المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كان منكر الحديث ، مفرطاً في التشيع، كتبوا عنه ضرورة !!!؟



أم علي طويلبة علم
2014-09-05, 03:22 AM
قال محمد بن سعد في خالد بن مخلد الكوفي القطواني : (( كان منكر الحديث ، مفرطاً في التشيع، كتبوا عنه ضرورة )) ، كيف كتبوا عنه ضرورة لمن كان مفرطا في التشيع ومنكر الحديث ؟! ما المراد بالضرورة هنا ؟

هل من ترجمة لابن سعد صاحب كتاب (الطبقات) ؟

أبوعاصم أحمد بلحة
2014-09-05, 06:07 AM
ترجمة ابن سعد صاحب "الطبقات الكبرى":
تهذيب الكمال في أسماء الرجال (25/ 255)
5237 - د: محمد بن سعد بن منيع القرشي. أبو عبد اللهالبصري، مولى بني هاشم، نزيل بغداد، وهو كاتب الواقدي.
روى عن: إسماعيل بن علية، وأبي ضمرة أنس بن عياض، وسفيان بن عيينة، ومحمد بن إسماعيل بن أبي فديك، ومحمد ابن عمر الواقدي، ومعن بن عيسى القزاز، وهشيم بن بشير، والوليد ابن مسلم، وأبي الوليد الطيالسي، وخلق يطول ذكرهم.
روى عنه: أحمد بن عبيد، وأحمد بن يحيى بن جابر البلاذري الكاتب، والحارث بن محمد بن أبي أسامة، والحسين ابن محمد بن عبد الرحمن بن الفهم، وأبو بكر عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا، وآخرون.
قال الحافظ أبو بكر الخطيب: كان من أهل العلم والفضل، وصنف كتابا كبيرا في طبقات الصحابة والتابعين والخالفين إلى وقته فأجاد فيه وأحسن.
وقال أحمد بن كامل القاضي، عن محمد بن موسى: الذين اجتمعت عندهم كتب الواقدي أربعة أنفس: محمد بن سعد الكاتب أولهم.
وقال أيضا: سمعت الحسين بن فهم يقول: كنت عندمصعب الزبيري فمر بنا يحيى بن معين فقال له مصعب: يا أبا زكريا حدثنا محمد بن سعد الكاتب بكذا وكذا، وذكر حديثا، فقال له يحيى: كذب.
قال الحافظ أبو بكر: ومحمد بن سعد عندنا من أهل العدالة، وحديثه يدل على صدقه فإنه يتحرى في كثير من رواياته ولعل مصعبا الزبيري ذكر ليحيى عنه حديثا من المناكير التي يرويها الواقدي فنسبه إلى الكذب. وقد قال ابن أبي حاتم الرازي (2) : سألت أبي عن محمد بن سعد فقال: يصدق رأيته جاء إلى القواريري وسأله عن أحاديث فحدثه.
وقال إبراهيم بن إسحاق الحربي: كان أحمد بن حنبل يوجه في كل جمعة بحنبل بن إسحاق إلى ابن سعد يأخذ منه جزءين من حديث الواقدي ينظر فيهما إلى الجمعة الأخرى ثم يردهما ويأخذ غيرهما. قال إبراهيم: ولو ذهب سمعهما كان خيرا له.
قال محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي: مات سنة ثلاثين ومئتين". وانظر: "تاريخ بغداد" (3/226)، و"تاريخ دمشق" (53/62-66)، و"فيان الأعيان" (4/351-352)، و"تاريخ الإسلام" (5/672)، و"السير" (10/664).

أبوعاصم أحمد بلحة
2014-09-05, 06:20 AM
أما فيما يتعلق بالقطواني ذا:
قال ابن حجر في "هدي الساري": (1/400): "خالد بن مخلد القطواني الكوفي أبو الهيثم، من كبار شيوخ البخاري، روى عنه، وروى عن واحد عنه، قال العجلي: ثقة فيه تشيع، وقال ابن سعد: كان متشيعا مفرطا، وقال صالح جزرة: ثقة إلا أنه كان متهما بالغلو في التشيع، وقال أحمد بن حنبل: له مناكير، وقال أبو داود: صدوق إلا أنه يتشيع، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به.
قلت (ابن حجر): أما التشيع: فقد قدمنا أنه إذا كان ثبت الأخذ والأداء؛ لا يضره، لا سيما ولم يكن داعية إلى رأيه. وأما المناكير: فقد تتبعها أبو أحمد بن عدي من حديثه، وأوردها في كامله، وليس فيها شيء مما أخرجه له البخاري، بل لم أر له عنده من أفراده؛ سوى حديث واحد، وهو حديث أبي هريرة من عادى لي وليًا.. الحديث، وروى له الباقون سوى أبي داود".

أبوعاصم أحمد بلحة
2014-09-05, 06:48 AM
والمقصود بالضروة هنا: هي الإعواز إلى ما عنده-أو من على شاكلته-، من المرويات، إذ لا ضرورة-عندهم-، غيرها، وهي حفظ السنة في الجملة، وما يتفرع عنها من أغراض، مسطورة في الكتبٍ. والرواية عن أهل الابتداع، مبسوطة بشروطها في مظانها من كتب علوم الحديث.
ولقد خرَّج أصحاب الكتب الستة، لما يزيد عن أربعمائة راوٍ، ممن بُدعوا، أو رموا بها، وإنما كان ذلك كذلك؛ لأجل هذا، أي: حفظ السنة، ولو ذلك؛ لتركوا كثيرًا من المرويات، ولم يصلنا منها إلَّا القليل.

أما ما يتعلق بكونه-أي: القطواني-: (منكر الحديث)، فقد أجاب عنه ابن حجر، فيما تقدم نقله عنه.
وقال صاحب الرفع والتكميل" (ص: 201): "وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" في ترجمة عبد الله بن معاوية الزبيري: قولهم "منكر الحديث"؛ لا يعنون به أن كل ما رواه منكر، بل إذا روى الرجل جملة، وبعض ذلك مناكير، فهو منكر الحديث. وقال أيضا في ترجمة احمد بن عتاب المروزي: قال أحمد ابن سعيد بن معدان: شيخ صالح، روى الفضائل والمناكير. قلتُ (أي: الذهبي): ما كل من روى المناكير يضعف انتهى".
ولقولهم: (منكر الحديث)، أو (له مناكير)، أو غير ذلك، مبسوط في مظانه، فليراجعه من شاء.

أبوعاصم أحمد بلحة
2014-09-05, 06:57 AM
وللفائدة:
قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (1/641)، (ترجمة خالد القطواني) -بعد أن ذكر حديث (من عادى لي وليا)، وهو من جملة مفاريد خالد القطواني هذا، وقد خرجه البخاري في "الصحيح"-: "فهذا حديث غريب جدًا، لولا هيبة الجامع الصحيح لعدوه في منكرات خالد بن مخلد، وذلك لغرابة لفظه، ولانه مما ينفرد به شريك، وليس بالحافظ، ولم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد، ولا خرجه من عدا البخاري، ولا أظنه في مسند أحمد".

أبوعاصم أحمد بلحة
2014-09-05, 07:09 AM
وقال العلامة جمال الدين القاسمي في رسالته القيمة "الجرح والتعديل" (ص: 8-9):
"زِيَادَةُ إِيضَاحٍ فِي حِكْمَةِ التَّخْرِيجِ عَنْ المُبَدَّعِينَ وَفَوَائِدُ ذَلِكَ:إنَّ تخريج أئمة السُنَّةِ وحفاظ الهدي النبوي - حديث من نُبِذُوا بالابتداع على طبقاتهم - فيه حكمة بليغة، وفائدة عظيمة، ألا وهي النهم بالعلم، والسعي وراءه والجد في طلبه، والتنبه لحفظه من الضياع، وسن نبذ التعصب، والتشيع والتحزب، والتقاط الحكمة من أي قائل. قال حافظ المغرب الإمام ابن عبد البر في كتاب " جامع العلم وفضله " في (باب جامع في الحال التي تنال بها العلم) ما مثاله:
وروينا عن علي - رَحِمَهُ اللهُ - أنه قال في كلام له: «العلم ضالة المؤمن، فخذوه ولو من أيدي المشركين، ولا يأنف أحدكم أنْ يأخذ الحكمة مِمَّن سمعها منه». وعنه أيضًا أنه قال: «الحكمة ضالة المؤمن يطلبها ولو في أيدي الشرط». اهـ، فأئمة الحديث رأوا أنَّ السُنَّة من الحكمة بل هي الحكمة - في تفسير الإمام الشافعي كما أوضح ذلك في " رسالته "الشهيرة في (باب بيان ما فرض الله من اتباع سُنَّة نبيه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) فلذا عمدوا إلى تلقيها من كل ذي علم، واشترطوا للعناية بها أنْ تكون من مسلم عدل صدوق، ثبْت في روايته، ولم يبالوا بما غُمز أو نُبز أو رُمي به، علمًا بأنَّ المسائل النظرية، أو التي دخل على أصولها تأويل بنظر المأول هي من المجتَهد فيها، والمجتهد مأجور أصاب أو أخطأ، فعلام يُترك الأخذ عن المأجور، وقد يكون رأيه هو الحق، ومذهبه هو الأدق - ما دام الأمر فيه احتمال ولا قاطع، أو اعترض النص ما رجعه ظاهرًا - كما يعلمه من أعار نظر الإنصاف مآخذ الأئمة ومداركهم - وقد أوضح جملاً من ذلك الإمام تقي الدين ابن تيمية في كتاب " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " فكان أئمة الحديث بهذا - أعني التلقي عن كل عالم ثبت - مثال الإنصاف وكبر العقل، وقدوة كل من يلتمس الحكمة، ويتطلب العلم، فجزاهم الله أحسن الجزاء". اهـ
قلتُ: وللقاسمي في رسالته-الآنفة الذكر-، تحرير ماتع في الجرح والتعديل عمومًا، والراوية عن أهل الابتداع خصوصًا، فلتراجع.
ولقد كنت قديمًا شرعتُ في رسالة بعنوان: "الراويةُ عن أهل الابتداع ما بين القبول والامتناع"، فالله المستعان على التمام والإحسان.

أم علي طويلبة علم
2014-09-05, 05:34 PM
...وهو كاتب الواقدي.


ما الفرق بين الكاتب والتلميذ ؟

أبو بكر العروي
2014-09-05, 06:53 PM
ما الفرق بين الكاتب والتلميذ ؟


من بعد إذن أبي عاصم.
بينهما خصوص وعموم. والكاتب يكون في الغالب أشد ملازمة لشيخه من مجرد التلميذ الذي ربما أُطلق عليه هذا الاسم لمجرد مجلس سماع واحد حضره. وكان محمد بن سعد ملازمًا لشيخه في حلّه وترحاله.
وهناك كثير ممن اشتهروا بأسماء مشايخهم لكثرة الملازمة، كعبد الله بن صالح كاتب الليث، ومحمد بن أبان مستملي وكيع، وأبي عمر الزاهد غلام ثعلب؛ بل بعضهم أطلق عليه اسم شيخه من غير إضافة كأبي القاسم الزجّاجي النحوي نسبة إلى أبي إسحاق الزجّاج .
والله تعالى أعلم.

أم علي طويلبة علم
2014-09-05, 08:30 PM
إذن يصح قول : بأن كل كاتب تلميذ ، وليس كل تلميذ كاتب ؟

أبو مالك المديني
2014-09-05, 09:26 PM
بعد إذن الشيخين الكريمين أبي عاصم وأبي بكر العروي ـ نفع الله بهما ـ :
نعم يصح .

أبو مالك المديني
2014-09-05, 10:32 PM
...كتبوا عنه ضرورة ))

ونحوه : فلان ما رويت عنه إلا باضطرار . وظاهر هذا في كليهما الضعف ، إلا أن تأتي قرائن فترجح غير ذلك .

أم علي طويلبة علم
2014-09-05, 11:13 PM
ونحوه : فلان ما رويت عنه إلا باضطرار . وظاهر هذا في كليهما الضعف ، إلا أن تأتي قرائن فترجح غير ذلك .

فهل المراد بـــ( كليهما الضعف ) في الراوي و المروي عنه أم الراوي و الرواية ؟
فهل من يروي عن فلان اضطرارا تعتبر رواياته ضعيفه لأنه يأخذ من غير الثقات ؟!

أبوعاصم أحمد بلحة
2014-09-06, 02:38 PM
فهل المراد بـــ( كليهما الضعف ) في الراوي و المروي عنه أم الراوي و الرواية ؟
فهل من يروي عن فلان اضطرارا تعتبر رواياته ضعيفه لأنه يأخذ من غير الثقات ؟!
جواب شطر سؤالك الأول: الظاهر أن أبا مالك يعني بقوله: "كليهما الضعف"؛ من قيل فيه: (كُتب عنه ضرورة)، أو (وما رويت عنه إلَّا باضطرار)، أي: هاتان العبارتان تشيران إلى ضعفٍ فيه، في الأصل، ما لم تأت قرينة ....
قلتُ: ومن قِيلت فيه هذا؛ فليبحث عن أقوال أهل العلم فيه تفصيلًا، وذلك، لنقف على معنى (الضرورة)، ولماذا قيل فيه هذا، وكذا على مرتبته من العدالة والضبط والإتقان، كما تقدم في حال القطواني ذا، فليست من قِيلت فيه، فهو ضعيفٌ بإطلاق هكذا!
أما جواب شطر سؤالك الثاني: لا. فالقطواني-وقد قيل فيه هذا-، قد روى عنه البخاري وأبو بكر ابن أبي شيبة، وغيرهما من الثقات الأثبات!
ولعل (أبو مالك)، يُشبعنا-كالعادة-، بمعلوماته النفيسة القيمة.

أبو مالك المديني
2014-09-06, 05:09 PM
الظاهر أن أبا مالك يعني بقوله: "كليهما الضعف"؛ من قيل فيه: (كُتب عنه ضرورة)، أو (وما رويت عنه إلَّا باضطرار)، أي: هاتان العبارتان تشيران إلى ضعفٍ فيه، في الأصل، ما لم تأت قرينة ....
نعم ، هذا الذي قصدته ، أحسن الله إليك أبا عاصم الغالي .

أبو مالك المديني
2014-09-06, 05:28 PM
وكم من راوٍ تكلم فيه الحفاظ ، وقد روى عنه الأثبات الكبار ، وقد خرج الشيخان لبعض هؤلاء المتكلم فيهم بالضعف ، لكنهما انتقيا لهم ما صح من حديثهم ، وروى البخاري عن رواة تكلم فيهم وانفرد بالرواية عنهم دون مسلم ، وهم ثمانون رجلا ، والذين انفرد مسلم بالرواية عنهم وضعفوا نحو مائة وستين رجلا ، كما بين الحافظ في مقدمة الفتح .

أبوعاصم أحمد بلحة
2014-09-06, 08:18 PM
بارك الله فيكم جميعًا، ونفع بكم.

أم علي طويلبة علم
2014-09-06, 11:47 PM
جزاكم الله خيرا ونفع بكم الأمة

أبو مالك المديني
2014-09-09, 06:50 PM
آمين ، نفع الله بكم .
ينظر هنا للفائدة : http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=340818

أم علي طويلبة علم
2014-11-02, 11:29 PM
جزاكم الله خيرا

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة :
( وبالجملة مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاسيما غزوات القتال، معروفة، مشهورة، مضبوطة، متواترة عند أهل العلم بأحواله، مذكورة في كتب أهل الحديث والفقه والتفسير والمغازي والسير ونحو ذلك ).

ما هي القواعد الخاصة بعلم المغازي والسير ؟ أي ما الفرق بين علم المغازي والسير وعلم الحديث ؟

أبوعاصم أحمد بلحة
2014-11-03, 07:28 AM
جزاكم الله خيرا

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة :
( وبالجملة مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاسيما غزوات القتال، معروفة، مشهورة، مضبوطة، متواترة عند أهل العلم بأحواله، مذكورة في كتب أهل الحديث والفقه والتفسير والمغازي والسير ونحو ذلك ).

ما هي القواعد الخاصة بعلم المغازي والسير ؟ أي ما الفرق بين علم المغازي والسير وعلم الحديث ؟
لعل هذا يفيدك بإذن الله:
https://www.google.com.eg/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=4&cad=rja&uact=8&ved=0CDUQFjAD&url=http%3A%2F%2Fwww.dr-hakem.com%2FPortals%2FContent% 2F%3Finfo%3DTmpNeEpsTjFZbEJoWj JVbU1RPT0rdQ%3D%3D.jsp&ei=mwJXVPTRKo2xPJPAgKgF&usg=AFQjCNEfWwdNHiuXel8nb23jzh C6A42AKA&sig2=_ggIj5NhxVpFOuzN4GRHAQ

وهذا:
https://www.google.com.eg/url?sa=t&rct=j&q=&esrc=s&source=web&cd=1&cad=rja&uact=8&ved=0CBsQFjAA&url=http%3A%2F%2Fwww.dr-hakem.com%2FPortals%2FContent% 2F%3Finfo%3DTmpNd0psTjFZbEJoWj JVbU1RPT0rdQ%3D%3D.jsp&ei=gwFXVPqaOcTNOL3KgNAO&usg=AFQjCNEmPH3V7foCet8gJyFmn_ ChneXuug&sig2=q_qZK2Drfk_MASoxkXCojg

أبو مالك المديني
2014-11-03, 02:56 PM
بارك الله فيكم .
لعل هذا يفيد بإذن الله .
من كتاب : التقنية الحديثة في خدمة السنة النبوية ـ دراسة تطبيقية على بعض أحاديث الإمام البخاري ، لعبدالله محمد دمفو قال :
يقول الدكتور فاروق حمادة: "ومما ينبغي التنبه له… أن كتب السير ومثلها كتب التاريخ تسوق كل ما ورد في الباب مما صح أو لم يصح من الأخبار لتمحيصه وغربلته لا قطعا منهم بصحته، ولا جزما بصدقه…وفي هذا يقول الحافظ زين الدين العراقي المتوفى 806 ه في فاتحة ألفيته في السيرة النبوية:
وليعلم الطالبُ أنَّ السِّيرا ... تجمع ما صح وما قد أنكرا
والقصد ذكر ما أتى أهل السير ... به وإن إسناده لم يعتبر
ولهذا كان الأئمة عبر العصور يتتبعون ما ورد في كتب السير ويبينون ما فيه من الضعيف والواهي والموضوع"(1). ومعنى ذلك أن منهج النقد الذي وضعه المحدثون، لم يكن له حضور عند أكثر من كتب في السيرة النبوية وتاريخ الإسلام، فكانوا يسوقون الأخبار والروايات من غير نقد ولا تمحيص. ولهذا بقي المحدثون يتتبعون أخبار السيرة النبوية بالنقد والتمحيص ليتميز الصحيح فيها من الضعيف. وبفضل جهود المحدِّثين والاعتماد على مناهجهم أمكن لعلماء الإسلام التمييز بين الصحيح من السيرة النبوية وضعيفها، وذلك لدقة مناهجهم وقوة مسالكهم في النقد. ويمكن بيان منهج المحدِّثين في نقد أخبار السيرة النبوية في الخطوات الآتية:
1- استقصاء مصادر الخبر وطرقه ورواته وألفاظه وصيغه:
إن الناظر في كتب المحدِّثين والمتتبع لتصرفاتهم في التصحيح والتضعيف، يستوقف نظره ولوع علماء الحديث ونقاده بجمع طرق الحديث الواحد واستقصاء الأسانيد التي ورد بها، وحصر طرقه ومخارجه التي أتى منها، وبلغ منهم ذلك أَنْ حَمَلَ بعضَ مَنْ لم يعرف مسلك المحدِّثين على وصفهم بزوامل للأسفار...........

2- تحكيم علم الرجال وقواعد الجرح والتعديل: وهذا أيضا منهج راسخ عند المحدِّثين :
فقد اشترط المحدثون لمن ينظر في الخبر لتحقيقه ومعرفة درجته من حيث الصحة والضعف، أن يستحضر أحوال رواته من جهة العدالة والضبط، ومن جهات أخرى لا صلة لها بالعدالة ولا بالضبط، مثل حياة الراوي، مولدا ووفاة، وبلدا ورحلة وتواريخ ذلك كله. بل إنه في بعض الحالات قد يعرف عدالة الرجل وضبطه، لكنه مع ذلك يحتاج إلى أخباره الأخرى، مثل حاجته إلى معرفة البلاد التي دخلها، ومقامه بين أقرانه وغيره ممن يشاركه في الرواية، وفهمه لهذا الحديث الذي يرويه وعلمه به، والطريقة التي تحمل بها هذا الحديث، وتاريخ سماعه، وتاريخ التحديث به.وكلما توسع الناظر في الحديث في استحضار ذلك، حصلت له فوائد جليلة، .....

ثم قال : فهذه أمثلة من فوائد علم الرجال والجرح والتعديل :
ومعلوم أن المصنفين في السيرة النبوية وفي تاريخ الإسلام من المتقدمين، كانوا يلتزمون بشرط المحدِّثين، وهو النقل بالسند وعزو الروايات إلى مصادرها وبيان مخارجها. ولهذا كانت أخبار السيرة منقولة بأسانيدها، وذلك لبيان رواتها والكشف عن أصحابها. والغاية المرجوة من ذلك هي أن يتمكن الناظر في هذه الأخبار من معرفة درجتها وقيمتها من حيث الصحة والضعف. وإنما يحصل ذلك بتتبع أحوال الرواة في كتب الرجال ومعرفة مراتبهم في الجرح والتعديل. فعلماء الرجال جمعوا أخبار كل من له عناية بالعلم وكل من نقل ولو خبرا واحدا من الحديث أو السيرة النبوية، ودونوا ذلك في كتب الجرح والتعديل. ولهذا فإن من منهج تحقيق أخبار السيرة النبوية الاستعانة بعلم الرجال وتوظيف حقائق الجرح والتعديل. وعلى هذا المسلك يمكن وضع أخبار السيرة في مراتبها، وهذا ما نجده عند من اهتم بالسيرة من المحدِّثين خاصة، فتجدهم يزنون الأخبار اعتماداً على مراتب رجالها وأحوال رواتها. مثال ذلك: خبر ابن عباس : أن خديجة ولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ستة: "عبدالله والقاسم وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، وولدت له ماريا القبطية إبراهيم". فالخبر في سنده أبو شيبة إبراهيم ابن عثمان وهو متروك. وعليه فإن هذا الخبر بحسب ميزان المحدِّثين من الضعيف .

3- ترتيب مصادر الأخبار بحسب قوتها:
من القواعد العلمية التي سار عليها علماء الإسلام وبخاصة المحدِّثون، في تحقيق أخبار السيرة النبوية، تحديد المصادر الصحيحة للسيرة، وتقويم هذه المصادر. فمن المعلوم أن السيرة النبوية قد جمعت في كتب كثيرة، واهتم بها أصناف مختلفة من الباحثين والدارسين: من المفسرين والمحدِّثين ، والمؤرخين والقصاص والأخباريين، وأهل الأدب والسمر… وهذه الكتب ليست في منزلة واحدة من حيث النقد والتمحيص، والمهتمون بها ليسوا كلهم من أهل الأمانة والتحري في النقل.
ولهذا قرر علماء الإسلام أن أعلى المصادر وأوثقها مطلقا هو القرآن الكريم، وقد حوى قدرا غير يسير من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ومغازيه وأحواله وأحوال دعوته. ثم يليه في القوة كتب الحديث ومصادر السنة النبوية، ثم تأتي بعدهما المصادر الأخرى من كتب المغازي والسير وتاريخ الإسلام وغيرها(2). فلابد من مراعاة هذا الترتيب. وبهذا يظهر الانحراف الكبير الذي حصل لكثير من الدارسين في العصر الحاضر في جمعهم أخبار السيرة على غير منهج، ومن غير مراعاة لمكانة المصادر ولا ترتيبها بحسب قوة منهجها. فليس من المنهج العلمي ما سار عليه كثير من المستشرقين، وكثير من المؤرخين العرب والمسلمين المعاصرين، من أخذهم أخبار السيرة النبوية من كتب السير والمغازي فقط دون القرآن الكريم وكتب الحديث والسنة النبوية. فالمنهج السديد والمسلك القويم أن يؤخذ الخبر من القرآن الكريم، ثم من كتب الحديث، ثم من كتب السير والمغازي، ثم من كتب التاريخ العام، ثم يتتبع في سائر الكتب التي يمكن أن تكون مظاناً للسيرة، مثل كتب الأدب ونحوها، مع تقدير كل مصدر حق قدره وإعطائه المكانة التي يستحقها، فبهذا تكتمل صورة الخبر، ويمكن المقارنة بين المصادر من جهة الزيادة والتفصيل، ومن جهة الاختلاف والتعارض إن وجد، فيلجأ إلى الترجيح. فورود الخبر مثلا في صحيح البخاري ليس كوروده في الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني، فصحيح البخاري من أصح كتب الحديث وقد التزم فيه البخاري منهج التحقيق والنقد الحديثي في أعلى درجاته، فجمع الصحيح دون غيره، ولهذا وقع الاتفاق على صحة ما ورد فيه. أما كتاب الأغاني فهو من كتب الأدب، واهتم فيه صاحبه بإمتاع النفوس والأذواق فجمع فيه من الطرف والأخبار ما تغذى به مجالس اللهو ونوادي السمر. ومن كان هذا غرضه فإنه لاشك متساهل في نقد ما ينقله. ومن استحضر حال هذا الكتاب وهو ينظر فيما ورد فيه من الأخبار التاريخية، فإنه يقدر هذه الأخبار حق قدرها، ويتلقاها بمزيد من الحذر وغاية الاحتياط والتحري. ولبيان هذا الجانب في كتاب الأغاني ليعتبر به عند النظر فيه، يقول الدكتور زكي مبارك:" أريد أن أنص على ناحيتين في الأصبهاني وكتابه… وسيكون لهما أثر عظيم في دعوة المؤلفين إلى الاحتياط حين يرجعون إلى كتاب الأغاني يتلمسون الشواهد في الأدب والتاريخ".
أما الناحية الأولى التي ذكرها الدكتور زكي مبارك فهي : أحوال المؤلف صاحب الكتاب أبي الفرج الأصبهاني من جهة خلقه ومنهجه في الحياة، وهذا يدخل في الاعتبار بأحوال صاحب الخبر كما سبق بيانه.
وأما الناحية الثانية فهي أحوال كتاب "الأغاني"، وذلك ما بينه الدكتور زكي مبارك بقوله:"… فهو كتاب أدب لا كتاب تاريخ، وأريد بذلك أن المؤلف أراد أن يقدم لأهل عصره أكبر مجموعة تغذى بها الأندية ومجامع السمر، ومواطن اللهو ومغاني الشراب… ولهذا النحو في التأليف قيمة عظيمة جدا إذا فهمه القارئ على وجهه الصحيح، فهو دليل على خصوبة التصور والخيال، وبرهان على أن كُتَّاب اللغة العربية لم يحرموا من القصص الشائق الخلاب… ولكن الخطر كل الخطر، أن يطمئن الباحثون إلى أن لرواية الأغاني قيمة تاريخية، وأن يبنوا على أساسها ما يشاؤون من حقائق التاريخ"(3).
فهذا مثال لفائدة الاعتبار بقيمة الكتاب ومنهجه ومكانته من جهة التاريخ. ولتيسير هذا العمل على الباحثين في السيرة النبوية، قام أستاذنا الدكتور فاروق حمادة بتقويم الكتب والمصادر التي تضم أخبار السيرة النبوية، وبيان مكانتها التاريخية ليأخذ الناظر ذلك بعين الاعتبار، ورتب هذه المصادر بحسب قوتها ومكانتها ودرجة الوثوق بها، وذلك في كتابه "مصادر السيرة النبوية وتقويمها". ومما قاله في التمهيد: "لذلك فإن عملية تحديد المصادر الأصلية للسيرة النبوية أهم عمل أمام الدارس للسيرة النبوية خصوصا وللإسلام عموما، وتقويم هذه المصادر يعطيه العدة الكافية لتناول السيرة المحمدية نقية من الشوائب، ويطلع على حقيقتها وأبعادها…"(4) وهي إشارة إلى ضرورة استحضار مكانة الكتاب عند أخذ الخبر التاريخي منه، واستحضار موقعه بين سائر الكتب والمصنفات، بحسب منهجه والتزامه الاحتياط في النقل من غير ذلك....إلخ كلامه .
____________
(1) مصادر السيرة النبوية وتقويمها " للدكتور فاروق حمادة ص 104، وانظر "السيرة النبوية الصحيحة" للدكتور أكرم ضياء العمري 1/39-40.
(2) انظر في هذه المصادر كتاب الدكتور فاروق حمادة "مصادر السيرة النبوية وتقويمها".
(3) المصدر السابق ، ص: 132-133.
(4) المصدر السابق ، ص 29 .

أم علي طويلبة علم
2014-11-03, 04:41 PM
جزاكم الله خيرا

أبو مالك المديني
2014-11-03, 05:29 PM
وإياكم أختنا الفاضلة أم علي ، نفع الله بكم .