أن يتحدث الناس إن محمداً يقتل أصحابه )) ثم أخبر أنه يخرج من ضئضئه أقوام يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم وذكر حديث الخوارج . رواه مسلم ، فإن النبي e لم يمنع عمر من قتله لئلا يتحدث الناس إن محمداً يقتل أصحابه ، ولم يمنعه لكونه في نفسه معصوماً كما قال في حديث حاطب رضي الله عنه فإنه لما قال : (( ما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله e : (( إنه قد صدقكم ، فقال عمر : دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال : (( إنه قد شهد بدراً ، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )) فبيّن أنه


باق على إيمانه وأنه صدر منه ما يغفر له به الذنوب فعلم أن دمه معصوم ، وهذا علل بمفسدة زالت فعلم أن قتل مثل هذا القائل إذا أمنت هذه المفسدة من السنة )( ) .
التعليق :
أ - أن حاطباً رضي الله عنه كان في نفسه معصوماً، بخلاف الرجل الذي قال للنبي e: ( هذه قسمة ما أريد بها وجه الله ) .
ب - أن ما صدر عن حاطب رضي الله عنه ليس بكفر مطلقاً كالذي صدر عن ذلك المنافق الذي اتهم النبي e بالجور في القسمة .
ج - أن النبي e بيّن في كلامه لعمر رضي الله عنه أن حاطباً باق على إيمانه ، وأنه قد صدر منه من الحسنات ما يغفر له به الذنوب فعلم أن دمه معصوم .
د - الفرق بين رد النبي e على عمر رضي الله عنه في حديث حاطب رضي الله عنه وتعليله المنع من القتل لعصمته وكونه مغفوراً له ، وبين رد النبي e على عمر رضي الله عنه في حديث الذي اعترض على قسمة النبي صلى الله عليه وسلم وتعليل النبي e للمنع من قتله بعلة زالت بعد وفاته فدل ذلك التعليل في السنة على أن قتل مثل هذا الزنديق المتنقص للنبي e جائز بعد وفاته .
( 8 ) قول النبي e لعمر رضي الله عنه : (( وما يدريك .. )) الخ جواب عن قوله :(( إنه منافق )) :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : [وهذا حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين بأخبار النبي eعام الفتح وقد أخبر النبي e أنه من أهل الجنة لشهوده بدراً والحديبية وقال لمن قال : (( إنه منافق )) : (( وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )) ]( ) .

التعليق :
أ - أن قول النبي e: (( وما يدريك ... )) الخ جواب عن قول عمر رضي الله عنه (( إنه منافق )) بخلاف ما زعمه بعض الجهلة من أن النبي eأقرّ عمر رضي الله عنه على قوله .
ب - جواب النبي e لعمر رضي الله عنه بكون حاطب رضي الله عنه مغفوراً له أعظم من رده لو قال له : إنه ليس بمنافق ؛ لأن الجواب المقترح الذي ينتظره بعض الجهال لا ينفي عن حاطب رضي الله عنه السلامة من الفسق والمعصية وأما ما ثبت في الحديث فهو ينفي أن يكون عند حاطب رضي الله عنه ذنب أصلاً لأنه مغفور له وهل يكون مغفوراً له من هو منافق ،فليت شعري كيف يتجرأ هؤلاء على حديث رسول الله e؟ .
( 9 ) جواب النبي e لعمر رضي الله عنه يدل على أن حاطباً رضي الله عنه ليس بمنافق :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : [ ويدل على جواز قتل الزنديق المنافق من غير استتابة ما خرجاه في الصحيحين في قصة حاطب بن أبي بلتعة قال : فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق ، فقال رسول الله e: (( إنه قد شهد بدراً ، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم )) ، فدلّ على أن ضرب عنق المنافق من غير استتابة مشروع إذ لم ينكر النبي e على عمر استحلال ضرب عنق المنافق ولكن أجاب بأن هذا ليس بمنافق ولكنه من أهل بدر المغفور لهم فإذا ظهر النفاق الذي لا ريب فيه أنه نفاق فهو مبيح للدم]( )
التعليق :
أ - أنّ الذي أقرّ النبي e عليه عمر رضي الله عنه هو أنّ المنافق يقتل لا أنّ حاطباً رضي الله عنه كان منافقاً ، وذلك أنّ النبي e لم يقل لعمر رضي الله عنه : من أين لك أن المنافق يقتل ؟ أو نحو ذلك ، فدلّ ذلك على أنّ النبي e قد أقرّ عمر رضي الله عنه على جواز قتل المنافق ، هذا الذي يذكر بعض العلماء أنّ النبي e أقرّ عليه عمر رضي الله عنه لا شيء سواه .

ب - أنّ النبي e أجاب عمر رضي الله عنه عن قوله في حاطب رضي الله عنه بأنه ليس بمنافق لأنه أجابه بأنه مغفور له، وكيف يكون منافقاً من هو مغفور له ؟ .
ج - أنّ فعل حاطب رضي الله عنه ليس من النفاق الـمقطوع به الذي لا ريب فيه ، بل هو فعل يحتمل لذلك لا بد معه من التبيـّن من الشخص نفسه كما فعل النبي e مع حاطب رضي الله عنه .
( 10 ) اعتقاد نفاق الجاسوس مطلقاً خطأ ، وهو خطأ مغفور له إذا صدر عن مجتهد :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : [ والخطأ المغفور في الاجتهاد هو في نوعي المسائل الخبرية والعملية ] وذكر أمثلة لذلك إلى أن قال : [ أو اعتقد أنّ من جس للعدو وعلمهم بغزو النبي e فهو منافق كما اعتقد ذلك عمر في حاطب وقال : (( دعني أضرب عنق هذا المنافق ... )) }( )
التعليق :
أ - أن عمر رضي الله عنه اعتقد خطأ نفاق من جس للعدو مطلقاً .
ب - أنّ هذا الخطأ من عمر رضي الله عنه خطأ مغفور له وأنه صادر عن اجتهاد وتأويل .
( 11 ) اختلاف الأئمة في قتل الجاسوس المسلم :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : [ وأما مالك وغيره فحكى عنه أن من الجرائم ما يبلغ به القتل ووافقه بعض أصحاب أحمد في مثل الجاسوس المسلم إذا تجسس للعدو على المسلمين فإن أحمد يتوقف في مثله ، وجوز مالك وبعض الحنابلة كابن عقيل قتله ، ومنعه أبو حنيفة والشافعي وبعض الحنابلة كالقاضي أبي يعلى ... ]( ) .
التعليق :
أ - اختلاف الأئمة في قتل الجاسوس المسلم إذا تجسس للعدو الكافر ،ولو لم يكن مسلماً لـما اختلفوا في قتله .
ب - مذهب الجمهور عدم جواز قتل الجاسوس المسلم وأحمد يتوقف في قتله لعدم النص الصريح .
ج - من ذهب إلى قتل الجاسوس المسلم إنما ذهب إليه من باب التعزير والسياسة الشرعية لا الحد .
الخلاصة :
1 - قصة حاطب رضي الله عنه في مكاتبته للكفار متواترة مقطوع بصحتها .
2 - أظهر دلالاتها عند السلف أن السابقين مغفورة لهم سيئاتهم بسابق حسناتهم ولو لم يحدثوا توبة .
3 - موالاة المشركين إذا كانت من أجل الدنيا فليست بكفر .
4 - عمر رضي الله عنه استحل قتل حاطب رضي الله عنه وتأول في اتهامه بالنفاق ولكن خطؤه مغفور له لأنه بتأويل واجتهاد .
5 - ما صدر عن حاطب رضي الله عنه هو معصية وكبيرة وليس بكفر مخرج من الملة لأن الكفر لا تكفّره حسنة بدر .
6- حاطب رضي الله عنه باق على إيمانه وهو معصوم الدم لأن ما صدر عنه هو كبيرة من كبائر الذنوب لا كفر أكبر.
7 - رد النبي e على عمر رضي الله عنه في قوله عن حاطب رضي الله عنه : (( إنه منافق )) رداً بيناً واضحاً بل وزيادة .
7 - لم يختلف الأئمة الأربعة في كون الجاسوس المسلم الذي يحس للعدو مسلماً في الأصل ولكن اختلفوا في قتله والجمهور على تحريم قتله .
8 - علل النبي e النهي عن قتل حاطب رضي الله عنه بشهوده بدراً فأخذ بعض أهل العلم من ذلك جواز قتل جاسوس ليست له تلك الـمنقبة ، والله أعلم .

أبوزكرياالمهاجر
2008-03-28, 11:38 PM
حكم الجاسوس

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم.

وبعد:

فاعلم أن من يتجسس على عورات المسلمين، وأحوالهم الخاصة - وبخاصة منهم المجاهدين! - لينقلها إلى أعدائهم من الكفرة المجرمين؛ سواء كان كفرهم كفراً أصلياً أم كان كفر ردة، فهو كافر مثلهم، وموالٍ لهم الموالاة الكبرى التي تخرجه من دائرة الإسلام، يُقتل كفراً ولا بد.

قال تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين. يُخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون} [البقرة: 8-9].

ومن خداعهم للمؤمنين أن يتظاهروا بالإسلام، وأن يقولوا عن أنفسهم بأنهم مؤمنون، ثم هم يتجسسون عليهم لصالح أعدائهم من الطواغيت وغيرهم من الكافرين المجرمين.

وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً} [الحجرات: 12].

والتجسس من حيث دوافعه نوعان:

نوع خاص يكون الدافع عليه الفضول وحب الاطلاع على عورات الآخرين، ليتلذذ الجاسوس - في مجالسه الخاصة والعامة - بالخوض في الحديث عن أعراض الناس وعوراتهم ويتباهى بأنه يملك الدليل والبينة على صدق دعواه وقوله، لذا جاء عقب النهي عن التجسس النهي عن الغيبة؛ لأن الغيبة نتيجة حتمية للتجسس، فكل من تجسس لا بد له من أن يقع في غيبة الآخرين.

ونوع عام يكون دافعه نقل المعلومات ورفع التقارير إلى الطواغيت الظالمين وغيرهم من الكفرة والمشركين، وهذا من الموالاة، وهو أشد أنواع التجسس جرماً، وهو من الكفر الأكبر الذي يخرج صاحبه من الملة ولا بد.

والنهي عن التجسس الوارد في الآية يشمل النوعين: الخاص والعام، والعام أولى بالنهي من الخاص، فتنبه لذلك.

وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تباغضوا، وكونوا إخوانا) [البخاري].

وقال صلى الله عليه وسلم: (من أكل بمسلمٍ أكلةً فإن الله يُطعمه مثلها من جهنم، ومن كُسِي ثوباً برجل مسلم فإن الله عز وجل يكسوه من جهنم، ومن قام برجل مسلم مقام رياءٍ وسمعة فإن الله يقوم مقام رياء وسمعة يوم القيامة) [1].

فيه تحذير وترهيب لأولئك الذين يكتبون التقارير عن المسلمين الموحدين ليرفعوها إلى الطواغيت الظالمين، ويشون عليهم، وعلى أماكنهم، وتحركاتهم، مقابل مبلغ زهيد - يتقوتون به أو يلبسون - يرميه الطاغوت إليهم على كل تقرير يكتبونه عن المسلمين، وما أكثر أصحاب النفوس الضعيفة هؤلاء في بلادنا، الذين باعوا دينهم وآخرتهم بدنيا غيرهم!!

وقال صلى الله عليه وسلم: (من استمع إلى حديث قوم وهم يفرون منه، صُبَّ في أذنيه الآنك) [2]. والآنك هو الرصاص الأبيض المذاب، وهذا فيمن يستمع على وجه الفضول والتطفل، فكيف بمن يستمع على وجه التجسس لصالح أعداء المسلمين من الكافرين والمشركين؟!!

وقال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتّبع اللهُ عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته) [3].

قلت: من تتبع عورات المسلمين وتجسس عليهم لصالح الطواغيت الكافرين، هو أولى بالنفاق، وانتفاء الإيمان من قلبه.

فالتجسس على عورات المسلمين وخصوصياتهم لصالح أعدائهم من المشركين المجرمين لا يمكن أن يمتهنها إلا كل منافق خسيس عريق في النفاق والخداع!

وقال صلى الله عليه وسلم: (من حمى مؤمناً من منافقٍ بعث الله ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومن رمى مسلماً بشيءٍ يُريد شَينَه به حبسَه الله على جسر جهنم حتى يخرجَ مما قال) [4].

هذا فيمن يرمي مسلماً بشيء يريد شينه به، فكيف بمن يرمي مسلماً بشيءٍ يريد به قتله أو سجنه في سجون الطواغيت الظالمين؟!

وعن سلمة بن الأكوع قال: أُتي النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر فجلس عند أصحابه، ثم انسل، فقال صلى الله عليه وسلم: (اطلبوه فاقتلوه)، قال: فسبقتهم إليه فقتلته، وأخذت سلبه، فنفلني إياه [متفق عليه].

وكذلك فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل المرأة التي حملت كتاب حاطب إلى كفار قريش عام الفتح، ومن دون أن تُستتاب.

كما في الحديث عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم فتح مكة، أمَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر، وامرأتين [5].

من هاتين المرأتين هذه المرأة التي حملت رسالة حاطب إلى كفار قريش، واسمها سارة.

قال الإمام سحنون: (إذا كاتب المسلم أهل الحرب قتل ولم يُستتب، وماله لورثته).

وفي المستخرجة قال ابن القاسم في الجاسوس: (يُقتل ولا تُعرف لهذا توبة، هو كالزنديق) [6].

وقال ابن تيمية في الفتاوى 28[/109]: (ذهب مالك وطائفة من أصحاب أحمد إلى جواز قتل الجاسوس) اهـ.

قلت: وقتله يكون على الكفر والارتداد، وليس على شيء آخر، والله تعالى أعلم.

شبهة ورد:

لعل قائلاً يقول: إن حاطب بن أبي بلتعة قد كاتب كفار قريش، وأطلعهم على سر زحف النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من جند الإسلام لفتح مكة، وهذا من التجسس والموالاة، ومع ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكفره، ولم يأمر بقتله، فكيف نوفق بين ذلك، وبين ما تقدم ذكره؟

أقول: الذي فعله حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه هو من الكفر، لكن حاطباً لم يكفر لاعتبارات وموانع عدة منعت من لحوق الكفر به، سنأتي على بيانها إن شاء الله.

أما أن الذي فعله حاطب هو من الكفر والنفاق الأكبر؛ ذلك لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيه أمام حضرة النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغيرهما: (يا رسول الله قد خان اللهَ ورسوله والمؤمنين، دعني أضرب عنقَ هذا المنافق - وفي رواية - فإنه قد كفر، إنه قد نافق، نكث وظاهر أعداءك عليك)!

والنبي صلى الله عليه وسلم يسمعه ولم ينكر عليه أن هذا الذي فعله حاطب يُعد من الموالاة للمشركين، والكفر والنفاق الذي تُقطع عليه الأعناق، ولكن الذي أنكره على عمر رضي الله عنه حمل حكم النفاق والكفر على حاطب، وذلك لاعتبارات تمنع من لحوق هذا الحكم بحاطب!

أما أن حاطباً لم يكفر، ولم يقع في النفاق فهو للاعتبارات التالية:

1) أنه كان متأولاً في فعله، لم يكن يعلم - أو يظن - أن هذا الذي فعله يمكن أن يرقى إلى درجة الكفر والخروج من الإسلام، أو أنه يضر في إيمانه، ولم يكن يقصد به الغش والغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك نجده يجيب - من فوره - لما سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن السبب الذي حمله على كتابة الرسالة إلى كفار قريش: (يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرءاً ملصقاً في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يداً يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفراً ولا ارتداداً، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام - وفي رواية - ما غيرت ولا بدلت، أما أني لم أفعله غشاً يا رسول الله ولا نفاقاً، ما كفرتُ ولا ازددتُ للإسلام إلا حباً)!

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد صدقكم، لا تقولوا له إلا خيراً، إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم). فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم!

قال ابن حجر في الفتح [8/503]: (وعذر حاطب ما ذكره؛ فإنه صنع ذلك متأولاً أن لا ضرر فيه) اهـ.

قلت: والتأويل مانع من موانع لحوق الكفر بالمعين، فتنبه لذلك.

2) علم النبي صلى الله عليه وسلم - عن طريق الوحي - بسلامة قصد وباطن حاطب، لذلك قال صلى الله عليه وسلم: (قد صدقكم)، وهذه ليست لأحدٍ بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، لذلك نجد عمر - وليس له إلا ذلك - قد تعامل مع حاطب على اعتبار ظاهره، وما يدل عليه ظاهره من نكوث، وموالاة، وكفر ونفاق، فقال عباراته الآنفة الذكر!

فإن قيل: الأحكام تبنى على الظاهر، فعلام هنا قد تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع باطن وقصد حاطب؟

أقول: فيما يخص إقامة الحدود، وإنزال التعزير والعقوبات بالمخالفين لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك إلا ما يدل عليه ظاهر الحال الذي يستوجب الحد أو العقوبة، وإن كان يعلم صلى الله عليه وسلم أن بواطن الأمور وخفاياها هي بخلاف هذا الظاهر، كتعامله مع المنافقين على اعتبار ظاهرهم رغم علمه صلى الله عليه وسلم بنفاقهم وكفرهم في الباطن.

قال ابن تيمية في الصارم [356]: (فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يُقيم الحدود بعلمه، ولا بخبر الواحد، ولا بمجرد الوحي، ولا بالدلائل والشواهد، حتى يثبت الموجب للحد ببينة أو إقرار) اهـ.

أما فيما يتعلق بإقالة العثرات التي كان يقع فيها بعض أصحابه صلى الله عليه وسلم، فكان صلى الله عليه وسلم يراعي سلامة الباطن والقصد الذي يطلعه عليه الوحي ما وجد إلى ذلك سبيلاً، لحبه للعذر وإقالة العثرات؛ وبخاصة إن جاءت هذه العثرات من أصحابه الكرام الذين لهم سابقة بلاء وجهاد في سبيل الله!

ولأن مراعاة سلامة الباطن في هذا الجانب هو لصالح الإنسان المخطئ بخلاف جانب المؤاخذة والمحاسبة ففيه تقريع وتعذيب للمخالف، لذا لم يمضه النبي صلى الله عليه وسلم إلا ببينة ظاهرة تستدعي ذلك.

ودليلنا على ذلك موقفه صلى الله عليه وسلم من حاطب، ونحوه ذلك الرجل من الأنصار الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاري -: (أراك تحابي ابن عمتك!!). وذلك لما حكم النبي صلى الله عليه وسلم للزبير بأن يسقي أرضه، ثم يرسل الماء إلى أرض جاره الأنصاري!

قلت: قول الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلم "أراك تحابي ابن عمتك!"؛ هو كفر أكبر، وطعن بحكم النبي صلى الله عليه وسلم، والذي حمل النبي صلى الله عليه وسلم على إقالة عثرته علمه صلى الله عليه وسلم بسلامة قصده وباطنه، وأن الذي صدر منه هو عبارة عن فلتة وزلة، وهذه ليست لأحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن العربي في الأحكام [5/267]: (كل من اتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحكم فهو كافر، لكن الأنصاري زل زلة فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم وأقال عثرته لعلمه بصحة يقينه، وأنها كانت فلتة، وليست لأحدٍ بعد النبي صلى الله عليه وسلم) اهـ.

وهذا الذي قيل في موقف النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الأنصاري يُقال أيضاً في موقفه صلى الله عليه وسلم من حاطب بن أبي بلتعة. والله تعالى أعلم.

فإن قيل: هل لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيل عثرات ترقى إلى درجة الكفر بناءً على سلامة قصد وباطن أصحابها؟

أقول: لا، لانقطاع الوحي، وهذا الذي يقصده عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قوله: (إن أناساً كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم؛ فمن أظهر لنا خيراً أمَّناه وقربناه وليس لنا من سريرته شيء، الله يُحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءاً لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة).

لذا نقول: من أظهر لنا الكفر البواح - من غير مانعٍ شرعي معتبر - أظهرنا له التكفير ولا بد.

وقوله رضي الله عنه: (كانوا يؤخذون بالوحي)، يريد في جانب إقالة العثرات، وليس في جانب تطبيق الحدود وإنزال العقوبات، فتنبه لذلك.

3) ومن علامات صدق حاطب رضي الله عنه أنه صدَق النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله، ولم يواري عليه ما فعل، مما دل على سلامة باطنه وقصده، وبراءته من النفاق، بخلاف المرأة فإنها أنكرت وكذبت لما سئلت عن الكتاب، فقالت: (ما معي من كتاب " فزاد ذلك من جرمها وكفرها!

ولو كان حاطب منافقاً لكذَب الحديث، لأن من خصال المنافق أنه إذا حدث كذب، ولكن لما صدق في الحديث، دل على صدق إيمانه وباطنه وأنه ليس منافقاً، وكان لذلك أثراً ظاهراً في منجاته وإقالة عثرته، كما في الحديث الصحيح الذي أخرجه الترمذي: (فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة).

ومن حديث كعب بن مالك في قصة تخلفه عن الغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، يقول: يا رسول الله إنما أنجاني الله بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقاً ما بقيت، والله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذَبْتُه فأهلك كما هلك الذين كذبوا، إن الله قال للذين كذَبوا حين أنزل الوحي شرَّ ما قال لأحدٍ، فقال: {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنمُ جزاءً بما كانوا يكسبون. يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين}.

بينما أنزل الله في الثلاثة الذين صدَقوا الحديث - منهم كعب من مالك - قوله: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} إلى قوله تعالى: {وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم * يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة: 117-119].

فتأمل كيف أن الصدق أنجاهم، وأقال عثرتهم، وكيف أن الكذب أردى أولئك الذين كذبوا الأعذار، وأوبق آخرتهم!

وهذا ينبغي أن يكون معتبراً عند الحديث عن حاطب بن أبي بلتعة، وعن الأسباب التي أقالت عثرته.

4) إن مما أعان على إقالة عثرة حاطب كذلك أنه من أهل بدر، وبدر حسنة عظيمة تذهب السيئات، وتقيل العثرات، وتستدعي تحسين الظن بأهلها، وتوسيع دائرة التأويل لهم لو عثروا أو زلوا!

لذلك نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تذكر له حسنة بدر - وما أدراك ما حسنة بدر - فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم).

وفي صحيح مسلم: (إني لأرجو أن لا يدخل النار أحد - إن شاء الله - ممن شهد بدراً والحديبية).

وحاطب قد جمع بين الخيرين، فقد شهد بدراً والحديبية معاً!

نستفيد من ذلك أن المرء كلما كبرت وكثرت حسناته، وكانت له سابقة بلاء في الله، كلما ينبغي أن تتوسع بحقه ساحة التأويل وإقالة العثرات، عند ورود الشبهات، وحصول الكبوات، والله تعالى أعلم.

5) أن فعل الوشاية الذي أقدم عليه حاطب لم يكن فعلاً ملازماً له، فهو لم يفعل ذلك إلا مرة واحدة في حياته، ولأسباب تقدم ذكرها، وهذا بخلاف ما عليه الجاسوس فإن التجسس صفة لازمة له على مدار الوقت، لا هم له إلا كيف يتحصل على المعلومات لكي يرسلها إلى موفديه أو من يتعامل معهم!

فهناك فرق بين من يقع في الخطأ مرة، وبين من يقع في الخطأ مراراً من حيث دلالته على صفة وحقيقة فاعله.

لذا من الخطأ الفادح أن يُحمل على حاطب حكم ووصف الجاسوس الآنف الذكر، والله تعالى أعلم.

وبعد، لأجل هذه الأسباب مجتمعة أفدنا في أول حديثنا أن فعل حاطب يُعتبر من الكفر، ومن الموالاة الكبرى، إلا أن حاطباً لم يكفر بعينه، ولا يجوز أن يُحمل عليه حكم الكفر، والله تعالى أعلم.

كلمة أخيرة:

إلى أولئك الذين هان عليهم دينهم، وسهل عليهم التجسس على المسلمين لصالح الطواغيت باسم الدين، متذرعين بفتاوى بعض المضللين المشبوهين ممن ظاهرهم العلم، مقابل مبلغ زهيد يعطونه على كل تقرير يكتبونه إلى مخابرات الطواغيت، لا يحسب هؤلاء أنهم على خير، أو أنهم على شيء، وليتذكروا أن لهم يوماً سيسألون فيه عما يفعلون، وينتصف الله تعالى منهم لعباده المظلومين.

فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أعان ظالماً بباطل ليدحض بباطله حقاً فقد برئ من ذمة الله عز وجل وذمة رسوله) [7].

فكيف بمن يعين الطواغيت الظالمين على اعتقال المسلمين الموحدين وقتلهم، وانتهاك حرماتهم؟!

فكم من تقرير ظالم كتبه مخبر حقير أدى إلى اعتقال عشرات من الشباب المسلم الموحد - لعشرات السنين - في أقبية وزنازين الطواغيت، إن لم يكن سبباً في قتلهم وإعدامهم!

وفي صحيح مسلم وغيره: (المؤمن من أمنه المسلمون على أنفسهم وأموالهم، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).

فالذي لا يأمنه المسلمون على أنفسهم، ولا يسلمون من شر يده ولسانه، فهو بنص الحديث ليس من المؤمنين ولا المسلمين.

فاتق الله يا عبد الله، واحذر أن تكون ممن يتجسسون لصالح الطواغيت الظالمين، أو يجادلون عنهم، أو يُقاتلون دونهم، فتهلك وتخسر دنياك وآخرتك.


اللهم إنا قد بلغنا ونصحنا، فاشهد
وصلى الله على محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلَّم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين [8]

منقول للفائدة

أبوزكرياالمهاجر
2008-03-28, 11:40 PM
سؤال وجواب عن
حاطب بن أبي بلتعة
–رضي الله عنه-

الأخ والشيخ علوي السقاف - حفظه الله -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد كثر الكلام والنقاش بين بعض الرواد في أنا المسلم عن قصة حاطب بن أبي بلتعة عندما أرسل برسالة إلى كفار قريش مع المرأة التي حملت الرسالة فلحق بها بعض الصحابة بأمر من الرسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك عن طريق الوحي وقد اختلف المناقشون في الحكم على حاطب هل يعد فعله الذي قام به من النفاق الأكبر أم من النفاق الأصغر؟
ونرغب منكم حفظكم أن تبينوا لنا بما يفتح الله عليكم في هذه المسألة بياناً شافياً وافياً.
وجزاكم الله خيرا
محبكم في الله: عبد الله زقيل صفر 1422هـ



وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اعلم أخي الكريم -وفقني الله وإياك- أنَّ هذه المسألة –أعني هل فعل حاطب رضي الله عنه يُعدُّ كفراً أم لا؟- من مسائل الاجتهاد التي يسوغ فيها الخلاف، وأصل منشأ الخلاف هو: هل الموالاة بجميع صورها تُعدُّ كفراً أم أنَّ منها ما هو كفر ومنها ما دون ذلك؟ وهل هناك فرقٌ بين الموالاة والتولي؟ وهل قوله تعالى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} أي كافر مثلهم، أم هو كقوله صلى الله عليه وسلم ((من تشبه بقوم فهو منهم)) ومعلوم أن ليس كلُّ تشبهٍ بالكفار يعد كفراً، فإذا علمت ذلك تبين لك خطأ من يجعل هذه المسألة من مسائل العقيدة ويبدع من لم يقل بقوله، فإما جعله مرجئاً أو خارجياً، وهذا مما ابتليت به الأمة في الآونة الأخيرة.
أما مسألة الموالاة والمعاداة ومظاهرة الكافرين على المسلمين فهي من مسائل العقيدة بل أصلٌ من أصول التوحيد، وأما تكفير حاطب -رضي الله عنه- فلم يقل به أحدٌ من أهل السنة فهو صحابي بدري قد وجبت له الجنة، وإليك البيان بشيء من الإيجاز والاختصار:
الموالاة: أصلها الحب كما أن المعاداة أصلها البغض، وتكون بالقلب والقول والفعل، ومن الموالاة النصرة والتأييد، فمن جعل الموالاة نوعاً واحداً مرادفاً لمظاهرة الكافرين عدَّ فعل حاطب -رضي الله عنه- كفراً، ومن جعلها صوراً مختلفة وأدخل فيها: مداهنتهم ومداراتهم، واستعمالهم، والبشاشة لهم ومصاحبتهم ومعاشرتهم وغيرها من الصور؛ جعلها نوعين موالاة مطلقة عامة أو (كبرى) وموالاة خاصة دون موالاة. ومن هؤلاء من عدَّ فعل حاطب -رضي الله عنه- من النوع الأول ومنهم من عَدَّه من النوع الثاني، وأكثر العلماء على أن الموالاة نوعان: مُكفِّرة وغير مُكفِّرة، وسواء قلنا هما نوعان أو نوع واحد فالذي يهمنا هنا هو هل فعل حاطب -رضي الله عنه- من النوع المُكفِّر أم لا؟ -وسيأتي-، كما أنَّ منهم من فرَّق بين الموالاة والتولي وجعل التولي موالاة مطلقة ومنهم عددٌ من علماء الدعوة النجدية -رحمهم الله-، وهناك من لم يفرق بينهما كالشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره وهذا أقرب والله أعلم، وعلى كلٍ فهذه مصطلحات لا مشاحة فيها، لأن الذين فرَّقوا بينهما يعنون بالتولي الموالاة المطلقة وأنها كفر ولا يقولون بتولي غير مُكفِّر بل يقولون أن هناك موالاة غير مُكفِّرة فآل الأمر إلى وجود موالاة مُكفِّرة يسميها البعض تولي وأخرى غير مُكفِّرة وهذا كله على قول من يقسم الموالاة إلى قسمين.
وعمدة من يقول أن الموالاة نوع واحد وأنها كفر، قوله تعالى: { ومن يتولهم منكم فإنه منهم} وقوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فأؤلئك هم الظالمون} قالوا لم ترد الموالاة في القرآن إلا بوصف الكفر، قال ابن جرير: ((ومن يتولى اليهود والنصارى دون المؤمنين فإنه منهم، يقول: فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متولٍ أحداً إلا هو به وبدينه))
وقال ابن حزم في ((المحلى)) (11/138): ((وصح أنَّ قول الله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار فقط، وهذا حقٌ لا يختلف فيه اثنان من المسلمين))
وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله في ((مجموع الفتاوى)) (1/274): ((وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم)) ثم استشهد بالآيتين السابقتين.
هذه مقدمة لابد منها قبل الإجابة على سؤالكم: هل فعل حاطبٍ -رضي الله عنه- كان كفراً أم لا؟
واعلم أن قصة حاطب -رضي الله عنه- رواها البخاري في الصحيح(3007،4272،4890 6259) ومسلم في الصحيح(4550) وأبو داود في السنن(3279) والترمذي في الجامع (3305) وأحمد في المسند (3/350) وأبو يعلىفي المسند (4/182) وابن حبان في صحيحه(11/121) والبزار في مسنده(1/308) والحاكم في المستدرك(4/87) والضياء في الأحاديث المختارة(1/286) وغيرهم، وقد جمعت لك ما صحَّ من رواياتهم في سياق واحد –وأصلها من صحيح البخاري- ليسهل تصور القصة واستنباط الأحكام منها، والذي يهمنا منها ألفاظ حاطب وعمر رضي الله عنهما أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم،
[فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَكُلُّنَا فَارِسٌ قَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَأَدْرَكْنَاهَ ا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا الْكِتَابُ فَقَالَتْ مَا مَعَنَا كِتَابٌ فَأَنَخْنَاهَا فَالْتَمَسْنَا فَلَمْ نَرَ كِتَابًا فَقُلْنَا مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُجَرِّدَنَّك ِ فَلَمَّا رَأَتْ الْجِدَّ أَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ فَأَخْرَجَتْهُ فَانْطَلَقْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ عُمَرُ: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِين َ)) ((دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ)) ((فَإِنَّهُ قَدْ كَفَرَ))
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْت.
َ قَالَ حَاطِبٌ: ((وَاللَّهِ مَا بِي أَنْ لا أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)) ((وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَلا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلام)) ((وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا)) ((وَمَا غَيَّرْتُ وَلا بَدَّلْتُ))ِ ((مَا كَانَ بِي مِنْ كُفْرٍ وَلا ارْتِدَادٍ)) ((أَمَا إِنِّي لَمْ أَفْعَلْهُ غِشًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا نِفَاقًا قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ مُظْهِرٌ رَسُولَهُ وَمُتِمٌّ لَهُ أَمْرَهُ)) ((فقلت أكتب كتاباً لا يضر الله ولا رسوله)) أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلاَّ لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِه.
ِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ وَلا تَقُولُوا لَهُ إِلاَّ خَيْرًا.
فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِين َ فَدَعْنِي فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ.
فَقَالَ: أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَال:َ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ الْجَنَّةُ أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.]
فأنت ترى أنَّ حاطباً -رضي الله عنه- شعر بخطئه في إفشاء سر رسول الله صلى الله عليه وسلم وموالاته لكفار قريش، وظهر له أنَّ هذا كفرٌ وردة لكنه يعلم من نفسه أنه لم يفعله ارتداداً عن دين الله فقال: ((ولم أفعله إرتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام، وما غيرت ولا بدلت -أي ديني- أما إني لم أفعله غشاً يا رسول الله ولا نفاقاً)) إذن هذا العمل بمجرده يُعَدُّ كفراً وارتداداً وغشاً ونفاقاً، وكأنه -رضي الله عنه- ذُهل عن هذا الأمر أثناء الوقوع في المعصية بعذر قدَّمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله: ((أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي)) فإمَّا أن يقال كان جاهلاً وما تبين له هذا إلا بعد أن استجوبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يقال كان -رضي الله عنه- متأولاً وهذا أصوب بدليل أنه قال كما صحت به رواية أحمد وأبو يعلى وابن حبان: ((أَمَا إِنِّي لَمْ أَفْعَلْهُ غِشًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا نِفَاقًا قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ مُظْهِرٌ رَسُولَهُ وَمُتِمٌّ لَهُ أَمْرَهُ)) فهو يعلم أن المولاة كُفر لكنه لا يَعِدُّ ما فعله موالاة -تأولاً- لثقته أن الله ناصرٌ رسوله صلى الله عليه وسلم، وكما صحت به رواية البزار والحاكم والضياء من قوله: ((كان أهلي فيهم فخشيت أن يغيروا عليهم فقلت أكتب كتاباً لا يضر الله ولا رسوله)) فهو لثقته الكبيرة بربه ونصره لرسوله صلى الله عليه وسلم وأن كتابه سيفرحُ به كفار قريش ويحموا له أهله لكن لن يضر الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، لذلك قال الحافظ في الفتح (8/634): ((وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ مُنَافِقًا لِكَوْنِهِ أَبْطَنَ خِلاف مَا أَظْهَرَ , وَعُذْر حَاطِب مَا ذَكَرَهُ , فَإِنَّهُ صَنَعَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلاً أَنْ لا ضَرَر فِيهِ))، ويؤكد ذلك لفظ الخِطاب –إن صح- فقد قال الحافظ في الفتح (4274): ((وَذَكَرَ بَعْض أَهْل الْمَغَازِي وَهُوَ فِي (تَفْسِير يَحْيَى بْن سَلام) أَنَّ لَفْظ الْكِتَاب: ((أَمَّا بَعْد يَا مَعْشَر قُرَيْش فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَكُمْ بِجَيْشٍ كَاللَّيْلِ , يَسِير كَالسَّيْلِ , فَوَاَللَّهِ لَوْ جَاءَكُمْ وَحْدَهُ لَنَصَرَهُ اللَّه وَأَنْجَزَ لَهُ وَعْده. فَانْظُرُوا لأَنْفُسِكُمْ وَالسَّلام)) كَذَا حَكَاهُ السُّهَيْلِيُّ)) وفيه كما ترى تخذيل وتخويف لقريش، كلُّ ذلك جعل حاطباً -رضي الله عنه- يتأول أن ليس في هذا موالاة لكفار قريش وكيف يواليهم وهوالصحابي البدري؟! والواقع أن قصة حاطب وقصة قدامة ابن مظعون -رضي الله عنهما- الذي استباح شرب الخمر متأولاً أنه لاجناح على الذين آمنوا أن يطعموها من أقوى ما يمكن أن يستشهد به على أنَّ التأويلَ مانعٌ من موانع التكفير.
أمَّا عمر -رضي الله عنه- فقد كفَّر حاطباً أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ حاطباً لم يفعل الكفر، بل بيَّن له أنَّ حاطباً كان صادقاً ولم يكفر، ومعلوم لديك أنَّ ثَمَّتَ فرقٌ بين الحكم على الفعل بالكفر وتكفير المعين الذي صدر منه الكفر، وهذا مبسوط في كتب العقائد والتوحيد، وقد وصف عمر حاطباً -رضي الله عنهما- بأوصاف ثلاثة يكفي الواحدُ منها للقول بأنه كفَّره، فوصفه بأنه: منافق، كفر، خان الله ورسوله؛ وعمر -رضي الله عنه- وإن كان قد أخطأ في تكفير حاطب -رضي الله عنه- إلا أنَّ خطأه مغفورٌ له لأنه ناتج عن غيرة لله ورسوله وهذا معروف عن عمر -رضي الله عنه- ولأنه حكم بالظاهر وهذا هو الواجب على المسلم، ولم يكلفنا الله بالبواطن. قال ابن حزم في ((الفصل)) (3/143): ((وقد قال عمر رضي الله عنه - بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم - عن حاطب: دعني أضرب عنق هذا المنافق. فما كان عمر بتكفيره حاطباً كافراً بل كان مخطئاً متأولاً)) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (3/282): ((إذا كان المسلم متأولاً في القتال أو التكفير لم يكفر بذلك)) ثم استشهد بتكفير عمر لحاطب -رضي الله عنهما-.
أمَّا تصديق النبي صلى الله عليه وسلم لحاطب فليس فيه دلالة على أنَّه لم يفعل الكفر بل فيه أنَّه لم يكفر ولم يرتد لأن عمر -رضي الله عنه- قال عنه أنه كفر ونافق وخان الله ورسوله وحاطب يقول لم أكفر ولم أرتد وما غيرت وما بدلت –أي ديني- فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم في أنه لم يكفر ولم يرتد، أمَّا قتله وعقوبته فقد شفع له فيها شهوده بدراً.
إذا علمت ذلك، فاعلم أنَّ هناك من العلماء من عَدَّ ما بدر من حاطب -رضي الله عنه- من الموالاة الخاصة غير المكفِّرة، ومن هؤلاء: شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال في مجموع الفتاوى (7/523): ((وقد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنباً ينقص به إيمانه ولا يكون به كافراً، كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل الله فيه { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة})) والشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ كما في ((عيون الرسائل والأجوبة على المسائل)) (1/179).
لكن ليُعلم أنَّ هذا النوع من الموالاة شيء ومظاهرة المشركين على الكافرين ونصرتهم وتأيدهم والقتال معهم شيء آخر، فكما سبق في أول الحديث أنَّ هذا (الثاني) كفر وردة والعياذ بالله ويكون بالقول والفعل كما يكون بالاعتقاد، قال الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب في نواقض الإسلام: ((الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} المائدة:51)) وقال الشيخ حمد بن عتيق في ((الدفاع عن أهل السنة والاتِّباع))(ص32): ((وقد تقدم أنَّ مظاهرة المشركين ودلالتهم على عورات المسلمين أو الذب عنهم بلسان ٍ أو رضى بما هم عليه، كل هذه مُكفِّرات ممن صدرت منه من غير الإكراه المذكور فهو مرتد، وإن كان مع ذلك يُبْغض الكفار ويحب المسلمين)، وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- في ((مجموع الفتاوى)) (1/274): ((وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم))

والخلاصة:
أنْ نقول إنَّ حاطباً -رضي الله عنه- حصل منه نوع موالاةٍ للكفار، فمن قال أنَّ الموالاة كلها كفر قال إنه وقع في الكفر ولم يكفُر لأنه كان متأولاً، ومن قال أنَّ هناك موالاة مُكفِّرة وموالاة غير مُكفِّرة عدَّ ما بدر منه -رضي الله عنه- من النوع غير المُكفِّر، وليعلم أنه لم يقل أحدٌ من أهل السنة أنَّ حاطباً -رضي الله عنه- كَفَر، أو أنَّ ما صدر منه ليس موالاةً أو ذنباً، أو أنَّ مظاهرة الكافرين على المسلمين ليست كفراً، فكلُّ ذلك متفقون عليه فلا ينبغي أنَّ يحدث نوع خلافٍ وشرٍ فيما كان من مسائل الاجتهاد طالما أنَّ الجميع متفقون على مسائل الاعتقاد، ولذلك لَمَّا سئل الشيخ سليمان بن عبدالله آل الشيخ عن مسألة سبَبت خلافاً بين أهل السنة في زمانه عن الموالاة والمعاداة هل هي من معنى لا إله إلا الله، أو من لوازمها؟ أجاب: ((الجواب أنَّ يقال: الله أعلم، لكن بحسب المسلم أنْ يعلم أنَّ الله افترض عليه عداوة المشركين، وعدم موالاتهم، وأوجب عليه محبة المؤمنين وموالاتهم، 000و أمَّا كون ذلك من معنى لا إله إلا الله أو لوازمها، فلم يكلفنا الله بالبحث عن ذلك، وإنما كلفنا بمعرفة أنَّ الله فرض ذلك وأوجبه، وأوجب العمل به، فهذا هو الفرض والحتم الذي لا شك فيه، فمن عرف أنَّ ذلك من معناها، أو من لازمها، فهو خير، ومن لم يعرفه، فلم يُكلف بمعرفته، لاسيما إذا كان الجدل والمنازعة فيه مما يفضي إلى شرٍ واختلافٍ، ووقوع فرقة بين المؤمنين الذين قاموا بواجبات الإيمان، وجاهدوا في الله وعادوا المشركين ووالوا المسلمين، فالسكوت عن ذلك متعين)) انتهى كلامه. انظر: ((مجموعة التوحيد)) (ص69)

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أبوزكرياالمهاجر
2008-03-28, 11:53 PM
[quote=مطيع باكرمان;99768]
، غير أن شُذَّاذاً من الناس اليوم أخذوا يفسرون الحديث على غير تفسيره ، ويؤولونه على غير تأويله ؛ ليطّرد مسلكهم و أصلهم الذي أصلوه في الموالاة ، وهو أن كل إعانة للكفار على المسلمين كفر مخرج من الملة ، ولو كانت إعانة من أجل الدنيا ممن هو في صف المؤمنين !!!!!!!!!!!!!!!!!! تأمل هذا الفقه الجديد الطازج على الطريقه الإرجائية ثم انظر بعدها الى الشذاذ الذين يعنيهم أبو مجاهد !!!!!!

لكن ليُعلم أنَّ هذا النوع من الموالاة شيء ومظاهرة المشركين على الكافرين ونصرتهم وتأيدهم والقتال معهم شيء آخر، فكما سبق في أول الحديث أنَّ هذا (الثاني) كفر وردة والعياذ بالله ويكون بالقول والفعل كما يكون بالاعتقاد، قال الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب في نواقض الإسلام: ((الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} المائدة:51)) وقال الشيخ حمد بن عتيق في ((الدفاع عن أهل السنة والاتِّباع))(ص32): ((وقد تقدم أنَّ مظاهرة المشركين ودلالتهم على عورات المسلمين أو الذب عنهم بلسان ٍ أو رضى بما هم عليه، كل هذه مُكفِّرات ممن صدرت منه من غير الإكراه المذكور فهو مرتد، وإن كان مع ذلك يُبْغض الكفار ويحب المسلمين)، وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- في ((مجموع الفتاوى)) (1/274): ((وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم))

تأمل الإجماع لتعرف من الشذاذ
قاتل الله الإرجاء والمرجئة

مطيع باكرمان
2008-03-29, 09:38 AM
( تأمل هذا الفقه الجديد الطازج على الطريقه الإرجائية ثم انظر بعدها الى الشذاذ الذين يعنيهم أبو مجاهد !!!!!! )
أخي الكريم ( أبو زكريا المهاجر ) بلغك الله منازل المهاجرين ، لماذا هذا الاستهزاء والسخرية والتجريح في العقيدة دون تروي ؟! هل من خالفك في مسألة رميته بالإرجاء ولو كان في موضوع الولاء والبراء ؟ واعلم وفقك الله أن الشيخ صالح ( أبو مجاهد ) عندنا في بلادنا من أشد الناس على الإرجاء والمرجئة فله كثير من الدروس والمحاضرات يرد فيه على المرجئة ، ولكن الموضوع الذي طرقه لو تأملته حقاً لما أسرعت في إلقاء التهم جزافاً ( .. فربّ كلمة ..!!! )
وأما بالنسبة إلى موضوع حديث حاطب رضي الله عنه فإني أسألك عدة أسألة أرجو الإجابة عليها بوضوح وروية كي يكون النقاش سليماً إن أردت ذلك :
1) هل كل أنواع الموالاة للكفار من الكفر أكبر مخرج من الملة ؟ ومن قال بذلك من أهل العلم ؟
2) هل فعل حاطب رضي الله عنه من الموالاة ؟
3) هل فعل حاطب كان كفر بذاته ؟ وما المانع من تكفيره ؟
4) هل من تجسس للكفار يكفر في جميع أحواله ؟ ومن قال بذلك ؟
وفي الختام أذكرك بشيء لم تنتبه له وربما لم ينتبه له غيرك أن الشيخ أبا مجاهد يفرق في مسألة الجاسوس بين نوعين :
ماكان لأجل الدنيا وكان في صفوف المسلمين فهذا قد ارتكب كبيرة قد تصل إلى درجة الكفر الأكبر بعد الاستفصال منها كما حدث من حاطب رضي الله عنه إلا أن الفعل بذاته كبيرة وليست كفر
وما كان لأجل الدين ، أو كان في صفوف الأعداء فهذا كفر أكبر مخرج من الملة .
وأما الاستدلا بكلام مجمل لأهل العلم ليس مسلم ولا محمود عند أهل العلم إذا كان لهم كلام مفصل يوضح مرادهم على غير ما تستدل به من إطلاقات .
فبالله عليك هل هؤلاء هم المرجئة الجدد ، أم أنه من الإنصاف أن ننبه على الخوارج الجدد الذين ينصبون أنفسهم قضاة على الأمة وعلى العلماء فيسرعون في رميهم بالكفر والمداهنة ولم يسلم منهم أحد يخالفهم في الرأي ؟ سبحانك يارب
يقول الشيخ صال آل الشيخ حفظه الله :
ثم ما يتعلق بمظاهرة المشركين وتولي الكفّار، فإنّ هذه المسألة بحثناها في عدة مجالس وفي عدة شروح، وبيّنا فيها أنّ عقد الإيمان يقتضي موالاة الإيمان والبراءة من الكفر؛ لقوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَـٰلِبُون } [المائدة: 55، 56].

وعقد الإيمان يقتضي البراءة من المعبودات والآلهة المختلفة ومن عبادتهم لقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ لأَِبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِى بَرَاء مّمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ ٱلَّذِى فَطَرَنِى فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَـٰقِيَةً فِى عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف: 26، 27].

فأساس الإيمان هو الولاء للإيمان والبراءة من الكفر وعبادة غير الله جل وعلا، ويتضمن ذلك موالاة أهل الإيمان والبراءة من أهل الكفر على اختلاف مللهم.

هذه الموالاة منها ما يكون للدنيا، ومنها ما يكون للدين، فإذا كانت للدنيا فليست بمخرجة من الدين، وممّا قد يكون في بعض الأنواع من الموالاة في الدنيا من الإكرام أو البشاشة أو الدعوة أو المخالطة ما قد يكون مأذونًا به ما لم يكن في القلب مودّة لهذا الأمر، من مثل ما يفعل الرجل مع زوجته النصرانية، ومن مثل ما يفعله الابن مع أبيه غير المسلم، ونحو ذلك ممّا فيه إكرام وعمل في الظاهر، ولكن مع عدم المودة الدينية في الباطن، فإذا كان الموالاة للدنيا فإنّها غير جائزة إلاّ في ما استثني؛ كما ذكرنا في حال الزوج مع الزوجة والابن مع أبيه؛ ممّا يقتضي معاملة وبِرًّا وسكونًا ونحو ذلك.

أمّا القسم الثاني: فأن تكون الموالاة للدنيا؛ ولكن ليس لجهة قرابة، وإنّما لجهة مصلحة بحتة في أمر الدنيا وإن فرّط في أمر دينه، فهذه موالاة غير مكفِّرة؛ لأنّها في أمر الدنيا، وهذه التي نزل فيها قول الله جل وعلا: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَاءكُمْ مّنَ ٱلْحَقّ} [الممتحنة: 1]، وهنا أثبت أنّهم ألقوا بالمودّة وناداهم باسم الإيمان، قال جمعٌ من أهل العلم: مناداة من ألقى المودة باسم الإيمان دل على أن فعله لم يخرجه من اسم الإيمان.

هذا مقتضى استفصال النبيّ صلى الله عليه وسلم من حاطب رضي الله عنه، حيث قال له في القصة المعروفة: ((يا حاطب، ما حملك على هذا؟)) يعني: أن أفشى سرّ رسول الله صلى الله وسلم، فبيّن أنه حمله عليه الدنيا وليس الدين.

والقسم الثالث: موالاة الكافر لدينه، يواليه ويحبه ويودّه وينصره لأجل ما عليه من الشرك ومن الوثنية ونحو ذلك، يعني محبة لدينه، فهذا مثله، هذه موالاة مكفِّرة لأجل ذلك، والإيمان الكامل ينتفي مع مطلق موالاة غير المؤمن؛ لأنّ موالاة غير المؤمن بمودته ومحبته ونحو ذلك منافيه للإيمان الواجب لقول الله جل وعلا: {لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22].

أبوزكرياالمهاجر
2008-03-29, 02:56 PM
أخى مطيع بارك الله فيك
أما قولك
) هل كل أنواع الموالاة للكفار من الكفر أكبر مخرج من الملة ؟ ومن قال بذلك من أهل العلم ؟

الموالاة: أصلها الحب كما أن المعاداة أصلها البغض، وتكون بالقلب والقول والفعل، ومن الموالاة النصرة والتأييد، فمن جعل الموالاة نوعاً واحداً مرادفاً لمظاهرة الكافرين عدَّ فعل حاطب -رضي الله عنه- كفراً، ومن جعلها صوراً مختلفة وأدخل فيها: مداهنتهم ومداراتهم، واستعمالهم، والبشاشة لهم ومصاحبتهم ومعاشرتهم وغيرها من الصور؛ جعلها نوعين موالاة مطلقة عامة أو (كبرى) وموالاة خاصة دون موالاة. ومن هؤلاء من عدَّ فعل حاطب -رضي الله عنه- من النوع الأول ومنهم من عَدَّه من النوع الثاني، وأكثر العلماء على أن الموالاة نوعان: مُكفِّرة وغير مُكفِّرة، وسواء قلنا هما نوعان أو نوع واحد فالذي يهمنا هنا هو هل فعل حاطب -رضي الله عنه- من النوع المُكفِّر أم لا؟ -وسيأتي-، كما أنَّ منهم من فرَّق بين الموالاة والتولي وجعل التولي موالاة مطلقة ومنهم عددٌ من علماء الدعوة النجدية -رحمهم الله-، وهناك من لم يفرق بينهما كالشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره وهذا أقرب والله أعلم، وعلى كلٍ فهذه مصطلحات لا مشاحة فيها، لأن الذين فرَّقوا بينهما يعنون بالتولي الموالاة المطلقة وأنها كفر ولا يقولون بتولي غير مُكفِّر بل يقولون أن هناك موالاة غير مُكفِّرة فآل الأمر إلى وجود موالاة مُكفِّرة يسميها البعض تولي وأخرى غير مُكفِّرة وهذا كله على قول من يقسم الموالاة إلى قسمين.
وأما قولك هل فعل حاطب رضي الله عنه من الموالاة ؟
هذا لا يخالف فيه أحد بدليل أن حادثة حاطب كانت سببا فى نزول قوله تعالى {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَاءكُمْ مّنَ ٱلْحَقّ} [الممتحنة: 1]
وأما قولك ) هل فعل حاطب كان كفر بذاته ؟ وما المانع من تكفيره؟
فأقول: من قال أنَّ الموالاة كلها كفر قال إنه وقع في الكفر ولم يكفُر لأنه كان متأولاً، ومن قال أنَّ هناك موالاة مُكفِّرة وموالاة غير مُكفِّرة عدَّ ما بدر منه -رضي الله عنه- من النوع غير المُكفِّر
والمانع من تكفيره هو التأويل قال ابن حجر في الفتح [8/503]: (وعذر حاطب ما ذكره؛ فإنه صنع ذلك متأولاً أن لا ضرر فيه) اهـ.
وقد أورد البخارى هذا الحديث فى كتاب المرتدين باب ما جاء فى المتأولين

وأما قولك ) هل من تجسس للكفار يكفر في جميع أحواله ؟ ومن قال بذلك ؟
أقول يا أخى هذه مسئلة متنازع فيها وأنا لا انكر الخلاف فى هذه المسئلة وقد كفر الجاسوس طائفة من أهل العلم كسحنون وابن القاسم و العلامة أحمد شاكر والشيخ ابن باز وغيرهم
واعتراضى ليس على مسئلة تكفير الجاسوس أو لا
وانما اعترض على كلام شيخك حين قال
( غير أن شُذَّاذاً من الناس اليوم أخذوا يفسرون الحديث على غير تفسيره ، ويؤولونه على غير تأويله ؛ ليطّرد مسلكهم و أصلهم الذي أصلوه في الموالاة ، وهو أن كل إعانة للكفار على المسلمين كفر مخرج من الملة ، ولو كانت إعانة من أجل الدنيا )
تأمل هذا الكلام جيدا بارك الله فيك ثم اقرأ الأتى

ليُعلم أنَّ هذا النوع من الموالاة شيء ومظاهرة المشركين على الكافرين ونصرتهم وتأيدهم والقتال معهم شيء آخر، فكما سبق في أول الحديث أنَّ هذا (الثاني) كفر وردة والعياذ بالله ويكون بالقول والفعل كما يكون بالاعتقاد، قال الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب في نواقض الإسلام: ((الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} المائدة:51)) وقال الشيخ حمد بن عتيق في ((الدفاع عن أهل السنة والاتِّباع))(ص32): ((وقد تقدم أنَّ مظاهرة المشركين ودلالتهم على عورات المسلمين أو الذب عنهم بلسان ٍ أو رضى بما هم عليه، كل هذه مُكفِّرات ممن صدرت منه من غير الإكراه المذكور فهو مرتد، وإن كان مع ذلك يُبْغض الكفار ويحب المسلمين)، وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- في ((مجموع الفتاوى)) (1/274): ((وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم))
فقد خالف شيخك الأجماع بناء على قصة حاطب وأعاد أصل المسئلة (أعنى إعانة الكفار على المسلمين )الى عمل القلب فقط وجعله مناط التكفير وهو بذلك قد خالف الأجماع كما ترى لان الخلاف انما حصل فى مسئلة التجسس فقط من مسائل الإعانة لا فى كل صورها
هذا ما أحببت أن انبهك عليه أخى العزيز وبارك الله فيك

رشيد الحضرمي
2008-03-29, 06:07 PM
أيها الإخوة :
بارك الله فيكم .
أنا أريد أن أسأل عن نقطة معينة فقط ؛لأن المسألة قد كثر البحث فيها :
البعض يقول أن فعل حاطبررر كفر ولكنه متأول ثم يستدل بفعل البخاري رحمه الله أنه جعل حديث حاطب في باب ماجاء في المتأولين :
ذكرالإمام البخاري تحت هذا الباب أربعة أحاديث :
1) حَدِيث عُمَر فِي قِصَّته مَعَ هِشَام بْن حَكِيم بْن حِزَام حِين سَمِعَهُ يَقْرَأ سُورَة الْفُرْقَان فِي الصَّلَاة بِحُرُوفٍ تُخَالِف مَا قَرَأَهُ هُوَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقل له عمر( كذبت...) .
قال الحافظ في الفتح (وَمُنَاسَبَته لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤَاخِذ عُمَر بِتَكْذِيبِ هِشَام وَلَا بِكَوْنِهِ لَبَّبَهُ بِرِدَائِهِ وَأَرَادَ الْإِيقَاع بِهِ ، بَلْ صَدَّقَ هِشَامًا فِيمَا نَقَلَهُ وَعَذَرَ عُمَرَ فِي إِنْكَاره وَلَمْ يَزِدْهُ عَلَى بَيَان الْحُجَّة فِي جَوَاز الْقِرَاءَتَيْن ِ )
2) حَدِيث اِبْن مَسْعُود فِي نُزُول قَوْله تَعَالَى ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ )


قال الحافظ (وَوَجْه دُخُوله فِي التَّرْجَمَة مِنْ جِهَة أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤَاخِذ الصَّحَابَة بِحَمْلِهِمْ الظُّلْمَ فِي الْآيَة عَلَى عُمُومه حَتَّى يَتَنَاوَل كُلّ مَعْصِيَة بَلْ عَذَرَهُمْ لِأَنَّهُ ظَاهِر فِي التَّأْوِيل ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ الْمُرَاد بِمَا رَفَعَ الْإِشْكَال) .


3) حَدِيث عِتْبَان بْن مَالِك فِي قِصَّة مَالِك بْن الدُّخْشُم وقول الصحابة فيه ( أنه منافق)


قال الحافظ ( وَمُنَاسَبَته مِنْ جِهَة أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤَاخِذ الْقَائِلِينَ فِي حَقّ مَالِك بْن الدُّخْشُم بِمَا قَالُوا ، بَلْ بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ إِجْرَاء أَحْكَام الْإِسْلَام عَلَى الظَّاهِر دُون مَا فِي الْبَاطِن) .
4) حديث حاطب رضي الله عنه .
إلا أن الحافظ لم يُفصح عن مناسبته للباب ، مع أن الظاهر أن مناسبته للباب هي في جهة عمر لا حاطب ، فيكون عمر هو المتأول في رمي حاطب بالنفاق أو بالكفر حتى يكون متناسقا مع ماقله من الأحاديث ،إلا أن الإمام ابن بطال ، وكذا العيني في عمدة القاري ، ذكرا أن مناسبة الباب هي في حاطب رضي الله عنه كونه متأولاً ، والله أعلم بالصواب.
على القول بأن المتأول هو حاطب رضي الله عنه ،فماالذي يُثبت لنا أن البخاري قصد بالتأويل هو فعل الكفر ؛لأن التأويل باب واسع ،فلماذا لا نقول أن البخاري قصد بالتأويل هو فعل هذه الكبيرة وأن لاضرر على النبي (ص) فيما سيقدم عليه .
أرجوا البيان ممن عنده البيان

رشيد الحضرمي
2008-03-29, 06:23 PM
انظر كلام ابن حجر في بداية هذا الباب مما يدل على أن المقصود بالتأويل هو عمر وليس حاطبا
قَوْله ( بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُتَأَوِّلِي نَ )
تَقَدَّمَ فِي " بَاب كُلّ مَنْ أَكْفَرَ أَخَاهُ بِغَيْرِ تَأْوِيل " مِنْ كِتَاب الْأَدَب وَفِي الْبَاب الَّذِي يَلِيه كُلّ مَنْ لَمْ يَرَ إِكْفَار مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا وَبَيَان الْمُرَاد بِذَلِكَ ، وَالْحَاصِل أَنَّ مَنْ أَكْفَرَ الْمُسْلِم نُظِرَ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَأْوِيل اِسْتَحَقَّ الذَّمَّ وَرُبَّمَا كَانَ هُوَ الْكَافِر . وَإِنْ كَانَ بِتَأْوِيلٍ نُظِرَ إِنْ كَانَ غَيْر سَائِغ اِسْتَحَقَّ الذَّمّ أَيْضًا وَلَا يَصِل إِلَى الْكُفْر بَلْ يُبَيَّن لَهُ وَجْه خَطَئِهِ وَيُزْجَر بِمَا يَلِيقُ بِهِ . وَلَا يَلْتَحِق بِالْأَوَّلِ عِنْد الْجُمْهُور ، وَإِنْ كَانَ بِتَأْوِيلٍ سَائِغ لَمْ يَسْتَحِقّ الذَّمّ بَلْ تُقَام عَلَيْهِ الْحُجَّة حَتَّى يَرْجِع إِلَى الصَّوَاب قَالَ الْعُلَمَاء كُلُّ مُتَأَوِّلٍ مَعْذُورٌ بِتَأْوِيلِهِ لَيْسَ بِآثِمٍ إِذَا كَانَ تَأْوِيله سَائِغًا فِي لِسَان الْعَرَب وَكَانَ لَهُ وَجْه فِي الْعِلْم . وَذَكَرَ هُنَا أَرْبَعَة أَحَادِيث أ .هـ
فإن كان الذي ذكرت صحيحا ولم يُظهر لي أحد خطأه فإن هذا يترتب عليه أمر سأتركه حتى أرى تعليق الإخوان.

ابن رجب
2008-03-29, 10:37 PM
حكم الجاسوس
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم.
وبعد:
فاعلم أن من يتجسس على عورات المسلمين، وأحوالهم الخاصة - وبخاصة منهم المجاهدين! - لينقلها إلى أعدائهم من الكفرة المجرمين؛ سواء كان كفرهم كفراً أصلياً أم كان كفر ردة، فهو كافر مثلهم، وموالٍ لهم الموالاة الكبرى التي تخرجه من دائرة الإسلام، يُقتل كفراً ولا بد.
قال تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين. يُخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون} [البقرة: 8-9].
ومن خداعهم للمؤمنين أن يتظاهروا بالإسلام، وأن يقولوا عن أنفسهم بأنهم مؤمنون، ثم هم يتجسسون عليهم لصالح أعدائهم من الطواغيت وغيرهم من الكافرين المجرمين.
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً} [الحجرات: 12].
والتجسس من حيث دوافعه نوعان:
نوع خاص يكون الدافع عليه الفضول وحب الاطلاع على عورات الآخرين، ليتلذذ الجاسوس - في مجالسه الخاصة والعامة - بالخوض في الحديث عن أعراض الناس وعوراتهم ويتباهى بأنه يملك الدليل والبينة على صدق دعواه وقوله، لذا جاء عقب النهي عن التجسس النهي عن الغيبة؛ لأن الغيبة نتيجة حتمية للتجسس، فكل من تجسس لا بد له من أن يقع في غيبة الآخرين.
ونوع عام يكون دافعه نقل المعلومات ورفع التقارير إلى الطواغيت الظالمين وغيرهم من الكفرة والمشركين، وهذا من الموالاة، وهو أشد أنواع التجسس جرماً، وهو من الكفر الأكبر الذي يخرج صاحبه من الملة ولا بد.
والنهي عن التجسس الوارد في الآية يشمل النوعين: الخاص والعام، والعام أولى بالنهي من الخاص، فتنبه لذلك.
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تباغضوا، وكونوا إخوانا) [البخاري].
وقال صلى الله عليه وسلم: (من أكل بمسلمٍ أكلةً فإن الله يُطعمه مثلها من جهنم، ومن كُسِي ثوباً برجل مسلم فإن الله عز وجل يكسوه من جهنم، ومن قام برجل مسلم مقام رياءٍ وسمعة فإن الله يقوم مقام رياء وسمعة يوم القيامة) [1].
فيه تحذير وترهيب لأولئك الذين يكتبون التقارير عن المسلمين الموحدين ليرفعوها إلى الطواغيت الظالمين، ويشون عليهم، وعلى أماكنهم، وتحركاتهم، مقابل مبلغ زهيد - يتقوتون به أو يلبسون - يرميه الطاغوت إليهم على كل تقرير يكتبونه عن المسلمين، وما أكثر أصحاب النفوس الضعيفة هؤلاء في بلادنا، الذين باعوا دينهم وآخرتهم بدنيا غيرهم!!
وقال صلى الله عليه وسلم: (من استمع إلى حديث قوم وهم يفرون منه، صُبَّ في أذنيه الآنك) [2]. والآنك هو الرصاص الأبيض المذاب، وهذا فيمن يستمع على وجه الفضول والتطفل، فكيف بمن يستمع على وجه التجسس لصالح أعداء المسلمين من الكافرين والمشركين؟!!
وقال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتّبع اللهُ عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته) [3].
قلت: من تتبع عورات المسلمين وتجسس عليهم لصالح الطواغيت الكافرين، هو أولى بالنفاق، وانتفاء الإيمان من قلبه.
فالتجسس على عورات المسلمين وخصوصياتهم لصالح أعدائهم من المشركين المجرمين لا يمكن أن يمتهنها إلا كل منافق خسيس عريق في النفاق والخداع!
وقال صلى الله عليه وسلم: (من حمى مؤمناً من منافقٍ بعث الله ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومن رمى مسلماً بشيءٍ يُريد شَينَه به حبسَه الله على جسر جهنم حتى يخرجَ مما قال) [4].
هذا فيمن يرمي مسلماً بشيء يريد شينه به، فكيف بمن يرمي مسلماً بشيءٍ يريد به قتله أو سجنه في سجون الطواغيت الظالمين؟!
وعن سلمة بن الأكوع قال: أُتي النبي صلى الله عليه وسلم عين من المشركين وهو في سفر فجلس عند أصحابه، ثم انسل، فقال صلى الله عليه وسلم: (اطلبوه فاقتلوه)، قال: فسبقتهم إليه فقتلته، وأخذت سلبه، فنفلني إياه [متفق عليه].
وكذلك فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل المرأة التي حملت كتاب حاطب إلى كفار قريش عام الفتح، ومن دون أن تُستتاب.
كما في الحديث عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم فتح مكة، أمَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر، وامرأتين [5].
من هاتين المرأتين هذه المرأة التي حملت رسالة حاطب إلى كفار قريش، واسمها سارة.
قال الإمام سحنون: (إذا كاتب المسلم أهل الحرب قتل ولم يُستتب، وماله لورثته).
وفي المستخرجة قال ابن القاسم في الجاسوس: (يُقتل ولا تُعرف لهذا توبة، هو كالزنديق) [6].
وقال ابن تيمية في الفتاوى 28[/109]: (ذهب مالك وطائفة من أصحاب أحمد إلى جواز قتل الجاسوس) اهـ.
قلت: وقتله يكون على الكفر والارتداد، وليس على شيء آخر، والله تعالى أعلم.
شبهة ورد:
لعل قائلاً يقول: إن حاطب بن أبي بلتعة قد كاتب كفار قريش، وأطلعهم على سر زحف النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من جند الإسلام لفتح مكة، وهذا من التجسس والموالاة، ومع ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكفره، ولم يأمر بقتله، فكيف نوفق بين ذلك، وبين ما تقدم ذكره؟
أقول: الذي فعله حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه هو من الكفر، لكن حاطباً لم يكفر لاعتبارات وموانع عدة منعت من لحوق الكفر به، سنأتي على بيانها إن شاء الله.
أما أن الذي فعله حاطب هو من الكفر والنفاق الأكبر؛ ذلك لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيه أمام حضرة النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغيرهما: (يا رسول الله قد خان اللهَ ورسوله والمؤمنين، دعني أضرب عنقَ هذا المنافق - وفي رواية - فإنه قد كفر، إنه قد نافق، نكث وظاهر أعداءك عليك)!
والنبي صلى الله عليه وسلم يسمعه ولم ينكر عليه أن هذا الذي فعله حاطب يُعد من الموالاة للمشركين، والكفر والنفاق الذي تُقطع عليه الأعناق، ولكن الذي أنكره على عمر رضي الله عنه حمل حكم النفاق والكفر على حاطب، وذلك لاعتبارات تمنع من لحوق هذا الحكم بحاطب!
أما أن حاطباً لم يكفر، ولم يقع في النفاق فهو للاعتبارات التالية:
1) أنه كان متأولاً في فعله، لم يكن يعلم - أو يظن - أن هذا الذي فعله يمكن أن يرقى إلى درجة الكفر والخروج من الإسلام، أو أنه يضر في إيمانه، ولم يكن يقصد به الغش والغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك نجده يجيب - من فوره - لما سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن السبب الذي حمله على كتابة الرسالة إلى كفار قريش: (يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرءاً ملصقاً في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يداً يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفراً ولا ارتداداً، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام - وفي رواية - ما غيرت ولا بدلت، أما أني لم أفعله غشاً يا رسول الله ولا نفاقاً، ما كفرتُ ولا ازددتُ للإسلام إلا حباً)!
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد صدقكم، لا تقولوا له إلا خيراً، إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم). فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم!
قال ابن حجر في الفتح [8/503]: (وعذر حاطب ما ذكره؛ فإنه صنع ذلك متأولاً أن لا ضرر فيه) اهـ.
قلت: والتأويل مانع من موانع لحوق الكفر بالمعين، فتنبه لذلك.
2) علم النبي صلى الله عليه وسلم - عن طريق الوحي - بسلامة قصد وباطن حاطب، لذلك قال صلى الله عليه وسلم: (قد صدقكم)، وهذه ليست لأحدٍ بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، لذلك نجد عمر - وليس له إلا ذلك - قد تعامل مع حاطب على اعتبار ظاهره، وما يدل عليه ظاهره من نكوث، وموالاة، وكفر ونفاق، فقال عباراته الآنفة الذكر!
فإن قيل: الأحكام تبنى على الظاهر، فعلام هنا قد تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع باطن وقصد حاطب؟
أقول: فيما يخص إقامة الحدود، وإنزال التعزير والعقوبات بالمخالفين لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك إلا ما يدل عليه ظاهر الحال الذي يستوجب الحد أو العقوبة، وإن كان يعلم صلى الله عليه وسلم أن بواطن الأمور وخفاياها هي بخلاف هذا الظاهر، كتعامله مع المنافقين على اعتبار ظاهرهم رغم علمه صلى الله عليه وسلم بنفاقهم وكفرهم في الباطن.
قال ابن تيمية في الصارم [356]: (فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يُقيم الحدود بعلمه، ولا بخبر الواحد، ولا بمجرد الوحي، ولا بالدلائل والشواهد، حتى يثبت الموجب للحد ببينة أو إقرار) اهـ.
أما فيما يتعلق بإقالة العثرات التي كان يقع فيها بعض أصحابه صلى الله عليه وسلم، فكان صلى الله عليه وسلم يراعي سلامة الباطن والقصد الذي يطلعه عليه الوحي ما وجد إلى ذلك سبيلاً، لحبه للعذر وإقالة العثرات؛ وبخاصة إن جاءت هذه العثرات من أصحابه الكرام الذين لهم سابقة بلاء وجهاد في سبيل الله!
ولأن مراعاة سلامة الباطن في هذا الجانب هو لصالح الإنسان المخطئ بخلاف جانب المؤاخذة والمحاسبة ففيه تقريع وتعذيب للمخالف، لذا لم يمضه النبي صلى الله عليه وسلم إلا ببينة ظاهرة تستدعي ذلك.
ودليلنا على ذلك موقفه صلى الله عليه وسلم من حاطب، ونحوه ذلك الرجل من الأنصار الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح البخاري -: (أراك تحابي ابن عمتك!!). وذلك لما حكم النبي صلى الله عليه وسلم للزبير بأن يسقي أرضه، ثم يرسل الماء إلى أرض جاره الأنصاري!
قلت: قول الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلم "أراك تحابي ابن عمتك!"؛ هو كفر أكبر، وطعن بحكم النبي صلى الله عليه وسلم، والذي حمل النبي صلى الله عليه وسلم على إقالة عثرته علمه صلى الله عليه وسلم بسلامة قصده وباطنه، وأن الذي صدر منه هو عبارة عن فلتة وزلة، وهذه ليست لأحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن العربي في الأحكام [5/267]: (كل من اتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحكم فهو كافر، لكن الأنصاري زل زلة فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم وأقال عثرته لعلمه بصحة يقينه، وأنها كانت فلتة، وليست لأحدٍ بعد النبي صلى الله عليه وسلم) اهـ.
وهذا الذي قيل في موقف النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الأنصاري يُقال أيضاً في موقفه صلى الله عليه وسلم من حاطب بن أبي بلتعة. والله تعالى أعلم.
فإن قيل: هل لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيل عثرات ترقى إلى درجة الكفر بناءً على سلامة قصد وباطن أصحابها؟
أقول: لا، لانقطاع الوحي، وهذا الذي يقصده عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قوله: (إن أناساً كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم؛ فمن أظهر لنا خيراً أمَّناه وقربناه وليس لنا من سريرته شيء، الله يُحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءاً لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة).
لذا نقول: من أظهر لنا الكفر البواح - من غير مانعٍ شرعي معتبر - أظهرنا له التكفير ولا بد.
وقوله رضي الله عنه: (كانوا يؤخذون بالوحي)، يريد في جانب إقالة العثرات، وليس في جانب تطبيق الحدود وإنزال العقوبات، فتنبه لذلك.
3) ومن علامات صدق حاطب رضي الله عنه أنه صدَق النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله، ولم يواري عليه ما فعل، مما دل على سلامة باطنه وقصده، وبراءته من النفاق، بخلاف المرأة فإنها أنكرت وكذبت لما سئلت عن الكتاب، فقالت: (ما معي من كتاب " فزاد ذلك من جرمها وكفرها!
ولو كان حاطب منافقاً لكذَب الحديث، لأن من خصال المنافق أنه إذا حدث كذب، ولكن لما صدق في الحديث، دل على صدق إيمانه وباطنه وأنه ليس منافقاً، وكان لذلك أثراً ظاهراً في منجاته وإقالة عثرته، كما في الحديث الصحيح الذي أخرجه الترمذي: (فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة).
ومن حديث كعب بن مالك في قصة تخلفه عن الغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، يقول: يا رسول الله إنما أنجاني الله بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقاً ما بقيت، والله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذَبْتُه فأهلك كما هلك الذين كذبوا، إن الله قال للذين كذَبوا حين أنزل الوحي شرَّ ما قال لأحدٍ، فقال: {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنمُ جزاءً بما كانوا يكسبون. يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين}.
بينما أنزل الله في الثلاثة الذين صدَقوا الحديث - منهم كعب من مالك - قوله: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} إلى قوله تعالى: {وعلى الثلاثة الذين خُلِّفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم * يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة: 117-119].
فتأمل كيف أن الصدق أنجاهم، وأقال عثرتهم، وكيف أن الكذب أردى أولئك الذين كذبوا الأعذار، وأوبق آخرتهم!
وهذا ينبغي أن يكون معتبراً عند الحديث عن حاطب بن أبي بلتعة، وعن الأسباب التي أقالت عثرته.
4) إن مما أعان على إقالة عثرة حاطب كذلك أنه من أهل بدر، وبدر حسنة عظيمة تذهب السيئات، وتقيل العثرات، وتستدعي تحسين الظن بأهلها، وتوسيع دائرة التأويل لهم لو عثروا أو زلوا!
لذلك نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تذكر له حسنة بدر - وما أدراك ما حسنة بدر - فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم).
وفي صحيح مسلم: (إني لأرجو أن لا يدخل النار أحد - إن شاء الله - ممن شهد بدراً والحديبية).
وحاطب قد جمع بين الخيرين، فقد شهد بدراً والحديبية معاً!
نستفيد من ذلك أن المرء كلما كبرت وكثرت حسناته، وكانت له سابقة بلاء في الله، كلما ينبغي أن تتوسع بحقه ساحة التأويل وإقالة العثرات، عند ورود الشبهات، وحصول الكبوات، والله تعالى أعلم.
5) أن فعل الوشاية الذي أقدم عليه حاطب لم يكن فعلاً ملازماً له، فهو لم يفعل ذلك إلا مرة واحدة في حياته، ولأسباب تقدم ذكرها، وهذا بخلاف ما عليه الجاسوس فإن التجسس صفة لازمة له على مدار الوقت، لا هم له إلا كيف يتحصل على المعلومات لكي يرسلها إلى موفديه أو من يتعامل معهم!
فهناك فرق بين من يقع في الخطأ مرة، وبين من يقع في الخطأ مراراً من حيث دلالته على صفة وحقيقة فاعله.
لذا من الخطأ الفادح أن يُحمل على حاطب حكم ووصف الجاسوس الآنف الذكر، والله تعالى أعلم.
وبعد، لأجل هذه الأسباب مجتمعة أفدنا في أول حديثنا أن فعل حاطب يُعتبر من الكفر، ومن الموالاة الكبرى، إلا أن حاطباً لم يكفر بعينه، ولا يجوز أن يُحمل عليه حكم الكفر، والله تعالى أعلم.
كلمة أخيرة:
إلى أولئك الذين هان عليهم دينهم، وسهل عليهم التجسس على المسلمين لصالح الطواغيت باسم الدين، متذرعين بفتاوى بعض المضللين المشبوهين ممن ظاهرهم العلم، مقابل مبلغ زهيد يعطونه على كل تقرير يكتبونه إلى مخابرات الطواغيت، لا يحسب هؤلاء أنهم على خير، أو أنهم على شيء، وليتذكروا أن لهم يوماً سيسألون فيه عما يفعلون، وينتصف الله تعالى منهم لعباده المظلومين.
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أعان ظالماً بباطل ليدحض بباطله حقاً فقد برئ من ذمة الله عز وجل وذمة رسوله) [7].
فكيف بمن يعين الطواغيت الظالمين على اعتقال المسلمين الموحدين وقتلهم، وانتهاك حرماتهم؟!
فكم من تقرير ظالم كتبه مخبر حقير أدى إلى اعتقال عشرات من الشباب المسلم الموحد - لعشرات السنين - في أقبية وزنازين الطواغيت، إن لم يكن سبباً في قتلهم وإعدامهم!
وفي صحيح مسلم وغيره: (المؤمن من أمنه المسلمون على أنفسهم وأموالهم، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).
فالذي لا يأمنه المسلمون على أنفسهم، ولا يسلمون من شر يده ولسانه، فهو بنص الحديث ليس من المؤمنين ولا المسلمين.
فاتق الله يا عبد الله، واحذر أن تكون ممن يتجسسون لصالح الطواغيت الظالمين، أو يجادلون عنهم، أو يُقاتلون دونهم، فتهلك وتخسر دنياك وآخرتك.
اللهم إنا قد بلغنا ونصحنا، فاشهد
وصلى الله على محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلَّم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين [8]
منقول للفائدة

أحسنت ابا زكريا على النقل البديع ..

أبوزكرياالمهاجر
2008-03-30, 12:12 AM
بارك الله فيك أخى

عبد الله آل سيف
2008-03-30, 12:50 AM
(أبوزكرياالمهاج )جزاك الله خيرا

من الشيخ الذي نقلت عنه في مسألة ( حكم الجاسوس ) ؟

ابو عمر السلفي
2008-03-30, 01:57 AM
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بعدما ذكر حديث حاطب وقصته( ) :
( وهذه القصة مما اتفق أهل العلم على صحتها وهي متواترة عندهم معروفة عند علماء التفسير وعلماء الحديث وعلماء الـمغازي والسير والتواريخ وعلماء الفقه وغير هؤلاء ، وكان علي رضي الله عنه يحدث بهذا الحديث في خلافته بعد الفتنة وروى عنه كاتبه عبد الله بن أبي رافع ليبين لهم أن السابقين مغفور لهم ولو جرى منهم ما جرى ، .
جزى الله الناقل والمنقول عنه هذا البحث الماتع
وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يروي قصة حاطب رضي الله عنه ويؤكد أن ذنبه مغفور , والكفر لا يُغفر إلا بالتوبة وتجديد النطق بالشهادتين .
فكيف وقع الصحابي في الكفر !!

أبوزكرياالمهاجر
2008-03-30, 03:35 AM
(أبوزكرياالمهاج )جزاك الله خيرا
من الشيخ الذي نقلت عنه في مسألة ( حكم الجاسوس ) ؟
وجزاك الله مثله أخى
منقول من موقع الشيخ أبى بصير الطرطوسى
http://www.abubaseer.bizland.com/

أبوزكرياالمهاجر
2008-03-30, 03:43 AM
جزى الله الناقل والمنقول عنه هذا البحث الماتع
وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يروي قصة حاطب رضي الله عنه ويؤكد أن ذنبه مغفور , والكفر لا يُغفر إلا بالتوبة وتجديد النطق بالشهادتين .
فكيف وقع الصحابي في الكفر !!
انظر أخى ما تقول
من الذى كفر حاطبا ؟
ففرق بين أن نحكم على شخص بالكفر وبين أن نقول فلان وقع فى الكفر
ففى الحالة الأولى ننزل الحكم على الشخص نفسه
وفى الثانية لايلزم ذلك لإحتمال وجود مانع من موامع التكفير
وهذا ما وقع من حاطب كفر على الصحيح كما تقدم لكنه معزور بالتأويل فتأمل هذا جيدا

ابو عمر السلفي
2008-03-30, 11:50 AM
كل الذين قالوا أنه متأول في فعله
قالوا أنه وقع في الكفر متأولا !
أي أن حاطباً رضي الله عنه - وبَرَّأَهُ مِمَّا قَالُوا - قصد الوقوع في النفاق وهو يعلم أنه كفر ولكنه تأول فعله .
أو أنه وقع في الكفر وهو لا يعلم أنه كفر وهذا تجهيل لهذا الصحابي البدري الجليل !
وكلاهما مر والله المستعان .
فالصحابة رضي الله عنهم وخصوصا أهل بدر منهم يلقون في النار أحب إليهم من الرجوع في الكفر وهذا يقين قاطع عند أهل السنة ولن يخالف في هذا إلا من غلبه هواه .
وأما المعاصي والكبائر فليسوا بمعصومين منها وهي ما وقع فيه حاطب رضي الله عنه .

ابو عمر السلفي
2008-03-30, 11:53 AM
وجزاك الله مثله أخى
منقول من موقع الشيخ أبى بصير الطرطوسى

صدق حبيبي صلوات ربي وسلامه عليه حين قال أنه بعد موت العلماء : " أتخذ الناس رؤوس جهالا "

أبوزكرياالمهاجر
2008-03-30, 01:51 PM
صدق حبيبي صلوات ربي وسلامه عليه حين قال أنه بعد موت العلماء : " أتخذ الناس رؤوس جهالا "
اعلم أن الجهال هم من تتعلم منهم أمثال المدخلى والحلبى والهلالى والرمضانى وازنابهم أمثالك ممن أحيوا عقيدة الإرجاء وألبسوها زورا لباس السلفيه
وقد فضحهم الله بعد أن قامت هيئة كبار العلماء بالرد عليهم وتبين كذبهم وتدليسهم وضلالهم
فإلى الله المشتكى وعند الله تجتمع الخصوم

أبوزكرياالمهاجر
2008-03-30, 01:57 PM
كل الذين قالوا أنه متأول في فعله
قالوا أنه وقع في الكفر متأولا !
أي أن حاطباً رضي الله عنه - وبَرَّأَهُ مِمَّا قَالُوا - قصد الوقوع في النفاق وهو يعلم أنه كفر ولكنه تأول فعله .
أو أنه وقع في الكفر وهو لا يعلم أنه كفر وهذا تجهيل لهذا الصحابي البدري الجليل !
وكلاهما مر والله المستعان .
فالصحابة رضي الله عنهم وخصوصا أهل بدر منهم يلقون في النار أحب إليهم من الرجوع في الكفر وهذا يقين قاطع عند أهل السنة ولن يخالف في هذا إلا من غلبه هواه .
وأما المعاصي والكبائر فليسوا بمعصومين منها وهي ما وقع فيه حاطب رضي الله عنه .
ما قولك فى من استحلوا شرب الخمر من الصحابة متأولين ؟؟؟؟؟؟؟؟
هل لم يقعوا فى الكفر
تعلم فبل أن تتكلم وإلا لاتدخل نفسك فى هذه المسائل

عبد الله آل سيف
2008-03-30, 02:42 PM
ما قولك فى من استحلوا شرب الخمر من الصحابة متأولين ؟؟؟؟؟؟؟؟
هل لم يقعوا فى الكفر
تعلم فبل أن تتكلم وإلا لاتدخل نفسك فى هذه المسائل
أحسنت أخي أبا زكريا المهاجر
وأيضا ما جاء في قصة الأنصاري مع الزبير رضي الله عنهم فقد قال ابن تيمية رحمه الله بعد ذكر هذه القصة ونظرائها :
" هذا الباب كله مما يوجب القتل و يكون به الرجل كافرا حلال الدم كان النبي صلى الله عليه و سلم و غيره من الأنبياء يعفون ويصفحون عمن قاله امتثالا لقوله تعالى : { خذ العفو و أمر بالعرف و أعرض عن الجاهلين }".اهـ الصارم المسلول

وعلى قول أن هذا الأنصاري رضي الله عنه بدري فقد جاوب الشيخ على ذلك فقال :

" و إن كانت القصة بعد بدر فإن القائل لهذه الكلمة يكون قد تاب و استقر و قد عفا له النبي صلى الله عليه و سلم عن حقه فغفر له و المضمون لأهل بدر إنما هو المغفرة : إما بأن يستغفروا إن كان الذنب مما لا يغفر إلا بالاستغفار أو لم يكن كذلك إما بدون أن يستغفروا
ألا ترى قدامة بن مظعون ـ و كان بدريا ـ تأول في خلافة عمر ما تأول في استحلال الخمر من قوله تعالى : { ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما طعموا } [ المائدة : 93 ] الآية حتى أجمع رأى عمر و أهل الشورى أن يستتاب هو و أصحابه فإن أقروا بالتحريم جلدوا و إن لم يقروا به كفروا ثم إنه تاب و كاد ييأس لعظم ذنبه في نفسه حتى أرسل إليه عمر رضي الله عنه بأول سورة غافر فعلم أن المضمون للبدريين أن خاتمتهم حسنة و أنهم مغفور لهم و إن جاز أن يصدر عنهم قبل ذلك ما عسى أن يصدر فإن التوبة تجب ما قبلها "اهـ الصارم المسلول
والله أعلم .

أبوزكرياالمهاجر
2008-03-30, 02:59 PM
أحسنت أخي أبا زكريا المهاجر
وأيضا ما جاء في قصة الأنصاري مع الزبير رضي الله عنهم فقد قال ابن تيمية رحمه الله بعد ذكر هذه القصة ونظرائه.
بارك الله فيك أخى

ابو عمر السلفي
2008-03-30, 03:48 PM
ما قولك فى من استحلوا شرب الخمر من الصحابة متأولين ؟؟؟؟؟؟؟؟
هل لم يقعوا فى الكفر
تعلم فبل أن تتكلم وإلا لاتدخل نفسك فى هذه المسائل
يا أبا المهاجر عافاك الله من شر نفسك
أقول لك حاطب رضي الله عنه وهو البدري من أصحاب الشجرة تقول ما رأيك في فلان وفلان من الصحابة , هناك من أرتد وقد صحب الرسول صلى الله عليه وسلم !
يا رجل ألا تقرأ القرآن وقول الله تعالى { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19) }سورة الفتح

تأمل قوله تعالى { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ }
ليس علمي وعلمك بل علم الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
صدق الله { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } [محمد: 24]

وأما قصة الزبير رضي الله عنه مع ذاك الصحابي فلا حجة فيها لإبهام الصحابي الذي فيها ولا يُعلم أشهد بدر والحديبية أم لا .
ثم أن قوله تعالى { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمَا }نزلت بسبب هذه القصة كما جاء في صحيح مسلم واستدل العلماء بأن الإيمان المنفي فيها هو الإيمان الواجب وليس المنفي هو أصل الإيمان الذي لو انتفى اخرج صاحبه من الملة واستدلوا بعدم كفر ذاك الصحابي .
وأما قصة قدامة بن مظعون رضي الله عنه فهي حجة على المؤولة الجدد , فقدامة له دليل تأوله وهو قوله تعالى{ ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما طعموا } [ المائدة : 93 ]
فهو مستدل بدليل شرعي أدى به إلى شرب الخمر فصح وصفه بالتأويل فلا يقال علم الكفر وقصد الوقوع فيه بل ولا يقال وقع في الكفر .
وهذا لا يقع ممن علم الله ما في قلوبهم والله المستعان على ما تصفون

أبوزكرياالمهاجر
2008-03-30, 05:40 PM
يا أبا المهاجر عافاك الله من شر نفسك
أقول لك حاطب رضي الله عنه وهو البدري من أصحاب الشجرة تقول ما رأيك في فلان وفلان من الصحابة , هناك من أرتد وقد صحب الرسول صلى الله عليه وسلم !
يا رجل ألا تقرأ القرآن وقول الله تعالى { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19) }سورة الفتح
تأمل قوله تعالى { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ }
ليس علمي وعلمك بل علم الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
صدق الله { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } [محمد: 24]
وأما قصة الزبير رضي الله عنه مع ذاك الصحابي فلا حجة فيها لإبهام الصحابي الذي فيها ولا يُعلم أشهد بدر والحديبية أم لا .
ثم أن قوله تعالى { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمَا }نزلت بسبب هذه القصة كما جاء في صحيح مسلم واستدل العلماء بأن الإيمان المنفي فيها هو الإيمان الواجب وليس المنفي هو أصل الإيمان الذي لو انتفى اخرج صاحبه من الملة واستدلوا بعدم كفر ذاك الصحابي .
وأما قصة قدامة بن مظعون رضي الله عنه فهي حجة على المؤولة الجدد , فقدامة له دليل تأوله وهو قوله تعالى{ ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما طعموا } [ المائدة : 93 ]
فهو مستدل بدليل شرعي أدى به إلى شرب الخمر فصح وصفه بالتأويل فلا يقال علم الكفر وقصد الوقوع فيه بل ولا يقال وقع في الكفر .
وهذا لا يقع ممن علم الله ما في قلوبهم والله المستعان على ما تصفون
لاحول ولا قوة إلا بالله
والله لولا الإنشغال لبينت لك كل الجهالات التى تفوهت بها
وقد نصحتك أن تتعلم قبل أن تتكلم
راجع إن شئت الصارم المسلول
وردود هيئة كبار العلماء على شيوخك المرجئة وتعلم
حينه ستعرف بطلان وضلال ما تقول به
فالله المستعان

أبوزكرياالمهاجر
2008-03-30, 05:40 PM
يا أبا المهاجر عافاك الله من شر نفسك
أقول لك حاطب رضي الله عنه وهو البدري من أصحاب الشجرة تقول ما رأيك في فلان وفلان من الصحابة , هناك من أرتد وقد صحب الرسول صلى الله عليه وسلم !
يا رجل ألا تقرأ القرآن وقول الله تعالى { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19) }سورة الفتح
تأمل قوله تعالى { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ }
ليس علمي وعلمك بل علم الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
صدق الله { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } [محمد: 24]
وأما قصة الزبير رضي الله عنه مع ذاك الصحابي فلا حجة فيها لإبهام الصحابي الذي فيها ولا يُعلم أشهد بدر والحديبية أم لا .
ثم أن قوله تعالى { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمَا }نزلت بسبب هذه القصة كما جاء في صحيح مسلم واستدل العلماء بأن الإيمان المنفي فيها هو الإيمان الواجب وليس المنفي هو أصل الإيمان الذي لو انتفى اخرج صاحبه من الملة واستدلوا بعدم كفر ذاك الصحابي .
وأما قصة قدامة بن مظعون رضي الله عنه فهي حجة على المؤولة الجدد , فقدامة له دليل تأوله وهو قوله تعالى{ ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما طعموا } [ المائدة : 93 ]
فهو مستدل بدليل شرعي أدى به إلى شرب الخمر فصح وصفه بالتأويل فلا يقال علم الكفر وقصد الوقوع فيه بل ولا يقال وقع في الكفر .
وهذا لا يقع ممن علم الله ما في قلوبهم والله المستعان على ما تصفون
لاحول ولا قوة إلا بالله
والله لولا الإنشغال لبينت لك كل الجهالات التى تفوهت بها
وقد نصحتك أن تتعلم قبل أن تتكلم
راجع إن شئت الصارم المسلول
وردود هيئة كبار العلماء على شيوخك المرجئة وتعلم
حينها ستعرف بطلان وضلال ما تقول به
فالله المستعان

مطيع باكرمان
2008-03-31, 02:46 PM
أخي ( أبو زكريا المهاجر ) وفقك الله ، يجب أن تعلم أننا حينما نتناقش في مسألة علمية ونبين حكمها الشرعي حسب ما ندين الله به لا يجوز لك أن تلقي التهم جزافاً لأننا نخالفك ، وإننا حينما نقول أن التجسس كبيرة من كبائر الذنوب وقد تصل إلى الكفر في بعض الأحوال لا يستلزم من ذلك التهوين بشأن هذه المعصية العظيمة ، فهل أهل السنة حينما يردون على الخوارج في تكفيرهم القاتل والزاني أنهم بذلك يهونون من شأن هذه المعاصي ؟! حاشا لله
ثم إنك قد أخطأت في فهم نصوص أهل العلم وحملتها على غير محملها الصحيح ، وهذا راجع إلى قصور في فهمك - عذرا - أو بسبب خلل في منهج التلقي ، وسأبين لك ذلك إن شاء الله ، فمن ذلك :
( 1 ) زعمك أن سحنون وابن القاسم من المالكية رحمهما الله أنهم يقولون بكفر الجاسوس ، وهذا فهم خاطئ لم يقل به أحد ، فلو تأملت عبارتهما جيداً لما توصلت إلى ذلك ، فقول ابن القاسم : ( هو كالزنديق ) إنما المراد في كونه يقتل على كل حال ولا يستتاب ، لا أنه كافر مرتد وهذا ما يوضحه سحنون بقوله : ( إذا كاتب المسلم أهل الحرب قتل ولم يُستتب ، وماله لورثته ) . و إلا لقال : ( هو زنديق ) ، وأيضاً لوكان مرتداً كما تدعي لجعلوا له حكم المرتد ، وحكمه عند المالكية كما هو معلوم أنه يستتاب فإن تاب و إلا قتل ، ثم إنك لو تأملت كلام سحنون جيداً لعلمت أنه لم يكفره وذلك لأنه جعل ماله لورثته ، فالمرتد لا يرثه ورثته وإنما يقسم على المسلمين . قال ابن رشد الحفيد في بداية المجتهد - (ج 2 / ص 287)
وأما مال المرتد إذا قتل أو مات، فقال جمهور فقهاء الحجاز هو لجماعة المسلمين ولا يرثه قرابته، وبه قال مالك، والشافعي، وهو قول زيد من الصحابة.
وجاء في تهذيب المدونة - (ج 2 / ص 46)
2239 - ومن ارتد ولحق بدار الحرب، وقف ماله حتى يعلم أنه مات، فإن رجع إلى الإسلام كان أولى بماله، وإن مات على ردته، كان ماله للمسلمين، ولا يرثه ورثته المسلمون .
ومما يدل على عدم تكفيره أيضاً ما جاء في تبصرة الحكام حيث قال : وذهب سحنون إلـى أن المسلم إذا كتب لأهل الحرب بأخبار المسلمين، يقتل ولا يستتاب ولا دية لورثته كالمحارب. وقيل يجلد نكالا ويطال حبسه، وينفى من الموضع الذي كان فيه (تبصرة الحكام2/ 177).
فهل يقال إن المحارب كافر أيضاً لأن الجاسوس مثله ؟ وهل المرتد يجلد ولا يقتل ؟!
ومما يوضح مرادهم بقولهم هو ( كالزنديق ) ما جاء في النص السابق : يقتل ولا يستتاب .
ومما يدل على أن ابن القاسم رحمه الله لا يقول بتكفيره : وقال الإمام مالك وابن القاسم وأشهب يجتهد الحاكم في ذلك، فإن كانت عادته ذلك قتل لأنه جاسوس والجاسوس يقتل وهو الصحيح لإضراره بالمسلمين، وسعيه بالفساد في الأرض [موسوعة الفقه الإسلامي م 10ص166)
فهل يقال إن المرتد يجتهد الحاكم في قتله أوترك ذلك .
وجاء في شرح مختصر خليل للخرشي :
وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَيْنٌ لِلْعَدُوِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ حُكْمُهُ حِينَئِذٍ حُكْمَ الزِّنْدِيقِ أَيْ فَيُقْتَلُ إنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ .
الكتاب : شرح مختصر خليل للخرشي( 9/493الشاملة )

( 2 ) ومن ذلك أيضاً ما نسبته للحافظ ابن حجر رحمه الله أنه يقول بأن فعل حاطب كان كفرً وإن المانع من تكفيره هو كونه متأولاً ، وهذا الفهم غير صحيح أيضاً ، فمراد الحافظ من قوله في الفتح [8/503]: (وعذر حاطب ما ذكره؛ فإنه صنع ذلك متأولاً أن لا ضرر فيه) اهـ.
فمراده أنه كان متأولاً في فعل المعصية لا الكفر ، و إلا هل ينفع المرء أن يفعل الكفر والردة وهو يعتقد أنه لا يضر بذلك أحداً من المسلمين ؟!
فلو أن شخصاً ارتكب عملاً كفرياً قاصداً الفعل فقد وقع في الكفر والردة وأما كونه لا يريد الكفر فإن ذلك لا يعتبر عذراً عند أهل السنة كما سيأتي بيانه إن شاء الله لا حقاً .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (ج 19 / ص 396)
قَالَ عُمَر فَاخْتَرَطْتُ سَيْفِي وَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه أَمْكِنِّي مِنْهُ فَإِنَّهُ قَدْ كَفَرَ " وَقَدْ أَنْكَرَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْبَاقِلَّانِي ّ هَذِهِ الرِّوَايَة وَقَالَ لَيْسَتْ بِمَعْرُوفَةٍ قَالَهُ فِي الرَّدّ عَلَى الْجَاحِظ لِأَنَّهُ اِحْتَجَّ بِهَا عَلَى تَكْفِير الْعَاصِي ، وَلَيْسَ لِإِنْكَارِ الْقَاضِي مَعْنًى لِأَنَّهَا وَرَدَتْ بِسَنَدٍ صَحِيح وَذَكَرَ الْبَرْقَانِيّ فِي مُسْتَخْرَجه أَنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهَا ، وَرَدَّهُ الْحُمَيْدِيّ ، وَالْجَمْع بَيْنهمَا أَنَّ مُسْلِمًا خَرَّجَ سَنَدهَا وَلَمْ يَسُقْ لَفْظهَا ، وَإِذَا ثَبَتَ فَلَعَلَّهُ أَطْلَقَ الْكُفْر وَأَرَادَ بِهِ كُفْر النِّعْمَة كَمَا أَطْلَقَ النِّفَاق وَأَرَادَ بِهِ نِفَاق الْمَعْصِيَة ، وَفِيهِ نَظَر لِأَنَّهُ اِسْتَأْذَنَ فِي ضَرْب عُنُقه فَأَشْعَرَ بِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ نَافَقَ نِفَاق كُفْر وَلِذَلِكَ أَطْلَقَ أَنَّهُ كَفَرَ ، وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ لَا يَلْزَم مِنْهُ أَنْ يَكُون عُمَر يَرَى تَكْفِير مَنْ اِرْتَكَبَ مَعْصِيَة وَلَوْ كَبُرَتْ كَمَا يَقُولهُ الْمُبْتَدِعَة وَلَكِنَّهُ غَلَبَ عَلَى ظَنّه ذَلِكَ فِي حَقّ حَاطِب ، فَلَمَّا بَيَّنَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُذْرَ حَاطِبٍ رَجَعَ .
وقال أيضاً : وَاسْتُدِلَّ بِاسْتِئْذَانِ عُمَر عَلَى قَتْل حَاطِب لِمَشْرُوعِيَّة ِ قَتْل الْجَاسُوس وَلَوْ كَانَ مُسْلِمًا وَهُوَ قَوْل مَالِك وَمَنْ وَافَقَهُ ، وَوَجْه الدَّلَالَة أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ عُمَرَ عَلَى إِرَادَة الْقَتْل لَوْلَا الْمَانِع ، وَبَيَّنَ الْمَانِع هُوَ كَوْن حَاطِب شَهِدَ بَدْرًا .
فهل حسنة بدر هي من موانع الكفر ؟! فهذا دليل واضح في أن الحافظ رحمه الله لا يرى أن فعل حاطب كان كفراً .
( 3 ) وأما الاستدلال بكلام البخاري في تبويبه ( بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُتَأَوِّلِي ن ) بأنه قصد بالمتأولين حاطب بن أبي لتعة رضي الله عنه وغيره ، فهذا ليس بمراد البخاري ، وإنما مراده رحمه الله هو تأول عمر في تكفيره لحاطب رضي الله عنهما ، وقد بين ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح - (ج 19 / ص 393)حيث قال :
تَقَدَّمَ فِي " بَاب كُلّ مَنْ أَكْفَرَ أَخَاهُ بِغَيْرِ تَأْوِيل " مِنْ كِتَاب الْأَدَب وَفِي الْبَاب الَّذِي يَلِيه كُلّ مَنْ لَمْ يَرَ إِكْفَار مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا وَبَيَان الْمُرَاد بِذَلِكَ ، وَالْحَاصِل أَنَّ مَنْ أَكْفَرَ الْمُسْلِم نُظِرَ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَأْوِيل اِسْتَحَقَّ الذَّمَّ وَرُبَّمَا كَانَ هُوَ الْكَافِر . وَإِنْ كَانَ بِتَأْوِيلٍ نُظِرَ إِنْ كَانَ غَيْر سَائِغ اِسْتَحَقَّ الذَّمّ أَيْضًا وَلَا يَصِل إِلَى الْكُفْر بَلْ يُبَيَّن لَهُ وَجْه خَطَئِهِ وَيُزْجَر بِمَا يَلِيقُ بِهِ . وَلَا يَلْتَحِق بِالْأَوَّلِ عِنْد الْجُمْهُور ، وَإِنْ كَانَ بِتَأْوِيلٍ سَائِغ لَمْ يَسْتَحِقّ الذَّمّ بَلْ تُقَام عَلَيْهِ الْحُجَّة حَتَّى يَرْجِع إِلَى الصَّوَاب قَالَ الْعُلَمَاء كُلُّ مُتَأَوِّلٍ مَعْذُورٌ بِتَأْوِيلِهِ لَيْسَ بِآثِمٍ إِذَا كَانَ تَأْوِيله سَائِغًا فِي لِسَان الْعَرَب وَكَانَ لَهُ وَجْه فِي الْعِلْم .وَذَكَرَ هُنَا أَرْبَعَة أَحَادِيث .

وللبحث بقية إن شاء الله

رشيد الحضرمي
2008-03-31, 11:09 PM
أحسنت أخي مطيع فكلامك يوافق ماذكرتُ من أن التأويل في جانب عمر ررر لا حاطب ررر ، ولو قلنا التأويل في جانب حاطب ررر فإنه تأويل في فعل الكبيرة لا الكفر .
فإذا قلنا أن تبويب البخاري رحمه الله إنما المراد به عمر ررر فإن في هذا إشارة إلى أن البخاري يرى أن فعل حاطب ررر ليس كفراً ـ كلامي يحتمل الصواب والخطأ ـ .
أخي مطيع أين مرجع الكلام الذي ذكرته بارك الله فيك وأظن أن هذا من كلام شيخنا أبي مجاهد صالح باكرمان .

طارق منينة
2008-03-31, 11:35 PM
لم اقرا الموضوع لكن قبل ان اقبل الان علي قراءته احب ان اذكر ماعلق في قلبي وتمكن من كلام شيخ الاسلام بن تيمية اذا قال في المسالة ان حسنة كبيرة محت سيئة كبيرة
فهذا ميزان عظيم لاتجه الا في الاسلام

ابو عمر السلفي
2008-04-01, 12:03 AM
بارك الله لنا في أخينا مطيع فقد أحسن في تفنيد بعض الشبهات التي يستدل بها المخالف
ومنها :
1- قولهم أن ابن حجر يقول أن حاطب رضي الله عنه تأول فمنع عنه الحكم بالكفر وهذا باطل وقد ابانه الأخ مطيع خير بيان .
2- نسبة القول بكفر الجاسوس لابن القاسم وسحنون .

وأضيف شبهة لأبي بصير هداه الله أو كفى المسلمين شر نشر أفكاره
وهي قوله:


وكذلك فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل المرأة التي حملت كتاب حاطب إلى كفار قريش عام الفتح، ومن دون أن تُستتاب.
كما في الحديث عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم فتح مكة، أمَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر، وامرأتين [5].
من هاتين المرأتين هذه المرأة التي حملت رسالة حاطب إلى كفار قريش، واسمها سارة.
قال البوصيري في الإتحاف (5/92):
وروى الحاكم والبيهقي في سننه واللفظ له من طريق ابن إسحاق قال: "إنما أمر بابن أبي شرح لأنه كان قد أسلم و كان يكتب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوحي فرجع مشركًا، ولحق بمكة، وإنما أمر بعبد اللّه بن خطل لأنه كان مسلما فبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
مصدقًا وبحث معه رجلا من الأنصار، وكان معه مولى يخدمه وكان مسلما، فنزل منزلا فأمر المولى أن يذبح تيسًا ويصنع له طعامًا ونام فاستيقظ ولم يصنع له شيئًا، فعدا عليه فقتله، ثم ارتد مشركا وكانت له قينة وصاحبتها فكانتا تغنيان بهجاء رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فأمر بقتلهما" انتهى.
وأما المرأتان، فقال سيدنا وشيخنا أبو الفضل شيخ الإسلام قاضي القضاة البلقيني- رحمه اللّه-: فهما القينتان، قتلت إحداهما بمكة يوم الفتح وهي أرنب، وتدعى قريبة، والأخرى استؤمن لها فآمنت وعاشت دهرًا، واسمها فرتنا، ويقال: قرتنا.

[4613/1] قال أبو بكر بن أبي شيبة : وثنا إسحاق بن منصور، عن الحكم بن عبد الملك عن قتادة، عن أنس- رضي اللّه عنه- قال: "لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة أمن الناس إلا أربعة".

[4613/2] رواه الحارث بن محمد بن أبي أسامة : ثنا أبو سلمة، أبنا مالك، عن الزهري، عن أنس "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعليه المغفر، قال: فقيل: يا رسول الله، ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال: اقتلوه. قال أبو سلمة: ابن خطل يقال له: عبد اللّه بن خطل، كانت له جاريتان تغنيان بهجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للناس (كلهم) الأمان إلا ابن خطل (و قينتيه) وعبد اللّه بن سعد بن أبي شرح ومقياس بن صبابة الليثي فإنه لم يجعل لهم الأمان، فقتلوا كلهم إلا إحدى (القينتين) فإنها أسلمت ".

قال البغوي عند تفسير سورة النصر :
وعبد الله بن خَطَل، كان رجلا من بني تميم بن غالب.............
وكانت له قَيْنَتَان تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بقتلهما معه.والحُوَيْرث بن [نُقَيْذ] بن وهب، كان ممن يؤذيه بمكة.
ومِقْيَس بن صبابة، وإنما أمر بقتله، لقتله الأنصاري الذي قتل أخاه خطأ ورجوعه إلى قريش مرتدًا.
وسارة؛ مولاة كانت لبعض بني المطلب كانت ممن يؤذية بمكة.اهـ

طارق منينة
2008-04-01, 12:34 AM
تكلم بن تيمية عن ابن الاخطل وفينتيه- واشباهه-احسن كلام واحكمه في كتابه الصارم المسلول وبتفصيل مفيد جدا ينفع في الرد علي النصاري ومنهم ناهد متولي في برنامج البالتوك
وكنت في الماضي قد جمعت كل هذه الاقوال من الصارم وان شاء الله ان توفر وقت اضعه لكم

مطيع باكرمان
2008-04-01, 09:57 AM
أخي الكريم ( رشيد الحضرمي ) لما تبين لنا أن الحافظ ابن حجر لا يرى أن فعل حاطب رضي الله عنه كفر كان لزاماً علينا حمل كلامه على أنه يراه أنه معصية .
تكملة الرد على ( أبي زكريا المهاجر ) :
( 4 ) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بعدما ذكر حديث حاطب وقصته وهذه القصة مما اتفق أهل العلم على صحتها وهي متواترة عندهم معروفة عند علماء التفسير وعلماء الحديث وعلماء الـمغازي والسير والتواريخ وعلماء الفقه وغير هؤلاء ، وكان علي رضي الله عنه يحدث بهذا الحديث في خلافته بعد الفتنة وروى عنه كاتبه عبد الله بن أبي رافع ليبين لهم أن السابقين مغفور لهم ولو جرى منهم ما جرى .اهـ
فعقبت عليه بقولك : ففرق بين أن نحكم على شخص بالكفر ، وبين أن نقول فلان وقع فى الكفر ففى الحالة الأولى ننزل الحكم على الشخص نفسه وفى الثانية لايلزم ذلك لاحتمال وجود مانع من موانع التكفير ، وهذا ما وقع من حاطب كفر على الصحيح كما تقدم لكنه معذور بالتأويل فتأمل هذا جيدا .
يا أخي هل يعقل أن علياً رضي الله عنه يقول بأن السابقين من الصحابة مغفور لهم ولو جرى منهم ما جرى : ولو كان كفراً ؟! سبحان الله !! كيف وقد قال الله عزل وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ) .
إن استشهاد علي رضي الله عنه بقصة حاطب رضي الله عنه على أن السابقين مغفور لهم وذلك فيما دون الكفر بسبب سابقتهم في الإسلام ، ولو لم يتوبوا من ذلك الذنب فإن الحسنات الكبيرة تمحو تلك السيئة .
( 5) قول شيخك أبي بصير وفقه الله : ( لم يكن يعلم - أو يظن - أن هذا الذي فعله يمكن أن يرقى إلى درجة الكفر والخروج من الإسلام، أو أنه يضر في إيمانه، ولم يكن يقصد به الغش والغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم )اهـ .
هل هذه حجة لمنع الكفر على الشخص إذا كان فعله كفراً بذاته ؟! هل إذا فعل المرء الكفر وكان لا يعتقد أنه سيضر في إيمانه فإن هذا الظن يكون له اعتبار ؟ ! فكلامك يشير إلى اشتراط قصد الكفر عند فعل المكفر لكي يكون الشخص كافراً ، من قال بهذا القول ؟! فلو أن شخصاً سب الله عز وجل – تعالى الله – أو أهان المصحف – رفعه الله – أو قام بأي فعل هو كفر بذاته وكان قاصداً لذلك الفعل ، ثم قال ظننت أن ذلك لا يضر في إيماني ولم أقصد به الغش للمسلمين فهل يعتد بذلك العذر ؟! أم أنك تفتح باب الإرجاء على مصراعيه في الوقت الذي تتهم كل من خالفك بالإرجاء ، بل وأسقطت كبار العلماء متهماً إياهم بالعمالة والخيانة وبأنهم علماء السلطة ! إن الإنصاف عزيز .
( 6 ) قول شيخك : علم النبي صلى الله عليه وسلم - عن طريق الوحي - بسلامة قصد وباطن حاطب، لذلك قال صلى الله عليه وسلم: (قد صدقكم)، وهذه ليست لأحدٍ بعد الرسول صلى الله عليه وسلم .
أقول : وقد علم النبي صلى الله عليه وسلك كذب وكفر المنافقين فلماذا لم يقتلهم ؟ إن الذي ذكرته ليس بعلة في منع إقامة الحدود بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الظاهر، وإلا لفتحت الباب على مصراعيه لحكام الجور والظلم !!
( 7 ) قال شيخك وفقه الله : قلت: قول الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلم "أراك تحابي ابن عمتك!"؛ هو كفر أكبر، وطعن بحكم النبي صلى الله عليه وسلم، والذي حمل النبي صلى الله عليه وسلم على إقالة عثرته علمه صلى الله عليه وسلم بسلامة قصده وباطنه، وأن الذي صدر منه هو عبارة عن فلتة وزلة، وهذه ليست لأحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
يا أخي إن ما صدر من ذلك الرجل هو كفر وردة وقد كفر بذلك ونزل القرآن في شأنه : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكوك فيما شجر بينهم ) أما لماذا لم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فالجواب على ذلك : أن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتنازل عن حقه ، وقد بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه كما في الصارم المسلول .
وليس لأحد بعد عليه الصلاة والسلام أن يتنازل عن حق النبي صلى الله عليه وسلم .
( 8 ) أما قولك : ما قولك فى من استحلوا شرب الخمر من الصحابة متأولين ؟؟؟؟؟؟؟؟
هل لم يقعوا فى الكفر .
فأقول هذه قاصمة الظهر إن شاء الله ، فتمعن لما أقول لك :
إن هؤلاء الصحابة الذين استحلوا شرب الخمر وعلى رأسهم قدامة بن مظعون رضي الله عنه قد كان فعلهم ردة وكفربذاته ، وإنما لم يكفروا بسبب تأويلهم ، ولهذا أقام الصحابة عليهم الحجة ، فإن تابوا أقيم عليهم حد الجلد وإن لم يتوبوا قتلوا ردة – حاشاهم – قال ابن تيمية : ألا ترى قدامة بن مظعون ـ و كان بدريا ـ تأول في خلافة عمر ما تأول في استحلال الخمر من قوله تعالى : { ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما طعموا } [ المائدة : 93 ] الآية حتى أجمع رأى عمر و أهل الشورى أن يستتاب هو و أصحابه فإن أقروا بالتحريم جلدوا و إن لم يقروا به كفروا ..."اهـ الصارم المسلول .
وفي الختام أسألك بعض الأسئلة لعلها أن توضح المقام وتجعل الأمر جلياً :
إذا كان فعل حاطب رضي الله عنه كفر بذاته بدون استفصال من فاعله – تنزلا – ولكن حاطب لم يكفر لأنه كان متأولاً :
فهل أقام النبي صلى الله عليه وسلم عليه الحجة أن هذا الفعل كفر أو لا ؟
إذا كان الجواب ( نعم ) .
فهل تاب حاطب من ذلك الفعل أو لا ؟
إذا كان الجواب ( نعم ) .
أليست توبته هي التي كفرت ذنبه ؟!
إذا كان الجواب ( نعم ) .
فما فائدة إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأنه قد غفر ذنبه مسبقاً لأنه من أهل بدر ( لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) ، ولما كانت هناك مزية لهم على غيرهم فكل مسلم إذا تاب من الكفر تاب الله عليه ، وبهذا أبطلنا الحديث تماماً ، فإن قلت إن حسنة بدر هي التي كفرت ذنبه فهل الحسنات تكفر الكفر ولو لم يتب منه ؟!!
وللحديث بقية إن شاء الله

مطيع باكرمان
2008-04-03, 02:06 PM
أود من الإخوة الأعضاء أو المشرفين ومن لديه أي تعقيب أن يتفضل به لتتم به الفائدة

مطيع باكرمان
2008-04-04, 05:03 PM
أخي أبا زكريا المهاجر لو أردت أن تستمر في المناقشة العلمية فأود إشعاري بذلك أو أي أحد يريد الدخول في الحوار للفائدة وجزاكم الله خيراً

أبوزكرياالمهاجر
2008-04-04, 06:10 PM
أخى الكريم مطيع بارك الله فيك
أقول مختصرا لضيق الوقت يعلم الله
أولا : هب أن مذهب سحنون وابن القاسم هوعدم اكفار الجاسوس فكان ماذا؟!!
هل المسئلة إجماعية؟؟؟؟؟؟؟
قد علمت أن طائفة من أهل العلم قد حكموا على الجاسوس بالكفر ومن اخرهم الشيخ ابن باز
ثم انك لم تجب على اعتراضى الاساسى وهو مخالفة شيخك للإجماع حين قال:
، غير أن شُذَّاذاً من الناس اليوم أخذوا يفسرون الحديث على غير تفسيره ، ويؤولونه على غير تأويله ؛ ليطّرد مسلكهم و أصلهم الذي أصلوه في الموالاة ، وهو أن كل إعانة للكفار على المسلمين كفر مخرج من الملة ، ولو كانت إعانة من أجل الدنيا ممن هو في صف المؤمنين
أما الإجماع فقد حكاه غيرواحد من العلماء فمن ذلك:
1) ما قاله العلامة ابن حزم رحمه الله في "المحلى" [11/138]: (صح أن قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين).

2) وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمهم الله [الدرر: 8/326] - بعد كلام له عن وجوب معاداة الكفار والبراءة منهم - : (فكيف بمن أعانهم، أو جرهم على بلاد أهل الإسلام، أو أثنى عليهم، أو فضلهم بالعدل على أهل الإسلام، واختار ديارهم ومساكنتهم وولايتهم وأحب ظهورهم، فإن هذا ردة صريحة بالاتفاق [11]، قال الله تعالى: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين}).

3) وقال الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله [الدرر: 15/479]: (وأما التولي؛ فهو إكرامهم، والثناء عليهم، والنصرة لهم والمعاونة على المسلمين، والمعاشرة، وعدم البراءة منهم ظاهراً، فهذا ردة من فاعله، يجب أن تجرى عليه أحكام المرتدين، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة المقتدى بهم).

4) وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في "فتاواه" [1/274]: (وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم، كما قال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51].

فما ردك أخى الكريم ؟؟؟؟؟
على أنه فى كلامك السابق نظر كبير وتخليط قد ابينه فى وقت لاحق

أبوزكرياالمهاجر
2008-04-04, 06:23 PM
من الشبه الساقطة التي لبس بها بعضهم على المسلمين قولهم؛ (إن إعانة الكفار على المسلمين على قسمين، الأول؛ كفر: وهو مظاهرة الكفار على المسلمين من أجل كفر الكافرين وإسلام المسلمين، الثاني؛ مباح، بل مأمور به: وهو مساعدة الكافر إذا ظلمه مسلم للوصول للعدل).


* * *

والجواب على هذه الشبهة الساقطة من وجوه:

الوجه الأول؛ أن هذا التقسيم من كيس القائل، وليس له سلف فيه، والله المستعان.

الوجه الثاني؛ أن المفتي عندما يفتي العامة إنما ينزل النصوص على الواقع وهو ما يسمى بـ "تحقيق المناط"، وليست وظيفته وضع تقسيمات تزيد العامة حيرة، لذلك كان المطلوب هو الكلام عن المسألة المسئول عنها، وهو بيان حكم الدخول في تحالف الكفار ضد المسلمين الأفغان، لا الإحالة على تقسيم لم يسبق إليه.

الوجه الثالث؛ أن يقال: لو أن أحداً سئل عن الذبح لغير الله؟، فقال: هو على قسمين:

الأول؛ إن كان يقصد بذلك عبادة غير الله بهذا الذبح، فهو كفر.

والثاني؛ إن كان يقصد بذلك غير العبادة، فهو مباح.

ولو قسم السجود للصنم، ودعاء الأوثان، وغيرها من النواقض العملية أو القولية، إلى هذين القسمين أيضاً، لما كان بينه وبين هذا التقسيم المخترع فرق، مع بطلان الجميع، فإن هذه الفعلين - الذبح لغير الله ونحوه، ومظاهرة الكفار على المسلمين - كفر بمجرد وقوعها من الفاعل.

وقد ذكرني هذا التقسيم تقسيمات علماء القبورية المخترعة الذين ابتلي بهم أئمة الدعوة النجدية رحمهم الله تعالى.

الوجه الرابع؛ أنه ذكر هذين القسمين للمظاهرة، وترك أساس المسألة وهي "مظاهرة الكفار على المسلمين رغبة أو رهبة أو نحو ذلك"، فأصل المظاهرة والتي وردت الأدلة عليها هذا القسم الذي لم يذكره، كما قال تعالى في آية المظاهرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ}، فذكر الله سبحانه أن سبب مظاهرة هؤلاء للكفار هو أنهم يخشون الدائرة، ولم يذكر أن ذلك لأجل كفرهم.

ثم إن صاحب هذا التقسيم لم يترك الأصل في هذه المسألة فقط ولم يذكره، بل وذكر قسمين باطلين ليسا من "المظاهرة في شيء" كما يتبين في:

الوجه الخامس؛ وهو أن كلا القسمين باطلان، وبيان ذلك كما يلي:

أما القسم الأول؛ فإنه جعل المظاهرة المكفّرة هي التي تكون لأجل كفر الكافر وإسلام المسلم، وبطلانه من وجوه:

الوجه الأول؛ أن الرغبة في الكافر لأجل كفره كفر ولو لم يتكلم أو يفعل شيئاً، وإنما يقول بمثل هذا القول غلاة المرجئة الذين يردون المكفرات العملية أو القولية إلى "الاعتقاد".

الوجه الثاني؛ أن هذا خلاف النصوص المستفيضة، وقد سبق ذكرها، فإنها لم تعلق الكفر إلا باتخاذهم أولياء، فوجود "التولي" يقتضي وجود الكفر، فإن كان الذي تولاهم إنما تولاهم لأجل كفرهم فهو كفر مركّب أساسه محبة الكفار لا مظاهرتهم، وقد سبق ذكر النصوص وأقوال العلماء عليها في المبحث الأول فراجعه.

الوجه الثالث؛ أن هذا أيضاً خلاف الثابت من الحوادث التاريخية التي أفتى فيها علماء الإسلام، فإنه لا يوجد أحد ممن ظاهر المشركين على المسلمين ظاهرهم لأجل دينهم، بل إما أن يظاهرهم خوفاً منهم، أو رغبة في رئاسة، أو طمعاً في مال، ونحو ذلك، ومع ذلك أفتى علماء الإسلام بكفر أولئك، وتأمل في حال المسلمين الذين خرجوا مع المشركين بالإكراه في "بدر" وكيف أبيح للمسلمين قتلهم، واختلف أهل العلم في تكفيرهم مع وجود الإكراه - كما سبق تفصيله - وانظر إلى كلام شيخ الإسلام رحمه الله فيمن ظاهر التتار على المسلمين حيث أفتى بردته ولو ادعى الإكراه كما في "الفتاوى" [28/539]، وكما ذكره عنه في "الفروع" [9/163]، وانظر في كلام الشيخين سليمان آل الشيخ وحمد بن عتيق في من ظاهر المشركين وهو يبغضهم ويحب المسلمين!

الوجه الرابع؛ أن أهل العلم جعلوا مظاهرة الكفار على المسلمين كفراً بمجردها - ولم يشترطوا فيها أن تكون من أجل كفر الكافر - وقد سبق نقل هذا، بل ونص بعضهم على أنه يكفر ولو كان محباً للمسلمين مبغضاً للمشركين، ومن ذلك:

قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله [الدرر: 10/8]: (واعلموا أن الأدلة على تكفير المسلم الصالح؛ إذا أشرك بالله، أو صار مع المشركين على الموحدين - ولو لم يشرك - أكثر من أن تحصر، من كلام الله، وكلام رسوله، وكلام أهل العلم كلهم).

قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ [8/396]: (والمرء قد يكره الشرك، ويحب التوحيد، لكن يأتيه الخلل من جهة عدم البراءة من أهل الشرك، وترك موالاة أهل التوحيد ونصرتهم، فيكون متبعاً لهواه، داخلاً من الشرك في شعبٍ تهدم دينه وما بناه، تاركاً من التوحيد أصولاً وشعباً، لا يستقيم معها إيمانه الذي ارتضاه، فلا يحب ويبغض لله، ولا يعادي ولا يوالي لجلال من أنشأه وسوّاه، وكل هذا يؤخذ من شهادة: أن لا إله إلا الله).

وقال الشيخ حمد بن عتيق في "الدفاع عن أهل السنة والاتباع" [ص: 31]: (إن مظاهرة المشركين، ودلالتهم على عورات المسلمين، أو الذب عنهم بلسان، أو رضي بما هم عليه، كل هذه مكفرات، فمن صدرت منه - من غير الإكراه المذكور - فهو مرتد، وإن كان مع ذلك يبغض الكفار ويحب المسلمين).

وأما بطلان القسم الثاني؛ وهو قوله: (أن مساعدة الكافر إذا ظلمه مسلم للوصول للعدل مباح بل مأمور به)، فمن وجوه أيضاً...

الوجه الأول؛ أن مساعدة المسلم للكافر "المعاهد" أو "الذمي" في رفع مظلمته - بالشرع الإسلامي - أمر مشروع، ولكن هذا الأمر لا يسميه أحد من أهل العلم مظاهرة للكفار أو مناصرة لهم، ولا يذكر بهذا الوصف مطلقاً، فمن جعل مثل هذا مظاهرة للكفار فهو من أجهل الناس.

الوجه الثاني؛ أن الكافر الذمي أو المعاهد إذا ظلمه مسلم، فإن الذي ينصفه ويأخذ حقه هم المسلمون، وليس له أن يأخذه بنفسه أو بمساعدة الكفار من جنسه، فمنزلته التي أنزله الله تعالى فيها الذلة والصغار، ولو مكّن من أخذ حقه لكان له على المؤمنين سبيل، والله تعالى قد حكم بخلاف ذلك.

الوجه الثالث؛ أن يقال: قولك "الوصول للعدل" ما المراد به؟

إن قلت: أقصد به الشرع، فهذا صحيح، ولكن هذا ليس مقصوداً لأصحاب هذه الحملة الصليبية، ولا من يظاهرهم، بل هم يصرحون ويصرخون بملء أفواههم بأنهم يريدون محاكمته في "أمريكا".

وإن قلت: المراد به "محكمة أمريكا" - وهي التي يطالبون بتقديم المسلمين المتهمين لها -

قلنا: هذا القول كفر وردة عن دين الإسلام، من ثلاثة وجوه:

الأول؛ وصف حكم الطاغوت "القانون الأمريكي" بـ "العدل" - بإطلاق -

قال صديق حسن خان رحمه الله في "العبرة فيما ورد في الغزو والشهادة والهجرة" [ص: 249]: (وأما قوله: إنهم أهل عدل، فإن أراد أن الأمور الكفرية التي منها "أحكامهم القانونية" عدل، فهو كفر بواح صراح، فقد ذمها الله سبحانه وشنّع عليها، وسماها عتواً وعناداً وطغياناً وإفكاً وإثماً مبيناً وخسراناً مبيناً وبهتاناً، والعدل؛ إنما هو شريعة الله التي حواها كتابه الكريم، وسنة نبيه الرؤوف الرحيم، فقال تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ} [النحل: من الآية 90]، فلو كانت أحكام النصارى عدلاً لكان مأموراً بها).

الثاني؛ جعل تحاكم المسلم لذلك الطاغوت مباحاً بل مأموراً به، فجعل الكفر مأموراً به، وهذا من استحلال المحرمات، بل من استحلال المكفّرات!

الثالث؛ إباحة مظاهرة الكفار على المسلمين من أجل تقديمهم لمحاكمة الطاغوت.

وقد ذكر شيخ الإسلام كما في "الاختيارات" [ص: 165] من نواقض الإسلام: (من توهم أن أحداً من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم قاتل مع الكفار، أو أجاز ذلك).

فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

أبوزكرياالمهاجر
2008-04-04, 08:03 PM
أنه لا يحتج مبطل على باطله بدليل من الكتاب أو السنة إلا وكان في ذلك الدليل ما ينقض باطله ويبين فساده - كما ذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله - وسأذكر ما يدل على نقيض مرادهم من هذا الدليل نفسه، ويتبين هذا من وجوه...

الوجه الأول؛ أن هذا الدليل من أصرح الأدلة على كفر المظاهر وارتداده عن دين الإسلام، وهذا يظهر من ثلاثة أمور في هذا الحديث:

الأمر الأول؛ قول عمر في هذا الحديث: (دعني أضرب هذا المنافق)، وفي رواية: (فقد كفر)، وفي رواية: بعد أن قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أو ليس قد شهد بدراً؟)، قال عمر: (بلى، ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك).

فهذا يدل على أن المتقرر عند عمر رضي الله عنه والصحابة؛ أن مظاهرة الكفار وإعانتهم كفر وردة عن الإسلام، ولم يقل هذا الكلام إلا لما رأى أمراً ظاهره الكفر.

الأمر الثاني؛ إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لما فهمه عمر، ولم ينكر عليه تكفيره إياه، وإنما ذكر عذر حاطب.

الأمر الثالث؛ أن حاطباً رضي الله عنه قال: (وما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام)، وهذا يدل على أنه قد تقرّر لديه أيضاً أن مظاهرة الكفار كفر وردة ورضا بالكفر، وإنما ذكر حقيقة فعله.

الوجه الثاني؛ أن حاطباً رضي الله عنه إنما أعان الرسول صلى الله عليه وسلم على أعدائه، وناصره بنفسه، وماله، ولسانه، ورأيه، في جميع غزواته، وشهد معه بدراً، والحديبية، وأهلها في الجنة قطعاً، وأعان الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة أيضاً؛ فقد خرج فيها غازياً مع المسلمين بنفسه وماله لحرب المشركين، ولم تقع منه مناصرة للكفار على المسلمين مطلقاً، لا بنفس، ولا مال، ولا لسان، ولا رأي، وله من السوابق ما عرفه كل مطلع.

ومع هذا كله؛ فإنه لما كاتب المشركين يخبرهم بخروج النبي صلى الله عليه وسلم - ولم يكن ذلك منه مظاهرة لهم ولا مناصرة، لأنه سيقاتلهم بنفسه مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تيقن من الانتصار - فقد اتهمه عمر بالنفاق، وسأله الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ونفى هو عن نفسه الكفر والردة، ونزل فيه قرآناً يتلى إلى يوم القيامة وهو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ... الآيات} [الممتحنة: 1].

وهذا من أعظم الدلائل؛ على أن من ناصر الكفار بنفسه أو بماله أو بلسانه أو برأيه ونحو ذلك فقد ارتد عن دين الإسلام، والعياذ بالله.

الوجه الثالث؛ أن رسالة حاطب رضي الله عنه لكفار مكة ليست من المظاهرة والإعانة لهم على المسلمين في شيء.

فقد روى بعض أهل المغازي كما في [الفتح: 7/520] أن لفظ الكتاب: (أما بعد، يا معشر قريش، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءكم بجيش كالليل، يسير كالسيل، فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز له وعده، فانظروا لأنفسكم والسلام).

وليس في هذا ما يفهم منه أنه مظاهرة ومناصرة لهم، بل هو قد عصى الرسول صلى الله عليه وسلم بكتابته لهم، وهي معصية كبيرة كفرتها عنه سوابقه.

الوجه الرابع؛ أن فعل حاطب رضي الله عنه اختلف فيه هل هو كفر أو لا؟

فإن قيل: هو كفر؛ فهذا دليل على أن إفادة الكفار بمثل هذا الأمر اليسير كفر، فهو تنبيه على أن ما فوقه من المناصرة بالنفس أو المال أو غير ذلك كفر من باب أولى.

وإن قيل: ليس بكفر؛ فإنما يكون هكذا لأنه في حقيقة فعله ليس مناصراً للكفار ولا مظاهراً لهم على المسلمين، ومع هذا فهو بريد للكفر وطريق إليه، مع عدم وجود صورة المناصرة للكفار لما سبق في الوجه الأول، فلا يستدل بهذه الصورة على مسألتنا هذه، ولا تقدح في هذا الأصل.

الوجه الخامس؛ أن حاطباً رضي الله عنه إنما فعل ذلك متأولاً أن كتابه لن يضر المسلمين، وأن الله ناصر دينه ونبيه حتى وإن علم المشركون بمخرجه إليهم، وقد جاء في بعض ألفاظ الحديث أن حاطباً قال معتذراً: (قد علمت أن الله مظهر رسوله ومتم له أمره).

وقد أخرج البخاري رحمه الله قصة حاطب في كتاب "استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، في "باب ما جاء في المتأولين".

وقد قال الحافظ في [الفتح: 8/634]: (وعذر حاطب ما ذكره، فإنه صنع ذلك متأولاً ألاّ ضرر فيه).

ففرق كبير بين ما فعله وهو موقن بأن الكفار لن ينتفعوا من كتابه في حربهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين من ظاهرهم وأعانهم بما ينفعهم في حربهم على الإسلام وأهله!

الوجه السادس؛ أن يقال للمستدل بهذا الحديث على عدم كفر المظاهر؛ هل هذا الحديث يدل على أن جميع صور مظاهرة الكفار ومناصرتهم ليست كفراً وردة؟

فإن قال: نعم! فقد خرق الإجماع، ولا سلف له، فلا كلام معه.

وإن قال: لا.

فيقال: فما الصور التي يكفر بها المظاهر للكفار؟

فأي صورة يذكرها يقدح فيها بحديث حاطب هذا، وأي جواب له على هذا القدح، فهو جوابنا عليه هنا.

أبو محمد المأربي
2017-03-21, 01:08 AM
بارك الله فيكم، أحببت نقل بعض ما ورد في بعض الرسائل حول القصة للأهمية:


[يتبيَّن مما سياق الروايات مسائل كثيرة، من أهمها المسائل الآتية:

المسألة الأولى: حاطب ورؤيته لكتابه إلى قريش

1- كان حاطب ÷غريبًا حليفًا في قريش ولم يكن من أنفُسها.
2- للمهاجرين قرابات يدفع الله بها عن أهليهم وأموالهم بخلاف حاطب.
3- كان له بمكة بنين وأم وإخوة ومال خاف عليهم فأراد الدفع عنهم بالكتابة إلى قريش ببعض أمر رسول الله×.

4- ظنَّ تحقيق الكتاب لما كُتِب من أجله وهو حماية الأهل من عادية قريش.

5- علم أنّ الكتاب لا يضرّ الله ورسوله والمؤمنين، وأن الله مظهرٌ رسوله ومتممٌ له أمره.

6- أخفى الكتاب عن رسول الله ودفعه إلى المرأة المتجهة إلى مكة.

7- اعترف به عند المحاكمة ولم ينكر خلافًا لعادة المنافقين.

8- نفى أن يكون الكتاب صادرًا عن شكٍّ في الإسلام، ورضًا بالكفر، منذ أسلم لربِّ العباد، بل صدر عن إرادة الذّبِّ عن الأهل والقرابة المخوف عليهم ليس إلا.

9- ادعى النصح لله ولرسوله والمؤمنين، وعدم الغش والنفاق في الدين.



المسألة الثانية: ما يستفاد من رؤية حاطب لكتابه هذا

رؤية حاطب ÷ لكتابه وتصوّره مما يساعد على فهم القضية بحقيقتها؛ ولهذا نستخلص من هذا التصوير ما يلي:

1- سياق الحديث يعطي أن حاطبًا÷ لم يقصد المعنى المكفِّر، الذي هو نصرة الكفار على أهل الإسلام؛ فلم يوجد المُقتَضِي للتكفير لقيام مانع السبب، لكن يبقى النظر في دلالة الفعل على المعنى الكفري.

2- الكتاب إذا كان صادرًا عن هذا القصد، واحتمل الفعلُ لما ادَّعاه، ينبغي إعذاره بناء على قاعدة الاستفصال عند قيام الاحتمال المعتبر في أفعال المكلفين وأقوالهم.

قال أبو العباس القرطبي:>إنما تأوّل فيما فعل من ذلك: أن اطلاع قريش على بعض أمر رسول الله× لا يضرُّ رسول الله، وحسَّن له هذا التأويلَ: تعلُّق خاطره بأهله وولده إذ هم قطعة من كبده<([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).

3- ظنَّ أن الكتاب لا يضرّ المسلمين شيئا، وأنه يحقّق مصلحة الدفع عن المخوف عليهم في دار الحرب. ولا غرابة في أن يؤثِّر هذا الظنّ في حكم صاحبه.
قال الإمام الجصّاص (370هـ):>ظاهر ما فعله حاطب لا يوجب الردة؛ وذلك لأنّه ظنّ أن ذلك جائز له ليدفع عن ولده وماله كما يدفع عن نفسه بمثله عند التقية ويستبيح إظهار كلمة الكفر، ومثل هذا الظن إذا صدر عنه الكتاب الذي كتبه فإنه لا يوجب الإكفار<([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).

أقول: لأن هذا الظن يقتضي عدم القصد للمعنى الكفريّ >نصرة الكفار<، وإذا انتفى، بقي النظر في دلالة الفعل على المعنى، وإذا احتمل اعتبر قصدُ الفاعل، وقرائن الأحوال.

المسألة الثالثة: قبول النبي × لعذر حاطب ÷
تبيّن أن النبي × أخبر الصحابة ~ بعد المحاكمة أن حاطبًا صدق فيما ادّعى، وأنَّ الدّعوى مطابقة لنفس الأمر؛ ومن ثَمَّ لا يقال له إلا خيرًا لأنّه:>صدق<؛ فوجب إحسان الظنّ به، كما لا ينبغي أن يُرتاب في أنّ تصديق النبي× له راجع إلى جميع المـُدَّعَى؛ إذ ظاهر قوله ×:>صدق حاطب< يعني الصدق في جميع ما ادّعاه من الأهل المخوف عليهم، وانتفاء الضرر، وعدم الارتياب في الدين، والغش والنفاق ...

ويظهر أنَّ الله جلَّ ذِكرُه أنقذ حاطب ÷ من هذه العثرة بالصدق، وإن أخطأ في التأويل، كما نَجَّا هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، وكعب بن مالك ^ بالصدق عند تخلّفهم من غزوة تبوك، فقيل لكعبٍ بعد التحقيق:>أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك<([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)) وهو مثل ما قيل لحاطب÷ بعد التحقيق والمحاكمة!!
قال الإمام ابن القيم (751هـ)‘:>وقول النبي × لكعب:>أما هذا فقد صدق< دليل ظاهر في التمسك بمفهوم اللقب عند قيام قرينة تقتضي تخصيص المذكور بالحكم كقوله تعالى: «وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين* ففهمناها سليمان» الأنبياء:78-79)، وقوله ×:>جعلت لي الأرض مسجدًا وتربتها طهورًا< وقوله في هذا الحديث:>أما هذا فقد صدق< وهذا مما لا يشك السامع أن المتكلم قصد تخصيصه بالحكم<([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).

وقال الحافظ (852هـ)‘: >يشعر بأن سواه كذب، لكن ليس على عمومه في كل أحد سواه؛ لأن مرارة وهلالًا أيضًا صدقا، فيختص الكذب بمن حلف واعتذر لا بمن اعترف<([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
والجامع بين هؤلاء الصدقُ في الدعوى، وانتفاءُ القصد، وإن شابه الصنيعُ صنيعَ المنافقين.
والفارق بينهم: أنّ أهل تبوك صدقوا في قولهم: ألّا عذر لنا في التخلّف عن الغزو؛ فقيل لهم: قوموا حتى يقضي الله فيكم. وأما حاطب فصدق في ما اعتذر به؛ فاختلف الحكم لاختلاف المناط؛ فحاطب ÷ صادق في وجود العذر والتأويل، وهم صدقوا في انتفاء العذر المانع من الخروج مع النبي ×.
والتفريق بين تصديق النبي × لكعب >أما هذا فقد صدق<، وبين تصديقه لحاطب >إن هذا قد صدق< خطأ ظاهر وخروج عن الدليل من غير ضرورة.
والصواب: أن مناط الحكم في الفريقين: الصدق في الدعوى، وتصديق النَّبيِّ ﷺ لهم.
المسألة الرابعة: رؤية عمر لصنيع حاطب والحكم عليه بالنفاق
بعد تلخيص تصوّر حاطب ÷ لحقيقة كتابه ينبغي ذكر رؤية عمر ÷ وهي بادية جدًّا من السياق فما إن انتهى حاطب من ذكر الباعث على الكتابة حتى بادر عمر إلى القول:
>دعني أضرب عنقه فإنه قد نافق<
>إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني أضرب عنقه<
>قد نكث وظاهر أعداءك عليك<
>أمكنِّي من حاطب فإنه قد كفر فأضرب عنقه<
>ائذن لي يا رسول الله في قتل حاطب<!.
لم يشكّ عمر÷ في أنَّ صورة الفعل تدلّ على النفاق، وإرادة نصر أعداء الله، فربط حكم الفعل بالفاعل، لكن استأذن في القتل؛ لئلا يفتات على النّبيّ ×!
ولا غرابة في الاستدلال بظاهر الأفعال على ما في الضمائر من إيمان وكفر للتلازم بينهما، والحكم بالظاهر وترك السرائر لعلام الغيوب.
نعم، تقدير عمر ÷ متّجه؛ لأنّ وصول الرسالة إلى العدوّ فيه مضرة للمسلمين ومنفعة للكفار، وإذا انتفى ذلك بالفعل لعدم الوصول، فهو أيضا دالّ على إرادة نصرة الكفار، وهي كفر بمجردها؛ لأن إرادة الكفر كفر.
وهنا يتضح لك وجه التحقيق البالغ من النبي ﷺ مع حاطب ومطالبة عمر بقتله مرتين كما في الحديث.

كيف وقد جرى لهذا الاستدلال والتصوّر شواهد ونظائر؟

ومن أقرب الأمثلة لقضية عمر:

1- اتهام المدافع عن المنافقين بالنفاق فضلًا عمن انحاز إليهم حقيقة؛ قال أسيد بن حضير لسعد بن عبادة^:>إنك منافق تجادل عن المنافقين<وفي رواية:>إنك يا ابن عبادة منافق تحبُّ المنافقين<([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
وجه الدليل: أخبر أنه يجادل عن المنافقين، وهو تصريح بأنه عرف المنافقين بشاهد الإفك، أو بغيره من الأمارات، وإلا لقيل له: من أين عرفتَ المنافقين حتى تحكم على المجادل عنهم بالنفاق؟

ومن جهة أخرى: استدلَّ بالمنافحة على نفاق المدافع وحبّه لهم فكيف بالمكاتبة إلى الكفرة الحربيين؟
2- الحكم على مالك بن الدخشم ÷ بالنفاق:>ذلك منافق لا يحب الله ورسوله فقال رسول الله ×:>لا تقل ذلك أما سمعته يقول: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله؟< فقال: الله ورسوله أعلم؛ فإنا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين<>ذلك كهف المنافقين<>أهل النفاق وملجؤهم الذين يلجئون إليه ومعقلهم<([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
وجه الاستدلال: أخبر المتكلِّم أنّ مالكاً يناصح المنافقين ويواجههم، وهو يدلُّ على أنه عرف المنافقين، ولولا ذلك لقيل: من أين عرفتَ المنافقين حتى تحكم بأن هؤلاء منافقون، والناصح لهم منافق أيضا، وهو استدلالٌ بالاختصاص، فكيف بالمكاتبة وتقديم الأسرار الحربية إلى الكفار؟ ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).

قال العلامة ابن عاشور (1394هـ) التونسي:>جعل هذا الرجل الانحياز إلى المنافقين علامة على النفاق لولا شهادة الرسول لمالك بالإيمان أي في قلبه مع إظهاره بشهادة لا إله إلا الله<([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).

3- قول معاذ بن جبل÷ للفتى السلمي لما انصرف عن الصلاة بعد الإحرام:>إنه منافق، لأخبرنَّ رسول الله بالذي صنع< وفي رواية:>فقالوا: نافقت يا فلان. فقال: والله ما نافقت، ولآتينَّ النبي ﷺ فأخبره...<([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10)).
وهو دليل على أن هناك أمارات تُعَرِّف بالمنافقين، واستدلال بالانصراف عن صلاة الجماعة بعد الإحرام والإقبال على الدنيا على النفاق، حيث كان من أمارات المنافقين الظاهرة في ذلك العهد.

والمقصود: استدلال الصحابة بأمارات النفاق، وحكم الناس بعضهم على بعض، لا تحقيق النفاق في مالك بن الدخشن وسعد بن عبادة والفتى السلمي ~.
قال العلامة سليمان بن عبد الله (1233هـ) ‘: >ينبغي أن يعرف:أنه لا تلازم بين إطلاق النفاق عليه ظاهراً، وبين كونه منافقا في الباطن، فإذا فعل علامات النفاق جاز تسميته منافقا لمن أراد أن يسمّيه بذلك، وإن لم يكن منافقا في نفس الأمر؛ لأن بعض هذه الأمور قد يفعلها الإنسان مخطئا لا علم عنده، أو لمقصد آخر يخرج به عن كونه منافقا. فمن أطلق عليه النفاق لم ينكر عليه، كما لم ينكر النبي× على أسيد بن الحضير تسمية سعد منافقا مع أنه ليس بمنافق،ومن سكت لم ينكر عليه، بخلاف المذبذب الذي ليس مع المسلمين، ولا مع المشركين فإنه لايكون إلا منافقا...<([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11)).

هذا مما يوضِّح أن لا اعتداء في حكم عمر على حاطب ^ قبل العلم بالحال، بناء على ما ظهر له من أمارة النفاق، والأصل ترتيب الحكم على سببه، ومن رتّبه عليه، ولم يعلم بالمانع فلا ملام عليه؛ لأن الأصل عدم المانع واستقلال السبب بالحكم.

هذا على القول بقيام المقتضي وانتفاء الحكم من أجل المانع، أما إذا قُدِّر انتفاء المقتضي الظاهر فلعمر÷ أن يستند إلى المقتضي الباطن الذي تدل عليه صورة الفعل من إرادة نصرة الكافرين وهي كفر.
يقول الإمام الخطابي (388هـ)‘:>إن عمر لم يكن منه عدوان في هذا القول على ظاهر حكم الدّين؛ إذ كان المنافق هو الذي يظهر نصرة الدين في الظاهر ويبطن نصرة الكفار، وكان هذا الصنيع من حاطب شبيهًا بأفعال المنافقين إلاّ أن رسول× قد أخبر أن الله تعالى قد غفر له ما كان منه من ذلك الصنيع وعفا عنه فزال عنه اسم النفاق<([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)).
وقال الإمام البيهقي (458هـ)‘:>ولم ينكر على عمر ÷ تسميته بذلك إذ كان ما فعل علامة ظاهرة على النفاق وإنما يكفر من كفّر مسلما بغير تأويل<([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13)).

وقال أيضا:>فسماه عمر منافقا، و لم يكن منافقا؛ فقد صدّقه النبي × فيما أخبر عن نفسه، و لم يصر به عمر كافرا؛ لأنه أكفره بالتأويل، وكان ما ذهب إليه عمر يحتمل<([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14)).
وقال الإمام ابن الجوزي (597هـ) ‘:>وهذا لأنه رأى صورة النفاق. ولما احتمل قول عمر، وكان لتأويله مساغ، لم ينكر عليه الرسولﷺ<([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15)).
وقال الإمام القرطبي (656هـ)‘:>أطلق عليه اسمَ النفاق لأن ما صدر منه يشبه فعل المنافقين؛ لأنه والى كفار قريش وباطنهم، وهَمَّ بأن يطلعهم على ما عزم عليه رسول الله من غزوهم<([16] (http://majles.alukah.net/#_ftn16)).

وقال الإمام النووي (676هـ)‘:>وقد قال عمر ÷: دعني أضرب عنق هذا المنافق. فلم ينكر عليه النبي × لما كان فعلُ حاطب يشبه فعل المنافقين..<([17] (http://majles.alukah.net/#_ftn17)).

اتّضح بتقرير أهل العلم أنّ حكم عمر على ظاهر الفعل جارٍ على قواعد الشرع، وليس رعونةً أو قصورًا في الفهم أو تهورًا في الحكم؛ إذ أفهام الناس تختلف في تقدير الأفعال والأقوال الصادرة من العباد.

غاية ما في الباب: أنه ÷ لم يعلم المانع من الحكم فعمل بالـمُقتَضِي ([18] (http://majles.alukah.net/#_ftn18)) ورتَّب عليه الحكم، وقد تقرر في الأصول: أن المانع لا يضادّ المقتضي، وإنما ينفي أثر المقتضي، فأثره ضد أثر المقتضي.

ويشهد لهذا أنّ عمر÷ لم يطلق مثل هذا الحكم إلا على المستحقين ولو في ظاهر الأمر مثل:

1- اليهودي الذي قال لرسول الله×>السام عليكم< فقال عمر÷:>ألا أضرب عنقه يا رسول الله؟<([19] (http://majles.alukah.net/#_ftn19)).

2- وابن صيّاد الذي قال لرسول الله: أشهد أنك رسول الأميين، فقال عمر÷:>يا رسول الله دعني فأضرب عنقه<([20] (http://majles.alukah.net/#_ftn20)).

3- والخارجي الذي جوَّر رسول الله × في قسمة الذُهَيبة فقال عمر:>ألا أَضرب عنقه؟< وفي رواية:>فقال عمر دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق<([21] (http://majles.alukah.net/#_ftn21)).
4- الخارجي الطاعن للرسول ×؛ قال جابر ÷: كان رسول الله يقسم غنائم حنين بالجعرانة، والتبر في حجر بلال، فجاءه رجل فقال: يا محمد اعدل فإنك لم تعدل! قال: >ويحك فمن يعدل إذا لم أعدل؟< فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال النبي×:>دعه؛ فإن هذا مع أصحاب له أو في أصحاب له يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية<([22] (http://majles.alukah.net/#_ftn22)).

5 - عبد الله بن أبي بن سلول رئيس المنافقين.
قال جابر÷: كنا مع النبي × في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين! قال: فسمعها رسول الله× فقال:>ما هذا؟<. فقالوا: رجل من المهاجرين كسع رجلا من الأنصار فقال الأنصاري: يا للأنصار وقال المهاجري:يا للمهاجرين، فقال النبي ×:>ما بال دعوى الجاهلية دعوها فإنها منتنة<. فقال عبد الله بن أبي بن سلول أَوَ قَدْ فعلوها والله لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.قال جابر: وكانت الأنصار بالمدينة أكثر من المهاجرين حين قدم النبي ﷺ ثم كثر المهاجرون بعد. قال: فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال النبي×:>دعه لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه<([23] (http://majles.alukah.net/#_ftn23)).
6- عن ابن عباس أن النبي × قال لأصحابه يوم بدر:>إني قد عرفت أن أناسًا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهًا، لا حاجة لهم بقتالنا؛ فمن لقي منكم أحدًا منهم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله؛ فإنه إنما أُخرج مستكرهًا، ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله؛ فإنه إنما أخرج مستكرهًا<، فقال أبو حذيفة÷: أنقتل آباءنا وإخواننا وعشائرنا ونترك العباس؟ والله لئن لقيته لألجمنه بالسيف. فبلغت رسول الله × فقال لعمر بن الخطاب÷:>يا أبا حفص أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف؟<، فقال عمر÷: يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه فوالله لقد نافق، فكان أبو حذيفة يقول بعد ذلك: والله ما آمن من تلك الكلمة التي قلت ولا أزال منها خائفًا إلا أن يكفرها الله عني بشهادة فقتل يوم اليمامة شهيدًا<([24] (http://majles.alukah.net/#_ftn24)).

وله شاهد مختصر من حديث علي بن أبي طالب÷ أن رسول الله × قال يوم بدر:>انظروا من استطعتم أن تأسروا من بني عبد المطلب فإنهم أخرجوا كرهًا<([25] (http://majles.alukah.net/#_ftn25)).

و مرسل عكرمة أن النبي × قال يوم بدر:>من لقي منكم أحدًا من بني هاشم فلا يقتله؛ فإنهم أُخرجوا كرهًا< إسناده حسن([26] (http://majles.alukah.net/#_ftn26)).

وهذا من شدّة عمر ÷ في دين الله، ومن دلائل الفهم عن الله وعن رسوله؛ فإن التصديق بالنبي × يستلزم المحبة والتوقير والتعظيم، فمن لم يعظّمه كان منافقا، وإن أظهر الإسلام، وإذا أُحبِط عمل من جهر له بالقول، فكيف من جوّره أو سبّه أو أذاه؟

والمقصود: أنَّ حكم عمر÷ على صورة الفعل، وهو تقديم السرِّ الحربّي بالنفاق غير بعيد؛ لأنه في ظاهر الأمر نصرة بالقوّة، أو إرادة لها، والأصل موافقة الظاهر للباطن وعدم الانفصام.

وأما ربط حكم الفعل بالفاعل فلأنّ اسم الفاعل حقيقة فيمن قام به الفعل على ما تقرر في الأصول وعلوم العربية.



***


المسألة الخامسة: الإشكال في طلب القتل مرتين

جاء في الحديث:فأتوا بها رسول الله × فقال عمر: يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين دعني فأضرب عنقه. فقال رسول الله >يا حاطب ما حملك على ما صنعت؟< قال:يا رسول الله ما لي أن لا أكون مؤمنًا بالله ورسوله ولكني أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع بها عن أهلي ومالي وليس من أصحابك أحد إلا له هنالك من قومه من يدفع الله به عن أهله وماله. قال:>صدق، لا تقولوا له إلا خيرًا< فعاد عمر فقال: يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين دعني فلأضرب عنقه؟ قال:>أو ليس من أهل بدر...<([27] (http://majles.alukah.net/#_ftn27)).

استشكل الشارحون قول عمر ÷ بعد تصديق النبي× لحاطب ÷: >دعني أضرب عنق هذا المنافق< وهو من وجهين:

الأول: لماذا لم يكفر عمر بتكفير حاطب الذي صدر منه بعد تصديق النبي ﷺ له في ما أخبر عن نفسه.

الثاني: إن قيل إنه كان متأولا فلم يكفر بذلك، بقي أنه قول في حاطب لا خير فيه وقد قيل له:>صدق فلا تقولوا له إلا خيرا<.

هذا وجه الإشكال وهو ظاهر.

يقول القاضي الدماميني (827هـ)‘:>قوله مشكل وذلك لأنه قال مقالته تلك بعد شهادة الصادق المصدوق لحاطب بأنه ما فعل ذلك كفرًا ولا ارتدادًا ولا رضًى بالكفر بعد الإسلام، وهذه الشهادة نافية للنفاق قطعا<([28] (http://majles.alukah.net/#_ftn28)).

فاختلفوا في الجواب؛ قال بعضهم: أطلق ذلك قبل التصديق. وهو ضعيف، يردّه سياق الحديث؛ فإن عمر قال ذلك مرتين،مرة قبل التصديق وكان معذورًا إذ لم يتضح له المانع، وبعد التصديق، وهو موضع الإشكال.

وقال آخرون: أطلق ذلك؛ لأنّ ما صدر عنه يشبه فعل المنافقين حيث باطن الكفار بخلاف ما أظهر. وهو ضعيف؛ لأنّ البحث في قول عمر بعد شهادة الصادق المصدوق النافية للنفاق الذي دلّ عليه ظاهر الفعل عند عمر÷.

وقيل: ظنّ أنّ صدق حاطب÷ في ما أخبر عن نفسه لا يمنع من القتل. وهو محتمل على بعدٍ([29] (http://majles.alukah.net/#_ftn29)).

وقيل: حملته الشدة في الدين، وبغض المنافقين، فكأنه غاب عن حسّه إذ ذاك.

وفيه بعدٌ ظاهر أيضا.

وقيل:حمل النهي على ظاهره من منع القول السيّء ولم يره مانعًا من العقوبة، فبيَّن النبي ﷺ أنه صادق في اعتذاره وأن الله عفا عنه([30] (http://majles.alukah.net/#_ftn30)).

ولا يخفى أن عمر ÷ أفقه من أن يحمل قوله×:>صدق فلا تقولوا له إلا خيرًا< على المنع من السبّ مع تجويز القتل، بل الظاهر: أنه ألحق الواقعة بوقائع المنافقين تشبيهًا للنظير بالنظير؛ فإنهم كانوا إذا اطّلع عليهم بالغوا في الجحد والاعتذار، وكان النبي× يصفح عنهم مع العلم بكذبهم في كثير من الأحوال، وكأن عمر ÷ ظنَّ القضيّة من ذاك الباب من أجل الإسرار بالكتاب، ثم المبالغة في الاعتذار بعد الاكتشاف؛ ولذلك عاد إلى الاستئذان في القتل ظنًّا أن العفو في هذا الموضع كالعفو عن بعض المنافقين الطاعنين في النبي×.

هذا التوجيه هو الأظهر عندي.

لكن خفي على عمر÷ أمران فيما يظهر لي:

الأول: تصديق النبي × لحاطب ÷ ولم يكن يصدّق المنافقين، وإنما كان يسكت عنهم وهو فرق ظاهر بين القضيتين.

الثاني: أن المنافقين كانوا ينكرون ما فعلوا بعد الاطلاع، وأما حاطب فقد اعترف بما صنع ولم ينكر. وهو فرق آخر يعتبر في قرائن الصدق والإخلاص، >وعلى الجملة: فمن عذره النبي× وشهد بصدقه يجب على كل أحد قَبول عذره وتصديقُه، والتماس أحسن المخارج له<([31] (http://majles.alukah.net/#_ftn31)).

يتبع...................... ....................

([1]) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (6/440)


([2]) أحكام القرآن (3/651).


([3]) البخاري(4156) ومسلم (7192).


([4]) زاد المعاد لابن القيم (3/505).


([5]) فتح الباري (7/730).


([6]) رواه الشيخان وسعيد بن منصور في التفسير وغيرهم.


([7]) خرَّجه البخاري والنسائي وغيرهما من حديث محمود عن عتبان بن مالك.


([8]) انظر: رسائل أبي علي اليوسي (2/595-596)


([9]) تفسير التحرير والتنوير (2/218).


([10]) رواه أحمد في المسند (14190)، والبخاري (705) (6106)، ومسلم (465)، وابن خزيمة (1634)، وابن حبان (2400) وأبو داود (599، 790)، والنسائي (2/172-173)، والترمذي (583)، وابن ماجه (836، 986) والبيهقي (3/112) رقم الحديث (5251).


([11]) فتيا في حكم السفرإلى بلاد الشرك (ص175).


([12]) معالم السنن (2/275).


([13]) السنن الكبرى (10/208).


([14]) الجامع لشعب الإيمان (1/231)


([15])كشف المشكل (1/142).


([16]) المفهم شرح مسلم (6/440).


([17]) التلخيص شرح الجامع الصحيح للبخاري (2/740).


([18]) أعني صورة الفعل لا ما في نفس الأمر كما سيأتي إن شاء الله.


([19]) أخرجه البخاري (6926) والطيالسي (2182) وأحمد (13225) والنسائي في الكبرى (10145) من حديث أنس.


([20]) رواه أحمد (3610) ومسلم (7451-7452) في آخرين.


([21]) أخرجه البخاري (6933) ومسلم (1063)في آخرين.


([22]) أخرجه مسلم (1063) والبخاري في الصحيح (3138) مختصرا، وفي الأدب المفرد (774) والنسائي في الكبرى (8087، 8088) وابن ماجه (172) وأحمد (14561) والحميدي(1271) وابن الجارود في المنتقى (1083) وابن حبان (4799).


([23]) أخرجه البخاري (3518، 4905، 4907)ومسلم (2584) وأحمد (15223) والترمذي (3315) والنسائي في الكبرى (8863،10813، 11599) وأبو يعلى في المسند (1957)وابن حبان (5990، 6582)


([24]) أخرجه ابن إسحاق في المغازي كما في سيرة ابن هشام (3/177).وأخرجه ابن سعد في الطبقات (4/10-11)، والفسوي في المعرفة (1/505، 513)، والطبري في التاريخ (2/449)، والبيهقي في الدلائل (2/140) من طرق عن ابن إسحاق وإسناده ضعيف للإبهام الذي فيه.


([25]) أخرجه أحمد في المسند (676) والبزار (720) وابن المنذر في الأوسط (6215)، والفسوي في المعرفة (1/504- 505) من طرق عن إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن عليّ به. وإسناده صحيح.


([26]) ابن أبي شيبة المصنف (14/382)عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، عن خالد الحذاء عن عكرمة.


([27]) البخاري رقم (6939).


([28]) مصابيح الجامع (6/341).


([29]) فتح الباري (12/322) مصابيح الجامع (6/341).


([30]) فتح الباري (11/49-50).


([31]) مصابيح الجامع (6/341)

أبو محمد المأربي
2017-03-21, 01:20 AM
[المسألة السادسة: تقرير وتخطئة لعمر رضي الله عنه باعتبارين
هذه من أرفع المطالب المتعلقة بالقصّة حيث نُقرِّرُ فيه تقريرًا من جهة، وتخطئة من أخرى، وهذا يتلخَّص في قضيتين:

الأولى: إعذار حاطب رضي الله عنه وعدم تكفيره.

أما بيان القضية الأولى فقد اعترف حاطب عند التحقيق ولم ينكر، لكن أصرّ على أنه لم يفعل ذلك من أجل اختيار الكفر والغشّ لله ولرسوله والمؤمنين... وبالغ في درء التهمة عن نفسه وأن ما صنعه مجرّد دفعٍ عن الأهل المخوف عليهم بما لا يضرّ المسلمين. ومما قال:

>لم يكن أحد من أصحابك إلا وله بمكة من يدفع الله به عن أهله وماله ولم يكن لي أحد فأحببت أن أتخذ عندهم يدًا<.

>أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن مالي وليس من أصحابك هناك إلا وله من يدفع الله به عن أهله وماله<.

>إني كنت امرءًا ملصقا في قريش ولم أكن من أنفُسها وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدًا يحمون قرابتي<

>كنت غريبًا في أهل مكة وكان أهلي بين ظهرانيهم فخفت عليهم فكتبت كتابًا لا يضرّ الله ورسوله شيئًا وعسى أن تكون فيه منفعة لأهلي<

>كان أهلي فيهم فخشيت أن يغيروا عليهم فقلت: أكتب كتابًا لا يضرّ الله ولا رسوله<>كان لي بها أهل ومال فأردت مصانعة قريش<.
>أما والله يا رسول الله ما تغيّر الإيمان من قلبي، ولكن لم يكن رجل من قريش، إلا وله جذمٌ وأهل بيت يمنعون له أهله، وكتبت كتابا رجوت أن يمنع الله بذلك أهلي<
اعتذار واضح، وتأوّل سائغ في نظر حاطب على الأقلّ من عدة جوانب:

1- أنه غريب حليف في أهل مكة، والحليف لا يحظى بما يحظى به النسيب عادة.

2- ومع هذا خشي على الأهل والمال من أهل الحرب من قريش.
3- للمهاجرين قرابات يحمون بها أهليهم فأراد مشاركتهم في هذا بالكتاب.

4- رجا أن يمنع الله عن أهله بالكتاب في دار الحرب.
5- علم أن الكتاب لا يضرّ الله ورسوله والمؤمنين شيئًا.
وبهذا تحققت المصلحة، وانتفت المفسدة في تقديره رضي الله عنه وبقي النظر في دلالة الفعل الذي اعتمد عليه عمر مع سماع العذر والتأويل! والواقع أنّ حاطبًا علم عند الإجراءات التحقيقية أن صورة الفعل تُشْعِر بما لم يقع في حسبانه؛ فسارع إلى درء النفاق الذي دلّت صورة الفعل؛ فقال في نفي التهمة:

>إني لم أفعله غشًّا لرسول الله، ولا نفاقًا، ولقد علمت أن الله سيظهر رسوله ويتمّ أمره<>ما لي ألا أكون مؤمنًا بالله ورسوله ولكني أردت..<>أما والله ما ارتبت ولا شككت في ديني ولكن كان..<>أما والله يا رسول الله ما تغيّر الإيمان من قلبي< إلخ.

وفي هذه العبارات في دفع تهمة النفاق عن نفسه فؤايد:

الأولى:
أنها تدلّ على الشعور بخطورة الموقف، وما قد يُسفر عنه من أحكام.
الثانية:
الاعتراف بدلالة صورة الفعل على تغيّر الإيمان القلبي، والنفاق والارتياب في الدين والغشّ لله ولرسوله.
الثالثة:

تقعيد قضية التلازم بين الظاهر والباطن، وأن الولاية الظاهرة تستلزم الولاية الباطنة من اختيار الكفر وبغض الإسلام وهو الأصل؛ ولذلك نفى الكفر الباطن عن نفسه، وأخبر أنه لم يزدد للإسلام إلا حبّا، ولم يرد غشا للدين وأهله.

وهذا من دقّة فهمه رضي الله عنه لقضايا الأصول؛ فإنّ الموالاة والمعاداة من باب الحب والتعظيم، والبغض والاستخفاف، لا من باب التصديق والتكذيب، كما تقرر في مباحث الإيمان والكفر؛ فمحبة الله ورسوله والمؤمنين تستلزم بغض الكفر وأهله؛ وأن موالاة المؤمنين تستلزم معاداة الكافرين، وإلا فلا إيمان ولا موالاة.

وإذا تحققت الموالاة الظاهرة لأعداء الله استلزمت انتفاء ولاية الله ورسوله والمؤمنين من القلب وثبوت الضد فيه.

انطلق عمر وحاطب رضي الله عنهما من هذا الأصل.

أما عمر فرأى أن صاحبه منافق لا يحب الله ورسوله والمؤمنين؛ إذ لو حصل له الإيمان الحقيقي، لما والى أعداء الله ظاهرا؛ فاستدل عمر بصورة الفعل، واستشرف الباطن من خلال الظاهر؛ لأن الدليل يستلزم المدلول في الأصل.

وأما حاطب فقام إلى فكّ الارتباط بين الظاهر والباطن في خصوص فعله بوجهين:

الأول: بإظهار ما في النفس من حب لله ورسوله وبعض الكفر وأهله من جهة.

الثاني: بتوصيف حقيقة الفعل الـمُوهِم خلاف الواقع؛ فقام إلى النفي، وبالغ في تحقيق الانفصام وعدم مطابقة الظاهر للباطن في قضيّته هذه، وأن المادة مجرد دفعٍ عن الأهل المخوف عليهم، لا نصرة حقيقية ولا ترجمة عن نفاق، وإلا لما احتاج رضي الله عنه إلى هذا الجهد في درء التهمة عن النفس، كما لا يحتاج إليه الزاني وشارب الخمر وقاتل النفس، بل كان يكفيه أن يقول: ليس هذا بكفر بل مجرّد معصية، ولا استجاز عمر رضي الله أيضا القول لصاحب الكبيرة إنه منافق كافر.

وبعد هذا التحقيق مع حاطب قال عليه السلام لصحبه الكرام:
>صدق فلا تقولوا له إلا خيرًا<
>إن هذا قد صدقكم<

>صدق حاطب فلا تقولوا لحاطب إلا خيرًا<

>أما إنه قد صدقكم<.

وهو نهي عن الوقوع في حاطب، وعلة النهي:صدق المتّهم في إبطال التهمة مع أنَّ قوله صلى الله عليه وسلم: >أما إنه قد صدقكم< يشعر بأن سواه يكذب في دعوى مخالفة الظاهر لحقيقة الأمر في مثل هذا الموطن.

وأما أثر هذا التصديق في الحكم على حاطب وفصل القضيّة فيجلِّيه الفقهاء بوضوح...]
يتبع..................

أبو محمد المأربي
2017-03-21, 01:45 AM
قال(1- الإمام أبو عبد الله المازري (536هـ)‘: إنه اعتذر عن نفسه بالعذر الذي ذكر؛ فقال عليه السلام: صدق. فقُطِع على صدق حاطب لتصديق النبي صل الله عليه وسلم له؛ وغيره ممن يتجسّس لا يقطع على سلامة باطنه؛ ولا يتيقن صدقه فيما يعتذر به)([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).

قلت: لأن الفعل الظاهر يدل على النفاق في الباطن؛ فقطع على سلامة باطن حاطب لتصديق النبي عليه السلام له، وغيره من الجواسيس، فالأصل فيهم موافقة الباطن لظاهر الفعل.

2- ونقله القاضي عياض (544هـ) ولم يتعقبه بشيء([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).

3- القاضي أبو بكر بن العربي (543هـ): إن قلب حاطب كان سليمًا بالتوحيد بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: أما صاحبكم فقد صدق. وهذا نص في سلامة فؤاده وخلوص اعتقاده)([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).

4- أبو العباس القرطبي (656هـ): (شهد له رسول الله بالصدق والإيمان وبأنه لا يدخل النار.. وإنما أطلق عليه اسمَ النفاق لأن ما صدر منه يشبه فعل المنافقين لأنه والى كفار قريش وباطنهم وهمَّ بأن يطلعهم على ما عزم عليه رسول الله من غزوهم..

لكنَّ حاطبًا لم ينافق في قلبه ولا ارتدَّ عن دينه، وإنما تأوَّل فيما فعل من ذلك: أن اطلاع قريش على بعض أمر رسول الله ﷺ لا يضرّ رسول الله ﷺ..

وحسّن له هذا التأويلَ: تعلّق خاطره بأهله وولده إذ هم قطعة من كبده..لكن لطف الله به ونجَّاه لما علم من صحة إيمانه وصدقه وغفر له بسابقة بدر وسبقه)([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).

5- القاضي بدر الدين الدماميني (827هـ):(هذه الشهادة نافية للنفاق قطعًا)([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).

أسارع فأقول: إن تصديق النبي عليه السلام لحاطب يشمل جميع ما ادّعاه من عدم القصد إلى المعنى المكفِّر، وانتفاءِ الضرر، والأهلِ المخوف عليهم، والنفيِ للنفاق عن النفس...

فمن ردَّ التصديق والشهادة إلى بعض الدعوى دون بعضٍ فقد تحكَّم من غير دليل.

القضية الثانية: التقرير للأصل، والتخطئة في التنزيل

سياق النصِّ يدلُّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على عمر في أن جنس الفعل كفر، كما لم ينكر دلالة المنافحة والاختصاص بالمنافقين على النفاق، وإنما أنكر عليه تنـزيل الحكم على المعيَّن لمانع التأويل، والقاعدة: أن انتفاء الحكم لمانع في محلِّ لا يستلزم انتفاءه من غير مانع.

والمراد إيضاحه: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم ينكر على عمر في كون الجسّ، أو النصرة نفاقَا، وإنما أنكر تنزيل الحكم على شخص مخصوص؛ إذ حكم الأصل معلوم لعمر لكنه خفي عليه حال المعيّن (حاطب رضي الله عنه).
وتقريبه بالمثال: أن يظنّ أحدنا أنّ فلاناً انتقص الرسول، أو قام بما يوجب الكفر اعتمادا لظاهر قولٍ أو فعل مخالف للواقع؛ فكفّره بناءً على هذا الظنّ، فهو مخطئ في ظنه المتعلّق بالشخص، صادق في تكفيره لِمن قامت به هذه الأسباب الكفرية؛ فهو صادق مخطئ في آن واحد باعتبارين، فكذلك ظن عمر ÷ في هذه القضية.

فتأمل هذا فإنه ظاهر لمن ألقى السمع وهو شهيد.
وهذا المعنى هو المراد في قول أبي الوليد ابن رشد:(ولم ينكر عليه النبي ﷺ قولَه، ولا قال له: إنّ ذلك لا يجب في ذلك الفعل، وإنما أخبر أنّه لا يجب على حاطب لكونه من أهل بدر، مع قبوله لعذره، والذي اعتذر به لعلمه بصدقه في ذلك من جهة الوحي) البيان والتحصيل (2/537).

ويحتمل أنه أنكر عليه إدخال هذه الصورة المحدَّدة في النصرة الفعلية لانتفاء النصرة في نفس الأمر؛ فيكون سند الإنكار عدم تحقق المناط (النصرة) أو لعدم قصد حاطب للمعنى الكفري (إرادة النصرة)؛ فينتفي بذلك شرط التكفير وهو القصد ، أو السبب وهو النصرة والمظاهرة.

ويظهر أيضا من السياق: عدم إنكار النبي عليه السلام تعليلَ القتل بالنفاق؛ فلا يجوز العدول عنه بتعليق الحكم بغيره؛ لأنه إلغاء لما اعتُبِر.

وعلى هذا التحرير جرى أهل العلم من حيث الجملة....

يتبع..............
([1]) المعلم بفوائد مسلم (2/363).


([2]) إكمال المعلم (7/538).


([3]) أحكام القرآن(4/225).


([4]) المفهم (6/441).


([5]) مصابيح الجامع (6/340-341).

أبو محمد المأربي
2017-03-21, 01:47 AM
[ وهذه شذرة من أقوالهم: 1- الإمام الخطابي (387هـ):(إن عمر لم يكن منه عدوان في هذا القول على ظاهر حكم الدّين؛ إذ كان المنافق هو الذي يظهر نصرة الدين في الظاهر ويبطن نصرة الكفار، وكان هذا الصنيع من حاطب شبيهًا بأفعال المنافقين، إلا أن رسول الله ﷺ قد أخبر أن الله تعالى قد غفر له ما كان منه من ذلك الصنيع وعفا عنه فزال عنه اسم النفاق)([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).

بيَّن أن اعتماد عمر على الظاهر من حال المتهم كان صحيحًا لكن زال عنه حكم الظاهر بشهادة النبي ﷺ له بالإيمان والصدق.



2- الإمام أبو بكر البيهقي(458هـ)‘:(و لم يُنكِر على عمرَ تسميتَه بذلك إذ كان ما فعل علامَةً ظاهرةً على النِّفاقِ وإِنما يكفرُ من كفَّرَ مسلمًا بغير تأويل)([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).


3- الإمام ابن رشد الجدّ (520هـ):(ولم ينكر عليه النبي قولَه، ولا قال له: إنّ ذلك لا يجب في ذلك الفعل، وإنما أخبر أنه لا يجب على حاطب لكونه من أهل بدر مع قبوله لعذره والذي اعتذر به لعلمه بصدقه في ذلك من جهة الوحي)([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).

4
- الإمام السهيلي (581هـ) (وفي الحديث دليل على قتل الجاسوس؛ فإن عمر قال: دعني فلأضرب عنقه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما يدريك يا عمر لعل الله اطلع إلى أصحاب بدر فعلّق حكم المنع من قتله بشهود بدر، فدلّ على أن من فعل مثل فعله وليس ببدري أنه يقتل)([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).

5
- الإمام القاضي عياض(544هـ)‘:(إن النبي ﷺ لم ينكر ذلك من قول عمر، وإنما عذَّره بغفران الله لأهل بدر ذنوبهم، ولأنه لم يكن منه قبل مثلها..)([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).

6
- الإمام أبو الفرج ابن الجوزي (597هـ):(في بعض ألفاظ الحديث: دعني أضرب عنق هذا المنافق. وهذا لأنه رأى صورة النفاق ولمّا احتمل قول عمر وكان لتأويله مساغ لم ينكر عليه رسول الله ﷺ)([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).


7- الإمام أبو بكر ابن العربي (543هـ) :(..إن عمر بن الخطاب نسبه إلى النفاق فلم ينكر ذلك رسول الله).

وقال:(الأحكام في مسألتين: الأولى: في قول عمر للنبي:دعني أضرب عنق هذا المنافق. فرأى عمر قتله بالدلسة على الدِّين، فلم ينكر رسول الله ذلك، ولكنه قال: إنه من أهل بدر الذين غفر لهم ما تأخّر من ذنبهم وما تقدم برجاء حق...)

وفي موضع آخر:(ولم يردَّ عليه النبي إلا بأنه من أهل بدر، وهذا يقتضي أن يمنع منه وحده، ويبقى قتل غيره حكمًا شرعيًّا، فهمّ عمر به بعلم النبي× ولم يردّ إلا بالعلة التي خصَّصها بحاطب)([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).



8- أبو القاسم الرافعي(623#) ‘:(وقد يستدل به على جواز إطلاق اسم المنافق على من صدر منه ما يشبه أفعال المنافقين وأحوالهم وإلا لأنكر النبي على عمر تسميته منافقا)([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).


9- شهاب الدين القرافي (684هـ) :(في الصحيح أن حاطب بن أبي بلتعة كتب إلى مكة يخبرهم بمقدمه فقال عمر: دعني أضرب عنقه يا رسول الله. فلم ينكر ذلك بل أخبره أنه من أهل بدر([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).

10- شيخ الإسلام ابن تيمية (728هـ)‘:(قال عمر دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق.. فدلَّ على أن ضرب عنق المنافق من غير استتابة مشروع إذ لم ينكر النبي على عمر استحلال ضرب عنق المنافق)([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10)).

11- الإمام ابن مفلح (763هـ)‘:(إن عمر لمَّا طلب قتله لم ينكر عليه النبي. أو يقال: لم يذكر أنّه لم يوجد المقتضي لقتله، بل ذكر المانع، وهو شهود بدر، فدلَّ على وجود المقتضي، وأنّه لولا المعارض لعمل به)([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11)).

12- زين الدين ابن المنير (695هـ)‘:(حجة أصحاب مالك بيّنة من حديث حاطب؛ لأن عمر بن الخطاب عزم على قتله بالتجسس؛ فلم ينكر عليه النبي جَعْلَ التجسس علةً، ولكن بيَّن له المانعَ الخاصَّ به؛ فقال: إنه من أهل بدر، وهم مخصوصون بالمغفرة فصحَّت العلة، وتعيَّن أن يعمل بها عند عدم المانع المذكور)([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)).

13- الحافظ ابن حجر (852هـ):(واستدل باستئذان عمر على قتل حاطب لمشروعية قتل الجاسوس ولو كان مسلما وهو قول مالك ومن وافقه.

ووجه الدلالة: أنه أقرّ عمر على إرادة القتل لولا المانع، وبيّن المانع وهو كون حاطب شهد بدرا، وهذا منتف في غير حاطب، فلو كان الإسلام مانعا من قتله لما علّل بأخص منه)([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13)).

14- الإمام الشوكاني (1250هـ) ‘:( قوله:إنه قد شهد بدرا. ظاهر هذا:أن العلة في ترك قتله كونه ممن شهد بدرا، ولولا ذلك لكان مستحقا للقتل، ففيه متمسك لمن قال: إنه يقتل الجاسوس ولو كان من المسلمين)([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14)).


حاصل كلامهم رحمهم الله أن تصوَّر عمر رضي الله عنه لصورة الفعل صحيح؛ لأنه رأى صورة النفاق، وأنّ النبي عليه السلام لم ينكر ذلك، وأن انتفاء الحكم، إنما كان من أجل مانع خاص، إما شهود بدرٍ، أو العلم بالصدق في الدعوى، والقاعدة: إن التعليل بالمانع يقتضي قيام المقتضي للحكم.

هذه جهة الإقرار والتنقيح للمناط حيث تقرر أن مظاهرة أعداء الله من جملة المكفِّرات الدالة على نفاق المتلبس بها، وإن زعم أنه مسلم.


([1]) معالم السنن (2/275).


([2]) السنن الكبرى(10/208).


([3]) البيان والتحصيل (2/537).


([4]) الروض الأنف (4 /150).


([5]) إكمال المعلم (7/537).


([6]) كشف المشكل (1/141-142).


([7]) عارضة الأحوذي (12/138) أحكام القرآن (4/225).


([8]) شرح مسند الشافعي (4/97).

([9]) الذخيرة في فروع المالكية (3/230).

([10]) الصارم المسلول (3/664).

([11]) الفروع لابن مفلح (10/116-118).


([12]) مصابيح الجامع (6/340).

([13]) فتح الباري ( 8/504)

([14]) نيل الأوطار ( 14/280)



]

أبو محمد المأربي
2017-03-21, 01:53 AM
[أما جهة التخطئة والإنكار على عمر رضي الله عنه فمن قِبَل تحقيق المناط أعني تنـزيل الحكم على المعيّن.
ذلك؛ أن عمر علَّل القتل بالنفاق الذي دلّت صورة الفعل، والنبي عليه السلام صدَّق حاطبًا في اعتذاره وتأوّله، فلزم انتفاء موافقة الظاهر للباطن في حاطب بشهادة الصادق المصدوق عليه السلام. أو يقال: تصديق النبي عليه السلام دلّ على عدم القصد للمعنى المكفِّر (إرادة النصرة)، أو على انتفاء النصرة من الفعل في نفس الأمر كما تأوّل حاطب

والمقصود: أنه يمكن أن يقال: التجسس كفرُ ونفاقُ، لكن لم يُحكم على حاطب بذلك من أجل المانع الدالّ على أنه لم يقصد معنى الفعل.

والقاعدة: أن من أتى بالقول مختارًا فهو قاصد للمعنى الذي تضمنه إلا أن يعارضه قصد آخر معتبر شرعًا كالإكراه.

أو يقال: انتفى الحكم من أجل انتفاء المظاهرة بالفعل، وإذا انتفت لم يبق إلا النظر في إرادة المعنى الكفري (إرادة المظاهرة) فنظرنا فإذا شواهد الأحوال تشهد بأن المتّهم لم يقصد ذلك مع تصديق النبي عليه السلام.


خلاصة القول:

أن الفارق بين النَّبيِّ عليه السلام وبين عمر هو اعتبار المانع سواء قيل إنه مانع حكم أو مانع سبب، وعدم العلم به، والعمل بالمقتضي.

أو يقال: إن الفارق هو العلم بانتفاء السبب، وعدم العلم به، مع الاتفاق في حكم الجنس.

وبعبارة أخرى: أن الخلاف بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين صاحبه عمر إنما هو في تحقيق المناط([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)) في حاطب، وأن انتفاء الحكم - وهو التكفير والقتل - إما لانتفاء المقتضي له أو لقيام المانع، أما تخريج المناط وهو كون الجسّ كفرا ونفاقا فلم يختلفا فيه. والله أعلم.


([1]) والمناط هنا: النصرة بالفعل، أو إرادة النصرة.

أبو محمد المأربي
2017-03-21, 01:58 AM
المبحث الثالث
في

التخريج لوجوه الاحتمال
سبق التفصيل في أنّ النبي × لم يحكم على حاطب ÷ بالكفر والنفاق، وقد حكم به عمر ÷، وأقرّ حاطب ÷ أيضا بأن التجسّس لهم من صفات المنافقين لكنه رأى صنيعه من نوع آخر؛ ذلك أن العمل الذي يقدّمه الرجل إلى أعدء الله في قضايا الحرب والأمن لا يخلو من:
1- أن يكون العمل نصرة بالفعل مع إرادة النصرة.
2- أن يكون نصرة بالفعل مع عدم إرادة النصرة به.
3- أن لا يكون نصرة بالفعل لكن أراد أن ينصرهم به.

4- أن لا يكون نصرة بالفعل ولا أراد به النصرة.

وإذا كان الأمر كذلك فصنيع حاطب ÷ من أي الصور يكون؟

وفي هذا المبحث أذكر بعض الوجوه التي يمكن تخريج انتفاء الحكم عليها ويتلخّص هذا في مطالب:

المطلب الأول: قواعد ينبغي التنبه لها في هذا المقام.

ينبغي تقديمُ بعض القواعد التي قد تساعد على الفهم وتُنير الطريق مبالغةً في البيان، وتحقيقًا للقضية من عدة جوانب.]
يتبع...... وكلّ ما سبق منقول للفائدة