تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : النبي يحذر من الاغترار بالدنيا



محمد طه شعبان
2015-01-08, 11:47 AM
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى المِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، فَقَالَ: «إِنِّي مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي، مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَيَأْتِي الخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ تُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ يُكَلِّمُكَ؟ فَرَأَيْنَا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: فَمَسَحَ عَنْهُ الرُّحَضَاءَ، فَقَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ؟» وَكَأَنَّهُ حَمِدَهُ، فَقَالَ: «إِنَّهُ لاَ يَأْتِي الخَيْرُ بِالشَّرِّ، وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ [حَبَطًا] أَوْ يُلِمُّ، إِلَّا آكِلَةَ الخَضِرَاءِ، أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ، [فَاجْتَرَّتْ] وَثَلَطَتْ وَبَالَتْ، وَرَتَعَتْ، [ثُمَّ عَادَتْ فَأَكَلَتْ]، وَإِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَنِعْمَ صَاحِبُ المُسْلِمِ مَا أَعْطَى مِنْهُ المِسْكِينَ وَاليَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ - أَوْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، وَيَكُونُ شَهِيدًا عَلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ»([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) البخاري (1465)، ومسلم (1052).

محمد طه شعبان
2015-01-08, 12:25 PM
ومعنى الحديث: (لا يأتي الخير بالشر): يعني المال إذا كُسِب مِنْ وجهه، وفُعِل به ما أمرهم الله به، فإنه لا يأتي بالشر؛ ثم ضرب لهم مثلًا بقوله: (وإن مما ينبت الربيع يقتلُ أو يُلِمُّ) يعنى أن الاستكثار من المال والخروج من حَدِّ الاقتصاد فيه ضارٌّ؛ كما أن الاستكثار من المأكل مُسْقِمٌ؛ ضرب هذا مثلًا للحريص على جمع المال، المانع له من حقه؛ وذلك أن الماشية يروقها نَبْتُ الربيع فيكثر أكلها، وتستكثر منه حتى تنتفخ بطونها فتهلك.
وقوله: (يقتل حَبَطًا): الحبط بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة: التخمة وانتفاخ البطن؛ أي: يقتل تخمةً مِنْ كثرة الأكل.
وقوله: (أو يُلِمُّ): يعنى يقرب من الهلاك، يقال: أَلَمَّ الشيء: قرب.
وقوله: (إلا آكلة الخَضِر): أي إلا الماشية التي تأكل الخَضِر؛ وهي: البقول التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول ويبسها. قال في ((النهاية)): الخَضِر: نوع مِنَ البقول ليس من أحرارها وجيدها.
قوله: (أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ، فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ، وَرَتَعَتْ): ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أكلة الخضر من المواشي مثلًا لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجمعها، ولا يحمله الحرصُ على أخذها بغير حقها، فهو ينجو من وبالها، كما نجت آكلة الخَضِر؛ ذلك أنها إذا شبعت منها بركت مستقبلة عين الشمس تستمرئ بذلك ما أكلت، (وتجتر): أي أخرجت الجرة؛ وهي: ما تخرجه الماشية من كرشها لتمضغه ثم تبلعه. (وتَثْلَط): ثَلَط البعير يثلط إذا ألقى رجيعًا سهلًا رقيقًا؛ فإذا ثلطت وبالت ورتعت، فقد زال عنها الحَبَط، وإنما تحبط الماشية لأنها تمتلئ بطونها ولا تثلط ولا تبول فتنتفخ أجوافها فيعرض لها المرض فتهلك.
قال ابن الأثير رحمه الله في ((النهاية)) (2/ 40، 41): ((ضَرَبَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَثَلَيْنِ: أحَدُهما لِلْمُفْرط فِي جَمْع الدُّنيا والمَنْع مِنْ حَقّها، وَالْآخَرُ للْمُقْتَصِدِ فِي أخْذِها والنَّفع بِهَا.
فَقَوْلُهُ: (إنَّ ممَّا يُنْبِتُ الربيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ)؛ فَإِنَّهُ مَثَلٌ للمُفْرط الَّذِي يَأخُذ الدُّنْيَا بِغَيْرِ حَقّها؛ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّبِيعَ يُنْبِتُ أَحْرَارَ البُقول، فَتَسْتَكْثر الماشِيةُ مِنْهُ؛ لاسْتطَابَتِها إِيَّاهُ، حَتَّى تُنْتَفِخَ بُطُونُها عِنْدَ مُجَاوَزتِها حَدَّ الاحْتمالِ، فتَنْشَقُّ أمعاؤُها مِنْ ذَلِكَ فتهْلِك أَوْ تُقَارب الْهَلَاكَ، وَكَذَلِكَ الَّذِي يَجْمَع الدُّنيا مِنْ غَيْرِ حِلِّها ويَمْنَعُها مُسْتَحِقِّيها، قَدْ تَعرَّض لِلْهَلَاكِ فِي الْآخِرَةِ بدخُول النَّار، وَفِي الدُّنْيَا بأذَى النَّاسِ لَهُ وحَسدهم إيَّاه، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الأذَى.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: (إِلَّا آكِلةَ الْخَضِر)؛ فَإِنَّهُ مَثَلٌ للمُقْتَصِد؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْخَضِر لَيْسَ مِنْ أحْرار البُقول وجَيِّدِها الَّتِي يُنْبتُها الربيعُ بِتَوَالِي أمْطاره فتحْسُنُ وتَنْعُمُ، ولكنَّه مِنَ البُقول الَّتِي تَرْعَاهَا الْمَوَاشِي بَعْدَ هَيْج البُقول ويُبْسِها؛ حَيْثُ لَا تَجِدُ سِوَاهَا، وتُسمِّيها العَربُ الجَنَبة، فَلَا تَرى الماشِية تُكثر مِنْ أكْلها وَلَا تَسْتَمْرِئها؛ فضرَب آكِلة الخَضِر مِنَ الْمَوَاشِي مَثَلًا لِمَنْ يَقتْصد فِي أخْذ الدُّنْيَا وجَمْعها، وَلَا يَحْمله الحِرْصُ عَلَى أخْذِها بِغَيْرِ حَقِّهَا، فَهُوَ بنَجْوةٍ مِنْ وَبَالِهَا، كَمَا نَجَتْ آكِلَةُ الخَضِر؛ أَلَا تَرَاهُ قَالَ: أكَلْت حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتاها اسْتَقْبَلت عَيْنَ الشَّمْسِ فَثَلَطَت وَبَالَتْ؛ أَرَادَ أَنَّهَا إِذَا شَبِعَت مِنْهَا برَكَت مُسْتَقْبِلةً عَيْنَ الشَّمْسِ تَسْتَمْرِئُ بِذَلِكَ مَا أكلَتْ، وتجْتَرُّ وتَثْلِطُ، فَإِذَا ثَلَطَت فَقَدْ زَالَ عَنْهَا الحَبَطُ؛ وَإِنَّمَا تَحبَط الْمَاشِيَةُ لِأَنَّهَا تَمْتَلِئُ بُطُونها وَلَا تَثْلِطُ وَلَا تَبُول، فتَنْتفِخُ أجْوَافها، فَيَعْرِضُ لَهَا الْمَرَضُ فَتَهْلِكَ.
وَأَرَادَ بزَهْرة الدُّنْيَا: حُسنَها وبَهْجَتَها. وببَركات الأرضِ: نَمَاءَها وَمَا يَخْرُجُ مِنْ نَبَاتِها))اهـ.

محمد طه شعبان
2015-01-08, 01:09 PM
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُم ْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ» وَفِي حَدِيثِ ابْنِ بَشَّارٍ: «لِيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ».