مشاهدة النسخة كاملة : في رحابِ الكُتبِ
علي أحمد عبد الباقي
2014-07-21, 01:26 AM
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على سيِّدِ ولدِ آدمَ وآلِه وصحبِه أجمعينَ.
أمَّا بعدُ: فإنَّ أمتعَ اللحظاتِ التي تمرُّ بي في حياتِي هي تلك التي أقضيها بين الكُتُبِ؛ أدرسُ كتابًا ، أو أتصفَّحُ مقدمةَ كتابٍ أو أنظرُ في فهرسِ محتوياتِه، أو حتَّى بين رفوفِ الكُتُبِ أعيدُ ترتيبَها في أماكنِها، أو أزيلُ عن بعضِها ما عَلِقَ به من غُبارٍ.
وكنتُ في الأيَّامِ القريبةِ الماضيةِ في المرحلةِ الأخيرةِ من كتابةِ رسالةِ الدكتوراه قد وقفتُ نفسي على مجموعةٍ محدَّدةٍ من المصادرِ والمراجعِ حسَب ما اقتضتْه ضرورةُ البحثِ، وبعد أن منَّ اللهُ عليَّ بإنجاز البحثِ ومناقشتِه أحسَستُ بثِقْلٍ ثَقيلٍ قد أُلقِيَ من علَى كاهلي ، وأحسَستُ بشوقٍ إلى باقي الكُتبِ، شأنَ إنسانٍ غابَ عنه بعضُ أولادِه في سَفَرٍ طويلٍ ثمَّ قدِموا عليه جميعًا، فوجد نفسَه مُقبلًا عليهم يُقَبِّلُ هذا ويحتضِنُ ذاك، ويسألُ الكبيرَ عن حالِه والصَّغيرَ عن مآلِه، دون أن يمَلَّ من ذلك أو ينصَبَ.
ولا شكَّ أنَّ الإنسانَ في رحلتِه تلك بين الكُتبِ لا بُدَّ أن يقفَ على فوائدَ ربَّما لا يسعفُه العمرُ بعد ذلك بمراجعةِ كثيرٍ منها، فأحببتُ أن أُسجِّلَ في هذا الموضوعِ ما أقفُ عليه من فوائدَ في رحلتِي بين كُتبي رغبةً في حفظِها وطمعًا في أن يحصلَ لبعضِ إخواني الذين يطالعون هذا الموضوعَ ما حصَلَ لي منها، وأيضًا رغبةً في تحصيلِ مزيدٍ من الفوائدِ بتعليقاتِهم.
فهذا موضوعٌ مفتوح أفرَدتُه لذلك دون قيدٍ أو شرطٍ، واللهَ سبحانه أسألُ أن يرزقَني وإيَّاكم نيَّةً صالحةً وعملًا مقبولًا.
علي أحمد عبد الباقي
2014-07-21, 01:28 AM
فضَّلتُ أن أبدأَ بتذكيرِ نفسي وإخواني ببعض آيات من كتاب الله تعالى على سبيل الاستفتاح ، فخير الكلام كتابُ الله.
( 1 )
قال اللهُ تعالَى:( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّارَزَقْن َاهُمْ يُنْفِقُونَ (*) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (*) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (البقرة : 3 - 5).
أهلُ الفلاحِ هم أهلُ الإيمانِ، فمَن أرادَ أن يُفلِحَ فعليه بالإيمانِ.
علي أحمد عبد الباقي
2014-07-21, 01:56 AM
( 2 )
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (*) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (*) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ (*) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (آل عمران : 102 - 105).
الاجتماعُ على الإسلامِ نعمةٌ ورحمةٌ، والفُرقةُ فيه نِقمةٌ وعذابٌ، فاجتمِعوا يا عبادَ اللهِ على الإسلامِ، فالاجتماعُ عليه كمالُ الدِّينِ وتمامُ النِّعمةِ، والافتراقُ فيه عقوبةٌ وسَخَطٌ من اللهِ؛ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: « لا تختلِفوا ، فإنَّ مَن كان قبلَكم اختلَفوا فهلَكوا ». وفي رواية: «اختلَفوا فأُهْلِكوا». (أخرجه البخاري في صحيحه رقم 2410 ، 3476 ، 5062).
أبو حاتم ابن عاشور
2014-07-21, 02:06 AM
بارك الله فيكم شيخنا الكريم
ونفع الله بعلمكم الإسلام والمسلمين
علي أحمد عبد الباقي
2014-07-21, 04:54 AM
( 3 )
قال تعالى : { قُلْ لَا يَسْتَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (المائدة : 100)
مهما علا الباطلُ وانتفشَ وانتفخَ فإنَّه لا محالةَ زاهقٌ، فلأن تكون في أهلِ الحقِّ وإن كانوا ضعفاءَ، خيرٌ لك من أن تكونَ في أهلِ الباطلِ وإن كان صوتُ الباطلِ عاليًا، فإنَّ أهلَ الحقِّ هم الغالبون وجندَ اللهِ هم المنتصرون.
أبوعاصم أحمد بلحة
2014-07-21, 05:03 AM
نفع الله بكم دكتور علي.
علي أحمد عبد الباقي
2014-07-21, 05:50 AM
الإخوة الأفاضل : أبو حاتم ابن عاشور ، وأبو عاصم ، شكرًا لكما ، وجزاكما الله خيرًا على الدعاء.
علي أحمد عبد الباقي
2014-07-21, 05:51 AM
( 4 )
كنت قد اشتريت منذ فترة كتابًا وجدتُه في سورِ الأزبكية بالقاهرةِ حرسَها اللهُ وأعلَى منارَ السُّنَّةِ فيها عنوانُه «أخبار مصر في سنتين 414 – 415 هـ »، لمحمَّد بن عبيد الله المُسَبِّحيِّ (ت420هـ) ، وكان سبب شرائي للكتاب سؤال دار في رأسي حول سبب تأريخ المصنف لهاتين السنتين على جهة الخصوص ، فلما وقفت على الكتاب أمس ، تبين لي أولًا أن المؤلف = محمَّد بنَ عُبيدِ اللهِ بن أحمد المُسَبِّحيَّ رافضيٌ خبيثٌ مُنجِّمٌ ردئُ الاعتقادِ. ترجمته في «سير أعلام النبلاء» للذهبي (17 /361 – 362) ، وتبيَّن لي من مقدمةِ الكتابِ أنَّ هذا الاسمَ من صُنعِ المُحقِّقِ وأنَّ الكتابَ عبارة عن الجزءِ الأربعين من كتابٍ كبيرٍ في تاريخِ مصر اسمه «أخبارُ مصرَ وفضائلُها وعجائبُها وطرائفُها وغرائبُها وما بها من البقاعِ والآثارِ وسِيرِ مَن حلَّها وحلَّ غيرَها من الولاةِ والأمراءِ والأئمةِ الخُلفاءِ آباءِ أميرِ المؤمنينَ صلواتُ اللهِ عليه وعليهم أجمعين»، لمحمَّدِ بنِ عُبيد اللهِ المُسَبِّحيِّ هذا.
والمقصودُ بأميرِ المؤمنين في هذا العنوانِ هو الحاكم بأمرِ اللهِ الفاطميِّ عليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والنَّاسِ أجمعين.
ومما وقفت عليه من عجائب أهل مصر في هذا الكتاب وعجائب أهل مصر جمَّةٌ أنَّه في يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة أربع عشرة وأربعمئة خُطِب في جامع راشدة على المنبر خطبتين في وقت واحد ، وذلك أنه قد خرج الأمر بالخطبة لخطيبين في وقت واحد على سبيل الخطأ ، فخطب الاثنان على المنبر أحدهما دون الآخر.
والله المستعان وإليه المشتكى.
محمد طه شعبان
2014-07-21, 12:40 PM
وفقكم الله شيخنا الحبيب ونفع بكم
أبو مالك المديني
2014-07-21, 05:05 PM
واصل نفع الله بكم ، ننتظر فوائدكم .
علي أحمد عبد الباقي
2014-07-22, 04:57 AM
( 5 )
مكتبتي مقسَّمةٌ إلى أقسامٍ حسب الفنون والعلوم وترتيب الكتب داخل الأقسام بحسب وفيات المصنفين، و لا أستثني من هذا الترتيب إلا العلماء الكبار أمثال الإمام الشافعي والإمام أحمد وابن تيمية وابن القيم ومن المتأخرين الشيخ ابن باز وابن عثيمين والألباني وأمثالهم، فهؤلاء أجمع مؤلفاتهم في مكان واحد، لذلك أشعر كثيرًا وأنا جالس في مكتبتي مع كتبي وكأن هؤلاء الأعلام حاضرين معي ومن حولي، أسأل الله أن يجمعني وإياهم مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الجنة.
المهم أنَّ أقرب هذه الأقسام إلي مكان جلوسي وهو أقربها إلى قلبي كتب علم أصول الحديث، وقد نظرت فيه اليوم فكان أوَّل ما وقع عليه بصري كتاب (المحدث الفاصل بين الراوي والواعي) للقاضي أبي محمد الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي (ت360هـ)، فتذكرت فائدة عظيمة ذكرها الرامهرمزي في القول في فضل من جمع بين الرواية والدراية (ص309) ذكر ((أن الراوي المجرد عن الفقه والدراية ليس له أن يتعرض لما لا يكمل له فإن تركه ما لا يعنيه أولى به وأعذر له، وكذلك سبيل كل ذي علم )) ، وذكر أن حرب بن إسماعيل الكرماني السِّيرجانيَّ رحمه الله صنف رسالة في (السنة والجماعة) تعجرف فيها ، وكان من نتيجة ذلك أن اعترض عليه بعض الكتبة من أبناء خراسان ممن يتعاطى الكلام ويذكر بالرياسة فيه والتقدم ، فصنف في ثلب رواة الحديث كتابًا تلفظ فيه من كلام يحيى بن معين وابن المديني ومن كتاب التدليس للكرابيسي وتاريخ ابن أبي خيثمة والبخاري ما شنع به على جماعة من شيوخ العلم خلط الغث بالسمين والموثوق بالظنين وادعى دعاوى لم يضبط أكثرها ولا عرف وجوه التصرف فيها).
وهذا المتكلم الذي ذكره الرامهرمزي هو أبو القاسم عبد الله بن أحمد الكعبي البلخي المعتزلي (ت319هـ) وكتابه الذي صنفه في الرد على حرب بن إسماعيل مذكور في ترجمة الكعبي باسم (نقض السِّيرجاني) لكن المواصفات التي ذكرها الرامهرمزي لهذا الرد تنطبق تمامًا على كتاب للكعبي موجود بدار الكتب المصرية بعنوان (قبول الأخبار ومعرفة الرجال) وهو مطبوع بدار الكتب طبعة سيئة ، وقد قمت بنسخه وأعمل الآن على تحقيقه. والظاهر عندي أن كتاب (قبول الأخبار) هو نفسه كتاب (نقض السيرجاني).
أمَّا الفائدة التي أردتُ انتزاعها من كلام الرامهرمزي فملخصها أنَّه لا يحسن بكل أحد أن يتصدر للرد على المبتدعة أو المخالفين للملة الإسلامية ، فإنك إن لم تكن متمكنًا من قطعهم ودحرهم فترك الرد عليهم أولى إنك قد تفسد بذلك من حيث أردت الإصلاح ، فإن ما سماه الرامهرمزي عجرفة من حرب الكرماني كانت سببًا في تأليف الكعبي المعتزلي هذا لكتابٍ من أخبثِ الكتب وأشدِّها في الطَّعنِ على أهل الحديث. والله أعلم.
علي أحمد عبد الباقي
2014-07-24, 06:13 PM
( 6 )
العلمُ لا يورَثُ ولا يُوَرَّثُ
قال الرَّامَهُرمزيّ ُ في «المحدث الفاصل» (ص242): حدَّثنا عبدُ الرَّحمنِ بنُ محمَّدٍ المازنيُّ، ثنا هارونُ الفَرَوِيُّ، حدَّثني أَبي قال: كانَ يحيَى بنُ مالكِ بنِ أنسٍ يدخلُ ويخرجُ، ولا يجلسُ معنا عند أبيه، فكان إذا نظرَ إليه أبوه يقولُ: «هَاه إنَّ ممَّا يُطَيِّبُ نفسِي أنَّ هذا العلمَ لا يُورَثُ، وأنَّ أحدًا لم يخلف أباه في مجلِسِه إلَّا عبدُ الرَّحمنِ بنُ القاسِمِ».
وهذا الأثر رغمَ ضعفِ إسنادِه؛ لأنَّ أبا هارون الفَرَويَّ هو: موسى بن أبي علقمة الفروي، قال عنه الحافظ ابنُ حجر: «مجهول» = إلَّا أن الواقعَ يدلُّ على صِحَّةِ معناه، فإنَّ قلَّةً من أهلِ العلمِ الكِبارِ انتقلَ علمُهم إلى أبنائهم من بعدِهم ، أذكرُ من هؤلاءِ بعد جيلِ الصَّحابةِ:
- سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
- خارجة بن زيد بن ثابت.
- أبو بردة بن أبي موسى الأشعري.
- عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق.
- هشام بن عروة بن الزبير بن العوام.
- محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
- المعتمر بن سليمان التيمي.
- إبراهيم ابن الإمام إسماعيل بن علية. وكان إسماعيل من أئمة السنة أمَّا ولده إبراهيم فكان معتزليًّا ضالًا.
- أحمد ابن الإمام الحافظ أبي خيثمة زهير بن حرب.
- عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل.
- أبو العباس أحمد ابن الشيخ عبد الحليم بن الشيخ عبد السلام ابن تيمية الحراني.
- الحافظ أبو زرعة أحمد بن الحافظ عبد الرحيم بن الحسين العراقي.
هذا مع عدم التتبع ، وأرجو أن يدرج الإخوة الأفاضل ما يمكن استدراكه على ما ذكرته هنا ، ولكم جزيل الشكر مقدَّمًا.
أبو عبد البر طارق
2014-07-24, 07:29 PM
جزاك الله خيرا على الموضوع القيم
لو انك استعملت الألوان و التسطير....لزدت الموضوع بهجة
متابع لفوائدك القيمة
علي أحمد عبد الباقي
2014-07-25, 05:50 AM
جزاك الله خيرا على الموضوع القيم
لو انك استعملت الألوان و التسطير....لزدت الموضوع بهجة
متابع لفوائدك القيمة
جزك الله خيرًا ، وأشرف بمتابعتك ، أحسن الله إليك ، وسأحاول التنسيق قدر الإمكان.
والشكر موصول للأخوين الفاضلين الشيخ أبي مالك المديني والشيخ محمد طه.
علي أحمد عبد الباقي
2014-07-26, 03:49 AM
( 7 )
أجلتُ نظرِي في كُتبِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّةِ – رحمه الله - فاستوقفتْني رسالةٌ كتبَها شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ سنة تسع وتسعين وستمئة (699هـ) عند مُداهمةِ التَّتارِ لبلادِ الشَّام إلى من يصل إليه من المؤمنين والمسلمين.وهذه الرسالة استَلَّها - وطبعها في مكتبة الرضوان بدون تاريخ - الدكتور مجيد الخليفة من (مجموع الفتاوى) و(العقود الدرية)، لابن عبد الهادي وهي في (مجموع الفتاوى) (28/410 – 467 / طبعة مجمع الملك فهد)، وفي (العقود الدرية) (ص173 – 226 – طبعة عالم الفوائد تحقيق الشيخ علي العمران).
فأحببتُ أن أسجِّلَ منها بعضَ الفوائدِ النَّافعةِ التي تمَسُّ الحاجةُ إليها في أيَّامنا هذه، فأقولُ مستعينًا باللهِ:
( 1 )
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ - رحمه الله - : (فإنَّ هذه الفِتْنةَ التي ابتُلِيَ بها المسلمون مع هذا العَدُوِّ المفسدِ الخارجِ عن شريعةِ الإسلامِ: قد جرى فيها شَبِيهٌ بما جرَى للمسلمين مع عدوِّهم على عهدِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في المغازي التي أنزَلَ اللهُ فيها كُتُبَه وابْتلَى بها نبيَّه والمؤمنين: ممَّا هو أُسْوَةٌ لمَن كان يرْجُو اللهَ واليومَ الآخرَ وذكرَ اللهَ كثيرًا إلى يوْمِ القيامةِ؛ فإنَّ نصوصَ الكِتابِ والسُّنَّةِ اللَّذَيْنِ هما دعوةُ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يتناولانِ عمومَ الخلقِ بالعمومِ اللَّفظِيِّ والمعنوِيِّ أو بالعمومِ المعنويِّ). (مجموع الفتاوى) (28/425).
قلت: وذلك يعني أن الحرب بين المسلمين والكفار من الصليبيين والتتار والمغول وغيرهم من أعداء الله ودينه ورسوله فيها شبه بما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع أعداء الإسلام قديمًا ، وكما أدار رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الحرب بالوحي، فإننا يجب أن نديرها في كل زمان ومكان بالوحي أيضًا، بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
( 2 )
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية (18/428) تحزب الناس في تلك الفتنة، فقال - رحمه الله -:
(تحزَّبت النَّاسُ ثلاثةَ أحزابٍ: حِزْبٌ مجتهدٌ في نَصْرِ الدِّينِ، وآخرُ خاذِلٌ له، وآخرُ خارجٌ عن شريعةِ الإسلامِ. وانقسمَ النَّاسُ ما بين مأجورٍ، ومعذُورٍ، وآخرُ قد غرَّه باللهِ الغرورُ. وكان هذا الامتحانُ تمييزًا من اللهِ وتقسيمًا؛ { لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} (الأحزاب : 24).
قلت: وكذلك الناس في كل حرب بين المسلمين والكفار ثلاثة أحزاب لا رابع لها: مجتهد في نصر المسلمين ، أو خاذل لهم ، أو خارج عن شريعتهم.
علي أحمد عبد الباقي
2014-08-03, 04:54 AM
( 8 )
من عجائب ما نُقِل عن شيخِ الإسلامِ تقي الدين أبي العباس ابنِ تيميَّةَ (ت728هـ) - رحمه الله - أنَّه قام بوظائف والده الشيخ شهاب الدين عبد الحليم ابن الشيخ مجد الدين عبد السلام ( ابن تيمية ) بعد وفاة والده ، وعمره إحدى وعشرون سنة ، فدرَّس بدار الحديث السُّكَّريَّة في أوَّل سنة ثلاث وثمانين وستمائة ، وحضر عنده قاضي القضاة بهاء الدين بن الزكي والشيخ تاج الدين الفزاري وزين الدين ابن المرحل وغيرهم ، وجلس عقب ذلك مكان والده بالجامع على منبر أيام الجمع لتفسير القرآن العظيم ، وشرع من أول القرآن ، فكان يورد من حفظه في المجلس نحو كراسين أو أكثر ، وبقِيَ يُفَسِّرُ في سورةِ نوح - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - عدَّة سنين أيَّام الجمع !!!!
(ذيل طبقات الحنابلة)، لابن رجب الحنبلي (4 / 495)، و(الدارس في تاريخ المدارس)، للنعيمي (1 / 76).
أبو وائل الجزائري
2014-08-03, 10:55 AM
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية (18/428) تحزب الناس في تلك الفتنة، فقال - رحمه الله -:
(تحزَّبت النَّاسُ ثلاثةَ أحزابٍ: حِزْبٌ مجتهدٌ في نَصْرِ الدِّينِ، وآخرُ خاذِلٌ له، وآخرُ خارجٌ عن شريعةِ الإسلامِ. وانقسمَ النَّاسُ ما بين مأجورٍ، ومعذُورٍ، وآخرُ قد غرَّه باللهِ الغرورُ. وكان هذا الامتحانُ تمييزًا من اللهِ وتقسيمًا؛ { لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} (الأحزاب : 24).
قلت: وكذلك الناس في كل حرب بين المسلمين والكفار ثلاثة أحزاب لا رابع لها: مجتهد في نصر المسلمين ، أو خاذل لهم ، أو خارج عن شريعتهم.
المصدر : http://majles.alukah.net/t132277/#ixzz39JU0o4Gg (http://majles.alukah.net/#ixzz39JU0o4Gg)
فائدة عظيمة جليلة جزاك الله على نقلها وشاهدها ما يقع في الحرب على المسلمين في غزة الآن ونعوذ بالله من الكون من الحزبين الثاني والثالث.
علي أحمد عبد الباقي
2014-08-07, 02:06 PM
( 9 )
لدي نسخة ناقصة من ديوان ابن الرومي بتحقيق شيخنا الأستاذ الدكتور المحقق حسين محمد نصار – حفظه الله – فتحتها فوقع نظري على مقطوعة شعرية جميلة ، قال ابن الرومي:
الخيرُ مصنوعٌ بصانعِه *** فمتى صَنَعتَ الخيرَ أعقَبَكا
والشَّرُّ مفعولٌ بفاعلِه *** فمتى فعلتَ الشَّرَّ أعطَبَكا
تاللهِ ما ألهبتَ مصطليًا *** إلَّا لنحسٍ فيك ألهبَكا
فاحرِص على ألَّا تُسِيء عسَى *** ألَّا يكونَ النَّحسُ كوكبَكا
واعلم بأنَّ اللهَ مُنتقِمٌ *** فاجعل تُقاةَ اللهِ مهربَكا
لا تحسَبَنَّ اللهَ مُطَّرِحًا *** مَن بِتَّ تضحُك منه حين بكَى
أو يستقيدَ له وينصُرَه *** ويُصِيبَ بالتَّكديرِ مَشْرَبَكا
فأنِبْ إليه تُصِبْك رحمتُه *** وارْهَبْ إذا ما اللهُ أرْهَبكا
ومتى أقالَك فاخْشَ سطوتَه *** فهو القديرُ إذا تَطلَّبكا
لا تُطمِعنَّك فيه رأفتُه *** إنَّ المطامِع تنصِبُ الشَّبكَا
أبوعاصم أحمد بلحة
2014-08-07, 08:47 PM
أنت حد جميل من يومك يا دكتور.
علي أحمد عبد الباقي
2014-08-08, 03:03 PM
جزاك الله خيرًا يا شيخ أحمد ، شكرًا على إحسانك الظن بأخيك ، بارك الله فيك .
أم علي طويلبة علم
2014-08-12, 05:21 AM
( 6 )
العلمُ لا يورَثُ ولا يُوَرَّثُ
قال الرَّامَهُرمزيّ ُ في «المحدث الفاصل» (ص242): حدَّثنا عبدُ الرَّحمنِ بنُ محمَّدٍ المازنيُّ، ثنا هارونُ الفَرَوِيُّ، حدَّثني أَبي قال: كانَ يحيَى بنُ مالكِ بنِ أنسٍ يدخلُ ويخرجُ، ولا يجلسُ معنا عند أبيه، فكان إذا نظرَ إليه أبوه يقولُ: «هَاه إنَّ ممَّا يُطَيِّبُ نفسِي أنَّ هذا العلمَ لا يُورَثُ، وأنَّ أحدًا لم يخلف أباه في مجلِسِه إلَّا عبدُ الرَّحمنِ بنُ القاسِمِ».
وهذا الأثر رغمَ ضعفِ إسنادِه؛ لأنَّ أبا هارون الفَرَويَّ هو: موسى بن أبي علقمة الفروي، قال عنه الحافظ ابنُ حجر: «مجهول» = إلَّا أن الواقعَ يدلُّ على صِحَّةِ معناه، فإنَّ قلَّةً من أهلِ العلمِ الكِبارِ انتقلَ علمُهم إلى أبنائهم من بعدِهم ، أذكرُ من هؤلاءِ بعد جيلِ الصَّحابةِ:
- سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
- خارجة بن زيد بن ثابت.
- أبو بردة بن أبي موسى الأشعري.
- عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق.
- هشام بن عروة بن الزبير بن العوام.
- محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى.
- المعتمر بن سليمان التيمي.
- إبراهيم ابن الإمام إسماعيل بن علية. وكان إسماعيل من أئمة السنة أمَّا ولده إبراهيم فكان معتزليًّا ضالًا.
- أحمد ابن الإمام الحافظ أبي خيثمة زهير بن حرب.
- عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل.
- أبو العباس أحمد ابن الشيخ عبد الحليم بن الشيخ عبد السلام ابن تيمية الحراني.
- الحافظ أبو زرعة أحمد بن الحافظ عبد الرحيم بن الحسين العراقي.
هذا مع عدم التتبع ، وأرجو أن يدرج الإخوة الأفاضل ما يمكن استدراكه على ما ذكرته هنا ، ولكم جزيل الشكر مقدَّمًا.
للرفع
علي أحمد عبد الباقي
2014-08-30, 02:31 AM
وقفت في كتاب "المحن" ، لأبي العرب التميمي (ص425 - طبعة دار الغرب بتحقيق الدكتور يحيى الجبوري) أن ابن سيرين رحمه الله مات مسجونًا في دَيْنٍ لامرأة، وكان الحسن البصري رضي الله عنه قد أوصى أن يصلي عليه ابن سيرين ، فقالوا : نستأذن لك الحاكم فتخرج للصلاة عليه ، فقال: لم يحبسني الحاكم . فاستأذنوا المرأة فأخرجته ، فلما قضى الصلاة على الحسن رجع إلى الحبس ، ومات بعد الحسن بمائة يوم.
وكان سبب حبسه رحمه الله أنه اشترى طعامًا بأربعين ألفًا ، فأخبر عن أصله بشيء كرهه ، فتصدق به وبقي المال عليه فحُبِسَ.
رحم الله أئمة المسلمين !
أبو فراس السليماني
2014-11-09, 03:00 AM
بورك فيكم
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.