مشاهدة النسخة كاملة : لماذا لا نشترط شروطاً محكمة في قبول أو ردّ الإجماعات المحكية ؟
عبدالله الشهري
2008-03-22, 12:43 AM
هذه مسألة استحوذت على فكري ، والإجماع أصل شرعي ، أي أنه دليل يستدل به فنُحل به ونُحرّم ، وهذا أمر خطير بابه ، فكما أن القرآن ثابت قطعاً ، وكذلك قبول الأحاديث ، وضع لها ضوابط و قوانين يعرف بها الصحيح والسقيم ، فكذلك الإجماع : أكلما حكي إجماع ، ولو كان من حكاه إمام ، نقبله ونحكيه ونعمل به و نحرّم به ونحلل ؟ ما هي الضوابط والقوانين المحكمة التي يمكن أن تعيننا في تفنيد حكايات الإجماع ؟ مرة أخرى : لا ننس أن الإجماع "دليل شرعي" ، يقوم مقام قال الله وقال رسول الله ، متى لم يوجد دليل منهما ، فلا نستهين بهذا الأمر ونبني الأحكام على كل إجماع محكي و نحرم ونحلل اتكالاً على كل إجماع منقول ، فهذه الأحاديث المسندة كيف ترد وهي كلام رسول الله متى تبين عدم ثبوتها ، ولا نكلف أنفسنا النظر في صحة ثبوت الإجماع مع أنه يعتبر دليلاً شرعياً بنفسه ؟
عبدالله الشهري
2008-03-22, 12:49 AM
...ولا ننس - مثلاً - أن الأصل في الأشياء الإباحة ، وهذا الأصل ثابت بالأصلين واتفاق العلماء ، ولكن إجماع من الإجماعات المحكية قد يخرج بشيء عن هذا الأصل فيحكي الإجماع على تحريم كذا وكذا ، فهل نخرج عن يقين قاعدة الإباحة بلا ضوابط واضحة ؟ أم أن الضابط : إذا حكي أي إجماع فاعمل به !
فيا أيها الإخوة : هيـا بنـا نتعاون لنضبط هذه القضية ، والأمر دين نتعبد الله به كما أنه توسيع لما ضيق الله أو تضييق لما وسع الله ، فلنبدأ على بركة الله.
ابن الرومية
2008-03-22, 01:45 AM
ألا يجب أن يسبق هذا السؤال المهم أسئلة أخرى : و هل كل من حكى الاجماع و عمل به و حث على العمل به فعل كل ذلك من دون شروط و ضوابط محكمة؟؟أليس ذلك اتهام لهم جميعا بانهم كانوا يحلون و يحرمون و يريقون دماءا و يعصمون اخرى دون ضوابط ؟؟ أليس عدم علمنا بشيء ليس علما بعدمه ؟؟ هل تناقض بعض العلماء و الفرق و الجماعات في حكاياتهم للاجماع ناتج عن خلل أو انعدام الضوابط أم هو بالأحرى ناتج عن خلل في تفسير او تطبيق هذه الضوابط لا الى انعدامها؟؟؟ أليست هذه الأسئلة -ان تبتث وجاهتها- أهم من السؤال الأول؟؟؟
عبدالله الشهري
2008-03-22, 07:49 AM
ألا يجب أن يسبق هذا السؤال المهم أسئلة أخرى : و هل كل من حكى الاجماع و عمل به و حث على العمل به فعل كل ذلك من دون شروط و ضوابط محكمة؟؟
نحن نفترض أن هناك ضوابط وشروط محكمة ، ولكن ماهي ؟ نريد أن نكون على دراية بها. فكما أن هناك شروطاً وضوابط لقبول الأحاديث ، نريد معرفة شروط وضوابط قبول حكايات الإجماع.
أليس ذلك اتهام لهم جميعا بانهم كانوا يحلون و يحرمون و يريقون دماءا و يعصمون اخرى دون ضوابط ؟؟
هذا لو افترضنا تصرفهم دون ضوابط.
أليس عدم علمنا بشيء ليس علما بعدمه ؟؟
بلى.
هل تناقض بعض العلماء و الفرق و الجماعات في حكاياتهم للاجماع ناتج عن خلل أو انعدام الضوابط أم هو بالأحرى ناتج عن خلل في تفسير او تطبيق هذه الضوابط لا الى انعدامها؟؟؟
طيب السؤال: ما هي هذه الضوابط حتى أجيبك ؟ هل تستطيع أن تذكرها لي ، ولو على سبيل الاختصار ؟
أليست هذه الأسئلة -ان تبتث وجاهتها- أهم من السؤال الأول؟؟؟
الأسئلة افتراضية كما ترى ، ولا نستطيع أن نعرف وجاهتها حتى نتعرف على منهجية واضحة في التعامل مع الإجماعات المحكية.
عبدالعزيز بن سعد
2008-03-22, 08:10 AM
بحث الدكتور سعد الشثري: قوادح الإجماع يفيد في هذا الباب
أبو مالك العوضي
2008-03-22, 08:29 AM
معذرة يا شيخنا الفاضل
ولكن اسمح لي أن أقول إن هذا السؤال ينقض نفسه بنفسه !!!
لماذا؟
لأننا لو افترضنا أننا وضعنا شروطا لقبول الإجماع، فهل سنجعل وضعنا لهذه الشروط في هذا العصر المتأخر سيفا فوق الإجماعات المحكية عن أهل العلم فنرد منها ما نريد ونقبل منها ما نريد ؟!!
والاعتراضات التي تفضلت بذكرها كلها منقوضة بنواقض ظاهرة جدا لا يمكن منصفا أن يردها.
فقولك ( الأصل في الأشياء الإباحة ) هل هو نص شرعي أو مسألة إجماعية؟
الجواب أنه مسألة إجماعية مستفادة من دلالات النصوص، وهذا فيه رد للإجماع بمعناه الأعم بالإجماع بمعناه الأخص ولا شك أن هذا باطل.
ثم إن كلامك أيضا وارد على قواعد قبول الأحاديث، فهذه القواعد فيها خلافات كثيرة جدا، فلماذا لا يأتي أحد ويقول:
( لماذا لا نشترط شروطا محكمة في قبول أو رد الأحاديث؟!! )
وقواعد قبول ورد الأحاديث هي إجماعات في أحسن أحوالها، فلماذا لم يرد عليها ما ورد في سؤالك.
والإجماع باب من أبواب الإخبار فلا يمكن القدح فيه إلا بالقدح في المخبِر أو بإخبار مخبِر آخر بخطأ المخبر الأول.
فلو أخبر أحد العلماء بوجود الإجماع فلا يمكن القدح في هذا إلا بأمرين:
- أن نقدح في العالم نفسه وأنه ليس بموثوق في مثل هذا.
- أن نقدح في الإجماع الذي حكاه وذلك بأن نعارضه بذكر المخالفين من العصر المحكي عنه الإجماع.
وبغير هذين القادحين نكون كمن يقدح في خبر العدل بغير حجة.
وأما أن الإجماع دليل شرعي نحلل به ونحرم .... إلى آخر هذه الأشياء، فهذا كله فيه نظر
فالقرآن دليل شرعي، ولكن الاستدلال به مبني على صحة فهمه، وصحة فهمه مبنية على تفسير الآيات، وتفسير الآيات مبني على معرفة أقوال السلف ومعرفة اللغة العربية والنحو والبلاغة والأصول وأسباب النزول .... إلى آخر هذه الأشياء، والتحقق من كل هذه الأشياء أصعب بكثير من التحقق من الإجماع.
والسنة دليل شرعي، ولكن الاستدلال بها أيضا مبني على معرفة اللغة العربية والصحيح والضعيف وأصول الفقه .... إلى آخر هذه الأشياء، والتحقق من كل ذلك أصعب بكثير من التحقق من الإجماع.
فمن أراد أن يستدل بنص شرعي فلا بد أن يبني استدلاله على قواعد التصحيح والتضعيف.
ولا بد أن يبني استدلاله على قواعد أصول الفقه.
ولا بد أن يبني استدلاله على قواعد اللغة العربية.
وجميع القواعد المذكورة في جميع العلوم هي إجماعات في أحسن أحوالها، فكيف نرد الإجماع بناء عليها؟
فالخلاصة أن القوادح المذكورة في الإجماع ( إجمالا ) موجودة بعينها أو أكثر منها في الأدلة الأخرى المعتبرة.
فإن قبلناها في الأدلة الأخرى وجب قبولها في الإجماع كما هو واضح، وإن رددناها في الإجماع وجب ردها في الأدلة الأخرى، وهذا ما لا يقول به أحد.
والحقيقة أنني لا أتصور مطلقا أي مسألة شرعية يستطيع أن يستدل عليها المستدل من غير أن يستند في بيانها إلى الإجماع، ومن أتاني بمسألة واحدة فجزاه الله خيرا.
أبو مالك العوضي
2008-03-22, 08:34 AM
وكل أنواع الأدلة يرد عليها ما قد يرد على الإجماع من ضعف في الدلالة
فهناك مثلا آيات واضحة الدلالة على المراد، وآيات واضحة الدلالة على خلاف المدعى، وبين ذلك وذلك مواضع اشتباه تختلف فيها أنظار العلماء، ولكن هذا لم يقدح في أصل الاستدلال بالقرآن.
وهناك أحاديث واضحة الدلالة على المراد، وأحاديث واضحة الدلالة على خلاف المدعى، وبين ذلك وذلك مواضع اشتباه تختلف فيها أنظار العلماء، ولكن هذا لا يقدح في أصل الاستدلال بالسنة.
فكذلك الإجماع، هناك إجماعات واضحة لا يختلف فيها اثنان، وإجماعات واضحة البطلان في حكايتها، وبين ذلك وذلك تختلف أنظار العلماء في قوة الإجماع ثبوتا أو ضعفا، ولكن هذا لا يمكن أن يقدح في أصل الاستدلال بالإجماع.
والمقصود أن عدم وضع ضوابط دقيقة تحدد منطقتي القبول والرد لا يقدح في الأصل المتفق عليه.
وغالبا ما يكون وضع مثل هذه الضوابط غير ممكن، فأكثر الضوابط والحدود التي يضعها أهل العلم منقوضة أو معترضة.
عبدالله الشهري
2008-03-22, 11:01 AM
جزاك الله خيرا. اشكرك على هذه الإضاءات المفيدة لأن مناقشة هذا الأمر بتوسع سيمكننا - إن شاء الله - من إثارة ضوابط عامة على الأقل في قبول الإجماعات أو ردها. وأراك قد اقتربت من محاولة وضع ضوابط لهذه القضية في مكان واحد فقط من كلامك أما باقي كلامك فبعيد نوعا ما عن أصل الموضوع وسيطول الكلام لو علقت على كل ما ذكرت. المحاولة المذكورة هي في قولك :
والإجماع باب من أبواب الإخبار فلا يمكن القدح فيه إلا بالقدح في المخبِر أو بإخبار مخبِر آخر بخطأ المخبر الأول.
فلو أخبر أحد العلماء بوجود الإجماع فلا يمكن القدح في هذا إلا بأمرين:
- أن نقدح في العالم نفسه وأنه ليس بموثوق في مثل هذا.
- أن نقدح في الإجماع الذي حكاه وذلك بأن نعارضه بذكر المخالفين من العصر المحكي عنه الإجماع.
وبغير هذين القادحين نكون كمن يقدح في خبر العدل بغير حجة.
أقول أيها الحبيب:
القدح لا يلزم أن يكون في العالم بقدر ما هو في نقله. مثال على ذلك الثقة الذي يتفرد بحديث لم يتابع عليه ، وهو الشاذ عند الحاكم في معرفة علوم حديث. فبعض العلماء يرد هذا الخبر مع توثيقهم لجميع النقلة فقط لأن الرواي المتفرد لم يتابع على حديثه. فلا قدح في الراوي من حيث الحقيقة وإنما في المنقول. (مع أن النقاد قد يضعفون المكثر من التفرد دون متابع ، وبعضهم يقول فيه: يكثر من الغرائب ، أو يروي مناكير لم يتابع عليها و نحو ذلك). ومجرد التفرد بالنقل حجة عند البعض لرد الخبر ولو كان المتفرد ثقة.
مرة أخرى: الأحاديث لها ضوابط ، ولو كان مختلف فيها ، المهم أن هناك ضوابط متينة تساعد الباحث على الاقتراب من الحق ما أمكنه ، أما في الإجماع المحكي الذي ينقله إمام مثلاً فما هي الضوابط ، حتى ولو كانت عامة ، حتى ولو كانت مختلف فيها ، المهم أين هي وما هي؟
الإجماع مسألة لا ينبغي التساهل فيها - ولا التشدد طبعاً - ولذلك قال بعض العلماء أن الإجماع لم ينعقد بعد عصر الصحابة لأن انعقاده صعب.
عبدالله الشهري
2008-03-22, 11:24 AM
..والشك في الإجماع - من حيث القطع بتحقق انعقاده لا من حيث انكاره رأساً وإنكار حجيته - مأثور عن أئمة السلف ، منهم الإمام أحمد ، ((قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول ما يدعي فيه الرجل الإجماع فهو كذب مَن ادَّعى الإجماع فهو كاذبٌ لعل الناس اختلفوا ما يدريه ولم ينته إليه ، فليقل لا نعلم الناس اختلفوا هذه دعوى بشر المرسى والأصم ولكنه يقول لا نعلم الناس اختلفوا أو لم يبلغني ذلك)).
عبدالله الشهري
2008-03-22, 01:31 PM
...معالم في طريق ضبط قضية الإجماع - معلم (1)
سئل ابن باز رحمه الله: هل الإجماع حجة قطعية أم ظنية؟ يرجى التفصيل أثابكم الله ؟
الإجماع اليقيني حجة قطعية، وهو أحد الأصول الثلاثة التي لا تجوز مخالفتها وهي: الكتاب والسنة الصحيحة، والإجماع.
وينبغي أن يُعلم أن الإجماع القطعي المذكور: هو إجماع السلف من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم ؛ لأن بعدهم كثر الاختلاف وانتشر في الأمة، كما نبه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه "العقيدة الواسطية"، وغيره من أهل العلم. ومن الأدلة على ذلك: قوله تعالى في سورة النساء: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً}.وفق الله المسلمين للفقه في دينه، والثبات عليه، والحذر مما يخالفه. إنه سميع قريب.
عبدالله الشهري
2008-03-22, 02:22 PM
تنبيه : ونحن مع الإمام أحمد في تورعه وحرصه على التثبت ، وبذلك نقتدي وبه نقول ، ولكنا لسنا مع الإجماع الذي أراده المريسي والأصم.
أبو مالك العوضي
2008-03-22, 04:45 PM
كثيرا ما يحتج منكرو الإجماع أو المشككون فيه بالقصة المحكية عن الإمام أحمد.
وهذا مع الأسف فهم واضح البطلان، والإمام أحمد من أكثر الناس تعظيما لأقوال السلف واقتداء بهم.
ومن له أدنى معرفة بمذهب الإمام أحمد يعرف أنه من أبعد الناس عن إنكار ذلك.
ومن المشهور عنه قوله: لا تقل في المسألة ليس لك فيها إمام.
أما هذه القصة التي يروونها فليست على هذا الوجه بتاتا، وإنما هي في الإنكار على من يدعي الإجماع ولا علم له بأحوال السلف مثل الأصم وبشر المريسي، فإن غاية ما عندهم ظنون اعتقدوها حقا لا يقبل الجدل، فادعوا فيها إجماعا.
فهناك فرق شاسع بين الإجماع المبني على تتبع أقوال السلف، والإجماع المبني على اعتقاد المتكلم أنه لا يمكن فيه الخلاف.
فالأشاعرة يزعمون أن مذهبهم مجمع عليه، والجهمية كذلك، والمعتزلة كذلك، ولهذا تكثر مثل هذه الدعاوى في أبواب الاعتقاد.
ومن له معرفة بمذهب أحمد يعلم أنه يحتج بالإجماع ويحتج بعدم نقل الخلاف، بل يحتج بالإجماع بعد خلاف.
بل إذا قال بعض الصحابة قولا ولم يعرف له مخالف جعل ذلك حجة.
أبو مالك العوضي
2008-03-22, 04:50 PM
ومن المسالك الفاسدة التي يسلكها بعض طلبة العلم في هذا الباب الاعتماد على الأقوال الجملية والفتاوى العامة لبعض أهل العلم من غير النظر إلى طريقتهم العملية في تناول المسائل، فيستدل مثلا بكلام للشافعي يقدح في الإجماع، مع أنه لو تتبع طريقة الشافعي في نظره في المسائل لعلم علم اليقين أن فهمه غير صحيح.
وهذا يذكرني بمن ينسب ابن حزم مثلا للقول بالقياس، أو ينسب ابن تيمية للقول بالمجاز، أو ينسب أبا حيان للظاهرية.
فليس لمن رأى نصا موهما لبعض العلماء أن يعمل به حتى يعرضه على التناول العملي لهؤلاء العلماء للمسائل.
أبو مالك العوضي
2008-03-22, 04:54 PM
ومن المسالك الفاسدة أيضا التي يسلكها بعض طلبة العلم:
- الطعن في الإجماعات المنقولة عن أهل العلم المتقنين بالاعتماد على أقوال شاذة أو نادرة محكية في كتب فقه غير مشهورة.
ويظن بذلك أنه قد أتى بما لم يأت به الأوائل، وطعن في صحة هذا الإجماع !!
مع أن العلماء الذين حكوا الإجماع ربما يشيرون هم أنفسهم إلى قول هذا القائل.
فلماذا إذن يحكون الإجماع؟
الجواب:
- إما أنهم لم يعتدوا بقوله وجعلوه شذوذا لا يلتفت إليه، لا سيما إن كان من غير أهل السنة كفرق الرافضة والخوارج.
- وإما أنهم ذكروه حكاية لا تعرف صحتها ولا تثبت ولذلك يصدروها بـ(رُوِي) مثلا.
- وإما أنهم يعرفون خلاف هذا المخالف، ولكنهم حكوا الإجماع المنعقد بعده، وهذا هو الأغلب.
أبو مالك العوضي
2008-03-22, 04:58 PM
ومن الأمور التي تخفى على بعض طلبة العلم أيضا ظنهم أن إثبات الخلاف أيسر من إثبات الإجماع.
وهذا فيه نظر؛ لماذا؟
- لأن إثبات الإجماع يكفي فيه أن يتحقق هذا الإجماع في عصر واحد، ويكفي في هذا أن ينقله العالم المتقن ما لم يعارضه غيره من أهل العلم.
- أما إثبات الخلاف فلا بد فيه أن يتحقق في جميع العصور؛ لأن عدم وقوع الخلاف في عصر واحد هو الإجماع.
وهذا هو السبب الذي يجعل بعض العلماء يجعل اتفاق المذاهب الأربعة كالإجماع؛ لأنه يبعد وقوع القول بما يخرج عنها في جميع العصور، إلا في مسائل مشتهرة متداولة؛ ولذلك قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن الحق لا يخرج عن المذاهب الأربعة إلا في مسائل معدودة.
عبدالله الشهري
2008-03-22, 05:55 PM
جزاك الله خيرا. استطراد لا يخلو من فائدة ، وفي الجملة الإجماع الذي أنكره بعض الأئمة هو الإجماع "الأصولي" المذكور بشروطه في كتب الأصول ، وخاصة أصول المتكلمين ، فهم يشترطون أشياء تعجيزية ، وهي مبسوطة - كمثال - في "البحر" للزركشي و"المحصول" للرازي. ولذلك عدل هؤلاء الأئمة إلى التعبير الواقعي عن القضية ، فيقولون "أجمع من نحفظ قوله من أهل العلم" وهي تكثر عند الشافعي ، وكذلك أحمد سئل عن مسألة فقال فيها إجماع ، وذكر أربعة من كبار الصحابة لم يخالفهم أحد [1]. ولكن الكلام ينصب بشكل كبير على الإجماعات المتأخرة التي تطفح بها كتب الفقه وغيرها. ومفهوم كلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وعمل أحمد (في اعتماده على إجماعات الصحابة) يدل على وجوب التثبت والتروي في الإجماعات المتأخرة ، عدا تلك التي تشهد لها النصوص صراحة أو تلك التي اشتهرت وعرفت بين أهل العلم. ابن حزم مثلاً استدرك على مالك حكاية إجماع لو وصلت إلينا بلا تمحيص لوُجِد من أخذ بها على الفور قائلاً: هذا إجماع حكاه نجم السنن ، ولم يخالفه أحد ، فكيف نرده ؟! المهم أن هذا مثال لاستدراك المتأخر على المتقدم في حكاية الإجماع ، ومثال للتثبت ، وعلى قاعدتك التي قلت فيها ((ويكفي في هذا أن ينقله العالم المتقن ما لم يعارضه غيره من أهل العلم)) ، أقول عليها نأخذ بحكاية الإمام مالك [2] مع أن حكايته للإجماع لم تكن صحيحة وتبين ذلك بعد قرنين تقريباً (ولعلي اتذكر المسألة المعنية).
============================== ==========
[1] وللشافعي مذهب في إجماع الصحابة ، يقول في الأم (ج9:ص37): (وقلت (أي السائل): أرأيت قولك: إجماع أصحاب رسول الله ما معناه ؟ أتعني أة يقولوا أو أكثرهم قولاً واحداً ؟ أو يفعلوا فعلاً واحداً ؟ قال : لا أعني هذا ، وهذا غير موجود. ولكن إذا حدث واحد منهم الحديث عن النبي ولم يعارضه منهم معارض بخلافه ، فذلك دلالة على رضاهم به؟
[2] بل في ذات الحكاية اتذكر انه قال لا يعلم مخالفا من أهل الشرق والغرب أو نحو هذا.
أبو مالك العوضي
2008-03-22, 06:22 PM
وفقك الله يا شيخنا الفاضل
تتكلم كما لو كان كلام ابن حزم مسلما في هذه المسألة التي استدركها على مالك رحم الله الجميع !!
وأنا قد بينتُ في غير هذا الموضع أن تصور ابن حزم لمباحث الإجماع غير صحيح أصلا، فهو لا يفرق مثلا بين الإجماع وبين المعلوم من الدين بالضرورة، ولذلك يكفر من يخالف الإجماع، ولا يقول بذلك جماهير أهل العلم.
ومن أخطائه أيضا أنه يحكي إجماع الصحابة على مسائل، ويستدل على ذلك بأن الصحابة جميعا مؤمنون بكلام الله، وهذا كلام الله !!!
وهذا إن لم يكن خللا في المنهج فلا أقل من أن يكون فسادا في التصور.
أبو مالك العوضي
2008-03-22, 06:43 PM
تنبيهك صحيح يا شيخنا الفاضل عن التصور العجيب للإجماع الأصولي، وهذا التصور هو سبب الإشكالات الواردة على الإجماع.
ولكن كلامنا عن الإجماع الذي احتج به السلف.
وفي المجلس العلمي موضوع عن هذه النقطة بعينها، ولا أذكر الرابط الآن.
عبدالله الشهري
2008-03-22, 07:44 PM
جزاك الله خيرا. شطحات ابن حزم في مبحث الإجماع أشهر من أن تذكر ، وما ذكرته من أمور كالتكفير وغيره طفحت به رسالته رسالة "النبذ" في أصول الفقه. ولكن المشكلة أن بعض الناس ربما ترك ابن حزم وهجر صوابه القليل لغلطه الكثير. فقط ليريح نفسه من البداية. يمكنك الرجوع إلى الدرس القيم "نظرة في الإجماع الأصولي" للشيخ محمد اسماعيل المقدم ، وهو ذكر هذا مثالاً - كصواب من صوابات ابن حزم - على عدم صحة إجماع مالك في حكايته للإجماع في تلك المسألة ، ليس لأن خلل منهج ابن حزم أدى إلى ذلك بل لأن ابن حزم بين بالفعل أن في المسألة خلافاً موجوداً. ثم إن ابن حزم وإن كان لديه خلل ظاهر إلا أنه قد ذكر ما يمكن أن يستفاد منه في وضع ضوابط عملية للتحقق من صحة الإجماعات المنقولة.
أبو مالك العوضي
2008-03-22, 08:08 PM
يا شيخنا الفاضل
إذا كان عندي خلل في تصور المعنى الصحيح للإجماع نفسه، فكيف يُتصور أن أضع ضوابط صحيحة لمعرفته؟
وأنا قد ذكرتُ لفضيلتكم أن مجرد إثبات وجود مخالف في المسألة لا يعني أنها ليست إجماعية، وهذه هي مشكلة ابن حزم ومشكلة كثير من طلبة العلم، يظنون أنه ما دام قد حكي في المسألة خلاف فلا يوجد إجماع، وهذا خطأ واضح.
وبغض النظر عن ابن حزم وشذوذه، فأنا لا أنازعك في الاستفادة من كلام أهل العلم مهما كان لديهم من شذوذ.
ولكن لنا أن نسأل:
- المسألة التي حكى الإمام مالك فيها الإجماع، ألم يكن في عصر الإمام مالك عالم معتبر يبين خطأ الإمام مالك؟
- لماذا لم يتعقب الإمام مالكا في هذه المسألة تلميذه الشافعي، مع مخالفاته الكثيرة له؟
- ولماذا لم يتعقبه الإمام أحمد؟
- ولماذا لم يتعقبه محمد بن الحسن الذي صنف كتابا كاملا في الرد على أهل المدينة؟
- يعني بين وفاة الإمام مالك (179) ووفاة ابن حزم (456) مدة طويلة جدا 277 سنة !!
- ألم يكن هناك طوال هذه المدة واحد آتاه الله علما وعقلا يبين خطأ الإمام مالك في هذه المسألة؟
أنا أتكلم كلاما عاما، وليس خاصا بالإمام مالك، وليس خاصا بمسألة من المسائل، ولكن أريد أن أبين بعض الأشياء التي تخفى على طالب العلم عندما تأخذه الحماسة في البحث ويظن أنه قد وقف على ما لم يقف عليه السابقون !!
المشكلة أن حكاية مذاهب العلماء لا يكفي فيها مجرد النقل من الكتب، وإنما تحتاج إلى تحقق بمذاهب هؤلاء العلماء، ومعرفة حقيقة أقوالهم، وما يقصدونه بهذه الأقوال، وهذا لا يتأتى لكل أحد.
ومن شاء أن يبحث لقوله عن مستند من أقوال السلف والخلف فلن يعدم ذلك بحق أو بباطل.
وقد أعجبني جدا كلام العلامة الشاطبي في خاتمة الموافقات؛ إذ ذكر عشرة ضوابط لنقل خلاف العلماء ومعرفة الخلاف القادح والخلاف غير القادح.
فالمقصود أن طعن ابن حزم في الإجماع الذي حكاه الإمام مالك لا يقبل بإطلاق، وإنما يحتاج الأمر إلى البحث عن القرائن في المسألة، فإذا وجدنا ابن حزم مثلا تفرد بهذا الطعن ولم يوافقه أحد من أهل العلم لا قبله ولا بعده، فلا شك أن كلامه لا يقبل.
ومالك ليس بمعصوم في نقله ويرد عليه الخطأ كما يرد على غيره، ولكن الأمر بضوابطه.
( تذييل )
لقد وجدت كثيرا من المسائل الإجماعية التي لم يحك أحد من العلماء الإجماع عليها !!
والسبب في ذلك أنه لم يخطر ببال أحد منهم أن ينازع أحد فيها أصلا، ولذلك تجد كلام العلماء فيها قليلا لأنهم لم يعرفوا فيها نزاعا، بخلاف المسائل التي اختلفوا فيها فإنك تجد الأخذ والرد فيها كثيرا عندهم حتى وإن كانت مسائل صغيرة.
عبدالله الشهري
2008-03-22, 09:45 PM
إذا كان عندي خلل في تصور المعنى الصحيح للإجماع نفسه، فكيف يُتصور أن أضع ضوابط صحيحة لمعرفته؟
لعلك تذكر أني قلت بالحرف: ((ثم إن ابن حزم وإن كان لديه خلل ظاهر إلا أنه قد ذكر ما يمكن أن يستفاد منه في وضع ضوابط عملية للتحقق من صحة الإجماعات المنقولة)).
لا أنه يعتمد عليه في وضع الضوابط.
فالمقصود أن طعن ابن حزم في الإجماع الذي حكاه الإمام مالك لا يقبل بإطلاق ، وإنما يحتاج الأمر إلى البحث عن القرائن في المسألة، فإذا وجدنا ابن حزم مثلا تفرد بهذا الطعن ولم يوافقه أحد من أهل العلم لا قبله ولا بعده، فلا شك أن كلامه لا يقبل.ومالك ليس بمعصوم في نقله ويرد عليه الخطأ كما يرد على غيره، ولكن الأمر بضوابطه.
رغم احترازك اللطيف في آخر كلامك (ابتسامة) إلا أني أود أن انقل إليك ما سمعته:
في محاضرة الشيخ المقدم وفقه الله: قال مالك عن : وجوب رد اليمين على المدعي إن نكل المدعى عليه : ((هذا ما لاخلاف فيه عن أحد من الناس ، ولا في بلد من البلدان)) [1] ، واستدرك ابن حزم (ولعله في المحلّى وهو ليس عندي) : هذه عظيمة ! القائلين بالمنع من رد اليمين أكثر من القائلين بردها. واستدرك على الشافعي كذلك عندما حكى لا الإجماع وإنما عدم العلم بالخـلاف (!) في أن في الثلاثين من البقر تبيع و في الأربعين مسنة ، قال ابن حزم (ولعله في المحلى أيضاً): ((وإن الخلاف في ذلك عن جابر بن عبدالله و سعيد بن المسيب وقتادة ، وعمال ابن الزبير في المدينة ، ثم عن إبراهيم النخعي وعن أبي حنيفة لأشهر من أن يجهله من يتعاطى العلم)).أ.هـ. [2]
============================== ==
[1] وجدته في الموطأ ، ط. إحياء التراث ، ص 447 : بلفظ: ((فهذا مما لا اختلاف فيه عند احد من الناس ، ولا ببلد من البلدان)).
[2] "نظرة في الإجماع الأصولي" من الدقيقة 57 إلى 59.
ابومحمد البكرى
2008-03-23, 07:10 AM
جزاكم الله خيرا
عبدالله الشهري
2008-03-23, 11:13 AM
ولعله يتبين بالمثال الأخير ضرورة الاحتيـاط الزائد لنوع معين من الإجماعات المحكية وعدم التسرع في قبولها وهي الإجماعات التي بين طرفين: طرف الإجماعات المعلومة المشتهرة ، كإجماع الصحابة أو إجماع العلماء من بعدهم على ما اشتهر إجماعهم عليه ، والطرف الآخر الإجماعات الباطلة ، أو الحكايات المدعية لإجماع لم يقع حقيقة لوجود الخلاف أو لعدم تصور وقوعه بسبب إجماع السابقين على خلافه ونحو ذلك. فالإجماعات التي تقع في الوسط هي مثار اضطراب ولا نستطيع - تشبيها أو قياسا - أن نقول أنها مثل الحديث "الحسن" ، بين الصحيح والضعيف ، لأن الحديث الحسن صحيح يقبل ويعمل به وهو حجة حتى لو كان متوسطاً طرفين. أما حكاية الإجماع فلا يعمل بها حتى تنتزع من الوسط وتلحق بأقرب الطرفين. والمشكلة أن هذا في الغالب مستبعد وسيظل الأمر كما هو. وعندي أن المشكلة يمكن أن تحل بما بينه ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين من ألا يُقدّم إجماع ظني مختلف فيه على نصوص الكتاب والسنة ، فيبحث فيهما ويعتمد عليهما أولاً في هذه الحال.
عبدالله الشهري
2009-02-09, 12:12 AM
كنت ولازلت أؤكد أن هناك نوعاً من الإسراف في حكاية الإجماعات ، وسوف - إن شاء الله تعالى - أنقل من كلام أحد الأصوليين المعاصرين ما يجلّي بعض الحقائق حول الإجماع. وهو شيخ متمكن و متخصص في هذا العلم : علم الأصول.
(ليس هو يعقوب الباحسين وفقه الله ، حتى لا يعجل علينا بعض الفضلاء :) )
أبو عبدالرحمن بن ناصر
2009-02-09, 01:03 PM
جزاكم الله خيرا شيخنا الفاضل
وقد رأيتُ بحثا مختصرا للشيخ الشريف حاتم العوني في كتابه (اختلاف المفتين ) ص 50 عن الإجماع ، ونقل عن ابن تيمية وعزاه للفتاوى (19 - 271)
أن الإجماع ينقض بأمرين
الأول : بنقل الخلاف يُسمى قائله
الثاني : أو بنقل خلاف مطلق لم يُسم قائله .
وذلك لأن ناقل الإجماع إنما هو ناف للخلاف ، والثاني مثبت للخلاف ، والمثبت مقدم على النافي.
( كما أن شيخ الإسلام تكلم عن أصناف الذين ينقلون الإجماع وطبقاتهم
فمن عُرف عنه كثرة ما يدعيه من الإجماع ، والأمر خلافه ليس بمنزلة من لم يُعلم منه إثبات إجماع علم انتفاؤه. وكذلك من عُلم منه في نقل النزاع أنه لا يغلط إلا نادرا ليس بمنزلة من علم منه كثرة الغلط . وإذا تظافر على النقل النزاع اثنان ، لم يأخذ أحدهما عن صاحبه ، فهذا يثبت به النزاع ، بخلاف دعوى الإجماع ، فإنه لو تظافر عليه عددٌ ، لم يستفد بذلك إلا عدم علمهم بالنزاع ) قاله ابن تيمية بواسطة (اختلاف المفتين )
-وهل يعتد لخلاف الظاهرية ، ومخالفتهم للإجماع ، ولابد من النظر في من حكى الإجماع كابن جرير وشرطه في انعقاد الإجماع وهل ابن عبدالبر مثله ؟
وهل لابد لتوثيق النقل عن عالم في الخلاف النقل مني كتب أصحابه ، أو يكفي النقل من خارج كتب مذهبه ، كأقوال مالك والشافعي . وابي حنيفة ، فقد اتهم ابن المنذر أنه نسب إليهم أقوالا لم يقولوا بها . و مثل ذلك نفي شيخ الإسلام ابن تيمية الجهر بالنية عند الشافعي ، وأصحابه يثبتونها ، ثم ظهر أنه ثابته بسند صحيح كما أخرجها ابن المقري عنه في (معجمه ) ذكرها في (صفة الصلاة ) . والله أعلم
ابن تيميـة
2009-02-09, 01:35 PM
شكرا لك ... وبارك الله فيك أخي عبدالله على هذا الموضوع الرائع ...
لا أعلم ضابطا في هذا الباب سوى التالي :
إن كان ناقل الإجماع ثقة ثبت فالأصل قبول خبره ما لم يُعارض بما هو أقوى منه , فإن عورض بقي النظر في طرائق الترجيح , وذلك أن الإجماع دليل شرعي , فيشترط في نقله ما يُشترط في نصوص الوحيين , والأدلة إذا تعارضت في النظر عمد المجتهد إلى الترجيح بالطرائق المعروفة .
والله من وراء القصد .
مصطفى ولد ادوم أحمد غالي
2009-02-09, 06:58 PM
بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد الإخوة الكرام السلام عليكم و رحمة الله لعلني تأخرت في مشاركتكم في هذا النقاش الشيق الذي تجمعون فيه على التحامل على العلامة الظاهري ابن حزم لكنه يبقى بالنسبة لكل من تتبع اجماعاته التي ضمنها كتابه"مراتب الإجماع"عالما يمتاز بسعة الاطلاع و الحذر و الحيطة فيما يخص باختيار ألفاظه و لعل هذا هو السبب الذي جعل شيخ الاسلام ابن تيمية يختار تتبعها و التعليق عليها بدل ابن المنذر فاذا قلت هذا يفيد ضعفها بينت لك أن الله لم يضمن العصمة الا لرسله و أن ابن تيمية نفسه سكت على بعض اجماعاته الواهمة كما بينت ذلك في كتابي "الاشعاع و الاقناع بمسائل الاجماع"و أما ما جعله خصوم الاجماع ديدنا لهم لنسف الاجماع و حجيته فقد بينت في مقدمة كتابي المذكور خطأهم و أن أحمد يقول بالاجماع و حجيته بل يتقبل به الأحاديث الضعيفة و كذلك الشافعي و الشوكاني و غيرهم فمراتب الاجماع لابن حزم أكثر انتقاء لمسائل الاجماع من ابن المنذر في كتبه فمن خلال تتبعي لهما مع ابن القطان في كتابي المذكور فقد تبين لي أن أكثرهم أوهاما ابن القطان رغم انه ألف كتاب "بيان الوهم و الايهام"لكنه في كتابه"الاقناع"كان كثير الأوهام و يليه ابن المنذر في كتابه "الاجماع"و في "الاقناع"و أصح اجماعاته ما ذكره في "الاشراف"و تكرر في "الاجماع"و قد أخرت الكلام عن حجية الاجماع على الكلام عن كتب الاجماع لأن الاجماع لا يكون حجة الا اذا كان متأكدا متيقنا حينئذ يكون حجة و ذلك لأن الاجماع _كما عرفوه_هو:"اتفاق مجتهدي أمة محمد صلى الله عليه و سلم بعد وفاته في عصر من الأعصار حول أمر من أمور الدين"فاذا تاكد الاجماع و تيقن فحجيته عند الجميع معروفة حتى أنه ينقض حكم القاضي و يرده و ان كان فيما هو معلوم من الدين بالضرورة أو ينبني على نص من القرآن صريح أو أحاديث متواترة صريحة فانه يكفر من لم يقبله اذا أقيمت عليه الحجة و لم يكن قريب عهد بالاسلام كما أن من لم يقبل الإجماع المتيقن المنعقد في غير المعلوم من الدين بالضرورة فانه فاسق لأنه فعل حراما و بالتالي فان معارض الاجماع متردد بين الكفر و الحرام و هما خصلتا سوء أعاذنا الله و اياكم من الكفر و الحرام فشيخ الاسلام ابن تيمية أكفر من استباح الحشيشة _كما بينت ذلك في مقدمة كتابي قي الاجماع_و قال:يستتاب فان لم يتب يقتل كفرا لا حدا و لا يصلى عليه و لا يدفن في قبور المسلمين و من المعلوم أن الحشيشة لم تظهر الا في القرن السادس مع التتار و ظهر قرن كجاكستان و قد أفتى فيها في البداية بعض الأحناف بالجواز انطلاقا من البراءة الأصلية حتى أفتى الإمام المازري فيها بالحرمة تراجع من أفتى فيها بالإباحة و انعقد الاجماع فتأمل ذلك جيدا ..الخ..
أبوإبراهيم المحيميد
2009-04-08, 12:18 AM
كلام الأخ أبي مالك العوضي رائع وكذلك الأخ عبدالله الشهري.
ولعلي اضيف اضافات تأصيلية مهمة جدا:
أولا لابد ندرك أن معرفة الإجماع من الدين وقد حفظ الله هذا الدين فقيظ الله أناسا عنوا بهذا الشأن جُل وقتهم من ائمة الإجماع والخلاف ولاشك أن فهم نصوص الكتاب والسنة يرجع فيه للسلف وأعني بالسلف القرون المفضلة وكذلك حكاية الإجماع والخلاف يرجع فيه للسلف أيضا لكن من تأمل في كلام السلف في نقل الإجماع وجد ان الإجماعات التي يحكيها السلف قليلة جدا وبالتالي فإنه يعسر استخراج الضوابط منها لكن من تأمل في كلام تلاميذهم وجد ان نقولاتهم كثيرة في نقل الإجماع فهم إذن يقومون مقام السلف في حكاية الإجماع لأنهم اعرف الناس بضوابط السلف في الإجماع وأقدر على تطبيقها ممن بعدهم ، ولو تأملنا في هؤلاء لوجدنا في طليعتهم الإمام ابن المنذر والطحاوي وابن جرير وابن عبدالبر وابن العربي وابن بطال والنووي وغيرهم ممن سار على طريقتهم.
ومن أراد ان يعرف ضوابط الإجماع والخلاف عندهم عليه أن يستقرئ في كلامهم ،وللأسف وجد في بعض الأعصار من يزهد في نقولات هؤلاء الأئمة ويصفهم بالتساهل ولو سار معنا على هذا التأصيل الذي ذكرته لسلم انهم هم أهل الشأن في نقل الإجماع .
هذا التاصيل ينطبق تماما في علم الحديث فإن الله قد قيظ أناسا افنوا اعمارهم في تمييز الصحيح من السقيم فيرجع إليهم في التصحيح و التضعيف وكذلك في معرفة ضوابط التصحيح والتضعيف وهؤلاء الأئمة امثال الإمام أحمد وابن المديني ابي حاتم وابي زرعة والبخاري ومسلم وممن سار على طريقتهم ولم يخالفهم .
عبدالله الشهري
2010-01-22, 10:41 PM
كنت ولازلت أؤكد أن هناك نوعاً من الإسراف في حكاية الإجماعات ، وسوف - إن شاء الله تعالى - أنقل من كلام أحد الأصوليين المعاصرين ما يجلّي بعض الحقائق حول الإجماع. وهو شيخ متمكن و متخصص في هذا العلم : علم الأصول.
(ليس هو يعقوب الباحسين وفقه الله ، حتى لا يعجل علينا بعض الفضلاء :) )
الشيخ هو الدكتور عياض السلمي حفظه الله ، قال : "يكثر في كلام العلماء تكفير مخالف الإجماع أوتفسيقه ، ولكن ذلك إنما يحمل على الإجماع الصريح المنقول بطريق التواتر والقطع ، وقد قلنا فيما مضى إن هذا النوع من الإجماع غير موجود إلا في مسائل دلت عليها نصوص قطعية ، وحينئذٍ يكون تكفير المخالف أو تفسيقه لمخالفة تلك النصوص لا لمخالفة الإجماع وحده ، وأما ما عدا ذلك من الإجماعات فهي لا تعدو أن تكون أدلة ظنية لا يمكن دعوى تكفير المخالف لها أو تفسيقه ، وبخاصة حين يكون معه دليل من عموم أو سنة".
أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله ، ص 140-141.
قلت : وما أكثر الإجماعات الظنية - وإن كانت محكية ومنصوص عليها - التي يحرص بعض طلاب العلم على تقريرها تقريراً قطعياً بحيث لا يجيزلخصمه ولا لأحد من المسملين مخالفته ، وإن كان مع الأخير طرف من دليل من كتاب أو سنة !
عبدالله الشهري
2010-01-31, 10:22 PM
ومما يوقف طالب العلم على حقيقة الإجماعات استنتاج الأصولي الدكتور يعقوب الباحسين ، في خاتمته لكتابه "الإجماع" ، قال فيه : "...يبدو من خلال الأمثلة المضروبة للإجماعات أنه فيما عدا ما ثبت من الدين بالضرورة ، لا يعدو أن تكون اتفاقاً للأكثر ، أو اتفاقاً لا يعلم فيه مخالف".
[الإجماع ، ص 350].
عبدالله الشهري
2010-02-04, 12:35 AM
وقال أيضاً - وهو مما يجدر بطالب العلم والعالم التنبه له - :"ثم إن كثيراً من الإجماعات مراعى فيها المصلحة ، أو العرف ، أو غيرهما ، وهما مما يمكن أن يتغيّرا فيصبح البقاء على حكمهما السابق مفسدة واضحة ، والله لا يأمر بالفساد".
[الإجماع ، ص329]
عمر بن سليمان
2010-05-06, 06:47 AM
شكر الله لكم جميعا
عبدالله الشهري
2010-05-18, 08:48 AM
مثال لطرف من إشكالات حكاية الإجماعات: حكى ابن عبدالبر الإجماع على أن الوصية واجبة وأنه لم يشذ في ذلك إلا طائفة. ومن القائلين بوجوب الوصية ابن عباس رضي الله عنه - في إحدى الروايتين عنه - وابن جرير وغيرهما وقوّاه الشيخ ابن عثيمين رحمهم الله.
تعليقات:
- هل الإجماع منعقد هنا؟
- من يقرر أن هذه أو تلك طائفة شاذة وأن شذوذوها فعلاً شذوذ؟
- لا يكفي في قبول الإجماع ولزوم العمل به أن ينقله إمام حافظ [ ومثالنا هنا هو ابن عبدالبر رحمه الله ].
.
.
.
إلى غير ذلك.
عبدالله الشهري
2010-12-12, 05:14 PM
قال ابن تيمية:"ومعرفة الإجماع قد تتعذر كثيراً أو غالباً، فمن ذا الذي يحيط بأقوال المجتهدين؟"
المجموع: جـ19: ص 201-202
العلم الهيب
2010-12-12, 08:28 PM
الإجماع أصل ثابت في الشرع قطعا، مقرر في كتب الأصول قاطبة، معرفته شرط في الاجتهاد يقينا، و قد تسرب كثير من الحداثين في اسقاط دلالات الكتاب والسنة والأحكام الثابتة بالتشكيك أولا في الإجماع ومن ثم فتح باب الإجتهاد لهم ليسهل عليهم القول في الدين بمقدماتهم الفلسفية، وقد تنبه لذلك الإمام القرافي فنبه على فساد المشكك في الإجماع، وأما كلام اهل العلم في نقد بعض المسائل التي نقل فيها الإجماع قليل بالمقارنة بالمسائل التي اجمع على اجماعها، وقد نقل الإسفرائيني الإجماع ما يزيد عن عشرين ألف مسألة وغيره، بل كتب الإجماع المصنفة مقبولة في نقلهم للإجماع ولم تنتقد الا في النزر اليسيرإما لصحة النقل عن المخالف واشتهاره به، او لخطأ في الاجماع المحكي، وهذا وإن بالغنا فهي لا تتجاوز الثلث، و لعل من بدهيات العلم بهذا الأصل معرفة اجماع اهل العلم على كثير من مسائل الشروط والأركان والضوابط والوقائع ولعل طالب العلم لو كلف نفسه لينظر في باب الصلاة وحدها لخرج بكثير من الإجماعات المنقولة.والله اعلم.
عبدالله الشهري
2011-08-01, 11:15 PM
زادك الله علماً وفقهاً.
هناك من نازع من العلماء المتقدمين في أدلة الإجماع واعتبرها ظنية الدلالة على استقلال الإجماع بتأسيس الأحكام، ومن المتأخرين الطاهر ابن عاشور في تفسيره والشوكاني في الإرشاد وغيرهما، وانظر تفضلاً منكم هذه الجزئية في كتاب الإجماع للشيخ الدكتور يعقوب الباحسين ، وهو عمدة في تاريخ وحقيقة علم الأصول.
محرز الباجي
2011-08-02, 05:28 AM
هلا بين لنا الإخوة الأفاضل شطحات إبن حزم في الإجماع التي هي أشهر من أن تذكر وكيف أنه تكلم في الإجماع وألف فيه كتاب ثم هو بعد ذلك لم يتصور التصور الصحيح للإجماع أنيروا نواصينا بارك الله فيكم
أبو الفداء
2011-08-08, 01:29 AM
حياك الله وبياك يا أبا ضياء، وتقبل منا ومنك الصيام والقيام، آمين.
أما بعد، فإنني أستعظم في الحقيقة أن أرى دعوى حقيقتها عند التأمل ادعاء أن مصدرا عظيما من مصادر التلقي في شريعتنا ليست له ضوابط محكمة للقبول والرد عند العلماء! فإنه لو صح هذا، للزم منه انخرام سائر مصادر التلقي وليس الإجماع وحده، بارك الله فيك، وقد بين ذلك المعنى شيخنا أبو مالك أحسن بيان وأوفاه. فما أسهل أن يأتيك من يقول إن هذه الآية لا يثبت في تفسيرها إجماع، فلي أن آتي فيها برأي يهدم سائر ما نقل في تفسيرها عن السابقين ولا حرج! وما أسهل أن يتأتيك من يقول إن أحاديث البخاري مفتوحة كلها للأخذ والرد، فإنه لا حجية لإجماع أئمة الحديث على صحة ذلك الكتاب!
يقول الدكتور السلمي حفظه الله في منقولك عنه:
ولكن ذلك إنما يحمل على الإجماع الصريح المنقول بطريق التواتر والقطع ، وقد قلنا فيما مضى إن هذا النوع من الإجماع غير موجود إلا في مسائل دلت عليها نصوص قطعية
فأولا لا أفهم، ما قصده بالإجماع الصريح؟ أليست حكاية الإجماع = التصريح بوجوده؟ ثم ما معنى قوله: المنقول بطريق التواتر والقطع؟ وهل نقل إلينا إجماع من قبل بطريق التواتر؟ ما صورة نقل الإجماع بالتواتر؟ أن تأتينا الحكايات بنقل الكافة عن الكافة؟ وهل وقع هذا أصلا؟ فإذا ما آل الأمر في حجية الإجماع إلى ما كان من النصوص قطعي الدلالة، فهذا لا يحتاج إلى نقل الإجماع فيه غالبا!
فالإجماعات التي تقع في الوسط هي مثار اضطراب ولا نستطيع - تشبيها أو قياسا - أن نقول أنها مثل الحديث "الحسن" ، بين الصحيح والضعيف ، لأن الحديث الحسن صحيح يقبل ويعمل به وهو حجة حتى لو كان متوسطاً طرفين. أما حكاية الإجماع فلا يعمل بها حتى تنتزع من الوسط وتلحق بأقرب الطرفين.ينبغي التفريق بين الكلام في "حجية الإجماع" والكلام في "ظنية الإجماع". فإن وصف الإجماع بأنه ظني الثبوت لا قطعيه، لا يلزم منه إسقاط حجيته إلا عند من كان منهجه أن العلم الموجب للعمل لا يتحقق إلا من طريق القطع، وهذا باطل! فلا إشكال في أن يكون الإجماع المحكي طريق وصوله إلينا طريق ظني، تماما كما أنه لا إشكال في أن يكون الحديث ظني الثبوت! وهذا يتدرج على درجات كما يتدرج ذاك ولا فرق. بل إن الظنية تدخل على النص قطعي الثبوت من جهة الدلالة كذلك، فكان ماذا؟ إذا نُقلت إلينا حكاية الإجماع من إمام يوثق في علمه ومنزلته بين أقرانه في زمانه، ولم ينقل إلينا اعتراض على دعواه تلك من طبقته نفسها في جميع عصره، فهو إجماع ظني الثبوت، ولا مطعن في حجيته لمجرد أنه لا يمكن القطع بصحته! وما دمنا نقول إن الإجماع ظني الثبوت حجة، فلا وجه لمواصلة البحث في مسألة من المسائل قد أثبتنا فيها حجية ذلك الإجماع على قول ما! إذ إن القول الذي نقل الإجماع فيه إما أنه قائم على دلالة قطعية أو ظنية، فإن كانت الأولى، فلا سبيل لمخالفتها على أي حال (وإلا ما جاز أن توصف بالقطعية). وإن كانت الدلالة ظنية، فالإجماع على القول الظني يجعله مقدما على ما يخالفه من الظنيات في نفس الأمر، لأن ثبوت الإجماع عندنا عليه (وإن كان ثبوتا ظنيا) يكسبه ثقلا عظيما في الترجيح على سائر ما قد يخالفه من الظنيات في المسألة. ذلك أننا بإثباتنا الإجماع نقرر أن الكافة من الأئمة قد أهملو سائر الأقوال الظنية المخالفة له (إن وجدت)، ومن ثمّ يغلب على ظن المجتهد - لزوما - أن الحق لا يمكن أن يخرج عن ذلك القول المجمع عليه (بموجب أدلة حجية الإجماع نفسها)، فيغلق باب النزاع في المسألة بذلك! وإلا فما فائدة حكاية الإجماع أصلا؟
لا يكفي في قبول الإجماع ولزوم العمل به أن ينقله إمام حافظ فأي شيء تشترط إذن؟ إن لم تكتف بأن يكون الإجماع منقولا عن إمام حافظ يتفرد بتلك الدعوى، فهل تشترط أن يكون محكيا بإجماع؟ بمعنى أن ينقل عن كافة المجتهدين المعتبر بخلافهم في المسألة تصريحهم بأن المسألة محل إجماع بينهم؟ أولا هذا لم يكن من قبل، وثانيا فإنه يفضي إلى التسلسل: نريد إجماعا على وقوع إجماع على وقوع إجماع على القول كذا!
عبدالله الشهري
2011-08-09, 12:17 AM
قال الموفق ابن قدامة - عند مسألة اعتبار قول من لا يعتبر قوله في الإجماع كالفقيه أو الأصولي الصرف - :
"فإن قيل: فهذه المسألة اجتهادية أم قطعية؟ قلنا: هي اجتهادية، فمتى جوزنا أن يكون قول واحد من هؤلاء معتبراً فخالف لم يبق الإجماع حجة قاطعة".
[روضة الناظر: 1 / 432 ، بشرح ابن بدران وتعليق الشثري]
عبدالله الشهري
2011-08-09, 12:53 AM
بارك الله فيك أخي أبا الفداء.
لم يوضع هذا الموضوع إلا لمثل هذا النقاش الذي أدليت به مشكوراً. والمسألة ليست بالبساطة التي تتصورها إذا ما توسعت في القراءة والإطلاع توسعاً كبيراً، وقد أوردت جملة من الأمور بعضها جوابه مضمن فيما سبق وبعضها يحتاج لجواب، ولكني سوف اقتصر في هذه العجالة على الجزء الأخير عسى أن يكون فيه إيقاظ وتنبيه. وهو الجزء الذي اعترضت فيه على قولي: "لا يكفي في قبول الإجماع ولزوم العمل به أن ينقله إمام حافظ". وخير جواب هو الأمثلة من الواقع: هل يوجد إجماع نقله إمام حافظ ومع ذلك لم يتم له نقله لذلك الإجماع؟ والجواب: أنه يوجد الكثير. فهذا ابن القطان تابع ابن حزم - فالآن عندك إمامان ! - على قوله:"واتفقوا على أن الاستنجاء بالحجارة وبكل طاهر، ما لم يكن طعاما أو رجيعا أو نجسا أو جلدا أو عظما أو فحما أو حممة جائز". فتعقبهم ابن تيمية وذكر الخلاف في المسألة. وكذلك حكيا الاتفاق على "أن غسل الذراعين إلى مبتدأ المرفقين فرض في الوضوء"، فجاء شيخ الإسلام وذكر الخلاف عن زفر وداود وبعض المالكية. والأمثلة كثيرة وما كتبت إلا عن عجلة، ولو كانت الثقة تتم بكل إجماع محكي فقط لأن ناقله إمام لحصل إشكال كبير. ولكن امنح نفسك بعض الوقت لسبر المسألة بتوسع ومطالعة جوابنها فقهياً وأصولياً، عندها تعلم - إن جاز ذلك - لم اقتصر بعض الأئمة على الثقة بإجماعات الصحابة أو التابعين دون غيرها.
عبدالله الشهري
2011-08-09, 01:05 AM
فففمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِين َ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً ققق
قال الطاهر ابن عاشور رحمه الله:
(( وقد شاع عند كثير من علماء أصول الفقه الاحتجاج بهذه الآية، لكون إجماع علماء الإسلام على حكم من الأحكام حجّة، وأوّل من احتجّ بها على ذلك الشافعي. قال الفخر: «روي أنّ الشافعي سئل عن آية في كتاب الله تدلّ على أنّ الإجماع حجّة فقرأ القرآن ثلاثمائة مرة حتّى وجد هذه الآية. وتقرير الاستدلال أنّ اتّباع غير سبيل المؤمنين حرام، فوجب أن يكون اتّباع سبيل المؤمنين واجباً. بيان المقدمة الأولى: أنّه تعالى ألحق الوعيد بمن يشاقق الرسول ويتّبع غير سبيل المؤمنين، ومشاقّة الرسول وحدها موجبة لهذا الوعيد، فلو لم يكن اتّباع غير سبيل المؤمنين موجباً له، لكان ذلك ضمّا لما لا أثر له في الوعيد إلى ما هو مستقلّ باقتضاء ذلك الوعيد، وأنّه غير جائز، فثبت أنّ اتّباع غير سبيل المؤمنين حرام، فإذا ثبت هذا لزم أن يكون اتّباع سبيلهم واجباً». وقد قرّر غيره الاستدلال بالآية على حجّيّة الإجماع بطرق أخرى، وكلّها على ما فيها من ضعف في التقريب، وهو استلزام الدليل للمدّعي، قد أوردت عليها نقوض أشار إليها ابن الحاجب في «المختصر». واتّفقت كلمة المحقّقين: الغزالي، والإمام في «المعالم»، وابنِ الحاجب، على توهين الاستدلال بهذه الآية على حجّيّة الإجماع )).
[التحرير والتنوير: 2 / 201 ، دار سحنون].
عبدالله الشهري
2011-08-09, 01:52 AM
قال ابن بدران - بعد أن نقل اختلاف العلماء فيمن يُعتد بقوله في الإجماع - :
"وهذه أقوال تعصب وشذوذ، وربما أدت إلى أن يقول أهل كل مذهب: الإجماع ما أجمع عليه علماء مذهبنا، فلا عبرة بخلاف غيرهم ولا بوفاقه".
[روضة الناظر: 1 / 435 ، بشرح ابن بدران وتعليق الشثري]
عبدالله الشهري
2011-08-09, 02:06 AM
لخص ابن تيمية طرفاً مهماً في قصة الإجماع، فكان مما قال:
"أهل العلم والدين لا يعاندون، ولكن قد يعتقد أحدهم إجماعا ما ليس بإجماع، لكون الخلاف لم يبلغه، وقد يكون هناك إجماع لم يعلمه، فهم في الاستدلال بذلك كما هم في الاستدلال بالنصوص: تارة يكون هناك نص لم يبلغ أحدهم، وتارة يعتقد أحدهم وجود نص، ويكون ضعيفا أو منسوخا.
وأيضا فما وصفهم هو به قد اتصف هو به، فإنه يترك في بعض مسائله ما قد ذكر في هذا الكتاب أنه إجماع. وكذلك ما ألزمهم إياه [أي ابن حزم] من تكفير المخالف غير لازم؛ فإن كثيرا من العلماء لا يكفرون مخالف الإجماع.
وقوله [أي ابن حزم]: " إن مخالف الإجماع يكفر بلا اختلاف من أحد المسلمين " هو من هذا الباب، فلعله لم يبلغه الخلاف في ذلك، مع أن الخلاف في ذلك مشهور مذكور في كتب متعددة، والنَّظَّامُ نفسه المخالف في كون الإجماع حجة لا يكفره ابن حزم والناس أيضا. فمن كفَّر مخالفَ الإجماع إنما يكفره إذا بلغه الإجماع المعلوم، وكثير من الإجماعات لم تبلغ كثيرا من الناس، وكثير من موارد النزاع بين المتأخرين يَدَّعي أحدهما الإجماع في ذلك، إما أنه ظني ليس بقطعي، وإما أنه لم يبلغ الآخر، وإما لاعتقاده انتفاء شروط الإجماع.
وأيضا: فقد تنازع الناس في كثير من الأنواع: هل هي إجماع يُحتج به؟ كالإجماع الإقراري، وإجماعِ الخلفاء الأربعة، وإجماعِ العصر الثاني على أحد القولين للعصر الأول، والإجماعِ الذي خالف فيه بعضُ أهله قبل انقراض عصرهم، فإنه مبني على انقراض العصر، بل هو شرط في الإجماع، وغيرِ ذلك. فتنازعُهم في بعض الأنواع، هل هو من الإجماع الذي يجب اتباعهم فيه، كتنازعهم في بعض أنواع الخطاب، هل هو مما يحتج به، كالعموم المخصوص، ودليل الخطاب، والقياس، وغير ذلك. فهذا ونحوه مما يتبين به بعض أعذار العلماء".
نقد مراتب الإجماع لابن تيمية ، ملحق بـ "مراتب الإجماع" [ص 286-287] ، لابن حزم، عناية/ حسن اسبر.
عبدالله الشهري
2011-08-09, 02:38 AM
...وبعد هذا كلّه - وإن كنت لم أعط الموضوع حقه من الإتيان على كل ما في كتب الأصول المشهورة من مباحث - سوف استعرض معكم إن شاء الله: كيف نشأ الإجماع ؟ و كيف تحدّث عنه الشافعي وكيف صوّره ؟ فإن هذه الجزئية هي عندي أهم ما في الموضوع كله، فبتحليل كلام الإمام الشافعي في كتابي "الرسالة" و"جماع العلم" على وجه الخصوص، وبضم بعض كلامه إلى بعض، تتبين أموراً كثيرة، وقد جمعتُ في ذلك طرفاً وحللتُ فصولاً من كلامه بإزاء بعضها البعض، والله المستعان وعليه التكلان.
محرز الباجي
2011-08-09, 06:30 AM
الإخوة الكرام رجاءا التثبت في نقل أقوال إبن حزم فهو لا يكفر من خالف الإجماع مطلقا إنما يختصر الكلام في بعض الأحيان ولا يذكر كل شروط التكفير أو موانعها لأنها من ضروريات العلم عنده ويعلمها كل من تعاطى هذا الشأن ومن نظر في كتبه يرى أنه أحيانا يطنب وأخرى يوجز فيفهمه من لم يتدرب على منهجه على غير ما يريد ويقصد ثانيا الإتفاق عند إبن حزم غير الإجماع بل هو فرع من فروعه أو مشتق منه ومن لم يدرك هذا أيضا تعسف على الرجل ونبزه بعدم الإحاطة والإستيعاب والإتفاق عند أبي محمد إنما يقصد به الحد الأدنى الذي أتفق عليه العلماء من وجوب أو تحريم أو إجزاء أو غيره ولا يعني إتفاقهم مثلا على وجوب غسل اليدين إلى مبتدأ المرفقين أنهم يقولون بإجزائه فقد إختلفوا فيما فوقه فالإتفاق بلغة الرياضيات هو الحد المشترك وهذا ما يقصده الفارسي رحمه الله فالحق يمكن أن يكون مساويا للإتفاق أو أكثر منه لكنه لا يكون أبدا دونه وأخيرا أستعطف الإخوة أن لا يتعالوا على إبن حزم وتسفيهه بحق وباطل حتى أن أحد الإخوة وصفه بكثرة الغلط وقلة الإصابة وهذه والله لإحدى الكبر
أبو الفداء
2011-08-09, 04:25 PM
والمسألة ليست بالبساطة التي تتصورها إذا ما توسعت في القراءة والإطلاع توسعاً كبيراًأحسن الله إليك، أين وجدت في كلامي ما يوحي بأني أتصورها "بسيطة"؟ أنت تطالب "بضوابط وشروط محكمة" وتتصور أن عدم وقوفك على تحرير جامع لها = افتقار أهل الشأن إليها! فحررت لك الفرق بين "الحجية" و"الظنية" وأن ثبوت الثاني لا يستلزم انتفاء الأول، وبينت أن ظنية حكاية الإجماع - بمجردها - تجعله في كثير من الأحيان عرضة لأن يرد ويقبل باجتهادات من جنس ما يصح أن يطعن به على كل دليل يوصف بأنه ظني، والأمر يُعرف بمجموع قرائنه في كل مسألة! فأين ما يوحي "بالتبسيط" في ذلك؟
يا شيخنا الفاضل أنت طالب علم مؤصل، والظن فيك أنك تدري تمام الدراية أن صفة "الثقة" هذه ليست عند العقلاء فضلا عن العلماء على درجة واحدة في كل ما يصح أن تطلق عليه! فإن كنت ممن يقصرون قبول دعوى الإجماع على ما كان إنكاره كفرا مخرجا من الملة (مثلا)، فما دليلك على هذا القصر إن كنت في ذات الوقت ممن يرون أن الظن الراجح يوجب العمل كالقطع سواء بسواء؟
هذا ما يظهر لي أنه حرف المسألة!
أنا أقول إن الشأن في الإجماع كالشأن في غيره من مصادر التقلي، منه ما هو عند درجة القطع، ومنه ما دون ذلك درجات، فنقف فيه موقف الوسط بين من يغلو فيدعي القطع في حكاية للإجماع يوجد ما يمكن أن يكون دليلا على وهم من حكاها أو على نقص استقرائه أو على بطلان نسبتها إليه، وبين من يفرط فيسقط حجية قسم كبير من أقسام الإجماع جملة واحدة لمجرد أنه لا يأتينا إلا منقولا عن إمام واحد، بدعوى أنه يفتقر إلى الضوابط والشروط المحكمة!
فإن أردت التنقيب في الكتب عن علماء كبار وقفوا في كل طرف من هذين الطرفين، فستجد ولا شك، ولكن ما هكذا ينضبط لطالب العلم منهجه، وما هكذا يتحقق له القرار على ما يقتضيه الدليل!
ولو كانت الثقة تتم بكل إجماع محكي فقط لأن ناقله إمام لحصل إشكال كبير. ولكن امنح نفسك بعض الوقت لسبر المسألة بتوسع ومطالعة جوابنها فقهياً وأصولياً، عندها تعلم - إن جاز ذلك - لم اقتصر بعض الأئمة على الثقة بإجماعات الصحابة أو التابعين دون غيرها.بل الثقة تتم بالإجماع الذي يحكيه إمام حافظ، ما لم يثبت من منقول أقرانه وجود الخلاف في زمانه (أو قبله) عند من يعتبرون بخلافه! تماما كما تتم الثقة في حديث وصل إلينا بنقل الثقات، ما لم يثبت ما يطعن في صحته!! فما زلت لا أدري ما وجه دعواك أن الأمر يفتقر إلى ضوابط وشروط "محكمة" وكأن مسألة الإجماعات المحكية هذه قد قد وصلت إلينا دون أن تمر بمفارز الأولين في قرون من المدققين والمحققين قبلنا!
ولا أدري صراحة ما وجه نقلك - في سياق هذا الكلام - كلام الطاهر بن عاشور في المشاركة رقم 41! هل غايتك الطعن في حجية الإجماع نفسها، أم البحث عما ينضبط به قسم بعينه من أقسام الإجماع (الإجماع المحكي عن إمام حافظ)؟ هذا أمر يحتاج منك إلى انتباه وحسن تحرير.
وقد ساءني منك حقيقة - عفا الله عنك - التعريض باتهام محاورك بالقصور في مطالعة المسألة، فهذه دعوى كل أحد يحسنها، وليس أخوك هذا - ولله الحمد - بالذي يحلو له التعلق بالشذوذات من الدعاوى والأقوال، والله المستعان.
أبو الفداء
2011-08-09, 06:39 PM
ثم إنني أراك تسوق إلينا أقوال بعض أهل العلم دون أن يتضح لنا ما تريد من كل نقل!
فهل غايتك بيان أن العلماء اختلفوا في الإجماع بدءا من تحرير القول في بعض دعاواه، ووصولا إلى النظر في حجيته نفسها؟ هذا معروف يا أخي الفاضل ولا يخفى!
فما إضافة نقل كهذا إلى الموضوع؟:
"وهذه أقوال تعصب وشذوذ، وربما أدت إلى أن يقول أهل كل مذهب: الإجماع ما أجمع عليه علماء مذهبنا، فلا عبرة بخلاف غيرهم ولا بوفاقه".
أقول معقبا: لو سلمنا بأن كل نظر في معرفة من يعتبر بخلافه ووفاقه يفضي إلى التعصب والشذوذ لا محالة، للزم من ذلك ترك تحري مواطن الإجماع في القرن الأول كذلك، وإلا فإن وصفنا طريق الصحابة بأنه (سبيل المؤمنين) وبأن الحق لا يخرج عنه، فطريق من سلك طريقهم من بعدهم تنسحب عليه تلك الصفة كذلك ولابد، وإلا فليس في سائر ما تلا الصحابة الذين زكاهم القرءان من أهل القرون من يصح أن يوصف بأنه على سبيل المؤمنين، ومن ثمّ يلزم أن يكون اتباع سبيل المؤمنين الذي نصت الآية على وجوبه = ممتنعا، بغض النظر عما إذا كانت الآية دليلا قطعيا أو ظنيا على حجية الإجماع!
فهذا عالم يريد أن يقول إن تحري من يعتبر بخلافه ومن لا يعتبر في هذه العصور المتأخرة يلزم منه حصر سبيل المؤمنين في طائفة بعينها وهذا باطل (بزعمه)، فهل يختلف العقلاء في أن اتباع سبيل المؤمنين يلزم من تصور وقوعه أن يتسلسل ذلك الاتباع في طائفة من الطوائف - ولا بد - قرنا بعد قرن؟ وهل هذا النقل يطعن به على صحة الاستناد إلى دعوى إمام من الأئمة وقوع الإجماع في زمانه؟ هذا ما نحتاج إلى مناقشته إن كنا فاعلين!
وفي منقولك من كلام ابن تيمية رحمه الله، أراك تعلم باللون الأحمر على بعض كلامه:
ولكن قد يعتقد أحدهم إجماعا ما ليس بإجماع
فهل أنكر أحدنا وقوع هذا الأمر؟ كلا! ولكننا لا نستلزم منه ما تريد!
ثم علمت على قوله رحمه الله:
وأيضا: فقد تنازع الناس في كثير من الأنواع: هل هي إجماع يُحتج به؟ كالإجماع الإقراري، وإجماعِ الخلفاء الأربعة، وإجماعِ العصر الثاني على أحد القولين للعصر الأول، والإجماعِ الذي خالف فيه بعضُ أهله قبل انقراض عصرهم، فإنه مبني على انقراض العصر، بل هو شرط في الإجماع، وغيرِ ذلك. فتنازعُهم في بعض الأنواع، هل هو من الإجماع الذي يجب اتباعهم فيه، كتنازعهم في بعض أنواع الخطاب، هل هو مما يحتج به، كالعموم المخصوص، ودليل الخطاب، والقياس، وغير ذلك. فهذا ونحوه مما يتبين به بعض أعذار العلماء
فهذا مما نشهد به ولا نماري فيه، فكان ماذا؟
لم يزعم أحد ههنا أن العلماء لم يختلفوا، بارك الله فيك.
فحبذا التأمل في غاية كل نقل وفائدته في مجرى النقاش قبل سوقه.
عبدالله الشهري
2011-08-10, 05:41 AM
حبيبي العاقل الفاهم أبا الفداء. فضلاً تأمل منهجي وقف عند ظاهر كلامي تجد ما أقوله من جملة ما تنازع فيه العلماء فقلت أنت بالنص على سبيل الاستدراك:
فهذا مما نشهد به ولا نماري فيه، فكان ماذا؟
أحسن الله إليك، أين وجدت في كلامي ما يوحي بأني أتصورها "بسيطة"؟ أنت تطالب "بضوابط وشروط محكمة" وتتصور أن عدم وقوفك على تحرير جامع لها = افتقار أهل الشأن إليها!ليس هذا تصوري فحسب، إذ النزاع في أنواع الإجماع وشروطه وصفات المجمع عليه، بل حتى في تفسير مراد الشافعي نفسه...الخ ، موجود في القديم والحديث، وبنص شيخ الإسلام، لا ينكر ذلك إلا جاهل أو متعالم، وهذا ما دعاني – ولعلك الآن لمست لماذا - أن أطلب منك التوسع في مطالعة المسألة لتتحقق من ذلك بنفسك (وما العيب في هذا؟). ولا أدري من هم أهل الشأن هؤلاء فحتى أهل الشأن في مبحث الإجماع فيهم نزاع معروف ، أم أنه لأنه غير معروف لدى البعض فإنه ليس موجود أو موجود ولكنه في حكم غير الموجود ! بل أزيد أنه حتى الشافعي رحمه الله طلب من مناظره أن يعرّف من هم أهل الشأن اللذين يحصل بهم الإجماع ويحدهم بحد واضح كمّاً (عددهم) وكيفا (علمهم وصفتهم) فلم يستطع.
فحررت لك الفرق بين "الحجية" و"الظنية" وأن ثبوت الثاني لا يستلزم انتفاء الأولجزاك الله خيرا، وهذا هو أقرب وأجود ما فعلت فيما يتعلق بصلب الموضوع. ولكن هذا عندي هو محل النزاع. إن الظنية التي تُدخل الأخبار المسندة في حيز القبول فيحتج بها غير الظنية التي تؤسس لحجية إجماع محكي، ومعنى محكي أي غير مُسند ، وهذه مشكلة كبيرة – بالإضافة إلى إشكالات أخر - مهدت لتوليد إجماعات مغلوطة كثير منها لا أصل له، كما حققه ابن القيم رحمه الله بأوضح عبارة ( انظر: كتاب الصلاة، ص75، تحقيق/ المنشاوي). فالظنية أيضاً لا تستلزم الحجية إلا في نطاق محدد، وفي نطاق الأحاديث التي يمكن سبرها ودراسة أسانيدها ومعرفة أحوال رواتها، لدينا مستند واضح ويمكن التعامل معه في الأخذ والرد، ولم يخالف أحد من علماء السنة في حجية الأحاديث الثابتة بالظن، ولكنهم اختلفوا – أي أهل السنة فضلاً عن غيرهم – في حجية الإجماعات غير القطعية ، بل الجمهور على أنها ليست بحجة ولا إجماع، ففي "تنقيح الفصول" : (وإذا حكم بعض الأمة وسكت الباقون فعند الشافعي والإمام ليس بحجة ولا إجماع). [ص259 ، دار الفكر]. بل آخر أقوال الشافعي أنه "ليس بحجة ولا إجماع" كما حققه بعض أصحابه حتى قال الغزالي: "نص عليه في الجديد" [انظر: الغيث الهامع شرح جمع الجوامع: جـ 2 / ص 597، تحقيق: حسن عباس].
فأين ما يوحي "بالتبسيط" في ذلك؟ هنا اسمح لي أن أكون شديداً معك ولكنها شدة أخوية. كيف يا حبيبي أبا الفداء تريدني أن أفعل وأنا أحرر أقوالي قدر المستطاع بمذاهب العلماء وأقوالهم، توثيقاً وعزواً ونقلاً، وأنت تأتي لتحرير المسائل هنا بتفكير عام مُرسَل. وآية كلامي مقارنة عابرة بين مشاركاتي ومشاركاتك من أول الموضوع إلى آخره. ولازلت أرى أنك من التبسيط قد أُتيت.
.... أن صفة "الثقة" هذه ليست عند العقلاء فضلا عن العلماء على درجة واحدة في كل ما يصح أن تطلق عليه! فإن كنت ممن يقصرون قبول دعوى الإجماع على ما كان إنكاره كفرا مخرجا من الملة (مثلا)، فما دليلك على هذا القصر إن كنت في ذات الوقت ممن يرون أن الظن الراجح يوجب العمل كالقطع سواء بسواء؟
هذا ما يظهر لي أنه حرف المسألة!حرف المسألة أن الخلط بين ظنية الطريق التي توجب الاحتجاج بالأحاديث ليست بالضرورة ملزمة لتأسيس الاحتجاج بكل إجماع محكي ولو انفرد بحكايته إمام، وبالذات في العصور التالية لعصور الصحابة و التابعين والأئمة الأربعة. فالظنية التي تُدخل الأحاديث في حيّز الاحتجاج ليست هي الظنية التي تدخل كل إجماع محكي – ولو حكاه إمام كما أثبت ذلك بالأمثلة في مشاركة سابقة والأمثلة كثيرة – حيز الاحتجاج. وفي هذا يقول الزركشي رحمه الله :" إذا قلنا بالاكتفاء بالآحاد في نقله (أي الإجماع) كالسنة ، فهل يُنزّل الظن المتلقى من أمارات وحالات منزلة الظن الحاصل من نقل العدول، قال الإبياري : فيه خلاف، وذهب الإمام إلى أنه لا يصح أن يكون مستَنَدَاً لعمل، وإن غلب على الظن منها ما يغلب على الظن من قول الشارع فيما يظهر من لفظه مما يشعر به ظاهره". [البحر المحيط: جــ3 / 494 ، طبعة العلمية]. فلِم يظهر من كلامك وكأني أتحدث بشيء جديد أو لا مجال للخلاف فيه ؟ مرة أخرى، لازلت أقول بكل براءة وصدق إن شاء الله: اطلع بتوسع واكف نفسك مؤونة الاعتراض المتكرر، لا أقول هذا تعريضاً بالتنقص لك أو اتهاماً لك – كما اقتنص ذلك ذهنك – وإنما أقوله لتقف بنفسك على قوة الخلاف في هذه المسائل، ولا أظن في ظاهر دعوتي ما يدعو للقلق.
فنقف فيه موقف الوسط بين من يغلو فيدعي القطع في حكاية للإجماع يوجد ما يمكن أن يكون دليلا على وهم من حكاها أو على نقص استقرائه أو على بطلان نسبتها إليه، وبين من يفرط فيسقط حجية قسم كبير من أقسام الإجماع جملة واحدة لمجرد أنه لا يأتينا إلا منقولا عن إمام واحد، بدعوى أنه يفتقر إلى الضوابط والشروط المحكمة!جميل أخي. هذا لا خلاف عندي فيه بشكل عام إلا شيء واحد وهو عدم دقة عبارتك الأخيرة وهي قولك :
" فيسقط حجية قسم كبير من أقسام الإجماع جملة واحدة لمجرد أنه لا يأتينا إلا منقولا عن إمام واحد"، فأقول نعم هذه هي أغلب الإجماعات، وهذا هو النوع الذي أنكر فيه أحمد والشافعي وغيرهما الجرأة على دعوى الإجماع، قال ابن القيم رحمه الله: ( وقد أنكر الأئمة كالإمام أحمد والشافعي وغيرهما دعوى هذه الإجماعات التي حاصلها عدم العلم بالخلاف لا العلم بعدم الخلاف فإن هذا مما لا سبيل إليه إلا فيما علم بالضرورة أن الرسول جاء به). [كتاب الصلاة، 59، تحقيق/ المنشاوي]. يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق أخي أبا الفداء، أما موقفي الواضح من الإجماع فإنه لم يتحرر إلا في الثابت المنقول من إجماع الصحابة، فهي التي لا يشكل على عالم ولا طالب علم حريص استقراءها واستحضارها عند الحاجة إليها. فهذا عندي هو الإجماع الذي امنحه ثقتي الكاملة، وفاقاً لشيخ الإسلام رحمه الله، وأما ما يُحكى ويُنقل بعد عصرهم وعصر الأئمة الأربعة من إجماعات هي من جنس عدم العلم بالمخالف (أو السكوتي) – وهي الكثرة الكاثرة - فلا أضعها موضع الاحتجاج الذي لا يسع أحدٌ مخالفته، أو بحيث تؤسس من خلاله الأحكام استقلالاً، وإنما موضع الحجة القوية المفيدة في الترجيح لا أكثر، وفاقاً للجمهور [البحر المحيط: جــ3 / 538 ] ، ووفاقاً لصنيع الأئمة ، قال أحمد في رواية المروزي: (كيف يجوز للرجل أن يقول أجمعوا إذا سمعتهم يقولون أجمعوا فاتهمهم لو قال إني لا اعلم مخالفا كان أسلم).
وقال في رواية أبي طالب: (هذا كذب ما اعلمه أن الناس مجمعون ولكن يقول ما اعلم فيه اختلافا فهو أحسن من قوله اجمع الناس).
و رواية أبي الحارث: ( لا ينبغي لأحد أن يدعي الإجماع لعل الناس اختلفوا).
وعن الشافعي- إمام هذا الشأن - في أثناء مناظرته لمحمد بن الحسن: (لا يكون لأحد أن يقول أجمعوا حتى يعلم إجماعهم في البلدان ولا يَقبَلُ على أقاويل من نأت داره منهم ولا قربت إلا خبر الجماعة عن الجماعة، فقال لي: تُضيّقُ هذا جداً؟ ، قلتُ له: وهو مع ضيقه غير موجود). [انتهى بتصرف يسير من "كتاب الصلاة"، لا بن القيم، ص59].
ولكن الهدف من الموضوع هو محاولة استثارة الإخوة لتكييف وتوصيف وضبط حقيقة هذا الإجماع المسمى بالظني قدر الإمكان ومحاولة وضع ما يمكن أن يساعد في تسهيل تقريره ما دام أن هناك من يرى أنه حجة توجب العمل (وهذا تكليف كما ترى) ، وهم كثير من يميل إلى الاحتجاج بهذا النوع من الإجماع، وهذا حقٌ لهم لا أنازع فيه ما دام قد أدى إليه اجتهاد لهم فيه سلف.
أما الدافع الحقيقي وراء النقولات المتنوعة في مشاركات سابقة فمتروك لتفسير القراء ، وإن كنت في باطني قد لا ارتضي بعضها، إلا أن الانشغال بتبرئة نفسي من بعض تلك التفسيرات ليس مما تنشط (ولا أريد أن تنشط) نفسي لتتبعه وتفنيده في كل مرة. وقد تركت جملاً من كلامك في المشاركة رقم 47 بلا تعليق، لعل فيما سبق غنية.
أبو الفداء
2011-08-10, 06:38 AM
جزاك الله خيرا.
ولكن ليس ما دعاني "للاعتراض" أنك تثبت الخلاف، فهو معروف ولم ننكره، إنما الذي دعاني إلى الاعتراض أن رأيتك تنقل من كلام أهل العلم ما يصل بعضه إلى حد التوهين من حجية الإجماع بعموم، لا هذا القسم بالذات، (ولست وحدي من لاحظ ذلك!!) مع أنك أنت نفسك لا ترتضي - على ما فهمت من كلامك الأخير - بعض ما في تلك النقول! فكيف يا أخي يستقيم النقاش وأنت تضطرب فيما تنقل - وأحيانا لا تزيد على أن تنقل - وتترك الأمر ليبدو وكأن هذا الأصل العظيم الباب فيه مفتوح لكل قول؟ والله ما رأيتك بدأت في الولوج إلى صلب الموضوع حقا إلا في مشاركتك الأخيرة، فكان حريا بك أن تبدأ بها النقاش! أما أن تمكث وعلى امتداد أربعين مشاركة كاملة لا تزيد على أن تنقل ما تثبت به خلاف الأصوليين في كل صغيرة وكبيرة من مباحث الإجماع، فلا عجب أن يأتيك المعترضون كما صنعتُ وكما صنع من قبلي الشيخ أبو مالك وفقه الله!
وقد سبقني بقوله الموجز البليغ (جزاه الله خيرا):
والمقصود أن عدم وضع ضوابط دقيقة تحدد منطقتي القبول والرد لا يقدح في الأصل المتفق عليه.
وغالبا ما يكون وضع مثل هذه الضوابط غير ممكن، فأكثر الضوابط والحدود التي يضعها أهل العلم منقوضة أو معترضة.
تقول:
وأنا أحرر أقوالي قدر المستطاع بمذاهب العلماء وأقوالهم، توثيقاً وعزواً ونقلاً، وأنت تأتي لتحرير المسائل هنا بتفكير عام مُرسَل
سبحان الله! أولو كان ما نقلته وعزوته لم يصل بنا فيما قررتَ أنه غاية الموضوع إلى شيء أصلا؟
إن كنت تظن أن أمثال هذه النقولات المجردة سيصل بنا إما إلى وضع تلك "الضوابط والشروط" التي تزعم أن مخالفك يفتقر إليها، أو إلى إثبات أن مخالفك لا يصح له الاحتجاج بشيء من تلك الحكايات أصلا، فهذا أمر يلزمك إعادة النظر فيه يا أخي الحبيب.
حرف المسألة أن الخلط بين ظنية الطريق التي توجب الاحتجاج بالأحاديث ليست بالضرورة ملزمة لتأسيس الاحتجاج بكل إجماع محكي ولو انفرد بحكايته إمام
الجملة يبدو أن فيها سقطا، أرجو مراجعتها.
أما الدافع الحقيقي وراء النقولات المتنوعة في مشاركات سابقة فمتروك لتفسير القراء
لا يصح هذا الصنيع يا حبيب، فإنك ما جئت مقررا، وإنما جئت مناقشا مباحثا، ثم إنك فتحت الباب بتلك النقولات المرسلة واسعة التشعب للكلام فيما لن يصل بك أكثره إلى مبتغاك! إلا إن كان مبتغاك مطلق التوهين من حجية الإجماع عموما، فهذا شأن آخر!
أبو الفداء
2011-08-10, 06:56 AM
ولكن الهدف من الموضوع هو محاولة استثارة الإخوة لتكييف وتوصيف وضبط حقيقة هذا الإجماع المسمى بالظني قدر الإمكان ومحاولة وضع ما يمكن أن يساعد في تسهيل تقريره ما دام أن هناك من يرى أنه حجة توجب العمل
فلنترك النقولات المتناثرة إذن، ولنفرغ إلى هذا الهدف إن كنا فاعلين، بارك الله فيك.
إن الظنية التي تُدخل الأخبار المسندة في حيز القبول فيحتج بها غير الظنية التي تؤسس لحجية إجماع محكي، ومعنى محكي أي غير مُسند ، وهذه مشكلة كبيرة – بالإضافة إلى إشكالات أخر - مهدت لتوليد إجماعات مغلوطة كثير منها لا أصل له
أما قولك إنها تختلف فصحيح إجمالا. وأما قولك إن كونها غير مسندة = مشكلة كبيرة، فهذا مطروح للنقاش، ولا أوافقك في إطلاقه على هذا النحو.
نعم ثمَّ اختلافات ولا شك بين درجات الظنية التي يُقبل معها الحديث، ودرجات الظنية التي تقبل معها حكاية الإجماع، ولا تستوي طرق القبول والرد الظني في كلا النوعين (إجمالا)، ولكن ما تأثير ذلك على مطلق الحجية الظنية نفسها من حيث الأصل؟ إن كنت ترى أن كون الإجماع المحكي إنما يصل إلينا بطريق ظني = هذا لا يسقط حجيته من حيث الأصل، وإنما يضيق دائرة القبول فيه (وما زلت إلى الآن لم أقف لك على تحرير واضح لقولك في هذا)، فقد اتفقنا على أن القول بإهمال هذا الصنف من الإجماعات جملة واحدة، مردود على من قال به!
فقبل أن نواصل النقاش، هل نتفق على هذا القدر؟
عبدالله الشهري
2011-08-11, 02:21 AM
...وجزاك من الخير أضعافه.
ولكن ليس ما دعاني "للاعتراض" أنك تثبت الخلاف، فهو معروف ولم ننكره، إنما الذي دعاني إلى الاعتراض أن رأيتك تنقل من كلام أهل العلم ما يصل بعضه إلى حد التوهين من حجية الإجماع بعموم، لا هذا القسم بالذات، (ولست وحدي من لاحظ ذلك!!) مع أنك أنت نفسك لا ترتضي - على ما فهمت من كلامك الأخير - بعض ما في تلك النقول! فكيف يا أخي يستقيم النقاش وأنت تضطرب فيما تنقل - وأحيانا لا تزيد على أن تنقل - وتترك الأمر ليبدو وكأن هذا الأصل العظيم الباب فيه مفتوح لكل قول؟ والله ما رأيتك بدأت في الولوج إلى صلب الموضوع حقا إلا في مشاركتك الأخيرة، فكان حريا بك أن تبدأ بها النقاش! أما أن تمكث وعلى امتداد أربعين مشاركة كاملة لا تزيد على أن تنقل ما تثبت به خلاف الأصوليين في كل صغيرة وكبيرة من مباحث الإجماع، فلا عجب أن يأتيك المعترضون كما صنعتُ وكما صنع من قبلي الشيخ أبو مالك وفقه الله! النقولات مقصودة ، ومن ضمن رسائلها المقصودة إشعار القارئ أن مسألة الإجماع ليست قصة جميلة سهلة مستقيمة المأخذ، يكفي فيها تقليد المسلم دينه حجة محكية لا يدري ما حقيقة ثبوتها وما قيل فيها، ولو تطلب ذلك إحداث صدمة بنقل بعض ما قاله أهل العلم ، وهم علماء ثقات وليسوا من أهل الأهواء والبدع. والآية التي استدل بها الشافعي – على سبيل المثال – حولها خلاف كبير وكما قال العلامة الشنقيطي : لم تسلم من بحوث ومناقشات. وليس المقصود استقصاء هذه النقول وإنما إبراز طرفاً منها كالتمهيد للموضوع ، والتمهيد لموضوع كهذا قد يطول بسبب طول الإلف أو التمذهب على طريق واحد. وقصدت بقولي "لا ارتضي" أي لا ارتضي بعض التفسيرات لدوافعي من وراء هذه النقولات. وأما الاعتراض فقد يكون وجيهاً وقد لا يكون.
اقتباس:والمقصود أن عدم وضع ضوابط دقيقة تحدد منطقتي القبول والرد لا يقدح في الأصل المتفق عليه.
وغالبا ما يكون وضع مثل هذه الضوابط غير ممكن، فأكثر الضوابط والحدود التي يضعها أهل العلم منقوضة أو معترضة.
إن انتهى النقاش إلى عدم إمكان وضع ضوابط، فليكن، فإن هذه نتيجة بحد ذاتها تعين الإنسان في اتخاذ موقف ما وبالتحديد تجاه الإجماعات الظنية المنعقدة بعد عصر الصحابة والتابعين.
اقتباس:حرف المسألة أن الخلط بين ظنية الطريق التي توجب الاحتجاج بالأحاديث وظنية الطريق التي توجب – على حد قول الطرف الآخر – الاحتجاج بالإجماع الظني. فالقدر المشترك بين ظنية طرق إثبات الأخبار وظنية طرق إثبات الإجماع المحكي ليس بالضرورة ملزماً لتأسيس الاحتجاج بكل إجماع محكي ولو انفرد بحكايته إمام الجملة يبدو أن فيها سقطا، أرجو مراجعتها.
لا يصح هذا الصنيع يا حبيب، فإنك ما جئت مقررا، وإنما جئت مناقشا مباحثا، ثم إنك فتحت الباب بتلك النقولات المرسلة واسعة التشعب للكلام فيما لن يصل بك أكثره إلى مبتغاك! إلا إن كان مبتغاك مطلق التوهين من حجية الإجماع عموما، فهذا شأن آخر! أحبك الله ، قد مضى جزءاً من الجواب واما توهين مطلق حجية الإجماع فشأن بعيد وليس شأناً آخر. ولعله تبين من المناقشات الأخيرة ومما سيأتي إن شاء الله أن المقصود إجماعات من نوع معين.
فلنترك النقولات المتناثرة إذن، ولنفرغ إلى هذا الهدف إن كنا فاعلين، بارك الله فيك.لم افترع هذا الموضوع لأكتب فيه لوحدي وإنما هي دعوة للجميع كما هو واضح من عنوان المشاركة ومن مقدمتها. فجزاك الله خيرا على المبادرة وجزى الله أبا مالك وسائر الإخوة كذلك، ولكن في الموضوع متسع لكل من يريد الإضافة.
أما قولك إنها تختلف فصحيح إجمالا. وأما قولك إن كونها غير مسندة = مشكلة كبيرة، فهذا مطروح للنقاش، ولا أوافقك في إطلاقه على هذا النحو.
نعم ثمَّ اختلافات ولا شك بين درجات الظنية التي يُقبل معها الحديث، ودرجات الظنية التي تقبل معها حكاية الإجماع، ولا تستوي طرق القبول والرد الظني في كلا النوعين (إجمالا)."إجمالاً" كلمة صحيحة وهي أيضاً كلمة تلطيفية لا تحل الإشكال على مستوى التطبيق والممارسة.
ولكن ما تأثير ذلك على مطلق الحجية الظنية نفسها من حيث الأصل؟هذا أيضاً من مواضع النزاع ، فهل مجرد دخول بعض الإجماعات في مطلق الحجية الظنية يجعلها حجة مُلزمة استقلالاً، بحيث لا يسع أحد مخالفتها ؟ فيها خلاف كبير تقدم الإشارة إلى بعضه ولعل البقية تأتي.
إن كنت ترى أن كون الإجماع المحكي إنما يصل إلينا بطريق ظني = هذا لا يسقط حجيته من حيث الأصل، وإنما يضيق دائرة القبول فيهنعم، بلا خلاف، فإن هناك إجماع قطعي لا يسع أحد مخالفته وهناك إجماع هو فوق كونه كالمتعذر فهو ليس بحجة على معنى أنه يستقل بقوة في تأسيس أحكام شرعية أو بحيث لا يسع أحداً مخالفته. فالحجية بهذا المعنى محفوظة لإجماع الصحابة على وجه التحديد، لعدم انضباط – وهذا أيضاً محل للخلاف – الإجماعات المتأخرة (وهي الأكثر) عن عصورهم، كما قال الأصفهاني رحمه الله :"لم يتعذر الوقوف على حصول الإجماع في زمان الصحابة – رضي الله عنهم – لأنهم كانوا محصورين قليلين غير منتشرين في البلاد" [شرح المنهاج: جــ 2 / 582]. وهذا كما ترى مبني على قول من يشترط إجماع الجميع، وأن يكون هذا الجميع بلغ الاجتهاد، وأنا أقول به.
(وما زلت إلى الآن لم أقف لك على تحرير واضح لقولك في هذا)، لم يتحرر لعلماء من قبلي فكيف يتحرر لي في بضعة أيام ؟ ونحن هنا لمحاولة المساهمة ولو بشيء يسير في هذا الاتجاه.
فقد اتفقنا على أن القول بإهمال هذا الصنف من الإجماعات جملة واحدة، مردود على من قال به! ليس هذا تصوير المسألة ، هذه الإجماعات معتبرة ولكن ليس لغرض الاستقلال بتأسيس الأحكام حتى بالغ بعضهم وادعى إمكان انعقادها مع عدم عزوب مستندها من كتاب أو سنة أو ما في حكمهما من خبر صحابي له حكم الرفع وغيره ، وهذا ما دعا ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله ، للتشنيع على أصحاب هذا المذهب بالذات، وسوف أنقل كلامهما إن شاء الله فيهم. فهذه الإجماعات- بحسب ما تحرر لي إلى الآن – حجة ظنية معتبرة للترجيح والاعتضاد في الاستدلال فقط، وفاقاً للآمدي وابن الحاجب وغيرهما.
وجزاك الله خيراً فقد قال عمر بن عبدالعزيز: "رأيت ملاحاة الرجال تزيد في ألبابهم"، وهذا لوحده مطلب.
عبدالله الشهري
2011-08-11, 02:11 PM
عفواً وقع خطأ
...حتى بالغ بعضهم وادعى إمكان انعقادها مع عدم عزوب مستندها من كتاب أو سنة أو ما في حكمهما من خبر صحابي له حكم الرفع وغيره الصواب حذف "عدم".
أبو الفداء
2011-08-11, 02:53 PM
النقولات مقصودة ، ومن ضمن رسائلها المقصودة إشعار القارئ أن مسألة الإجماع ليست قصة جميلة سهلة مستقيمة المأخذ، يكفي فيها تقليد المسلم دينه حجة محكية لا يدري ما حقيقة ثبوتها وما قيل فيها، ولو تطلب ذلك إحداث صدمة بنقل بعض ما قاله أهل العلم ، وهم علماء ثقات وليسوا من أهل الأهواء والبدع
يا أبا ضياء إن كنت ترى أن محاوريك ههنا منهم من يظن أن مسألة الإجماع "قصة جميلة سهلة مستقيمة المأخذ" فأنت إذن لا ترى في أحد منهم أهلية المناقشة أصلا، فانتبه. (ابتسامة)
لذا أشرتُ في مشاركة آنفة إلى الفرق بين من جاء مقررا (داعيا إلى ما انتهى إليه) ومن جاء مناقشا للمدارسة والمباحثة. والذي نحن بصدده الآن أن نثبت العرش قبل النقش: نحرر مواضع الوفاق قبل الدخول في مادة الخلاف، كما هو المنهج العلمي الصحيح عند المباحثة.
فيا أيها الحبيب الأريب، لم يقل أحد من الإخوة ههنا إن أمر الإجماع "قصة جميلة سهلة"، فلماذا بدأت بهذا الافتراض؟
على أي حال دعنا من كل هذا الآن، فقد شرعنا أخيرا في الكلام في لب المسألة المراد مناقشتها، والله المعين.
إليك ما أرجو أن يكون محلا للوفاق بيننا، قبل أن نشرع في التأسيس عليه:
/// أن الإجماع حجة إذا ما ثبت.
/// أن منه ما هو قطعي ومنه ما هو ظني.
/// أن مجرد إمكان وقوع الخلاف في صحة انعقاد إجماع محكي (من جهة العقل)، انتهاء إلى إبطال كثير من دعاوى الإجماع من ذلك الطريق = لا يلغي حجية الإجماع المحكي بإطلاق، كما لا يلغي الخلاف في قبول حديث ما، حجية الحديث الحسن والحسن لغيره .. الخ!
فما قولك؟
عبدالله الشهري
2011-08-11, 06:13 PM
أبو الفداء;527721]يا أبا ضياء إن كنت ترى أن محاوريك ههنا منهم من يظن أن مسألة الإجماع "قصة جميلة سهلة مستقيمة المأخذ" فأنت إذن لا ترى في أحد منهم أهلية المناقشة أصلا، فانتبه. (ابتسامة)
ابتسامة قبل أوانها ! هذا أولاً.
ثانياً: حبكت افتراضاً يُناسب أن تختمه بابتسامه، بيانه أن قولك "محاوريك ههنا" فيه تمويه و يوهم أن كلامي موجه لـ "محاوري ههنا" ، بل هو صريح في ذلك ! وهذه من عندك ليست من عندي. أنا قلت "القراء" ، فانتبه للفرق، وتحرّى الدقة رعاك الله.
ثم إذا دخل من دخل من القراء في الموضوع للحوار يتبين من خلال النقاش أهو من جملة من ذكرت أم لا. وعلى كلٍّ حمل كلامي على محمل حسن ليس متعذراً، وهذا يختلف باختلاف المتلقين.
أن الإجماع حجة إذا ما ثبت.هذا محل نزاع : عندي إجماع غير الصحابة متعذر الثبوت وفي أحسن الأحوال في حكم المتعذر.
أن منه ما هو قطعي ومنه ما هو ظني.نعم. ولكن الظني المنضبط هو المعتبر عندي، والمنضبط عندي هو ما كان في عصر الصحابة وعصر من عاصرهم من التابعين.
أن مجرد إمكان وقوع الخلاف في صحة انعقاد إجماع محكي (من جهة العقل)، انتهاء إلى إبطال كثير من دعاوى الإجماع من ذلك الطريق = لا يلغي حجية الإجماع المحكي بإطلاق.
فما قولك؟عندي إجماعات غير الصحابة و التابعين ممكنة عقلاً ولكنها طبعاً وواقعاً ووعادةً في حكم المتعذر أو كالمتعذر، لأني اشترط أن يكون كل واحد من هؤلاء المجمعين أهلاً للاجتهاد، واشترط اتفاق جميع العلماء، بأن يكون قد بلغ كل واحد منهم الأمر الديني، والسكوت وما يترتب عليه من عدم المخالفة أكثر احتمالاً لأن يكون دليلاً على الرضا في عصر الحصابة والتابعين لتقاربهم فهو أضبط وأما بعد تفرق العلماء وكثرة المجتهدين فالسكوت أكثر بعداً من يكون دليلاً على الموافقة أو الرضا. والشرع - بالشروط المذكورة - لا يُكلّف المسلم تطلب كل ممكن عقلي أو التحقق مما هو متعذر أو في حكم المتعذر.
أما قولك:
كما لا يلغي الخلاف في قبول حديث ما، حجية الحديث الحسن والحسن لغيره .. الخ! فهذا القياس هو أساس الغلط، فالحديث حسن شيء ، بل سبيل التحقق من ثبوت الأحاديث شيء ، وسبيل التثبت التثبت من تحقق الإجماع شيء آخر، لا يجتمعان إلى كليات عامة جداً من حيث الحجية. لنبدأ بالأحاديث عموماً:
الأحاديث لها كتب الرجال والتراجم والأسانيد وعلماء العلل ونقاد الرواة ، وفوق ذلك آلية مفهومة ويمكن التعامل معها لتمييز المردود من المقبول. ولذلك فالعملية منضبطة ولله الحمد (ولذلك كان الوقوف على إجماعات الصحابة والتابعين غير متعذر بجامع الانضباط الذي امتازت به أيضاً علم أصول الرواية). وقد فطن لهذا الفرق بين الاثنين (طرق التثبت من الأحاديث وطرق التحقق من الإجماع، خاصة النوع الذي تقصده) الأئمة وأولهم الشافعي حيث قال:" ولا يَقبَلُ على أقاويل من نأت داره منهم ولا قربت إلا خبر الجماعة عن الجماعة، فقال لي: تُضيّقُ هذا جداً؟ ، قلتُ له: وهو مع ضيقه غير موجود". ولاحظوا الإشكال المترتب على هذا القياس وفي ذلك قال الزركشي:"" إذا قلنا بالاكتفاء بالآحاد في نقله (أي الإجماع) كالسنة ، فهل يُنزّل الظن المتلقى من أمارات وحالات منزلة الظن الحاصل من نقل العدول، قال الإبياري : فيه خلاف، وذهب الإمام إلى أنه لا يصح أن يكون مستَنَدَاً لعمل، وإن غلب على الظن منها ما يغلب على الظن من قول الشارع فيما يظهر من لفظه مما يشعر به ظاهره".
فالحديث الحسن لم يدخل حيز الاحتجاج لأنه تفرد بنقله إمام وسكت الباقون عنه، وإنما دخل حير الاحتجاج لعد مروره من خلال ما هو معلوم في علم أصول الرواية. ولو أردنا الدقة في التمثيل من علم الحديث لقلنا أن اقرب مثال هو تفرد الثقة بزيادة لم ينكرها عليه أحد فضلاً عن أن يُخالف من هو مثله أو من هو أوثق منه. هذا ما أمكنني كتبته على عجل، فالضيف اقترب من باب الدار للإفطار، وياليتك كنت قريباً فتشرفنا واعذرني على أية أخطاء وعلى ضعف التنسيق.
أخوك.
عبدالله الشهري
2011-08-11, 11:47 PM
...إضافة
قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله :"وقد ادعى الإجماع في مسائل الفقه غير واحد من مالك ومحمد بن الحسن والشافعي وابن[1] عبيد في مسائل وفيها خلاف لم يطّلعوه".
[المسودة: جــ2 / 618 ، تحقيق الذروي]
قلت: هذا في زمن تقاربهم وقلة انتشارهم وقربهم من عصر الصحابة وكذلك مع جلالتهم وثقتهم وسعة اطلاعهم، فكيف بمن بعد ذلك؟ وكيف باليوم؟
= = = = = = = =
[1] هكذا في طبعة الذروي، والصواب: "أبي" ، فهو أبو عبيد القاسم بن سلام، غني عن التعريف.
عبدالله الشهري
2011-08-11, 11:53 PM
...وقد قال قبل ذلك بقليل: "الذي أنكره أحمد دعوى إجماع المخالفين بعد الصحابة أو بعدهم وبعد التابعين أو بعد القرون الثلاثة المحمودة، ولا يكاد يوجد في كلامه احتجاج بإجماع بعد عصر التابعين أو بعد القرون الثلاثة مع أن صغار التابعين أدركوا القرن الثالث "
[نفس المصدر، ص618].
عبدالله الشهري
2011-08-12, 12:25 AM
وقال في "المنهاج" :"وإذا ظهر خطأ الواحد المخالف للإجماع ثبت أن الإجماع كان صوابا وأن ذلك الواحد الذي عُرف خطؤه بالنص [1] شاذ لا يعتد به بخلا ف الواحد الذي يظهر حجة شرعية من الكتاب والسنة فإن هذا يسوغ خلافه، وقد يكون الحق معه، ويرجع إليه غيره".
[منهاج السنة: جــ 8 / 330 ، تحقيق محمد رشاد رحمه الله].
قلت: يُفهَم من كلام شيخ الإسلام "أشياء كثيرة" يطول التعليق عليها لمن تدبر ظاهر كلامه بتجرد.
= = = = = = = = = = = = = = =
[1] عُرف بالنص و لم يعرف خطؤه ولم يوصم بالشذوذ لمجرد أنه خالف الإجماع، وهذا التقرير يأتي كنتيجة طبيعية لإيمان شيخ الإسلام بضرورة وجود وظهور مستند الإجماع من النصوص وإن غاب عن البعض، كما حقق ذلك في مواضع أخرى، فعاد فضل الحجية أساساً للنص المحفوظ الذي أجمعت على ما فهمت من معناه، لا النص الغائب المجهول كما ادعى البعض !
عبدالله الشهري
2011-08-12, 12:44 AM
...عذراً ، في إجازة ، وبعيد عن الكتابة في هذا المنتدى، لبضعة أيام، تقل أو تزيد.
دعاؤكم بظهر الغيب...أخوكم.
أبو الفداء
2011-08-12, 12:44 AM
ابتسامة قبل أوانها ! هذا أولاً.
بارك الله فيك. إن كان أوان ظهور الابتسامة عندك أن نصل إلى اتفاق، فلعلها لا تظهر في هذه الصفحة أصلا إلا أن يشاء الله. ولا ضير على أي حال. إنما أردت كسر حدة النقاش بعض الشيء، فإن أبيت إلا الحزم في النقاش، فلك ما تريد!
ولكن أرجو منك – بارك الله فيك – أن تتروى وألا تكتب على عجالة حتى نقصد فيما نريد ولا يتشعب بنا الطريق. سألتك هل توافقني في أن الإجماع حجة إذا ما ثبت أم لا، فأجبتني بأن الإجماع فيما بعد عصر الصحابة متعذر الثبوت! فهل هذا جواب السؤال يا شيخنا الفاضل؟
فرق بين إمكان ثبوت الجنس "س" (عقلا) وتحقق ثبوته (أي في الواقع). قد يكون "س" هذا ممكن الثبوت عقلا ولكن أكثر ما يعده الناس منه لا يثبت في الواقع، أو لا يثبت إلا بشروط وضوابط كثيرة، أو لم يثبت إلا في قرن من قرون الزمان دون غيره أو في أحوال مخصوصة دون غيرها.. الخ. فسؤالي هذا كان عن جنس الإجماع كدليل، وكان عن أمر لم أتصور أنك تخالفني فيه أصلا (بغض النظر عن كونه قد تنازع الناس فيه)! صحيح إنك لا ترى إمكان ثبوت الإجماع بعد القرن الأول، ولكن حتى على هذا القول، يظل جوابك عن هذا السؤال هو الموافقة لزاما (ما لم تكن تنفي حجية الإجماع مطلقا بجميع صوره)، لأن شرط القبول عندي وعندك وعند جميع من يرون حجية الإجماع = ثبوت الإجماع.
أما قولك:
عندي إجماعات غير الصحابة و التابعين ممكنة عقلاً ولكنها طبعاً وواقعاً ووعادةً في حكم المتعذر أو كالمتعذر، لأني اشترط أن يكون كل واحد من هؤلاء المجمعين أهلاً للاجتهاد، واشترط اتفاق جميع العلماء، بأن يكون قد بلغ كل واحد منهم الأمر الديني، والسكوت وما يترتب عليه من عدم المخالفة أكثر احتمالاً لأن يكون دليلاً على الرضا في عصر الحصابة والتابعين لتقاربهم فهو أضبط وأما بعد تفرق العلماء وكثرة المجتهدين فالسكوت أكثر بعداً من يكون دليلاً على الموافقة أو الرضا. والشرع - بالشروط المذكورة - لا يُكلّف المسلم تطلب كل ممكن عقلي أو التحقق مما هو متعذر أو في حكم المتعذر.
فغاية ما قررتَه ههنا، بارك الله فيك، أن الإجماع الظني تتفاوت درجة ثبوته أو قوة ثبوته فيما بين عصر الصحابة وما تلاه من عصور، وهذا محل اتفاق بيني وبينك أصلا (على خلاف ما قد تتصور). أما قولك الشرع لا يكلف المسلم تطلب كل ممكن عقلي، فلا أدري عن أي شيء تجيب به؟ ليس في كلامي ما يلزم المسلمين بتطلب كل ممكن عقلي، ولا ما يحملهم على التحقق مما هو متعذر أو في حكمه! فعندما يأتيني إجماع محكي عن إمام حافظ مشهود له في زمانه وفيما يليه من القرون بالإتقان والضبط وحسن الاستقراء، وكنت أثق في ضبطه لمن يعتبر بخلافه ومن لا يعتبر (بمعنى أني على مذهبه في تلك القضية) ولا أجد خلافا منقولا في المسألة بين أقرانه في زمانه أو فيمن سبقوه، فإنني أعد ذلك الإجماع دليلا في المسألة، من باب أن الخلاف إن وجد فيمن يُعتبر بخلافهم عنده، (وهؤلاء ليسوا بأخفياء في أي عصر من العصور مهما كثروا: فإن الناس ترجع إليهم في الفتوى والقضاء ويذيع أمرهم في البلاد ولابد، لذا فمن المستبعد – وإن كان ممكنا في العقل – أن يخفى الخلاف عليهم، مع ظهور الداعلي لنقله، لا سيما وقد اجترأ منهم من اجترأ على ادعاء الإجماع).
ومع هذا فأنا أقول هذا دليل ظني = لذا فالعقل لا يمنع من أن يظهر بالتنقيب في هذه الحكاية المنقولة أو تلك أنها منقوضة معلولة، كما هو الشأن في كل ما يوصف بأنه دليل ظني. فإن وقفت على من يدعي بطلان ذلك الإجماع، فسأجد ما يدعوني إلى استفراغ الوسع في التنقيب والاستقراء في أقوال أئمة ذلك العصر الذي حُكي فيه الإجماع وما قبله، فإن أمكنني أن أقف على خلاف معتبر في المسألة لم يقف عليه صاحب دعوى الإجماع، (فلا أرد دعواه الإجماع بإثبات خلاف من لم يكن يرى الاعتبار بخلافه أصلا)، فحينئذ أرد تلك الحكاية وأهملها البتة، ولا أرى في ذلك أنني أتكلف التحقق مما لا يمكن التحقق منه!
أما مسألة القياس على الحديث ظني الثبوت، فأنا لم أدع أن ضوابط قبول الإجماع المحكي هي بعينها ضوابط قبول الحديث، أو حتى أنها تشبهها، ولكن دعواي أن هذا الاختلاف لا يلزم منه عري الإجماع المحكي (كجنس من أجناس الإجماع) عن ضوابط ترجيحية عامة يستعملها كل مجتهد في قبوله أو رده.
أخوك.
-------------
ملحوظة:
/// حبذا لو تكبر فونت الكتابة بعض الشيء لسهولة القراءة، وجزاك الله خيرا.
أبو الفداء
2011-08-12, 12:50 AM
تنبيه:
لا أدعي وجود "نص غائب مجهول" وراء الإجماعات المحكية! وإنما أرى إمكان ذلك في إجماعات الصحابة والسلف الأول، وبما أننا نتفق على حجية إجماعات الصحابة، فلا داعي للنقاش في هذه القضية.
عبدالله الشهري
2011-08-12, 01:59 AM
عزيزي أبا الفداء: بالنسبة للشق العلمي من تعليقك سوف أعلق عليه بعد عودتي إن شاء الله.
أما بالنسبة للشق الشخصي في فهم بعض عباراتي، ففضلاً راجع بريدك الخاص.
عبدالله الشهري
2011-08-13, 07:39 PM
...عذراً ، في إجازة ، وبعيد عن الكتابة في هذا المنتدى، لبضعة أيام، تقل أو تزيد.
دعاؤكم بظهر الغيب...أخوكم.
قدّر الله وما شاء فعل. كنت قد أزمعت على السفر فحصل ما ردّني عنه.
عبدالله الشهري
2011-08-16, 12:57 AM
ولكن أرجو منك – بارك الله فيك – أن تتروى وألا تكتب على عجالة حتى نقصد فيما نريد ولا يتشعب بنا الطريق. سألتك هل توافقني في أن الإجماع حجة إذا ما ثبت أم لا، فأجبتني بأن الإجماع فيما بعد عصر الصحابة متعذر الثبوت! فهل هذا جواب السؤال يا شيخنا الفاضل؟
لا، أبداً ليس هذا جواب السؤال، لأن السؤال مطلق، وهو بإطلاقه يشتمل على ما هو محل نزاع. أما بقطع النظر عمّا اشترطه للإجماع، فهو حجة.
فعندما يأتيني إجماع محكي عن إمام حافظ مشهود له في زمانه وفيما يليه من القرون بالإتقان والضبط وحسن الاستقراء، وكنت أثق في ضبطه لمن يعتبر بخلافه ومن لا يعتبر (بمعنى أني على مذهبه في تلك القضية) ولا أجد خلافا منقولا في المسألة بين أقرانه في زمانه أو فيمن سبقوه، فإنني أعد ذلك الإجماع دليلا في المسألة، من باب أن الخلاف إن وجد فيمن يُعتبر بخلافهم عنده، (وهؤلاء ليسوا بأخفياء في أي عصر من العصور مهما كثروا: فإن الناس ترجع إليهم في الفتوى والقضاء ويذيع أمرهم في البلاد ولابد، لذا فمن المستبعد – وإن كان ممكنا في العقل – أن يخفى الخلاف عليهم، مع ظهور الداعلي لنقله، لا سيما وقد اجترأ منهم من اجترأ على ادعاء الإجماع). أكثر من موضع هنا هو محل نزاع أصلاً. ولكن إجمالاً مرة أخرى، الإجماع السكوتي بعد عصر الصحابة ومن اتصل بهم من التابعين عندي ليس بحجة إلا على المعنى الذي اختاره الإمام ابن عبدالبر وهو كونه حجة ظنية للترجيح والاعتضاد ونحو ذلك أما أن يكون حجة ظنية توجب بمجردها - على وجه الاستقلال - العلم و العمل فلا، حتى ولو لم يُحكَ أن أحداً خالف لأن السكوت في عصر الصحابة عندي - بسبب قرائن تحتف وتختص بعصرهم - يطمئن القلب لاعتباره موافقة دون عناء، أما العصور التالية والمتأخرة فالسكوت - أيضاً لقرائن تختص بهذه العصور بشهادة التاريخ والواقع والسير والتراجم - لا يقوى لأن يدل على لا شيء فحسب بل يتأهل - لقرائن وشواهد اتسمت بها العصور المتأخرة - لأن يدل على ما يقدح في ثبوت الإجماع. فهو عندي حجة لا تنهض لتأسيس الأحكام وإيجاب العمل.
عبدالله الشهري
2011-09-13, 08:58 PM
وليُنظر للأهميــة :
حُكي الإجماع على ما الإجماع القديم بخلافه في أكثر من مائتي موضع ! (http://majles.alukah.net/showthread.php?t=3994)
عبدالله الشهري
2011-09-13, 10:54 PM
بينما كنت أقرأ في الفتح اليوم وجدت الحافظ يقول: "ونقل الطحاوي ثم القرطبي و النووي الاتفاق على جواز اغتسال الرجل والمرأة من الإناء الواحد . وفيه نظر , لما حكاه ابن المنذر عن أبي هريرة أنه كان ينهى عنه".
وحاصل الغرض من هذا ومما سبق في مشاركات عدة هو التأكيد على أن مجرد حكاية الإمام الثقة للإجماع - لا سيما المتأخر من الإجماعات - لا يكفي في ثبوت هذا الإجماع المحكي والتزامه على أنه حجة.
عبدالله الشهري
2012-03-22, 09:34 AM
لما نقل الترمذي الإجماع على كراهة أن يصلي الرجل بعد طلوع الفجر، تعقبه الحافظ في التلخيص : "دعوى الترمذي الإجماع على الكراهة لذلك عجيب، فإن الخلاف فيه مشهور حكاه ابن المنذر وغيره".
والأمثلة كثيرة ولكني قليل التعاهد لهذا الموضوع.
عبدالله الشهري
2012-05-21, 11:47 PM
وهكذا لما نقل الحافظ ابن عبدالبر الإجماع على وجوب الإنصات على من يسمع خطبة الجمعة، تعقبه الحافظ في الفتح (2 / 415): "وأغرب ابن عبدالبر فنقل الإجماع على وجوب الإنصات على من سمعها...".
وكذا لما نقل النووي الإجماع (المجموع: 5/ 128) على أن غسل الميت فرض كفاية ، تعقبه الحافظ:" وهو ذهول شديد، فإن الخلاف فيه مشهور عند المالكية حتى إن القرطبي رجح في شرح مسلم أنه سنة...".
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.