المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقتطفات متسلسلة من كتاب حركة العصر الجديد...



أم علي طويلبة علم
2015-01-04, 11:02 PM
هذه مقتطفات متسلسلة من كتاب حركة العصر الجديد مفهومها ونشأتها وتطبيقاتها للدكتورة هيفاء الرشيد بارك الله فيها ،حيث تناول الكتاب الممارسات التي تهدم أسسا عقدية ، وهذه المقتطفات اختصار للكتاب مع الترتيب فيه :


(1)

...كلما حل بالأمة فتنة أو ألمّ بها خطب تصدى له أعلامها وعلماؤها ، وبذلوا في دفع الشر عنها أنفسهم ، وأموالهم ، وأوقاتهم النفيسة ، فاجتهدوا في بيان الحق ، وتقرير التوحيد ؛ ليعبد الله على بصيرة ؛ وليتحصن المسلمون بالعقيدة الصافية الصحيحة ضد كل ما قد يشوب التوحيد.
غير أن أعلام الأمة وجهابذتها لم يقتصروا على تقرير العقائد وتبيان السنة عندما تدعو الحاجة إلى بيان الباطل والتحذير منه -خاصة عند عموم البلوى ، أو الانخداع بالشر- بل قاموا بالرد على مقالات المخالفين ، وتفنيد شبههم ، وكشف حيلهم ومخططاتهم.

...ولما كان الذب عن العقيدة ، وحماية حوزة التوحيد بالرد على المخالفين من فروض الكفايات التي تتعلق بذمم القادرين ، لزم على أولئك حمل تلك الأمانة ، وتكبد ما يرافقها من مشاق ، فالرد المؤصل على المذاهب المخالفة يتطلب - بلا شك - معرفة صحيحة بمقالات أصحابها ، واستبانة سبيل المجرمين ، لأن الحكم على الشئ فرع عن تصوره .
أما في الأزمنة المعاصرة فقد عظم الخطب ، واستفحل الشر ، وذلك مع الانفتاح التقني والثقافي الذي يشهده العالم بأسره ، والذي أصبح الضحية فيه من لا يملك آلة التأثير والقوة الاقتصادية أو العسكرية ، فسادت ثقافة أحادية - تصدر في الغالب - عن العالم الغربي .




- يتبع إن شاء الله تعالى -

أم علي طويلبة علم
2015-01-04, 11:42 PM
(2)

...ولعل من أخطر تلك الدعوات ما كان يحمل السمات الباطنية ، إذ إن ما عداه صريح العداء ظاهر البطلان ، يمكن للمسلم كشف مخالفته وتعارضه مع مبادئ الدين بكل يسر وسهولة ، أما الدعوة الباطنية فهي السم المدسوس بالعسل ، وهي الخطر الذي يهدد أصول الدين ، فيبطله من أساسه ، ويحل محله اعتقادات ملفقة ، وخرافات باطلة .

لقد كانت الدعوات الباطنية عبر العصور من أقبح الدعوات ، وأشددها خطورة ؛ لاعتمادها على الاستدراج والتلبيس ، فالفكر الباطني لا يحده مكان أو زمان ، ولا يفرق بين دين حق و آخر باطل ، بل يهدم كل الثوابت والمسلمات، ويخضعها للأهواء والخرافات ، ورغم ظهور بطلان هذا المذهب الخبيث ، إلا أن أساليب الدعوة إليه وترويجه كانت مما أسهم في انتشاره على مر العصور ، وليس هذا الزمن استثناء من ذلك العموم .

...ولا يستقيم التصدي للفكر الباطني إلا من خلال التعرف عليه ، من حيث أصله ، وقواعده ، وأساليبه الحديثة ؛ ليتسنى دفعه على بصيرة ، والتفطن لحيله ، ومكائده اللطيفة.



- يتبع إن شاء الله تعالى -

أم علي طويلبة علم
2015-01-05, 10:43 AM
(3)

...لم تأت حركة ( العصر الجديد ) – في الواقع – بمذهب الجديد ، وإنما لفقت مذاهب ومعتقدات متنوعة –بعضها ضارب في القدم- في قالب روحاني وعملي (جديد) ، فهي لا تعتمد على عقيدة مركزية موحدة وإنما تقدم خليطا من المبادئ الروحية ، والباطنية ، والعلوم الكونية ، والتنجيم ، وغير ذلك ، بالإضافة إلى عدد من الطقوس الدينية .

ويهدف أتباعها إلى التوصل للحقيقة الكونية ، وتحقيق أعلى درجات القدرات البشرية الكامنة من خلال تطبيقاتها ، ومما تتميز به هذه الحركة هو السعي إلى اكتساب الروحانية الباطنية دون التقيد بالعقائد الدينية السائدة .
لقد أسهمت (حركة العصر الجديد) في انتشار ما اصطلح على تسميته بالديانات الوثنية الحديثة ، وهي صور حديثة ومطورة لديانات قديمة ، بعثت في هيئة جديدة ، وأصبح لها شيع وأتباع يسعون جاهدين لإذاعة معتقداتهم ، وبثها عبر كل ما يملكون من وسائل النشر والتأثير .
ونتيجة لهذا السعي المنظم الحثيث حصل التقبل التدريجي من قبل المجتمعات الغربية لتلك المعتقدات الغربية على ثقافتهم التي تغلب عليها المعتقدات الكتابية ، ومن ثم بدء تسربها إلى العالم الإسلامي من خلال تطبيقاتها المتنوعة ، والتي يتطرق لها هذا البحث .
لقد تتابع التأليف في أوروبا وأمريكا عن حركة (العصر الجديد) وعن تطبيقاتها المختلفة ، ما بين مؤيد لها ومعارض ، وتعالت أصوات الكنيسة في التحذير من مغبة التورط في دوامة تلك التطبيقات ، كما حذر عقلاء الغرب وعلماؤهم من خطورة الخلط بين تلك المفاهيم الباطلة ، والعلوم التجريبية الصحيحة ، إلا أن هذا التحذير لم يصل بعد إلى العالم العربي والإسلامي بل لا تزال الجهود قليلة في مدافعة هذا الخطر الداهم* ، ولما كان الخطر ذا تعلق ظاهر بالاعتقاد كان لزاما على أهل الاختصاص التصدي له ، ومواجهته قبل أن تعم به البلوى ، ويستفحل انتشاره ، ولات حين مندم .


__________________________
* يوجد موقعان إلكترونيان على شبكة الإنترنت اختصا بالرد على حركة (العصر الجديد)، والتصدي لفكرها وتطبيقاتها ، ورغم الجهود الجبارة التي يبذلها أصحاب هذين الموقعين ، ودورهما الكبير في مدافعة الباطل ، إلا أن الحاجة لا زالت ماسة للمزيد. تصفح :
موقع الفكر العقدي الوافد ...
موقع سبيلي ...





- يتبع إن شاء الله -

أبو مالك المديني
2015-01-05, 06:09 PM
ما شاء الله تبارك الله ، موضوع جيد مفيد ، واصلوا وصلكم الله برضوانه .

أم علي طويلبة علم
2015-01-05, 11:41 PM
اللهم آمين وإياكم ، بارك الله فيكم

(4)

أهمية الموضوع ، وأسباب اختياره:
ترجع أهمية هذا الموضوع إلى أهمية دراسة المذاهب المعاصرة عموما ، وهي تكمن في ضرورة استبانة سبيل المجرمين ؛ للتحذير منه على علم وبصيرة ضمن منهج قويم ، وفي الحاجة إلى فقه الواقع الذي ينبني عليه تحقيق مناط الحكم الشرعي .

أما عن الأسباب الداعية لاختيار الموضوع فأذكر منها ما يلي :

1- القيام بواجب الدعوة إلى الله ، والإسهام -بحسب الوسع- في حماية جناب التوحيد ، والتحذير من العقائد الباطلة ، والطقوس الوثنية في صورها المعاصرة .

2- الإسهام في منع انتشار العقائد الباطنية المعاصرة - متمثلة بــــ(حركة العصر الجديد) - في البلدان الإسلامية ، والتي تتخذ صورا قد لا يتنبه لها عموم المسلمين.

3- ضرورة الكشف عن المذاهب التي مهدت لانتشار العقائد الباطنية المعاصرة، والتحذير من اتباع سنن الضالين.

4- وجوب إبراز آثار (حركة العصر الجديد) وتطبيقاتها في الواقع ، وربطها بأصولها العقدية ؛ وذلك ليتسنى لأهل الاختصاص التصدي لها ، والعمل على تنقية المجتمع منها.

5- انخداع العوام - بل وبعض طلبة العلم - بتطبيقات ( حركة العصر الجديد) وعدم التنبه لما تتضمنه من خطر على الدين والاعتقاد.

6- ضرورة التصدي المبكر للدعوات الوثنية المعاصرة المضمنة في تطبيقات حركة (العصر الجديد) قبل انتشارها في المجتمعات الإسلامية عبر وسائل متنوعة، وغير مباشرة.

7- عدم وجود بحوث متخصصة كافية تعنى بالدراسة النقدية لـــ( حركة العصر الجديد) في ضوء العقيدة الإسلامية رغم ظهور آثارها .

أم علي طويلبة علم
2015-01-18, 12:02 AM
(5)


- ذلك أن الإشكال الرئيس الذي نواجهه في مدافعة فكر حركة ( العصر الجديد) -وأمثالها - في العالم الإسلامي ليس هو الشك في صحة المعتقدات الباطنية التي تتبناها ، فإن تلك العقائد ( كتناسخ الأرواح ووحدة الوجود ) - في الجملة - يعلم بطلانها عوام الناس فضلا عن العلماء وطلاب العلم ، وقد أفردت في الرد المفصل على تلك المعتقدات عدد من البحوث والرسائل العلمية .
وإنما يقع الإشكال في إثبات أن رموز حركة ( العصر الجديد ) يتبنون العقائد الباطنية ويدعون إليها ، وأن تلك العقائد يتم الترويج لها عبر عدد من التطبيقات والوسائل المتنوعة ، فإذا تم الربط بين العقيدة وبين التطبيقات المعاصرة لها ، أدرك الناس خطرها و ضرورة التحذير منها لعلمهم المسبق بانحراف الفكر الباطني الذي يتعارض مع ما هو معلوم من الدين بالضرورة .


- التعريف بحركة ( العصر الجديد ) :
...المعنى الاصطلاحي : وهذا المعنى رغم ارتباطه الظاهر بالمعنى اللغوي إلا أن له مفهوما أكثر تحديدا ، فقد نشأ في فترة محددة ، وأطلق على زمن محدد ، وارتبطت به حركة فكرية محددة .
...والاختلاف الظاهر في تحديد مفهوم لها يرجع إلى ثلاثة أسباب رئيسة :

1) أن حركة ( العصر الجديد ) ليست منظمة ذات قيادة مركزية ، ولا عقائد رسمية أو طقوس موحدة.
فلا يمكن الرجوع إلى مصادر معتمدة تُفهم من خلالها ماهية الحركة ، وإنما يستفاد ذلك من الاستقراء.

2) أنها حركة شمولية تتناول عددا كبيرا من جوانب الحياة البشرية ، ولذلك يختلف تعريف الحركة باختلاف الجانب الذي يبرزه كل باحث.

3) أن حركة ( العصر الجديد ) من الحركات الباطنية الحديثة التي تعتمد على السرية في كثير من تطبيقاتها ، فلا تعرض العقائد والمبادئ بشكل ظاهر لكل مريد ، وإنما تتاح (العلوم) بشكل تدريجي متأن .
فتجد من ينظر إلى الحركة نظرة سطحية ، ويُعرِّفها بناء على ذلك ، ومن ينظر إليها نظرة فاحصة مدركة للأصول والمآلات ويعرفها بناء على ذلك.

ولذلك فإن الاختلاف في تحديد مفهوم حركة ( العصر الجديد ) وتعريفها لا يمكن أن يُنظر إليه على أنه تناقض وتضاد ، بل هو من باب التنوع ، أو تعريف الشيء ببعض أجزائه أحيانا .

عبدالإله الجزائري
2015-01-19, 02:11 AM
جزاك الله خيرا أختنا الكريمة.
أرجو أن تواصلي نشر مقتطفات من هذا الكتاب مشكورة غير مأمورة.
فهذا الكتاب صدر حديثا وغير موجود في مكتباتنا..
والله الموفق
والحمد لله.

أم علي طويلبة علم
2015-02-03, 10:53 PM
بارك الله فيكم ،، إن شاء الله سنواصل نقل المقتطفات من الكتاب وبالترتيب إن شاء الله تعالى .

(6)

- يطلق على حركة ( العصر الجديد ) عدد من الأسماء الأقل شهرة ، منها :

روحانية العصر الجديد (new age spirituality)
والإنسانية الكونية (humanism cosmic )
وتسمى أحيانا : عصر الدلو (age of aquarius ) نسبة إلى البرج النجمي المعروف .
ولكن حركة ( العصر الجديد ) ( new age movement ) هو المصطلح الأكثر انتشارا ، وهو الذي يمكن من خلال تفكيك مفرداته لتقريب مفهوم الحركة ، على النحو التالي:

( حــركــة ):
تتكون ( الحركة ) -على وجه العموم- من مجموعة من الناس الذين يحملون فكرا مشتركا ويسعون إلى تحقيق أهداف عامة .
غير أن وصف حركة (العصر الجديد) بـــ(حركة) لايعني أنها مجموعة منظمة بالضرورة، أو أنها تتبع قيادة موحدة وفق مخططات دقيقة.
بل إن حركة (العصر الجديد) مجرد مصطلح مظلي، لن تجد لها مقرا رئيسا يمكن الاتصال به، أو موظفين رسميين يعملون على نشر مبادئها والترويج لها، وإن كانت تضم العديد من التجمعات الفرعية ذات التنظيم الدقيق ، والسيادات المركزية، لكنها لاتحمل اسم الحركة مباشرة.
فحركة ( العصر الجديد) ليست منظمة ، بل هي تضم العديد من المنظمات قد تصل أعدادها إلى الآلاف ، وقد يبدو في ظاهرها التنوع وعدم الارتباط ، إذ إن كلا منها تعنى بجانب معين ليس بينه وبين المجالات الأخرى تعلق ظاهر.
فبعضها تعنى بالصحة ، وبعضها بالعلوم التجريبية ، وبعضها بالسياسة ، وأخرى بتطوير الذات ، وغيرها كثير.
...تصف مارلين فيرجسن (Marilyn Ferguson) -إحدى المنظرين الأوائل للحركة- بأنها (( شبكة بلا قائد ، ولكنها ذات نفوذ ))
فتأثيرها راجع إلى المؤسسات الفرعية التي -وإن كانت لا تتبع قيادة مركزية- تسعى لتحقيق أهداف مشتركة ، ونقل العالم إلى مراحل عليا من (الوعي الكوني).


هل تعتبر حركة ( العصر الجديد ) دينا جديدا ؟
...والذي يظهر أن حركة ( العصر الجديد ) -رغم أنها تروج لعدد من العقائد الدينية- لايمكن أن تصنف على أنها ديانة مستقلة للأسباب التالي ذكرها:

1- يشتمل الدين -في الاصطلاح العام- على نوع من العقائد والعبادات بالإضافة إلى نظام محدد يحتكم إليه الأتباع، وينظم منهجهم في الحياة. أما حركة ( العصر الجديد) فهي -وإن كانت- تدعو إلى نظرة موحدة للكون والوجود، وتطرح حلولا متشابهة للمشاكل التي تواجه البشرية، إلا أنها لاتؤمن بطريق واحد للنجاة، ولاتقدم منهجا محددا للحياة يتبين من خلاله المحرم من المباح.
كما أن من أبرز معالم الحركة دعوتها إلى وحدة الأديان، أو توحيدها(1)، وتشجيع التيارات الباطنية داخل الديانات القائمة دون العمل على صرف أحد عن انتمائه الديني الأصيل.
2- أن لابد وأن يكون للدين مؤسس، أو قائد ومرجعية يتفق عليها الأتباع، بينما نجد في حركة ( العصر الجديد) خليطا من المرجعيات المختلفة -بل والمتناقضة في كثير من الأحيان-.
3- أن الديانات -في الغالب- تتضمن نوعا من الطقوس والعبادات التي يقصد بها التقرب إلى كائن مقدس ، وهذا لايتصور إلا بتباين العابد والمعبود، وهو معنى مفقود في العقائد الباطنية التي تتبناها الحركة.

وعليه؛ فإن حركة (العصر الجديد) لايمكن أن تصنف على أنها (دين) بالمعنى الاصطلاحي للكلمة، حيث تفتقر للمقومات الأساسية التي يقوم عليها؛ فليس لها نصوص مقدسة ، ولا قيادة مركزية ، ولا منظومة رسمية -بل ولا عقيدة موحدة-(2)، وتعتبر الاستقلالية الفردية في تحديد المسار الروحاني، وتشكيل الواقع والمصير من أبرز سمات حركة (العصر الجديد).

...ولذلك لا ينبغي الخلط بين المفهوم العام لحركة ( العصر الجديد ) وبين الديانات الوثنية الحديثة (neo-pagnism )، وإن كانت الأخيرة قد تندرج تحت مسمى الحركة العام، حيث تتميز بعض الديانات الوثنية الحديثة بوجود قادة معروفين وعقائد وطقوس محددة.
ومما يحسن التأكيد عليه أن إخراج حركة ( العصر الجديد) من مسمى الدين لا يقلل من خطورة هذه الحركة ومدى تهديدها للمعتقدات الدينية عموما والعقيدة الإسلامية على وجه الخصوص، وإنما المقصود تحرير المصطلحات وتوضيحها.

لقد أسهب بعض الكتاب الغربيين في الحديث عن حقيقة حركة (العصر الجديد) من حيث القيادة والتنظيم، فذهب عدد منهم إلى أن الحركة تخضع لتخطيط تآمري دقيق، وأن لها أهدافا توسعية تسعى من خلال تحقيقها إلى السيطرة على العالم بأسره. وقد كانت كونستانس كومبي (Constance Cumbey ) رائدة هذا الاتجاه وأول من ألف فيه ... إلا أن هذه الفرضية قوبلت بتشكك عريض في الأوساط النصرانية التي وجهت إليها كومبي تحذيراتها، حيث اعتُبرت الحركة حركة فكرية تتضمن توجهات متشابهة دون تنظيم مخطط ، أو قيادة مركزية، وإن كان ذلك لم يؤثر على رفض الكنيسة لها.
...وعلى أية حال ، فإن حركة ( العصر الجديد) -على كلا القولين- تشكل خطرا كبيرا على المعتقدات الدينية ، ومجرد ترويجها لمبادئها الباطنية في أوساط المسلمين يعد سببا كافيا لفضح أساليبها والتحذير منها سواء كان خلف تلك الحركة مؤامرة مدبرة أم لم يكن.

__________________________
(1) توحيد الأديان: دمج جملة من الأديان والملل في دين واحد مستمد منها جميعا، بحيث ينخلع أتباع تلك الأديان منها، وينخرطون في الدين الملفق الجديد.

(2) المقصود بـــــ( ليس لهم عقيدة موحدة ) هو مرونة الحركة في تقبل الاعتقادات المتنوعة، فلا يضير الإنسان أن يعتقد بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم إن كان يفسرها وفق مبادئ الحركة، ولافرق بينه وبين الذي يؤمن بعيسى، أو بموسى، أو بوذا وكرشنا...





-يتبع إن شاء الله تعالى-

أبوعاصم أحمد بلحة
2015-02-03, 11:06 PM
نفع الله بكم.
هذا الكتاب اقتنيته من معرض القاهرة الدولي للكتاب الأسبوع الماضي، ولم أطالعه إلى الآن.
لذا أنصح أختنا الفاضلة أن تعمد إلى تلخيص الكتاب وتهذيبه، وأن تضع خطة محكمة لهذا.

أم علي طويلبة علم
2015-02-03, 11:17 PM
بارك الله فيكم ، لقد سألت أهل هذا الشأن من الأخوات - حيث كانت من دعاة الفكر الباطني ولله الحمد الأن من دعاة التوحيد وتقوم بفضح هذا الفكر- ونصحوا بهذا الكتاب. نسأل الله التوفيق والسداد

محمد طه شعبان
2015-02-04, 12:08 AM
بارك الله فيكم

أم علي طويلبة علم
2015-02-05, 11:42 PM
وفيكم بارك الله

(7)

...إذن ما هو الجديد في هذه الحركة ؟
ترى حركة (العصر الجديد) أن أهل الأرض اليوم في أزمة ، وأنهم يلجؤون إلى أحد طريقين تقليديين لحلها:
إما بالطرق المادية الخاضعة للعلوم التجريبية ، أو بالاستعانة بالمعتقدات والممارسات الدينية.
وقد جاءت الحركة لتطرح طريقا ثالثا ، وحلا جديدا لتجاوز الأزمة الإنسانية الراهنة، وهو الخلط بينهما بطريقتها الخاصة، مما أنتج مزيجا نشازا من الفلسفات الروحانية الباطنية، والعلم التجريبي الحديث، أكثر خبثا، وأشد تلبيسا.
وبالجملة، فإن حركة (العصر الجديد) هي شبكة ضخمة جدا من الشبكات المكونة من الأفراد والجماعات الذين يحملون قيما ورؤى مشتركة، تقوم تلك القيم على الفلسفات الباطنية الشرقية، وعقيدة وحدة الوجود، بينما تتلخص الرؤية في التطلع لعصر جديد من السلام والاستنارة، وهو(عصر الدلو).

الانتساب إلى حركة (العصر الجديد):
لقد نال حركة (العصر الجديد) شيء من الدعاية الإعلامية السلبية في الثمانينات والتسعينيات، ربطتها بالخرافة والغموض والبعد عن المصداقية العلمية، بالإضافة إلى الترويج لاستخدام المخدرات، وأعشاب الهلوسة.
ولذلك نجد عددا ممن يتبنون فكر الحركة يتنصلون من الانتساب الصريح إليها، وهو اعتراض لايعني بالضرورة أن هؤلاء المفكرين أو المؤلفين أو المعالجين ينكرون تبنيهم لفكر (الحركة) وأهدافها، وإنما الاعتراض هو على النسبة والتسمية بالــــ(نيو أيج)، أو لأنهم يعتقدون أن هذا المصطلح يطلق على صورة مشوهة من الروحانيات التي يمارسونها.
وعلى أية حال، فإن ذلك لايمنع من تصنيفهم داخل هذا المفهوم.

أم علي طويلبة علم
2015-06-14, 12:54 AM
(8)


نشأة حركة (العصر الجديد) وأبرز شخصياتها

تقرر في المبحث الأول أن حركة (العصر الجديد) ليست ظاهرة جديدة كما قد يبدو عند أول وهلة، وأن جل أفكارها وتطبيقاتها مستعارة من ديانات وفلسفات أخرى، بل إن حركة (العصر الجديد) قد تعتبر تجديدا لبعض الحركات التي ظهرت في القرن التاسع عشر مع اختلافات يسيرة في الأسماء والشعارات.

وحيث إن التسمية ليس لها اعتبار يُذكر، فقد يستمر فكر الحركة في الظهور مستقبلا تحت اسم أو وصف مختلف، مع الاتفاق المجمل في المضمون.
ولذلك فإن الجديد عن نشأة حركة (العصر الجديد) لايمكن أن يُختزل في الوقت الذي تحددت فيه ملامح الحركة، بل يتجاوزه إلى ما قبل ذلك بقرن من الزمان تقريبا.

يمكن للباحث تتبع جذور حركة (العصر الجديد) إلى بعض الحركات الدينية والفلسفية التي ظهرت في القرن التاسع عشر للميلاد، والتي كانت تتبنى ما يسمى بـــ(الاعتقادات البديلة)(1).
لم تكن تلك الاعتقادات متمثلة في ديانة موحدة، كما لم يكن لها نصوص مقدسة ولا قيادة مركزية، فقد كانت شبكة رَخوة من الاعتقادات المتداخلة سماها بعض الباحثين (ثقافة الظل) (Tradition shadow) ، وهي تُشبه إلى حد كبير ما عليه واقع حركة (العصر الجديد) في زمننا الحاضر.

ثم مع حلول منتصف القرن التاسع عشر ازدادت شهرة تلك الأفكار والتطبيقات، وعند تأمل الصورة المعقدة لتلك الثقافة بشخصياتها ومبادئها وتطبيقاتها يتأكد الباحث أن حركة (العصر الجديد) ليست وليدة هذا القرن (2)، وإن كانت نشأتها الفعلية تكمن في (الثقافات الفرعية) لستينيات القرن العشرين.



___________________

(1) تطلق (الاعتقادات البديلة) ويراد بها المعتقدات الروحانية التي لا تنتمي إلى منظومة الديانات الكتابية، وهي -في الغالب- تحمل الطابع الباطني، ولا تفرض على أتباعها ضوابط سلوكية، أو حتى عقدية يلزم التقيد بها.
وهذا الوصف قد أسهم في نشر تلك المعتقدات؛ حيث جمعت بين الجانب الروحاني الذي يفتقده كثير من الغربيين، وبين حرية السلوك التي لا تتأتى -عادة- مع التدين التقليدي.

(2) المقصود هنا حركة (العصر الجديد) كحركة حديثة لها صفة مخصوصة، وليس المراد جذورها العقدية التي ترجع إلى الهندوسية، والديانات الوثنية القديمة، وغيرها مما يسبق ظهور الحركة بآلاف السنين.









-يتبع إن شاء الله تعالى-

أبو البراء محمد علاوة
2015-06-14, 01:43 AM
أحسن الله إليكم.

محمد طه شعبان
2015-06-14, 05:48 AM
مقتطفات مفيدة بارك الله فيكم

أم علي طويلبة علم
2015-06-14, 08:57 PM
(9)


- ظهرت بوادر الفكر الباطني الغربي الحديث -أو البذرة الأولى لحركة (العصر الجديد)- مع نزوح الجاليات الأوربية المهاجرة إلى الأرض الجديدة في أميركا، حيث قدموا ببعض العقائد الخرافية، والمعتقدات الاستسرارية من بلدانهم في أوروبا (1)، بالإضافة إلى ممارسات السحر والكهانة، إلا أن تلك المعتقدات لم يكتب لها التوسع والانتشار بسبب الضغط الذي واجهته من أتباع الكنيسة...

- ثم إن ذلك الفكر استمر بالتراجع والانحسار -خاصة في أوساط المثقفين والمتعلمين- مع سيادة العقلانية العملية والالتفات إلى العلوم التجريبية، ولكنها لم تزل منتشرة بين الفقراء وذوي المستويات التعليمية المُتدنية.
ومن تقبل تلك المعتقدات الاستسرارية من فئة المثقفين -أو حتى من رجال الدين- لم يكن ليُعلن تقبله، بل يحرص على كتمانه.


- ومن الأسباب التي أسهمت في انتشار المعتقدات والممارسات الجديدة ما يلي:

1- كثرة الأسفار والتنقل بين مناطق الأرض الجديدة نظرا لبعض العوامل الاقتصادية والاجتماعية، لا سيما مع تطور المواصلات وإقامة السكك الحديدية، حيث سهل انتقال الأفكار إلى أماكن متفرقة من البلاد.

2- كان لنمو حجم المدن، وازدياد الأعداد السكانية دور في إتاحة الفرص للاجتماع حول الخطباء والمتحدثين الذين يدعون إلى أفكارهم.

3- خروج المرأة للعمل، مما أدى إلى إعادة النظر في الأشكال التقليدية للأسرة، وهي أفكار كان من السهل طرحها في الثقافة البديلة، بخلاف البيئة النصرانية المحافظة.

4- تزايد عدد المهاجرين الجدد، وما شكلوه من تحد للسيادة الفكرية النصرانية القائمة آنذاك...

5- ترجمة النصوص الشرقية إلى اللغة الإنجليزية في نهاية القرن الثامن عشر مما أسهم في تكوين البنية الفكرية لبعض التوجهات الدينية في القرن الذي يليه، بالإضافة إلى ازدهار الطباعة التي ساعدت في نشر تلك الأفكار.

6- زيارة مجموعة كبيرة من كبار الهندوس للولايات المتحدة في أواخر القرن التاسع عشر، حيث كان لهم دورٌ بارز في الترويج للفلسفات الباطنية.

ولتلك الأسباب وغيرها أصبح للمعتقدات الاستسرارية الغامضة، والحركات الدينية الجديدة تقبل شعبي أوسع من السابق في الولايات الأمريكية المتحدة.


_________________________

(1) علما بأن الإنجليز كانوا قد تأثروا بالديانات الشرقية -الهندوس والبوذية على وجه الخصوص- نظرا لأثر التبادل الثقافي الذي حصل أثناء الاحتلال البريطاني للهند، وكنتيجة لهجرة أعداد كبيرة من الهنود إلى بريطانيا من بعد.






-يتبع إن شاء الله-

أم علي طويلبة علم
2015-09-06, 10:52 PM
(10)



إن حصر الحركات والفلسفات التي أسهمت في نشأة حركة (العصر الجديد)، وتلك التي تعتبر سلفا لها، يكاد يتعذر، فهي أكثر من أن تحصى في مثل هذا المقام، كما أنها متداخلة ومتشبعة، ولذلك سأكتفي بذكر أبرزها:

(1) الفلسفة المتعالية Transeendentalism –يمكن ترجمتها بالتجاوزية كذلك-:

الفلسفة المتعالية هي مجموعة من الأفكار والمعتقدات التي نشأت في الولايات المتحدة عند بداية القرن التاسع عشر كردة فعل للعقلانية السائدة في تلك الحقبة، وهي أول اتجاه فكري في الولايات المتحدة تظهر فيه آثار الفلسفة الشرقية –والهندوسية على وجه الخصوص-...

تقوم الفلسفة المتعالية على عدد من المبادئ والمعتقدات التي امتد بعضها إلى حركات وتوجهات لاحقة، خاصة حركة (العصر الجديد). ومن أبرز تلك المبادئ ما يلي:

الاعتقاد بأن للطبيعة البشرية قدرات خارقة لا يستخدم البشر سوى جزء يسير منها. وأن روح الفرد هي جزء من الروح الكلي.

تقديس الطبيعة، والاعتقاد بإلهية العالم.

الاعتقاد بأن تحقيق النجاة المطلقة (الخلاص) ليس خاضعا لأي أمر خارجي (دين أو سلوك)، بل يمكن تحصيله بالالتفات إلى (الداخل)، حيث الطبيعة الإلهية. كما يمكن للإنسان –باكتشاف تلك الإلهية الكامنة- تحوير المجتمع، والارتقاء به.

تضفي الفلسفة المتعالية على العقل البشري والفكر المجرد صفة الفاعلية المؤثرة، وتنسب إليه القدرة على تغيير العالم بأفكاره...




-يتبع إن شاء الله-

أم علي طويلبة علم
2015-09-07, 10:23 PM
(11)


(2) الروحية أو المذهب الروحي Spiritualism :

تعتبر الروحية من المذاهب الغريبة ذات التأثر الواضح بالمزمرية، ويمكن تعريفها –بشكل ميسر- بأنها: الاعتقاد بإمكانية التواصل مع أرواح الموتى. وقد كانت من أشهر التوجهات الفكرية في القرن التاسع عشر.
إن المحاولات البشرية للاتصال بالأموات ليست وليدة المذهب الروحي، وربما كانت بعض هذه الممارسات موجودة في القارة الأمركية قبل قدوم المستوطن الأوروبي، إلا أن الروحية لم تظهر كمذهب محدد ومستقل إلا في عام 1848م مع قصة بنات أسرة فوكس الشهيرة.


-يتبع إن شاء الله-

أم علي طويلبة علم
2016-08-12, 07:04 AM
(12)




(3) الثيوصوفي Theosophy :

يرجع عدد من الباحثين البدايات الأولى لحركة (العصر الجديد) إلى عام 1875م عندما تأسست جمعية الثيوصوفي على يد هِلينا بلافاتسكي وصاحبها العقيد هنري أولكُت* Henry olcott، بحيث تعتبر الثيوصوفي السلف المباشر لحركة (العصر الجديد) -بل قد تعتبر الحركة تجديدا لمذهب الثيوصوفي وتحديثا لأفكاره بما يتناسب مع الروحانيات المعاصرة.





______________________________ _
*هنري أولكت: كاتب محام أميركي ولد عام 1832م، أسهم في تأسيس جمعية الثيوصوفي. يعتبر أول رجل ذي شهرة من أصول أوروبية يتحول إلى البوذية، وله تقدير ومكانة عند البوذيين. استمر في رئاسة مجتمع الثيوصوفي حتى وفاته في عام 1908م.

أم علي طويلبة علم
2016-08-13, 01:34 AM
(13)


جمعية الثيوصوفي Theosophical society:
معنى الثيوصوفي:

(الثيوصوفي) لفظ يوناني ينقسم إلى قسمين: (Theo): تعني الإله، و(sophy): وتعني الحكمة.
وبذلك تكون الثيوصوفي -في اللغة- هي الحكمة المتعلقة بالإله.
إلا أن هذه الفلسفة الدينية هي أبعد ما تكون عن الحكمة، فهي تعتمد على الخوارق البشرية، والاتصال المباشر مع الحقيقة الكلية لتحصيل العلوم الباطنية، ولا تعلق لها بالإله إذ هي قائمة على القول بوحدة الوجود.

أم علي طويلبة علم
2016-08-13, 07:08 AM
(14)



(4) حركة (الفكر الجديد) New Thonght Movement

لم يعد للمذهب الروحي ولا الثيوصوفي وجود بارز في القرن العشرين، إلا أن بعض أفكارهما امتدت خلال حركة (الفكر الجديد)، فقد اشتركت مع الثيوصوفي في السعي لتحقيق أخوة إنسانية عالمية، ونشر ثقافة وحدة الأديان، كما اعتبرت صورة أميركية للمزمرية نظرا لشدة تأثرها بها.

ظهرت حركة (الفكر الجديد) في الولايات المتحدة الأميركية، وهي حركة فكرية روحانية تجمع بين طوائف متعددة تحمل مبادئ مشتركة حول أثر التفكير الإيجابي، وقانون الجذب(1)، وتعظيم القدرات البشرية الكامنة، والاعتقاد بطاقة الحياة الفلسفية الباطنية(2)، وغيرها من المفاهيم التي راجت بين أتباع حركة (العصر الجديد) من بعد.

لقد كانت النظرة المثالية التي تبنتها حركة (الفكر الجديد) للعقل والجسم مطابقة لتلك التي دعت إليها حركة (العصر الجديد) من بعد، حيث تُوقعان مسؤولية المرض والشفاء على الفرد نفسه، وتجعلان الفكر المجرد قادر على تشكيل واقع وخلقه.

وقد تحددت ملامح هذه الحركة في أواخر القرن التاسع عشر وفق مبادئ قررها فينيس كويمبي(3) قبل ذلك بعقود عدة.

...ظهرت تسمية (الفكر الجديد) في تسعينيات القرن التاسع عشر، وتحددت معالم هذا الفكر مع بداية الحرب العالمية الأولى. وفي عام 1914م تكون (الاتحاد العالمي للفكر الجديد) من مجموعات متنوعة تشكلت من تلاميذ هوبكنز، ثم أصدر إعلان مبادئ الحركة في 1957م.
ورغم أن مقر حركة (الفكر الجديد) الرئيس في الولايات المتحدة، إلا أن الجماعات التابعة لها تنتشر في أنحاء العالم، كما أن هناك عددا من الجماعات التي تندرج تحت مسمى (الفكر الجديد) يمكن تصنيفها ضمن حركة (العصر الجديد) كذلك.





______________________________ __________
(1) قانون الجذب: يعتقد أنه قانون كوني يحكم الواقع الذي يعيشه الإنسان، فالأفكار التي تكون في ذهن الإنسان تتحول إلى وجود مادي، وله أصول في الديانات الشرقية.

(2) طاقة الحياة: هي طاقة فلسفية نشأت في الديانات الشرقية، وتمثل الوجود المطلق، وكل موجود ليس إلا صورة لها.

(3) معالج أميركي، ولد في عام 1802م، ودرس المزمرية بتعمق، واستنبط منها طرقا علاجية، حتى قرر أن المرض ليس سوى وهم، وأن السبب في ظهوره هو خلل في التفكير، ولذلك يرى كويمبي إمكانية معالجة جميع الأمراض، والوقاية منها من خلال تصحيح الفكر.

أبو مالك المديني
2016-08-14, 12:31 AM
متابعون ، بارك الله فيكم .

أم علي طويلبة علم
2016-08-15, 12:25 AM
(15)




(5) ثقافة الهِيبي Hippie Culture

تعتبر ثقافة الهيبي -التي ظهرت في أميركا كردة فعل للمادية الغربية والأوضاع السياسية ما بعد الحرب العالمية الثانية- سلفا مباشرا لحركة (العصر الجديد).

اعتنق الهيبيز الروحانيات البديلة، ودعوا إلى الحرية السلوكية والعقائدية المطلقة، مع اهتمامهم الملحوظ بالطبيعة والبيئة، كما انتشرت في أوساطهم المخدرات، وعقاقير الهلوسة كوسيلة لتحرير الوعي، وإيصاله إلى مراحل عالية.
هذا بالإضافة إلى ممارسة التأمل الشرقي واليوغا لتحقيق الهدف ذاته.

وقد أسهم خروج الفيلم الموسيقي Hair عام 1967م في نشر ثقافة الهيبي ومعتقداتهم...

أم علي طويلبة علم
2016-08-15, 08:15 PM
(16)




(6) حركات القدرة البشرية الكامنة Human Potential Movements :

نشأت حركة القدرات البشرية الكامنة في ستينيات القرن العشرين حول فكرة الإمكانات الخارقة الكامنة في النفس البشرية، والعمل على تنمية الذات وتطويرها، إلا أن هذا الاهتمام بالنفس البشرية مقترن بالاعتقاد بوجود شرارة إلهية تكمن في داخلها، متى تم إطلاقها تمتع الإنسان بقدرات غير محدودة.

ومن صفا الحركة ما يلي:
1- التركيز على كل ما شأنه تنمية النفس البشرية، وتطوير الذات - بغض النظر عن إمكانية ثبوته علميا.
2- الاعتقاد (بقوة الحياة) (Live Foree)، وهي الطاقة الكونية في المعتقدات الشرقية، أو ما يسمى برانا (Prana)، ويمكن تحصيلها واستقطابها عن طريق اليوغا.

ويعتبر معهد إيسالِن (Esalen Institute) المركز الجغرافي لحركة القدرات البشرية الكامنة.

أم علي طويلبة علم
2016-08-16, 01:00 AM
(17)




(7) مؤسسة فندْهور Findhorn Foundation:

تأسست مؤسسة فندهور -والتي تسمى (فاتيكان العصر الجديد)- في عام 1962م على يد الزوجين بيتر و أيلين كادي Peter & Eileen Caddy وصديقتهما مكلين Dorothy Mclean، وهي مركز عالمي للتثقيف الروحي، وتطوير الذات في شمال سكوتلندا.

* نشأة مؤسسة فندهور:
انتقل الزوجان كادي وصاحبتهما دوروثي مكلين للعيش في بيت متنقل بالقرب من ساحل فندهور نظرا لبعض الظروف المالية الحرجة.
ولما أرهقتهم تكاليف المعيشة قرروا إنشاء حديقة صغيرة في الأرض المجاورة لمنزلهم؛ ليأكلوا من نتاجها.
فقامت دوروثي بتولي مهام الزراعة والحرث، إلا أنها لم تتبع الطرق التقليدية في ذلك -بل أصبحت تتخاطب مع (أرواح) النباتات لتأخذ منهم النصائح والتوجيه. ولما تكاملت المزرعة الصغيرة التي أقيمت على أرض خالية من الزرع أصلا، يزعم أتباع فندهور أنها أنتجت خضروات ضخمة ليس لها مثيل على وجه الأرض(1)! فأصبح أعداد كبيرة من المهتمين بخوارق العادات يتوافدون على مقر فندهور، ليتلقوا الإرشادات الروحانية، ويشكلوا مجتمعا جديدا يهدف إلى الارتقاء (بالوعي) العام، ويقدم الروحانيات البديلة مع السعي لاكتشاف الإله الكامن في الداخل.

ومع مرور الزمن تحول المجتمع الصغير إلى مؤسسة عالمية تستقطب آلاف الزوار والمريدين من جميع أنحاء العالم، وتقيم العديد من الدورات التثقيفية التي تربط بين المبادئ الروحانية والحياة الاجتماعية، والبيئة، والاقتصاد، كما تدرس في المؤسسة تعاليم مدام بلافانسكي، وأليس بيلي، وغيرهما من قادة الفكر الباطني -بل إن مؤسسة فندهور تعتبر ألِس بيلي نبيّة (العصر الجديد)! وقد تم الاعتراف بمؤسسة فندهور كمؤسسة خيرية رسمية -غير حكومية- من قبل الأمم المتحدة في عام 1997م.

لقد استقطبت فندهور عددا من قيادات حركة ( العصر الجديد) على مر السنين، منهم من كانت زيارته عابرة، ومنهم من مكث في مقرها مدة من الزمن ولعل من أبرز أولئك الزوار الثيوصوفي الأميركي ديفيد سبانغلر.



____________________
(1) علما أن هذه الخضراوات (الخارقة) ليس عليها دليل سوى أقوال أتباع حركة (العصر الجديد)، أما مجرد الزراعة في تلك الأرض فقد قرر المختصون أن ذلك ممكن إذا تمت العناية اللازمة بالمزروعات.

أم علي طويلبة علم
2016-08-21, 09:21 PM
(18)





(8) (مؤامرة) الدلو The Aquarian Conspiracy:

ولدت مارلين فرغسن في عام 1938م، وهي كاتبة أميركية ومتحدثة مؤثرة تعتبر من أبرز الإصلاحيين بالنسبة لأتباع حركة (العصر الجديد).

لــ فرغسن عدد من المؤلفات الفكرية إلا أن أشهرها على الإطلاق هو كتاب: (مؤامرة) الدلو The Aquarian Conspiracy الذي طبع في عام 1980م.

فقد أثار هذا الكتاب جدلا واسعا في أتباع الكنيسة حيث كان عنوانه يوهم بوجود مؤامرة منظمة تحاك لنشر فكر (العصر الجديد) وإحلاله محل التدين التقليدي.
إلا أن مارلين لم تقصد هذا المعنى بالتحديد، فكلمة: Conspiracy باللغة الإنجليزية تحمل أكثر من معنى؛ المعنى الأشهر الشائع هو: (المؤامرة)، والمعنى الآخر الذي لا يكاد يستخدم هو: (التنفس سويا)، وهذا المعنى الأخير هو الذي أرادته في كتابها،
حيث تتحدث فيه عن تحول شامل يقع على جميع المستويات: الشخصي، والروحاني، والاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي، والطبي، وغيرها، وهذا التغيير -المتوافق مع مبادئ الحركة وفلسفاتها- سيستحث قدوم (عصر الدلو).
ففي عنوان الكتاب إشارة إلى تغيير متزامن وإن لم يكن ثمة ارتباط محدد، أو تنسيق مسبق.
ولكن -بلا شك- أن اختيار فرغسن لعنوان الكتاب أسهم في انتشاره، ولفت الأنظار إليه.

وقد توفيت فرغسن في عام 2008م.

أم علي طويلبة علم
2016-08-21, 09:22 PM
(19)




عندما نتأمل ما سبق من المراحل التي مرت بها حركة (العصر الجديد) في طور نشأتها ندرك أنها حركة معقدة ذات أبعاد متعددة، ويمكن اعتبارها صورة جديدة لبعض الحركات التي سبقتها-أو خليط منها- .
إلا أن ما يميز حركة (العصر الجديد) عن سابقاتها -وبجعلها أكثر خطورة- هو ملامستها لاحتياجات العوام، واستهدافها لجميع طبقات المجتمع.

أم علي طويلبة علم
2016-08-21, 10:00 PM
(20)






من أبرز الشخصيات المعاصرة لحركة (العصر الجديد) :



1- جي زي نايت J.Z Knight :

ولدت جي زي نايت في عام 1946م في الولايات المتحدة الأميركية، وهي رمز من أشهر رموز (العصر الجديد)، اشتهرت بشخصيتها الجذابة والمثيرة للجدل، إلى جانب وساطتها لــ (روح) اسمه رامثا، تزعم أن عمره يزيد على 35,000 سنة.

لقد كان أول اتصال مزعوم بين رامثا وجي زي نايت في عام 1977م، ويصف نفسه -على لسان جي زي- بأنه مقاتل ليموري في أطلانطس(1)، عاش لاحقا كإله هندوسي ! كما يبرر اختياره لــ جي زي نايت بأنها تجسيد معاصر لابنته (عن طريق التناسخ).

أنشأت نايت مدرسة رامثا للاستنارة في عام 1988م، وهي تترأس عددا من المؤسسات المتعلقة، وتتلقى مبالغ هائلة مقابل حضور محاضرات (رامثا)، تصل إلى 1500 دولار للشخص الواحد في حلقات دراسية تقام في عطلة نهاية الأسبوع!

ومن الفلسفات التي يروج لها (رامثا) من خلال جي زي ما يلي:
1) أن العالم عبارة عن صورة مكثفة من الوجود الإلهي، ولا وجود لإله مباين للمخلوقات.
2) أن الإنسان يمثل شرارة إلهية ساقطة، أصبحت الآن محبوسة في المادة.
3) ومبدأ مقتبس من (الفكر الجديد): أن الواقع يخلقه الفكر.






______________________________ ________________
(1) ذكرت بلافانسكي في كتابها: (العقيدة السرية) بأن التاريخ البشري قد مر بعدة مراحل من الأعراق البشرية، وتشكل ليموريا المرتبة الثالثة التي انقرضت بظهور الحضارة التالية.

أطلانطس: هي جزيرة ذكرها أفلاطون في حواراته، إلا أنه لم يقم دليل على وجود حقيقي لها، وهي تمثل وطن العرق الرابع للبشرية عند بلافانسكي .
أما البشر الذين يقطنون الأرض اليوم فهم من العرق الخامس.

أم علي طويلبة علم
2016-08-25, 12:20 AM
(21)




2- بَنجِمِن كريم Benjamin Cre'me :

هو فنان وكاتب سكوتلندي، وأحد معلمي حركة (العصر الجديد) الذين يتبعون تعاليم مدام بلافانسكي وألس بيلي.
ادّعى في عام 1959م أنه بدأ يسمع أصواتا في داخله تنبئه بقرب ظهور الــ (مايتريا)(1) Maitreyah ، قائد (الأخوّة البيضاء العظيمة)، فأخذ كريم على عاتقه إعداد العالم لقدومه، حتى قرر الــ (مايتريا) أنه سيظهر بشكل مجسم ليزور الأرض، فأصبح كريم يلقي الكلمات حول (عودة المسيح).

لقد كان السابع من أيلول 1977م، هو التاريخ الذي زعم بنجمن كريم أن الجسد الذي سيحمل الــ (مايتريا) قد أعد، وبعده بدأ الــ(مايتريا) بالانحدار من مقره الروحي في جبال الهملايا.
ورغم أن بنجمن كريم كان يخبر أن الــ(مايتريا) سيظهر للعالم في عام 1982م فإن ذلك لم يحدث، وهو لايزال يدعي أنه سيظهر قريبا، وسيلقي خطبة عبر وسائل الإعلام يفهمها الناس كلهم على اختلاف لغاتهم.



______________________________ _
(1) مايتريا: التجسيد المستقبلي للبوذا، وهو الكائن الذي يمتنع بإراداته عن الدخول في النيرفانا (الاتحاد بالمطلق والخلوص من التناسخ) كنوع من التضحية لإنقاذ البشرية.

أم علي طويلبة علم
2016-08-29, 01:53 AM
(22)



3- يباك شوبرا Deepak Chopra :

هو طبيب أميركي من أصل هندي وكاتب ذو شعبية في حركة (العصر الجديد).
تتلمذ على يد مهاريشي يوغي(1) في التأمل التجاوزي، وترقى سريعا إلى مراتب عالية، ولكن شوبرا ترك المؤسسة بعد أن رأى مهاريشي أنه - أي شوبرا- يشكل منافسا لسلطته.

أسس ديباك (مركز شوبرا للصحة العامة) في ولاية كاليفورنيا، وبقي مخلصا لجذوره الدينية يدمجها في تعاليمه الحديثة، حيث يجعل شوبرا منشأ الشفاء والمرض في الفكر، فالوجود الجسماني -حسب رأيه- مخلوق لــ (الوعي)، معتمدا في رأيه على فلسفة الــ (أيورفيدا الهندوسية).
لقد واجه ديباك شوبرا انتقادا واسعا من الأوساط العلمية لإقحامه آراء فلسفية غير ثابتة في العلوم الطبية التجريبية، ولإحالته إلى النظريات الكمية في العملية العلاجية، وتفسيرها تفسيرا فلسفيا باطنيا، إلا أن ذلك لم يؤثر على شعبيته بين أنصار حركة (العصر الجديد)...

يصرح شوبرا في مواضع متعددة من كتاباته ومقاطعه المرئية بأن الإنسان هو (الإله)، وقد أصبحت شهرته وشعبيته تتزايد -وللأسف- في البلدان العربية، وفي الخليج العربي على وجه الخصوص .
فهناك مجموعات تعمل على خدمة وترجمة محاضراته ولقاءاته ونشرها عبر مواقع شهيرة على الشبكة العالمية، بل إنه قد تمت إستضافته للإلقاء في كل من البحرين والإمارات في شهر فبراير وشهر سبتمبر من عام 2013م، وظهر احتفاء كثير من المعجبين به وفكره الفلسفي المنحرف(2).




______________________________ __
(1) مهاريشي يوغي: لا يعرف الكثير عن المراحل المبكرة من حياة مهاريشي، ولكن أكثر المصادر تشير إلى أنه راهب هندوسي ولد في عام 1911م، وبعد أن توفي معلمه غورو ديف 1952م، دخل مهاريشي في عزلة تامة لمدة عامين، قام بعدها بتنظيم حركة تقوم بنشر التأمل التجاوزي في أنحاء العالم، واجتهد في نشر اعتقاداته إلى أن استطاع أن ينشئ مراكز التأمل التجاوزي في أنحاء متعددة من أوربا وأمريكا. ومازال مهاريشي حيا عاملا.

(2) وقد صرح صلاح الراشد في حسابه الخاص على تويتر بأن ديباك هو (أفضل مغرد روحاني) وبأنه (معلمه)، كما أخبر بأنه يتعاون معه في مشاريع تنويرية مشتركة.

أم علي طويلبة علم
2016-08-29, 09:12 PM
(23)




4- إكهارت تولي Echhart Tolle :

ولد إكهارت تولي في عام 1948م في ألمانيا، ثم انتقل إلى أسبانيا وعمره ثلاث عشرة سنة، وقد عاش أكثر شبابة يصارع الاكتئاب الحاد.
ولما أتم تسعة وعشرين عاما أصيب بنوبة شديدة من الاكتئاب دفعته إلى التفكير في ذاته، وما تعانيه من آلام، حتى توصل إلى إنكار تلك الذات، ثم زعم أنه عاش بعدها في سعادة وسلام حيث لم يعد له وجود ليحس بالألم، فهو مجرد مراقب.
أصبح إكهارت يقضي أوقاتا طويلة يراقب الناس في شوارع لندن، وفي المعابد البوذية، ويبيت في المنتزهات الخارجية، حتى وصفه أهله بالجنون.

مرت الأيام سريعا، حتى أصبح الرجل التائه الضعيف معلما روحانيا يقصده الناس من شتى بقاع الأرض.
وفي عاك 1995م انتقل إكهارت تولي إلى الولايات المتحدة، وهناك ألف كتابه الأول: (قوة اللحظة) أو (قوة الآن) (The power of Now) والذي ترجم إلى أربع وثلاثين لغة منها العربية...

يمتلك تولي شركة توفر اللوازم (الروحانية)، كما أسس موقعا على الشبكة العالمية يبث دروسه، وجلسات تأمل أسبوعية.

وقد بات عدد من (المدربين) في الخليج يكثرون من الاستشهاد بأقواله الفلسفية، ويحيلون إلى قراءة كتبه التي تغص بالتعاليم الباطنية، والفلسفات الكفرية، كالقول بوحدة الوجود، وتأليه الذات.
كما يعمل بعض معجبيه على ترجمة محاضراته ونشرها -مع محاضرات ديباك- على شبكة الإنترنت.

أم علي طويلبة علم
2016-09-09, 02:23 AM
المبحث الأول
أبرز مصادر العقائد الباطنية لحركة (العصر الجديد)


تعتبر حركة (العصر الجديد) حركة انتقائية تلفيقية، بمعنى أنها تنتقي مبادئها ومعتقداتها من مصادر متعددة ثم تجمعها في سياق واحد، فتكون النتيجة مجموعة من العقائد الملفقة.

وعند مقارنة تلك المصادر المتفرقة نجد أنها متباينة جغرافيا، ودينيا، وزمنيا، لا يكاد يربط بينهما رابط، ولكن بعد التدقيق والنظر يجد الباحث أن ثمة توجها ضمنيا مشتركا في تلك المصادر يربط بينهما جميعا:
وهو التوجه الاستسراري الباطني.

فعندما يقول بعض الباحثين الغربيين:
إن الهندوسية والإسلام -مثلا- من المصادر العقدية لحركة (العصر الجديد)، يحتار القارئ كيف يجمع بين الحق والباطل؟ وكيف يكون التوحيد الخالص والوثنية الممقوتة شريكين في تغذية هذه النبتة الخبيثة؟
ولكن عندما يُعلم أن هؤلاء قد يعبرون بــ(الإسلام) عن الفكر الصوفي المغالي المنتسب إلى الإسلام -زورا- تتضح أوجه الشبه بين المصدرين.


...أما المصادر الخارجية فسيتم تناول أبرزها في البحث الأول من هذا الفصل، وهي:

- الديانات الوثنية القديمة، متمثلة في الهندوسية، والطاوية، والبوذية، بالإضافة إلى الديانة المصرية القديمة.
- الاتجاهات الباطنية في الفلسفة اليونانية.
- الغنوصة النصرانية والــ كبالا اليهودية.
- التصوف (الإسلامي).
- الديانات الوثنية الحديثة، متمثلة يالشامانية الحديثة، والويكا، والدرويدية، وقد أدرجتها ضمن المصادر الخارجية باعتبار أصلها.

أم علي طويلبة علم
2016-09-09, 06:05 PM
المطلب الأول
الديانات الوثنية القديمة


...وقد استقت حركة (العصر الجديد) -على وجه الخصوص- كثير من آرائها الفلسفية من المعتقدات الهندوسية، والبوذية، والطاوية، وكذلك من الديانة المصرية القديمة.
فالفلسفات الشرقية التي تروج لها حركة (العصر الجديد) لا يمكن أن تعتبر من ابتداع الحركة، وإن كانت قد تحمل طابعا جديدا نوعا ما عندما تُنشر في المجتمع الغربي، فهي تُقدم بصور أميركية مبسطة، وتُزخرف بالمصطلحات العلمية الموهمة.

ومن أهم المصادر الفلسفية لحركة (العصر الجديد) -إن لم تكن أهمها على الإطلاق- هي الديانة الهندوسية.




أولا: الهندوسية:


تطلق (الهندوسية)على الديانة التي تعتنقها الغالبية العظمى من سكان بلاد الهند، وترجع أصولها إلى مايزيد على الألفي عام قبل الميلاد.

وهي مصطلح فضفاض يضم أكثر من مذهب فلسفي ومدرسة فكرية، كما تندرج تحته العديد من الممارسات الدينية والطقوس التعبدية المتباينة.

ولايمكن للباحث أن يحدد زمنا دقيقا لنشأة الهندوسية، فضلا عن محاولة إرجاعها إلى فرد، أو أفراد أحدثوها، أو قاموا بكتابة نصوصها المقدسة.
فالهندوسية هي مزيج من الثقافات والعقائد المتعددة التي تطورت مع مرور الزمان.

تفتقر الديانة الهندوسية إلى المرجعية الموحدة وإلى ما يمكن تسميته بالعقيدة المركزية، رغم اتفاق كافة الاتجاهات على قدسية كتب الــ فيدات.
ولكن هذا الاتفاق على القدسية لا يعني الاتفاق في تفسيرها، ولا على ما يصح اعتماده من النصوص الأخرى.
ويبقى هناك اتجاهان رئيسان هما الأظهر بين الهندوس:

- الاتجاه الوثني التعددي: وهو يحمل الطابع الشركي المعروف، حيث يعبد عوام الهندوس عددا من الآلهة، إلها لكل ظاهرة طبيعية، ويقدمون لها القرابين، وهم بذلك يأخذون بظواهر النصوص الهندوسية.

- الاتجاه الفلسفي القائل بوحدة الوجود: وهذا الاتجاه ربما يكون خاصا بالكهان، أو بالطبقات المثقفة ورجال الدين حيث يصعب فهم إشاراته الفلسفية المعقدة على البسطاء الذين لا يتقن كثير منهم حتى القراءة والكتابة.
وهو لايتعاض مع الاتجاه الأول -بل يجعل الآلهة المتعددة ليست سوى صور للوجود المطلق الموحد، فلا ضير من توجيه العبادة لمئات الآلهة من دون الــ براهمان.

وهذا الاتجاه الأخير هو الذي انتقل إلى العالم الغربي من خلال أتباعه البارزين أمثال سوامي فيفيكاناندا Swami Vivekananda، والذي كان له أثر كبير في الترويج لهذا الفكر هناك.




يتبع إن شاء الله/

أم علي طويلبة علم
2016-09-09, 11:53 PM
إن عددا من العقائد التي تتبناها حركة (العصر الجديد) ترجع في أصلها إلى الديانة الهندوسية، وقد تشكلت نظرة الحركة للإله والكون والإنسان بناء عليها، كما استقت الكثير من ممارساتها وتطبيقاتها التأملية من الطقوس الهندوسية مباشرة، ومن أبرز تلك العقائد ما يلي:



(1) الــ براهمان Brahman، ووحدة الوجود:
لا يعطي (حكماء) الهندوس أي نوع من التعريف للــ براهمان، وإنما يحيل كثير منهم التلاميذ إلى بعض الممارسات العملية، ليتعرفوا عليه من خلالها ويتوصلوا إليه بــ(التجربة)، وكان غاية وصفهم له بالسلب؛ فلا سبيل إلى رؤيته، أو سماعه، أو إدراكه بأي من الحواس، إذ هو خال من الصفات.
... ولعل أوضح تعريف يمكن تحديد للــ براهمان هو أنه الوجود المطلق الذي يتجلى من خلال تجسيداته، فكل شيء في الوجود ليس إلا صورة من صور الــ براهمان.


(2) قانون الجزاء الــ كارما Karma، وتناسخ الأرواح الــ سمسارا Samsara:
تعد الــ كارما والــ سمسارا من أبرز العقائد الهندوسية، ورغم سذاجة الفكرة التي ترتكز عليها هذه العقيدة إلا أنها شكلت محل جذب لهواة فلسفات الشرق من أبناء الغرب.

تُعرف الــ كارما بأنها حصيلة ما يقوم به الإنسان من أعمال، وما يحدثه من سلوكيات وتأثيرات في المجتمعات، ثم يترتب على هذه الأعمال من آثار في مجرى حياته الحالية والمستقبلية.
ويتم إنفاذ الثواب والعقاب عن طريق الــ سمسارا أو تناسخ الأرواح.
و (التناسخ) هو أن تعود النفس [بعد موتها] إلى جسم آخر لأنها لم تُشبع في الأول سائر أعمالها، ولأنها لم تؤد واجباتها، ولم تتمتع بثمرة النشاطات التي نفذتها في الحيوات الأوائل.
متى ما أشبعت كل الرغبات، وأدت النفس كل ما عليها بلا آثام تسقط ضرورة التناسخ، وعندها تنجو النفس، وتتحرر من التناسخ لتحقق الانعتاق الكامل، أو ما يسمى بالــ موكشا.

ولعل استحداث هذه الأفكار كان من أجل تفسير التفاوت الملحوظ بين الناس في الرزق، والصحة، والسعادة، حيث انعدام النور الإلهي والبصيرة التي تنير لهم الدرب.
أو أنها أوجدت من أجل إحداث نوع من الرقابة الذاتية تكف المرء عن إيذاء الآخرين، حيث غاب عن الفكر الهندوسي مفهوم الرقابة الإلهية، ومفهوم الثواب والعقاب الأخروي.


(3) أهداف الحياة الأربعة:
للحياة البشرية عند الهندوس أربعة أهداف، ينزع الإنسان إلى تحقيقها في (حيواته) المتتالية. وهذه الأهداف هي:

1- المتعة أو اللذة Kama، وهو أدنى هذه الأهداف حيث يشترك في ابتغائها الإنسان والحيوان.
2- التملك Artha، ويقصد به السعي لتحصيل الرخاء المادي، من مال ومنصب وجاه...
3- اتباع النظام العام: دهارما Dharma، بمعنى (التقوى) أو (الصلاح). ويقصد به الأخلاق ، والواجبات، والالتزامات الفردية، أو (الفضيلة) بشكل عام...
4- التحرر المطلق: Moksha، تعد الــ موكشا الغاية الأساسية من جميع أشكال البحث الديني والفلسفي في الهند، وتعني: (التحرر الروحاني، وهي هدف كل الموجودات التي يمكنها الوصول إلى التحرر الروحاني الأخير من استرقاق عالم الــ سمسارا) وتكرر الولادات، مع ما يصاحبها من منغصات وأكدار كالمرض والفقر والهرم والألم والموت...



(4) الطقوس الهندوسية:
وهي ذات تعلق ظاهر بالمعتقدات ونابعة عنها -خاصة عقيدة الاتحاد ووحدة الوجود.
فالسالك الهندوسي يسعى إلى تحصيل الخلاص من دوامة التناسخ وتكرار الولادات من خلال الاتحاد بالكائن المطلق والذوبان فيه، ويتحقق ذلك بممارسة عدد من الطقوس كــ اليوغا والتأمل والصوم وتكرار الصيغ المقدسة أو الــ ( مانترا) mantra.

أم علي طويلبة علم
2016-09-17, 11:02 PM
ثانيا: الطاوية:



الطاوية هي فلسفة وديانة صينية شعبية قديمة، تشكلت عبر مراحل مطولة، وخضعت لعملية إدماج مستمر للعديد من التسلسلات الفكرية القديمة والعناصر الخارجية.
يعد لاوتزي(1) Laozi مؤسس الطاوية عند كثير من الباحثين، وإن كان بعضهم يرى أنه شخصية أسطورية ليس لها واقع في التاريخ.
...وأبرز معتقداتها:


(1) الــ طاو Dao \Tao :
ترتكز الفلسفة الطاوية على مبدأ الــ طاو الأبدي، وإليه تنسب.
وهو عامل مشترك في كثير من الفلسفات الصينية المحلية، فكلمة الــ طاو كلمة شائعة الاستعمال، وتعني في لغتهم: الطريق، أو الطريقة، أو السبيل، أو الصراط، أو النهج، وإن كان -في التراث الصيني- يختلف معناها من مفكر لآخر.
...أما شوانغ نزي (2)، معلم الطاوية الثاني، فقد قرر بأن الــ طاو في كل مكان، فلا يخلو منه مكان، وعندما طُلب منه التحديد أكثر، قال:
( أنه هنا في النمل.. في حشائش الأرض..
في الآجر والقرميد.. وفي البول والعذرة أيضا!).

وعليه، فالــ طاو لا يمكن أن يكون مرادفا للإله. وهو لا يحمل بعدا روحانيا، ولا صفات إلهية، فالطاوي لا يتعامل مع الألوهية. ولم يكن المؤسس الأول ولا تلامذته المشهورين يقرون بخالق موحد للمخلوقات بعلم وإرادة، فالــ طاو عندهم فاعل بلا إرادة، بل إن شانغ تزي يرفض إعطاءه صفة الفعل، رغم اضطراره لاستخدام العبارة المشعرة بذلك.

... فهي -باختصار- صورة جلية من صور وحدة الوجود، حيث الــ طاو الذي هو مبدأ الوجود حاضر في الكائنات، لا يفصله عنها مسافة في الزمان أو المكان.


(2) فلسفة الــ ين يانغ Yan- Yang :
لقد مزج لاوتزي مبدأ الــ ين يانغ ذا الأصول القديمة في الثقافة الشرقية مع فلسفته للــ طاو، خرج من خلاله بتفسير كلي للوجود.
فاعتبر أن الــ طاو هو الواحد الأزلي الذي تولدت منه الثنائية المتمثلة بالــ ين يانغ، ومن هذه الثنائية تولد كل ما في الوجود.

(3) الاتحاد والتنوير (الإشراق):
يعد التوحد مع الــ طاو هو الهدف الرئيس في الفلسفة الطاوية، حيث لا يمكن للإنسان أن يحقق السعادة والاستقرار النفسي إلا عن طريق هذه الوحدة.
" وقوام الموقف الطاوي هو أن حيل البشر وأفاعيلهم تفضي إلى الشر والتعاسة، ويتعين عليهم العثور على السلام والرضا أن يتبعوا طريق الكون، أو طاو الكون، وأن يحققوا التوحد مع هذا الــ طاو".

... وهذه العقائد كلها ظاهرة في تطبيقات حركة (العصر الجديد)، بل إن الحديث عن الــ طاو والــ ين يانغ أمر شائع جدا حتى في التطبيقات المنتشرة في العالم الإسلامي (3)، ولا يعلم أولئك أنهم إنما يروجون -في الحقيقة- للطاوية.





________________________
(1) لاوتزي: مؤسس الطاوية، ولد في عام 604 ق. م. ونشأ في بيت فقير ببلدة في الصين الوسطى. عمل لاوتزي أمينا للمكتبة الملكية، فاطلع على الظروف الصعبة التي مرت بها المجتمعات الصينية في تاريخها، مما أسهم في تكوين رؤيته للخلاص، حيث قرر أنه لا يمكن أن يتحقق الإصلاح، وإنما يكون بالعزلة.
ينسب إليه كتاب (الطاو طي جنغ) الذي دونت فيه أفكاره الفلسفية. ولا يعلم بعد ذلك شيء عن حياته، إلا ما ذكر عن عيشه في العزلة إلى أن توفي وعمره تسعون عاما في عام 517ق.م...

(2) شوانغ تزي: الرجل الثاني في الفلسفة الطاوية، ولد في ولاية سونغ عام 369 ق.م، ولجأ إلى العزلة، والتنسك، والتأمل في أسرار الكون والوجود.
قامت فلسفة شوانغ تزي على أساس مبدأ وحدة الإنسان مع الطاو حيث يرى فيها تحقيق الحرية الفردية المؤدية إلى التحرر الكامل من قيود الحياة المادية. توفي عام 286 ق.م...

(3) كأنواع العلاج بالطاقة، والريكي، ونظام الماكروبيوتك، وغيرها مما سيأتي الحديث عنه في ثنايا هذا البحث بإذن الله.

أم علي طويلبة علم
2016-12-24, 08:45 PM
ثالثا: البوذية:

تأسست البوذية على يد سدهارتها غاوتاما Siddhartha Gautama الشهير باسم (بوذا)(1)(Buddha) أو العارف المستنير، وإليه تنسب.
وهي إحدى الفلسفات الفكرية التي ظهرت في القرن السادس قبل الميلاد.
كانت بداية نشأتها في بلاد الهند، فهي لم تخرج عن إطار الفكر الهندي بشكل عام، وبسبب نشوئها ضمن المحيط الديني والاجتماعي للهندوسية، فقد تبنت العديد من أفكارها ومعتقداتها.
وقبل الشروع في الحديث عن المعتقدات البوذية، لابد من الإشارة إلى أنها انقسمت إلى مدارس عدة، لم يبق منها على مر العصور إلا تلك التي يسميها البوذيون المركبات الثلاث(2).
تحمل كل واحدة من هذه المركبات نظرة مختلفة تجاه تعاليم بوذا وكيفية الوصول إلى مرحلة الخلاص، مع اشتراكها في بعض المعتقدات الأساسية(3)...



_______________________
(1) بوذا: ولد سدهارتها غاوتاما في القرن السادس قبل الميلاد لأسرة هندوسية من الطبقات الشريفة. اختار سدهارتها طريق التنسك والتقشف الذي كان عليه نساك زمانه، ليحقق الخلاص من الآلام الدنيوية، اكتشف بعدها بسبعة أعوام أن إماتة الجسد ليست هي السبيل لتحقيق الخلاص.
في أحد الأيام جلس بوذا متأملا تحت شجرة ضخمة بجانب النهر، وزعم أنه بلغ ما أسماه (الإشراق)، فحقق الخلاص والتحرر من التناسخ، وأصبح بعدها يسمى الــ بوذا، وبدأ ينشر تعاليمه.
توفي بوذا عن عمر يناهز الثمانين سنة، بعد رئاسته للرهبنة لمدة امتدت إلى خمسة وأربعين عاما.

(2) وفي هذا إشارة إلى العقائد الباطنية عند البوذية، حيث تعد العقيدة والتعاليم مطية يصل بها المرء إلى الغاية، فإذا حقق هدفه تخلى عن المركبة ولم يعد بحاجة إليها. وهذا شبيه بحال غلاة الصوفية والفرق الباطنية المنتسبة للإسلام.

(3) المركبة الصغرى، الــ هنايانا:Hinayana ويسميها أتباعها : الــ ثيرافادا Therevada أو طريق الأقدمين، ويتميزون بالتقيد الحرفي بتعاليم بوذا، والحرص على الإبقاء على أصالة الفلسفة دون تحويلها إلى ديانها تعبدية. ومن ثم فهم لا يعترفون بالاجتهادات التي نشأت عن النساك الرهبان من بعد بوذا. ويعتبرون الطريق الوسط الذي اتبعه بوذا في آخر حياته هو سبيل الخلاص.

المركبة الكبرى، الــ مهايانا : Mahayana نشأت هذه المدرسة كمحاولة للتصدي للفلسفات الهندوسية التي عجزت الــ هنايانا عن مواجهتها، وذلك من خلال توفير الشروح والتفاسير المطولة على العقائد البوذية الأساسية، والاعتماد على الآراء الاجتهادية الحادثة. ويرى أتباع المركبة الكبرى أن التزهد والتقشف هو الطريق إلى الخلاص، حيث كان هذا المسلك هو الذي مهد لــ بوذا طريق الوصول إلى حالة الإشراق.

المركبة الماسية، الــ فاجريانا : Vajrayana تفرعت هذه الطريقة عن المركبة الكبرى، وتميزت بما أدخل عليها من المعتقدات الدينية، والممارسات التعبدية، والــ يوغية.






يتبع إن شاء الله

محمد طه شعبان
2016-12-24, 10:00 PM
بارك الله في مجهودكم

أم علي طويلبة علم
2016-12-29, 10:03 AM
احتفظت البوذية - بمدارسها الثلاث- بكثير من العقائد الهندوسية الدارجة في الهند إبان نشأتها، ولم تحدث فيها أي إضافة أو تغيير يذكر، من أهمها: عقيدة الــ كارما و الــ سمسارا.
أما العقائد الخاصة بالبوذية فهي كالتالي:

(١) بوذا: اختلفت نظرة البوذيين إلى بوذا بحسب قربهم وبعدهم عن تعاليمه،
فالمدارس التي بقيت على التعاليم الأصلية للفلسفة البوذية، والتي تتسم بالإلحاد -أو في أقل أحوالها التوقف في وجود الإله- لم تكن تؤله بوذا. يل لم تعر للقضايا الغيبية والإلهيات كبير اهتمام، ولم تتطرق لكثير منها بالنفي أو الإثبات، فهو معلم ومرشد إلى سبيل الخلاص.
والتعاليم التطبيقية والسلوكية المتعلقة بالفلسفة إنما يراد منها تحقيق الخلاص الذاتي، وليس التقرب لأي قوى خارقة.

أما المدارس التي انحرفت عن تعاليم بوذا الأصلية فهي تصفه بالصفات الخارقة وتلبسه لباس الألوهية.
ومن ثم شيدت له التماثيل، وقدمت لها القرابين، وظهرت العبادات والطقوس الدينية، إلى أن أصبحت البوذية صورة شبيهة بالوثنية الهندوسية البدائية...

ولاشك أن المظاهر الوثنية هي الأكثر انتشارا بين أتباع البوذية في بلدان الشرق.
أما الإلحاد والقول بالمطلق المتجاوز، فمقتصرة على الخواص من الكهنة والرهبان، حيث تعد هذه العقائد مستعصية الفهم على العوام والبسطاء.
بينما انتقلت تلك العقائد المعقدة إلى الغرب وتبنتها حركة ((العصر الجديد)).






يتبع إن شاء الله

أم علي طويلبة علم
2017-01-03, 11:51 PM
(2) الحقائق الأربع: بينما كان بوذا في تأمله الشهير، ادعى أنه قد انكشفت لإدراكه أربع حقائق يُعد الجهل بها هو السبب في تكرار الموالد، والبقاء في دوامة التناسخ.
هذه الحقائق الأربع هي الفكرة المركزية في البوذية، وتأملها هو المهمة الأساسية في حياة البوذي، وهي الموصلة إلى الإشراق والتنوير.
تتمثل تلك الحقائق بالتقاط التالية:
1-حقيقة العذاب: يعني إدراك مظاهر العذاب وأشكاله. فالولادة عذاب والمرض عذاب والموت عذاب...
2-حقيقة أصل العذاب وأسبابه: ويكمن سبب العذاب عند البوذيين في رغبة الإنسان بما لا يستطيع تحصيله، فتتولد المعاناة من حرمانه.
3-حقيقة إبطال العذاب والقضاء عليه: هذه الحقيقة هي عبارة عن إبطال التوق،والرغبة والتحرر منها بشكل تام، حيث لا يبقى للإنسان رغبة. وبذلك تبطل عملية الصيرورة، وتنقطع عملية التناسخ.
4- حقيقة السبيل المؤدي إلى إبطال العذاب: وهي الطريق العملي لتحصيل ثمرة بقية الحقائق، وإبطال العذاب، والتوصل إلى الـ نيرفانا...



(3) الــ نيرفانا (Nirvana): هي كلمة سنسكريتية؛ تعني: الانطفاء، أو انقطاع التوق، وانعدام الرغبة.وهي الهدف الأسمى لجميع الممارسات البوذية. يعبر عنها البوذيون بأنها (الغاية التي تنتهي إليها الإنسان بعد خلاصه من كل ألم، وفوزه بالنجاة الحقيقية).
ومع أهمية هذا المبدأ عند كافة المدارس البوذية، إلا أن الباحث يجد اضطرابا كبيرا في تحديد مفهومه وتقديم تعريف واضح لحقيقته في النصوص البوذية...
لقد كانت بدايات دخول البوذية إلى أميركا في القرن التاسع عشر مع الفلسفة المتعالية والثيوصوفي خاصة، وكما سبق فإن بلافانسكي نفسها كانت قد تحولت إلى البوذية.
أما المدارس البوذية الأكثر انتشارا في الغرب فهي: زن (Zan) (1) والـــ تانترا (Tantra)(2)، بينما الصورة التي تتبناها حركة (العصر الجديد) هي صورة ملفقة تجمع بين عناصر من البوذية وتخلطها بديانات وفلسفات أخرى بالإضافة إلى إقحامها في العلوم التجريبية البحتة، وكلها تتبنى عقيدة وحدة الوجود.



_______________________
(1) زن: توصف بوذية زن بأنها أصعب ديانات الأرض فهما، فهي استسرارية بشكل يصعب معه فهمها، أو شرحها بالكلمات كما يدعون، وإنما تفهم بالتجربة...
(2) تانترا: هي -في الأصل- توجه هندوسي باطني، وهي إحدى المدارس البوذية التي تطلق عليها: المركبة الماسية. تعتبر التانترا من أكثر المدارس البوذية انتشارا في الغرب.





يتبع إن شاء الله

أم رفيدة المسلمة
2017-01-04, 12:33 AM
نفع الله بك ، وبارك في جهودك .

أبو مالك المديني
2017-01-04, 05:49 PM
واصلي وصلكِ الله برضاه .

أم علي طويلبة علم
2017-01-08, 11:29 PM
رابعا: الديانة المصرية القديمة والهرمسية:



يعبر بالديانة المصرية القديمة عن مجموعة من المعتقدات والطقوس المتعلقة بالمجتمع الذي كان يقطن بلاد مصر ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد.
وهي -بصورتها البسيطة- ديانة تعددية وثنية تنسب الظواهر الطبيعية للآلهة المتعددة، والخصائص الألوهية للفرعون.
انتقلت المعتقدات المصرية إلى خارج أرض مصر (فانتشرت في أنحاء البحر الأبيض المتوسط، ومنه انتقلت إلى بلاد العالم المتحضر)...
للديانة المصرية القديمة عدد من الخصائص التي تتميز بها، والتي كان لها أثر في بعض توجهات حركة (العصر الجديد) من بعد.
يمكن إجمالها في الجوانب التالية:

(1) الموت والبعث والخلود:
لقد كانت أبرز سمة للديانة المصرية القديمة اهتمام أتباعها بالموت وما بعده، فقد أشغل المصريين ما يرونه من حتمية الموت، وأرهبهم الفناء، حتى كان هدفهم الأكبر تجاوزه، والخلاص منه.
ومن هنا أتى اهتمامهم بأجساد الموتى، ومحاولاتهم المتكلفة في الإبقاء عليها...
ثم إن المصريين القدماء خشوا أن لا يستطيع الإنسان -بعد اتحاد روحه وجسده- معرفة كيفية تجاوز العقبات التي قد تحول بينه وبين الخلود المنشود في العالم الآخر، فأصبحوا يكتبون للموتى الأدلة التي تحتوي على الإرشادات، وسبل تخطي العقبات، وبعض الترانيم السحرية المعينة على ذلك...

(2) الطقوس السحرية:
كان للسحر أهمية كبرى في الديانة المصرية القديمة، فقد كان يعتقد أن الاتصال بالآلهة يكون من خلال الطقوس السحرية، وأنه وسيلة تمكن الإنسان من فعل الخوارق والعجائب-بل وتحقيق الخلود. وقد وُظف الصوت في الطقوس السحرية المصرية تماما كالـ مانترا في الهندوسية والبوذية.
ربما يعود هذا الاهتمام بالسحر عند المصريين إلى قصة تروى عن إلهة هي من أعظم الآلهة المصرية، وأكثرها شهرة: الإلهة إيزيس (Isis).
تحكي الأسطورة أن زوج إيزيس قتل بسبب خصومته مع أحد الآلهة، فوضع في تابوت ورمي في النيل. فبحثت عنه زوجته حتى وجدت أشلاءه المقطعة، ومن خلال قيامها ببعض الطقوس السحرية جمعت جسده، وأعادت له الحياة ليصبح ملك العالم السفلي (Underworld) فبالسحر اكتشفت إيزيس الدواء الذي يتحقق به الخلود.
لقد خُط اسم إيزيس ورسمت صورها في مواضع كثيرة جدا من الآثار المصرية. وهي ترمز للخصومة والسحر، ويعتقد أنها ولدت السماوات والأرض.
وبعد احتلال الإسكندر للبلاد المصرية انتقل الاعتقاد بتأليه إيزيس إلى الإغريق والرومان، ولا تزال هذه الإلهة مقدسة عند بعض الجماعات الاستسرارية المصنفة ضمن حركة (العصر الجديد) كــ ((جماعة إيزيس)) (Fellowship of Isis) التي تأسست في إيرلندا عام 1976م.






يتبع إن شاء الله

أم علي طويلبة علم
2017-02-08, 09:32 PM
(3) الحلول ووحدة الوجود:

لقد كان للديانة المصرية القديمة جانب باطني ومعتقدات استسرارية، حتى اعتبرت مصر منبعا من منابع العلوم الباطنية المتعلقة بالكون والنفس.
فالوثنية التعددية الساذجة لم تشبع العقل المصري و روحه، وأصبح ينظر إلى الآلهة على أنها متفاوتة في السلطة والسيادة يطغى بعضها على بعض.
ثم تطورت الديانة المصرية إلى أن تقرر لدى أتباعها أن الإله واحد، ولكن هذا التطور قصر دون التوحيد وانحرف إلى وحدة الوجود، فكان ينظر إلى الآلهة -وجميع الكائنات- على أنها ليست سوى تجليات لذلك الإله الواحد والوجود المقدس، أو على أن (( روح )) الإله قد حلت فيها.
وكنتيجة حتمية للاعتقاد بوحدة الوجود يأتي القول بتأليه الذات البشرية، فكان تأليه الإنسان من أهم أهداف الأسرار المصرية...



(4) الأهرامات:

تطلق الإهرامات في اللغة المصرية القديمة على مكان الصعود.
وهي - في الواقع- قبور ضخمة صنعت للأسر المالكة وأبناء العلية، وقد شكلت جذب للمهتمين من جميع أنحاء العالم حتى صنفت أهرامات الجيزة على أنها إحدى عجائب الدنيا السبع.
لقد توالى اهتمام الجماعات الباطنية الغربية بالأهرامات، ونسبوا لها العجائب والأساطير.






يتبع إن شاء الله

أم علي طويلبة علم
2017-07-10, 02:26 AM
الهرمسية

عندما استولى الإغريق على البلاد المصرية في ما يعرف بالفترة الهيلينية، ظلت المعتقدات المصرية هي السائدة -بل اكتسبت الآلهة المصرية بعض الأتباع الجدد من اليونان.
ولكنها مع مرور الوقت أخذت تتشرب بعض الخصائص الإغريقية. وقد حفظت الجوانب العملية والباطنية للديانة المصرية القديمة في مجموعة مخطوطات مصرية ويونانية وعبرية تعرف بــ كوربُس هِرمِتكم
(Corpus Hermeticum) تم جمعها في القرنين الأول والثاني قبل الميلاد، وتنسب إلى شخصية أسطورية يدعى هرمس (Hermes) مثلث العظمة، وهو المقابل الإغريقي للإله تحوت(Thoth) المصري، أو صورة مدمجة لهما.

فنشأ عن تلك الكتابات منظومة من الاعتقادات والفلسفات الغنوصية التي مثلت مذهبا باطنيا متميزا أطلق عليه اسم: الهرمسية.
وهو من أقوى المؤثرات في التيارات الباطنية الغربية ومن أبرز مصادرها، خاصة في عصر النهضة عندما نقلت الكتب المنسوبة إلى هرمس إلى اللغات الأوروبية، واعتقد بعض المفكرين أنهم وجدوا فيها أصولا لفلسفات أفلاطون وفيثاغورس.

اكتنف شخصية هرمس شيء من الغموض واختلف المؤرخون كثيرا في تحديد زمن ظهوره وموطنه -بل وفي حقيقة وجوده-، وهذا كله لا يشكل أهمية تذكر في ما نحن بصدده، فإن المقصود دراسة الديانة والفلسفات التي تنسب إليه، وآثارها دون الخوض في صحة تلك النسبة من عدمها.

وإن كان بعض الباحثين يرجع أن الكتابات المنسوبة إلى هرمس هي من وضع بعض فلاسفة مذهب الاسكندرية أو الفيثاغورية المحدثة.

أما ما يذكره بعض الكتاب من كون هرمس هو نبي الله إدريس عليه السلام، فلا يمكن أن يتصوره مسلم.
فــ هرمس هذا -إن ثبت وجوده- لم يعرف إلا من خلال المتون المنسوبة إليه، وهي مليئة بالفلسفات الباطنية، والعبارات الإلحادية التي لا يمكن أن تخرج من مشكاة النبوة، فكيف يجعل قائلها نبيا؟
فإن قيل: ربما أصابها تحريف، قيل: لا حاجة لنا إلى هذا القول، حيث لا يوجد ما يثبت النسبة إلى النبي أصلا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (( وفي كتب هؤلاء: هرمس الهرامسة، ويزعمون أنه هو إدريس. والــ هرمس عندهم اسم جنس، ولهذا يقولون: هرمس الهرامسة، وهذا القدر الذي يذكرونه عن هرمسهم يعلم المؤمن قطعا أنه ليس هو مأخوذا من نبي من الأنبياء على وجهه، لما فيه من الكذب والباطل)).




يتبع إن شاء الله

أم علي طويلبة علم
2017-07-10, 02:27 AM
ومن أبرز العقائد الهرمسية ما يلي:

(1) وحدة الوجود وتأليه الذات:
يُصور الإله في متون هرمس أنه فكر وعقل ليس له وجود مفارق للعالم، ولا وجود له خارج الذهن إلا متجسدا في الكائنات...
والعالم -في الهرمسية- صادر عن (الإله) عن طريق التولد والفيض..
فالكون جزء من الإله، ولكنه ظهر بهذه الصورة المفارقة ظاهريا لتلبسه بالأدران والشرور.
لذلك فالإنسان ذو طبيعة إلهية تكمن في ذاته البشرية.
ويقرر هرمس أن معرفة الإله لا تتحقق من طريق الوحي، وإنما تكون من خلال تأليه الذات.
وفي الهرمسية عقيدة تشبه إلى حد كبير مفهوم (الطاقة) الشهير في حركة ((العصر الجديد)) والمأخوذ في الأصل عن الديانات الشرقية، فهي جزء من التولد الفيضي، وصورة من صور وحدة الوجود إذ هي تمثل أوائل الصادرات عن (الإله) أو الوجود الأزل.

أم علي طويلبة علم
2017-07-11, 02:37 AM
(2) تناسخ الأرواح:
من المعتقدات الهرمسية الرئيسة الاعتقاد بتناسخ الأرواح. وأن الروح إذا خرجت من الجسد لا تنتقل إلى عالم آخروي فيه الحساب والجزاء، وإنما تعود لتسكن في جسد آخر في دوامة لا تنتهي.
ولا يكون الخلاص من هذه الدوامة المقيتة إلا من خلال الاتحاد بــ (الإله)، وهو تعبير عن العودة إلى الطبيعة الإلهية الأصلية.
والاتحاد بــ(الإله) لا يمكن أن يحدث إلا حال الإعراض عن ذكره تماما، والكف عن الحديث عنه.


(3) التنجيم:
في الهرمسية اعتقاد صريح بتأثر الأجرام السماوية على المجريات الأرضية بل وتصرفها بالكون، ويسميها هرمس: الكائنات الإلهية.
...لم يقتصر أثر الهرمسية على التيارات الباطنية الغربية، بل كان لها أثر في التوجهات الباطنية في العالم الإسلامي، وفي بعض الفلاسفة المنتسبين إلى الإسلام كذلك.
فحين أنشئت (دار الحكمة) ببغداد في القرن التاسع للميلاد، ترجمت فيها كثير من الكتابات الفلسفية والمتون الوثنية، منها: متون هرمس، ووجدت نسخ منها في مكتبة الإسكندرية، حتى صارت (الهرمسيات) من المعارف السرية لبعض التيارات الفلسفية في الإسلام.
بل ويرجع بعض الباحثين أصول التصوف الإسلامي إلى هرمس مثلث العظمة(1)، لوضوح أثره في كتب المتصوفة.



______________________________ ___
(1) هرمس: سمي هرمس بــ (مثلث العظمة) للاعتقاد بأنه جمع العلم بأجزاء الحكمة الثلاثة: الخيمياء، والتنجيم، والسحر. وقيل: لأنه أعظم كاهن (رجل دين)، وأعظم فيلسوف، وأعظم ملك. وقيل غير ذلك.



يتبع إن شاء الله

أم علي طويلبة علم
2017-07-13, 02:54 AM
المطلب الثاني
الاتجاهات الباطنية في الفلسفة اليونانية

لقد كان للثقافة اليونانية توجهان بارزان:
توجه ديني.
توجه فلسفي.
أثر كل منهما في حركة (العصر الجديد) بطريقة مختلفة.

أما التدين الإغريقي فهو من أشهر الديانات الوثنية في العالم القديم، وله منظومة من الآلهة الأسطورية التي تشبه البشر إلى حد كبير.

ورغم أن حركة (العصر الجديد) تعظم بعض تلك الآلهة، وتستشهد بالأساطير الإغريقية أحيانا -كإله النور أبولو (Apollo)، و زيوس (Zeus) إله السماء، وأبو الآلهة- إلا أن الجوانب الدينية الأكثر تأثيرا في فكر الحركة هي ما يلي:

1- الجانب الطبيعي في الديانة اليونانية: والمقصود به تعظيم الطبيعة وعبادة مظاهرها، ومن ذلك عبادة آلهة الأرض جايا (Gaia)، التي اعتبرت الأم الصابرة جزلة العطاء.

2- الديانات الإغريقية السرية: وهي تمثل التوجه الباطني في الديانة الإغريقية الوثنية، حيث يعتقد أتباعها -كسائر أتباع التوجهات الباطنية- بأن الإنسان في أصله (إله) قد سجن في الجسد المادي، ومن ثم لابد من السعي لتحريره، والعودة به إلى أصله بطرق متنوعة، فكانت تقام الاحتفالات السرية التي يتم فيها الكشف عن رموز مقدسة تعين على تحقيق ذلك الهدف، لا يطلع عليها إلا الخواص من الناس.

أم علي طويلبة علم
2017-07-13, 04:53 PM
https://t.co/mBUSv5tYp1?ssr=true

أم علي طويلبة علم
2024-12-18, 01:00 PM
للرفع

أم علي طويلبة علم
2024-12-26, 10:34 AM
وأما التوجه الفلسفي فقد ظهر متأخرا عن التدين الوثني، وكان مناهضا له في كثير من الأحيان، فقد كان يعظم العقل البشري، ويُعمله في القضايا الغيبية، ناسفا الأساطير والآلهة المقدسة. إلا أن هذا التوجه -كسابقه- لم يخل من لوثات التصوف، والمعتقدات الباطنية.
لقد ظهر النزعات الباطنية في الفلسفة اليونانية في مراحل مبكرة تبدأ من مرحلة ما قبل سقراط(١)، وتمتد إلى تلاميذه من بعده. ويرى بعض الباحثين أن الفلسفة اليونانية قد تأثرت بالديانات الشرقية وقدمتها في ثوب إغريقي، وأن تلك الديانات هي مصدر التوجه الباطني داخل الفلسفة اليونانية.
تأثرت حركة العصر الجديد بفلاسفة اليونان ذوي التوجه الباطني، لا سيما فيثاغورس، وأفلاطون، وأفلوطين(٢)،بطرق مباشرة، وغير مباشرة.

وفيما يلي عرض مختصر لمرحلة ما قبل سقراط، ومرحلة ما بعده:
.

.

٠

—————————— ————-
١- سقراط: فيلسوف يوناني من أساطين الفلسفة، ولد عام ٤٧٠ ق.م، ويعد من واضعي أسس الفلسفة الغربية. لم يترك سقراط أي أثر مكتوب، فجل فلسفته مأخوذة عن المحاورات التي كتبها تلميذه أفلاطون. سجن وهو في السبعين من عمره بتهمة إنكار الآلهة اليونانية وإفساد الشباب، وقتل مسموما عام ٣٩٩ق.م.
٢-أفلوطين:: فيلسوف روماني مصري النشأة، ولد عام ٢٠٤م، انتقل إلى الإسكندرية في الثامنة والعشرين من عمره، وبقي فيها أحد عشر عاما، وكان له اهتماما بالفلسفة الفارسية والهندية، فرحل مع الجيش الروماني لغزو فارس، ولكن الجيش انهزم، فعاد إلى روما، وبقي فيها إلى أن توفي عام ٢٧٠م.

أم علي طويلبة علم
2024-12-26, 12:52 PM
أولا: مرحلة ما قبل سقراط:

لقد كانت الفلسفة اليونانية في مطلعها فلسفة ((طبيعية))، تبحث في الأصل الطبيعي للعالم وتسمى المدرسة (الأيولية) وعلى رأسها طاليس(١).
جاءت بعدها المدرسة (الإيلية) التي كانت تبحث في الفكر والوجود لا في أصل العالم فحسب، وتعتمد على العقل في إدراك الواقع. كما ظهرت بعض المدارس التي تُرجع الكون إلى أصل واحد غير مادي كالأعداد، أو العقل، أو المطلق، كالمدرسة الـ فيثاغورية. وإذا نظرنا إلى ما ينقل عن فلسفة طاليس، نجد أنه كان يعتقد أن الماء هو أصل الموجودات، وأنه النوع الأول الواحد للوجود، وكل موجود ليس إلا تغيرا للماء.
لقد كان طاليس -رغم سذاجة فكرته- يسمى أبا الفلسفة، ولعل ذلك راجع إلى أنه أول من أقحم العقل في المسائل الغيبية، ولم يلتفت إلى الأساطير المتعلقة بالآلهة. ثم إن هذه الفلسفة البدائية قد تعتبر تمهيدا للفلسفات الباطنية التي جاءت من بعدها، وتبنت عقيدة وحدة الوجود. ومن أبرزها فلسفة فيثاغورس.

فيثاغورس:
يعتبر الرياضي اليوناني فيثاغورس أبرز فلاسفة مرحلة (ما قبل سقراط) ممن ظهرت النزعة الباطنية في فكرهم وكتاباتهم،وقد يعد أول من قدم فكرة الوجود المطلق للعقلية الغربية. لقد اشتهر فيثاغورس في الأوساط العلمية بأنه أبو الهندسة ورائدها، ولكنه -مع ذلك- انغمس في الـ ما ورائيات(٢)، وشكل مذهبا باطنيا يشبه إلى حد كبير التوجه الفكري في الفلسفات الشرقية…

ويمكن تلخيص أبرز المعتقدات الباطنية التي تُنسب إلى فيثاغورس فيما يلي:
١-تتميز الـ فيثاغورية باعتقادها أن (الأعداد) هي أصل الوجود، واعتمدت عليها في إنشاء علم الكونيات.
٢-يرى فيثاغورس أن الوجود متولد عن المطلق، وفائض عنه…
٣-القول بتناسخ الأرواح، وأن الخلاص منه يكون بتحقيق المعرفة الفلسفية، والتربية العقلية، فالإنسان يهدف إلى تأليه ذاته.
٤-الحقيقة عند فيثاغورس ذاتية، ولديه نزعة إنسانية، فلا حقيقة إلا الإنسان، وكل ما عداه فهو باطل وخداع.

لقد كانت الـ فيثاغورس شبيهة بالجماعة الصوفية، فقد اهتم أتباعها بالأسرار والخوارق، والخرافات، مع ما لديهم من فلسفة عقلية. وتشكل الأنغام والمعازف أهمية كبرى عند فيثاغورس في تحقيق مبادئ فلسفته.
وقد تأثرت حركة العصر الجديد بجوانب متعددة من فلسفة فيثاغورس الباطنية، خاصة في ربط الأعداد بعلم الكونيات.
…وقد أصبح فيثاغورس رمزا للباطنية أهل الغنوص في الإسلام، خاصة من حيث الاهتمام بالأعداد…





——————————
١- طاليس: فيلسوف يوناني من الفلاسفة الطبيعيون، وأحد الحكماء السبعة، عاش في القرن السادس قبل الميلاد، وكان مهتما بالهندسة والفلك…
٢-الـ ما ورئيات (الميتافيزيقيا): وهي الأمور التي لاتقع تحت الحس، كالإله والقضايا الغيبية.

حسن المطروشى الاثرى
2024-12-28, 11:24 AM
وفقكم الله
واصل وصلك الله بفضله
معلومات نافعة نفع الله بكم العباد

أم علي طويلبة علم
2024-12-29, 12:55 PM
وإياكم جزاكم الله خيرا


ثانيا: سقراط وتلاميذه (المدرسة العقلية):

كانت الفلسفة قبل سقراط تهتم بعموم الوجود، والكون الخارجي، أما سقراط فجعل موضوعها الإنسان، والعقل، والنفس البشرية.
…ولعل أبرز ما يمكن أن يستدل به على هذا التوجه الباطني لدى سقراط يتمثل في تصويره المجازي الشهير الذي عبر عنه بـ (الكهف)(١)، وذكره أفلاطون في كتابه (الجمهورية).
في الصورة إشارات إلى الفرق بين من (يعلم الحقيقة) -التي هي مصدر المظاهر كلها- وبين من لا يعلم سوى تلك المظاهر، وكيف يكون هذا الإنسان (الكامل) بالنسبة لعوام البشر الذين لا يرون إلا المظاهر.
كما وجدت ببعض الإشارات التي تدل على اعتقاد سقراط بتناسخ الأرواح.
وعلى كل حال، فإن أثر سقراط على التيارات الباطنية في الغرب محدود جدا، وإنما الأثر الأكبر كان لتلميذه أفلاطون، والمدارس التي تنتسب إليه.
لقد كان تأمل المطلق الأبدي هو غاية الوجود البشري عند أفلاطون، وهو الوسيلة التي تكتمل بها الروح وتتطهر، فتتحرر من الجولان في العالم، إذ لا يبقى حاجة لتكرار الولادة. وهي فلسفة مطابقة للفلسفة الشرقية، إن لم تكن مأخوذة عنها. وبذلك تتبين أبرز الملامح الباطنية في فلسفة أفلاطون.
١-يرى بعض الباحثين أن أفلاطون يعتقد بتناسخ الأرواح.
٢-كما كان يقول بـ(عالم المثل)(٢)، وأن ما نراه من العالم هو وهم وأشباح.
٣-يرى تأليه النفس البشرة واحتواءها على الطبيعة الإلهية.
وهذه العقائد الأفلاطونية ظاهرة في المنظومة الفكرية لحركة العصر الجديد، وهي جزء من تكوينها الفلسفي. إلا أن أفلوطين، وفهمه لفلسفة أفلاطون كانت من أبرز المؤثرات الإغريقية -إلى جانب- الـ فيثاغورية في تشكيل فكر الحركة.








—————————— ———————-
١-سياق القصة: تخيّل طائفة من الناس يعيشون مقيدين في كهف مظلم تحت الأرض منذ نعومة أظفارهم. وتصور قبسا من نار، يبعث من خلفهم، فيلقى على الجدار الذي أمامهم ظلالا متحركة كأن أناسا يمشون، بعضهم يتكلم، وبعضهم صامت. إن أصحاب الكهف يحسبون هذا الظلال حقائق. هب أن أحدهم حل وثاقه، والتفت إلى الوراء، ربما استنكر الضوء في البداية ، ولكن سرعان ما سيدرك الحقيقة، ولن يقبل حياة الكهف بعد ذلك. ولو أخبر أصحابه بما رأى لسخروا منه!

٢-المُثُل: هي -في رأي أفلاطون- حقائق كلية موجودة وجودا فعليا مفارقا للإنسان، ووجودها ليس ماديا، وإنما معان مجردة خالدة، وهي مصدر المعرفة، وعلة لها، كما أنها مصدر لوجود الأشياء في العالم المحسوس. وأعظم هذه المثل وأعلاها هي المثل الأعلى، وجوهر الوجود.

أم علي طويلبة علم
2024-12-30, 08:35 PM
أفلوطين والأفلاطونية المحدثة:

ظهرت الأفلاطونية المحدثة (مذهب أفلوطين) في العصر الهيليني الذي يمثل الطابع الفكري الناشئ بعد فتوح الإسكندر للشرق، وامتزاج الفكر اليوناني بالثقافة الشرقية. وللعصر الهيليني خصائص تميزه ،من أبرزها:
١-العناية بمذهب أفلاطون.
٢-التشبه بالأفكار الدينية والوثنية كالبوذية واليهودية والنصرانية.
٣-انتشار النزعات الصوفية الباطنية والتعلق بالسحر والتنجيم والغيبيات والخوارق. لقد أسهمت خصائص العصر الهليني في تشكيل الأفلاطونية المحدثة التي تعتبر -عند أتباعها- شرحا لفلسفة أفلاطون. ولكن أفلوطين جنح في شرحه بعيدا عن الفكر الأصلي فاعتبر الباحثون فلسفته مذهبا جديدا أطلقوا عليه: الأفلاطونية المحدثة. وتعتبر من المذاهب الفلسفية المتأثرة بالهرمسية، والفيثاغورية، والديانات الشرقية.
وقد كان ليهود الإسكندرية لا سيما فيلون(١) اليهودي دور الوساطة في نقل الفكر الشرقي إلى الفلسفة اليونانية، وهو مانتج عنه مذهب أفلوطين. ولذلك تعتبر الأفلاطونية المحدثة غنوصية شرقية بشكل يوناني، ومن أبرز معتقداتهم ما يلي:
١-وحدة الوجود: يعتقد أفلوطين بمصدر واحد للوجود كله، وأن العالم هو صورة لذلك الواحد…
٢-الفيض والتولد: يرى أفلوطين أن الوجود فائض عن المصدر الواحد، وأن العقل أول ما صدر عنه. ثم الروح، أو مبدأ الحياة، فالكون عنده صادر عن العقل الأول، وهو الذي جاء به إلى الوجود…
٣-تناسخ الأرواح والخلاص منه: وهنا يختلف أفلوطين عن أستاذه، فهو يهدف إلى الاتحاد بالمطلق للتخلص من التناسخ -كما هو في الفلسفة الهندية- والاتحاد الصوفي بالإله…
٤-تأليه الذات: وهو نتيجة حتمية للاعتقاد بالاتحاد ووحدة الوجود.
٥-المعرفة عند أفلوطين: تقوم المعرفة عنده على الحدس، وهو ما يتوصل إليه بالتحرر من سلطة البدن والحواس، ثم بالفكر والتفلسف، ثم بالسمو فوق التفكير؛ ليصل الإنسان إلى المعرفة أو -في الاصطلاح الصوفي- (العلم اللدني).
كما أن أفلوطين كان يعتقد بالتنجيم والطقوس السحرية ويتبنى التصوف المغالي، ففلسفته أقرب للتصوف والأسطورة منها للفلسفة العقلية والمنطق.
وقد بقيت فلسفته متضمنة في الفكر اللاهوتي لحركة العصر الجديد.




—————————— ————-
١-أشهر فلاسفة اليهود في القرن الأول للميلاد، ولد في عام ٢٥ق.م لأسرة نبيلة في الإسكندرية، وأشرب في قلبه حب الفلسفة، حتى لقب بأفلاطون اليهود. حاول الجمع بين اليهودية والفلسفة فنتج عن ذلك مذهب باطني يفسر التوراة تفسيرا رمزيا، ولا يمت لليهودية بصلة. توفي عام ٤م.

أم علي طويلبة علم
2025-01-01, 10:33 PM
المطلب الثالث
الغنوصية


(الغنوص) هي كلمة يونانية معناها اللغوي يفيد: المعرفة أو العرفان.
ومعناها في الاصطلاح: التوصل بنوع من الكشف(١) إلى المعارف العليا والحقائق الكلية بشكل داخلي ذاتي مباشر، لا من خلال الوحي الخارجي، ولا العمليات العقلية. وهي تعتبر -عند أتباعها- أقدم عقيدة في الوجود.
أما (الغنوصية) فهي توجه فكري يضم فرقا متعددة يجمعها الاعتقاد بأن (الخلاص) يكون من خلال العلوم الباطنية الاستسرارية وأحيانا بالاستعانة بالطقوس السحرية.
لو تتبعنا جذور الغنوصية -كحركة فكرية دينية متعددة الأوجه- لوجدنا أن بداياتها الأولى ظهرت منذ القرن الأول الميلادي، ثم إنها برزت ونشطت في القرنين الثاني والثالث، وإن كان بعض الباحثين يرجع أصولها الباطنية إلى ما قبل ذلك بكثير، باعتبار وجود ذلك الفكر في بيئات مختلفة…
فالغنوصية ليست اسما لفرقة محددة، بل هي مظلة فكرية تندرج تحتها العديد من الفرق ذات التوجه الباطني المشترك، وأول من أطلق عليها هذا الاسم هو أسقف مدينة ليون بفرنسا…
فالغنوصية اسم علم على اتجاه باطني خاص، لاشك أنه مسبوق بتوجهات شبيهة قي بيئات مختلفة.

وعلى أية حال فالغنوصية المقصودة هنا هي تلك التي نشأت في البيئة النصرانية، أما غيرها فتبحث في غير هذا الموضع.
لقد تشكلت النصرانية -كما نعرفها اليوم- في القرن الثاني الميلادي تقريبا حين وجدت صراعات عقدية بين عدد من التوجهات الداخلية…
وفي الفترة الانتقالية من القرن الأول إلى الثاني -وقت تدوين إنجيلي لوقا ويوحنا- ظهرت الحركة الغنوصية في مصر وسوريا، فظهر توجه باطني فلسفي في الديانة النصرانية استعار فكره من الديانات الفلسفات في البيئة المحيطة، وحاول الجمع بين تلك الآراء الفلسفية الكونية المعقدة، وما عنده من معطيات دينية، فتأثر خواص القوم بالنواحي الفلسفية، وتأثر عوامهم بالسحر والخرافة.



—————————— ————-
١-الكشف: اصطلاح صوفي يريدون به الاطلاع على المعاني الغيبية والحقائق المحجوبة.

أم علي طويلبة علم
2025-01-02, 12:52 PM
لم تحمل الغنوصية تنظيما عقديا، أو هيكلة كهنوتية، وقدمت نفسها على أنها الممثل الحقيقي للدين العالمي الجديد غير المقيد بالشرائع، كما أظهرت العداوة للميراث التوراتي، وتصوراته عن (الإله) والإنسان.

…وقد استمر الصراع بين الغنوصية والنصرانية حتى استطاعت الكنيسة في آخر الأمر التغلب على التوجهات الغنوصية مستعينة بالحجج العلمية، والقوة السياسية. وبذلك لم تعد الغنوصية توجها نصرانيا خاصا، رغم أنها نشأت في بيئة نصرانية، فمع هجمة الكنيسة عليها تحول الغنوص إلى المعتقدات السرية والخفية - بل والملحدة أحيانا.


ومن أبرز المعتقدات الغنوصية ما يلي:

١-التأويل الباطني للنصوص الدينية: ادعى الغنوصيون أن لديهم تعاليم سرية من المسيح عليه السلام، وأنه لايزال متصلا بتلاميذه بعد قيامه. فباتوا يفسرون النصوص الدينية بأهوائهم، ويؤولون القضايا العقدية الأصولية عند النصارى…

٢-المعرفة: ترى الغنوصية أن المعرفة تحصل من خلال الرؤية المباشرة للحقيقة، فالغنوص هو المعرفة المباشرة بلا واسطة.

٣-الإله والعالم: تعتقد الغنوصية بأن (الإله) وجود واحد غير عاقل، صدر عنه وجود زوجي متتابع، كلما كلما ابتعدت عن الوجود الأول ازدادت كثافة ولما أراد بعضها الترقي إلى (الإله) من غير طريق الغنوص طرد وتكونت منه المادة والعالم المادي، وحبست الأنفس في الأجسام. فمن أراد (العودة) إلى الطبيعة الإلهية لزمه الغنوص، فالأصل وحدة الوجود والهدف هو الاتحاد.
وقد نتج عن هذا المعتقد معتقد فاسد آخر وهو القول بأصلين للوجود ، أحدهما خير والآخر شر. بينما ينظر للمسيح في الغنوصية على أنه قوة أزلية غير محدودة.

٤-الثنوية: إن الوجود -حسب المعتقد الغنوصي- متولد عن الإله بطريق الفيض، و(الإله التوراتي) ضمن تلك الموجودات الصادرة عن (الإله النوراني) الذي يطلق عليه الرأس الإلهي، وهو بلا اسم، وبلا وصف، وهو مصدر الأرواح. ولكن (إله التوراة) لم يتبع طريق الغنوص، فهو إله ناقص ساقط، أو هو تجسيد للخبث والشر على اختلاف بينهم…

٥-تناسخ الأرواح: الغنوصية ديانة خلاص تهدف للتحرر والانعتاق، والصراع الرئيس الذي يخوضه الإنسان هو بين العرفان الذي يقود إلى الخلاص وبين الجهل الذي يبقيه في دور الميلاد والموت…
٦-تأليه الإنسان: الروح عند الغنوصية صادرة عن (الإله النوراني) ولكنها ابتعدت عنه بسبب انحباسها في المادة، وبعدها عن الغنوص، فهم يسعون لاكتشاف الإله الذي في (الداخل) وتحريره، ليتحقق لهم الخلاص من خلال التأمل الباطني الصامت.


تعتبر الغنوصية -إلى جانب الهرمسية والفيثاغورسية والأفلاطونية المحدثة- من المذاهب (التلفيقية)، تجمع بين المعتقدات المتباينة، والأفكار المنتمية لمدارس فكرية متنوعة، وهي ظاهرة نشأت عن الفكر الهيليني، والتفاعل مع المعتقدات الشرقية إثر احتلال الإغريق للعالم الشرقي القديم…
لقد انتقل الفكر (التلفيقي) عبر الغنوصية إلى عدد من التيارات الباطنية الغربية، حيث أسهمت في تشكيل فكر الـ ثيوصوفي وحركة (الفكر الجديد)، ومن ثم فإن الغنوصية -التي جمعت بين الأفكار الوثنية والفلسفات المعقدة في القرون الثلاثة الأولى- تعتبر من أبرز المصادر العقدية لحركة (العصر الجديد) التي اتبعت الأسلوب ذاته.