تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أثر الطيب وأثر الخبيث / العلامة ابن القيم - رحمه الله -



أبو عبد الأكرم الجزائري
2015-01-12, 10:31 PM
قال العلامة ابن القيم رحمه الله:

"...جَعَلَ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لِلسَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ عُنْوَانًا يُعْرَفَانِ بِهِ
فَالسَّعِيدُ الطَّيِّبُ لَا يَلِيقُ بِهِ إِلَّا طَيِّبٌ، وَلَا يَأْتِي إِلَّا طَيِّبًا، وَلَا يَصْدُرُ مِنْهُ إِلَّا طَيِّبٌ، وَلَا يُلَابِسُ إِلَّا طَيِّبًا، وَالشَّقِيُّ الْخَبِيثُ لَا يَلِيقُ بِهِ إِلَّا الْخَبِيثُ، وَلَا يَأْتِي إِلَّا خَبِيثًا، وَلَا يَصْدُرُ مِنْهُ إِلَّا الْخَبِيثُ
فَالْخَبِيثُ يَتَفَجَّرُ مِنْ قَلْبِهِ الْخُبْثُ عَلَى لِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ
وَالطَّيِّبُ يَتَفَجَّرُ مِنْ قَلْبِهِ الطِّيبُ عَلَى لِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ.

وَقَدْ يَكُونُ فِي الشَّخْصِ مَادَّتَانِ فَأَيُّهُمَا غَلَبَ عَلَيْهِ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا، فَإِنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا طَهَّرَهُ مِنَ الْمَادَّةِ الْخَبِيثَةِ قَبْلَ الْمُوَافَاةِ، فَيُوَافِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُطَهَّرًا فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَطْهِيرِهِ بِالنَّارِ فَيُطَهِّرُهُ مِنْهَا بِمَا يُوَفِّقُهُ لَهُ مِنَ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ، وَالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ، وَالْمَصَائِبِ الْمُكَفِّرَةِ، حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ

وَيُمْسِكُ عَنِ الْآخَرِ مَوَادَّ التَّطْهِيرِ، فَيَلْقَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَادَّةٍ خَبِيثَةٍ وَمَادَّةٍ طَيِّبَةٍ، وَحِكْمَتُهُ تَعَالَى تَأْبَى أَنْ يُجَاوِرَهُ أَحَدٌ فِي دَارِهِ بِخَبَائِثِهِ فَيُدْخِلَهُ النَّارَ طُهْرَةً لَهُ وَتَصْفِيَةً وَسَبْكًا

فَإِذَا خَلُصَتْ سَبِيكَةُ إِيمَانِهِ مِنَ الْخَبَثِ صَلُحَ حِينَئِذٍ لِجِوَارِهِ وَمُسَاكَنَةِ الطَّيِّبِينَ مِنْ عِبَادِهِ. وَإِقَامَةُ هَذَا النَّوْعِ مِنَ النَّاسِ فِي النَّارِ عَلَى حَسَبِ سُرْعَةِ زَوَالِ تِلْكَ الْخَبَائِثِ مِنْهُمْ وَبُطْئِهَا، فَأَسْرَعُهُمْ زَوَالًا وَتَطْهِيرًا أَسْرَعُهُمْ خُرُوجًا، وَأَبْطَؤُهُمْ أَبْطَؤُهُمْ خُرُوجًا، {جَزَاءً وِفَاقًا} [النبأ: 26] {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]... " .

زاد المعاد ج1 ص 67