مشاهدة النسخة كاملة : هل العقل أصل للنقل؟
محمد طه شعبان
2014-12-28, 01:51 AM
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
قوله: «إن العقل أصل للنقل» إما أن يريد به: أنه أصل في ثبوته في نفس الأمر، أو أصل في علمنا بصحته.
والأول لا يقوله عاقل، فإن ما هو ثابت في نفس الأمر بالسمع أو بغيره هو ثابت، سواء علمنا بالعقل أو بغير العقل ثبوته، أو لم نعلم ثبوته لا بعقل ولا بغيره، إذ عدم العلم ليس علمًا بالعدم، وعدم علمنا بالحقائق لا ينفي ثبوتها في أنفسنا؛ فما أخبر به الصادق المصدوق ﷺ هو ثابت في نفس الأمر، سواء علمنا صدقه أو لم نعلمه.
ومن أرسله الله تعالى إلى الناس فهو رسوله، سواء علم الناس أنه رسول أو لم يعلموا، وما أخبر به فهو حق، وإن لم يصدقه الناس، وما أمر به عن الله، فالله أمر به وإن لم يطعه الناس، فثبوت الرسالة في نفسها وثبوت صدق الرسول، وثبوت ما اخبر به في نفس الأمر، ليس موقوفًا علي وجودنا، فضلًا عن أن يكون موقوفًا علي عقولنا، أو على الأدلة التي نعلمها بعقولنا.
وهذا كما أن وجود الرب تعالى وما يستحقه من الأسماء والصفات ثابت في نفس الأمر، سواء علمناه أو لم نعلمه.
فتبين بذلك أن العقل ليس أصلًا لثبوت الشرع في نفسه، ولا معطيًا له صفة لم تكن له، ولا مفيدًا له صفة كمال؛ إذ العلم مطابق للمعلوم المستغني عن العلم، تابع له، ليس مؤثرًا فيه.
فإن العلم نوعان:
أحدهما: العملي، وهو ما كان شرطًا في حصول المعلوم، كتصور أحدنا لما يريد أن يفعله، فالمعلوم هنا متوقف علي العلم به محتاج إليه.
والثاني: العلم الخبري النظري، وهو ما كان المعلوم غير مفتقر في وجوده إلي العلم به، كعلمنا بوحدانية الله تعالى وأسمائه وصفاته وصدق رسله وبملائكته وكتبه وغير ذلك، فإن هذه المعلومات ثابتة؛ سواء علمناها أو لم نعلمها، فهي مستغنية عن علمنا بها، والشرع مع العقل هو من هذا الباب، فإن الشرع المنزل من عند الله ثابت في نفسه، سواء علمناه بعقولنا أو لم نعلمه، فهو مستغن في نفسه عن علمنا وعقلنا، ولكن نحن محتاجون إليه وإلى أن نعلمه بعقولنا، فإن العقل إذا علم ما هو عليه الشرع في نفسه صار عالمًا به، وبما تضمنه من الأمور التي يحتاج إليها في دنياه وآخرته، وانتفع بعلمه به، وأعطاه ذلك صفة لم تكن له قبل ذلك، ولو لم يعلمه لكن جاهلًا ناقصًا.
وأما إن أراد أن العقل أصل في معرفتنا بالسمع ودليل لنا علي صحته - وهذا هو الذي أراده - فيقال له: أتعني بالعقل هنا الغريزة التي فينا، أم العلوم التي استفدنا بتلك الغريزة؟
وأما الأول فلم تُرِدْهُ، ويمتنع أن تريده؛ لأن تلك الغريزة ليست علمًا يتصور أن يعارض النقل، وهو شرط في كل علم عقلي أو سمعي كالحياة، وما كان شرطًا في الشيء امتنع أن يكون منافيًا له، فالحياة والغريزة شرط في كل العلوم سمعيها وعقليها، فامتنع أن تكون منافية لها، وهي أيضًا شرط في الاعتقاد الحاصل بالاستدلال، وإن لم تكن علمًا، فيمتنع أن تكن منافية له ومعارضة له.
وإن أردت بالعقل الذي هو دليل السمع وأصله المعرفة الحاصلة بالعقل، فيقال لك: من المعلوم أنه ليس كل ما يعرف بالعقل يكون أصلًا للسمع ودليلًا علي صحته، فإن المعارف العقلية أكثر من أن تحصر، والعلم بصحة السمع غايته أن يتوقف علي ما به يُعلم صدق الرسول ﷺ.
وليس كل العلوم العقلية يُعلم بها صدق الرسول ﷺ؛ بل ذلك يعلم بما يعلم به أن الله تعالى أرسله، مثل إثبات الصانع وتصديقه للرسول بالآيات وأمثال ذلك.
وإذا كان كذلك لم تكن جميع المعقولات أصلًا للنقل، لا بمعنى توقف العلم بالسمع عليها، ولا بمعنى الدلالة علي صحته، ولا بغير ذلك»اهـ.([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) «درء تعارض العقل والنقل» (1/ 87- 90) مختصرًا.
علي أحمد عبد الباقي
2014-12-28, 03:13 AM
نص مهم جدًّا يا شيخ محمد ، وموضوع العقل والنقل هذا موضوع شائك ويكثر فيه الخلط والخبط ، لكن هل يمكنك أن تستخلص من هذا النص مفهوم العقل عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ؟!
دحية الكلبي
2014-12-28, 03:43 AM
لكن هل يصح أن يُقال أن العقل مهم في وقوع الحجة على المرء !؟
محمد طه شعبان
2014-12-28, 11:18 AM
لكن هل يصح أن يُقال أن العقل مهم في وقوع الحجة على المرء !؟
طبعًا، لا تقوم الحجة بلا عقل.
محمد طه شعبان
2014-12-28, 11:26 AM
نص مهم جدًّا يا شيخ محمد ، وموضوع العقل والنقل هذا موضوع شائك ويكثر فيه الخلط والخبط ، لكن هل يمكنك أن تستخلص من هذا النص مفهوم العقل عند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ؟!
في الحقيقة شيخنا الكريم أنا لا أستطيع أن أستخلص مفهوم العقل عند ابن تيمية بشكل واضح من هذا النص، وإنما أستخلصه من نص كهذا:
((العقل شرط في معرفة العلوم وكمال وصلاح الأعمال وبه يكمل العلم والعمل؛ لكنه ليس مستقلا بذلك؛ بل هو غريزة في النفس وقوة فيها بمنزلة قوة البصر التي في العين؛ فإن اتصل به نور الإيمان والقرآن كان كنور العين إذا اتصل به نور الشمس والنار. وإن انفرد بنفسه لم يبصر الأمور التي يعجز وحده عن دركها وإن عزل بالكلية: كانت الأقوال والأفعال مع عدمه: أمورا حيوانية قد يكون فيها محبة ووجد وذوق كما قد يحصل للبهيمة. فالأحوال الحاصلة مع عدم العقل ناقصة والأقوال المخالفة للعقل باطلة)).
((مجموع الفتاوى)) (3/ 339).
السؤال هو هل العقل يقوم مقام النقل فى اقامة الحجة على صاحبه فى وحدانيه الله؟
وفى ذلك ضلت افهام وزلت اقدام
أبو البراء محمد علاوة
2014-12-28, 01:25 PM
للجيزاني تأصيل جيد في مسألة التحسين والتقيبح العقليين، في كتابه معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة (326 - 335)، وسوف أنقله بتمامه دون الهوامش:
- المراد بالحُسْن والقُبْح:
يطلق الحسن والقبح بثلاثة اعتبارات:
الاعتبار الأول: بمعنى ملاءمة الطبع ومنافرته، فما لاءم الطبع فهو حسن؛ كإنقاذ الغريق، وما نافر الطبع فهو قبيح؛ كاتهام البريء.
الاعتبار الثاني: بمعنى الكمال والنقص، فالحسن: ما أشعر بالكمال؛ كصفة العلم، والقبيح: ما أشعر بالنقص؛ كصفة الجهل.
والحسن والقبح بهذين الاعتبارين: لا خلاف أنهما عقليان، بمعنى أن العقل يستقل بإدراكهما من غير توقف على الشرع.
والاعتبار الثالث: بمعنى المدح والثواب، والذم والعقاب.
والحسن والقبح بهذا الاعتبار: محل نزاع بين الطوائف، وذلك على النحو الآتي:
الأقوال في المسألة:
القول الأول: إثبات الحسن والقبح العقليين، بمعنى أن العقل يدرك الحسن والقبح، فهو يحسن ويقبح، وهذا مذهب المعتزلة.
القول الثاني: نفي الحسن والقبح العقليين، بمعنى أن العقل لا يدرك الحُسن والقُبح، فالعقل لا يحسن ولا يقبح، وهذا مذهب الأشاعرة.
القول الثالث: مذهب أهل السنة، وهم وسط بين الطرفين، وقبل تفصيل مذهبهم في هذه المسألة لا بد من ذكر أصولٍ لهم يُحتاج إلى بيانها في هذا المقام:
جـ- أصول مهمة عند أهل السنة:
الأصل الأول: أنهم يثبتون الحكمة والتعليل في أفعال الله سبحانه وتعالى وأحكامه، فجميع الأوامر والنواهي مشتملة على مصالح العباد.
قال ابن القيم: (كيف والقرآن وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مملوآن من تعليل الأحكام بالحكم والمصالح وتعليل الخلق بهما والتنبيه على وجود الحكم التي لأجلها شرع تلك الأحكام، ولأجلها خلق تلك الأعيان، ولو كان هذا في القرآن والسنة في نحو مائة موضعٍ أو مائتين لسقناها، ولكنه يزيد على ألف موضع بطرق متنوعة.
فتارة يذكر لام التعليل الصريحة، وتارة يذكر المفعول لأجله، الذي هو المقصود بالفعل، وتارة يذكر "من أجل" الصريحة في التعليل، وتارة يذكر أداة "كي"، وتارة يذكر "الفاء" و"إن"، وتارة يذكر أداة "لعل" المتضمنة للتعليل المجردة عن معنى الرجاء المضاف إلى المخلوق، وتارة ينبه على السبب بذكره صريحًا،....وتارة يخبر بكمال حكمته وعلمه المقتضي أنه لا يفرق بين متماثلين ولا يسوي بين مختلفين وأنه ينزل الأشياء منازلها ويرتبها مراتبها).
الأصل الثاني: أن أفعال الله سبحانه كلها حسنةٌ جميلة، لا يقبح منها شيء، قال تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: 7] .
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله جميل يحب الجمال)، فأفعال الله إذن مباينة لأفعال المخلوقين تمامًا.
الأصل الثالث: أنهم يصفون الله سبحانه بما وصف به نفسه وما وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، فلا يجوز نفي ما أثبته الله لنفسه من الصفات، ولا أن تمثل صفاته بصفات المخلوقين، ولا أفعاله سبحانه بأفعال المخلوقين .
الأصل الرابع: أنهم لا يوجبون على الله شيئًا إلا ما أوجبه سبحانه على نفسه تفضلاً منه وتكرمًا، كما قال تعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] .
قال ابن تيمية: (وأما الإيجاب عليه سبحانه وتعالى والتحريم بالقياس على خلقه، فهذا قول القدرية، وهو قول مبتدع مخالف لصحيح المنقول وصريح المعقول، وأهل السنة متفقون على أنه سبحانه خالق كل شيء وربه ومليكه، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأن العباد لا يوجبون عليه شيئًا).
(الأصل الخامس: أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحدًا إلا بعد إقامة الحجة عليه برسله وكتبه، قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] ، وقال تعالى: {رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] .
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين).
الأصل السادس: أن الشرع جاء بتقرير ما هو مستقر في الفطر والعقول -ومن ذلك تحسين الحسن والأمر به، وتقبيح القبيح والنهي عنه- فلا تعارض بين الشرع والعقل، {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14] .
قال ابن القيم: "وأنه [أي الشرع] لم يجئ بما يخالف العقل والفطرة، وإن جاء بما يعجز العقول عن أحواله والاستقلال به، فالشرائع جاءت بمحارات. العقول لا محالاتها، وفرق بين ما لا تُدرك العقولُ حسنه وبين ما تشهد بقبحه، فالأول مما يأتي به الرسل دون الثاني).
الأصل السابع: أن العقل لا مدخل له في إثبات الأحكام الشرعية، ولا في تعلق المدح والذم بالأفعال عاجلاً أو تعلق الثواب والعقاب بها آجلاً، وإنما طريق ذلك السمع المجرد .
يتبع إن شاء الله
أبو البراء محمد علاوة
2014-12-28, 01:30 PM
د- تفصيل مذهب أهل السنة:
يمكن إيضاح مذهب أهل السنة في هذه المسألة وأدلتهم عليه في ثلاث نقاط:
1- أن الحسن والقبح صفات ثابتة للأفعال، وهذا الثبوت قد يكون بطريق العقل، وقد يكون بطريق الفطرة، وقد يكون بطريق الشرع، فالعقل والفطرة يحسنان ويقبحان، ولا يمكن أن يأتي الشرع على خلاف ذلك، والشرع أيضًا يحسن ويقبح فكل ما أمر به الشرع فهو حسن، وكل ما نهى عنه فهو قبيح. فثبت إذن أن الحسن والقبح قد يعرفان بالعقل، وقد يعرفان بالفطرة، وقد يعرفان بالشرع.
2- أن ما أدرك العقلُ أو الفطرة حسنه أو قبحه فحكمته معلومة لدينا ولا شك، أما ما عرف حسنه وقبحه بطريق الشرع فقد تغيب حكمته وعلته عن عقولنا القاصرة، ولكن الأمر الذي لا شك فيه أن جميع ما حسنه الشرع أوقبحه له علة وحكمة يعلمها الله - والواجب التسليم لشرع الله - فإن من صفاته العلم والحكمة، وهذا يقتضي أيضًا أنه لا يجوز عليه سبحانه أن يأمر بالظلم وينهي عن العدل، لكمال حكمته سبحانه.
3- أن ما عُرف حسنُه وقبحُه بطريق العقل والفطرة لا يترتب عليه مدح ولا ذم، ولا ثواب ولا عقاب ما لم تأتِ به الرسل؛ لأن الدليل الشرعي إنما أثبت المدح والذم والثواب والعقاب على من قامت عليهم الحجة بالرسل والكتب، فالمدح والذم والثواب والعقاب إنما يترتب على ما عُرف حسنه وقبحه بطريق الشرع فقط.
وبهذا التفصيل يتبين لنا أن مذهب أهل السنة وسط بين الطرفين، وبيان ذلك كالآتي:
هـ- مذهب أهل السنة وسط بين الطرفين:
ذلك أن المعتزلة الذين أثبتوا التحسين والتقبيح العقليين ارتكبوا عدة محاذير عندما قالوا: إن العقل يحسن ويقبح:
المحذور الأول: أنهم مجدوا العقل وجعلوا ما أدركته عقولهم أصلاً قاطعًا، فالحسن ما حسنته عقولهم والقبيح ما قبحته عقولهم، والشرع عندهم إنما هو كاشف عن حكم العقل.
والمحذور الثاني: أنهم رتبوا على تحسين العقل وتقبيحه أن أوجبوا على الله فعل الأصلح، وهو الأمر بما حسنته عقولهم والنهي عما قبحته.
والمحذور الثالث: أنهم رتبوا على تحسين العقل: المدح والثواب، وعلى تقبيحه: الذم والعقاب، ومعلوم أن المدح والذم والثواب والعقاب مما لا يدرك إلا بالسمع المجرد.
والمحذور الرابع: أنهم شبهوا الله سبحانه وتعالى بخلقه، وذلك أنهم قالوا: ما حَسُنَ من المخلوق حَسُنَ من الخالق، وما قَبُحَ من المخلوق قَبُحَ من الخالق، ومن المعلوم أنه سبحانه لكمال حكمته لا يقبح منه شيء أبدًا، ولا يجوز أيضًا تشبيه الله بخلقه، لا في صفاته، ولا في أسمائه، ولا في أفعاله.
ومن جهة أخرى نجد أن الأشاعرة الذين نفوا التحسين والتقبيح العقليين ارتكبوا عدة محاذير عندما صاروا إلى ذلك:
المحذور الأول: أنهم خالفوا بداهة العقل والفطرة السليمة، ذلك أنهم قالوا باستواء الأفعال حسنها وقبيحها، فلا فرق عندهم بين الظلم والفواحش وبين العدل والإحسان، بل قالوا: إنه يجوز أن يأمر الله بالشرك وينهي عن التوحيد، ومعلوم أن الشرع موافق للفطرة والعقل، ولا يمكن أن يستقر في العقول والفطر ما يناقض الشرع، فالعقل يدرك حسن عبادة الله وحده وقبح عبادة ما سواه.
والمحذور الثاني: أنهم نفوا عن الله الحكمة والتعليل في أفعاله، إذ قالوا: إن الله يأمر وينهى لا لحكمة، ولا يخلق الله شيئًا لحكمة لكن نفس المشيئة أوجبت وقوع ما وقع، فهم لا يثبتون إلا محض الإرادة، وهذا مما علم بطلانه بأدلة الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، ومخالف أيضًا للمعقول الصريح (1) ، فإن الله وصف نفسه بالحكمة في غير موضع، ونزه نفسه عن الفحشاء، فقال: {إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف: 28] ، ونزه نفسه عن التسوية بين الخير والشر، فقال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِين َ} [القلم: 35] ، وقال: {أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: 28] .
والمحذور الثالث: أنهم جعلوا انتفاء العذاب قبل بعثه الرسل دليلاً على انتفاء التحسين والتقبيح العقليين واستواء الأفعال في أنفسها، ومعلوم أنه لا يلزم من إثبات التحسين والتقبيح العقليين إثبات الثواب والعقاب؛ لأن الثواب والعقاب من الأمور التي لا تثبت إلا بالسمع المجرد.
أما أهل السنة فقد توسطوا بين الطرفين ولم يرتكبوا شيئًا من المحاذير التي وقع فيها الفريقان، فإنهم: أثبتوا ما أثبته الله لنفسه من الحكمة والتعليل ونزهوا الله سبحانه وتعالى عن أن يأمر بالقبائح والنقائص لكمال حكمته وعلمه وعدله، ولذلك لا يمكن أن يجيء الشرع عندهم بما يخالف العقل والفطرة، وإن جاء بما يعجز العقل عن فهمه وإدراكه، ولذلك أيضًا أثبت أهل السنة تحسين العقل وتقبيحه، لكن لا يترتب عندهم على ذلك مدح ولا ذم، ولا ثواب ولا عقاب؛ لأن ترتيب ذلك مما لا يثبت بالعقل، وإنما يستقل السمع المجرد في إثباته.
و تنبيهات:
1- بُني على مسألة التحسين والتقبيح العقليين مسألة: شكر المنعم، هل هو واجب سمعًا أو عقلاً؟
فمن قال: إن العقل يحسن ويقبح قال: إن شكر المنعم واجب عقلاً، وهؤلاء هم المعتزلة.
ومن نفى كون العقل يحسن ويقبح قال: إن شكر المنعم واجب سمعًا لا عقلاً وهؤلاء هم الأشاعرة.
أما أهل السنة فعندهم أن شكر المنعم واجب بالسمع والعقل والفطرة.
2- كثر الخلط بين مذهب أهل السنة ومذهب الأشاعرة في مسألة التحسين والتقبيح العقليين، وكذلك في مسألة شكر المنعم، بل جعل البعض المذهبين مذهبًا واحدًا، فقال: إن أهل السنة والأشاعرة متفقون على أن العقل لا يحسن ولا يقبح.
وهذا خلط عظيم، سببه: اتفاق الفريقين في بعض الجوانب؛ إذ الكل متفق على إثبات أن الشرع يحسن ويقبح، ويوجب ويحرم، وأن الثواب والعقاب والمدح والذم لا يعرف بالعقل، وإنما يعرف ذلك بالشرع وحده، وفي حقيقة الأمر نجد أن هناك جوانب أخرى في المسألة اختلفوا فيها، فأهل السنة يثبتون للعقل دورًا في التحسين والتقبيح بينما ينكر الأِشاعرة دور العقل تمامًا، وأهل السنة أيضًا يثبتون لله الحكمة والتعليل في أفعاله، بينما ينفي الأِشاعرة ذلك، إلى غير ذلك من الأمور التي سبق بيانها في النقاط السابقة.
بذلك يتبين تباعد الفريقين وافتراق المذهبين.
3- يمكن إرجاع الخلاف في هذه المسألة إلى اللفظ إذا فسر الحسن بكون الفعل نافعًا للفاعل ملائمًا له، والقبح بكون الفعل ضارًا للفاعل منافرًا له، أو فسر الحسن بمعنى الكمال، والقبح بمعنى النقص. وذلك بأن يُعطى هذا المعنى حقه وتلتزم لوازمه.
إذ الجميع متفق على أن الحسن والقبح بهذين المعنيين عقليان، بمعنى أن العقل يمكنه معرفة ما يلائم الطبع وما ينافره، وما هو صفة كمال أو نقص، إذ يلزم من الملائمة والمنافرة الكمال والنقص، ولا شك أن المدح والذم مرتب على الحب والبغض المستلزم للكمال والنقص.
قال ابن القيم: "......قال هؤلاء: فيطلق الحسن والقبح بمعنى الملاءمة والمنافرة، وهو عقلي، وبمعنى الكمال والنقصان، وهو عقلي، وبمعنى استلزامه للثواب والعقاب وهو محل النزاع، وهذا التفصيل لو أُعطي حقه والتزمت لوازمه رفع النزاع وأعاد المسألة اتفاقية، وأن كون الفعْل صفة كمال أو نقصان يستلزم إثبات تعلق الملاءمة والمنافرة، لأن الكمال محبوب للعالم والنقص مبغوض له، ولا معنى للملاءمة والمنافرة إلا الحب والبغض......والله سبحانه يُحب كل ما أمر به، ويبغض كل ما نَهَى عنه،......فأما المدح والذم فترتبه على النقصان والكمال المتصف به وذمهم لمؤثر النقص والمتصف به أمر عقلي فطري وإنكاره يزاحم المكابرة.....".
4- بُني على مسألة التحسين والتقبيح العقليين مسألة حكم الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع، وقد سبق الكلام على هذه المسألة في مسائل المباح.
5- إثبات تحسين العقل وتقبيحه وأن العقل يحسن ويقبح أو نفي ذلك يحتاج إلى تفصيل؛ إذ إن ذلك من الألفاظ المجملة التي لا يجوز إطلاقها دون تقييد أو بيان، والتفصيل في ذلك أن يقال:
إن أريد بإثبات تحسين العقل وتقبيحه ترتيبُ الثواب والعقاب عليه فالصواب نفيه، وإن أريد بإثباته أن العقل يدرك حُسن الحَسَن وقُبْح القبيح من غير ترتيب ثوابٍ ولا عقاب على ذلك فالصواب إثباته.
ولعل هذا التفصيل هو مراد بعض من نَفَى أو أثبت التحسين والتقبيح العقليين مطلقًا دون تفصيل أو تقييد.
(الأصل الخامس: أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحدًا إلا بعد إقامة الحجة عليه برسله وكتبه، قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] ،
بارك الله فيك
الأولى ان تضع كلمه فى الدنيا
لا يعذب احدا فى الدنيا الا بعد اقامه الحجة عليه بالرسل
أبو البراء محمد علاوة
2014-12-28, 03:14 PM
بارك الله فيك
الأولى ان تضع كلمه فى الدنيا
لا يعذب احدا فى الدنيا الا بعد اقامه الحجة عليه بالرسل
وفيك بارك:
الكلام ليس لي فقد أشرت في مقدم كلامي أنه نقلًا من كتاب الجيزاني حفظه الله.
ثانيًا: السياق من المقيدات كما هو معلوم، فقوله: (بعد إقامة الحجة عليه برسله وكتبه)، يفيد أنه في الدنيا.
أم علي طويلبة علم
2014-12-28, 10:54 PM
جزاكم الله خيرا
وفيك بارك:
ثانيًا: السياق من المقيدات كما هو معلوم، فقوله: (
بعد إقامة الحجة عليه برسله وكتبه)، يفيد أنه في الدنيا.
لا اقصد بقولى فى الدنيا اقامه الحجه وانما انزال العذاب فى الدنيا يعنى وما كنا معذبين فى الدنيا الا بعد ارسال رسول
أبو عُمر
2014-12-29, 08:11 AM
لا اقصد بقولى فى الدنيا اقامه الحجه وانما انزال العذاب فى الدنيا يعنى وما كنا معذبين فى الدنيا الا بعد ارسال رسول
العذاب المنفي حتي البلاغ هو عذاب الآخرة ، فلن يدخُل النار إلا من أتاه رسول وكُل البشر أتاهم رسول ، أما العذاب في الدُنيا ( الهلاك ) فقد يقع علي موحد وسط المشركين لم ينههم عن شركهم أو بقي معهم (ويُبعث علي توحيده ) وليس فقط علي من أتاهم الرسول وكذبوه .
العذاب المنفي حتي البلاغ هو عذاب الآخرة ، فلن يدخُل النار إلا من أتاه رسول وكُل البشر أتاهم رسول ، أما العذاب في الدُنيا ( الهلاك ) فقد يقع علي موحد وسط المشركين لم ينههم عن شركهم أو بقي معهم (ويُبعث علي توحيده ) وليس فقط علي من أتاهم الرسول وكذبوه .
وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا
قال القرطبي
والجمهور على أن هذا في حكم الدنيا ; أي إن الله لا يهلك أمة بعذاب إلا بعد الرسالة إليهم والإنذار
واقرأ قوله تعالى
وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً
واقرا قوله تعالى
ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا
واقرا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=890&idto=890&bk_no=64&ID=754#docu)قوله تعالى (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=890&idto=890&bk_no=64&ID=754#docu)
(http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=890&idto=890&bk_no=64&ID=754#docu) (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=890&idto=890&bk_no=64&ID=754#docu)ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=890&idto=890&bk_no=64&ID=754#docu)
أبو عُمر
2014-12-30, 08:04 AM
بارك الله فيكم ونفع بكم
قال الله تبارك وتعالي
" مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا (15) وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا "
فالله سُبحانه وتعالي ذكر بعد نفي العذاب حتي قيام الحُجة الهلاك في الدُنيا ويدُل ذلك علي أنهم ليسوا بمعني واحد ، ولأن عذاب الآخرة هو العذاب الحقيقي فقد نفاه الله سُبحانه وتعالي عمن لم تبلغه الدعوة ومات علي توحيد وشريعة من سبق من الأنبياء ، ونُفي عن المجنون حتي يُمتحن في الآخرة ، وسأذكُر لك طرفاً من تفسير الإمام ابن كثير رحمه الله .
قوله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) إخبار عن عدله تعالى ، وأنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه بإرسال الرسول إليه ، كما قال تعالى : ( كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير ) [ الملك : 8 ، 9 ] ، وكذا قوله [ تعالى ] : ( وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين ) [ الزمر : 71 ] ، وقال تعالى : ( وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير ) [ فاطر : 37 ] [ ص: 53 ] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الله تعالى لا يدخل أحدا النار إلا بعد إرسال الرسول إليه . أهــ
فهذا أدق الأقوال وأصوبها وإن كُنت تري أنه يدخُل فيها العذابين فالأمر سعة إن شاء الله ولكن الأدق أن يُحمل العذاب علي الآخرة بدلالة الآيات وأن عذاب الآخرة هو العذاب حقا وكذلك بإرداف المولي تبارك وتعالي عذاب الدُنيا ( الهلاك ) بعد عذاب الآخرة .
بارك الله فيك
بارك الله فيكم ونفع بكم
قال الله تبارك وتعالي
" مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا (15) وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا "
فالله سُبحانه وتعالي ذكر بعد نفي العذاب حتي قيام الحُجة الهلاك في الدُنيا ويدُل ذلك علي أنهم ليسوا بمعني واحد ، ولأن عذاب الآخرة هو العذاب الحقيقي فقد نفاه الله سُبحانه وتعالي عمن لم تبلغه الدعوة ومات علي توحيد وشريعة من سبق من الأنبياء ، ونُفي عن المجنون حتي يُمتحن في الآخرة ،
بارك الله فيك
من قال من المفسرين انهم ليسوا بمعنى واحد يعنى الآيتان
ومن قال ان عذاب الآخرة هو العذاب الحقيقي ونفى هذه الصفة وهي الحقيقي عن عذاب الدنيا
وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا (15) وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً
يقول القرطبي فى تفسيره
أخبر الله تعالى في الآية التي قبل أنه لم يهلك القرى قبل ابتعاث الرسل، لا لأنه يقبح منه ذلك إن فعل، ولكنه وعد منه، ولا خلف في وعده. فإذا أراد إهلاك قرية مع تحقيق وعده على ما قاله تعالى أمر مترفيها بالفسق والظلم فيها فحق عليها القول بالتدمير
يقول بن عاشور فى تفسيره
هذا تفصيل للحكم المتقدم قُصد به تهديد قادة المشركين وتحميلهم تبعة ضلال الذين أضلوهم . وهو تفريع لتبيين أسباب حلول التعذيب بعد بعثة الرسول أدمج فيه تهديد المضلين . فكان مقتضى الظاهر أن يعطف بالفاء على قوله : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً } [ الإسراء : 15 ] ولكنه عطف بالواو للتنبيه على أنه خبر مقصود لذاته باعتبار ما يتضمنه من التحذير من الوقوع في مثل الحالة الموصوفة ، ويظهر معنى التفريع من طبيعة الكلام ، فالعطف بالواو هنا تخريج على خلاف مقتضى الظاهر في الفصل والوصل .
فهذه الآية تهديد للمشركين من أهل مكة وتعليم للمسلمين .
والمعنى أن بعثة الرسول تتضمن أمراً بشرع وأن سبب إهلاك المرسل إليهم بعد أن يبعث إليهم الرسول هو عدم امتثالهم لما يأمرهم الله به على لسان ذلك الرسول .
وقرينة السياق واضحة في هذا ، فبنا أن نجعل الواو عاطفة فعل { أمرنا مترفيها } على { نبعث رسولاً } فإن الأفعال يعطف بعضها على بعض سواء اتحدت في اللوازم أم اختلفت ، فيكون أصل نظم الكلام هكذا : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ونأمر مترفي قرية بما نأمرهم به على لسان الرسول فيفسقوا عن أمرنا فيحق عليهم الوعيد فنهلكهم إذا أردنا إهلاكهم .
فكانَ { وإذا أردنا أن نهلك قرية } شريطة لحصول الإهلاك ، أي ذلك بمشيئة الله ولا مكره له ، كم دلت عليه آيات كثيرة كقوله :
{ أو يكبتهم فينقلبوا خائبين ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم } [ آل عمران : 127 128 ] وقوله : { أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم } [ الأعراف : 100 ] وقوله : { وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا } [ الإنسان : 28 ] وقوله : { عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد } [ الإسراء : 18 ]. فذُكر شريطة المشيئة مرتين .
وإنما عدل عن نظم الكلام بهذا الأسلوب إلى الأسلوب الذي جاءت به الآية لإدماج التعريض بتهديد أهل مكة بأنهم معرضون لمثل هذا مما حل بأهل القرى التي كذبت رسل الله . انتهى من تفسير بن عاشور
اخى الكريم
القرآن يفسر بعضه بعضا
وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ
بن كثير الذى تستدل به يقول فيها
وتمام الدليل [ قوله ] ( وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا كان ذلك في الكتاب مسطورا ) [ الإسراء : 58 ] . فأخبر أنه سيهلك كل قرية قبل يوم القيامة ، وقد قال : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا )
فاستدل بالآية بن كثير على اهلاك القرى فى الدنيا
اذن فابن كثير فهم ان الآيه تتكلم عن عذاب الدنيا والا لما استدل بها
فانت تقول ان بن كثير يقول بقولك وها هو فى موضع آخر يقول بضد قولك
اذن نرجع الى محكم القرآن وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًاوالقرطب ي كما نقلت لك ينقل اجماع الجمهور ان الآيه فى عذاب الدنيا وتدبر تفسير بن عاشور للآيتان وربطهما بعضهما فيظهر ان الحق ما قلت لك
وجزاك الله خيرا
أبو عُمر
2014-12-31, 10:18 PM
بارك الله فيكم
قال الله تعالي { مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا } .
أي: هداية كل أحد وضلاله لنفسه لا يحمل أحد ذنب أحد، ولا يدفع عنه مثقال ذرة من الشر، والله تعالى أعدل العادلين لا يعذب أحدا حتى تقوم عليه الحجة بالرسالة ثم يعاند الحجة، وأما من انقاد للحجة أو لم تبلغه حجة الله تعالى فإن الله تعالى لا يعذبه، واستُدِلَّ بهذه الآية على أن أهل الفترات وأطفال المشركين، لا يعذبهم الله حتى يبعث إليهم رسولا لأنه منزه عن الظلم. تفسيرالسعدي رحمه الله
وقد حملها بعض أهل العلم علي العذابين كما ذكرت لك في مشاركة سابقة
هل فهمت مقصدي أخي الحبيب
والله تعالى أعدل العادلين لا يعذب أحدا حتى تقوم عليه الحجة بالرسالة ثم يعاند الحجة
هذا غير صحيح بارك الله فيك والا لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم ان اباه فى النار مع انه مات قبل البعثه وفى هذا كفايه ولكن ازيدك انت حكمت بنفسك ان كل البشر اتاهم رسول فما فائده هذا الكلام الذى تنقله عن الشيخ السعدي
قال الله تعالي { مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا } .
واستُدِلَّ بهذه الآية على أن أهل الفترات وأطفال المشركين، لا يعذبهم الله حتى يبعث إليهم رسولا لأنه منزه عن الظلم. تفسيرالسعدي رحمه الله
فاطفال المشركين مسلمين اصلا كما سأبين لك اما اهل الفتره فانت قلت
فلن يدخُل النار إلا من أتاه رسول وكُل البشر أتاهم رسول
قال تعالى
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَأَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ }عن ابن عبـاس، قال: أُهبِط آدم حين أهبط، فمسح الله ظهره، فأخرج منه كلّ نسمة هو خالقها إلـى يوم القـيامة، ثم قال { ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلـى } ، ثم تلا: { وَإذْ أخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِـي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيَّاتِهِمْ } فجفّ القلـم من يومئذ بـما هو كائن إلـى يوم القـيامة.
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ
مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ؛ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ؟ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ
((إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُم ْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا))
عن الأسود بن سريع من بني سعد قال ((غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع غزوات قال فتناول القوم الذرية بعدما قتلوا المقاتلة فبلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فاشتد عليه ثم قال: ما بال قوم يتناولون الذرية فقال رجل يا رسول الله أليسوا أبناء المشركين؟ فقال: إن خياركم أبناء المشركين ألا إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة فما تزال عليها حتى يبين عنها لسانها فأبواها يهودانها وينصرانها))
أبو عُمر
2015-01-01, 09:06 PM
أحسن الله إليك ووفقني وإياك للصواب من القول
أحسن الله إليك ووفقني وإياك للصواب من القول
جزاك الله خيرا واحسن اليك وهدانى واياك لما يحبه ويرضاه وقد شرفنى النقاش معك
أبو عُمر
2015-01-03, 11:07 PM
جزاك الله خيرا واحسن اليك وهدانى واياك لما يحبه ويرضاه وقد شرفنى النقاش معك
اللهم آمين ، والشرف موصول لنا أيضاً أخي الحبيب
تتمة للفائدة والنفع
العذاب ليس محصوراً فقط في الآخرة ولكنه يُحمل علي الدُنيا والآخرة ، وقد حمله أئمة الدعوة في غير موضع علي عذاب الآخرة أثناء حديثهم علي إقامة الحُجة المبنية عليه التكفير والعذاب في الآخرة ، ونذكُر طرفاً من هذه الأقوال وفيها نفع كثير بفضل الله ورد علي أباطيل قوم ضلوا وأضلوا ، قال الله تبارك وتعالي (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ )
--------------------------------
وسئل أيضاً ( العلامة عبد الله أبا بطين ) : رحمه الله تعالى، ما حكم من مات في زمن الفترات، ولم تبلغه الدعوة ؟
فأجاب : وأما حكم من مات في زمن الفترات، ولم تبلغه دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالله سبحانه أعلم به، واسم الفترة، لا يختص بأمة دون أمة، كما قال الإمام أحمد في خطبة : الرد على الزنادقة والجهمية ؛ الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل، بقايا من أهل العلم ؛ ويروى هذا اللفظ : عن عمر رضي الله عنه ؛ والكلام في حكم أهل الفترة : لسنا مكلفين به ؛ والخلاف في المسألة : معروف .
ولما تكلم في الفروع، على حكم أطفال المشركين، وكذا من بلغ منهم مجنونا، قال : ويتوجه مثلها : من لم تبلغه الدعوة ؛ وقاله شيخنا ؛ وفى الفنون : عن أصحابنا : لا يعاقب ؛ وذكر عن ابن حامد : يعاقب مطلقاً، إلى أن قال : وقال القاضي أبو يعلى، في قوله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا )في هذا دليل على : أن معرفة الله لا تجب عقلاً، وإنما تجب بالشرع، وهو بعثة الرسل، وأنه لو مات الإنسان قبل ذلك، لم يقطع عليه بالنار، انتهى .
وقال ابن القيم رحمه الله : في طبقات المكلفين ؛ الطبقة الرابعة عشر : قوم لا طاعة لهم، ولا معصية، ولا كفر، ولا إيمان، قال : وهؤلاء أصناف ؛ منهم : من لم تبلغه الدعوة بحال، ولا سمع لها بخبر ؛ ومنهم : المجنون الذي لا يعقل شيئا؛ ومنهم : الأصم الذي لا يسمع شيئا أبداً ومنهم أطفال المشركين، الذين ماتوا قبل أن يميزوا شيئا فاختلفت الأمة في حكم هذه الطبقة اختلافاً كثيرا، وذكر الأقوال، واختار ما اختاره شيخه : أنهم يكلفون يوم القيامة واحتج بما رواه الإمام أحمد في مسنده، عن الأسود بن سريع، مرفوعا، قال : " أربعة يحتجون يوم القيامة، رجل أصم لا يسمع، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في الفترة ؛ أما الأصم، فيقول : رب لقد جاء الإسلام، وأنا ما أسمع شيئا، وأما الأحمق، فيقول : رب لقد جاء الإسلام، والصبيان يرمونني بالبعر ؛ وأما الهرم فيقول : رب لقد جاء الإسلام وما أعقل ؛ وأما الذي مات في الفترة، فيقول : رب ما أتاني من رسول ؛ فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم رسولاً : أن ادخلوا النار، فوالذي نفسي بيده، لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً " ثم رواه من حديث أبى هريرة بمثله، وزاد في آخره : " ومن لم يدخلها رد إليها " انتهى
وذكر ابن كثير عند تفسير قوله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ) قال : وهذه مسألة اختلف الأئمة فيها، وهي مسألة الولدان، الذين ماتوا وهم صغار، وآباؤهم كفار ؛ وكذلك : المجنون، والأصم، والخرف، والأحمق، ومن مات في الفترة ؛ وقد روى في شأنهم أحاديث : أنا أذكرها بعون الله وتوفيقه ؛ ثم ذكر في المسألة : عشرة أحاديث، افتتحها بالحديث الذي ذكرناه ؛ ثم أشار إلى الخلاف ، ثم قال : ومن العلماء من ذهب إلى أنهم : يمتحنون يوم القيامة، فمن أطاع دخل الجنة، وانكشف علم الله فيه، ومن عصى دخل النار، وانكشف علم الله فيه ؛ وهذا القول : يجمع بين الأدلة ؛ وقد صرّحت به الأحاديث المتقدمة، المتعاضدة، الشاهد بعضها لبعض . أهـ الدرر السنية
--------------------------------
وقال الشيخ تقي الدين: ولو تزوج المرتد كافرة أو غيرها ثم أسلما، فالذي ينبغي أن يقال هنا أن نقرهم على مناكحهم، كالحربي إذا نكح نكاحاً فاسداً ثم أسلم، فإن المعنى واحد؛ وهذا جيد في القياس إذا قلنا: إن المرتد لا يؤمر بقضاء ما ترك في الردة من العبادات، فأما إذا قلنا: إنه يؤمر بقضاء ما ترك من العبادات، ويضمن ويعاقب على ما فعله، ففيه نظر؛ ومما يدخل في هذا كل عقود المرتدين، إذا أسلموا قبل التقابض، وبعده. وهذا باب واسع، يدخل فيه جميع أحكام أهل الشرك في النكاح وتوابعه، والأموال وتوابعها، أو استولوا على مال مسلم، أو تقاسموا ميراثاً ثم أسلموا بعد ذلك، وكذا الدماء وتوابعها. انتهى كلام الشيخ.
وقال، رحمه الله، في موضع آخر: ولو تقاسموا ميراثاً جهلاً، فهذا شبيه بقسم ميراث المفقود إذا ظهر حياً، لا يضمنون ما أتلفوه، لأنهم معذورون، وأما الباقي فيفرق بين المسلم والكافر، فإن الكافر لا يرد باقياً ولا يضمن تالفاً. انتهى.
وأما قولك: وأيضاً ذكر الفقهاء أن المرتد لا يرث، فكفار أهل زماننا هل هم مرتدون؟ أم حكمهم حكم عبدة الأوثان، وأنهم مشركون؟ فنقول: أما من دخل منهم في دين الإسلام ثم ارتد، فهؤلاء مرتدون، وأمرهم عندك واضح ، وأما من لم يدخل في دين الإسلام، بل أدركته الدعوة الإسلامية وهو على كفره، كعبدة الأوثان، فحكمه حكم الكافر الأصلي، لأنا لا نقول: الأصل إسلامهم والكفر طارئ عليهم، بل نقول: الذين نشؤوا بين الكفار، وأدركوا آباءهم على الشرك بالله، كآبائهم، كما دل عليه الحديث الصحيح في قوله: "فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" . فإن كان دين آبائهم الشرك بالله، فنشأ هؤلاء واستمروا عليه، فلا نقول: الأصل الإسلام والكفر طارئ عليهم، بل نقول: هم الكفار الأصليون؛ ولا يلزمنا على هذا تكفير من مات في الجاهلية قبل ظهور الدين، فإنا لا نكفر الناس بالعموم، كما أنا لا نكفر اليوم بالعموم، بل نقول: من كان من أهل الجاهلية عاملاً بالإسلام تاركاً للشرك فهو مسلم، وأما من كان يعبد الأوثان ومات على ذلك قبل ظهور هذا الدين، فهذا ظاهره الكفر، وإن كان يحتمل أنه لم تقم عليه الحجة الرسالية لجهله وعدم من ينبهه، لأنا نحكم على الظاهر، وأما الحكم على الباطن فذلك إلى الله تعالى، لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه، كما قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}. وأما من مات منهم مجهول الحال، فهذا لا نتعرض له، ولا نحكم بكفره ولا بإسلامه، وليس ذلك مما كلفنا به، {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فمن كان منهم مسلماً أدخله الله الجنة، ومن كان كافراً أدخله النار، ومن كان منهم لم تبلغه الدعوة فأمره إلى الله؛ وقد علمت الخلاف في أهل الفترات، ومن لم تبلغهم الحجة الرسالية. الدرر السنية
--------------------------------
إن الله تعالى أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، فكل من بلغه القرآن ودعوة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد قامت عليه الحجة قال الله تعالى: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} ، وقال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} .
وقد أجمع العلماء على أن من بلغته دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم أن حجة الله قائمة عليه ومعلوم بالاضطرار من الدين: أن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه الكتاب ليعبد وحده ولا يشرك معه غيره، فلا يدعى إلا هو، ولا يذبح إلا له، ولا ينذر إلا له، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يخاف خوف السر إلا منه والقرآن مملوء من هذا، قال الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} ، وقال: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ }، وقال: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ} ، وقال: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} ، وقال: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ، وقال: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}، وقال: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} ، وقال: {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ، وقال: {وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} والآيات الواردة في هذا المعنى كثيرة والله تعالى: لا يعذب خلقه إلا بعد الإعذار إليهم، فأرسل رسله وأنزل كتبه، لئلا يقولوا: {لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وقال: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى}.
وكل من بلغه القرآن فليس بمعذور؛ فإن الأصول الكبار، التي هي أصل دين الإسلام، قد بينها الله تعالى في كتابه، وأوضحها وأقام بها حجته على عباده ، وليس المراد بقيام الحجة أن يفهمها الإنسان فهما جليا، كما يفهمها من هداه الله ووفقه، وانقاد لأمره; فإن الكفار قد قامت عليهم الحجة من الله تعالى، مع إخباره بأنه جعل على قلوبهم أكنة أن يفقهوا كلامه، فقال: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً}
وقال: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً} ، وقال تعالى: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} ، وقال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِين َ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} ، والآيات في هذا المعنى كثيرة؛ يخبر سبحانه أنهم لم يفهموا القرآن ولم يفقهوه، وأنه عاقبهم بالأكنة على قلوبهم، والوقر في آذانهم، وأنه ختم على قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم؛ فلم يعذرهم مع هذا كله؛ بل حكم بكفرهم وأمر بقتالهم، وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكم بكفرهم ; فهذا يبين لك أن بلوغ الحجة نوع، وفهمها نوع آخر.
وقد سئل شيخنا رحمه الله تعالى، عن هذه المسألة، فأجاب السائل بقوله: من العجب العجاب، كيف تشكون في هذا، وقد وضحته لكم مرارا؟! فإن الذي لم تقم عليه الحجة، هو الذي حديث عهد بالإسلام، والذي نشأ ببادية بعيدة، أو يكون في مسألة خفية، مثل الصرف والعطف، فلا يُكَفَّر حتى يُعرَّف; وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه، فإن حجة الله هي القرآن؛ فمن بلغه فقد بلغته الحجة ، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة، وفهم الحجة; فإن أكثر الكفار والمنافقين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم، كما قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً}، وقيام الحجة وبلوغها نوع، وفهمهم إياها نوع آخر; وكفّرهم الله ببلوغها إياهم، مع كونهم لم يفهموها. وإن أشكل عليكم ذلك، فانظروا قوله صلى الله عليه وسلم في الخوارج "أينما لقيتموهم فاقتلوهم" مع كونهم في عصر الصحابة، ويحقر معهم الإنسان عمل الصحابة، ومع إجماع الناس أن الذي أخرجهم من الدين، هو التشديد والغلو والاجتهاد، وهم يظنون أنهم مطيعون لله، وقد بلغتهم الحجة، ولكن لم يفهموها.
وكذلك: قتل علي رضي الله عنه الذين اعتقدوا فيه، وتحريقهم بالنار، مع كونهم تلاميذ الصحابة، ومع عبادتهم وصلاحهم؛ وهم أيضا يظنون أنهم على حق، وكذلك إجماع السلف على تكفير أناس من غلاة القدرية، وغيرهم، مع كثرة علمهم، وشدة عبادتهم، وكونهم يظنون أنهم يحسنون صنعا; ولم يتوقف أحد من السلف في تكفيرهم; لأجل أنهم لم يفهموا، فإن هؤلاء كلهم لم يفهموا، انتهى كلامه.
إذا تقرر هذا، فنقول: إن هؤلاء الذين ماتوا قبل ظهور هذه الدعوة الإسلامية، وظاهر حالهم الشرك، لا نتعرض لهم، ولا نحكم بكفرهم ولا بإسلامهم؛ بل نقول: من بلغته هذه الدعوة المحمدية، وانقاد لها، ووحد الله، وعبده وحده لا شريك له، والتزم شرائع الإسلام، وعمل بما أمره الله به، وتجنب ما نهاه عنه، فهذا من المسلمين الموعودين بالجنة، في كل زمان وفي كل مكان.
وأما من كانت حاله حال أهل الجاهلية، لا يعرف التوحيد الذي بعث الله رسوله يدعو إليه، ولا الشرك الذي بعث الله رسوله ينهى عنه، ويقاتل عليه، فهذا لا يقال إنه مسلم لجهله؛ بل من كان ظاهر عمله الشرك بالله، فظاهره الكفر، فلا يستغفر له ولا يتصدق عنه، ونكل حاله إلى الله الذي يبلو السرائر، ويعلم ما تخفي الصدور.
ولا نقول: فلان مات كافرا، لأنا نفرق بين المعيّن وغيره، فلا نحكم على معين بكفر، لأنا لا نعلم حقيقة حاله وباطن أمره؛ بل نكل ذلك إلى الله. ولا نسب الأموات؛ بل نقول: أفضوا إلى ما قدموا ، وليس هذا من الدين الذي أمرنا الله به؛ بل الذي أمرنا به أن نعبد الله وحده ولا نشرك به، ونقاتل من أبى عن ذلك، بعد ما ندعوه إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإذا أصر وعاند كفّرناه وقاتلناه.
فينبغي للطالب أن يفهم الفرق بين المعين وغيره؛ فنكفر من دان بغير الإسلام جملة، ولا نحكم على معين بالنار،ونلعن الظالمين جملة، ولا نخص معينا بلعنة، كما قد ورد في الأحاديث من لعن السارق، وشارب الخمر؛ فنلعن من لعنه الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم جملة، ولا نخص شخصا بلعنة؛ يبين ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن شارب الخمر جملة. ، ولما جلد رجلا قد شرب، قال رجل من القوم: اللهم اللعنه، ما أكثر ما يؤتى به النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تلعنوه، فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله . الدرر السنية ( النبذة الشريفة في الرد علي القبوريين للشيخ حمد بن ناصر آل معمر ).
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.