تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : كَشْفُ الْغِطَاءِ عَنْ هَيْئَةِ النِّزَاعِ



أبو مالك المديني
2014-08-09, 07:33 PM
قال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس ابن تيمية ـ قدس الله روحه ـ في مجموع الفتاوى 21 / 355 وما بعدها :
فَإِنْ قِيلَ : الْوُضُوءُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَالتَّيَمُّمُ لَا يَرْفَعُهُ ؟
قِيلَ : عَنْ هَذَا جَوَابَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ أَوْ لَا يَرْفَعُهُ ؛ فَإِنَّ الشَّارِعَ جَعَلَهُ طَهُورًا عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ يَقُومُ مَقَامَهُ ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ مِنْ أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ مَا يَثْبُتُ لِلْمَاءِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنْ يُقَالَ : قَوْلُ الْقَائِلِ يَرْفَعُ الْحَدَثَ أَوْ لَا يَرْفَعُهُ ، لَيْسَ تَحْتَهُ نِزَاعٌ عَمَلِيٌّ ، وَإِنَّمَا هُوَ نِزَاعٌ اعْتِبَارِيٌّ لَفْظِيٌّ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا : لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ قَالُوا : لَوْ رَفَعَهُ لَمْ يُعِدْ إذَا قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ ، وَقَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ . وَاَلَّذِينَ قَالُوا : يَرْفَعُ الْحَدَثَ إنَّمَا قَالُوا بِرَفْعِهِ رَفْعًا مُؤَقَّتًا إلَى حِينِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ ، فَلَمْ يَتَنَازَعُوا فِي حُكْمٍ عَمَلِيٍّ شَرْعِيٍّ ، وَلَكِنَّ تَنَازُعَهُمْ يَنْزِعُ إلَى قَاعِدَةٍ أُصُولِيَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ ، وَأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ هَلْ تَنْخَرِمُ بِالْمُعَارَضَة ِ وَأَنَّ الْمَانِعَ الْمُعَارِضَ لِلْمُقْتَضِي هَلْ يَرْفَعُهُ أَمْ لَا يَرْفَعُهُ اقْتِضَاؤُهُ مَعَ بَقَاءِ ذَاتِهِ.
وَكَشْفُ الْغِطَاءِ عَنْ هَيْئَةِ النِّزَاعِ : أَنَّ لَفْظَ الْعِلَّةِ يُرَادُ بِهِ الْعِلَّةُ التَّامَّةُ وَهُوَ مَجْمُوعُ مَا يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِحَيْثُ إذَا وُجِدَ وُجِدَ الْحُكْمُ وَلَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ ؛ فَيَدْخُلُ فِي لَفْظِ الْعِلَّةِ عَلَى هَذَا الِاصْطِلَاحِ جَبْرُ الْعِلَّةِ وَشُرُوطُهَا وَعَدَمُ الْمَانِعِ . إمَّا لِكَوْنِ عَدَمِ الْمَانِعِ يَسْتَلْزِمُ وَصْفًا ثُبُوتِيًّا عَلَى رَأْيٍ وَإِمَّا لِكَوْنِ الْعَدَمِ قَدْ يَكُونُ جَبْرًا مِنْ الْمُقْتَضِي عَلَى رَأْيٍ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَتَى تَخَصَّصَتْ وَانْتَقَضَتْ فَوُجِدَ الْحُكْمُ بِدُونِهَا دَلَّ عَلَى فَسَادِهَا ، كَمَا لَوْ عَلَّلَ مُعَلِّلٌ قَصْرَ الصَّلَاةِ بِمُطْلَقِ الْعُذْرِ . قِيلَ لَهُ : هَذَا بَاطِلٌ فَإِنَّ الْمَرِيضَ وَنَحْوَهُ مِنْ أَهْلِ الْأَعْذَارِ لَا يَقْصُرُونَ وَإِنَّمَا يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ خَاصَّةً ، فَالْقَصْرُ دَائِرٌ مَعَ السَّفَرِ وُجُودًا وَعَدَمًا وَدَوَرَانُ الْحُكْمِ مَعَ الْوَصْفِ وُجُودًا وَعَدَمًا دَلِيلٌ عَلَى الْمَدَارِ عَلَيْهِ لِلدَّائِرِ ، وَكَمَا لَوْ عَلَّلَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ بِمُجَرَّدِ مِلْكِ النِّصَابِ قِيلَ لَهُ : هَذَا يَنْتَقِضُ بِالْمِلْكِ قَبْلَ الْحَوْلِ . وَقَدْ يُرَادُ بِلَفْظِ الْعِلَّةِ مَا يَقْتَضِي الْحُكْمَ وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَى ثُبُوتِ شُرُوطٍ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعَ ...

أبو مالك المديني
2014-08-10, 07:43 PM
رحم الله شيخ الإسلام ، فقد كان يكشف الغطاء عن أمور كثيرة ،ويجليها ويوضحها أيما إيضاح وجلاء .

أبو مالك المديني
2014-08-14, 04:44 PM
ومشى على منواله تلميذه العلامة ابن القيم في بدائع الفوائد في عدة مواضع .

أبو مالك المديني
2014-08-14, 04:52 PM
ومشى على منواله تلميذه العلامة ابن القيم في بدائع الفوائد والجواب الكافي في عدة مواضع .
قال في الجواب عن مسألة أخرى : فَصْلٌ: وَكَشْفُ الْغِطَاءِ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ :إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرْسَلَ رُسُلَهُ ، وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ ، وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لِيُعْرَفَ وَيُعْبَدَ [ ص: 128 ] وَيُوَحَّدَ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ، وَالطَّاعَةُ كُلُّهَا لَهُ ، وَالدَّعْوَةُ لَهُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [ سُورَةُ الذَّارِيَاتِ : 56 ] . وَقَالَ تَعَالَى : وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ [ سُورَةُ الْحِجْرِ : 85 ] .
وَقَالَ تَعَالَى : اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [ الطَّلَاقِ : 12 ] .
وَقَالَ تَعَالَى : جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُمَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [ سُورَةُ الْمَائِدَةِ : 97 ] .
فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْقَصْدَ بِالْخَلْقِ وَالْأَمْرِ : أَنْ يُعْرَفَ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ ، وَيُعْبَدَ وَحْدَهُ لَا يُشْرَكَ بِهِ ، وَأَنْ يَقُومَالنَّاسُ بِالْقِسْطِ ، وَهُوَ الْعَدْلُ الَّذِي قَامَتْ بِهِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [ الْحَدِيدِ : 25 ] .
فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ أَرْسَلَ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَهُوَ الْعَدْلُ ، وَمِنْ أَعْظَمِ الْقِسْطِ التَّوْحِيدُ ، وَهُوَ رَأْسُ الْعَدْلِ وَقِوَامُهُ ، وَإِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ، فَالشِّرْكُ أَظْلَمُ الظُّلْمِ ، وَالتَّوْحِيدُ أَعْدَلُ الْعَدْلِ ، فَمَا كَانَ أَشَدَّ مُنَافَاةً لِهَذَا الْمَقْصُودِ فَهُوَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ ، وَتَفَاوُتُهَا فِي دَرَجَاتِهَا بِحَسَبِ مُنَافَاتِهَا لَهُ ، وَمَا كَانَ أَشَدَّ مُوَافَقَةً لِهَذَا الْمَقْصُودِ فَهُوَ أَوْجَبُ الْوَاجِبَاتِ وَأَفْرَضُ الطَّاعَاتِ .
فَتَأَمَّلْ هَذَا الْأَصْلَ حَقَّ التَّأَمُّلِ ، وَاعْتَبِرْ تَفَاصِيلَهُ تَعْرِفْ بِهِ حِكْمَةَ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ، وَأَعْلَمِ الْعَالِمِينَ فِيمَا فَرَضَهُ عَلَى عِبَادِهِ ،

وَحَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ ، وَتَفَاوُتَ مَرَاتِبِ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي ....إلخ