محمد بن عزت الحمدى
2014-12-04, 07:34 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على أشرف المرسلين، وسيد الخلق أجمعين، محمد عبد الله ورسوله الهادي الأمين، وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
المنتقى الميسر المختصر
من شروحات وتعليقات علماء الأثر
على العقيدة الطحاوية
متن العقيدة الطحاوية
بسم الله الرحمن الرحيم
قال العلامةُ حُجةُ الإسلامِ أبو جعفرٍ الوراقُ الطحاويُّ (1) بمصرَ رحمهُ الله:
هذا ذِكرُ بيانِ عقيدةِ أهلِ السنّةِ والجماعةِ على مذهبِ فُقهاءِ المِلّةِ: أبي حنيفةَ النعمانِ ابنِ ثابتٍ الكوفيّ (2)، وأبي يوسفَ يعقوبَ بنِ إبراهيمَ الأنصاريّ (3)، وأبي عبدِ الله محمدِ ابنِ الحسنِ الشيْبانى (4)، رِضوانُ اللهِ عليهم أجمعينَ، وما يعتقدونَ (5) من أصولِ الدينِ، ويَدينون بهِ لربِّ العالمين.
----------------- الشرح ----------------
( 1) هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة بن عبد الملك بن سلمة بن سليم بن سليمان بن جواب الأزدي الطحاوي - نسبة إلى قرية بصعيد مصر- الإمام المحدث الفقيه الحافظ.
ولد - رحمه الله - سنة تسع وثلاثين ومائتين، وعندما بلغ سن الإدراك تحول إلى مصر لطلب العلم، وأخذ يتلقى العلم على خاله إسماعيل بن يحيى المزني أفقه أصحاب الإمام الشافعي. وكان كلما اتسعت دائرة أُفقه يجد نفسه حائرًا أمام كثير من المسائل الفقهية، ولم يكن ليجد عند خاله ما يشفي غليله عنها، فأخذ يترقب ما يصنعه خاله عندما تعترضه تلك المسائل، فإذا هو كثير التعريج على كتب أصحاب أبي حنيفة، وإذا هو يختار ما ذهب إليه أبو حنيفة في كثير منها، وقد أودع هذه الاختيارات في كتابه"مختصر المزني".
فلم يسعه بعد ذلك إلا أن ينظر في كتب أصحاب أبي حنيفة ويطلع على منهجهم في التأصيل والتفريع حتى إذا اكتملت معرفته بمذهب الإمام أبي حنيفة تحول إليه واقتدى به وأصبح من أتباعه. ولم يمنعه ذلك من مخالفته لبعض أقوال الإمام وترجيح ما ذهب إليه غيره من الأئمة؛ لأنه- رحمه الله- لم يكن مقلدًا لأبي حنيفة، إنما كان يرى أن منهجه في التفقه أمثل المناهج في نظره فكان يسير عليه، ويأتم به، ولذلك تجده في كتابه"معاني الآثار"يرجح ما لم يقل به إمامه. ومما يؤيد ما ذكرناه ما قاله ابن زولاق: سمعت أبا الحسن علي بن أبي جعفر الطحاوي يقول سمعت أبي يقول وذكر فضل أبي عبيد حربويه وفقهه فقال: كان يذاكرني في المسائل، فأجبته يومًا في مسألة فقال لي: ما هذا قول أبي حنيفة، فقلت له: أيها القاضي: أوكل ما قاله أبو حنيفة أقول به ؟ فقال: ما ظننتك إلا مقلدًا. فقلت له: وهل يقلد إلا عصبي. فقال لي: أو غبي. قال: فطارت هذه بمصر حتى صارت مثلًا وحفظها الناس . (انظر هذا الخبر في لسان الميزان لابن حجر)
وقد تخرج على كثير من الشيوخ، وأخذ عنهم، وأفاد منهم، وقد أربى عددهم على ثلاثمائة شيخ، وكان شديد الملازمة لكل قادم إلى مصر من أهل العلم من شتى الأقطار، حتى جمع إلى علمه ما عندهم من العلوم، وهذا يدلك على مبلغ عنايته في الاستفادة، وحرصه الأكيد على العلم. وقد أثنى عليه غير واحد من أهل العلم، ووصفوه بأنه ثقة ثبت فقيه عاقل حافظ دين، له اليد الطولى في الفقه والحديث.
قال ابن يونس: كان الطحاوي ثقة ثبتًا فقيهًا عاقلًا لم يخلف مثله . (تاريخ ابن يونس المصرى)
وقال الذهبي في"تاريخه الكبير": الفقيه المحدث الحافظ أحد الأعلام، وكان ثقة ثبتًا فقيهًا عاقلًا.
وقال ابن كثير في"البداية والنهاية": هو أحد الثقات الأثبات والحفاظ الجهابذة.
وأما تصانيفه - رحمه الله- فهي غاية في التحقيق والجمع وكثرة الفوائد وحسن العرض.
فمن مصنفاته:"العقيدة الطحاوية" وهي على صغر حجمها غزيرة النفع سلفية المنهج، تجمع بين دفتيها كل ما يحتاج إليه المسلم في عقيدته. ومنها كتاب"معاني الآثار"وهو كتاب يعرض فيه الأبحاث الفقهية مقرونة بدليلها، ويذكر في غضون بحثه المسائل الخلافية، ويسرد أدلتها ويناقشها، ثم يرجح ما استبان له الصواب منها، وهذا الكتاب يدرب طالب العلم على التفقه، ويطلعه على وجوه الخلاف. ويربي فيه ملكة الاستنباط، ويكون له شخصية مستقلة.
تُوفي رحمه الله سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة ليلة الخميس مستهل ذي القعدة بمصر، ودفن بالقرافة . (من مقدمة أحمد شاكر لشرح الطحاوية لابن أبى العز الحنفى)
(2) أبو حنيفة الامام ، فقيه الملة، عالم العراق، أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى التيمي، الكوفي، مولى بني تيم الله بن ثعلبة يقال: إنه من أبناء الفرس.
ولد سنة ثمانين في حياة صغار الصحابة، ورأى أنس بن مالك لما قدم عليهم الكوفة.
ولم يثبت له حرف عن أحد منهم، وروى عن عطاء بن أبي رباح، وهو أكبر شيخ له وأفضلهم على ما قال.
وعن الشعبي , وعمرو بن دينار، ونافع مولى ابن عمر، وقتادة، وحماد بن أبي سليمان وبه تفقه، وسماك بن حرب، وعاصم ابن بهدلة، وسعيد بن مسروق ، وابن شهاب الزهري، ومحمد بن المنكدر، وأبي إسحاق السبيعي، وهشام بن عروة، وخلق سواهم.
حتى إنه روى عن شيبان النحوي وهو أصغر منه، وعن مالك ابن أنس وهو كذلك.
وعني بطلب الآثار، وارتحل في ذلك، وأما الفقه والتدقيق في الرأي وغوامضه، فإليه المنتهى والناس عليه عيال في ذلك.
حدث عنه خلق كثير، منهم أبو نعيم، والفضل بن موسى، والقاسم ، ومحمد بن أبان العنبري كوفي، ومحمد بن بشر، ومحمد ابن الحسن الشيباني، وأبو إسحاق الفزاري، وعبد الله بن المبارك ، و عبد الرزاق ، والقاضي أبو يوسف.
قال أحمد العجلي: أبو حنيفة تيمى من رهط حمزة الزيات.
كان خزازا يبيع الخز.( الخزاز بائع الخز و صانعه والخز هو الحرير)
وقال عمر بن حماد بن أبي حنيفة: أما زوطى فإنه من أهل كابل، وولد ثابت علي الاسلام.
وكان زوطى مملوكا لبني تيم الله بن ثعلبة فأعتق فولاؤه لهم، ثم لبني قفل.
قال: وكان أبو حنيفة خزازا، ودكانه معروف في دار عمرو ابن حريث..
قال محمد بن سعد العوفي: سمعت يحيى بن معين يقول: كان أبو حنيفة ثقة لا يحدث بالحديث إلا بما يحفظه، ولا يحدث بما لا يحفظ.
ولقد ضربه ابن هبيرة على القضاء، فأبى أن يكون قاضيا.
قال أحمد بن عبد الله العجلي، حدثني أبي قال: قال أبو حنيفة: قدمت البصرة فظننت أنى لا أسأل عن شئ إلا أجبت فيه.
فسألوني عن أشياء لم يكن عندي فيها جواب، فجعلت على نفسي ألا أفارق حمادا حتى يموت، فصحبته ثماني عشرة سنة.
أبو وهب محمد بن مزاحم، سمعت عبد الله بن المبارك يقول: لولا أن الله أعانني بأبي حنيفة وسفيان، كنت كسائر الناس.
قيل للقاسم بن معن: ترضى أن تكون من غلمان أبي حنيفة ؟ قال: ما جلس الناس إلى أحد أنفع من مجالسة أبي حنيفة.
أحمد بن الصباح، سمعت الشافعي قال: قيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة ؟ قال: نعم.
رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته.
وروى بشر بن الوليد، عن القاضي أبي يوسف قال: بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة، إذ سمعت رجلا يقول لآخر: هذا أبو حنيفة لا ينام الليل.
فقال أبو حنيفة: والله لا يتحدث عني بما لم أفعل.
فكان يحيى الليل صلاة وتضرعا ودعاء.
وقد روى من وجهين: أن أبا حنيفة قرأ القرآن كله في ركعة.
قال عبدالرحمن بن محمد بن المغيرة: رأيت أبا حنيفة شيخا يفتي الناس بمسجد الكوفة، على رأسه قلنسوة سوداء طويلة.
وعن النضر بن محمد قال: كان أبو حنيفة جميل الوجه، سري الثوب، عطر الريح.
أتيته في حاجة، وعلى كساء قرمسي، فأمر بإسراج بغله، وقال: أعطني كساءك وخذ كسائي، ففعلت.فلما رجع قال: يا نضر خجلتني بكسائك، هو غليظ.قال: وكنت أخذته بخمسة دنانير.ثم إني رأيته وعليه كساء قومته ثلاثين دينارا.
وعن أبي يوسف قال: كان أبو حنيفة ربعة، من أحسن الناس صورة، وأبلغهم نطقا، وأعذبهم نغمة، وأبينهم عما في نفسه.
وعن حماد بن أبي حنيفة قال: كان أبي جميلا، تعلوه سمرة، حسن الهيئة، كثير التعطر، هيوبا، لا يتكلم إلا جوابا، ولا يخوض فيما لا يعنيه.
وعن ابن المبارك قال: ما رأيت رجلا أو قر في مجلسه، ولا أحسن سمتا وحلما من أبي حنيفة.
إبراهيم بن سعيد الجوهري، عن المثنى بن رجاء قال: جعل أبو حنيفة على نفسه، إن حلف بالله صادقا، أن يتصدق بدينار.
وكان إذا أنفق على عياله نفقة تصدق بمثلها.
وروى جبارة بن المغلس، عن قيس بن الربيع قال: كان أبو حنيفة، ورعا تقيا، مفضلا على إخوانه.
وعن شريك قال: كان أبو حنيفة طويل الصمت، كثير العقل.
وقال أبو عاصم النبيل: كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته.
وعن يزيد بن كميت، سمع رجلا يقول لابي حنيفة: اتق الله، فانتفض ؟ واصفر، وأطرق، وقال: جزاك الله خيرا.
ما أحوج الناس كل وقت، إلى من يقول لهم مثل هذا.
قال يزيد بن هارون: ما رأيت أحدا أحلم من أبي حنيفة.
وروى نوح الجامع، عن أبي حنيفة أنه قال: ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فعلى الرأس والعين، وما جاء عن الصحابة اخترنا، وما كان من غير ذلك، فهم رجال ونحن رجال.
قال وكيع: سمعت أبا حنيفة يقول: البول في المسجد أحسن من بعض القياس.
قال إسحاق بن إبراهيم الزهري، عن بشر بن الوليد قال: طلب المنصور أبا حنيفة فأراده على القضاء، وحلف ليلين فأبى، وحلف: إني لا أفعل.
فقال الربيع الحاجب: ترى أمير المؤمنين يحلف، وأنت تحلف ؟ قال: أمير المؤمنين على كفارة يمينه أقدر مني، فأمر به إلى السجن، فمات فيه ببغداد.
وعن مغيث بن بديل قال: دعا المنصور أبا حنيفة إلى القضاء فامتنع، فقال: أترغب عما نحن فيه ؟ فقال: لا أصلح.
قال: كذبت.
قال: فقد حكم أمير المؤمنين علي أني لا أصلح، فإن كنت كاذبا، فلا أصلح، وإن كنت صادقا، فقد أخبرتكم أني لا أصلح، فحبسه.
وقال الفقيه أبو عبد الله الصيمري: لم يقبل العهد بالقضاء، فضرب وحبس، ومات في السجن.
وروى حيان بن موسى المروزي، قال: سئل ابن المبارك: مالك أفقه، أو أبو حنيفة ؟ قال: أبو حنيفة.
وقال الخريبي: ما يقع في أبي حنيفة إلا حاسد أو جاهل.
وقال يحيى بن سعيد القطان: لا نكذب الله، ما سمعنا أحسن من رأي أبي حنيفة، وقد أخذنا بأكثر أقواله.
وقال علي بن عاصم: لو وزن علم الامام أبي حنيفة بعلم أهل زمانه، لرجح عليهم.
وقال حفص بن غياث: كلام أبي حنيفة في الفقه، أدق من الشعر، لا يعيبه إلا جاهل.
وروى عن الاعمش أنه سئل عن مسألة، فقال: إنما يحسن هذا النعمان بن ثابت الخزاز، وأظنه بورك له في علمه.
وقال جرير: قال لي مغيرة: جالس أبا حنيفة تفقه، فإن إبراهيم النخعي لو كان حيا لجالسه.
وقال ابن المبارك: أبو حنيفة أفقه الناس.
وقال الشافعي: الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة.
قلت: الامامة في الفقه ودقائقه مسلمة إلى هذا الامام. وهذا أمر لا شك فيه. وليس يصح في الاذهان شئ إذا احتاج النهار إلى دليل.
توفي شهيدا في سنة خمسين ومئة. (من سير أعلام النبلاء للذهبى)
(3) الإمام العلامة فقيه العراقين يعقوب بن إبراهيم الأنصاري الكوفي صاحب أبي حنيفة سمع هشام بن عروة وعطاء بن السائب والطبقة وعنه ابن معين وأحمد وعلي بن الجعد وخلق.
قال المزني: أبو يوسف أتبع القوم للحديث.
وقال ابن معين: ليس في أصحاب الرأي أحد أكثر حديثاً ولا أثبت منه وعنه أيضاً: أبو يوسف صاحب حديث وصاحب سنة.
وقال أبو يوسف: من طلب غرائب الحديث كذب ومن طلب المال بالكيمياء أفلس ومن طلب الدين بالكلام تزندق.
وقال أيضاً: الخصومة والكلام جهل والجهل بالخصومة والكلام علم أسنده في ذم الكلام.
قال أحمد: كان أبو يوسف منصفاً في الحديث.( من لسان الميزان لابن حجر)
(4) محمد بن الحسن الشيباني أبو عبد الله أحد الفقهاء
لينه النسائي وغيره من قبل حفظه يروي عن مالك بن أنس وغيره وكان من بحور العلم والفقه قوياً في مالك .
وهو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني مولاهم الفقيه أبو عبد الله ولد بواسط ونشأ بالكوفة وتفقه على أبي حنيفة رحمة الله عليه .
وسمع الحديث من الثوري ومسعر وعمر بن زر ومالك بن مغول والأوزاعي ومالك بن أنس وزمعة ابن صالح وجماعة وعنه الشافعي وأبو سليمان الجوزجاني وأبو عبيد ابن سلام وهشام وعبيد الله الرازي وعلي بن مسلم الطوسي وغيرهم ولي القضاء أيام الرشيد قال ابن سعد كان أبوه في جند أهل الشام فقدم واسط فولد محمد بها سنة اثنتين وثلاثين ومائة قال ابن عبد الحكم سمعت الشافعي يقول قال محمد بن الحسن أقمت على باب مالك ثلاث سنين وسمعت من لفظه أكثر من سبعمائة حديث وقال ابن المنذر سمعت المزني يقول سمعت الشافعي يقول ما رأيت سميناً أخف روحاً من محمد بن الحسن وما رأيت أفصح منه وقال عباس الدوري عن ابن معين كتبت الجامع الصغير عن محمد بن الحسن وقال الربيع سمعت الشافعي يقول حملت عن محمد وقر بعير (وقر بعير هو ستون صاعا ) كتباً . (من طبقات الحفاظ للسيوطى )
(5) العقيدة هي أساس الدين، وهي مضمون شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والركن الأول من أركان الإسلام، فيجب الاهتمام بها والعناية بها ومعرفتها، ومعرفة ما يخل بها، حتى يكون الإنسان على بصيرة، وعلى عقيدة صحيحة؛ لأنه إذا قام الدين على أساس صحيح صار دينا قيما مقبولا عند الله، وإذا قام على عقيدة مهزوزة ومضطربة، أو عقيدة فاسدة، صار الدين غير صحيح، وعلى غير أساس، ومن ثم كان العلماء -رحمهم الله- يهتمون بأمر العقيدة ولا يفترون في بيانها في الدروس وفي المناسبات، ويرويها المتأخر عن المتقدم.
كان الصحابة -رضي الله عنهم- ليس عندهم أي شك فيما جاء به القرآن وما جاءت به سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فكانت عقيدتهم مبنية على كتاب الله وسنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولا يعتريهم في ذلك شك ولا توقف، فما قاله الله وقاله رسوله صلى الله عليه وسلم اعتقدوه ودانوا به، ولم يحتاجوا إلى كتابة تأليف؛ لأن هذا مسلم به عندهم ومقطوع به وكانت عقيدتهم الكتاب والسنة، ثم درج على ذلك تلاميذهم من التابعين الذين أخذوا عنهم، فلم يكن هناك أخذ ورد في العقيدة، كانت قضية مسلمة، وكان مرجعهم الكتاب والسنة.
فلما ظهرت الفرق والاختلافات، ودخل في الدين من لم ترسخ العقيدة في قلبه، أو دخل في الإسلام وهو يحمل بعض الأفكار المنحرفة، ونشأ في الإسلام من لم يرجع إلى الكتاب ولا إلى السنة في العقيدة، وإنما يرجع إلى قواعد ومناهج أصلها أهل الضلال من عند أنفسهم، عند هذا احتاج أئمة الإسلام إلى بيان العقيدة الصحيحة وتحريرها وكتابتها وروايتها عن علماء الأمة، فدونوا كتب العقائد، واعتنوا بها، وصارت مرجعا لمن يأتي بعدهم من الأمة إلى أن تقوم الساعة.
وهذا من حفظ الله تعالى لهذا الدين، وعنايته بهذا الدين، أن قيض له حملة أمناء يبلغونه كما جاء عن الله وعن رسوله، ويردون تأويل المبطلين وتشبيه المشبهين، وصاروا يتوارثون هذه العقيدة خلفا عن السلف.
ومن جملة السلف الصالح الذين كانوا على الاعتقاد الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين، من جملتهم الأئمة الأربعة الإمام أبو حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد، وغيرهم من الأئمة الذين قاموا بالدفاع عن العقيدة وتحريرها، وبيانها وتعليمها للطلاب.
وكان أتباع الأئمة الأربعة يعتنون بهذه العقيدة، ويتدارسونها ويحفظونها لتلاميذهم، وكتبوا فيها الكتب الكثيرة على منهج الكتاب والسنة، وما كان عليه المصطفى، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم والتابعون، وردوا العقائد الباطلة والمنحرفة، وبينوا زيفها وباطلها، وكذلك أئمة الحديث: كإسحاق بن راهويه، والبخاري، ومسلم والإمام ابن خزيمة، والإمام ابن قتيبة، ومن أئمة التفسير: كالإمام الطبري، والإمام ابن كثير، والإمام البغوي، وغيرهم من أئمة التفسير.
وألفوا في هذا مؤلفات يسمونها بكتب السنة، مثل كتاب السنة لابن أبي عاصم، وكتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل، والسنة للخلال، والشريعة للآجري، وغير ذلك. ( من شرح الفوزان على العقيدة الطحاوية )
الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على أشرف المرسلين، وسيد الخلق أجمعين، محمد عبد الله ورسوله الهادي الأمين، وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.
المنتقى الميسر المختصر
من شروحات وتعليقات علماء الأثر
على العقيدة الطحاوية
متن العقيدة الطحاوية
بسم الله الرحمن الرحيم
قال العلامةُ حُجةُ الإسلامِ أبو جعفرٍ الوراقُ الطحاويُّ (1) بمصرَ رحمهُ الله:
هذا ذِكرُ بيانِ عقيدةِ أهلِ السنّةِ والجماعةِ على مذهبِ فُقهاءِ المِلّةِ: أبي حنيفةَ النعمانِ ابنِ ثابتٍ الكوفيّ (2)، وأبي يوسفَ يعقوبَ بنِ إبراهيمَ الأنصاريّ (3)، وأبي عبدِ الله محمدِ ابنِ الحسنِ الشيْبانى (4)، رِضوانُ اللهِ عليهم أجمعينَ، وما يعتقدونَ (5) من أصولِ الدينِ، ويَدينون بهِ لربِّ العالمين.
----------------- الشرح ----------------
( 1) هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة بن عبد الملك بن سلمة بن سليم بن سليمان بن جواب الأزدي الطحاوي - نسبة إلى قرية بصعيد مصر- الإمام المحدث الفقيه الحافظ.
ولد - رحمه الله - سنة تسع وثلاثين ومائتين، وعندما بلغ سن الإدراك تحول إلى مصر لطلب العلم، وأخذ يتلقى العلم على خاله إسماعيل بن يحيى المزني أفقه أصحاب الإمام الشافعي. وكان كلما اتسعت دائرة أُفقه يجد نفسه حائرًا أمام كثير من المسائل الفقهية، ولم يكن ليجد عند خاله ما يشفي غليله عنها، فأخذ يترقب ما يصنعه خاله عندما تعترضه تلك المسائل، فإذا هو كثير التعريج على كتب أصحاب أبي حنيفة، وإذا هو يختار ما ذهب إليه أبو حنيفة في كثير منها، وقد أودع هذه الاختيارات في كتابه"مختصر المزني".
فلم يسعه بعد ذلك إلا أن ينظر في كتب أصحاب أبي حنيفة ويطلع على منهجهم في التأصيل والتفريع حتى إذا اكتملت معرفته بمذهب الإمام أبي حنيفة تحول إليه واقتدى به وأصبح من أتباعه. ولم يمنعه ذلك من مخالفته لبعض أقوال الإمام وترجيح ما ذهب إليه غيره من الأئمة؛ لأنه- رحمه الله- لم يكن مقلدًا لأبي حنيفة، إنما كان يرى أن منهجه في التفقه أمثل المناهج في نظره فكان يسير عليه، ويأتم به، ولذلك تجده في كتابه"معاني الآثار"يرجح ما لم يقل به إمامه. ومما يؤيد ما ذكرناه ما قاله ابن زولاق: سمعت أبا الحسن علي بن أبي جعفر الطحاوي يقول سمعت أبي يقول وذكر فضل أبي عبيد حربويه وفقهه فقال: كان يذاكرني في المسائل، فأجبته يومًا في مسألة فقال لي: ما هذا قول أبي حنيفة، فقلت له: أيها القاضي: أوكل ما قاله أبو حنيفة أقول به ؟ فقال: ما ظننتك إلا مقلدًا. فقلت له: وهل يقلد إلا عصبي. فقال لي: أو غبي. قال: فطارت هذه بمصر حتى صارت مثلًا وحفظها الناس . (انظر هذا الخبر في لسان الميزان لابن حجر)
وقد تخرج على كثير من الشيوخ، وأخذ عنهم، وأفاد منهم، وقد أربى عددهم على ثلاثمائة شيخ، وكان شديد الملازمة لكل قادم إلى مصر من أهل العلم من شتى الأقطار، حتى جمع إلى علمه ما عندهم من العلوم، وهذا يدلك على مبلغ عنايته في الاستفادة، وحرصه الأكيد على العلم. وقد أثنى عليه غير واحد من أهل العلم، ووصفوه بأنه ثقة ثبت فقيه عاقل حافظ دين، له اليد الطولى في الفقه والحديث.
قال ابن يونس: كان الطحاوي ثقة ثبتًا فقيهًا عاقلًا لم يخلف مثله . (تاريخ ابن يونس المصرى)
وقال الذهبي في"تاريخه الكبير": الفقيه المحدث الحافظ أحد الأعلام، وكان ثقة ثبتًا فقيهًا عاقلًا.
وقال ابن كثير في"البداية والنهاية": هو أحد الثقات الأثبات والحفاظ الجهابذة.
وأما تصانيفه - رحمه الله- فهي غاية في التحقيق والجمع وكثرة الفوائد وحسن العرض.
فمن مصنفاته:"العقيدة الطحاوية" وهي على صغر حجمها غزيرة النفع سلفية المنهج، تجمع بين دفتيها كل ما يحتاج إليه المسلم في عقيدته. ومنها كتاب"معاني الآثار"وهو كتاب يعرض فيه الأبحاث الفقهية مقرونة بدليلها، ويذكر في غضون بحثه المسائل الخلافية، ويسرد أدلتها ويناقشها، ثم يرجح ما استبان له الصواب منها، وهذا الكتاب يدرب طالب العلم على التفقه، ويطلعه على وجوه الخلاف. ويربي فيه ملكة الاستنباط، ويكون له شخصية مستقلة.
تُوفي رحمه الله سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة ليلة الخميس مستهل ذي القعدة بمصر، ودفن بالقرافة . (من مقدمة أحمد شاكر لشرح الطحاوية لابن أبى العز الحنفى)
(2) أبو حنيفة الامام ، فقيه الملة، عالم العراق، أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى التيمي، الكوفي، مولى بني تيم الله بن ثعلبة يقال: إنه من أبناء الفرس.
ولد سنة ثمانين في حياة صغار الصحابة، ورأى أنس بن مالك لما قدم عليهم الكوفة.
ولم يثبت له حرف عن أحد منهم، وروى عن عطاء بن أبي رباح، وهو أكبر شيخ له وأفضلهم على ما قال.
وعن الشعبي , وعمرو بن دينار، ونافع مولى ابن عمر، وقتادة، وحماد بن أبي سليمان وبه تفقه، وسماك بن حرب، وعاصم ابن بهدلة، وسعيد بن مسروق ، وابن شهاب الزهري، ومحمد بن المنكدر، وأبي إسحاق السبيعي، وهشام بن عروة، وخلق سواهم.
حتى إنه روى عن شيبان النحوي وهو أصغر منه، وعن مالك ابن أنس وهو كذلك.
وعني بطلب الآثار، وارتحل في ذلك، وأما الفقه والتدقيق في الرأي وغوامضه، فإليه المنتهى والناس عليه عيال في ذلك.
حدث عنه خلق كثير، منهم أبو نعيم، والفضل بن موسى، والقاسم ، ومحمد بن أبان العنبري كوفي، ومحمد بن بشر، ومحمد ابن الحسن الشيباني، وأبو إسحاق الفزاري، وعبد الله بن المبارك ، و عبد الرزاق ، والقاضي أبو يوسف.
قال أحمد العجلي: أبو حنيفة تيمى من رهط حمزة الزيات.
كان خزازا يبيع الخز.( الخزاز بائع الخز و صانعه والخز هو الحرير)
وقال عمر بن حماد بن أبي حنيفة: أما زوطى فإنه من أهل كابل، وولد ثابت علي الاسلام.
وكان زوطى مملوكا لبني تيم الله بن ثعلبة فأعتق فولاؤه لهم، ثم لبني قفل.
قال: وكان أبو حنيفة خزازا، ودكانه معروف في دار عمرو ابن حريث..
قال محمد بن سعد العوفي: سمعت يحيى بن معين يقول: كان أبو حنيفة ثقة لا يحدث بالحديث إلا بما يحفظه، ولا يحدث بما لا يحفظ.
ولقد ضربه ابن هبيرة على القضاء، فأبى أن يكون قاضيا.
قال أحمد بن عبد الله العجلي، حدثني أبي قال: قال أبو حنيفة: قدمت البصرة فظننت أنى لا أسأل عن شئ إلا أجبت فيه.
فسألوني عن أشياء لم يكن عندي فيها جواب، فجعلت على نفسي ألا أفارق حمادا حتى يموت، فصحبته ثماني عشرة سنة.
أبو وهب محمد بن مزاحم، سمعت عبد الله بن المبارك يقول: لولا أن الله أعانني بأبي حنيفة وسفيان، كنت كسائر الناس.
قيل للقاسم بن معن: ترضى أن تكون من غلمان أبي حنيفة ؟ قال: ما جلس الناس إلى أحد أنفع من مجالسة أبي حنيفة.
أحمد بن الصباح، سمعت الشافعي قال: قيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة ؟ قال: نعم.
رأيت رجلا لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته.
وروى بشر بن الوليد، عن القاضي أبي يوسف قال: بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة، إذ سمعت رجلا يقول لآخر: هذا أبو حنيفة لا ينام الليل.
فقال أبو حنيفة: والله لا يتحدث عني بما لم أفعل.
فكان يحيى الليل صلاة وتضرعا ودعاء.
وقد روى من وجهين: أن أبا حنيفة قرأ القرآن كله في ركعة.
قال عبدالرحمن بن محمد بن المغيرة: رأيت أبا حنيفة شيخا يفتي الناس بمسجد الكوفة، على رأسه قلنسوة سوداء طويلة.
وعن النضر بن محمد قال: كان أبو حنيفة جميل الوجه، سري الثوب، عطر الريح.
أتيته في حاجة، وعلى كساء قرمسي، فأمر بإسراج بغله، وقال: أعطني كساءك وخذ كسائي، ففعلت.فلما رجع قال: يا نضر خجلتني بكسائك، هو غليظ.قال: وكنت أخذته بخمسة دنانير.ثم إني رأيته وعليه كساء قومته ثلاثين دينارا.
وعن أبي يوسف قال: كان أبو حنيفة ربعة، من أحسن الناس صورة، وأبلغهم نطقا، وأعذبهم نغمة، وأبينهم عما في نفسه.
وعن حماد بن أبي حنيفة قال: كان أبي جميلا، تعلوه سمرة، حسن الهيئة، كثير التعطر، هيوبا، لا يتكلم إلا جوابا، ولا يخوض فيما لا يعنيه.
وعن ابن المبارك قال: ما رأيت رجلا أو قر في مجلسه، ولا أحسن سمتا وحلما من أبي حنيفة.
إبراهيم بن سعيد الجوهري، عن المثنى بن رجاء قال: جعل أبو حنيفة على نفسه، إن حلف بالله صادقا، أن يتصدق بدينار.
وكان إذا أنفق على عياله نفقة تصدق بمثلها.
وروى جبارة بن المغلس، عن قيس بن الربيع قال: كان أبو حنيفة، ورعا تقيا، مفضلا على إخوانه.
وعن شريك قال: كان أبو حنيفة طويل الصمت، كثير العقل.
وقال أبو عاصم النبيل: كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته.
وعن يزيد بن كميت، سمع رجلا يقول لابي حنيفة: اتق الله، فانتفض ؟ واصفر، وأطرق، وقال: جزاك الله خيرا.
ما أحوج الناس كل وقت، إلى من يقول لهم مثل هذا.
قال يزيد بن هارون: ما رأيت أحدا أحلم من أبي حنيفة.
وروى نوح الجامع، عن أبي حنيفة أنه قال: ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فعلى الرأس والعين، وما جاء عن الصحابة اخترنا، وما كان من غير ذلك، فهم رجال ونحن رجال.
قال وكيع: سمعت أبا حنيفة يقول: البول في المسجد أحسن من بعض القياس.
قال إسحاق بن إبراهيم الزهري، عن بشر بن الوليد قال: طلب المنصور أبا حنيفة فأراده على القضاء، وحلف ليلين فأبى، وحلف: إني لا أفعل.
فقال الربيع الحاجب: ترى أمير المؤمنين يحلف، وأنت تحلف ؟ قال: أمير المؤمنين على كفارة يمينه أقدر مني، فأمر به إلى السجن، فمات فيه ببغداد.
وعن مغيث بن بديل قال: دعا المنصور أبا حنيفة إلى القضاء فامتنع، فقال: أترغب عما نحن فيه ؟ فقال: لا أصلح.
قال: كذبت.
قال: فقد حكم أمير المؤمنين علي أني لا أصلح، فإن كنت كاذبا، فلا أصلح، وإن كنت صادقا، فقد أخبرتكم أني لا أصلح، فحبسه.
وقال الفقيه أبو عبد الله الصيمري: لم يقبل العهد بالقضاء، فضرب وحبس، ومات في السجن.
وروى حيان بن موسى المروزي، قال: سئل ابن المبارك: مالك أفقه، أو أبو حنيفة ؟ قال: أبو حنيفة.
وقال الخريبي: ما يقع في أبي حنيفة إلا حاسد أو جاهل.
وقال يحيى بن سعيد القطان: لا نكذب الله، ما سمعنا أحسن من رأي أبي حنيفة، وقد أخذنا بأكثر أقواله.
وقال علي بن عاصم: لو وزن علم الامام أبي حنيفة بعلم أهل زمانه، لرجح عليهم.
وقال حفص بن غياث: كلام أبي حنيفة في الفقه، أدق من الشعر، لا يعيبه إلا جاهل.
وروى عن الاعمش أنه سئل عن مسألة، فقال: إنما يحسن هذا النعمان بن ثابت الخزاز، وأظنه بورك له في علمه.
وقال جرير: قال لي مغيرة: جالس أبا حنيفة تفقه، فإن إبراهيم النخعي لو كان حيا لجالسه.
وقال ابن المبارك: أبو حنيفة أفقه الناس.
وقال الشافعي: الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة.
قلت: الامامة في الفقه ودقائقه مسلمة إلى هذا الامام. وهذا أمر لا شك فيه. وليس يصح في الاذهان شئ إذا احتاج النهار إلى دليل.
توفي شهيدا في سنة خمسين ومئة. (من سير أعلام النبلاء للذهبى)
(3) الإمام العلامة فقيه العراقين يعقوب بن إبراهيم الأنصاري الكوفي صاحب أبي حنيفة سمع هشام بن عروة وعطاء بن السائب والطبقة وعنه ابن معين وأحمد وعلي بن الجعد وخلق.
قال المزني: أبو يوسف أتبع القوم للحديث.
وقال ابن معين: ليس في أصحاب الرأي أحد أكثر حديثاً ولا أثبت منه وعنه أيضاً: أبو يوسف صاحب حديث وصاحب سنة.
وقال أبو يوسف: من طلب غرائب الحديث كذب ومن طلب المال بالكيمياء أفلس ومن طلب الدين بالكلام تزندق.
وقال أيضاً: الخصومة والكلام جهل والجهل بالخصومة والكلام علم أسنده في ذم الكلام.
قال أحمد: كان أبو يوسف منصفاً في الحديث.( من لسان الميزان لابن حجر)
(4) محمد بن الحسن الشيباني أبو عبد الله أحد الفقهاء
لينه النسائي وغيره من قبل حفظه يروي عن مالك بن أنس وغيره وكان من بحور العلم والفقه قوياً في مالك .
وهو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني مولاهم الفقيه أبو عبد الله ولد بواسط ونشأ بالكوفة وتفقه على أبي حنيفة رحمة الله عليه .
وسمع الحديث من الثوري ومسعر وعمر بن زر ومالك بن مغول والأوزاعي ومالك بن أنس وزمعة ابن صالح وجماعة وعنه الشافعي وأبو سليمان الجوزجاني وأبو عبيد ابن سلام وهشام وعبيد الله الرازي وعلي بن مسلم الطوسي وغيرهم ولي القضاء أيام الرشيد قال ابن سعد كان أبوه في جند أهل الشام فقدم واسط فولد محمد بها سنة اثنتين وثلاثين ومائة قال ابن عبد الحكم سمعت الشافعي يقول قال محمد بن الحسن أقمت على باب مالك ثلاث سنين وسمعت من لفظه أكثر من سبعمائة حديث وقال ابن المنذر سمعت المزني يقول سمعت الشافعي يقول ما رأيت سميناً أخف روحاً من محمد بن الحسن وما رأيت أفصح منه وقال عباس الدوري عن ابن معين كتبت الجامع الصغير عن محمد بن الحسن وقال الربيع سمعت الشافعي يقول حملت عن محمد وقر بعير (وقر بعير هو ستون صاعا ) كتباً . (من طبقات الحفاظ للسيوطى )
(5) العقيدة هي أساس الدين، وهي مضمون شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والركن الأول من أركان الإسلام، فيجب الاهتمام بها والعناية بها ومعرفتها، ومعرفة ما يخل بها، حتى يكون الإنسان على بصيرة، وعلى عقيدة صحيحة؛ لأنه إذا قام الدين على أساس صحيح صار دينا قيما مقبولا عند الله، وإذا قام على عقيدة مهزوزة ومضطربة، أو عقيدة فاسدة، صار الدين غير صحيح، وعلى غير أساس، ومن ثم كان العلماء -رحمهم الله- يهتمون بأمر العقيدة ولا يفترون في بيانها في الدروس وفي المناسبات، ويرويها المتأخر عن المتقدم.
كان الصحابة -رضي الله عنهم- ليس عندهم أي شك فيما جاء به القرآن وما جاءت به سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فكانت عقيدتهم مبنية على كتاب الله وسنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولا يعتريهم في ذلك شك ولا توقف، فما قاله الله وقاله رسوله صلى الله عليه وسلم اعتقدوه ودانوا به، ولم يحتاجوا إلى كتابة تأليف؛ لأن هذا مسلم به عندهم ومقطوع به وكانت عقيدتهم الكتاب والسنة، ثم درج على ذلك تلاميذهم من التابعين الذين أخذوا عنهم، فلم يكن هناك أخذ ورد في العقيدة، كانت قضية مسلمة، وكان مرجعهم الكتاب والسنة.
فلما ظهرت الفرق والاختلافات، ودخل في الدين من لم ترسخ العقيدة في قلبه، أو دخل في الإسلام وهو يحمل بعض الأفكار المنحرفة، ونشأ في الإسلام من لم يرجع إلى الكتاب ولا إلى السنة في العقيدة، وإنما يرجع إلى قواعد ومناهج أصلها أهل الضلال من عند أنفسهم، عند هذا احتاج أئمة الإسلام إلى بيان العقيدة الصحيحة وتحريرها وكتابتها وروايتها عن علماء الأمة، فدونوا كتب العقائد، واعتنوا بها، وصارت مرجعا لمن يأتي بعدهم من الأمة إلى أن تقوم الساعة.
وهذا من حفظ الله تعالى لهذا الدين، وعنايته بهذا الدين، أن قيض له حملة أمناء يبلغونه كما جاء عن الله وعن رسوله، ويردون تأويل المبطلين وتشبيه المشبهين، وصاروا يتوارثون هذه العقيدة خلفا عن السلف.
ومن جملة السلف الصالح الذين كانوا على الاعتقاد الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين، من جملتهم الأئمة الأربعة الإمام أبو حنيفة، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد، وغيرهم من الأئمة الذين قاموا بالدفاع عن العقيدة وتحريرها، وبيانها وتعليمها للطلاب.
وكان أتباع الأئمة الأربعة يعتنون بهذه العقيدة، ويتدارسونها ويحفظونها لتلاميذهم، وكتبوا فيها الكتب الكثيرة على منهج الكتاب والسنة، وما كان عليه المصطفى، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم والتابعون، وردوا العقائد الباطلة والمنحرفة، وبينوا زيفها وباطلها، وكذلك أئمة الحديث: كإسحاق بن راهويه، والبخاري، ومسلم والإمام ابن خزيمة، والإمام ابن قتيبة، ومن أئمة التفسير: كالإمام الطبري، والإمام ابن كثير، والإمام البغوي، وغيرهم من أئمة التفسير.
وألفوا في هذا مؤلفات يسمونها بكتب السنة، مثل كتاب السنة لابن أبي عاصم، وكتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل، والسنة للخلال، والشريعة للآجري، وغير ذلك. ( من شرح الفوزان على العقيدة الطحاوية )