المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مدارسة كتاب الصلاة من أخصر المختصرات



محمد طه شعبان
2014-05-26, 10:46 AM
كِتَابُ الصَّلَاةِ
تَجِبُ الْخَمْسُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ، إِلَّا حَائِضًا وَنُفَسَاءَ، وَلَا تَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ وَلَا صَغِيرٍ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، وَعَلَى وَلِيِّهِ أَمْرُهُ بِهَا لِسَبْعٍ، وَضَرْبُهُ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرٍ، وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا إِلَى وَقْتِ الضَّرُورَةِ إِلَّا مِمَّنْ لَهُ الْجَمْعُ بِنِيَّتِهِ، وَمُشْتَغِلٍ بِشَرْطٍ لَهَا يَحْصُلُ قَرِيبًا، وَجَاحِدُهَا كَافِرٌ.

محمد طه شعبان
2014-05-26, 10:51 AM
قوله: (الصَّلَاة): قال ابن قدامة رحمه الله: الصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ الدُّعَاءُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] أَيِ: اُدْعُ لَهُمْ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))»([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وَفِي الشَّرْعِ: عِبَارَةٌ عَنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ مَخْصُوصَةٍ مُفْتَتَحَةٍ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٍ بِالتَّسْلِيمِ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
قوله: (تَجِبُ الْخَمْسُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ): ودليل وجوبها الكتاب والسنة والإجماع.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَهِيَ وَاجِبَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ؛ أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5].
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. مَعَ آيٍ وَأَخْبَارٍ كَثِيرَةٍ.
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِ خَمْسِ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))اهـ.
قوله: (مُكَلَّفٍ): فلا تجب على غير المكلف، والمكلف هو البالغ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)) العاقل، ودليل عدم وجوبها على المكلف؛ حديث عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))».
قوله: (إِلَّا حَائِضًا وَنُفَسَاءَ): فلا تجب الصلاة على الحائض بدليل السنة والإجماع؛ فأما السنة: فَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ، كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ، فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))».
وعن عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ، فَذَلِكَ نُقْصَانُ دِينِهَا([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8))».
وأما الإجماع: فقد قال ابن المنذر رحمه الله: وأجمعوا على إسقاط فرض الصلاة عن الحائض([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
وأما النفساء؛ فعن أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَتِ النُّفَسَاءُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَقْعُدُ بَعْدَ نِفَاسِهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10)).
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11)).
والنفاس في معنى الحيض باتفاق أهل العلم([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)).
إذًا تبين مما تقدم أن شروط وجوب الصلاة ثلاثة:
1- الإسلام.
2- العقل.
3- البلوغ.
فلا تجب على غير مسلم، ولا تجب على مجنون، ولا صغير غير بالغ.
قوله: (وَلَا تَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ وَلَا صَغِيرٍ غَيْرَ مُمَيِّزٍ): لا تصح الصلاة من مجنون؛ لأنه ليس من أهل النية، والصلاة عبادة يُشترط لها النية.
ولا تصح - أيضًا – من صبي غير مميِّز؛ لأنه لا يستطيع أن يميز بين العادة والعبادة؛ ولا تنعقد له نية.
والمميِّز هو من بلغ سِنُّهُ سبع سنين.
ودليل ذلك حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13))».
فمن بلغ سبع سنين فهو مميز، تصح منه الصلاة وغيرها من العبادات([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14)).
وقال بعضهم: التمييز لا يتقيد بسِنٍّ؛ وإنما المميِّز هو مَنْ يفهم الخطاب وَيَرُدُّ الجواب، ويميز العادات عن العبادات؛ وأما ابن سبع فهو الذي يفهم ذلك غالبًا([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15)).
قال المرداوي رحمه الله: ((وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْفَتْحِ فِي ((الْمُطْلِعِ)): هُوَ الَّذِي يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ، وَلَا يَنْضَبِطُ بِسِنٍّ؛ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَفْهَامِ. وَقَالَهُ الطُّوفِيُّ فِي ((مُخْتَصَرِهِ فِي الْأُصُولِ)). قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالِاشْتِقَاقُ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْأَوَّلِ، وَأَنَّ ابْنَ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ يَفْهَمُ ذَلِكَ غَالِبًا([16] (http://majles.alukah.net/#_ftn16))))اهـ.
قوله: (وَعَلَى وَلِيِّهِ أَمْرُهُ بِهَا لِسَبْعٍ، وَضَرْبُهُ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرٍ): ودليل ذلك حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ([17] (http://majles.alukah.net/#_ftn17))».[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) صحيح: أخرجه مسلم (1431).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((المغني)) (1/ 267).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((المبدع شرح المقنع)) (1/ 263)، و((الإنصاف)) (1/ 388)، و((الإقناع)) (1/ 72).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((المغني)) (1/ 267).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) قال المؤلف رحمه الله في (باب الحَجْرِ): ((وبلوغ ذكر: بإمْنَاءٍ أوْ بِتمَام خمس عشرَة سنة أوْ بنبات شعر خشن حول قُبُلِهِ، وأنثى بذلك وبحيض وَحملهَا دَلِيل إِمْنَاء)).
وسيأتي تفصيل ذلك في موضعه إن شاء الله.

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) أخرجه أحمد (956)، وأبو داود (4403)، والترمذي (1423)، وابن ماجه (2042)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (297).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) متفق عليه: أخرجه البخاري (320)، ومسلم (333).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) صحيح: أخرجه البخاري (1951).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) ((الإجماع)) (37).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) أخرجه أحمد (26561)، وأبو داود (311)، والترمذي (139)، وابن ماجه (648)، وصححه الألباني في «صحيح أبي داود» (2/ 117).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) أخرجه الدارمي (997)، وقال حسين أسد: إسناده صحيح.

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (21/ 624).

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) أخرجه أحمد (6689)، وأبو داود (495)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (247).

[14] (http://majles.alukah.net/#_ftnref14))) وصوب هذا القول: برهان الدين ابن مفلح في ((المبدع شرح المقنع)) (1/ 289).

[15] (http://majles.alukah.net/#_ftnref15))) وصوب هذا القول: المرداوي في ((الإنصاف)) (1/ 396).

[16] (http://majles.alukah.net/#_ftnref16))) السابق.

[17] (http://majles.alukah.net/#_ftnref17))) أخرجه أحمد (6689)، وأبو داود (495)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (247).

محمد طه شعبان
2014-05-31, 08:01 AM
قوله: (وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا إِلَى وَقْتِ الضَّرُورَةِ): وتحريم تأخيرها إلى خروج وقتها أشد.
والصلوات التي لها وقت ضرورة في المذهب هي صلاة العصر وصلاة العشاء؛ فلهما وقت اختيار، ووقت ضرورة.
فأما صلاة العصر؛ فوقت الاختيار لها يبدأ من خروج وقت الظهر؛ وذلك حين يكون ظل كل شيء مثله؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلصَّلَاةِ أَوَّلًا وَآخِرًا، وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ...([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))»، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَكُمْ لَيُعَلِّمَكُمْ دِينَكُمْ، فَصَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ، وَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ رَأَى الظِّلَّ مِثْلَهُ ...([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))»، ويستمر وقت الاختيار إلى أن تصفر الشمسُ؛ لحديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «...فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ...([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))».
ويبدأ وقت الضرورة لصلاة العصر من حين اصفرار الشمس إلى قُبيل غروبها؛ ودليل ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))».
قال الشوكاني رحمه الله: ((وَحَدِيثُ «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْعَصْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إدْرَاكَ بَعْضِهَا فِي الْوَقْتِ مُجْزِئٌ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: آخِرُهُ الِاصْفِرَارُ، وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيّ ُ: آخِرُهُ الْمِثْلَانِ، وَبَعْدَهَا قَضَاءٌ.
وَالْأَحَادِيثُ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنَّهُ اسْتَدَلَّ الْإِصْطَخْرِيّ ُ بِحَدِيثِ جِبْرِيلَ السَّابِقِ، وَفِيهِ: «أَنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ عِنْدَ مَصِيرِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ، وَالْيَوْمُ الثَّانِي عِنْدَ مَصِيرِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَيْهِ» وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: «الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ» وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِحَمْلِ حَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَى بَيَانِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ، لَا لِاسْتِيعَابِ وَقْتِ الِاضْطِرَارِ وَالْجَوَازِ، وَهَذَا الْحَمْلُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ نَاسِخَةٌ لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ؛ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ إمْكَانِ الْجَمْعِ، وَكَذَلِكَ لَا يُصَارُ إلَى تَرْجِيحٍ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))))اهـ.
وأما صلاة العشاء؛ فوقت الاختيار لها يبدأ من خروج وقت المغرب، وذلك عند مغيب الشفق الأحمر؛ لِمَا جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: وَكَانُوا يُصَلُّونَ العَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
وفي حديث جبريل عليه السلام في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أوقات الصلاة: ثُمَّ مَكَثَ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ الشَّفَقُ جَاءَهُ فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّ الْعِشَاءَ فَقَامَ فَصَلَّاهَا([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
والشَّفَقُ هُوَ الْحُمْرَةُ الَّتِي تُرَى فِي الْمَغْرِبِ بَعْدَ سُقُوطِ الشَّمْسِ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).
قَالَ مَالِكٌ رحمه الله: الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ الَّتِي فِي الْمَغْرِبِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ الْحُمْرَةُ، فَقَدْ وَجَبَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَخَرَجْتَ مِنْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
وينتهي وقت الاختيار لصلاة العشاء عند منتصف الليل؛ لحديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعِشَاءَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))».
وفي لفظ لمسلم أيضًا: «وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ».
والليل يبدأ من غروب الشمس وينتهي عند طلوع الفجر، فتحديد نصف الليل يكون بحساب الوقت من مغيب الشمس إلى طلوع الفجر، فنصف ما بينهما هو آخر وقت العشاء الاختياري.
وأما وقت الضرورة لصلاة العشاء، فيبدأ من بعد منتصف الليل إلى قُبَيلِ وقت الفجر، لحديث أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وأما وقت الإدراك والضرورة فيمتد إلى طلوع الفجر الثاني لما روى يحيى بن آدم عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال لا يفوت وقت الظهر حتى يدخل وقت العصر ولا يفوت وقت العصر حتى يدخل وقت المغرب ولا يفوت وقت المغرب إلى العشاء ولا يفوت وقت العشاء إلى الفجر.
وروى الخلال أيضًا عن ابن عباس: لا يفوت وقت العشاء إلى الفجر.
وسنذكر إن شاء الله عن عبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة وابن عباس أنهم قالوا في الحائض إذا طهرت قبل طلوع الفجر: صلت المغرب والعشاء.
ولم يُنقل عن صحابي خلافه؛ بل وافقهم التابعون على أن العشاء تجب بالطهر قبل الفجر مع قوله في حديث أبي قتادة لما ناموا: «أما أنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى» رواه أحمد ومسلم وأبو داود؛ فإنه يقتضي امتداد كل صلاة إلى وقت التي تليها؛ وإنما اسْتُثْنِيَ منه الفجرُ لظهور وقتها، وظاهر القرآن في قوله تعالى: {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} وقوله سبحانه: {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} وقوله تعالى: {وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ} يعم ذلك الجملة.
وتأخير الصلاة إلى هذا الوقت لغير عذر لا يجوز كما تقدم في صلاة العصر([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12))))اهـ.
وقال الشوكاني رحمه الله: ((فَالْحَقُّ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ اخْتِيَارِ الْعِشَاءِ نِصْفُ اللَّيْلِ، وَأَمَّا وَقْتُ الْجَوَازِ وَالِاضْطِرَارِ فَهُوَ مُمْتَدٌّ إلَى الْفَجْرِ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِيهِ «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى» فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي امْتِدَادِ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ إلَى دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى إِلَّا صَلَاةَ الْفَجْرِ فَإِنَّهَا مَخْصُوصَةٌ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ بِالْإِجْمَاعِ([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13))))اهـ.
ودليل حرمة التأخير إلى وقت الضرورة؛ حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ؛ يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14))».
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْعَصْرِ عَنْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَخْبَارِ([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15))، وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِمَ ا، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ ، تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ ، يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ، حَتَّى إذَا اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ، فَكَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، أَوْ عَلَى قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، قَامَ، فَنَقَرَ أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا» وَلَوْ أُبِيحَ تَأْخِيرُهَا لَمَا ذَمَّهُ عَلَيْهِ، وَجَعَلَهُ عَلَامَةَ النِّفَاقِ([16] (http://majles.alukah.net/#_ftn16))))هـ.
وكذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يؤخر صلاة العصر والعشاء إلى وقت الضرورة.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَمَا بَعْدَ النِّصْفِ وَقْتُ ضَرُورَةٍ، الْحُكْمُ فِيهِ حُكْمُ وَقْتِ الضَّرُورَةِ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ([17] (http://majles.alukah.net/#_ftn17)))).
قوله: (إِلَّا مِمَّنْ لَهُ الْجَمْعُ بِنِيَّتِهِ، وَمُشْتَغِلٍ بِشَرْطٍ لَهَا يَحْصُلُ قَرِيبًا): أي: ويُسْتَثْنَى من تحريم تأخير الصلاة إلى وقت الضرورة، مَنْ رُخِّص له في الجمع بين الصلاتين لسفر أو غيره. وكذلك مَنْ كان مشتغلًا بتحصيل شرط للصلاة؛ كمن بسُترته خرق، وليس عنده غيرها، واشتغل بخياطته، أو كمشتغل بالوضوء أو الاغتسال، فلا إثم عليه؛ بل ذلك واجب عليه؛ فإن كان تحصيل الشرط بعيدًا بحيث إنه لن يستطيع تحصيله إلا بعد خروج الوقت، صلى على حسب حاله، ولم يؤخر.
قوله: (وَجَاحِدُهَا كَافِرٌ): لأنه جحد معلومًا من الدين بالضرورة.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((فَإِنْ كَانَ جَاحِدًا لِوُجُوبِهَا، نُظِرَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِهِ، وَهُوَ مِمَّنْ يَجْهَلُ ذَلِكَ؛ كَالْحَدِيثِ الْإِسْلَامِ، وَالنَّاشِئِ بِبَادِيَةٍ، عُرِّفَ وُجُوبَهَا، وَعُلِّمَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَجْهَلُ ذَلِكَ؛ كَالنَّاشِئِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى، لَمْ يُعْذَرْ، وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ادِّعَاءُ الْجَهْلِ، وَحُكِمَ بِكُفْرِهِ؛ لِأَنَّ أَدِلَّةَ الْوُجُوبِ ظَاهِرَةٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالْمُسْلِمُون َ يَفْعَلُونَهَا عَلَى الدَّوَامِ، فَلَا يَخْفَى وُجُوبُهَا عَلَى مَنْ هَذَا حَالُهُ، فَلَا يَجْحَدُهَا إِلَّا تَكْذِيبًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ؛ وَهَذَا يَصِيرُ مُرْتَدًّا عَنِ الْإِسْلَامِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الْمُرْتَدِّينَ ، فِي الِاسْتِتَابَةِ وَالْقَتْلِ، وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا([18] (http://majles.alukah.net/#_ftn18))))اهـ.[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) أخرجه أحمد (7172)، والترمذي (151)، وصححه الألباني في ((الصحيحة)) (1696).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه النسائي (502)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (250).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) صحيح: أخرجه مسلم (612).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) متفق عليه: أخرجه البخاري (579)، ومسلم (608).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((نيل الأوطار)) (1/ 378، 379).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) أخرجه البخاري (864).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) أخرجه النسائي (502)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (250).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) ((المصباح المنير)) (317).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) ((الموطأ)) (1/ 12).
قال ابن فارس رحمه الله ((مقاييس اللغة)) (3/ 197، 198): الشِّينُ وَالْفَاءُ وَالْقَافُ، أَصْلٌ وَاحِدٌ، يَدُلُّ عَلَى رِقَّةٍ فِي الشَّيْءِ؛ وَمِنْهُ الشَّفَقُ: الَّتِي تُرَى فِي السَّمَاءِ عِنْدَ غُيُوبِ الشَّمْسِ، وَهِيَ الْحُمْرَةُ. وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِلَوْنِهَا وَرِقَّتِهَا.
وقال الجوهري في ((الصحاح)) (4/ 1501): ((الشَفَقُ: بقيَّة ضوء الشمس وحُمْرَتِها في أول الليل إلى قريبٍ من العَتَمة. وقال الخليل: الشَفَقُ: الحمرةُ من غُروب الشمس إلى وقت العِشاء الآخِرة، فإذا ذهب قيل: غاب الشفق. وقال الفراء: سمعتُ بعض العرب يقول: عليه ثوبٌ كأنَّه الشَفَقُ، وكان أحمرَ)).
وقال الفيومي في ((المصباح المنير)) (317): ((وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى وَقْتِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، ثُمَّ يَغِيبُ وَيَبْقَى الشَّفَقُ الْأَبْيَضُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ الَّتِي تُرَى فِي الْمَغْرِبِ بَعْدَ سُقُوطِ الشَّمْسِ)).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) صحيح: أخرجه مسلم (612).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) صحيح: أخرجه مسلم (681).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) ((شرح عمدة الفقه)) (1/ 179، 180).

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) ((نيل الأوطار)) (2/ 16).
وقد ذهب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله إلى أن العشاء لها وقت واحد، إلى منتصف الليل، وليس لها وقت ضرورة.
قال رحمه الله ((الشرح الممتع)) (2/ 114، 115): ((والدَّليل على أنَّ آخر وقتها إلى طلوع الفجر قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «ليس في النَّوم تفريط، إنَّما التفريط على من أخَّرَ الصَّلاة حتى يدخل وقتُ الصَّلاة الأُخرى». قالوا: فهذا دليل على أن أوقات الصَّلاة مُتَّصِلة، وإذا كان كذلك فآخِرُ وقتِ العشاء الآخرة وقتُ طلوع الفجر.
ولكن هذا ليس فيه دليل؛ لأن قوله: «إنما التفريط على من أخَّرَ الصَّلاة حتى يدخل وقتُ الصَّلاة الأُخرى» ، يعني: فيما وقتاهما متَّصل، ولهذا لا يدخل فيه صلاة الفجر مع صلاة الظُّهر بالإجماع، فإن صلاة الفجر لا يمتدُّ وقتُها إلى صلاة الظُّهر بالإجماع. وإذا لم يكن في هذا الحديث دليل؛ فالواجب الرُّجوع إلى الأدلَّة الأخرى، والأدلَّة الأخرى ليس فيها دليل يدلُّ على أن وقت العشاء يمتدُّ إلى طلوع الفجر، بل حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وحديث جبريل، يدلاَّن على أن وقت العشاء ينتهي عند منتصف الليل ... فالصَّواب إذًا: أنَّ وقت العِشَاء إلى نصف الليل))اهـ.

[14] (http://majles.alukah.net/#_ftnref14))) صحيح: أخرجه مسلم (622).

[15] (http://majles.alukah.net/#_ftnref15))) يعني قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ».

[16] (http://majles.alukah.net/#_ftnref16))) ((المغني)) (1/ 237).

[17] (http://majles.alukah.net/#_ftnref17))) ((المغني)) (1/ 279).

[18] (http://majles.alukah.net/#_ftnref18))) ((المغني)) (2/ 329).

محمد طه شعبان
2014-06-01, 01:05 PM
فَصْلٌ

الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ فَرْضَا كِفَايَةٍ عَلَى الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الْمُقِيمِينَ لِلْخَمْسِ الْمُؤَدَّاةِ، وَالْجُمُعَةِ.
وَلَا يَصِحُّ إِلَّا مُرَتَّبًا مُتَوَالِيًا مَنْوِيًّا، مِنْ ذَكَرٍ مُمَيَّزٍ عَدْلٍ، وَلَوْ ظَاهِرًا، وَبَعْدَ الْوَقْتِ لِغَيْرِ فَجْرٍ.
وَسُنَّ كَوْنُهُ صَيِّتًا، أَمِينًا، عَالِمًا بِالْوَقْتِ.
وَمَنْ جَمَعَ أَوْ قَضَى فَوَائِتَ، أَذَّنَ لِلْأُولَى، وَأَقَامَ لِكُلِّ صَلَاةٍ.
وَسُنَّ لِمُؤَذِّنٍ وَسَامِعِهِ: مُتَابَعَةُ قَوْلِهِ سِرًّا؛ إِلَّا فِي الْحَيْعَلَةِ، فَيَقُولُ الْحَوْقَلَةَ، وَفِي التَّثْوِيبِ: صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ فَرَاغِهِ، وَقَوْلُ مَا وَرَدَ وَالدُّعَاءُ.
وَحَرُمَ: خُرُوجٌ مِنْ مَسْجِدٍ بَعْدَهُ بِلَا عُذْرٍ أَوْ نِيَّةِ رُجُوعٍ.

محمد طه شعبان
2014-06-02, 07:27 PM
قال برهان الدين ابن مفلح رحمه الله: ((الْأَذَانُ: هُوَ فِي اللُّغَةِ: الْإِعْلَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] أَيْ: إِعْلَامٌ، وَقَوْلِهِ {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] أَيْ: أَعْلِمْهُمْ.
يُقَالُ: أَذَّنَ بِالشَّيْءِ يُؤَذِّنُ أَذَانًا وَتَأْذِينًا، وَأَذِينًا عَلَى وَزْنِ رَغِيفٍ: إِذَا أَعْلَمَ بِهِ، وَهُوَ اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْأُذُنِ، وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ كَأَنَّهُ يُلْقِي فِي آذَانِ النَّاسِ مَا يُعْلِمُهُمْ بِهِ.
وَفِي الشَّرْعِ: الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ قُرْبِهِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)) بِذِكْرٍ مَخْصُوصٍ.
وَالْإِقَامَةُ: هِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ أَقَامَ؛ وَحَقِيقَتُهُ: إِقَامَةُ الْقَاعِدِ.
وَفِي الشَّرْعِ: الْإِعْلَامُ بِالْقِيَامِ إِلَيْهَا بِذِكْرٍ مَخْصُوصٍ؛ كَأَنَّ الْمُؤَذِّنَ أَقَامَ الْقَاعِدِينَ، وَأَزَالَهُمْ عَنْ قُعُودِهِمْ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
قوله: (الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ فَرْضَا كِفَايَةٍ): ودليل ذلك حديث مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ رضي الله عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلَى أَهَالِينَا، قَالَ: «ارْجِعُوا، فَكُونُوا فِيهِمْ، وَعَلِّمُوهُمْ، وَصَلُّوا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))».
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ، وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ، إِلَّا الإِقَامَةَ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))».
فهذان الحديثان فيهما الأمر بالأذان والإقامة؛ فدل ذلك على فرضيتهما.
والأمر فيهما موجه إلى واحد فقط، وليس لجميع الحاضرين؛ فدل على أنهما فرضا كفاية.
قوله: (عَلَى الرِّجَالِ): أي: أنهما فرضان على الرجال.
وخرج به النساء؛ فلا يجب عليهن الأذان بالإجماع، وكذلك لا يصح منهما.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَأَنَسٌ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ... وَلِأَنَّ الْأَذَانَ فِي الْأَصْلِ لِلْإِعْلَامِ، وَلَا يُشْرَعُ لَهَا ذَلِكَ، وَالْأَذَانُ يُشْرَعُ لَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ، وَلَا يُشْرَعُ لَهَا رَفْعُ الصَّوْتِ، وَمَنْ لَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِ الْأَذَانُ لَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِ الْإِقَامَةُ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))))اهـ.
وكذلك خرج به الصبيان غير البالغين؛ فلا يجب عليهم الأذان؛ لأنهم ليسوا من أهل التكليف.
وهل يُشرع للمرأة أن تؤذن وتقيم للنساء؟
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَهَلْ يُسَنُّ لَهُنَّ ذَلِكَ؟ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ: إنْ فَعَلْنَ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْنَ فَجَائِزٌ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)))).
واستدلوا على جواز ذلك بما ورد عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا كَانَتْ تُؤَذِّنُ وَتُقِيمُ وَتَؤُمُّ النِّسَاءَ وَتَقُومُ وَسْطَهُنَّ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
وَعَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما، هَلْ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ؟ فَغَضِبَ، وَقَالَ: أَنَا أُنْهِي عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).
قوله: (الْأَحْرَارِ): أي: من شروط وجوب الأذان الحرية؛ فلا يجب على العبيد، قالوا: لأنه فرض كفاية، وفرض الكفاية لا يلزم الرقيق؛ لاشتغالهم بخدمة مالكهم([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
وفي رواية عن أحمد أنه يجب على كل رجل عاقل يريد الصلاة([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))؛ فَلَمْ يفرق بين الأحرار والعبيد؛ وهو الصواب؛ لعموم حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11)).
قوله: (الْمُقِيمِينَ): أي: أن الأذان والإقامة فرضان على المقيمين دون المسافرين، قالوا: لأن الأذان إنما شرع في الأصل للإعلام بالوقت؛ ليجتمع الناس إلى الصلاة، ويدركوا الجماعة؛ وهذا غير موجود في السفر([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)).
والصحيح- وهو رواية أخرى عن أحمد([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13)) – أن على المسافرين أذانًا وإقامةً أيضًا، وهو ما دلت عليه السُّنَّةُ، ورجحه ابن قدامة، وبرهان الدين ابن مفلح([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14))، وابن عثيمين([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15))، وغيرهم.
قال ابن قدامة رحمه الله: ويشرع الأذان في السفر للراعي وأشباهه، في قول أكثر أهل العلم [ ثم ذكر الخلاف في ذلك] ثم قال: ولنا، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤذن له في الحضر والسفر، وأمر به مالك بن الحويرث وصاحبه([16] (http://majles.alukah.net/#_ftn16)).
فأمر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مالك بن الحويرث وصحبِه إذا حضرت الصَّلاةُ أن يؤذِّن لهم أحدُهُم، وهم وافدون على الرَّسول صلى الله عليه وسلم مسافرون إلى أهليهم([17] (http://majles.alukah.net/#_ftn17)).
وأدلة ذلك من السُّنُّة – أيضًا -:
حديث أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه، قَالَ: سِرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً، فَقَالَ: بَعْضُ القَوْمِ: لَوْ عَرَّسْتَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنِ الصَّلَاةِ» قَالَ بِلاَلٌ: أَنَا أُوقِظُكُمْ، فَاضْطَجَعُوا، وَأَسْنَدَ بِلاَلٌ ظَهْرَهُ إِلَى رَاحِلَتِهِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَالَ: «يَا بِلَالُ، أَيْنَ مَا قُلْتَ؟» قَالَ: مَا أُلْقِيَتْ عَلَيَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا عَلَيْكُمْ حِينَ شَاءَ، يَا بِلَالُ، قُمْ فَأَذِّنْ بِالنَّاسِ بِالصَّلَاةِ» فَتَوَضَّأَ، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ وَابْيَضَّتْ، قَامَ فَصَلَّى([18] (http://majles.alukah.net/#_ftn18)).
وفي لفظ لمسلم: ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ.
وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَعْجَبُ رَبُّكُمْ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةٍ بِجَبَلٍ، يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ، وَيُصَلِّي، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ، وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ، يَخَافُ مِنِّي، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ([19] (http://majles.alukah.net/#_ftn19))».[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) المقصود بقوله: (أو قربه): الأذان الأول لصلاة الفجر خاصة، وأما غيره فلا يكون إلا بعد دخول الوقت.

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((المبدع شرح المقنع)) (1/ 272).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) متفق عليه: أخرجه البخاري (628)، ومسلم (674).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) متفق عليه: أخرجه البخاري (605)، ومسلم (378).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((المغني)) (1/ 306).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) السابق.

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) أخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (5016)، وابن أبي شيبة (2322)، والحاكم في ((المستدرك)) (730)، والبيهقي في ((الكبير)) (1922)، وقواه الألباني بمجموع طرقه في ((تمام المنة)) (153).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (2324)، وابن المنذر في ((الأوسط)) (1219)، وقال الألباني في ((تمام المنة)) (153): ((إسناده جيد)).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) ((شرح منتهى الإرادات)) (1/ 131).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) ((المبدع في شرح المقنع)) (1/ 275).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) انظر: ((حاشية الروض المربع))، لعبد الرحمن بن محمد بن قاسم النجدي (1/ 430).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) انظر: ((المغني)) (1/ 303).

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) ذكرها برهان الدين ابن مفلح في ((المبدع)) (1/ 275).

[14] (http://majles.alukah.net/#_ftnref14))) السابق.

[15] (http://majles.alukah.net/#_ftnref15))) ((الشرح الممتع)) (2/ 44).

[16] (http://majles.alukah.net/#_ftnref16))) ((المغني)) (1/ 305).

[17] (http://majles.alukah.net/#_ftnref17))) ((الشرح الممتع)) (2/ 44).

[18] (http://majles.alukah.net/#_ftnref18))) متفق عليه: أخرجه البخاري: (595)، ومسلم (681).

[19] (http://majles.alukah.net/#_ftnref19))) أخرجه أحمد (17312)، وأبو داود (1203)، والنسائي (666)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (214).

رضا الحملاوي
2014-06-03, 12:38 PM
جزاكم الله خيراً يا شيخ محمد

محمد طه شعبان
2014-06-03, 01:30 PM
جزاكم الله خيراً يا شيخ محمد
وجزاكم مثله يا دكتور رضا

محمد طه شعبان
2014-06-03, 02:44 PM
حمل كتاب الطهارة pdf من هنا
حمل ألخص العبارات على متن أخصر المختصرات (كتاب الطهارة)pdf (http://majles.alukah.net/attachment.php?attachmentid=96 77&d=1401794949)

محمد طه شعبان
2014-06-05, 07:08 AM
ودليل عدم وجوبها على المكلف
الصواب: ودليل عدم وجوبها على غير المكلف

محمد طه شعبان
2014-06-05, 09:19 AM
قوله: (لِلْخَمْسِ الْمُؤَدَّاةِ، وَالْجُمُعَةِ): أي: أن الأذان والإقامة مشروعان للصلوات الخمس المؤداة وصلاة الجمعة، وهذا متفق عليه.
وخرج بهذا الكلام:
أولًا: بقية الصلوات غير الصلوات الخمس والجمعة؛ فلا يُشرع الأذان والإقامة لمنذورة ولا نافلة، ولا جنازة، ولا استسقاء، ولا تراويح، ولا عيد، ونحو ذلك؛ وذلك لأنه لَمْ يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أذن وأقام لهذه الصلوات؛ بل نُقل عنه صلى الله عليه وسلم خلافُ ذلك؛ فَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنهما، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيدَيْنِ، غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ، بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
ثانيًا: خرج به الصلوات المقضية؛ فلا يجب لها الأذان؛ وإنما يُسَنُّ.
قال البهوتي رحمه الله: ((وَالْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ مَسْنُونَانِ لِقَضَاءِ فَرِيضَةٍ مِنَ الْخَمْسِ، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَنَامَ، عَنِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «تَنَحَّوْا عَنْ هَذَا الْمَكَانِ»، قَالَ: ثُمَّ أَمَر بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ تَوَضَّئُوا وَصَلَّوْا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الصُّبْحِ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))
قلت: والحديث يدل على الوجوب، وليس الاستحباب فحسب، وهو ما رجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
قال ابن عثيمين رحمه الله: ((والصَّواب: وجوبهما للصَّلوات الخمس المؤدَّاة والمقضيَّة، ودليله: أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لمَّا نام عن صلاة الفجر في سفره، ولم يستيقظ إلا بعد طُلوع الشَّمس؛ أمر بلالًا أن يُؤذِّنَ وأن يُقيمَ، وهذا يَدلُّ على وجوبهما، ولعموم قول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))»، فإنه يشمل حضورَها بعد الوقت وفي الوقت؛ ولكن إذا كان الإنسان في بلد قد أُذِّنَ فيه للصَّلاة، كما لو نام جماعةٌ في غرفة في البلد؛ ولم يستيقظُوا إلا بعد طلوع الشَّمس؛ فلا يجب عليهم الأذان اكتفاءً بالأذان العام في البلد؛ لأنَّ الأذان العام في البلد حصل به الكفاية وسقطت به الفريضةُ، لكن عليهم الإقامة([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))))اهـ.[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) صحيح: أخرجه مسلم (887).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه أحمد (22480)، وأبو داود (444)، وصحح إسناده الألباني في ((صحيح أبي داود)) (2/ 340).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((كشف القناع)) (1/ 232).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) متفق عليه: أخرجه البخاري (628)، ومسلم (674).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((الشرح الممتع)) (2/ 46).

محمد طه شعبان
2014-06-05, 09:22 AM
قوله: (وَلَا يَصِحُّ إِلَّا مُرَتَّبًا): هذا هو الشرط الأول من شروط صحة الأذان، أن يكون مرتبًا؛ أي: بحسب الترتيب الذي جاء في الشرع.
فَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدِ رضي الله عنه، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ بَيْنَا أَنَا بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ رَأَيْتُ شَخْصًا عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ قَائِمٌ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، مَرَّتَيْنِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، مَرَّتَيْنِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ أَمْهَلَ هُنَيَّةً، ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ مِثْلَهَا، إِلَّا أَنَّهُ زَادَ بَعْدَ مَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقِّنْهَا بِلَالًا» فَأَذَّنَ بِهَا بِلَالٌ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
وَعَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ رضي الله عنه، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ هَذَا الْأَذَانَ: «اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ»، ثُمَّ يَعُودُ فَيَقُولُ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ إلَّا مُرَتَّبًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ يَخْتَلُّ بِعَدَمِ التَّرْتِيبِ، وَهُوَ الْإِعْلَامُ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُرَتَّبًا، لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ أَذَانٌ، وَلِأَنَّهُ شُرِعَ فِي الْأَصْلِ مُرَتَّبًا، وَعَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا مَحْذُورَةَ مُرَتَّبًا([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))))اهـ.
وقال ابن عثيمين رحمه الله: ((لا يصحُّ الأذان إلا مرتَّبًا؛ والترتيب أن يبدأ بالتكبير، ثم التَّشهُّد، ثم الحيعلة، ثم التَّكبير، ثم التَّوحيد؛ فلو نَكَّسَ لم يجزئ.
والدَّليل: أنَّ الأذان عبادة وردت على هذه الصِّفة؛ فيجب أنْ تُفعَلَ كما وردت؛ لقول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))اهـ.
وقد أجمعوا على أن الأذان لا يصح إلا مرتبًا([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
قوله: (مُتَوَالِيًا): هذا هو الشرط الثاني، أن يكون متواليًا.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ((يعني: بحيث لا يَفْصِلُ بعضَه عن بعض؛ فإن فَصَلَ بعضَه عن بعض بزمن طويل لَمْ يجزئ؛ فلا بُدَّ أن يكون متواليًا؛ لأنَّه عبادة واحدة، فلا يصحُّ أن تتفرَّق أجزاؤها، فإن حَصَل له عُذر مثل إن أصابه عُطاس أو سُعَال، فإنه يبني على ما سبق؛ لأنه انفصل بدون اختياره([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))))اهـ.
قوله: (مَنْوِيًّا): فالنية هي الشرط الثالث من شروط صحة الأذان؛ لأن الأذان عبادة فلا يصح إلا بنية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»؛ فلو أذن بغير نية لَمْ يصِح أذانه.
قوله: (مِنْ ذَكَرٍ): هذا هو الشرط الرابع؛ أن يكون المؤذن ذكرًا؛ فلا يصح أذان المرأة، ولا الخنثى؛ لأنه لا يعلم كونه رجلًا([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَأَنَسٌ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ... وَلِأَنَّ الْأَذَانَ فِي الْأَصْلِ لِلْإِعْلَامِ، وَلَا يُشْرَعُ لَهَا ذَلِكَ، وَالْأَذَانُ يُشْرَعُ لَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ، وَلَا يُشْرَعُ لَهَا رَفْعُ الصَّوْتِ، وَمَنْ لَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِ الْأَذَانُ لَا يُشْرَعُ فِي حَقِّهِ الْإِقَامَةُ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8))))اهـ.
قوله: (مُمَيِّزٍ): هذا هو الشرط الخامس؛ أن يكون المؤذن مميِّزًا؛ فلا يصح الأذان من غير مميِّز بإجماع أهل العلم([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
ولا يُشتَرط له البلوغ؛ بل يكفي التمييز؛ لأن المميز تصح إمامته؛ فمن باب أَوْلى أن يصح أذانه.
قوله: (عَدْلٍ، وَلَوْ ظَاهِرًا): هذا هو الشرط السادس؛ أن يكون المؤذن عدلًا، ولو في الظاهر؛ وأما السرائر فهي لله تعالى.
وخرج به الكافر؛ فإنه غير عدل، ولا يصح أذانه؛ لأن الأذان عبادة فلا تقبل من كافر؛ قال تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة: 54]؛ فإن كان الله تعالى لم يقبل منهم النفقات التي نفعها متعدٍّ، فعدم قبول العبادات المحضة من باب أَولى.
وخرج به – أيضًا – المجنون؛ فالمجنون غير عدل؛ ولا يصح أذانه؛ لأنه مرفوع عنه التكليف.
وخرج به أيضًا الفاسق الظاهر فسقه؛ فلا يصح أذانه؛ قال البهوتي رحمه الله: لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ الْمُؤَذِّنِينَ بِالْأَمَانَةِ، وَالْفَاسِقُ غَيْرُ أَمِينٍ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10)).
فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللَّهُمَّ أَرْشِدِ الأَئِمَّةَ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِين َ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))».
وهناك وجه آخر في المذهب([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)) أن الأذان يصح من الفاسق، وظاهر كلام ابن قدامة رحمه الله ترجيح هذا الوجه.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَجْهَيْنِ فِي الْفَاسِقِ ... وَلَا خِلَافَ فِي الِاعْتِدَادِ بِأَذَانِ مَنْ هُوَ مَسْتُورُ الْحَالِ؛ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَنْ هُوَ ظَاهِرُ الْفِسْقِ؛ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ عَدْلًا أَمِينًا بَالِغًا؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَغُرَّهُمْ بِأَذَانِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ يُؤَذِّنُ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ، فَلَا يُؤْمَنُ مِنْهُ النَّظَرُ إِلَى الْعَوْرَاتِ([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13))))اهـ.
وظاهر كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ترجيح هذا الوجه أيضًا.
قال رحمه الله: ((والرواية الثانية عن الإمام أحمد صحَّة أذان الفاسق؛ لأن الأذان ذِكْرٌ؛ والذِّكْرُ مقبولٌ من الفاسق؛ لكن لا ينبغي أن يتولَّى الأذان والإقامة إلا من كان عدلًا([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14))))اهـ.
وأما قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ»؛ أي: مؤتمن على الوقت.
قوله: (وَبَعْدَ الْوَقْتِ لِغَيْرِ فَجْرٍ): هذا هو الشرط السابع من شروط صحة الأذان؛ أن يكون بعد دخول الوقت؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15))».
ولأنه شُرِعَ للإعلام بدخول الوقت، وهو حث على الصلاة، فلم يصح في وقت لا تصح فيه؛ لئلا يذهب مقصوده([16] (http://majles.alukah.net/#_ftn16)).
واسْتُثنِيَ من ذلك صلاة الفجر، فلها أذانان: أذان قبل الوقت وأذان بعده؛ ودليل ذلك حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ([17] (http://majles.alukah.net/#_ftn17))».
ولأنه وقت النوم فيحتاج إلى التأذين قبل الوقت، لينتبه النائم ويتأهب للصلاة، بخلاف سائر الصلوات.
قال ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا على أن من السنة: أن يؤذَّن للصلاة بعد دخول وقتها إلا الصبح([18] (http://majles.alukah.net/#_ftn18)))).[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) أحرجه أحمد (22124)، وأبو داود (507)، والبيهقي في ((الكبير)) (1838)، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (2/ 429).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) صحيح: أخرجه مسلم (379).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((التلخيص الحبير)) (1/ 495): ((وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: الصَّحِيحُ فِي هَذَا تَرْبِيعُ التَّكْبِيرِ، وَقَدْ يَقَعُ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ بِتَرْبِيعِ التَّكْبِيرِ، وَهِيَ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تُعَدَّ فِي الصَّحِيحِ))اهـ.

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((المغني)) (1/ 309).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الشرح الممتع)) (2/ 68).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) انظر: ((الإنصاف)) (1/ 418).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((الشرح الممتع)) (2/ 69).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) ((المغني)) (1/ 300).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) ((المغني)) (1/ 306).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) انظر: ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (2/ 367).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) ((شرح منتهى الإرادات)) (1/ 136)، و((كشف القناع عن متن الإقناع)) (1/ 236).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) أخرجه أحمد (7169)، وأبو داود (517)، والترمذي (207)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (217).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) فقيل: هما وجهان. كما ذكر ابن قدامة. وقيل: روايتان. وذكر ذلك ابن تيمية وغيره، ورجحه المرداوي في ((الإنصاف)) (1/ 424)، قال: ((حكى الخلاف وجهين صاحب الهداية، والمستوعِب، والمذهب والمصنف والمجد، وغيرهم، وحكاه روايتين في الخلاصة، والرعايتين، والحاويين والفروع، والشيخ تقي الدين، وغيرهم، وهو الصواب)).
وقد جاء في ((مسائل أبي داود)) (43): سمعت أحمد، سُئِلَ عن المؤذن يَسْكَر؟ قال: ينحى.

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) ((المغني)) (1/ 300).

[14] (http://majles.alukah.net/#_ftnref14))) ((الشرح الممتع)) (2/ 69).
وقوله: ((لكن لا ينبغي أن يتولَّى الأذان والإقامة إلا من كان عدلًا))؛ أي لا يعين مؤذنًا راتبًا إلا من كان عدلًا.
قال شيخ الإسلام رحمه الله ((الفتاوى الكبرى)) (5/ 322): ((وأما ترتيب الفاسق مؤذنًا فلا ينبغي قولًا واحدًا)).
وقال ابن مفلح رحمه الله ((النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لمجد الدين ابن تيمية)) (1/ 108): ((قال الشيخ تقي الدين بن تيمية في ((تعليق المحرر)): وفي أذان الفاسق روايتان؛ أي في الإجزاء؛ فأما ترتيب الفاسق مؤذنًا فلا ينبغي أن يجوز قولًا واحدًا؛ كما قيل في نفوذ حكم الفاسق إذا حكم بالحق: وجهان؛ وإن لم تجز توليته قولًا واحدًا))اهـ.

[15] (http://majles.alukah.net/#_ftnref15))) متفق عليه: أخرجه البخاري (628)، ومسلم (674).

[16] (http://majles.alukah.net/#_ftnref16))) ((المغني)) (1/ 297)، ((المبدع في شرح المقنع)) (1/ 286)، و((كشف القناع عن متن الإقناع)) (1/ 242).

[17] (http://majles.alukah.net/#_ftnref17))) متفق عليه: أخرجه البخاري (622)، ومسلم (1092).

[18] (http://majles.alukah.net/#_ftnref18))) ((الإجماع)) (39). وقوله من السنة؛ أي: سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وليس المقصود السنة بمعنى المستحب.

محمد طه شعبان
2014-06-07, 10:41 AM
قوله: (وَسُنَّ كَوْنُهُ صَيِّتًا): لأن النبي صلى الله عليه وسلم اختار أبا محذورة للأذان لكونه صَيِّتًا([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))، وفي حديث عبد الله بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ؛ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))»، ولأنه أبلغ في الإعلام المقصود بالأذان([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
قوله: (أَمِينًا): لأنه مؤتمن على الأوقات.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))».
وَعَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤَذِّنُون َ أُمَنَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى فِطْرِهِمْ وَسُحُورِهِمْ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))».
قوله: (عَالِمًا بِالْوَقْتِ): فيستحب للمؤذن أن يكون عالمًا بوقت الصلاة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ((هذا ليس بشرط إن أراد أن يكون عالمًا به بنفسه؛ لأن ابنَ أمِّ مكتوم كان رجلًا أعمى لا يؤذِّن حتى يُقال له: «أصبحتَ أصبحتَ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))»، لكن الأفضل أن يكون عالمًا بالوقت بنفسه؛ لأنه قد يتعذَّر عليه من يُخبره بالوقت.
والعِلْمُ بالوقت يكون بالعلامات التي جعلها الشَّارع علامة، فالظُّهر بزوال الشَّمس، والعصر بصيرورة ظلِّ كُلِّ شيءٍ مثله بعد فيء الزَّوال، والمغرب بغروب الشَّمس، والعِشاء بمغيب الشَّفق الأحمر، والفجر بطلوع الفجر الثَّاني.
وهذه العلامات أصبحت في وقتنا علامات خفيَّة؛ لعدم الاعتناء بها عند كثير من النَّاس، وأصبح النَّاس يعتمدون على التقاويم والسَّاعات([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))))اهـ.[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) أخرج أحمد والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني، عن أَبِي مَحْذُورَةَ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجْتُ فِي نَفَرٍ، فَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلَاةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْنَا صَوْتَ الْمُؤَذِّنِ وَنَحْنُ عَنْهُ مُتَنَكِّبُونَ، فَصَرَخْنَا نَحْكِيهِ، نَهْزَأُ بِهِ، فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا قَوْمًا، فَأَقْعَدُونَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: «أَيُّكُمُ الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ قَدِ ارْتَفَعَ؟» فَأَشَارَ إِلَيَّ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ، وَصَدَقُوا، فَأَرْسَلَ كُلَّهُمْ وَحَبَسَنِي، وَقَالَ لِي: «قُمْ فَأَذِّنْ» فَقُمْتُ وَلَا شَيْءَ أَكْرَهُ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا مِمَّا يَأْمُرُنِي بِهِ. فَقُمْتُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ التَّأْذِينَ هُوَ بِنَفْسِهِ، فَقَالَ: قُلِ: «اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» ثُمَّ قَالَ لِي «ارْفَعْ مِنْ صَوْتِكَ...».

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه أحمد (16478)، وأبو داود (499)، وابن ماجه (706)، وحسنه الألباني في ((الإرواء)) (246).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) انظر: ((المغني)) (1/ 301)، و((الكافي)) (1/ 207).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) أخرجه أحمد (7169)، وأبو داود (517)، والترمذي (207)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (217).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) أخرجه الطبراني في ((الكبير)) (6743)، والبيهقي في ((الكبير)) (1999)، وحسنه الالباني في ((الإرواء)) (221).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) متفق عليه: أخرجه البخاري (617)، ومسلم (1092)، واللفظ لمسلم.

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) ((الشرح الممتع)) (2/ 52).

محمد طه شعبان
2014-06-08, 12:53 PM
قوله: (وَمَنْ جَمَعَ أَوْ قَضَى فَوَائِتَ، أَذَّنَ لِلْأُولَى، وَأَقَامَ لِكُلِّ صَلَاةٍ): ودليل ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الجمع والقضاء.
فأما الجمع؛ فقد جاء في حديث جابر رضي الله عنه الطويل في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: «... ثُمَّ أَذَّنَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ؛ صَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا وَالْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وأما القضاء؛ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ، حَتَّى ذَهَبَ هَوِيٌّ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى كُفِينَا، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25]، فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فَأَمَرَهُ، فَأَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ فَأَحْسَنَ كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعَصْرَ فَصَلَّاهَا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلَّاهَا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
قوله: (وَسُنَّ لِمُؤَذِّنٍ وَسَامِعِهِ مُتَابَعَةُ قَوْلِهِ سِرًّا): ودليل ذلك حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ المُؤَذِّنُ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))».
وإنما صُرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب؛ لِمَا ورد من تركِ النبي صلى الله ترديد الأذان.
فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغِيرُ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ، وَكَانَ يَسْتَمِعُ الْأَذَانَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِلَّا أَغَارَ، فَسَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى الْفِطْرَةِ» ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَرَجْتَ مِنَ النَّارِ» فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ رَاعِي مِعْزًى([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله – بعد ما ذكر الحديث -: ((ولم يُنقل أنه أجابه أو تابعه، ولو كانت المُتابعة واجبة لفعلها الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام ولنُقِلَتْ إلينا([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)))).
قوله: (إِلَّا فِي الْحَيْعَلَةِ، فَيَقُولُ الْحَوْقَلَةَ): الحيعلة والحوقلة، مصدران مصنوعان ومنحوتان؛ فالحَوقَلَة مصنوعة من «لا حولَ ولا قوَّة إلا بالله»، والحيعلة من «حيَّ على الصَّلاة» «حيَّ على الفلاح([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))».
والفلاحُ، والفَلَحُ لغة: البقاء في الخَير. وفَلاحُ الدَّهْر: بَقاؤه. وحَيَّ على الفَلاح أي: على بقاء الخير؛ أَيْ: هَلُمُّوا وَأَقْبِلُوا وتَعَالَوا مَسْرِعِين([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).
ومعنى لا حول ولا قوة إلا بالله: أي: لا تحول من حال إلى حال، ولا حصول قوة للعبد على القيام بأيِّ أمر من الأمور، إلَّا بالله، أي: إلَّا بعونه وتوفيقه وتسديده([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
ودليل قوله: (إِلَّا فِي الْحَيْعَلَةِ، فَيَقُولُ الْحَوْقَلَةَ): حديث عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ أَحَدُكُمْ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، ثُمَّ قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))».
وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ قَالَ مِثْلَ مَا يَقُولُ، قَالَ: فَإِذَا بَلَغَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ: «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))».
قوله: (وَفِي التَّثْوِيبِ صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ): والتثويب يكون فِي أَذَان الْفجْر؛ وهو أن يَقول الْمُؤذنُ بعد حَيَّ على الْفَلاح: الصَّلَاة خير من النَّوم، الصَّلَاة خير من النَّوم.
ودليل مشروعيته: حديث أبي محذورة رضي الله عنه في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم له الأذان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «...فَإِنْ كَانَ صَلَاةُ الصُّبْحِ قُلْتَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12))».
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: مِنَ السَّنَةِ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13)).
وإنما سُمِّيَ تثويبًا؛ من قَوْلك ثاب فلَانٌ إلى كَذَا؛ أَي: عَاد إليه، وثاب إلى فلَان جِسْمه بعد الْعلَّة؛ أَي: رَجَعَ؛ لِأَن الْمُؤَذِّن قَالَ: حَيَّ على الْفَلاح، فَدَعَا النَّاس إلى الصَّلَاة، ثمَّ قَالَ: الصَّلَاة خير من النَّوم، الصَّلَاة خير من النَّوم؛ فثَوَّبَ؛ أَي: عَاد إلى دُعَائِهِمْ([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14)).
والتثويب مستحب على الصحيح في المذهب.
قال المرداوي رحمه الله: ((ويقول في أذان الصبح: الصلاة خير من النوم مرتين، لا نزاع في استحباب قول ذلك، ولا يجب على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب. وعنه يجب ذلك جزم به في ((الروضة)) واختاره ابن عبدوس في ((تذكرته))، وهو من المفردات([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15))))اهـ.
ويُسَنُّ أن يقول عند التثويب: (صدقتَ وبرِرت)؛ بكسر الراء الأولى.
وهذا ليس فيه دليل صحيح أو ضعيف.
قال الشيخ عبد الرحمن النجدي رحمه الله: ((أي صدقتَ في دعائك إلى الطاعة، وبررت بكسر الراء الأولى وسكون الثانية: دعاء له؛ أي: بر عملك، أو صيرك الله ذا بر؛ أي: خير كثير. وهذا استحسان من قائليه؛ وإلا فليس فيه سنة تعتمد، ولا أصل له، لعدم وروده([16] (http://majles.alukah.net/#_ftn16))))اهـ.
قوله: (وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ فَرَاغِهِ): ودليل ذلك حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ([17] (http://majles.alukah.net/#_ftn17))».
قوله: (وَقَوْلُ مَا وَرَدَ): أي: بعد الأذان.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ([18] (http://majles.alukah.net/#_ftn18))».
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ القَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ([19] (http://majles.alukah.net/#_ftn19))».
وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا، وَبِالْإِسْلَام ِ دِينًا، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ».
قَالَ ابْنُ رُمْحٍ فِي رِوَايَتِهِ "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ: وَأَنَا أَشْهَدُ" وَلَمْ يَذْكُرْ قُتَيْبَةُ قَوْلَهُ: وَأَنَا([20] (http://majles.alukah.net/#_ftn20)).
قوله: (وَالدُّعَاءُ): أي: الدعاء بعد الأذان، كما هو ظاهر كلامه رحمه الله، وقد يكون يقصد الدعاء بين الأذان والإقامة، وهو ما دلَّ عليه الدليل.
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ([21] (http://majles.alukah.net/#_ftn21))».
فدل الحديث على أن الدعاء يكون بين الأذان والإقامة، وليس بعد الأذان.
قوله: (وَحَرُمَ خُرُوجٌ مِنْ مَسْجِدٍ بَعْدَهُ بِلَا عُذْرٍ أَوْ نِيَّةِ رُجُوعٍ): أي: يحرم الخروج من المسجد بعد الأذان؛ ودليل ذلك حديث أَبِي الشَّعْثَاءِ، قَالَ: كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمَسْجِدِ يَمْشِي، فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَّا هَذَا، فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([22] (http://majles.alukah.net/#_ftn22)).
ويجوز الخروج لحاجة أو بنية رجوع، ودليل ذلك حديث عُثْمَانَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَدْرَكَهُ الْأَذَانُ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ، لَمْ يَخْرُجْ لِحَاجَةٍ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ الرَّجْعَةَ، فَهُوَ مُنَافِقٌ([23] (http://majles.alukah.net/#_ftn23))».[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) صحيح: أخرجه مسلم (1218).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1673)، ومسلم (1288).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) أخرجه أحمد (11198)، والدارمي (1565)، والنسائي (661)، وابن خزيمة (996)، وصحح إسناده الألباني في ((الإرواء)) (1/ 257).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) متفق عليه: أخرجه البخاري (611)، ومسلم (383).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) متفق عليه: أخرجه البخاري (2943)، ومسلم (382)، واللفظ له.

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((الشرح الممتع)) (2/ 82).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) ((الشرح الممتع)) (2/ 84).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) ((العين)) (3/ 233)، و ((النهاية)) (1/ 472).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) ((الحوقلة مفهومها وفضائلها ودلائلها العقدية)) للدكتور عبد الرزاق البدر (63).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) صحيح: أخرجه مسلم (385).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) أخرجه أحمد (23866)، والنسائي في ((الكبرى)) (9786)، وصححه الألباني بشواهده ((الصحيحة)) (2075).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) أخرجه أحمد (15379)، وأبو داود (500)، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (2/ 412).

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (2161)، وابن خزيمة في ((صحيحه)) (386)، والدارقطني في ((سننه)) (944)، والبيهقي في ((الكبير)) (1984)، والضياء في ((المختارة)) (2589)، وصحح إسناده البيهقي وابن سيد الناس والأعظمي والأرناؤوط.

[14] (http://majles.alukah.net/#_ftnref14))) ((غريب الحديث)) لابن قتيبة (1/ 137).

[15] (http://majles.alukah.net/#_ftnref15))) ((الإنصاف)) (1/ 413).

[16] (http://majles.alukah.net/#_ftnref16))) ((حاشية الروض المربع)) (1/ 455).

[17] (http://majles.alukah.net/#_ftnref17))) صحيح: أخرجه مسلم (384).

[18] (http://majles.alukah.net/#_ftnref18))) السابق.

[19] (http://majles.alukah.net/#_ftnref19))) صحيح: أخرجه البخاري (614).

[20] (http://majles.alukah.net/#_ftnref20))) صحيح: أخرجه مسلم (386).

[21] (http://majles.alukah.net/#_ftnref21))) أخرجه أحمد (12200)، وأبو داود (521)، والترمذي (212)، وقال: ((حسن))، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (244).

[22] (http://majles.alukah.net/#_ftnref22))) صحيح: أخرجه مسلم (655).

[23] (http://majles.alukah.net/#_ftnref23))) أخرجه ابن ماجه (734)، وصححه الألباني بشواهده، ((الصحيحة)) (2518)، و((صحيح ابن ماجه)) (606).

محمد طه شعبان
2014-06-09, 10:46 PM
فَصْلٌ

شُرُوطُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ سِتَّةٌ:
طَهَارَةُ الْحَدَثِ – وَتَقَدَّمَتْ - وَدُخُولُ الْوَقْتِ؛ فَوَقْتُ الظُّهْرِ مِنَ الزَّوَالِ حَتَّى يَتَسَاوَى مُنْتَصِبٌ وَفَيْؤُهُ سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ؛ وَيَلِيهِ الْمُخْتَارُ لِلْعَصْرِ حَتَّى يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ؛ وَالضَّرُورَةُ إِلَى الْغُرُوبِ؛ وَيَلِيهِ الْمَغْرِبُ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ؛ وَيَلِيهِ الْمُخْتَارُ لِلْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ؛ وَالضَّرُورَةُ إِلَى طُلُوعِ فَجْرٍ ثَانٍ؛ وَيَلِيهِ الْفَجْرُ إِلَى الشُّرُوقِ.
وَتُدْرَكُ مَكْتُوبَةٌ بِإِحْرَامٍ فِي وَقتِهَا؛ لَكِنْ يَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا إِلَى وَقْتٍ لَا يَسَعُهَا.
وَلَا يُصَلِّي حَتَّى يَتَيَقَّنَهُ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُهُ إِنْ عَجَزَ عَنِ الْيَقِينِ؛ وَيُعِيدُ إِنْ أَخْطَأَ.
وَمَنْ صَارَ أَهْلًا لِوُجُوبِهَا قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا بِتَكْبِيرَةٍ، لَزِمَتْهُ وَمَا يُجْمَعُ إِلَيْهَا قَبْلَهَا.
وَيَجِبُ فَوْرًا قَضَاءُ فَوَائِتَ مُرَتَّبًا مَا لَمْ يَتَضَرَّرْ أَوْ يَنْسَ أَوْ يَخْشَ فَوْتَ حَاضِرَةٍ أَوْ اخْتِيَارِهَا.
الثَّالِثُ: سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَيَجِبُ حَتَّى خَارِجَهَا، وَفِي خَلْوَةٍ وَظُلْمَةٍ بِمَا لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ.
وَعَوْرَةُ رَجُلٍ وَحُرَّةٍ مُرَاهِقَةٍ وَأَمَةٍ: مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ؛ وَابْنُ سَبْعٍ إِلَى عَشْرٍ الْفَرْجَانِ؛ وَكُلُّ الْحُرَّةِ عَوْرَةٌ إِلَّا وَجْهِهَا فِي الصَّلَاةِ.
وَمَنِ انْكَشَفَ بَعْضُ عَوْرَتِهِ وَفَحُشَ أَوْ صَلَّى فِي نَجِسٍ أَوْ غَصْبٍ - ثَوْبًا أَوْ بُقْعَةً – أَعَادَ؛ لَا مَنْ حُبِسَ فِي مَحَلٍّ نَجِسٍ أَوْ غَصْبٍ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ.
الرَّابِعُ: اجْتِنَابُ نَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا فِي بَدَنٍ وَثَوْبٍ وَبُقْعَةٍ مَعَ الْقُدْرَةِ.
وَمَنْ جَبَرَ عَظْمَهُ أَوْ خَاطَهُ بِنَجِسٍ - وَتَضَرَّرَ بِقَلْعِهِ - لَمْ يَجِبْ، وَيتَيَمَّمَ إِنْ لَمْ يُغَطِّهِ اللَّحْمُ.
وَلَا تَصِحُّ بِلَا عُذْرٍ فِي مَقْبَرَةٍ وَخَلَاءٍ وَحَمَّامٍ وَأَعْطَانِ إِبِلٍ وَمَجْزَرَةٍ وَمَزْبَلَةٍ وَقَارِعَةِ طَرِيقٍ وَلَا فِي أَسْطِحَتِهَا.
الْخَامِسُ: اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ؛ وَلَا تَصِحُّ بِدُونِهِ إِلَّا لِعَاجِزٍ وَمُتَنَفِّلٍ فِي سَفَرٍ مُبَاحٍ.
وَفَرْضُ قَرِيبٍ مِنْهَا إِصَابَةُ عَيْنِهَا؛ وَبَعْيدٍ جِهَتُهَا.
وَيُعْمَلُ وُجُوبًا بِخَبَرِ ثِقَةٍ بِيَقِينٍ، وَبِمَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ.
وَإِنِ اشْتَبَهَتْ فِي السَّفَرِ اجْتَهَدَ عَارِفٌ بِأَدِلَّتِهَا، وَقَلَّدَ غَيْرُهُ؛ وَإِنْ صَلَّى بِلَا أَحَدِهِمَا مَعَ الْقُدْرَةِ قَضَى مُطْلَقًا.
السَّادِسُ: النِّيَّةُ؛ فَيَجِبُ تَعْيِينُ مُعَيَّنَةٍ؛ وَسُنَّ مُقَارَنَتُهَا لِتَكْبِيرَةِ إِحْرَامٍ، وَلَا يَضُرُّ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهَا بِيَسِيرٍ.
وَشُرِطَ نِيَّةُ إِمَامَةٍ وَائْتِمَامٍ.
وَلِمُؤْتَمٍّ انْفِرَادٌ لِعُذْرٍ؛ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ إِمَامِهِ، لَا عَكْسُهُ؛ إِنْ نَوَى إِمَامٌ الِانْفِرَادَ.

محمد طه شعبان
2014-06-11, 02:12 PM
قوله: (شُرُوطُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ سِتَّةٌ): أي: الأشياء التي لابد أن تتوافر لكي تصح الصلاة، فإن فُقِدت أو فُقِد أحدُها، لَمْ تَصِح.
والشرط عند الفقهاء والأصوليين، هو: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم؛ فيلزم من عدم وجود الوضوء عدم الصلاة، ولا يلزم من وجود الوضوء وجود الصلاة ولا صحتها.
قوله: (طَهَارَةُ الْحَدَثِ): هذا هو الشرط الأول من شروط صحة الصلاة، وهو الطهارة من الحدث؛ والمقصود بالحدث: الأكبر والأصغر، ودليل شرطية الطهارة لصحة الصلاة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةَ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَرُوا}[المائدة: 6].
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
قوله: (وَدُخُولُ الْوَقْتِ): وهو الشرط الثاني لصحة الصلاة، ودليله قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103].
قوله: (فَوَقْتُ الظُّهْرِ مِنَ الزَّوَالِ): أي: أن وقت الظهر يبدأ من بداية زوال الشمس؛ وبيان ذلك أن الشمس إذا طلعت من المشرق فإنها تظل ترتفع وتسير حتى تأتي في كبد السماء - وهي حالة الاستواء ووسط النهار - ثم تبدأ بعد ذلك في الزوال عن كبد السماء نحو المغرب؛ فإذا زالت عن كبد السماء ولو بقدر شعرة، فإنه يكون حينها دخل وقت الظهر.
كيف يُعرف زوال الشمس؟
إذا طلعت الشمس من ناحية المشرق، فإنه يكون لكل شاخص ظِلٌّ طويل، ناحية المغرب، ثم كلما أخذت الشمس في الارتفاع فإن الظل ينقص، ثم إذا توسطت الشمس في كبد السماء، فإن نقصان الظل يتوقف، ثم إذا أخذت الشمس في الزوال، فإن الظل يبدأ في الزيادة من ناحية المشرق.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَمَعْنَى زَوَالِ الشَّمْسِ: مَيْلُهَا عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ؛ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِطُولِ ظِلِّ الشَّخْصِ بَعْدَ تَنَاهِي قِصَرِهِ؛ فَمَنْ أَرَادَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ فَلْيُقَدِّرْ ظِلَّ الشَّمْسِ، ثُمَّ يَصْبِرْ قَلِيلًا، ثُمَّ يُقَدِّرْهُ ثَانِيًا، فَإِنْ كَانَ دُونَ الْأَوَّلِ فَلَمْ تَزُلْ، وَإِنْ زَادَ وَلَمْ يَنْقُصْ فَقَدْ زَالَتْ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))))اهـ.
وقال النووي رحمه الله: ((الزَّوَالُ هُوَ مَيْلُ الشَّمْسِ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ بَعْدَ انْتِصَافِ النَّهَارِ؛ وَعَلَامَتُهُ: زِيَادَةُ الظِّلِّ بَعْدَ تَنَاهِي نُقْصَانِهِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ ظِلَّ الشَّخْصِ يَكُونُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ طَوِيلًا مُمْتَدًّا، فَكُلَّمَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ نَقَصَ، فَإِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ وَقَفَ الظِّلُّ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ عَادَ الظِّلُّ إِلَى الزِّيَادَةِ، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ هَلْ زَالَتْ؟ فَانْصِبْ عَصًا أَوْ غَيْرَهَا فِي الشَّمْسِ عَلَى أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ وَعَلِّمْ عَلَى طَرْفِ ظِلِّهَا ثُمَّ رَاقِبْهُ؛ فَإِنْ نَقَصَ الظِّلُّ عَلِمْتَ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَزُلْ، وَلَا تَزَالُ تُرَاقِبُهُ حَتَّى يَزِيدَ؛ فَمَتَى زَادَ عَلِمْتَ الزَّوَالَ حِينَئِذٍ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))اهـ.
قوله: (حَتَّى يَتَسَاوَى مُنْتَصِبٌ وَفَيْؤُهُ سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ): أي: أن وقت الظهر يستمر حتى يتساوى طول الشيء المنتصب مع فيئه([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))، وزيادة فَيْء الزوال.
وَفَيءُ الزوال هو الظل الذي يكون موجودًا عند استواء الشمس في كبد السماء، عندما تتوقف عن النقصان.
والمعنى أن وقت الظهر يستمر حتى ترى للشاخص ظلًّا يساوي طوله وزيادة الظل الذي كان موجودًا عند استواء الشمس في كبد السماء؛ وهو ما يُسمى فَيْءَ الزوال، أو ظل الزوال؛ فإنه لا يُحسب ولا يُعتبر؛ لكونه غير منضبط؛ بل يختلف من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان؛ فيقصر ظل الزوال في فصل الصيف، وكلما طال النهار قصر الظل، ويطول في فصل الشتاء، وكلما قصر النهار طال الظل، كما أنه يقصر كلما قرب المكان إلى خط الاستواء.
ومعرفة ذلك أن يضبط الظِّلَّ الذي زالت عليه الشمس، ثم ينظر الزيادة عليه، فإن بلغت طول الشخص فقد انتهى وقت الظهر؛ فلو زالت الشمس – مثلًا – على مقدار 25 سم وكان طول الشخص مترًا ونصفًا، فإنه يُنتظر حتي يكون ظل الزوال 175 سم.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ، أَنْ يَضْبِطَ مَا زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، ثُمَّ يَنْظُرَ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ قَدْرَ الشَّخْصِ، فَقَدِ انْتَهَى وَقْتُ الظُّهْرِ؛ وَمِثْلُ شَخْصِ الْإِنْسَانِ سِتَّةُ أَقْدَامٍ وَنِصْفٍ بِقَدَمِهِ، أَوْ يَزِيدُ قَلِيلًا، فَإِذَا أَرَدْت اعْتِبَارَ الزِّيَادَةِ بِقَدَمِكَ مَسَحْتَهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الزَّوَالِ، ثُمَّ أَسْقَطْتَ مِنْهُ الْقَدْرَ الَّذِي زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، فَإِذَا بَلَغَ الْبَاقِي سِتَّةَ أَقْدَامٍ وَنِصْفٍ فَقَدْ بَلَغَ الْمِثْلَ، فَهُوَ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَأُوَلُ وَقْتِ الْعَصْرِ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))))اهـ.
قوله: (وَيَلِيهِ الْمُخْتَارُ لِلْعَصْرِ حَتَّى يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ): أي: أن الوقت المختار لصلاة العصر يبدأ بانتهاء وقت الظهر حتى يصير ظل كل شيء مثليه وزيادة ظل الزوال.
قوله: (وَالضَّرُورَةُ إِلَى الْغُرُوبِ): أي: أن وقت الضرورة لصلاة العصر يبدأ من حين أن يكون ظل كل شيء مثليه - وفي الرواية الأصح عن أحمد من حين اصفرار الشمس؛ وهما متقاربان – إلى ما قُبَيْلِ الغروب.
وقد تقدم بيان ذلك.
قوله: (وَيَلِيهِ الْمَغْرِبُ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ): أي: أن وقت المغرب يبدأ بانتهاء وقت العصر؛ إذا غربت الشمس، حتى يغيب الشفق الأحمر في السماء.
وقد تقدم بيان ذلك، وبيان معنى الشفق، في أول كتاب الصلاة.
قوله: (وَيَلِيهِ الْمُخْتَارُ لِلْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ): أي: ويلي صلاةَ المغرب صلاةُ العشاء، ويستمر الوقت المختار لها إلى ثلث الليل الأول؛ لحديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: وَكَانُوا يُصَلُّونَ العَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))..
قوله: (وَالضَّرُورَةُ إِلَى طُلُوعِ فَجْرٍ ثَانٍ): أي: ويبدأ وقت الضرورة لصلاة العشاء من ثلث الليل الأول إلى طلوع الفجر الثاني.
وقد تقدم في أول كتاب الصلاة بيانُ ذلك.
قوله: (وَيَلِيهِ الْفَجْرُ إِلَى الشُّرُوقِ): أي: ويلي صلاةَ العشاء وقتُ صلاةِ الفجر، الذي يبدأ من طلوع الفجر الثاني، ويستمر وقتها إلى شروق الشمس.
والفجر فجران؛ فجر أول، ويُسمى بالفجر الكاذب، ولا يدخل به وقت الفجر.
وفجر ثانٍ، ويُسمى بالفجر الصادق، وهو الذي ينتهي به وقت العشاء، ويدخل به وقت الفجر.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَجُمْلَتُهُ، أَنَّ وَقْتَ الصُّبْحِ يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إجْمَاعًا، وَقَدْ دَلَّتْ عَلَيْهِ أَخْبَارُ الْمَوَاقِيتِ، وَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُسْتَطِيرُ الْمُنْتَشِرُ فِي الْأُفُقِ، وَيُسَمَّى الْفَجْرَ الصَّادِقَ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَك عَنِ الصُّبْحِ وَبَيَّنَهُ لَك، وَالصُّبْحُ مَا جَمَعَ بَيَاضًا وَحُمْرَةً، وَمِنْهُ سُمِّيَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي لَوْنِهِ بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ أَصْبَحَ، وَأَمَّا الْفَجْرُ الْأَوَّلُ، فَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُسْتَدَقُّ صَعِدًا مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ، وَيُسَمَّى الْفَجْرَ الْكَاذِبَ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8))))اهـ.
وقال البهوتي رحمه الله: ((الْفَجْرُ الثَّانِي هو الْبَيَاضُ الْمُعْتَرِضُ فِي الْمَشْرِقِ، وَلَا ظُلْمَةَ بَعْدَهُ؛ وَيُقَالُ لَهُ: الْفَجْرُ الصَّادِقُ، وَالْفَجْرُ الْأَوَّلُ يُقَالُ لَهُ: الْفَجْرُ الْكَاذِبُ وَهُوَ مُسْتَطِيلٌ بِلَا اعْتِرَاضٍ، أَزْرَقُ، لَهُ شُعَاعٌ ثُمَّ يُظْلِمُ، وَلِدِقَّتِهِ يُسَمَّى: ذَنَبَ السِّرْحَانِ أَيْ: الذِّئْبِ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9))))اهـ.
وقال برهان الدين ابن مفلح رحمه الله: ((الْفَجْرِ الثَّانِي هُوَ الْبَيَاضُ الْمُعْتَرِضُ فِي الْمَشْرِقِ، وَلَا ظُلْمَةَ بَعْدَهُ، وَيُسَمَّى الْمُسْتَطِيرَ؛ لِانْتِشَارِهِ فِي الْأُفُقِ قَالَ تَعَالَى: {وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7]، أَيْ: مُنْتَشِرًا فَاشِيًا ظَاهِرًا، وَالْفَجْرُ الْأَوَّلُ: الْكَاذِبُ الْمُسْتَطِيلُ بِلَا اعْتِرَاضٍ أَزْرَقُ لَهُ شُعَاعٌ، ثُمَّ يُظْلِمُ، وَلِدِقَّتِهِ يُسَمَّى ذَنَبَ السِّرْحَانِ، وَهُوَ الذِّئْبُ؛ لِأَنَّ الضَّوْءَ يَكُونُ فِي الْأَعْلَى دُونَ الْأَسْفَلِ، كَمَا أَنَّ الشَّعْرَ يَكُونُ عَلَى أَعْلَى الذِّئْبِ دُونَ أَسْفَلِهِ ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))))اهـ.
وأما أدلة مواقيت الصلوات الخمس:
فَعند مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا صَلَّيْتُمُ الْفَجْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ قَرْنُ الشَّمْسِ الْأَوَّلُ، ثُمَّ إِذَا صَلَّيْتُمُ الظُّهْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ يَحْضُرَ الْعَصْرُ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعَصْرُ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْمَغْرِبَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ يَسْقُطَ الشَّفَقُ، فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعِشَاءَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))».
وفي لفظ عند مسلم أيضًا: «وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ، وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَوَقْتُ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ».
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ جَاءَهُ الْعَصْرَ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، ثُمَّ جَاءَهُ الْمَغْرِبَ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ جَاءَهُ الْعِشَاءَ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ جَاءَهُ الْفَجْرَ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى حِينَ بَرَقَ الْفَجْرُ - أَوْ قَالَ: حِينَ سَطَعَ الْفَجْرُ - ثُمَّ جَاءَهُ مِنَ الْغَدِ لِلظُّهْرِ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، ثُمَّ جَاءَهُ لِلْعَصْرِ، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، ثُمَّ جَاءَهُ لِلْمَغْرِبِ، وَقْتًا وَاحِدًا لَمْ يَزُلْ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَ لِلْعِشَاءِ، حِينَ ذَهَبَ نِصْفُ اللَّيْلِ - أَوْ قَالَ: ثُلُثُ اللَّيْلِ - فَصَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَهُ لِلْفَجْرِ حِينَ أَسْفَرَ جِدًّا، فَقَالَ: قُمْ فَصَلِّهْ، فَصَلَّى الْفَجْرَ، ثُمَّ قَالَ: مَا بَيْنَ هَذَيْنِ وَقْتٌ([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)).[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) صحيح: أخرجه مسلم (224).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) متفق عليه: أخرجه البخاري (6954)، ومسلم (225).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((المغني)) (1/ 270).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((المجموع)) (3/ 24).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) والفيء هو الظل الذي يكون بعد الزوال؛ وسُمِّي فيئًا، مِنْ فاء يفيء فيئًا، إذا رجع، وذلك إما لأنه يرجع من جانب المغرب - الذي كان فيه قبل الزوال - إلى جانب المشرق، بعد الزوال، أو لأن الشمس التي كانت في جانب المشرق قبل الزوال عادت ظلًّا بعد الزوال.
قال محمد بن أبي بكر الرازي في ((مختار الصحاح)) (245): ((الْفَيْءُ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ مِنَ الظِّلِّ؛ سُمِّيَ فَيْئًا لِرُجُوعِهِ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الظِّلُّ مَا نَسَخَتْهُ الشَّمْسُ وَالْفَيْءُ مَا نَسَخَ الشَّمْسَ. وَقَالَ رُؤْبَةُ: كُلُّ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَزَالَتْ عَنْهُ فَهُوَ فَيْءٌ وَظِلٌّ، وَمَا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ شَمْسٌ فَهُوَ ظِلٌّ))اهـ.

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((المغني)) (1/ 271).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) أخرجه البخاري (864).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) ((المغني)) (1/ 279).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) ((كشف القناع عن متن الإقناع)) (1/ 255).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) ((المبدع في شرح المقنع)) (1/ 306).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) صحيح: أخرجه مسلم (612).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) أخرجه أحمد (14538)، والنسائي (526)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (250).

أم علي طويلبة علم
2014-06-15, 11:11 PM
موضوع مهم مع قرب شهر الصيام ، وهذا تلخيص واختصار للشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين رحمه الله ، مع موضوع كتاب الصلاة من أخصر المختصرات :

"...فُرضت خمسين صلاة، وهذا يدلُّ على محبَّة الله لها، وعنايته بها سبحانه وتعالى، لكن خُفِّفَت فجُعِلت خمساً بالفعل وخمسين في الميزان، فكأنَّما صلَّى خمسين صلاة.
وليس المراد تضعيف الحسنة بعشر أمثالها؛ لأنَّه لو كان المراد الحسنة بعشر أمثالها؛ لم يكن لها مزيَّة على غيرها من العبادات؛ إذ في كلِّ عبادة الحسنةُ بعشر أمثالها، لكن الظَّاهر أنَّه يُكتَبُ للإنسان أجرُ خمسين صلاة بالفعل، ويؤيِّده: أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم ـ وهو إمامُ أمَّتِه ـ قَبِلَ فريضة الخمسين وَرَضِيَها، ثم خفَّفها اللَّهُ تعالى فكتب للأمَّة أجرَ ما قَبِلَه رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم ورضيَه، وهو خمسون صلاة.

ويدلُّ لذلك: ما رواه البخاريُّ من حديث أنس رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «فراجَعته ـ يعني: الله ـ فقال: هي خمس وهي خمسون»... "



كِتَابُ الصَّلَاةِ
تَجِبُ الْخَمْسُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ، إِلَّا حَائِضًا وَنُفَسَاءَ، وَلَا تَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ وَلَا صَغِيرٍ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، وَعَلَى وَلِيِّهِ أَمْرُهُ بِهَا لِسَبْعٍ، وَضَرْبُهُ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرٍ، وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا إِلَى وَقْتِ الضَّرُورَةِ إِلَّا مِمَّنْ لَهُ الْجَمْعُ بِنِيَّتِهِ، وَمُشْتَغِلٍ بِشَرْطٍ لَهَا يَحْصُلُ قَرِيبًا، وَجَاحِدُهَا كَافِرٌ.

قوله: «تجب» ، أي: الصَّلاة، والمراد بالوجوب هنا أعلى أنواع الوجوب وهو الفريضة.
وهي في الدِّين في المرتبة الثانية بعد الشَّهادة بالتَّوحيد والرِّسالة، فالإسلام: شهادة أنْ لا إله إلاَّ الله؛ وأنَّ محمَّداً رسول الله،
وهذه واحدة، وإِنَّما صارت هاتان الجملتان واحدة؛ لأنَّ كلَّ عبادة لا بُدَّ فيها من إِخلاص تتضمَّنه شهادةُ أنْ لا إله إلاَّ الله، ومتابعةٍ تتضمَّنه شهادةُ أنَّ محمَّداً رسول الله، فلهذا جعلهما النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم شيئاً واحداً. والمرتبة الثَّانية هي الصَّلاة، فهي من أعلى أنواع الفرض.

وقوله: «على كُلِّ مسلم» ، المسلم هو: الذي يشهد أنْ لا إله إلاَّ الله، وأنَّ محمَّداً رسول الله، ويقيمُ الصَّلاة، ويؤتي الزَّكاة، ويصومُ رمضانَ، ويحجُّ البيتَ.

قوله: «مُكلَّف» ... وهو في الشَّرع: إلزامُ مقتضى خطاب الشَّرع.
والتَّكليف يتضمَّن وصفين هما: البلوغ والعقل. فمعنى مكلَّف أي: بالغ عاقل...

قوله: «لا حائضاً ونُفساء»... أي: لا تجب عليهما الصَّلاة بدليل أثريٍّ وإجماعيٍّ.
قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم في الحائض: «أليس إذا حاضت لم تُصلِّ ولم تَصُمْ» والنُّفساءُ كالحائضِ في ذلك بالإجماع، والعلماءُ مجمعون على أنَّ الحائضَ والنُّفساءَ لا تلزمهما الصَّلاة، ولا يلزمهما قضاء الصَّلاة.

أم علي طويلبة علم
2014-06-15, 11:21 PM
قوله: (الصَّلَاة):...
وَفِي الشَّرْعِ: عِبَارَةٌ عَنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ مَخْصُوصَةٍ مُفْتَتَحَةٍ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٍ بِالتَّسْلِيمِ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
...قوله: (وَعَلَى وَلِيِّهِ أَمْرُهُ بِهَا لِسَبْعٍ، وَضَرْبُهُ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرٍ): ودليل ذلك حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ([17] (http://majles.alukah.net/#_ftn17))»...

"...أمَّا في الشَّرع: فهي التعبُّدُ للَّهِ تعالى بأقوال وأفعال معلومة، مفتتَحة بالتَّكبير، مختتَمة بالتَّسليم.
وإن شئت فقل: هي عبادةٌ ذاتُ أقوال وأفعال، مفتتحة بالتَّكبير، مختتمة بالتَّسليم.
أمَّا قول بعض العلماء: «إنَّ الصَّلاة هي: أقوال وأفعال معلومة، مفتتحة بالتَّكبير، مختتمة بالتَّسليم»، فهذا فيه قصور، بل لا بُدَّ أن نقول: عبادةٌ ذات أقوال، أو نقول: التَّعبُّدّ لله تعالى بأقوال وأفعال معلومة، حتى يتبيَّن أنَّها من العبادات."

"... فإن قلت: إذا لم يجب على الصَّبيِّ صلاة؛ أَفَلَيْسَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم قد أوجبَ على الإنسان أن يأمرَ ابنه أو ابنته بالصَّلاة لسبعٍ، ويضربه عليها لعشر؟ وهل يُضرَبُ الإنسان على شيء لا يجب عليه؟
فالجواب على ذلك أن نقول: إِنَّما أُلزم الوالدُ بأمر أولاده وضربهم؛ لأنَّ هذا من تمام الرِّعاية والقيام بالمسؤولية التي حملها، والأب أهلٌ للمسؤولية. لا لأنَّ الصَّبيَّ تجب عليه الصَّلاة، ولذلك لا يلزمه قضاؤها لو تركها. ولو كان الصَّبيُّ له ستُّ سنوات؛ لكنَّه فَطِنٌ وذكيٌّ، فظاهر الحديث أنَّه لا يأمره؛ لأنَّ الشَّارع حدَّها بالسَّبع؛ لأنَّ الغالب أنه يكون بها التَّمييز، والنَّادر لا حكم له.
فإن قلنا: إنَّ التَّمييز ليس محدوداً بسنٍّ وإنَّما هو بالمعنى، وأنَّ التَّمييز هو: أن يفهم الخطاب، ويَرُدَّ الجواب، كما يدلُّ عليه الاشتقاق، فهل يجعل الحكم في أمره بالصَّلاة منوطاً به؛ ولو كان دون السَّبع أم لا؟ هذا محلُّ نظر، قد يُقال: إنَّنا نجعل الحكم منوطاً بالتَّمييز، وقد نقول: إنَّه منوط بالسَّبع كما جاء في السُّنَّة. والشَّارع أحكم منَّا، فيتقيَّد أمْرُه بالصَّلاة وضَرْبُه عليها بما جاءت به السُّنة."(1)




______________________________ ____________
(1) المرجع الشرح الممتع لابن عثيمين رحمه الله

أم علي طويلبة علم
2014-06-16, 12:01 AM
قوله: (وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا إِلَى وَقْتِ الضَّرُورَةِ): وتحريم تأخيرها إلى خروج وقتها أشد.
والصلوات التي لها وقت ضرورة في المذهب هي صلاة العصر وصلاة العشاء؛ فلهما وقت اختيار، ووقت ضرورة.

قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله :
"... قوله: «وَيَحْرُمُ تأخيرُها عن وَقْتِها» ، وذلك لقوله تعالى: {{إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}} [النساء: 103] ، وإذا كانت مفروضةً في وقت معيَّن فتأخيرُها عن وقتها حرامٌ. وكذلك النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم وقَّتَ أوقاتَ الصَّلاة، وهذا يقتضي وجوبَ فعلها في وقتها.
وقوله: «تأخيرها» يشمَلُ تأخيرها بالكلِّيَّة؛ أو تأخيرَ بعضها، بحيث يؤخِّر الصَّلاة حتَّى إذا لم يبقَ إلاَّ مقدارُ ركعةٍ صلَّى، فإنَّه حرامٌ عليه؛ لأنَّ الواجبَ أن تقع جميعُها في الوقت.
وقوله: «عن وقتها» يشمَلُ وقت الضَّرورة ووقت الجواز؛ لأنَّ صلاة العصر مثلاً لها وقتان: وقتُ ضرورة؛ ووقتُ جواز، فوقتُ الضَّرورة من اصفرار الشَّمس إلى غروبها، ووقتُ الجواز من دخول وقتها إلى اصفرار الشَّمس، فيحرم أن يؤخِّرها عن وقت الجواز إلاَّ لعذر. ويُستثنى من ذلك مسألتان:
إِلاَّ لِنَاوِ الْجَمْعِ، ولمشتغلٍ بشَرْطِها الذي يُحَصِّلُهُ قريباً."

محمد طه شعبان
2014-06-16, 12:07 AM
جزاكم الله خيرًا على التذكير والمدارسة؛ فلقد ظللت دهرًا لا يشاركني أحد في هذا الموضوع، وذلك لصعوبة الفقه، ولكنه مع صعوبته ضروري جدًّا.
وهذا المتن ولله الحمد أقوم بشرحه في المسجد عندنا، وقد لاقى قبولًا كبيرًا من طلبة العلم، ولله الحمد والمنة

محمد طه شعبان
2014-06-18, 08:33 AM
قوله: (وَتُدْرَكُ مَكْتُوبَةٌ بِإِحْرَامٍ فِي وَقتِهَا): أي: أن الصلاة تُدرك ولو بإدراك تكبيرة الإحرام قبل خروج وقتها، وفي رواية أخرى عن أحمد أنها لا تُدرك بأقل من ركعة.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَهَلْ يُدْرِكُ الصَّلَاةَ بِإِدْرَاكِ مَا دُونَ رَكْعَةٍ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: لَا يُدْرِكُهَا بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ؛ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ، فَإِنَّ تَخْصِيصَهُ الْإِدْرَاكَ بِرَكْعَةٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِدْرَاكَ لَا يَحْصُلُ بِأَقَلَّ مِنْهَا؛ وَلِأَنَّهُ إدْرَاكٌ لِلصَّلَاةِ، فَلَا يَحْصُلُ بِأَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ كَإِدْرَاكِ الْجُمُعَةِ.
وَالثَّانِيَةُ: يُدْرِكُهَا بِإِدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْهَا، أَيِّ جُزْءٍ كَانَ، قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَكُونُ مُدْرِكًا لَهَا بِإِدْرَاكِهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ مِقْدَارَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْوَقْتُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَلِلشَّافِعِي قَوْلَانِ كَالْمَذْهَبَيْ نِ.
وَلِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))، وَلِلنَّسَائِيّ ِ: «فَقَدْ أَدْرَكَهَا»؛ وَلِأَنَّ الْإِدْرَاكَ إِذَا تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ فِي الصَّلَاةِ اسْتَوَى فِيهِ الرَّكْعَةُ وَمَا دُونَهَا، كَإِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ، وَإِدْرَاكِ الْمُسَافِرِ صَلَاةَ الْمُقِيمِ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ، وَالْمَنْطُوقُ أَوْلَى مِنْهُ))اهـ.
فقد رجح ابن قدامة رحمه الله أن الصلاة تدرك بأقل جزء من الصلاة، واستدل على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ».
وأما ابن تيمية وابن عثيمين رحمهما الله فقد رجحا أن الصلاة لا تدرك بأقل من ركعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ وَإِذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ» وَأَمَّا مَا فِي بَعْضِ طُرُقِهِ: «إذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً»؛ فَالْمُرَادُ بِهَا الرَّكْعَةُ التَّامَّةُ كَمَا فِي اللَّفْظِ الْآخَرِ؛ وَلِأَنَّ الرَّكْعَةَ التَّامَّةَ تُسَمَّى بَاسِمِ الرُّكُوعِ؛ فَيُقَالُ: رَكْعَةٌ، وَبِاسْمِ السُّجُودِ، فَيُقَالُ: سَجْدَةٌ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
قوله: (لَكِنْ يَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا إِلَى وَقْتٍ لَا يَسَعُهَا): أي: لغير عذر؛ وذلك لأن الله تعالى قال: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103].
ويجوز له تركها لوقت يسعها.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((ويجوز تأخير الصلاة إلى آخر وقتها؛ لأن جبريل عَلَيْهِ السَّلَامُ صلى بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في اليوم الثاني في آخر الوقت([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))))اهـ.
قوله: (وَلَا يُصَلِّي حَتَّى يَتَيَقَّنَهُ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُهُ إِنْ عَجَزَ عَنِ الْيَقِينِ): قال ابن قدامة رحمه الله: ((إذَا شَكَّ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ، لَمْ يُصَلِّ حَتَّى يَتَيَقَّنَ دُخُولَهُ، أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ؛ مِثْلُ مَنْ هُوَ ذُو صَنْعَةٍ جَرَتْ عَادَتُهُ بِعَمَلِ شَيْءٍ مُقَدَّرٍ إلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ، أَوْ قَارِئٍ جَرَتْ عَادَتُهُ بِقِرَاءَةِ جُزْءٍ فَقَرَأَهُ، وَأَشْبَاهِ هَذَا؛ فَمَتَى فَعَلَ ذَلِكَ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُ الْوَقْتِ، أُبِيحَتْ لَهُ الصَّلَاةُ، وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا قَلِيلًا احْتِيَاطًا، لِتَزْدَادَ غَلَبَةُ ظَنِّهِ، إِلَّا أَنْ يَخْشَى خُرُوجَ الْوَقْتِ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))اهـ.
قوله: (وَيُعِيدُ إِنْ أَخْطَأَ): أي: إنْ تحرى ثم تبين له أنه أخطأ، فعليه الإعادة إن كان صلى قبل الوقت، وأما إن كان صلى بعد الوقت فلا إعادة عليه.
قال ابن قدامة رحمه الله: فإن صلى فبان أنه وافق الوقت أو بعده، أجزأه؛ لأنه صلى بعد الوجوب.
وإن وافق قبله، لَمْ يجزئه؛ لأنه صلى قبل الوجوب([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
قوله: (وَمَنْ صَارَ أَهْلًا لِوُجُوبِهَا قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا بِتَكْبِيرَةٍ، لَزِمَتْهُ وَمَا يُجْمَعُ إِلَيْهَا قَبْلَهَا): كأن يبلغ صبي، أو يسلم كافر، أو يفيق مجنون، أو تطهر حائض أو نفساء.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ((أهليَّة الوجوب تكون بالتَّكليف أو بزوال المانع؛ فيصير أهلًا لوجوبها إذا بلغ قبل خروج الوقت، وإذا عَقِلَ قبل خروج الوقت.
وأما زوال المانع فمثاله: إذا طَهُرت قبل خروج الوقت.
فمتى صار أهلًا لوجوبها قبل خُروج الوقت بمقدار تكبيرة الإحرام لزمته على المذهب، وعلى القول الثاني لا تلزمه إلا إذا أدرك من وقتها قَدْرَ رَكعة.
وهذا واضح أنها تلزمه؛ لأنه خُوطبَ بها في الوقت، ولقول الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام: «من أدرك ركعةً من الصَّلاة فقد أدرك الصَّلاة».
ولزمه ما يُجمع إليها قبلها؛ مثال ذلك: إذا أدرك من وقت صلاة العصر قَدْر ركعة أو قَدْرَ التَّحريمة لزمته صلاة العصر، ولزمته صلاة الظُّهر أيضًا، وإن أدرك ذلك من وقت صلاة العشاء لزمته صلاة العشاء وصلاة المغرب أيضًا، وإن أدرك ذلك من وقت صلاة الفجر لا يلزمه إلا الفجر؛ لأنها لا تُجمع إلى ما قبلها.
فإن قيل: ما وجه وجوب صلاة الظُّهر في المثال الأوَّل؛ وصلاة المغرب في المثال الثَّاني؟
فالجواب: الأثرُ، والنَّظرُ.
أما الأثر: فإنَّه رُوي ذلك عن ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
وأما النَّظر: فلأن وقت الصَّلاة الثانية وقت للأولى عند العُذر الذي يُبيح الجمع، فلما كان وقتًا لها عند العُذر صار إدراك جُزء منه كإدراك جزء من الوقتين جميعًا، وهذا هو المشهور من المذهب.
وقال بعض أهل العلم: إنه لا يلزمه إلا الصَّلاة التي أدرك وقتها فقط، فأما ما قبلها فلا يلزمه.
وهو القول الرَّاجح؛ واحتجوا بالأثر والنَّظر.
أما الأثر: فقول الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام: «من أدرك ركعةً من الصَّلاة فقد أدرك الصَّلاة»، و«أل» في قوله: «الصَّلاة» للعهد، أي: أدرك الصَّلاة التي أدرك من وقتها ركعة، وأما الصَّلاة التي قبلها فلم يدرك شيئًا من وقتها، وقد مَرَّ به وقتها كاملًا، وهو ليس أهلًا للوجوب فكيف نلزمه بقضائها؟!
وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر»، ولم يذكر وجوب قضاء الظُّهر.
وأما النَّظر فقالوا: إن هذا مُقتضى القياس الصَّحيح؛ لأننا متَّفقون على أنه لو أدرك ركعةً من صلاة الظُّهر ثم وُجِدَ مانعُ التكليف، لم يلزمه إلا قضاء الظُّهر فقط، مع أن وقت الظُّهر وقتٌ للظُّهر والعصر عند العُذر والجمع، فما الفرق بين المسألتين؟! كلتاهما أتى عليه وقت إحدى الصَّلاتين وهو ليس أهلًا للتكليف، لكن في المسألة الأولى مَرَّ عليه وقت الصَّلاة الأُولى، وفي المسألة الثانية مَرَّ عليه وقت الصَّلاة الثانية، فأنتم إما أن تُلزموه بالقضاء في المسألتين، كما قال به بعض العلماء، وإما ألا تُلزموه فيهما كما قاله أيضًا آخرون، أمَّا أن تُفرِّقوا فلا وجه لذلك.
فإن قالوا: فَرَّقنا بناءً على الأثر الوارد عن الصَّحابة.
فالجواب: الأثر الوارد عن الصَّحابة يُحمل - إن صَحَّ - على سبيل الاحتياط فقط؛ خوفًا من أن يكون المانعُ قد زال قبل أن يخرج وقت الأُولى، ولا سيما الحيض، فإن الحيض قد لا تعلم المرأة بطُهْرِها إلا بعد مُدَّة من طهارتها([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))))اهـ.[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) والفظ للبخاري (556).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((مجموع الفتاوى)) (23/ 332).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الكافي)) (1/ 195).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((المغني)) (1/ 280).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((الكافي)) (1/ 199).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) قال محققو ((الشرح الممتع)) ط. ابن الجوزي: ((رُويَ عن عبد الله بن عباس، وعبد الرحمن بن عوف.
أما أثر عبد الله بن عباس: فرواه أبو بكر بن أبي شيبة، كتاب الصلاة: باب الحائض تطهر آخر النهار، رقم (7206) ، والدارمي، كتاب الطهارة: باب المرأة تطهر عند الصلاة أو تحيض، رقم (886) عن يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس في الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس صلَّت الظهر والعصر، وإذا طهرت قبل الفجر صلت المغرب والعشاء.
ورواه ابن المنذر في «الأوسط» (2/243) ، والبيهقي في «السنن الكبرى» (1/387) وفي «المعرفة والآثار» (2/217) عن يزيد بن أبي زياد، عن طاووس، عن ابن عباس به، أي: إن يزيد يرويه تارة عن مقسم، وأخرى عن طاوُوس.
وضعَّف إسناده ابنُ التركماني في «الجوهر النقي» بسبب ضعف يزيد بن أبي زياد. ويزيد ضعيف كما في «التقريب»، زِدْ على ذلك أنه اضطرب فيه كما تقدم.
إلا أنه تابعه ليث بن أبي سليم، عن طاووس وعطاء، عن ابن عباس، فيما رواه البيهقي في «السنن الكبرى» (1/378)، وفي «المعرفة والآثار» (2/217).
وليث بن أبي سليم إضافةً لكونه مختلط قد اختُلِفَ عليه أيضًا؛ فتارة رفعه إلى ابن عباس كما تقدم، وتارة أوقفه على طاوُوس وعطاءَ؛ فيما رواه أبو بكر بن أبي شيبة، الموضع السابق، رقم (7208).
وقد ضعَّف هذا الإسناد ابنُ التركماني في «الجوهر النقي».
أمَّا أثر عبد الرحمن بن عوف، فرواه أبو بكر بن أبي شيبة، كتاب الصلاة: باب في الحائض تطهر آخر النهار، رقم (7204)، ومن طريقه ابن المنذر في «الأوسط» (2/243)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (1/387)، وفي «المعرفة والآثار» (2/217) عن مولى لعبد الرحمن بن عوف، عن عبد الرحمن نحو أثر ابن عباس.
قال ابن التركماني: «هذا المولى مجهول».
رواه عبد الرزاق رقم (1285) عن ابن جريج قال: حُدِّثت عن عبد الرحمن ابن عوف فذكره. وفيه جهالة من حدَّثه أيضًا. فالإسناد ضعيف))اهـ كلامهم، حفظهم الله.

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) ((الشرح الممتع)) (2/ 132- 136)، باختصار يسير.

محمد طه شعبان
2014-06-18, 08:36 AM
قوله: (وَيَجِبُ فَوْرًا قَضَاءُ فَوَائِتَ): لحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
قوله: (مُرَتَّبًا): ويجب أن يكون قضاء الفوائت مرتبًا؛ لأن الله تعالى أمرنا بها على هذا الترتيب، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا فاتته الصلاة صلاها مرتبة.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه، جَاءَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أُصَلِّي العَصْرَ، حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا» فَقُمْنَا إِلَى بُطْحَانَ، فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ، وَتَوَضَّأْنَا لَهَا، فَصَلَّى العَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا المَغْرِبَ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
قوله: (مَا لَمْ يَتَضَرَّرْ أَوْ يَنْسَ أَوْ يَخْشَ فَوْتَ حَاضِرَةٍ أَوِ اخْتِيَارِهَا): هذه أعذار ترك الفورية أو الترتيب في القضاء.
العذر الأول: التضرر: أن يكون القضاء على الفور سيسبب له ضررًا في بدنه أو ماله، أو غير ذلك؛ كمن به مرض لا يستطيع معه كثرة الصلاة، أو كمن سيسرق ماله إن صلى، ونحو ذلك؛ دفعًا للحرج والمشقة، وقد قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
العذر الثاني: النسيان: أن ينسى الترتيب؛ لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] قَالَ الله: قَدْ فَعَلْتُ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))».
العذر الثالث: أن يخش فوت وقت صلاة قد حضر وقتها: لأن أداء الصلاة التي حضر وقتها أولى.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ((مثال ذلك: رَجُل ذكر أن عليه فائتة، وقد بَقِيَ على أن يكون ظِلُّ كلِّ شيء مثليه ما لا يتَّسع للفائتة والحاضرة، ماذا نقول؟
الجواب: نقول: قَدِّم الحاضرةَ.
ورَجُل آخر ذكر فائتة، وقد بقيَ على طُلوع الشَّمس ما لا يتَّسع لصلاة الفائتة والفجر؛ ماذا نقول له؟
الجواب: نقول: قَدِّم الحاضرةَ، وهي الفجر.
ودليل الوجوب ما يلي:
أولًا: أن الله أمر أن تُصلَّى الحاضرةُ في وقتها، فإذا صَلَّيتَ غيرها أخرجتها عن الوقت.
ثانيًا: أنك إذا قدَّمت الفائتة لم تستفدْ شيئًا، بل تضرَّرت؛ لأنَّك إذا قدمت الفائتة صارت كلتا الصَّلاتين قضاء، وإذا بدأت بالحاضرة صارت الحاضرة أداء والثانية قضاء، وهذا أولى بلا شَكٍّ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))))اهـ.
العذر الرابع: أن يخش فوت وقت الاختيار للصلاة الحاضرة: فعليه أن يصلي الحاضرة قبل فوات وقت الاختيار؛ لأن تأخير الصلاة إلى وقت الضرورة محرم، كما تقدم.
قوله: (الثَّالِثُ: سَتْرُ الْعَوْرَةِ): الشرط الثالث لصحة الصلاة ستر العورة؛ ودليل ذلك قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31].
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ، قَالَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))».
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الحَارِثِ، قَالَ: سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ، فَقَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَجِئْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ أَمْرِي، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، وَعَلَيَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، فَاشْتَمَلْتُ بِهِ وَصَلَّيْتُ إِلَى جَانِبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «مَا السُّرَى يَا جَابِرُ» فَأَخْبَرْتُهُ بِحَاجَتِي، فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ: «مَا هَذَا الِاشْتِمَالُ الَّذِي رَأَيْتُ»، قُلْتُ: كَانَ ثَوْبٌ - يَعْنِي ضَاقَ - قَالَ: «فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8))».
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاتزار، وهو ستر أسفل الجسد.
وقد نُقل الإجماع على الصلاة لا تصح مِمَّنْ صلى عُريانًا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ إذَا كَانَ الرَّجُلُ خَالِيًا، وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَا بُدَّ مِنَ اللِّبَاسِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عُرْيَانَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى اللِّبَاسِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9))))اهـ.
وقال أيضًا: ((بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ؛ إنْ كَانَ ضَيِّقًا اتَّزَرَ بِهِ وَإِنْ كَانَ وَاسِعًا الْتَحَفَ بِهِ؛ كَمَا أَنَّهُ لَوْ صَلَّى وَحْدَهُ فِي بَيْتٍ كَانَ عَلَيْهِ تَغْطِيَةُ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))))اهـ.
قوله: (وَيَجِبُ حَتَّى خَارِجُهَا): أي: ويجب ستر العورة حتى خارج الصلاة؛ وذلك لعموم الأحاديث الواردة في ذلك، كما سيأتي.
قوله: (وَفِي خَلْوَةٍ وَظُلْمَةٍ): ويجب سترها في خلوة وظلمة؛ ودليل ذلك حديث بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ»، فَقَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ؟ قَالَ: «إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ»، قُلْتُ: وَالرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيًا، قَالَ: «فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))».
قوله: (بِمَا لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ): أي: يجب ستر العورة بما لا يصف لون البشرة؛ فإن وصف لون البشرة لم يعتد به؛ لأنه غير ساتر([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)).
قال المرداوي رحمه الله: ((إذَا كَانَ يَصِفُ الْبَشَرَةَ لَا يَصِحُّ السَّتْرُ بِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ؛ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا فَيُبَيِّنَ مِنْ وَرَائِهِ الْجِلْدَ وَحُمْرَتَهُ.
فَأَمَّا إنْ كَانَ يَسْتُرُ اللَّوْنَ، وَيَصِفُ الْخِلْقَةَ، لَمْ يَضُرَّ، قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يَضُرُّ إذَا وَصَفَ التَّقَاطِيعَ، وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ نُصَّ عَلَيْهِ، لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13))))اهـ.[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) متفق عليه: أخرجه البخاري (597)، ومسلم (684).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) متفق عليه: أخرجه البخاري (596)، ومسلم (631).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) انظر: ((كشف القناع)) (1/ 260)، و((شرح منتهى الإرادات)) (1/ 147).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) صحيح: أخرجه مسلم (126).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) أخرجه ابن ماجه (2045)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (82).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((الشرح الممتع)) (2/ 145).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) أخرجه أحمد (25167)، وأبو داود (641)، والترمذي (377)، وقال: حسن، وابن ماجه (655)، وحسنه الألباني في ((الإرواء)) (196).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) متفق عليه: أخرجه البخاري (361)، ومسلم (3010).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) ((مجموع الفتاوى)) (22/ 117).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) ((مجموع الفتاوى)) (116).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) أخرجه أحمد (20034)، وأبو داود (4017)، والترمذي (2769)، وقال: ((حَدِيثٌ حَسَنٌ))، وابن ماجه (1920)، والبخاري (1/ 64)، معلقًا، وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (203)، ومحققو المسند.

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) ((العدة شرح العمدة)) (68).

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) ((الإنصاف)) (1/ 449).

أم علي طويلبة علم
2014-06-25, 12:51 AM
فَصْلٌ

الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ فَرْضَا كِفَايَةٍ عَلَى الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الْمُقِيمِينَ لِلْخَمْسِ الْمُؤَدَّاةِ، وَالْجُمُعَةِ.
وَلَا يَصِحُّ إِلَّا مُرَتَّبًا مُتَوَالِيًا مَنْوِيًّا، مِنْ ذَكَرٍ مُمَيَّزٍ عَدْلٍ، وَلَوْ ظَاهِرًا، وَبَعْدَ الْوَقْتِ لِغَيْرِ فَجْرٍ.
وَسُنَّ كَوْنُهُ صَيِّتًا، أَمِينًا، عَالِمًا بِالْوَقْتِ.
وَمَنْ جَمَعَ أَوْ قَضَى فَوَائِتَ، أَذَّنَ لِلْأُولَى، وَأَقَامَ لِكُلِّ صَلَاةٍ.
وَسُنَّ لِمُؤَذِّنٍ وَسَامِعِهِ: مُتَابَعَةُ قَوْلِهِ سِرًّا؛ إِلَّا فِي الْحَيْعَلَةِ، فَيَقُولُ الْحَوْقَلَةَ، وَفِي التَّثْوِيبِ: صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ فَرَاغِهِ، وَقَوْلُ مَا وَرَدَ وَالدُّعَاءُ.
وَحَرُمَ: خُرُوجٌ مِنْ مَسْجِدٍ بَعْدَهُ بِلَا عُذْرٍ أَوْ نِيَّةِ رُجُوعٍ.


قوله: «هما فرضُ كِفَاية» ، هذا بيان لحكمهما.
الفرض في اللُّغة: القطع. وشرعاً: ما أُمِرَ به على سبيل الإلزام وهل هو أوكد من الواجب، أم هما بمعنى واحد ؟
الصحيح: أنهما بمعنى واحد، لكن ينبغي مراعاة ألفاظ الشَّرع، فما جاء بلفظ الفرض فَلْيُعبَّر عنه بالفرض، وإلا فبما عبَّر عنه الشَّارع؛ لأنَّ هذا أَولى في المتابعة.
والدَّليل على فرضيتهما: أَمْرُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم بهما في عِدَّة أحاديث ، وملازمته لهما في الحضر والسَّفر، ولأنه لا يتمُّ العلم بالوقت إلا بهما غالباً، ولتعيُّن المصلحة بهما؛ لأنَّهما من شعائر الإسلام الظَّاهرة.
وقوله: «كفاية» وهو الذي إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين.
ودليلُ كونه فرض كفاية: قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم لمالك بن الحُويرث: «إذا حضرت الصلاةُ فليُؤذِّنْ لكم أحدُكم»، وهذا يدلُّ على أنه يُكتَفَى بأذان الواحد، ولا يجبُ الأذان على كُلِّ واحد....

قوله: «على الرِّجال» ، جمع رَجُل، وتُطلق على البالغين، فخرج بذلك الصِّغار والإناث والخُنثى المُشكِل، فلا يجب على الصِّغار؛ لأنهم ليسوا رجالاً، وليسوا من أهل التَّكليف...
قوله: «المقيمين» ، ضِدُّ المسافرين، فالمسافرون لا أذان عليهم ولا إقامة، ولكن يُسَنُّ. هذا هو المذهب، ولكن لا دليل له، بل الدَّليل على خِلافه، وهو أنَّهُمَا واجبان على المقيمين والمسافرين، ودليله: أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال لمالك بن الحويرث وصحبِه: «إذا حضرت الصَّلاةُ فليؤذِّن لكم أحدُكُم»، وهم وافدون على الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام مسافرون إلى أهليهم، فقد أمر الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام أن يُؤذِّن لهم أحدُهم، ولأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لم يَدَعِ الأذان ولا الإقامة حَضَراً ولا سَفَراً، فكان يُؤذِّن في أسفاره ويأمر بلالاً رضي الله عنه أن يُؤذِّنَ.
فالصَّواب: وجوبُه على المقيمين والمسافرين.

قوله: «للصَّلوات» ، اللام للتعليل، يعني أنَّ الأذان والإقامة واجبان للصَّلاة وليسا واجبين فيها، والفرق بين الواجب للشيء والواجب فيه: أنَّ الواجب في الشيء من حقيقته وماهيَّتِه، كالتَّشهُّد الأوَّل مثلاً، وأمَّا الواجب للشيء فهو خارجٌ عن الحقيقة والماهيَّة، كالأذان والإقامة للصَّلاة، فهما خارجان عن الصَّلاة واجبان لها؛ فلو صَلَّى بدونهما صحَّت صلاتُه، ولو ترك التَّشهُّد الأوّل عمداً لم تصحَّ.
وقوله: «الخَمْسِ المكتوبة» ، يعني: المفروضة ومنها الجُمُعة؛ لأنها حَلَّت محلَّ الظُّهر.
ودليل وجوبه: قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا حضرت الصَّلاة فليؤذِّن لكم أحدُكم». وهو عامٌ في كلِّ الصَّلوات الخمس، ولأن مؤذِّنَه كان يواظب على أن يؤذِّن للصَّلوات الخمس، فكان واجباً.
وقوله: «المكتوبة»، أي: المفروضة، والوصف هنا بيان للواقع؛ إذ ليس هناك صلوات خمس غير مكتوبة؛ اللهم إلا أن يريد بقوله: «المكتوبة» المؤدَّاة، أي: التي تُفعل في الوقت، فيكون هذا له مفهوم؛ لأن المقضيَّة لا يجب لها الأذان على المذهب.
وقوله: «للصّلوات الخمس» خرج به ما عداها، فلو أراد الإنسان الوتر فإنه لا يؤذِّن له، ولو كُسِفَت الشمسُ لم يؤذِّنْ لذلك، وكذلك صلاة العيد لا أذان لها، ومثل ذلك المنذورة.
قوله: «المؤدَّاة» ، هكذا في بعض نُسخ «الرَّوض»، فخرج بهذا المقضيَّة، وهي التي تُصلَّى بعد الوقت، فلا يجب الأذان لها لكن يُسَنُّ.
والصَّواب: وجوبهما للصَّلوات الخمس المؤدَّاة والمقضيَّة، ودليله: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم: «لمَّا نام عن صلاة الفجر في سفره، ولم يستيقظ إلا بعد طُلوع الشَّمس؛ أمر بلالاً أن يُؤذِّنَ وأن يُقيمَ»، وهذا يَدلُّ على وجوبهما. ولعموم قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا حضرت الصَّلاةُ فليؤذِّنْ لكم أحدُكم»، فإنه يشمل حضورَها بعد الوقت وفي الوقت، ولكن إذا كان الإنسان في بلد قد أُذِّنَ فيه للصَّلاة، كما لو نام جماعةٌ في غرفة في البلد؛ ولم يستيقظُوا إلا بعد طلوع الشَّمس؛ فلا يجب عليهم الأذان اكتفاءً بالأذان العام في البلد، لأنَّ الأذان العام في البلد حصل به الكفاية وسقطت به الفريضةُ، لكن عليهم الإقامة.
وقوله: «للصلوات الخمس» هذا ما لم تُجمع الصَّلاة، فإنه يكفي للصَّلاتين أذان واحد، ولكن لا بُدَّ من الإقامة لكلِّ واحدة منهما.

والخُلاصة: أنه لا بُدَّ لوجوب الأذان والإقامة من شروط منها:
1 ـ أن يكونوا رجالاً. 2 ـ أن يكونوا مقيمين.
3 ـ في الصلوات الخمس. 4 ـ المؤدَّاة.
5 ـ أن يكونوا جماعة، بخلاف المنفرد فإنه سُنَّة في حَقِّه؛ لأنَّه ورد فيمن يرعى غنمه ويُؤذِّن للصَّلاة أنَّ الله يَغفر له ويُثيبه على ذلك . وهذا يَدلُّ على استحباب الأذان للمنفرد، وأنَّه ليس بواجب. فأصبحت الشروط خمسة. وقد يُفهم اشتراط كونهم «جماعة» من كلمة «رجال».




المرجع : الشرح الممتع -مختصرا-.

محمد طه شعبان
2014-06-25, 12:54 AM
فعلًا شرح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله شرح ممتع
فجزاكم الله خيرًا على إتحافنا به

محمد طه شعبان
2014-06-25, 11:34 AM
قوله: (وَعَوْرَةُ رَجُلٍ وَحُرَّةٍ مُرَاهِقَةٍ وَأَمَةٍ: مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ): ودليل حدود عورة الرَّجُل: حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ - عَبْدَهُ، أَوْ أَجِيرَهُ - فَلَا يَنْظُرْ إِلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ، وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جَرْهَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ وَهُوَ كَاشِفٌ عَنْ فَخِذِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «غَطِّ فَخِذَكَ فَإِنَّهَا مِنَ العَوْرَةِ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
وقد روى مسلم عن عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِي، كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ، أَوْ سَاقَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ، فَأَذِنَ لَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَوَّى ثِيَابَهُ، فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ فَقَالَ: «أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))».
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَا خَيْبَرَ، فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلَاةَ الغَدَاةِ بِغَلَسٍ، فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ، وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ، فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ، وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ حَسَرَ الإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ...([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
قال الإمام البخاري رحمه الله: ((وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَرْهَدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الفَخِذُ عَوْرَةٌ»، وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: «حَسَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَخِذِهِ»، وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ، وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ حَتَّى يُخْرَجَ مِنَ اخْتِلَافِهِمْ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))))اهـ.
وقال العلامة الألباني رحمه الله: ((ومن الواضح لدى كل ناظر في الأدلة التي ساقها المؤلف أن أدلة القائلين بأن الفخذ ليس بعورة فعلية من جهة ومبيحة من جهة أخرى وأدلة القائلين بأنه عورة قولية من جهة وحاظرة من جهة أخرى ومن القواعد الأصولية التي تساعد على الترجيح بين الأدلة والاختيار بعيدًا عن الهوى والغرض قاعدتان:
الأولى: الحاظر مقدم على المبيح.
والأخرى: القول مقدم على الفعل لاحتمال الخصوصية وغيرها؛ مع أن الفعل في بعض الأدلة المشار إليها لا يظهر فيها أنه كان مقصودًا متعمدًا؛ كحديث أنس وأثر أبي بكر، أضف إلى ذلك أنها وقائع أعيان لا عموم لها، بخلاف الأدلة القولية فهي شريعة عامة وعليها جرى عمل المسلمين سلفًا وخلفًا بحيث لا نعلم أن أحدًا منهم كان يمشي أو يجلس كاشفًا عن فخذيه كما يفعل بعض الكفار اليوم ومن يقلدهم من المسلمين الذين يلبسون البنطلون الذي يسمونه بـ(الشورت) وهو (التُّبَّانُ) في اللغة.
ولهذا فلا ينبغي التردد في كون الفخذ عورة ترجيحًا للأدلة القولية، فلا جرم أنْ ذهب إليه أكثر العلماء وجزم به الشوكاني في "نيل الأوطار" (2/ 52- 53) و"السيل الجرار" (1/ 160– 161).
نعم، يمكن القول بأن عورة الفخذين أخف من عورة السوأتين وهو الذي مال إليه ابن القيم في "تهذيب السنن"([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))))اهـ.
وأما الحرة غير البالغة، فدليل أن عورتها في الصلاة ما بين السرة إلى الركبة، فهو مفهوم حديث: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))».
فدل على أن غير الحائض تُقبل صلاتها بغير خمار.
وأما الأمَة - بالغة كانت أو غير بالغة - فدليل كون عورتها ما بين السرة إلى الركبة، فحديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ - عَبْدَهُ، أَوْ أَجِيرَهُ - فَلَا يَنْظُرْ إِلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ، وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8))».
وفي لفظ: «إِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ أَمَتَهُ، فَلَا يَنْظُرْ إِلَى عَوْرَتِهَا([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9))».
قالوا: في هذه الرواية جاء ذكر الأَمَة؛ والعورة المقصودة في هذه الرواية، هي ما صُرِّح ببيانه في الرواية الأولى؛ وهي ما بين السرة إلى الركبة([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10)).
فتبيَّن من هذا أن عورة الأمة ما بين السرة إلى الركبة، وهذا هو المذهب.
ولكن الصحيح أن عورة الأمة كعورة الحرة باستثناء الرأس والوجه.
وأما الاستدلال بالحديث المذكور، فقد أُجيبَ عليه بالأتي:
أولًا: أن الرواية التي فيها ذكر الأمة، لا تثبت؛ لأن فيها الوليد بن مسلم، وهو مدلس تدليس تسوية، وقد عنعن.
ثانيًا: أن هذه الرواية ليس فيها تحديد العورة.
ثالثًا: أن هناك رواية ثالثة، بلفظ: «وَإِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلَا تَنْظُرُ الْأَمَةُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ عَوْرَتِهِ؛ فَإِنَّ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ إِلَى رُكْبَتِهِ مِنَ الْعَوْرَةِ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))».
فبينت هذه الرواية أن المقصود تحديد عورة الرجل، وليس الأمة.
قال البيهقي رحمه الله: ((وَبَعْضُ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ يَنُصُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نُهِيُ الْأَمَةِ عَنِ النَّظَرِ إِلَى عَوْرَةِ السَّيِّدِ بَعْدَ مَا زُوِّجَتْ أَوْ نُهِيُ الْخَادِمِ مِنَ الْعَبْدِ أو الْأَجِيرِ عَنِ النَّظَرِ إِلَى عَوْرَةِ السَّيِّدِ بَعْدَ مَا بَلَغَا النِّكَاحَ؛ فَيَكُونُ الْخَبَرُ وَارِدًا فِي بَيَانِ مِقْدَارِ الْعَوْرَةِ مِنَ الرَّجُلِ لَا فِي بَيَانِ مِقْدَارِهَا مِنَ الْأَمَةِ([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12))))اهـ.
وقال البيهقي – أيضًا – رحمه الله: ((فَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَتْنِهِ؛ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي عَوْرَةِ الْأَمَةِ، وَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ وَبِسَائِرِ مَا يَأْتِي عَلَيْهِ مَعَهُ فِي عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13))))اهـ.
وقال الألباني رحمه الله: (("إذا زوج أحدكم عبده - أمته أو أجيره - فلا تنظر الأمة إلى شيء من عورته؛ فإن ما تحت السرة إلى الركبة من العورة". أخرجه الدارقطني وعنه البيهقي.
فهذه الرواية على خلاف الروايات السابقة فإنها صريحة في أن المنهي عنه النظرَ إنما هي الأمة، وأن ضمير "عورته" راجع إلى "أحدكم" والمقصود به السيد؛ وهذه الرواية أرجح عندي لسببين:
الأول: أنها أوضح في المعنى من الأولى؛ لأنها لا تحتمل إلا معنى واحدًا، بخلاف الأولى، فإنها تحتمل معنيين: أحدهما يتفق مع معنى هذه، والآخر يختلف عنه تمام الاختلاف، وهو الظاهر من المعنيين، وهو أن المنهي عن النظر إنما هو السيد، وأن ضمير "عورته" راجع إلى العبد أو الأجير أو الأمة؛ ولهذا استدل بعض العلماء بهذه الرواية على أن عورة الأمة كعورة الرجل ما بين السرة والركبة، قال: "ويريد به (يعني بقوله: عبده أو أجيره) الأمة، فإن العبد والأجير لا يختلف حاله بالتزويج وعدمه".
لكن المعنى الأول أرجح بدليل هذه الرواية التي لا تقبل غيره ويؤيده السبب الآتي وهو:
الآخر: أن الليث بن أبي سليم قد تابع سوارًا في روايته عن عمرو به، ولفظه: "إذا زوج أحدكم أمته أو عبده أو أجيره، فلا تنظر إلى عورته، والعورة ما بين السرة والركبة". أخرجه البيهقي (2/ 229) عن الخليل بن مرة عن الليث. وهذا السند إلى عمرو، وإن كان ضعيفًا، فإنه لا بأس به في الشواهد والمتابعات، وهذا صريح في المعنى الأول لا يحتمل غيره أيضًا، لكن رُوي الحديث بلفظ آخر، لا يحتمل إلا المعنى الآخر، وهو من طريق الوليد: حدثنا الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا بلفظ: "إذا زوج أحدكم عبده أو أمته أو أجيره، فلا ينظرن إلى عورتها". كذا قال "عورتها". أخرجه البيهقي (2/ 226)، والوليد هو ابن مسلم وهو يدلس تدليس التسوية، وقد عنعن بين الأوزاعي وعمرو، ثم هو لو صح، فليس فيه تعيين العورة من الأمة([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14))))اهـ.
فترجح أن هذا الحديث لا يصح الاستدلال به على تحديد عورة الأمة.
وأما أدلة أن رأس الأمة ووجهها ليس بعورة:
فالدليل الأول: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ عُمَرَ، ضَرَبَ أَمَةً لِآلِ أَنَسٍ رَآهَا مُتَقَنِّعَةً قَالَ: اكْشِفِي رَأْسَكِ، لَا تَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15)).
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا كَانَ مَشْهُورًا بَيْنَ الصَّحَابَةِ لَا يُنْكَرُ، حَتَّى أَنْكَرَ عُمَرُ مُخَالَفَتَهُ([16] (http://majles.alukah.net/#_ftn16))))اهـ.
الدليل الثاني: حديث أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ خَيْبَرَ وَالمَدِينَةِ ثَلاَثًا يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، فَدَعَوْتُ المُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ، فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلَا لَحْمٍ؛ أُمِرَ بِالأَنْطَاعِ، فَأَلْقَى فِيهَا مِنَ التَّمْرِ وَالأَقِطِ وَالسَّمْنِ، فَكَانَتْ وَلِيمَتَهُ. فَقَالَ المُسْلِمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، أَوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، فَقَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ مِنْ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّى لَهَا خَلْفَهُ وَمَدَّ الحِجَابَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ([17] (http://majles.alukah.net/#_ftn17)).
فدل هذا الحديث على أن الإماء كن لا يحتجبن.
الدليل الثالث: الإجماع: قال ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا على أن ليس على الأمة أن تغطي رأسها، وانفرد الحسن، فأوجب ذلك عليها([18] (http://majles.alukah.net/#_ftn18))))اهـ.
وقال ابن قدامة رحمه الله: ((وَصَلَاةُ الْأَمَةِ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ جَائِزَةٌ؛ هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِي هَذَا إلَّا الْحَسَنَ؛ فَإِنَّهُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْجَبَ عَلَيْهَا الْخِمَارَ إذَا تَزَوَّجَتْ، أَوْ اتَّخَذَهَا الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَاسْتَحَبَّ لَهَا عَطَاءٌ أَنْ تُقَنِّعَ إذَا صَلَّتْ([19] (http://majles.alukah.net/#_ftn19))))اهـ.
تنبيه:
إذا كان كشف الأمة لوجهها ورأسها سيؤدي إلى فتنة، وجب عليها سترهما سدًّا للذرائع، ودرءًا للمفاسد، وقد صرح بذلك ابن تيمية، وابن القيم، وابن عثيمين رحمهم الله جميعًا.
قوله: (وَابْنُ سَبْعٍ إِلَى عَشْرٍ الْفَرْجَانِ): أي: وعورة الصبي ابن سبع سنين إلى عشر، هي العورة المغلظة فقط؛ وهي القُبُل والدبر؛ لأنه لَمْ يبلغ بعدُ([20] (http://majles.alukah.net/#_ftn20)).
قوله: (وَكُلُّ الْحُرَّةِ عَوْرَةٌ): ودليل ذلك حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «المَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ([21] (http://majles.alukah.net/#_ftn21))».
قال الإمام أحمد رحمه الله: ((كل شيء من المرأة عورة، حتى ظفرهُا([22] (http://majles.alukah.net/#_ftn22)))).
وقال الإمام أحمد – أيضًا - رحمه الله: ((ظفر المرأة عورة، واذا خرجت فلا يَبِين منها لا يدها ولا ظفرها ولا خفها، فإن الخف يَصِفُ القدم، وأحب إليَّ أن تجعل كفها إلى عند يدها، حتى إذا خرجت يدها لا يبين منها شيء([23] (http://majles.alukah.net/#_ftn23))))اهـ.
قوله: (إِلَّا وَجْهَهَا فِي الصَّلَاةِ): أي: أن جميع المرأة عورة، ويستثنى من ذلك الوجه في الصلاة، فليس بعورة.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَيُكْرَهُ أَنْ تَنْتَقِبَ الْمَرْأَةُ وَهِيَ تُصَلِّي؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِمُبَاشَرَةِ الْمُصَلَّى بِجَبْهَتِهَا وَأَنْفِهَا، وَيَجْرِي مَجْرَى تَغْطِيَةِ الْفَمِ لِلرَّجُلِ([24] (http://majles.alukah.net/#_ftn24))، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَكْشِفَ وَجْهَهَا فِي الصَّلَاةِ وَالْإِحْرَامِ([25] (http://majles.alukah.net/#_ftn25))))اهـ.[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) أخرجه أحمد (6756)، وأبو داود (4114)، وحسنه الألباني في ((الإرواء)) (1803)، والأرناؤوط.

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه أحمد (15926)، وأبو داود (4014)، والترمذي (2798)، وقال: ((حَدِيثٌ حَسَنٌ))، وصححه الألباني ((تمام المنة)) (160)، والأرناؤوط بشواهده.

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) صحيح: أخرجه مسلم (2401).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) متفق عليه: أخرجه البخاري (371)، ومسلم (1365).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((صحيح البخاري)) (1/ 83).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((تمام المنة)) (159/ 160).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) أخرجه أحمد (25167)، وأبو داود (641)، والترمذي (377)، وقال: حسن، وابن ماجه (655)، وحسنه الألباني في ((الإرواء)) (196).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) أخرجه أبو داود (4141).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) أخرجه أبو داود (4113)، وفيه الوليد بن مسلم، وهو مدلس تدليس تسوية، وقد عنعنه.

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) انظر: ((نيل الأوطار)) (2/ 80).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) أخرجه البيهقي في ((الكبير)) (3234).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) ((السنن الكبير)) (2/ 320).

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) السابق.

[14] (http://majles.alukah.net/#_ftnref14))) ((سلسلة الأحاديث الضعيفة)) (2/ 373).

[15] (http://majles.alukah.net/#_ftnref15))) أخرجه عبد الرزاق (5064)، وابن أبي شيبة (6236) (6239)، بسند صحيح.

[16] (http://majles.alukah.net/#_ftnref16))) ((المغني)) (1/ 433).

[17] (http://majles.alukah.net/#_ftnref17))) متفق عليه: أخرجه البخاري (5085)، ومسلم (1365).

[18] (http://majles.alukah.net/#_ftnref18))) ((الإجماع)) رقم (77).

[19] (http://majles.alukah.net/#_ftnref19))) ((المغني)) (1/ 432).

[20] (http://majles.alukah.net/#_ftnref20))) قال الدكتور وهبة الزحيلي مرجحًا هذا القول بعدما ذكر أقوالًا عدة: ((ويظهر لي أن هذا الرأي أولى لاتفاقه مع حديث الأمر بالصلاة لسبع، والضرب عليها لعشر)). ((الفقه الإسلامي وأدلته)) (1/ 757).

[21] (http://majles.alukah.net/#_ftnref21))) أخرجه الترمذي (1173)، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ»، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (273).

[22] (http://majles.alukah.net/#_ftnref22))) ((أحكام النساء)) للإمام أحمد رواية الخلال (31).

[23] (http://majles.alukah.net/#_ftnref23))) السابق (32).

[24] (http://majles.alukah.net/#_ftnref24))) روى أبو داود (643)، وابن ماجه (966)، وحسنه الألباني، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ فِي الصَّلَاةِ.

[25] (http://majles.alukah.net/#_ftnref25))) ((المغني)) (1/ 432)، وانظر كلام ابن عبد البر في ((التمهيد)) (6/ 364).

أم علي طويلبة علم
2014-06-25, 03:12 PM
قال برهان الدين ابن مفلح رحمه الله: ((الْأَذَانُ: هُوَ فِي اللُّغَةِ: الْإِعْلَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] أَيْ: إِعْلَامٌ، وَقَوْلِهِ {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] أَيْ: أَعْلِمْهُمْ.
يُقَالُ: أَذَّنَ بِالشَّيْءِ يُؤَذِّنُ أَذَانًا وَتَأْذِينًا، وَأَذِينًا عَلَى وَزْنِ رَغِيفٍ: إِذَا أَعْلَمَ بِهِ، وَهُوَ اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْأُذُنِ، وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ كَأَنَّهُ يُلْقِي فِي آذَانِ النَّاسِ مَا يُعْلِمُهُمْ بِهِ.
وَفِي الشَّرْعِ: الْإِعْلَامُ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ قُرْبِهِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)) بِذِكْرٍ مَخْصُوصٍ.
وَالْإِقَامَةُ: هِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ أَقَامَ؛ وَحَقِيقَتُهُ: إِقَامَةُ الْقَاعِدِ.
وَفِي الشَّرْعِ: الْإِعْلَامُ بِالْقِيَامِ إِلَيْهَا بِذِكْرٍ مَخْصُوصٍ؛ كَأَنَّ الْمُؤَذِّنَ أَقَامَ الْقَاعِدِينَ، وَأَزَالَهُمْ عَنْ قُعُودِهِمْ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.




...أما تعريف الأذان شرعاً: فهو التعبُّد لله بذكرٍ مخصوص؛ بعد دخول وقت الصَّلاة؛ للإعلام به.
وهذا أولى من قولنا: الإعلامُ بدخول وقتِ الصَّلاة؛ لأنَّ الأذان عبادة فينبغي التنويه عنها في التَّعريف، ولأنَّ الأذان لا يتقيَّد بأوَّل الوقت؛ ولهذا إذا شُرع الإبراد في صلاة الظُّهر شُرِعَ تأخير الأذان أيضاً؛ كما وَرَدَ ذلك في الصحيح .
... أما الإقامة: فإنها في اللُّغَةِ مصدرُ أقام، من أقام الشيءَ إذا جعله مستقيماً.
أما في الشَّرع: فهي التعبُّد لله بذكرٍ مخصوص عند القيام للصَّلاة.
والفرق بينها وبين الأذان:
أن الأذان إعلام بالصلاة للتهيُّؤ لها والإقامة إعلامٌ للدُّخول فيها والإحرام بها، وكذلك في الصِّفة يختلفان.

أم علي طويلبة علم
2014-06-25, 03:47 PM
قوله: (وَسُنَّ كَوْنُهُ صَيِّتًا): لأن النبي صلى الله عليه وسلم اختار أبا محذورة للأذان لكونه صَيِّتًا([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))، وفي حديث عبد الله بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ؛ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))»، ولأنه أبلغ في الإعلام المقصود بالأذان([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
قوله: (أَمِينًا): لأنه مؤتمن على الأوقات.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))».
وَعَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤَذِّنُون َ أُمَنَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى فِطْرِهِمْ وَسُحُورِهِمْ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))».
قوله: (عَالِمًا بِالْوَقْتِ): فيستحب للمؤذن أن يكون عالمًا بوقت الصلاة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ((هذا ليس بشرط إن أراد أن يكون عالمًا به بنفسه؛ لأن ابنَ أمِّ مكتوم كان رجلًا أعمى لا يؤذِّن حتى يُقال له: «أصبحتَ أصبحتَ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))»، لكن الأفضل أن يكون عالمًا بالوقت بنفسه؛ لأنه قد يتعذَّر عليه من يُخبره بالوقت.
والعِلْمُ بالوقت يكون بالعلامات التي جعلها الشَّارع علامة، فالظُّهر بزوال الشَّمس، والعصر بصيرورة ظلِّ كُلِّ شيءٍ مثله بعد فيء الزَّوال، والمغرب بغروب الشَّمس، والعِشاء بمغيب الشَّفق الأحمر، والفجر بطلوع الفجر الثَّاني.
وهذه العلامات أصبحت في وقتنا علامات خفيَّة؛ لعدم الاعتناء بها عند كثير من النَّاس، وأصبح النَّاس يعتمدون على التقاويم والسَّاعات([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))))اهـ.


قوله: «ويكون المُؤَذِّنُ صَيِّتاً أميناً عَالماً بالوَقْتِ» ، كلمة «يكون» تحتمل الوجوب؛ وتحتمل الاستحباب، فيحتمل أنَّ المعنى يُستحب، ويحتمل أن المعنى يجب. ويمكن أن ننظر ما تقتضيه الأدلَّةُ من هذه الصِّفَات، فما دلَّت على وجوبه قلنا بوجوبه، وما دَلَّت على استحبابه قلنا باستحبابه.

فقوله: «صَيِّتاً» هذا مستحبٌ، وليس واجباً، فالواجب أن يُسْمِعَ من يُؤَذِّنُ لهم فقط، وما زاد على ذلك فغير واجب.

وقوله: «صَيِّتاً» يحتمل أن يكون المعنى قويَّ الصَّوتِ، ويحتمل أن يكون حسنَ الصَّوت، ويحتمل أن يكون حسنَ الأداء، ولكن الاحتمال الأخير ليس واضحاً من العبارة.

فهنا ثلاثةُ أوصاف تعود على التلفُّظ بالأذان:
1- قوَّة الصَّوت.
2- حُسْن الصَّوتِ.
3- حُسْن الأدَاءِ.
فهذا كُلُّه مطلوب.
ونستنبط من قوله: «صَيِّتاً» أن مكبِّرات الصَّوت من نعمة الله؛ لأنَّها تزيد صوت المؤذِّن قوَّة وحُسناً، ولا محذور فيها شرعاً، فإذا كان كذلك وكانت وسيلة لأمر مطلوب شرعي، فللوسائل أحكام المقاصد. ولهذا أمرَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم العبَّاس بن عبد المطلب أن ينادي يوم حنين: «أين أصحابُ السَّمُرَة»، لقوَّةِ صَوته.

فدلَّ على أنَّ ما يُطلبُ فيه قوَّةُ الصَّوت ينبغي أن يُختار فيه ما يكون أبلغ في تأديَة الصَّوت. ولكن ما يُتَّخذُ من تفخيم الصوت بما يسمُّونه «الصَّدَى» فليس بمشروع، بل قد يكون منهيًّا عنه إذا لزم منه تكرار الحرف الأخير لما فيه من الزِّيادة.

وقوله: «أميناً»، الظَّاهر من المذهب: أن كونه أميناً سُنَّة.
والصَّحيح أنَّه واجب؛ لأنَّ الأمانة أحد الرُّكنين المقصودين في كلِّ شيء، والثاني القوَّة كما قال تعالى: {{إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}} [القصص: 26] .
وقال العِفْريت الذي أراد أن يأتي بعرش «بلقيس» إلى سليمان: {{وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ}} [النمل: 39] .

وعدم السَّداد في العمل يأتي من اختلال أحد الوصفين: القوَّة والأمانة. وإذا وُجِدَ ضعيفٌ أمينٌ؛ وقويٌّ غيرُ أمين؛ أيُّهما يقدم؟
فالجواب: أنَّ الصَّحيح حسب ما يقتضيه العمل، فبعض الأعمال تكون مراعاة الأمانة فيه أَولى، وبعضها تكون مراعاة القوَّة أولى، فمثلاً القوَّة في الإمارة قد تكون أولى بالمراعاة، والأمانة في القضاء قد تكون أولى بالمراعاة.

وقوله: «أميناً»، أي: على الوقت، وعلى عورات النَّاس خصوصاً فيما سبق؛ حيث كان النَّاس يؤذِّنون فوق المنارة.

وقوله: «عالماً بالوقت»، هذا ليس بشرط إن أراد أن يكون عالماً به بنفسه؛ لأن ابنَ أمِّ مكتوم كان رجلاً أعمى لا يؤذِّن حتى يُقال له: «أصبحتَ أصبحتَ» ، لكن الأفضل أن يكون عالماً بالوقت بنفسه؛ لأنه قد يتعذَّر عليه من يُخبره بالوقت.
وقد يقال: المراد أن يكون عالماً بالوقت بنفسه أو بتقليد ثقة.
والعِلْمُ بالوقت يكون بالعلامات التي جعلها الشَّارع علامة، فالظُّهر بزوال الشَّمس، والعصر بصيرورة ظلِّ كُلِّ شيءٍ مثله بعد فيء الزَّوال، والمغرب بغروب الشَّمس، والعِشاء بمغيب الشَّفق الأحمر، والفجر بطلوع الفجر الثَّاني.

وهذه العلامات أصبحت في وقتنا علامات خفيَّة؛ لعدم الاعتناء بها عند كثير من النَّاس، وأصبح النَّاس يعتمدون على التقاويم والسَّاعات.
ولكن هذه التقاويم تختلف؛ فأحياناً يكون بين الواحد والآخر إلى ست دقائق، وهذه ليست هيِّنة ولا سيَّما في أذان الفجر وأذان المغرب؛ لأنَّهما يتعلَّق بهما الصِّيام، مع أن كلَّ الأوقات يجب فيها التَّحري، فإذا اختلف تقويمان وكلٌّ منهما صادرٌ عن عارف بعلامات الوقت، فإننا نُقدِّم المتأخِر في كلِّ الأوقات؛ لأنَّ الأصل عدم دخول الوقت، مع أن كلًّا من التَّقويمين صادر عن أهلٍ، وقد نصَّ الفقهاء رحمهم الله على مثل هذا فقالوا: لو قال لرَجُلين ارْقُبَا لي الفجر، فقال أحدهما: طلع الفجرُ، وقال الثاني: لم يطلع؛ فيأخذ بقول الثَّاني، فله أن يأكلَ ويشرب حتى يتَّفقا بأن يقول الثَّاني: طلع الفجر، أما إذا كان أحد التقويمين صادراً عن أعلم أو أوثق فإنَّه يقدَّم.

أم علي طويلبة علم
2014-06-26, 12:54 AM
وفي الشرح الممتع :

...ونقول: كلُّ ما جاءت به السُّنَّة من صفات الأذان فإنه جائز، بل الذي ينبغي: أنْ يؤذِّنَ بهذا تارة، وبهذا تارة إن لم يحصُل تشويش وفتنةٌ.
فعند مالك سبعَ عَشْرةَ جملة، بالتكبير مرتين في أوَّله مع الترجيع ـ وهو أن يقول الشهادتين سِرًّا في نفسه ثم يقولها جهراً ـ.
وعند الشافعي تسعَ عَشْرَة جملة، بالتكبير في أوَّله أربعاً مع الترجيع ، وكلُّ هذا مما جاءت به السُّنَّة، فإذا أذَّنت بهذا مرَّة وبهذا مرَّة كان أولى.
والقاعدة: «أن العبادات الواردة على وجوه متنوِّعة، ينبغي للإنسان أن يفعلها على هذه الوجوه»، وتنويعها فيه فوائد:

أولاً: حفظ السُّنَّة، ونشر أنواعها بين النَّاس.

ثانياً: التيسير على المكلَّف، فإن بعضها قد يكون أخفَّ من بعض فيحتاج للعمل.

ثالثاً: حضور القلب، وعدم مَلَله وسآمته.

رابعاً: العمل بالشَّريعة على جميع وجوهها.


وقوله: «يُرَتِّلُها»، أي: يقولها جملةً جملةً، وهذا هو الأفضل على المشهور. وهناك صفة أخرى: أنه يقرنُ بين التَّكبيرتين في جميع التَّكبيرات فيقول: اللَّهُ أكبرُ اللَّهُ أكبرُ، ثم: اللَّهُ أكبرُ اللَّهُ أكبرُ، ويقول في التَّكبير الأخير: اللَّهُ أكبرُ اللَّهُ أكبرُ. والأفضل أن يعمل بجميع الصِّفات الثابتة عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم إلا أن يخاف تشويشاً أو فتنة، فليقتصر على ما لم يحصُل به ذلك؛ لأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم تَرَكَ بناءَ الكعبة على قواعد إبراهيم خوفاً من الفتنة.
ولكن ينبغي أن يُروَّض النَّاسُ بتعليمهم بوجوه العبادة الواردة، فإذا اطمأنت قلوبُهم وارتاحت نفوسُهم؛ قام بتطبيقها عمليّاً؛ ليحصُل المقصود بعمل السُّنَّة من غير تشويش وفتنة.

وقوله: «على عُلْو»، أي: ينبغي أن يكون الأذان على شيء عالٍ؛ لأنَّ ذلك أبعد للصَّوت، وأوصل إلى النَّاس، ومن هنا نأخذ أن الأذان بالمكبِّر مطلوبٌ؛ لأنَّه أبعد للصَّوت وأوصل إلى النَّاس.

... وقوله: «مَرَّتين»، أي: يُرَدِّدُها مَرَّتين، ولم يذكر العلماء هل يلتفت يميناً وشمالاً، أو يبقى مستقبل القبلة؟
والأصل إذا لم يُذكر الالتفات أن يبقى على التوجّه إلى القِبلة. وهذا القول يُسمَّى التثويب، من ثاب يثوب إذا رجع؛ لأن المؤذِّنَ ثاب إلى الدَّعوة إلى الصلاة بذكر فضلها.
وقوله: «في أذان الصُّبْح» «أذان» مضاف و«الصُّبْح» مضاف إليه من باب إضافة الشيء إلى سببه، أي: الأذان الذي سببه طلوع الصُّبح، ويجوز أن يكون من باب إضافة الشيء إلى نوعه، أي: الأذان من الصُّبح، وأذان الصُّبْح: هو الأذان الذي يكون بعد طلوع الفجر، واختُصَّ بالتثويب لأن كثيراً من النَّاس يكون في ذلك الوقت نائماً، أو متلهِّفاً للنَّوم.

... وينبغي أن يُعلم «قاعدة» أشار إليها شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم:
«بأن العبادات الواردة على وجوه متنوِّعة؛ ينبغي أن تُفعل على جميع الوجوه؛ هذا تارة وهذا تارة، بشرط ألا يكون في هذا تشويش على العامة أو فتنة».

... وكذلك الأذان بالمُسجِّل غير صحيح؛ لأنَّه حكاية لأذان سابق، ولأنَّ الأذان عبادة، وسَبَقَ أنه أفضل من الإمامة، فكما أنَّه لا يصحُّ أن نسجِّل صلاة إمام ثم نقول للناس ائتمُّوا بهذا «المسجِّل»، فكذلك لا يصح الاعتماد على «المسجِّل» في الأذان، فمن اقتصر عليه لم يكن قائماً بفرض الكفاية.

...والخلاصة: أن الأذان له شروط تتعلَّقُ بالأذان نفسه، وشروط تتعلَّقُ بوقته، وشروط تتعلَّقُ بالمؤذِّن. أما التي تتعلق به فيُشترط فيه:
1- أن يكون مرتَّباً.
2- أن يكون متوالياً.
3- ألا يكون فيه لَحْنٌ يُحيل المعنى، سواء عاد هذا اللَّحن إلى علم النحو، أو إلى علم التَّصريف.
4- أن يكون على العدد الذي جاءت به السُّنَّة.

أما في المؤذِّن؛ فلا بُدَّ أن يكون:
1- ذكراً. 2- مسلماً. 3- عاقلاً.
4- مميِّزاً. 5- واحداً. 6- عدلاً.

أما الوقتُ؛ فيُشترطُ أن يكون بعد دخول الوقت، فلا يُجزئ قبله مطلقاً على القول الرَّاجح، ويُستثنى أذان الفجر على كلام المؤلِّف.

أم علي طويلبة علم
2014-06-26, 01:40 AM
لو قال قائل: هل ابتُليتُ بمصيبة حتى أقول: لا حولَ ولا قوَّة إلا بالله؟ لأنَّ العامَّة عندهم أن الإنسان إذا أُصيب بمصيبة قال: «لا حولَ ولا قوَّة إلا بالله». والمشروع عند المصائب أن تقول: «إنَّا لله، وإنَّا إليه راجعون»، أما هذه الكلمة: «لا حول ولا قوة إلا بالله» فهي مشروعة عند التحمُّل، وهي كلمة استعانة، وليست كلمة استرجاع.
فالجواب: أن المؤذِّنَ لما قال: «حيَّ على الصلاة»، فإنما دعاك إلى حضورها؛ فاستعنت بالله، وذلك حيثُ تبرَّأت من حولك وقوَّتك إلى ذي الحَول والقوَّة عزّ وجل فاستعنت به، وقلت: لا حَول ولا قوَّة إلا بالله، وهذا من باب التوسُّل بذكر حال الدَّاعي وكمال المدعو.
فإن قيل: ما هو الحَول؛ وما هي القوَّة؟

فقد قال العلماء: الحَول بمعنى التحوُّل، أي: لا تحوّل من حال إلى حال إلا بالله عزّ وجل. والقوَّة أخصُّ من القدرة، فكأنَّك قلت: لا أستطيع ولا أقوى على التَّحوُّل إلا بمعونة الله، ولهذا نقول: إن «الباء» في قوله: «إلا بالله» للاستعانة، فكلُّ إنسان لا يستطيع أن يتحوَّل من حال إلى حال، سواء من معصية إلى طاعة، أو من طاعة إلى أفضل منها إلا بالله عزّ وجل.

وقوله: «حيَّ على الفلاح» بعد قوله: «حيَّ على الصّلاة» تعميمٌ بعد تخصيص، أو دعاء إلى النتيجة والثَّواب بعد الدُّعاء إلى الصَّلاة، كأنه قال: أقبل إلى الصَّلاة، فإذا صليت نِلْتَ الفلاح.

وفي متابعة المؤذِّنِ دليلٌ على رحمة الله عزّ وجل، وسِعة فضله؛ لأن المؤذِّنين لما نالوا ما نالوه من أجر الأذان شُرع لغير المؤذِّن أن يتابعه؛ لينال أجراً كما نال المؤذِّن أجراً، ولهذا نظائر، فمن ذلك أنَّ الحُجَّاج يذبحون الهدايا يوم النَّحر، وغيرهم ممن لم يحجَّ شُرِع لهم ذبح الأضاحي، وكذلك الحجَّاج إذا أحرموا تركوا الترفُّه فلا يحلقون شعر الرَّأس، وغيرهم من أهل الأضاحي لا يأخذون من شعورهم.

وَقَوْلُه بَعْدَ فَرَاغِهِ: اللَّهُمَّ رَبَّ هذه الدَّعْوةِ التَّامَّةِ، ....................
قوله: «وقوله بعد فراغه: اللهم رَبَّ هذه الدَّعوةِ التَّامَّة... إلخ» ، الحقيقة أن المؤلِّف اقتصر في الدُّعاء الذي بعد الأذان على ما ذكره،
وإلا فينبغي بعد الأذان أن تُصلِّي على النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم ثم تقول: «اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة... إلخ»، وفي أثناء الأذان إذا قال المؤذِّن: «أشهد أنْ لا إله إلا الله، أشهد أنَّ محمداً رسولُ الله» وأجبته تقول بعد ذلك: «رضيت بالله رَبًّا وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً» كما هو ظاهر رواية مسلم حيث قال: «من قال حين سمع النداء: أشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمداً رسول الله، رضيت بالله رَبًّا وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً، غُفِرَ له ذَنْبه».
في رواية ابن رُمْح ـ أحد رجال الإسناد ـ: «من قال: وأنا أشهد». وفي قوله: «وأنا أشهد» دليلٌ على أنه يقولها عقب قول المؤذِّن: «أشهد أنْ لا إله إلا الله»، لأنَّ الواو حرف عطف، فيعطف قولَه على قولِ المؤذِّن. فإذاً؛ يوجد ذِكْرٌ مشروع أثناء الأذان.
وقوله: «اللهم رَبَّ هذه الدعوة التَّامة»، الدعوة التامة: هي الأذان؛ لأنه دعوة، ووَصَفَها بالتَّامة؛ لاشتمالها على تعظيم الله وتوحيده، والشهادة بالرسالة، والدعوة إلى الخير.

وقوله: «اللهُم رَبَّ»، اللَّهُ بالضم، وربَّ بالفتح، لأنَّ اللَّهَ عَلَمٌ مفردٌ فيُبنى على الضمِّ، و«ربَّ» مضاف، فيكون منصوباً؛ لأن المُنادى أو ما وقع بدلاً منه إذا كان مضافاً فإنه يكون منصوباً.

وقوله: «اللهم» منادى حُذِفَت منه ياءُ النداء، وعُوِّضَ عنها الميم، وجُعِلَت الميم بعد لفظ الجلالة تيمُّناً وتبرُّكاً بالابتداء بلفظ الجلالة، واخْتِيرَ لفظ الميم دون غيره من الحروف للدلالة على الجمع؛ كأن الدَّاعي يجمع قلبه على ربِّه عزّ وجل، وعلى ما يريد أن يدعوه به.
وقوله: «رَبَّ»، «ربّ» هنا بمعنى صاحبَ الدَّعوة الذي شرعها، ولو كانت «ربّ» بمعنى خالق أشكل علينا؛ لأنَّ هذه الدَّعوة فيها أسماء الله وهي غير مخلوقة؛ لأنها من الكلام الذي أخبر به عن نفسه، وكلامه غير مخلوق، لكن لو فَسَّرنا «ربّ» بمعنى خالق على إرادة اللفظ الذي هو فعل المؤذِّن، فهذا لا إشكال فيه.

والصَّلاَةِ القَائِمَةِ ..............
قوله: «والصَّلاة القائمة» ، أي: وربَّ هذه الصَّلاة القائمة؛ والمشار إليه ما تصوَّره الإنسانُ في ذِهنه؛ لأنك عندما تسمع الأذان تتصوَّر أنَّ هناك صلاة. و«القائمة»: قال العلماء: التي ستقام فهي قائمة باعتبار ما سيكون.

آتِ محمداً الوَسِيْلَةَ والفَضِيْلَةَ، وابْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُوداً الذي وَعَدْتُه.
قوله: «آتِ محمداً الوسيلةَ والفضيلةَ» ، آتِ: بمعنى أعطِ، وهي تنصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، والمفعول الأوَّل «محمداً» و«الوسيلة» المفعول الثَّاني. والوسيلة: بيَّنها الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام أنها: «درجة في الجنة، لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله»، قال: «وأرجو أن أكون أنا هو».
ولهذا نحن ندعو الله ليتحقَّق لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما رجَاه عليه الصَّلاة والسلام.
وأما الفضيلة: فهي المَنْقبَة العالية التي لا يشاركه فيها أحد.

قوله: «وابْعَثْهُ مَقَامَاً مَحْمُوداً الذي وَعَدْتهُ» ، ابعثه يوم القيامة «مقاماً» أي: في مقام محمود الذي وعدته، وهذا المقام المحمود يشمل كلّ مواقف القيامة، وأَخَصُّ ذلك الشفاعة العُظمى، حينما يلحق الناس من الكرب والغَمِّ في ذلك اليوم العظيم ما لا يُطيقون، فيطلبون الشفاعة من آدم، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى عليهم الصَّلاة والسَّلام، فيأتون في النهاية إلى نبيِّنا محمَّد عليه الصَّلاة والسَّلام فيسألونه أن يشفع إلى الله فيشفع لهم.
وهذا مقام محمود؛ لأن الأنبياء والرُّسل كلهم يعتذرون عن الشَّفاعة، إما بما يراه عُذراً كآدم ونوح وإبراهيم وموسى، وإمَّا لأنه يرى أن في المقام مَنْ هو أولى منه كعيسى. وانظر كيف أَلْهَمَ اللَّهُ الناسَ أن يأتوا إلى هؤلاء؛ لأن هؤلاء الأربعة هم أولو العزم، وآدم أبو البشر خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته، ثم انظر كيف يُلْهِمُ الله هؤلاء أن يعتذر كُلُّ واحد بما يرى أنَّه حائل بينه وبين الشفاعة، لأن الشافع لا يتقدَّم في الشَّفَاعة، وهو يرى أنه فعل ما يُخِلُّ بمقام الشَّفاعة، وهؤلاء الأربعة: آدم ونوح وإبراهيم وموسى؛ استحيوا أن يتقدَّموا في الشَّفاعة؛ لكونهم فعلوا ما يُخِلُّ بمقام الشَّفاعة في ظَنِّهم، مع أنهم قد تابوا إلى الله تعالى.
أما بالنسبة لإبراهيم عليه السلام فالذي فعله كان تأويلاً، لكن لكمال تواضعه اعتذر به. والخامس لم يذكر شيئاً يُخِلُّ بمقام الشفاعة، ولكن ذَكَرَ مَنْ هو أَولى منه في ذلك، وهو محمَّد عليه الصَّلاة والسَّلام لتتمَّ الكمالات لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وهذا من المقام المحمود الذي قال الله له فيه: {{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا *}} [الإسراء] هذه الدعوات. وقد ثَبَت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أن من صَلَّى عليه، ثم سأل الله له الوسيلة، فإنها تحلُّ له الشفاعة يوم القيامة».
فيكون مستحقًّا لها، وهذا لا شَكَّ أنه من نعمة الله سبحانه علينا وعلى الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم. أما علينا فلِمَا ننالُه من الأجر من هذا الدُّعاء، وأما على الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم. فلأن هذا مما يرفع ذكرَه أن تكون أمته إلى يوم القيامة تدعو الله له.

لكن لو قال قائل: إذا كانت الوسيلة حاصلة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فما الفائدة من أن ندعو الله له بها؟
فالجواب: لعلَّ من أسباب كونها له دُعاءُ النَّاس له بذلك، وإن كان صلّى الله عليه وسلّم أحقَّ الناس بها. ولأن في ذلك تكثيراً لثوابنا؛ وتذكيراً لحقِّه علينا.

وفي هذا الدُّعاء عِدَّة مسائل:
المسألة الأولى: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم بشرٌ لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضَرًّا، ووجهه: أننا أمرنا بالدُّعاء له.
المسألة الثانية: أن الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام أفضل البشر؛ لأنَّ الوسيلة لا تحصُل إلا له خاصَّة، ومعلومٌ أن الجزاء على قَدْرِ قيمة المجزيِّ، قال تعالى: {{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}} [المجادلة: 11] .
المسألة الثالثة: الإشكال في قوله: «آتِ محمَّداً»، ولم يقل: «آتِ رسول الله»، فكيف نجمع بين هذا وبين قوله تعالى: {{لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}} [النور: 63] على أحد التفسيرين في أنَّ المعنى لا تنادوه باسمه كما يُنادي بعضكم بعضاً؟
والجواب: أن النهي في الآية عن مناداته باسمه، وأما في باب الإخبار فلا نهيَ في ذلك.
وفي الآية قولٌ آخر؛ وهو أن قوله: {{لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا}} [النور: 63] من باب إضافة المصدر إلى فاعله لا إلى مفعوله، يعني: لا تجعلوا دُعاءَ الرَّسول إيَّاكم كدُعاء بعضكم بعضاً، إن شئتم أجبتم، وإن شئتم لم تجيبوا، بل تجب إجابته.

تنبيه: لم يذكر المؤلِّف قوله: «إنك لا تخلف الميعاد»؛ لأن المحدثين اختلفوا فيها، هل هي ثابتة أو ليست بثابتة؟

فمنهم من قال: إنها غير ثابتة لشُذُوذِها؛ لأن أكثر الذين رَوَوا الحديث لم يرووا هذه الكلمة، قالوا: والمقام يقتضي ألا تُحذف؛ لأنه مقام دُعاء وثناء، وما كان على هذا السبيل فإنه لا يجوز حذفه إلا لكونه غير ثابت؛ لأنه مُتَعَبَّدٌ به.
ومن العلماء من قال: إنَّ سندها صحيح، وإنها تُقال؛ لأنها لا تُنَافي غيرَها، وممن ذهب إلى تصحيحها الشيخ عبد العزيز بن باز، وقال: إن سندَها صحيح، وقد أخرجها البيهقي بسند صحيح. وقالوا: إنَّ هذا مما يُختم به الدُّعاء كما قال تعالى: {{رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ *}} [آل عمران]
فمن رأى أنَّها صحيحة فهي مشروعة في حقِّه، ومن رأى أنَّها شاذة فليست مشروعة في حقِّه، والمؤلِّف وأصحابُنَا يرون أنها شاذَّة ولا يُعمل بها.

أم علي طويلبة علم
2014-06-27, 02:37 AM
قوله: (شُرُوطُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ سِتَّةٌ): أي: الأشياء التي لابد أن تتوافر لكي تصح الصلاة، فإن فُقِدت أو فُقِد أحدُها، لَمْ تَصِح.
والشرط عند الفقهاء والأصوليين، هو: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم؛ فيلزم من عدم وجود الوضوء عدم الصلاة، ولا يلزم من وجود الوضوء وجود الصلاة ولا صحتها.
...
قوله: (وَدُخُولُ الْوَقْتِ): وهو الشرط الثاني لصحة الصلاة، ودليله قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103].




تنبيه:
اعترض بعضُ النَّاس على الفقهاء في كونهم يقولون: شروط، وأركان، وواجبات، وفروض، ومفسدات، وموانع، وما أشبه ذلك، وقالوا: أين الدَّليل من الكتاب والسُّنَّة على هذه التَّسمية، هل قال الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم: إن شروط الصَّلاة كذا، وأركانها كذا، وواجباتها كذا... فإن قلتم: نعم، فأرونا إيَّاه، وإن قلتم: لا، فلماذا تُحْدِثُون ما لم يفعله الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم؟!.
والجواب: أنَّ مثل هذا الإيراد دليلٌ على قِلَّة فَهْمِ مُوْرِدِه، وأنَّه لا يُفَرِّق بين الغاية والوسيلة، فالعلماء لمَّا ذكروا الشُّروط والأركان والوجبات؛ لم يأتوا بشيء زائد على الشَّرع، غاية ما هنالك أنهم صَنَّفوا ما دَلَّ عليه الشَّرع؛ ليكون ذلك أقرب إلى حصر العلوم وجمعها؛ وبالتَّالي إلى فهمها.
فهم يصنعون ذلك لا زيادة على شريعة الله، وإنما تقريباً للشَّريعة، والوسائل لها أحكام المقاصد، كما أنَّ المسلمين لا زالوا ـ وإلى الآن ـ يبنون المدارس، ويؤلِّفون الكتب وينسخونها، وفي الأزمنة الأخيرة صاروا يطبعونها في المطابع...


... قوله: «شُرُوطُهَا قَبْلَها» ، جملة خبرية مركَّبة من مبتدأ وخبر، ومعناها أن الشرُوط تقع قبلها؛ لكن لا بُدَّ من استمرارها فيها، والأركان توافق الشُّروط في أنَّ الصَّلاة لا تصحُّ إلا بها، لكن تُخالفها فيما يلي:

أولاً: أنَّ الشُّروط قبلها، والأركانَ فيها.

وثانياً: أنَّ الشُّروطَ مستمرَّة من قبل الدّخول في الصَّلاة إلى آخر الصَّلاة، والأركان ينتقل من ركن إلى ركن: القيام، فالرُّكوع، فالرَّفع من الرُّكوع، فالسُّجود، فالقيام من السُّجود، ونحو ذلك.

ثالثاً: الأركان تتركَّبُ منها ماهيَّةُ الصَّلاة بخلاف الشُّروط، فَسَتْرُ العورة لا تتركَّبُ منه ماهيَّة الصَّلاة؛ لكنه لا بُدَّ منه في الصَّلاة.


... وقول المؤلِّف: «منها الوقت»، هذا التَّعبير فيه تساهل؛ لأن الوقت ليس بشرط، بل الشَّرط دخول الوقت، لأننا لو قلنا: إنَّ الشَّرط هو الوقت، لزم ألا تصحَّ قبله ولا بعده، ومعلوم أنها تصحُّ بعد الوقت لعُذر؛ لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ نامَ عن صلاةٍ أو نسيها فليصلِّها إذا ذكرها»، وثبت عنه أنَّه صَلَّى الفجر بعد طلوع الشَّمس ، فتحريرُ العِبارة أن يقول: «منها دخول الوقت».
وسبقَ أن الصَّلاة قبل الوقت لا تصحُّ بالإجماع.

وهل تصحُّ بعد الوقت؟
نقول: إن كان الإنسان معذوراً فإنها تصحُّ بالنصِّ والإجماع.
أما النصُّ: فالقرآن والسُّنَّة. أما القرآن: فإن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لما ذكر قوله: «من نام عن صلاة...» إلخ، تلا قوله تعالى: {{وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي}} [طه: 14] ، وتلاوته للآية استشهادٌ بها.
ومن السُّنَّة: الحديث السابق.
وأما الإجماع: فمعلومٌ.

وهل تصحُّ بعد خروج الوقت بدون عُذر؟
جمهور أهل العلم على أنها تصحُّ بعده مع الإثم.
والصَّحيح: أنها لا تصحُّ بعد الوقت إذا لم يكن له عُذر، وأنَّ من تعمَّد الصَّلاة بعد خروج الوقت فإن صلاته لا تصحُّ، ولو صَلَّى ألف مَرَّة؛ لأن الدَّليل حدَّد الوقت، فإذا تعمَّد أن تكون صلاتُه خارج الوقت لم يأتِ بأمر الله، وقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «من عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ»، إذاً فتكون الصَّلاةُ مردودة.
وقد يُشكل على بعض الناس فيقول: إذا كان المعذور يلزمه أن يُصلِّي بعد الوقت، وإذا تعمَّد يُقال: لا يصلِّي!! أليس إلزام المتعمِّد بالقضاء أَولى من إلزام المعذور.
فيقال: إن قولنا للمتعمّد: لا يقضي بعد الوقت؛ ليس تخفيفاً عليه، ولكن ردًّا لعَمَلِه؛ لأنه على غير أمر الله وهو آثم، فيكون هذا أبلغ في رَدْعِهِ وأقربُ لاستقامته، والذي صَلَّى وهو معذور بعد الوقت غير آثم. إذاً؛ المتعمّد عليه أن يتوبَ إلى الله تعالى مما فعله، ولا يُصلِّي.

أم علي طويلبة علم
2014-06-27, 03:01 AM
قوله: (طَهَارَةُ الْحَدَثِ): هذا هو الشرط الأول من شروط صحة الصلاة، وهو الطهارة من الحدث؛ والمقصود بالحدث: الأكبر والأصغر، ودليل شرطية الطهارة لصحة الصلاة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةَ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَرُوا}[المائدة: 6].


إلى قوله تعالى: {{وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}} [المائدة: 6] .
ووجه الدلالة: أن الله تعالى أمر ـ إذا قمنا إلى الصَّلاة ـ بالوُضُوء من الحدث الأصغر، والغُسُل من الجنابة، والتيمُّم عند العدم، وبَيَّن أن الحكمةَ في ذلك التطهير. إذاً؛ الإنسان قبل ذلك غيرُ طاهر، ومن كان غيرَ طاهر فإنه غيرُ لائق أن يكون قائماً بين يدي الله عزّ وجل.


- المرجع الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين رحمه الله -

أم علي طويلبة علم
2014-06-27, 03:14 AM
قوله: (فَوَقْتُ الظُّهْرِ مِنَ الزَّوَالِ): أي: أن وقت الظهر يبدأ من بداية زوال الشمس؛ وبيان ذلك أن الشمس إذا طلعت من المشرق فإنها تظل ترتفع وتسير حتى تأتي في كبد السماء - وهي حالة الاستواء ووسط النهار - ثم تبدأ بعد ذلك في الزوال عن كبد السماء نحو المغرب؛ فإذا زالت عن كبد السماء ولو بقدر شعرة، فإنه يكون حينها دخل وقت الظهر.
كيف يُعرف زوال الشمس؟
إذا طلعت الشمس من ناحية المشرق، فإنه يكون لكل شاخص ظِلٌّ طويل، ناحية المغرب، ثم كلما أخذت الشمس في الارتفاع فإن الظل ينقص، ثم إذا توسطت الشمس في كبد السماء، فإن نقصان الظل يتوقف، ثم إذا أخذت الشمس في الزوال، فإن الظل يبدأ في الزيادة من ناحية المشرق.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَمَعْنَى زَوَالِ الشَّمْسِ: مَيْلُهَا عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ؛ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِطُولِ ظِلِّ الشَّخْصِ بَعْدَ تَنَاهِي قِصَرِهِ؛ فَمَنْ أَرَادَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ فَلْيُقَدِّرْ ظِلَّ الشَّمْسِ، ثُمَّ يَصْبِرْ قَلِيلًا، ثُمَّ يُقَدِّرْهُ ثَانِيًا، فَإِنْ كَانَ دُونَ الْأَوَّلِ فَلَمْ تَزُلْ، وَإِنْ زَادَ وَلَمْ يَنْقُصْ فَقَدْ زَالَتْ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))))اهـ.
وقال النووي رحمه الله: ((الزَّوَالُ هُوَ مَيْلُ الشَّمْسِ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ بَعْدَ انْتِصَافِ النَّهَارِ؛ وَعَلَامَتُهُ: زِيَادَةُ الظِّلِّ بَعْدَ تَنَاهِي نُقْصَانِهِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ ظِلَّ الشَّخْصِ يَكُونُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ طَوِيلًا مُمْتَدًّا، فَكُلَّمَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ نَقَصَ، فَإِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ وَقَفَ الظِّلُّ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ عَادَ الظِّلُّ إِلَى الزِّيَادَةِ، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ هَلْ زَالَتْ؟ فَانْصِبْ عَصًا أَوْ غَيْرَهَا فِي الشَّمْسِ عَلَى أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ وَعَلِّمْ عَلَى طَرْفِ ظِلِّهَا ثُمَّ رَاقِبْهُ؛ فَإِنْ نَقَصَ الظِّلُّ عَلِمْتَ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَزُلْ، وَلَا تَزَالُ تُرَاقِبُهُ حَتَّى يَزِيدَ؛ فَمَتَى زَادَ عَلِمْتَ الزَّوَالَ حِينَئِذٍ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))اهـ.
قوله: (حَتَّى يَتَسَاوَى مُنْتَصِبٌ وَفَيْؤُهُ سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ): أي: أن وقت الظهر يستمر حتى يتساوى طول الشيء المنتصب مع فيئه([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))، وزيادة فَيْء الزوال.
وَفَيءُ الزوال هو الظل الذي يكون موجودًا عند استواء الشمس في كبد السماء، عندما تتوقف عن النقصان.
والمعنى أن وقت الظهر يستمر حتى ترى للشاخص ظلًّا يساوي طوله وزيادة الظل الذي كان موجودًا عند استواء الشمس في كبد السماء؛ وهو ما يُسمى فَيْءَ الزوال، أو ظل الزوال؛ فإنه لا يُحسب ولا يُعتبر؛ لكونه غير منضبط؛ بل يختلف من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان؛ فيقصر ظل الزوال في فصل الصيف، وكلما طال النهار قصر الظل، ويطول في فصل الشتاء، وكلما قصر النهار طال الظل، كما أنه يقصر كلما قرب المكان إلى خط الاستواء.
ومعرفة ذلك أن يضبط الظِّلَّ الذي زالت عليه الشمس، ثم ينظر الزيادة عليه، فإن بلغت طول الشخص فقد انتهى وقت الظهر؛ فلو زالت الشمس – مثلًا – على مقدار 25 سم وكان طول الشخص مترًا ونصفًا، فإنه يُنتظر حتي يكون ظل الزوال 175 سم.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ، أَنْ يَضْبِطَ مَا زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، ثُمَّ يَنْظُرَ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ قَدْرَ الشَّخْصِ، فَقَدِ انْتَهَى وَقْتُ الظُّهْرِ؛ وَمِثْلُ شَخْصِ الْإِنْسَانِ سِتَّةُ أَقْدَامٍ وَنِصْفٍ بِقَدَمِهِ، أَوْ يَزِيدُ قَلِيلًا، فَإِذَا أَرَدْت اعْتِبَارَ الزِّيَادَةِ بِقَدَمِكَ مَسَحْتَهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الزَّوَالِ، ثُمَّ أَسْقَطْتَ مِنْهُ الْقَدْرَ الَّذِي زَالَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ، فَإِذَا بَلَغَ الْبَاقِي سِتَّةَ أَقْدَامٍ وَنِصْفٍ فَقَدْ بَلَغَ الْمِثْلَ، فَهُوَ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَأُوَلُ وَقْتِ الْعَصْرِ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))))اهـ.





فَوَقْتُ الظُّهْرِ مِنَ الزَّوَالِ إِلى مُسَاوَاةِ الشَّيءِ فَيْئَه بَعْدَ فَيءِ الزوال.
ثم شرع المؤلِّف رحمه الله في بيان أوقات الصَّلاة تفصيلاً فقال: «فوقت الظُّهر من الزَّوال» ، بدأ بها المؤلِّف؛ لأن جبريل بدأ بها حين أَمَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم ، ولأن الله تعالى بدأ بها حين ذكر أوقات الصَّلاة فقال: {{أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}} الآية [الإسراء: 78] ،
وبعض العلماء يبدأ بالفجر؛ لأنها أوَّل صلاة النَّهار، ولأنَّها هي التي يتحقَّق بالبَدَاءة بها أن تكون صلاة العصر الوسطى من حيثُ العدد.
والخَطْبُ في هذا سَهْلٌ، يعني سواء بدأنا بالظُّهر، أو بدأنا بالفجر، المهم أن نعرف الأوقات.

قوله: «إلى مُسَاواةِ الشَّيءِ فيئَه» ، أي: ظِلَّه، «بعد فيءِ الزَّوال» ، يقول بعضُ أهل اللغة: الفيءُ هو الظِلُّ بعد الزَّوال، وأما قبله فيُسمَّى ظلاً، ولا يُسمَّى فيئاً، وما قالوه له وجه، لأنَّ الفيءَ مأخوذ من فاء يفيء، إذا رجعَ، كأن الظِلَّ رجع بعد أن كان ضياء، أما الذي لم يزل موجوداً فلا يُسمَّى فيئاً؛ لأنَّه لم يزل مظلماً.

فقوله: «مساواةِ الشَّيءِ فيئَه بعد فيءِ الزَّوال»، وذلك أن الشَّمس إذا طلعت صار للشَّاخص ظِلٌّ نحو المغرب ـ والشَّاخص الشيء المرتفع ـ ثم لا يزال هذا الظِلُّ ينقص بقدر ارتفاع الشمس في الأُفق حتى يتوقف عن النقص، فإذا توقَّف عن النقص، ثم زاد بعد توقُّف النقص ولو شعرة واحدة فهذا هو الزَّوال، وبه يدخل وقت الظُّهر.

وقوله: «بعد فيءِ الزَّوال»، أي: أنَّ الظِلَّ الذي زالت عليه الشمس لا يُحسب، ففي وقتنا الآن حين كانت الشِّمس تميل إلى الجنوب لا بُدَّ أن يكون هناك ظِلٌّ دائمٌ لكلِّ شاخص من النَّاحية الشِّمالية له، وهذا الظِلُّ لا يُعتبر، فإذا بدأ يزيد فَضَعْ علامةً على ابتداء زيادته، ثم إذا امتدَّ الظِلُّ من هذه العلامة بقدر طول الشَّاخص، فقد خرج وقت الظُّهر، ودخل وقت العصر، ولا فرق بين كون الشَّاخص قصيراً أو طويلاً، لكن تَبَيُّن الزِّيادة والنقص في الظِلِّ فيما إذا كان طويلاً أظهر.

أما علامة الزَّوال بالسَّاعة فاقسمْ ما بين طُلوع الشَّمس إلى غروبها نصفين، وهذا هو الزَّوال، فإذا قدَّرنا أن الشمس تطلع في الساعة السادسة، وتغيب في الساعة السادسة، فالزوال في الثانية عشرة.




- المرجع الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين رحمه الله -

أم علي طويلبة علم
2014-06-27, 04:08 PM
فإن قيل: ما معنى وقت الضَّرورة؟
فالجواب: أن يضطر الإنسان إلى تأخيرها عن وقت الاختيار.
مثاله: أن يشتغل إنسان عن العصر بشغل لا بُدَّ منه، ولنفرض أنه أُصيب بجرح؛ فاشتغل به يُلبِّده ويِضَمّدُه، وهو يستطيع أن يصلِّيَ قبل الاصفرار، لكن فيه مشقَّة، فإذا أخَّر وصَلَّى قُبيل الغروب فقد صَلَّى في الوقت ولا يأثم، لأنَّ هذا وقت ضرورة، فإذا اضطر الإنسان إلى تأخيرها لوقت الضَّرورة فلا حرج، وتكون في حقِّه أداء.

______________________________ ___________


...ما المراد بنصف الليل؟ هل الليل من غروب الشَّمس إلى طُلوعها؟ أو من غروب الشَّمس إلى طُلوع الفجر؟
أما في اللغة العربية: فكلاهما يُسمَّى ليلاً، قال في «القاموس»: «الليل: من مغرب الشَّمس إلى طُلوع الفجر الصَّادق أو الشمس»[(217)].
أما في الشَّرع: فالظَّاهر أن الليل ينتهي بطلوع الفجر، وعلى هذا نقول: الليل الذي يُنَصَّفُ من أجل معرفة صلاة العشاء:
من مغيب الشَّمس إلى طُلوع الفجر، فنِصْفُ ما بينهما هو آخر الوقت، وما بعد منتصف الليل ليس وقتاً للصَّلاة المفروضة، إنما هو وقت نافلة وتهجُّد.

______________________________ _____________


...فإن قيل: ما الحكمة في جعلها في هذه الأوقات؟
فالجواب:
أمَّا الفجر: فإن ظُهور الفجر بعد الظَّلام الدَّامس من آيات الله عزّ وجل التي يستحقُّ عليها التَّعظيم والشُّكر، فإن هذا النُّور السَّاطع بعد الظَّلام الدَّامس لا أحد يستطيع أن يأتيَ به إلا الله؛ لقوله تعالى: {{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيَكُمْ بِضِيَاءٍ}} [القصص: 71] .

وأما الظُّهر: فلأنَّ انتقال الشَّمس من الناحية الشرقية إلى الغربية أيضاً من آيات الله عزّ وجل، فإنه لا يستطيع أحدٌ أن ينقلها من هذه الجهة إلى هذه الجهة إلا اللَّهُ عزّ وجل.

وأما العصر: فلا يظهر لنا فيها حكمة، ولكنَّه لا شَكَّ أن لها حكمةً بالغةً.

وأما المغرب: فالحكمة فيها كالحكمة في صلاة الفجر، وهو أن الليل من آيات الله عزّ وجل العظيمة التي يستحقُّ عليها الشُّكر والتَّعظيم.

وكذلك نقول في العِشَاء: لأنَّ مغيب الشَّفق وزوال آثار الشَّمس، هو أيضاً من الآيات العظيمة الدَّالة على كمال قدرة الله عزّ وجل وحكمته.





- المرجع الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين رحمه الله -

محمد طه شعبان
2014-07-30, 01:10 PM
قوله: (وَمَنِ انْكَشَفَ بَعْضُ عَوْرَتِهِ وَفَحُشَ ... أَعَادَ): أي: من تكشفت بعض عورته في الصلاة، وكان هذا الانكشاف فاحشًا عُرفًا بطلت صلاته.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وإن انكشف من العورة شيء يسير عُفي عنه؛ لأن اليسير يشق التحرز منه، وإن كثر بطلت الصلاة به؛ لأن التحرز منه ممكن، وإن أطارت الريح ثوبه عن عورته، فأعاده بسرعة، لَمْ تبطل صلاته؛ لأنه يسير فأشبه اليسير في العورة([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))اهـ.
قوله: (أَوْ صَلَّى فِي نَجِسٍ ... - ثَوْبًا أَوْ بُقْعَةً – أَعَادَ): وذلك لأن اجتناب النجاسة شرط لصحة الصلاة كما سيأتي؛ فإن تعمد عدم اجتناب النجاسة، بطلت صلاته ووجبت عليه الإعادة، وأما إن كان لا يعلم بوجود النجاسة، فلا إعادة عليه؛ ودليل ذلك حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ، قَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ»، قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا - أَوْ قَالَ: أَذًى»، وَقَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ: فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
فدل هذا الحديث على أن من لم يكن متعمدًا فلا يعيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لَمْ يُعِد؛ ودل أيضًا على أن من كان عامدًا فعليه الإعادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام بخلعه فور علمه بتنجسه، ولأنه صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة رضوان الله عليهم بإزالة النجاسة.
قوله: (أَوْ غَصْبٍ - ثَوْبًا أَوْ بُقْعَةً – أَعَادَ): وكذلك لو صلى في ثوب مغصوب أو بقعة مغصوبة فعليه الإعادة؛ والمغصوب: كلُّ ما أُخِذَ من مالكه قهرًا بغير حقٍّ، سواءٌ أُخِذَ بصورة عقد أو بدون صورة عقد.
فمثلًا: لو جاء إنسان لآخر وغصب منه أرضًا وصَلَّى فيها؛ فصلاته لا تصحُّ؛ لأنها مغصوبة.
ولو جاء إنسانٌ إلى آخر وقال: بِعْنِي أرضك، قال: لا أبيعها، قال: بِعْهَا وإلا قتلتك، فباعها إكراهًا، وصَلَّى فيها المُكْرِه فلا تصحُّ؛ وإن كانت مأخوذة بصورة عقد([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وقولهم بعدم صحة الصلاة في المغصوب – سواء كان ثوبًا أو بقعة -، كقولهم بعدم صحة الوضوء بالماء المغصوب؛ فالدليل هو هو؛ وهو أن الإسلام نهى عن الغصب؛ فلا تصح العبادة بشيء منهي عنه، ولا فيه.
وقد تقدم أن الصحيح في المسألة صحةُ العبادة مع الإثم؛ للغصب؛ وذلك لأن النهي جاء عن شيء خارج.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((ولا أعلم دليلًا أثريًّا يدلُّ على عدم صحَّة الصَّلاة في الأرض المغصوبة؛ لكنَّ القائلين بذلك علَّلوا بأن الإنسان منهيٌّ عن المقام في هذا المكان؛ لأنه مِلْك غيره، فإذا صَلَّى فصلاتُه منهيٌّ عنها؛ والصَّلاة المنهيُّ عنها لا تصحُّ؛ لقول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «من عَمِلَ عملًا ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ»، ولأنها مضادَّة للتعبُّد، فكيف يُتعبَّد لله بمعصيته؟
والقول الثَّاني في المسألة: أنها تصحُّ في المكان المغصوب مع الإثم؛ لأن الصلاة لم يُنْهَ عنها في المكان المغصوب، بل نُهيَ عن الغصب، والغصب أمر خارج، فأنت إذا صَلَّيت فقد صَلَّيت كما أُمرتَ، وإقامتك في المغصوب هي المحرَّمة.
وأما قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «من عَمِلَ عملًا ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ»، فلا دليل فيه على عدم صحَّة الصلاة في المكان المغصوب إلا لو قال: "لا تصلُّوا في الأرض المغصوبة"، فلو قال ذلك لقلنا: إن صلَّيت في مكان مغصوب، فصلاتُك باطلة، لكنه قال في النَّهي عن الغصب: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]، وهذا يدلُّ على تحريم الغصب لا على بُطلان الصَّلاة في المغصوب.
والقول الثاني في هذه المسألة هو الرَّاجح([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))اهـ.
قوله: (لَا مَنْ حُبِسَ فِي مَحَلٍّ نَجِسٍ أَوْ غَصْبٍ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ): أي: مَنْ حُبِس في محلٍّ نجس أو مغصوب، فلا إعادة عليه؛ لأنه مُكره، والإكراه عذر شرعي؛ لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))».[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ((الكافي)) (1/ 227).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه أحمد (11153)، وأبو داود (650)، والدارمي (1418)، وابن خزيمة (786)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (284).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (2/ 248).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) السابق.

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) أخرجه ابن ماجه (2043)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (82).

محمد طه شعبان
2014-07-31, 06:01 PM
قوله: (الرَّابِعُ: اجْتِنَابُ نَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا فِي بَدَنٍ وَثَوْبٍ وَبُقْعَةٍ مَعَ الْقُدْرَةِ): الشرط الرابع من شروط صحة الصلاة هو اجتناب النجاسة في البدن والثوب والبقعة؛ ودليل اجتاب النجاسة في هذه الثلاثة، ما يلي:
أولًا: دليل اجتناب النجاسة في البدن: حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ المَدِينَةِ، أَوْ مَكَّةَ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ» ثُمَّ قَالَ: «بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
وفي لفظ لمسلم: «لَا يَسْتَنْزِهُ عَنِ الْبَوْلِ».
وهذا دليل على أنَّه يجبُ التنزُّه من البول، وكذلك أحاديث الاستنجاء والاستجمار كلُّها تفيد أنه يجب التنزُّه من النَّجاسة في البدن.
ثانيًا: دليل اجتناب النجاسة في الثوب: قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4].
وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ يَسَارٍ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِي إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَأَنَا أَحِيضُ فِيهِ فَكَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: «إِذَا طَهُرْتِ فَاغْسِلِيهِ، ثُمَّ صَلِّي فِيهِ»، فَقَالَتْ: فَإِنْ لَمْ يَخْرُجِ الدَّمُ؟ قَالَ: «يَكْفِيكِ غَسْلُ الدَّمِ وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُه([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
وحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ، قَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ»، قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا - أَوْ قَالَ: أَذًى»، وَقَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ: فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))».
فهذه الأدلة تدل على وجوب اجتناب النجاسة في الثوب.
ثالثًا: أدلة اجتناب النجاسة في البقعة: قوله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125].
وحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ المَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
فدل على وجوب اجتناب النجاسة في البقعة.
ويُستثنى من هذا النجاسةُ المعفوُّ عنها؛ كيسير الدم ويسير القيح والصديد([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))، فلا يجب اجتنابها.
كما يُعفى عن النجاسات مع عدم القدرة على إزالتها؛ فإن حُبِس ببقعة نجسة، وصلى صَحَّتْ صلاته؛ لأنه مُكْره، والإكراه عذر شرعي؛ لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))».
قوله: (وَمَنْ جَبَرَ عَظْمَهُ أَوْ خَاطَهُ بِنَجِسٍ - وَتَضَرَّرَ بِقَلْعِهِ - لَمْ يَجِبْ): أي: لَمْ يجب قلعه، وتصح صلاته؛ للضرورة؛ لأن ذلك يبيح ترك التطهر من الحدث، وهو آكد([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
قوله: (وَيتَيَمَّمَ إِنْ لَمْ يُغَطِّهِ اللَّحْمُ): فإن كان الشيءُ النجسُ الذي جَبَرَ به عظمه أو خاطه به، ظاهرًا لَمْ يُغَطِّه اللحمُ، وجب له التيمم؛ على ما تقدم في كتاب الطهارة أن النجاسة في البدن غير المقدور على إزالتها، يُتَيمم لها، وهذا هو المذهب.
والراجح أن النجاسة لا يُتيمم لها؛ لعدم الدليل على ذلك؛ فلا يجب عليه التيمم.
والتفريق بين ما غطاه اللحم وما لم يُغَطِّه اللحم؛ أن ما غطاه اللحمُ صار في حكم النجاسة الباطنة؛ كالْعَذِرة والبول.
قوله: (وَلَا تَصِحُّ بِلَا عُذْرٍ فِي مَقْبَرَةٍ وَخَلَاءٍ وَحَمَّامٍ): أي: لا تصح الصلاة في مقبرة، ولا خلاء – وهو مكان قضاء الحاجة -، ولا حَمَّام – وهو المكان الذي يغتسل فيه -؛ ودليل ذلك حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ، إِلَّا الْمَقْبَرَةَ، وَالْحَمَّامَ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8))».
وقد جاء النهي عن الصلاة في هذه الأماكن؛ لأنها مواضع للنجاسة، وتزيد المقبرة بعلة أخرى؛ وهي أنَّ الصَّلاة في المقبرة قد تُتَّخذ ذريعة إلى عبادة القبور، أو إلى التشبُّه بمن يعبدُ القُبور؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَلَوْلَا ذَاكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
قوله: (وَأَعْطَانِ إِبِلٍ): ولا تصح الصلاة أيضًا في أعطان الإبل - وَهِي الْمَوَاضِعُ الَّتِي تَرْبِضُ فِيهَا وتأوي إِلَيْهَا عِنْد رُجُوعهَا مِنَ الْمَرْعَى -؛ ودليل ذلك حديث جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَوَضَّأْ» قَالَ أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: «نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ»، قَالَ: أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: «لَا»([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10)).
فهذا نهي من النبي صلى الله عليه وسلم، والنهي يقتضي الفساد.
قوله: (وَمَجْزَرَةٍ): أي: ولا تصح في مجزرة - وهو الموضع الذي تُجْزَرُ فيه الإبل، وتذبح فيه البقر والغنم -؛ لأجل النجاسة التي فيها من دماء الذبائح، فتحرم الصلاة فيها([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11)).
قوله: (وَمَزْبَلَةٍ): ولا تصح الصلاة في المزبلة - وَهِيَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُجْمَعُ فِيهِ النَّجَاسَةُ وَالْكُنَاسَةُ وَالزُّبَالَةُ -؛ وذلك لأنها مظنة النجاسة.
قوله: (وَقَارِعَةِ طَرِيقٍ): أي: ولا تصح الصلاة في قارعة الطريق؛ لأن فيه تضييقًا على الناس.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَقَارِعَةُ الطَّرِيقِ: يَعْنِي الَّتِي تَقْرَعُهَا الْأَقْدَامُ؛ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ؛ مِثْلُ الْأَسْوَاقِ وَالْمَشَارِعِ وَالْجَادَّةِ لِلسَّفَرِ؛ وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِيمَا عَلَا مِنْهَا يَمْنَةً وَيَسْرَةً وَلَمْ يَكْثُرْ قَرْعُ الْأَقْدَامِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي يَقِلُّ سَالِكُوهَا، كَطُرُقِ الْأَبْيَاتِ الْيَسِيرَةِ([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12))))اهـ.
وقال المرداوي رحمه الله: ((وَقِيلَ: يَصِحُّ فِيهِ طُولًا، إنْ لَمْ يَضِقْ عَلَى النَّاسِ، لَا عَرْضًا؛ وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي طَرِيقِ الْأَبْيَاتِ الْقَلِيلَةِ([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13)))).
قلت: والصحيح أن الصلاة في قارعة الطريق صحيحة؛ لعدم الدليل على بطلانها؛ وفعلها يحرم أو يكره بحسب درجة التضييق على المارَّة.
وقد ورد حديث عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي الْمَزْبَلَةِ، وَالمَجْزَرَةِ، وَالمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَفِي الحَمَّامِ، وَفِي مَعَاطِنِ الإِبِلِ، وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14)).
وهو حديث ضعيف لا يصح.
قوله: (وَلَا فِي أَسْطِحَتِهَا): أي: لا تصح الصلاة على أسْطُح هذه الأماكن المذكورة؛ لأن الهواء له حكم القرار.
والصحيح صحتها؛ لعدم الدليل.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَإِنْ صَلَّى عَلَى سَطْحِ الْحُشِّ([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15)) أَوِ الْحَمَّامِ أَوِ عَطَنِ الْإِبِلِ أَوْ غَيْرِهَا، فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُصَلِّي فِيهَا؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ، فَيَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُهُ، وَلِذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، فَدَخَلَ سَطْحَهَا، حَنِثَ، وَلَوْ خَرَجَ الْمُعْتَكِفُ إلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ.
وَالصَّحِيحُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - قَصْرُ النَّهْيِ عَلَى مَا تَنَاوَلَهُ، وَأَنَّهُ لَا يُعَدَّى إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إنْ كَانَ تَعَبُّدِيًّا فَالْقِيَاسُ فِيهِ مُمْتَنِعٌ؛ وَإِنْ عُلِّلَ فَإِنَّمَا تَعَلَّلَ بِكَوْنِهِ لِلنَّجَاسَةِ، وَلَا يُتَخَيَّلُ هَذَا فِي سَطْحِهَا))اهـ.[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) متفق عليه: أخرجه البخاري (216)، ومسلم (292).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه أحمد (8767)، وأبو داود (365)، وصححه الألباني في «الإرواء» (168).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) أخرجه أحمد (11153)، وأبو داود (650)، والدارمي (1418)، وابن خزيمة (786)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (284).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) متفق عليه: أخرجه البخاري (221)، ومسلم (284).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) انظر أدلة المذهب في العفو عن هذه الأشياء، في كتاب الطهارة، فصل النجاسات وكيفية تطهيرها.

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) أخرجه ابن ماجه (2043)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (82).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) انظر: ((الكافي)) (1/ 221).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) أخرجه أحمد (11788)، وأبو داود (492)، والترمذي (317)، وابن ماجه (745)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (1/ 320).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1330)، ومسلم (529).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) أخرجه مسلم (360).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) ((حاشية الروض المربع)) عبد الرحمن بن قاسم (1/ 543).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) ((المغني)) (2/ 35).

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) ((الإنصاف)) (1/ 493).

[14] (http://majles.alukah.net/#_ftnref14))) أخرجه الترمذي (346)، وابن ماجه (746)، وضعفه الألباني في ((الإرواء)) (287).

[15] (http://majles.alukah.net/#_ftnref15))) الحُشُّ: الْبُسْتَان. وَفِيه لُغَتَانِ: حُشٌّ وحَشٌّ. وَجَمْعُهُ حِشَّان. وَسُمِّي مَوضِع الخلَاء حُشًّا؛ لأَنهم كَانُوا يقضون حوائجهم فِي الْبَسَاتِين. ((تهذيب اللغة)) (3/ 254).

أم علي طويلبة علم
2014-08-02, 03:55 AM
قوله: «فإن أحرمَ باجتهاد فَبَانَ قَبْلَه فَنَفْلٌ وإلا فَفَرْضٌ» ... فإن قيل في الصُّورة الثانية التي تكون نَفْلاً: لماذا صارت نَفْلاً وهو لم ينوِها؛ وقد قال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمالُ بالنيَّات» ؟
فالجواب: أن يُقال: صلاة الفريضة تتضمَّن نيَّتين:
نيَّةَ صلاة، ونيَّةَ كونها فريضة، فنيَّةُ كونها فريضة بَطَلَت لتبيُّن أنها قبل الوقت، فيبقى نيَّةُ كونها صلاة، ولهذا ينبغي أن يُذكر هنا قاعدة، ذكرها الفقهاء في قولهم: «وينقلب نَفْلاً ما بان عَدَمُهُ، كفائتةٍ لم تَكُنْ، وفرضٍ لم يدخلْ وقتُهُ».
مثال ذلك: إنسان ظَنَّ أن عليه صلاةً فائتةً، فصلَّى، ثم تبيَّن أنَّه قد صلاَّها من قبل، فتكون هذه الصلاة نافلة.
ومثال الفرض الذي لم يدخل وقتُهُ: أن يصلِّي المغربَ ظنًّا منه أن الشَّمس قد غربت، ثم يتبيَّن أنها لم تغرب، فتكون هذه نافلة، ويُعيدُها فرضاً بعد الغروب.


قوله: «وإن أدرك مكلَّفٌ» ، «المكلَّف»: هو البالغ العاقل، ووُصِفَ بذلك للزوم العبادات له، والعبادات نوع إلزام وتكليف، وإن كان ليس فيها مشقَّة، لكن الإنسان ملزمٌ بها.

قوله: «من وقتها قدْرَ التَّحريمة» ، أي: قَدْرَ تكبيرة الإحرام، وهذا مبنيٌّ على أن المعتبر في إدراك الصَّلاة هو إدراك تكبيرة الإحرام.

قوله: «ثم زالَ تكليفُه» ، أي: بأن جُنَّ بعد العقل، أو أُغميَ عليه.

قوله: «أَوْ حَاضَتْ، ثُمَّ كُلِّفَ وَطَهُرتْ؛ قَضَوْها» ، أي: المرأة بعد دخول وقتِ الصَّلاة بِقَدْرِ تحريمة، فزال تكليفُها، لكن لا لفوات شرط، ولكن لوجود مانع الوجوب وهو الحيض، وإلا فهي بالغة عاقلة، ولهذا فرَّق المؤلِّف فقال: «ثم كُلِّفَ، وطَهُرَت»، أي طَهُرَت الحائض. وفي هذا لَفٌّ ونشرٌ مرتَّبٌ.
فقوله: «ثم كُلِّف»، عائد على قوله: «ثم زال تكليفُه».

وقوله: «طَهُرت»، عائد على قوله: «أو حاضت»، فاللفُّ والنَّشر هنا مرتَّبٌ، ومعنى اللَّفِّ والنَّشرِ المرتَّب: أنك إذا أتيت بالحكم عائداً على ما سبق، فإن كان على ترتيب ما سبق؛ فهو مرتّب، وإن كان على خلافه؛ فهو غير مرتَّب؛ ويُسمَّى «مشوَّشاً».

مثال غير المرتَّب: قوله تعالى: {{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}}، ثم قال: {{فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ}} ، فبدأ بحكم الثاني قبل الأول.

ومثال المرتَّب: قوله تعالى: {{فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ}} ، {{فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ}} ، فبدأ بحكم الأوَّل.

وقوله: «ثم كُلِّفَ وطَهُرَت؛ قَضَوها». كيف قال: «قَضَوها» وقد قال قبل ذلك: «إن أدرك مكلَّف من وقتها»، وقال: «ثم حاضت» ولم يقل: قضياها؟ لأنَّ المراد بالمكلَّف هنا الجنس، أو العموم؛ لوقوعه بعد الشَّرط، فلهذا صَحَّ أن يعود الضمير على اثنين مجموعاً. «قَضَوها»، أي: قَضَوا تلك الصَّلاة.
مثال الحائض: امرأة حاضت بعد أن غربت الشَّمسُ، وبعد أن مضى مقدار تكبيرة الإحرام، فنقول لها: إذا طَهُرْتِ وجب عليك قضاء صلاة المغرب، وأما صلاة العشاء فلا يلزمها قضاؤها، لأنَّه أتى عليها الوقتُ وهي حائضٌ...

...وقال بعض أهل العلم: لا يلزمه قضاء الصَّلاة؛ إلا إذا أدرك من وقتها قَدْر ركعة ؛ لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «من أدركَ ركعةً من الصَّلاة فقد أدرك الصَّلاة» ، وهذا لم يُدرك ركعة. هذان قولان.
وقال بعض أهل العلم ـ واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ: لا يلزمه القضاء لا المكلَّف ولا الحائض؛ إلا إذا بقي من وقت الصَّلاة بمقدار فعل الصَّلاة فحينئذ يلزم القضاء.
الأدلة:
أما دليل الأوَّل الذي يجعل ذلك منوطاً بتكبيرة الإحرام: فبناءً على التّعليلِ السَّابق: أنَّه أدرك جُزءاً من الصَّلاةِ، والصَّلاةُ لا تتجزَّأ، فيكون كما لو كان أدركها كاملة.
وأما القائلون بإدراك رَكعة فحجَّتُهم الحديث: «من أدرك ركعةً من الصَّلاة فقد أدرك الصَّلاة».
وأما الذين قالوا: إنه لا يلزمه حتى يتضايق الوقت عنها فقالوا: إن الإنسان له أن يؤخِّرَ هذه الصَّلاة حتى يتضايق وقتها، فإذا طرأ المانع فقد طرأ عليه في وقت يجوز له تأخيرها إليه، وهو غير مفرِّط ولا معتدٍ؛ بل فاعل ما يجب عليه، ولأن هذا الأمر يقع كثيراً في حيض النِّسَاء، ولم يُنقل أن المرأة إذا حاضت في أثناء الوقت أُلزِمَت بقضاء الصَّلاة التي حاضت في أثناء وقتها، والأصل براءة الذِّمة، وهذا التَّعليل تعليلٌ قويٌّ جداً.
وبناءً عليه: إذا زال التكليف، أو وُجِدَ المانعُ في وقت واسع، فإنَّ هذه الصَّلاة لا يلزم قضاؤها، فإنْ قضاها احتياطاً فهو على خير، وإن لم يقضها فليس بآثم، والعِلَّة كما ذكرت.
وأجابوا عن الحديث: بأن قوله: «من أدرك ركعةً من الصَّلاة» فالإدراك يكون في الغالب في الأخير لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «... ما أدركتم فصلُّوا»، أي: ما أدركتم في آخر صلاة الإمام، فالإدراك غالباً يكون في الأخير. ونقول: إذا أدرك من وقتها قَدْرَ فعلها فإنَّه يكون قد أدركها، أما إذا زال التَّكليف، أو وُجِدَ المانعُ في وقتٍ يجوز له التَّخيُّر فيه فإنه ليس بآثم ولا معتدٍ، فلا يُلزم بالقضاء.

والقول الثَّاني أحوطُ.




المصدر : الشرح الممتع (2/ 127-132) باختصار

أم علي طويلبة علم
2014-08-02, 04:47 AM
قوله: (وَيَجِبُ فَوْرًا قَضَاءُ فَوَائِتَ): لحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
قوله: (مُرَتَّبًا): ويجب أن يكون قضاء الفوائت مرتبًا؛ لأن الله تعالى أمرنا بها على هذا الترتيب، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا فاتته الصلاة صلاها مرتبة.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه، جَاءَ يَوْمَ الخَنْدَقِ، بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أُصَلِّي العَصْرَ، حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا» فَقُمْنَا إِلَى بُطْحَانَ، فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ، وَتَوَضَّأْنَا لَهَا، فَصَلَّى العَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا المَغْرِبَ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).



قوله: «ويجب فوراً قضاء الفوائت» ، الواجب: ما أُمِرَ به على وجه الإلزام بالفعل.

وقوله: «فوراً»، أي: مبادرة بدون تأخير.

وقوله: «قضاء الفوائت»، القضاء: ما فُعِلَ بعد وقته المحدَّد له.
والفوائت جمع فائتة، وهي كلُّ عبادة مُؤقَّتة خرج وقتها قبل فعلها؛ سواء كانت نَفْلاً أم فرضاً كالصَّلوات الخمس.
دليل وجوب القضاء: قولُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ نَامَ عن صلاةٍ أو نسيها فَلْيُصَلِّها إذا ذكرها». واللام في قوله: «فَلْيُصَلِّها» للأمر، والأمر للوجوب.

ولأنَّ الذي فاتته العبادة شُغِلت ذمَّتُه بها، فوجبَ عليه قضاؤها؛ لأنها كانت دَيْناً كما قال الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام في المرأة التي سألته هل تحجُّ عن أمِّها قال: «أرأيت إنْ كان على أمِّكِ دَيْنٌ؛ أكنتِ قَاضِيَةً؟ اقضُوا اللَّهَ، فاللَّهُ أحقُّ بالوفاءِ».
وقوله: «يجب فوراً قضاء الفوائت»، ظاهر كلام المؤلِّف أنَّه لا فرق بين أن يدعها عمداً بلا عُذر، أو يدعها لعُذر، وهذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم: أن قضاء الفوائت واجب، سواء تركها لعُذر أم لغير عُذر، أي: حتى المتعمِّد الذي تعمَّد إخراج الصَّلاة عن وقتها يقال له: إنك آثم وعليك القضاء، وهذا مذهب الأئمة الأربعة، وجمهور أهل العلم ...

قوله: «مرتِّباً» ، أي: يبدأ بها بالتَّرتيب، فإذا كان عليه خمس صلوات تبتدئ بالظُّهر، صَلَّى الظُّهر، ثم العصر، ثم المغرب، ثم العشاء، ثم الفجر.

والدليل على ذلك ما يلي:
1- قوله صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ نام عن صلاة، أو نسيها فَلْيُصلِّها...» فهذا يشمل عينَ الصلاة، وكيفيَّة الصَّلاة، وكذلك يشمل مكان الصلاة في موضعها من الصّلوات، فيلزم أن تكون في موضعها الترتيبي، فمثلاً: الظُّهر يصلِّيها ما بين الفجر والعصر، وحينئذ يكون صلاَّها، وكذلك المغرب ما بين العصر والعشاء.

2- وكذلك ثبت عن النبيِّ عليه الصلاة والسَّلام أنه فاته أربعُ صلواتٍ في الخندق فقضاها مرتِّباً.

3- وكذلك في الجَمْع؛ كان يجمع بين الصَّلاتين، فيبدأ بالأُولى .

فكلُّ هذه الأدلَّة تدلُّ على أنه يجب الترتيب في قضاء الفوائت.






المصدر: الشرح الممتع ( 2/ 136-144) باختصار

أم علي طويلبة علم
2014-08-02, 05:18 AM
قوله: (مَا لَمْ يَتَضَرَّرْ أَوْ يَنْسَ أَوْ يَخْشَ فَوْتَ حَاضِرَةٍ أَوِ اخْتِيَارِهَا): هذه أعذار ترك الفورية أو الترتيب في القضاء.
العذر الأول: التضرر: أن يكون القضاء على الفور سيسبب له ضررًا في بدنه أو ماله، أو غير ذلك؛ كمن به مرض لا يستطيع معه كثرة الصلاة، أو كمن سيسرق ماله إن صلى، ونحو ذلك؛ دفعًا للحرج والمشقة، وقد قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
العذر الثاني: النسيان: أن ينسى الترتيب؛ لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] قَالَ الله: قَدْ فَعَلْتُ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))».
العذر الثالث: أن يخش فوت وقت صلاة قد حضر وقتها: لأن أداء الصلاة التي حضر وقتها أولى.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ((مثال ذلك: رَجُل ذكر أن عليه فائتة، وقد بَقِيَ على أن يكون ظِلُّ كلِّ شيء مثليه ما لا يتَّسع للفائتة والحاضرة، ماذا نقول؟
الجواب: نقول: قَدِّم الحاضرةَ.
ورَجُل آخر ذكر فائتة، وقد بقيَ على طُلوع الشَّمس ما لا يتَّسع لصلاة الفائتة والفجر؛ ماذا نقول له؟
الجواب: نقول: قَدِّم الحاضرةَ، وهي الفجر.
ودليل الوجوب ما يلي:
أولًا: أن الله أمر أن تُصلَّى الحاضرةُ في وقتها، فإذا صَلَّيتَ غيرها أخرجتها عن الوقت.
ثانيًا: أنك إذا قدَّمت الفائتة لم تستفدْ شيئًا، بل تضرَّرت؛ لأنَّك إذا قدمت الفائتة صارت كلتا الصَّلاتين قضاء، وإذا بدأت بالحاضرة صارت الحاضرة أداء والثانية قضاء، وهذا أولى بلا شَكٍّ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))))اهـ.
العذر الرابع: أن يخش فوت وقت الاختيار للصلاة الحاضرة: فعليه أن يصلي الحاضرة قبل فوات وقت الاختيار؛ لأن تأخير الصلاة إلى وقت الضرورة محرم، كما تقدم.
قوله: (الثَّالِثُ: سَتْرُ الْعَوْرَةِ): الشرط الثالث لصحة الصلاة ستر العورة؛ ودليل ذلك قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31].
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ، قَالَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَّا بِخِمَارٍ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))».
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الحَارِثِ، قَالَ: سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ، فَقَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَجِئْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ أَمْرِي، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، وَعَلَيَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، فَاشْتَمَلْتُ بِهِ وَصَلَّيْتُ إِلَى جَانِبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «مَا السُّرَى يَا جَابِرُ» فَأَخْبَرْتُهُ بِحَاجَتِي، فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ: «مَا هَذَا الِاشْتِمَالُ الَّذِي رَأَيْتُ»، قُلْتُ: كَانَ ثَوْبٌ - يَعْنِي ضَاقَ - قَالَ: «فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8))».
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاتزار، وهو ستر أسفل الجسد.
وقد نُقل الإجماع على الصلاة لا تصح مِمَّنْ صلى عُريانًا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ إذَا كَانَ الرَّجُلُ خَالِيًا، وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَا بُدَّ مِنَ اللِّبَاسِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عُرْيَانَا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى اللِّبَاسِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9))))اهـ.
وقال أيضًا: ((بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ؛ إنْ كَانَ ضَيِّقًا اتَّزَرَ بِهِ وَإِنْ كَانَ وَاسِعًا الْتَحَفَ بِهِ؛ كَمَا أَنَّهُ لَوْ صَلَّى وَحْدَهُ فِي بَيْتٍ كَانَ عَلَيْهِ تَغْطِيَةُ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))))اهـ.
قوله: (وَيَجِبُ حَتَّى خَارِجُهَا): أي: ويجب ستر العورة حتى خارج الصلاة؛ وذلك لعموم الأحاديث الواردة في ذلك، كما سيأتي.
قوله: (وَفِي خَلْوَةٍ وَظُلْمَةٍ): ويجب سترها في خلوة وظلمة؛ ودليل ذلك حديث بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ»، فَقَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ؟ قَالَ: «إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ»، قُلْتُ: وَالرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيًا، قَالَ: «فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))».
قوله: (بِمَا لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ): أي: يجب ستر العورة بما لا يصف لون البشرة؛ فإن وصف لون البشرة لم يعتد به؛ لأنه غير ساتر([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)).
قال المرداوي رحمه الله: ((إذَا كَانَ يَصِفُ الْبَشَرَةَ لَا يَصِحُّ السَّتْرُ بِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ؛ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا فَيُبَيِّنَ مِنْ وَرَائِهِ الْجِلْدَ وَحُمْرَتَهُ.
فَأَمَّا إنْ كَانَ يَسْتُرُ اللَّوْنَ، وَيَصِفُ الْخِلْقَةَ، لَمْ يَضُرَّ، قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يَضُرُّ إذَا وَصَفَ التَّقَاطِيعَ، وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ نُصَّ عَلَيْهِ، لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13))))اهـ.

قال المؤلِّف رحمه الله: «ويَسْقطُ التَّرتيبُ بنسْيَانِهِ، وبخَشْيَةِ خُرُوجِ وقت اختيار الحاضرة» ، فذكر أنه يسقط بشيئين:

الأول: النسيان، فلو كان عليه خمس فرائض تبتدئ من الظُّهر، فنسي فبدأ بالفجر مع أنها هي الأخيرة؛ نقول: قضاؤه صحيح؛ لأنه نسي. لو بدأ بالعصر قل الظُّهر نسياناً صَحَّ القضاء؛ لأنه يسقط بالنسيان.
والدليل: عموم قوله تعالى: {{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}} [البقرة: 286] .

الثاني: «خشية خروج وقت اختيار الحاضرة»، في هذه العبارة أربعُ إضافات، ومثلُ هذا عند البلاغيين خارجٌ عن البلاغة لكثرة الإضافات، لكن نقول: إذا كان لا يتَّضحُ المعنى إلا بذلك؛ فليس بخارج عن البلاغة، ويمكن أن يُعَدَّلَ لفظُ المؤلِّف فيُقال: «وإذا خشي أن يخرجَ وقتُ الحاضرة المختار»، وعلى كل حال فالمعنى، أنَّه إذا كان يخشى أن يخرجَ وقتُ اختيار الحاضرة فإنه يسقط التَّرتيب، وإذا خشيَ أن يخرجَ الوقتُ كلُّه من باب أولى، وليس عندنا وقت ضرورة على القول الرَّاجح إلا في صلاة العصر؛ لأنه سبق لنا أن وقت العشاء ينتهي بنصف الليل، وأما من جعله ينتهي بطلوع الفجر؛ فيجعل ما بين نصف الليل وطلوع الفجر وقت ضرورة...

قوله: «وَمِنْها سَتْرُ العَوْرَةِ» ، أي: من شروط الصَّلاة ستر العورة والسَّترُ بمعنى التغطية.
والعَوْرة: هي ما يسوءُ الإنسان إخراجه، والنَّظر إليه؛ لأنها من «العَوَر» وهو العيب، وكلُّ شيء يَسُوءُكَ النَّظرُ إليه، فإن النَّظر إليه يُعتبر من العيب...

قوله: «فيجب بما لا يَصِفُ البَشَرة» ، «يجب» الفاعل يعود على «سَتْرِ العَوْرَة»، أي: فيجب سَتْر العَوْرَة «بما» أي: بالذي، ويجوز أن نجعل «ما» نكرة موصوفة، أي: بثوب لا يَصِفُ بَشَرَتَه. أي: يُشترط للسَّاتر ألاَّ يصفَ البشرة، لا ألاَّ يبيِّن العُضوَ. ووَصْفُ الشيءِ ذِكْرُ صِفَاتِه، والثوب لا يصف نطقاً، ولكن يصفه بلسان الحال، فإذا كان هذا الثَّوب الذي على البدن يبيِّنُ تماماً لون الجلد فيكون واضحاً، فإنَّ هذا ليس بساتر. أما إذا كان يُبيِّن مُنتهى السِّروال من بقيِّةِ العضو ـ مثلاً ـ فهذا ساتر...




المصدر : الشرح الممتع ( 2/ 144-156) باختصار

أم علي طويلبة علم
2014-08-02, 06:16 AM
قوله: «وعورة رَجُلٍ وأَمَةٍ، وأُمِّ وَلَدٍ، ومُعْتَقٍ بعضُها، من السُّرَّة إلى الرُّكبة...» ، بدأ المؤلِّف يفصِّل في العورة.

فالعورة في الصَّلاة على المشهور من مذهب الحنابلة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: مغلَّظة، ومخفَّفة، ومتوسِّطة.

فالمخفَّفة: عورة الذَّكر من سبع إلى عشر سنوات، وهي الفَرْجَان فقط، أي: إذا سَتَرَ قُبُلَهُ ودُبُرَه فقد أجزأه السَّتْرُ، ولو كانت أفخاذهُ بادية.

والمغلَّظة: عورة الحُرَّة البالغة؛ فكلُّها عَورة إلا وجهها؛ فإنه ليس عورة في الصَّلاة، وإن كان عورة في النَّظر، ونحن نضطر إلى أن نعبِّرَ بكلمة عورة، ولو كُنَّا في باب ما يجب ستره في الصَّلاة تبعاً للمؤلِّف، ولو صَلَّت في بيتها وليس عندها أحد لَوَجَبَ أن تَسْتُرَ كلَّ شيء إلا وجهها.

والمتوسِّطَة: ما سوى ذلك، وحدُّها ما بين السُّرَّة والرُّكبة، فيدخلُ فيها الذَّكر من عشر سنوات فصاعداً، والحُرَّة دون البلوغ، والأَمَةُ ولو بالغة.

وقوله: «وعورة رَجُل» إلى أن قال: «من السُّرَّة إلى الرُّكبة». الرَّجل في الأصل: الذَّكر البالغ، والمُراد هنا: من بلغ عشر سنين فما فوق، وقد ذكر المصنِّفُ ـ أي: في العورة المتوسطة ـ أربعة أصناف:

أولاً: الذَّكَر من عشر سنوات فما فوق، فعورته من السُّرَّة إلى الرُّكبة، سواء كان حُرًّا أم عبداً.

ثانياً: الأَمَةُ ـ ولو بالغة ـ وهي المملوكة، فعورتها من السُّرَّة إلى الرُّكبة، فلو صلَّت الأَمَةُ مكشوفة البدن ما عدا ما بين السُّرَّة والرُّكبة، فصلاتها صحيحة، لأنَّها سترت ما يجب عليها سَتْرُه في الصَّلاة...

وقوله: «وأُمِّ ولد» هذا هو الثالث، وأُمُّ الولد: هي الأَمَة التي أتت من سيِّدها بولد، وهي رقيقة حتى يموت سيِّدُها، فإذا مات سَيِّدُها عُتقت بموته وحُكمها حكم الأَمَة؛ أي: أن عورتها من السُّرَّة إلى الرُّكبة.

وقوله: «ومُعْتَقٍ بعضُها» هذا هو الرابع، أي: بعضها حُرٌّ وبعضها رقيقٌ.
مثال ذلك: أَمَة بين رَجُلين مملوكةٌ لهما، فإذا أعَتقَ أحدُهما نصيبه عُتِقَ الباقي، وأُخذ من السَّيد المُعْتِق قيمته لمالك النصف، فإذا كان الذي أعتق نصيبه فقيراً فإن المشهور من المذهب أنه لا يُعتق الباقي، وعَلَّلوا ذلك بأنه لو سرى العتقُ إلى الباقي تضرَّر الشريك بأن خرج من ملكه بدون عِوض...

فإن قال قائل: لماذا لا تعطونها حكم الحُرَّة تغليباً لجانب الحَظر، واحتياطاً للواجب؟
فالجواب: أن الشرط لم يتحقَّق، فالمسألة هنا ليست لوجود مانع، بل هي لفوات شرط، والشرط هو الحُرِّية الكاملة، وليس هنا حرية كاملة فالشَّرط لم يتمَّ، ولا بُدَّ من استتمام الشُّروط، ولهذا قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتُكم عنه فاجتنبوه».
وعلى هذا؛ فالمرأة المُعْتق بعضُها كالأَمَة الخالصة.

وقوله: «من السُّرَّة إلى الرُّكبة»، المعروف أن ابتداء الغاية داخل لا انتهاؤها إذا ذُكِرَ ابتداؤها، مثل أن تقول: لك من الأرض من ههنا إلى ههنا. وعلى هذا تكون السُّرَّة في ظاهر كلام المؤلِّف داخلة في العَوْرَة؛ لأنها ابتداء الغاية فيجبُ سَتْرها، والرُّكبة غير داخلة.

وفي المسألة أقوال :
أحدها: أن الرُّكبة داخلة في العَوْرة فيجب سَتْرها.
القول الثاني: أن السُّرَّة والرُّكبة كلتيهما من العَوْرَة فيجب سترهما.
القول الثالث: ـ وهو المشهور من المذهب ـ أن السُّرَّة والرُّكبة لا تدخلان، فلا يجب سترهما، وعلى هذا؛ فالعبارة التي تخرجهما أن يقال: «ما بين السُّرَّة والرُّكبة».

قوله: «وكُلُّ الحُرَّةِ عَوْرَة إلا وَجْهَهَا» ، فيجب ستر جميع بدنها إلا وجهها، وليس هناك دليلٌ واضحٌ على هذه المسألة، ولهذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن الحُرَّة عورة إلا ما يبدو منها في بيتها وهو الوجه والكَفَّان والقدمان. وقال: إن النِّساء في عهد الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام كُنَّ في البيوت يلبسن القُمُص، وليس لكل امرأة ثوبان ، ولهذا إذا أصابَ دَمُ الحيضِ الثوبَ غسلته وصَلَّت فيه ، فتكون القدمان والكَفَّان غير عورة في الصَّلاة؛ لا في النَّظر...




المصدر: الشرح الممتع (2/ 156-161) مختصرا

أم علي طويلبة علم
2014-08-02, 07:09 AM
قوله: «ومن انْكَشَفَ بعضُ عَوْرَتِهِ وفَحُشَ» ، «مَنْ» شرطيَّة «انكَشَفَ» فعل الشَّرط «أعَادَ» جوابه.
«انكشف» أي: زال عنه السَّترُ و«بعض العورة» يشمل السَّوأة وغيرها مما قلنا إنه عورة.
وقوله: «فَحُشَ»، أي: غَلُظَ وعَظُمَ، ولم يُقيِّده المؤلِّفُ رحمه الله بشيء، يعني لم يقلْ: قَدْرَ الدِّرهم، أو قَدْرَ الظُّفْر، أو قَدْرَ جُبِّ الإبرة وما أشبه ذلك، فيُرجعُ إلى العُرف؛ لأن الشيءَ إذا لم يُقيَّد بالشَّرع أُحِيْلَ على العُرف، وعليه قول النَّاظم:
وكلُّ ما أَتَى ولم يُحدَّدْ
بالشَّرع كالحِرْزِ فبالعرف احدُدْ

وعلى هذا فنقول: «فَحُشَ» أي عُرْفاً، فإذا قال النَّاس: هذا كبير، كان فاحشاً. وإذا قالوا: هذا يسير، يكون غير فاحش ولا يؤثِّر...

...وخلاصة هذه المسألة:
أولاً: إذا كان الانكشاف عَمْداً بطلت الصَّلاة، قليلاً كان أو كثيراً، طال الزَّمنُ أو قَصُرَ.
ثانياً: إذا كان غير عَمْدٍ وكان يسيراً، فالصَّلاة لا تبطل.
ثالثاً: إذا كان غير عَمْد، وكان فاحشاً لكن الزمن قليل، فظاهر كلام المؤلِّف أنها تبطل، والصَّحيح أنها لا تبطل.
رابعاً: إذا انكشف عن غير عَمْد انكشافاً فاحشاً، وطالَ الزَّمن بأن لم يعلم إلا في آخر صَلاتِهِ، أو بعد سلامه، فهذا لا تصحُّ صلاته؛ لأنَّه فاحش والزَّمن طويل...




المصدر : الشرح الممتع (2/ 170-173) باختصار

أم علي طويلبة علم
2014-08-02, 07:30 AM
قوله: «لا مَنْ حُبِسَ في مَحَلٍّ نَجِسٍ» ، معطوف على قوله: «أعاد»، أي: لا يُعيد من حُبِسَ في مَحَلٍّ نجسٍ، ولم يتمكَّن من الخروج إلى مَحَلٍّ طاهرٍ؛ لأنَّه مُكره على المُكْثِ في هذا المكان، والإكراه حكمه مرفوع عن هذه الأمة، كما قال النبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام: «إن الله تجاوز عن أُمَّتي الخطأ والنسيانَ وما استُكرِهُوا عليه».

والفرق بينه وبين مَنْ صَلَّى في ثوبٍ نجس أنَّ مَنْ صَلَّى في ثوبٍ نجسٍ ليس مُكرهاً على الصَّلاة فيه، ولذلك لو أُكره على الصَّلاة في ثوبٍ نجس، فإنه يُصلِّي فيه ولا إعادة.

ولكن كيف يُصلِّي من حُبِسَ في مَحَلٍّ نَجِسٍ؟
الجواب: إن كانت النَّجاسة يابسة صَلَّى كالعادة، وإن كانت رطبة صَلَّى قائماً ويركع ويرفع من الرُّكوع، ويجلس على قدميه عند السُّجود، ويومئ بالسُّجود، ولا يضع على الأرض شيئاً من أعضائه؛ لقوله تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}}، لأنَّه إذا كانت رَطْبَة يجب أن يتوقَّاها بقَدْرِ الإمكان، وأقلُّ ما يمكن أن يباشر النَّجاسة أن يجلس على القدمين، ولا يقعد مفترشاً ولا متورِّكاً، لأنه لو قَعَد لتلوَّث ساقُه وثوبُه وركبتُه، والواجب أن يُقلِّلَ من مباشرة النَّجاسة.




​المصدر : الشرح الممتع ( 2/ 182-183)

محمد طه شعبان
2014-08-03, 12:52 AM
قوله: (الْخَامِسُ: اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ): أي: الشرط الخامس من شروط صحة الصلاة، هو استقبال القبلة؛ ودليل ذلك الكتاب والسنة والإجماع.
فأما الكتاب: فقوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنّ َكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144].
وأما السُّنَّة: فَعَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسيء صلاته: «ثُمَّ اسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ فَكَبِّرْ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
ولأن استقبال القبلة هو الفعل الذي نُقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتواتر عنه، ولم يُنقل عنه خلافه؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
وأما الإجماع: فقد أجمع المسلمون على وجوب استقبال القبلة في الصلاة.
قال ابن حزم رحمه الله: ((وَاتَّفَقُوا أَن اسْتِقْبَال الْقبْلَة لَهَا فَرْضٌ لمن يعاينها أَو عرف دلائلها مَا لم يكن مُحَاربًا وَلَا خَائفًا([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))))اهـ.
قوله: (وَلَا تَصِحُّ بِدُونِهِ إِلَّا لِعَاجِزٍ): أي: ولا تصح الصلاة بدون استقبال القبلة؛ لأنها شرط لصحتها، كما تقدم، إلا لعاجز – سواء كان العجز لمرض أو حبس أو قيد – فيصلي حيثما استطاع؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
ولقول النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))».
وكذلك الخائف – سواء كان الخوف من عدو أو لص أو سبع أوغير ذلك – فإنه يُعذر إن لَمْ يستطع استقبال القبلة؛ ودليل ذلك قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، في صفة صلاة الخوف، أنه قال: فَإِنْ كَانَ خَوْفًا هُوَ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ، صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ، أَوْ رُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ، أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَ ا، قَالَ مَالِكٌ: قَالَ نَافِعٌ: لَا أَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ إِلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
قوله: (وَمُتَنَفِّلٍ فِي سَفَرٍ مُبَاحٍ): أي: ويسقط وجوب استقبال القبلة عمن أراد أن يتنفل في سفر؛ ودليل ذلك حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ، فَإِذَا أَرَادَ الفَرِيضَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ يُومِئُ بِرَأْسِهِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
ولكن قُيِّدَ السفرُ هنا بكونه مباحًا؛ فلو كان سفر معصية لمْ يجز له الترخص بالتنفل على الدابة لغير القبلة؛ وذلك مشيًا على قاعدة المذهب أن سفر المعصية لا تباح به الرخص؛ وقد تقدم نحو هذا في كتاب الطهارة عند مسألة المسح على الخفين، وقول ابن قدامة رحمه الله: ((فإن سافر لمعصية كالآبق، وقطع الطريق والتجارة في خمر لم يقصر، ولم يترخص بشيء من رخص السفر؛ لأنه لا يجوز تعليق الرخص بالمعاصي، لِمَا فيه من الإعانة عليها والدعاية إليها، ولا يَرِدُ الشرعُ بذلك([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8))))اهـ.
ولكن الراجح أن له ذلك؛ لأنه لم يَرِدْ دليل شرعي يخرج المسافر سفر معصية، ولا يجوز تخصيص النصوص بغير دليل.
قوله: (وَفَرْضُ قَرِيبٍ مِنْهَا إِصَابَةُ عَيْنِهَا): لأن الأصل هو إصابة عينِ الكعبة، فإذا أمكن وجب؛ وهذا مجمع عليه، قال ابن قدامة رحمه الله: ((ثُمَّ إنْ كَانَ مُعَايِنًا لِلْكَعْبَةِ، فَفَرْضُهُ الصَّلَاةُ إلَى عَيْنِهَا، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9))))اهـ.
قوله: (وَبَعْيدٍ جِهَتُهَا): ومن كان بعيدًا عن الكعبة بحيث إنه لا يراها، ففرضه أن يتوجه جهتها، ولا يلزمه إصابة عينها؛ لأن هذا مما لا يستطاع؛ ودليل ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))».
قوله: (وَيُعْمَلُ وُجُوبًا بِخَبَرِ ثِقَةٍ بِيَقِينٍ): أي: من لَمْ يكن عالمًا بالقبلة، ثم أخبره ثقة عن يقين، لا عن ظن، صار إلى خبره، وليس له الاجتهاد؛ كما يقبل الحاكم النصَّ من الثقة، ولا يجتهد([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11)).
قوله: (وَبِمَحَارِيبِ الْمُسْلِمِينَ): وكذلك لو كان في مصرٍ أو قرية، ففرضه التوجه إلى محاريبهم وقبلتهم المنصوبة؛ لأن هذه القِبَلِ ينصبها أهل الخبرة والمعرفة؛ فجرى ذلك مجرى الخبر، فأغنى عن الاجتهاد([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)).
قوله: (وَإِنِ اشْتَبَهَتْ فِي السَّفَرِ اجْتَهَدَ عَارِفٌ بِأَدِلَّتِهَا): لأن ما وجب اتباعه عند وجوده وجب الاستدلال عليه عند خفائه كالحكم في الحادثة([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13)).
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَالْمُجْتَهِد ُ فِي الْقِبْلَةِ هُوَ الْعَالِمُ بِأَدِلَّتِهَا، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ عَلِمَ أَدِلَّةَ شَيْءٍ كَانَ مِنَ الْمُجْتَهِدِين َ فِيهِ، وَإِنْ جَهِلَ غَيْرَهُ، وَلِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنَ اسْتِقْبَالِهَا بِدَلِيلِهِ، فَكَانَ مُجْتَهِدًا فِيهَا كَالْفَقِيهِ، وَلَوْ جَهِلَ الْفَقِيهُ أَدِلَّتَهَا أَوْ كَانَ أَعْمَى، فَهُوَ مُقَلِّدٌ وَإِنْ عَلِمَ غَيْرَهَا. وَأَوْثَقُ أَدِلَّتِهَا النُّجُومُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 97]([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14))))اهـ.
ولكن الاجتهاد مقيد بالسفر؛ لأن الحضر ليس بمحل اجتهاد؛ لقدرة مَنْ فيه على الاستدلال بالمحاريب ونحوها، ولوجود المخبر عن يقين غالبًا([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15)).
وفي رواية أخرى أن له أن يجتهد، ولو في الحضر([16] (http://majles.alukah.net/#_ftn16)).
وهذه الرواية الأخيرة رجحها العلامة ابن عثيمين رحمه الله؛ حيث قال: ((وهل الحضر محلٌّ للاجتهاد أم لا؟ الجواب: أمَّا المذهب عند الأصحاب فليس محلًّا للاجتهاد؛ ولا ريب أنَّ هذا القول ضعيف.
والصَّواب: أنَّ الحضر والسَّفر كلاهما محلٌّ للاجتهاد؛ فإن الإنسان في الحضر قد يصعد إلى السَّطح في الليل، وينظر إلى القُطب ويَستدلُّ به، وفي النهار ينظر إلى الشمس تشرق من المشرق وتغرب من المغرب، والعلامات التي في السَّفر هي علامات في الحضر.
وأما قولهم: إنه لا اجتهاد في الحضر؛ لأنه يَستدلُّ على ذلك بخبر أهل البلد وبالمحاريب الإسلامية، فنقول: إذا كان من أهل الاجتهاد فلا مانع أن يجتهد في الحضر كما يجتهد في السَّفر.
فالصَّواب: أنه إذا اجتهد في الحضر فإنه تصحُّ صلاته، فإن أصاب فالأمر ظاهر، وإن لم يُصب فإنه اجتهد وأخطأ وله أجر، وإذا اجتهد فلا إعادة عليه مطلقًا؛ سواء أصاب أم لم يصب؛ لأنه فعل ما يجب عليه، ومن فعل ما وجب عليه فقد اتَّقى الله ما استطاع، ومن اتَّقى الله ما استطاع فليس عليه أن يُصلِّي مرَّتين؛ لأن الله لم يوجب على عباده العبادة مرَّتين إذا أَتَوا بها على الوجه الذي أُمِرُوا به([17] (http://majles.alukah.net/#_ftn17))))اهـ.
قوله: (وَقَلَّدَ غَيْرُهُ): أي: وغير المجتهد، فحقه التقليد.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((من عجز عن ذلك، لعدم بصره أو بصيرته، أو لرمد أو حبس، ففرضه تقليد المجتهد؛ لأنه عجز عن معرفة الصواب باجتهاده؛ فلزمه التقليد، كالعامي في الأحكام([18] (http://majles.alukah.net/#_ftn18))))اهـ.
قوله: (وَإِنْ صَلَّى بِلَا أَحَدِهِمَا مَعَ الْقُدْرَةِ قَضَى مُطْلَقًا): أي: وإن صلى بلا اجتهاد ولا تقليد، مع القدرة على ذلك، قضى مطلقًا؛ سواء أخطأ أو أصاب؛ لأنه مفرِّط؛ ولو أصاب القبلة؛ فإن إصابته للقبلة وقعت على سبيل الاتفاق فحسب.
وفي رواية أخرى أن لو أصاب فلا يلزمه الإعادة([19] (http://majles.alukah.net/#_ftn19)).
وهذه الرواية الأخيرة رجحها العلامة ابن عثيمين رحمه الله؛ حيث قال: ((وظاهر كلام المؤلِّف أنه يقضي ولو أصاب؛ وذلك لأنَّه لم يَقُمْ بالواجب عليه من الاجتهاد، وإصابته وقعت على سبيل الاتفاق، لا على سبيل الرُّكُون إلى هذه الجهة؛ لأنه لم يجتهد؛ كذلك لو كان ليس من أهل الاجتهاد، ففرضه التَّقليد، لكنَّه لم يُقلِّد، فلم يسأل أحدًا من النَّاس وصَلَّى، فإنَّه يقضي ولو أصاب؛ لأنه ترك ما يجب عليه؛ إذ الواجب أن يعرف أن هذه هي القِبْلَة؛ إما باجتهاده إن كان يُحسنُه وإما بتقليد إن كان لا يحسنه، وهذه الأخيرة تقع كثيرًا؛ فمثلًا يأت رَجُل إلى شخص فينزل ضيفًا عليه، ثم يقوم يُصلِّي، ولا يسأل صاحب البيت أين القبلة، فيصلِّي وهو ليس من أهل الاجتهاد الذين يعرفون القِبْلة بالأدلَّة، فيجب عليه أن يُعيد الصَّلاة ولو أصاب؛ لأنَّه لم يأتِ بالواجب من الاجتهاد، ولا من التَّقليد، فالواجب على هذا الضَّيف إذا أراد أن يُصلِّي أن يسأل صاحب البيت؛ لأن صاحب البيت عنده عِلْم بالقِبْلة.
وقال بعض العلماء: إنه إذا أصاب أجزأ؛ لأنه لن يُصلِّي إلا إلى جهة تميلُ إليها نفسُه، وهذا الميل يوجب غلبة الظَّنِّ، وغلبةُ الظَّنِّ يُكتفى به في العبادات؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَلْيتحَرَّ الصَّواب ثم لِيَبْنِ عليه»، فإذا أصاب فلماذا نُلزمه بالقضاء؟ وهذا القول أصحُّ، فإن أخطأ وجبت عليه الإعادة؛ لأنَّه لم يأتِ بما يجب عليه من السُّؤال ولا من الاجتهاد([20] (http://majles.alukah.net/#_ftn20))))اهـ.[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) متفق عليه: أخرجه البخاري (6251)، ومسلم (397).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) متفق عليه: أخرجه البخاري (7246)، ومسلم (674)، واللفظ للبخاري.

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ))مراتب الإجماع)) (26).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) متفق عليه: أخرجه البخاري (7288)، ومسلم (1337).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) أخرجه مالك في ((الموطأ)) (196) تحقيق الأعظمي، عن نافع عن ابن عمر.

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) متفق عليه: أخرجه البخاري (400)، ومسلم (540).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1000)، ومسلم (502).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) ((الكافي)) (1/ 306).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) ((المغني)) (1/ 317).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) أخرجه الترمذي (342)، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»، وابن ماجه (1011)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (292).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) ((المغني)) (1/ 318).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) السابق.

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) ((المبدع في شرح المقنع)) (1/ 358).

[14] (http://majles.alukah.net/#_ftnref14))) ((المغني)) (1/ 319).

[15] (http://majles.alukah.net/#_ftnref15))) ((كشف القناع عن متن الإقناع)) (1/ 311).

[16] (http://majles.alukah.net/#_ftnref16))) ((الإنصاف)) (2/ 15).

[17] (http://majles.alukah.net/#_ftnref17))) ((الشرح الممتع)) (2/ 285، 286).

[18] (http://majles.alukah.net/#_ftnref18))) ((الكافي)) (1/ 234).

[19] (http://majles.alukah.net/#_ftnref19))) ((الإنصاف)) (2/ 19).

[20] (http://majles.alukah.net/#_ftnref20))) ((الشرح الممتع)) (2/ 284، 285).

أم علي طويلبة علم
2014-08-03, 03:17 AM
قال الشيخ رحمه الله في الشرح الممتع :

...وجمهور أهل العلم على أنَّ التنزُّهَ من النَّجاسة شَرطٌ لصحَّةِ الصَّلاة، وأنَّه إذا لم يتنزَّه من ذلك فصلاتُه باطلة.

وذهب بعض أهل العلم إلى أنها ليست شرطاً للصِّحَّةِ، ولكنها واجبة، فلو صَلَّى وعليه نجاسة فهو آثم، وصلاته صحيحة.

والقول الرَّاجح: هو قول الجمهور؛ لأنَّ هذا الواجب خاصٌ بالصَّلاة، وكلُّ ما وجب في العِبَادة، فإن فواته مبطل لها إذا كان عمداً، وعلى هذا فنقول: إن القول الرَّاجح أنَّ صلاتَه باطلةٌ، فكأنه قيل: لا تُصلِّ وأنت متلبِّس بهذه النَّجاسة، فإذا صَلَّى وهو متلبِّسٌ بها، فقد صَلَّى على وجه ما أراده الله ورسوله، ولا أمره به الله ورسوله، وقد ثَبَتَ عنه عليه الصَّلاة والسَّلام أنَّه قال: «مَنْ عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنَا فهو رَدٌّ»، فهذا وجه تقرير كون اجتناب النَّجَاسة من شُروط الصَّلاة.

قوله: « فمن حَمَل نجاسةً لا يُعفى عَنها» ، الفاء هنا للتفريع، وأفادنا رحمه الله بقوله: «لا يُعفى عنها» أنَّ من النَّجاسات ما يُعفى عنه، وهو كذلك، وقد سَبَقَ أنه يُعفى عن يسير الدَّم إذا كان من حيوان طاهر كدم الآدمي مثلاً، ودم الشَّاة والبعير وما أشبهها ، وسَبَقَ أيضاً: أنَّ شيخ الإسلام رحمه الله يرى العفوَ عن يسير جميع النَّجَاسات، ولا سيَّما إذا شَقَّ التَّحرُّزُ منها مثل أصحاب الحمير الذين يلابسونها كثيراً، فلا يَسلمُ من رشاش بول الحمار أحياناً بل غالباً، فشيخُ الإسلام يرى أنَّ العِلَّة المشقَّة، فكلَّما شَقَّ اجتناب النَّجَاسة فإنَّه يُعفى عن يسيرها ، وكذا يقال في مثل أصحاب «البويات» إنَّه يُعفى عن يسيرها إذا أصابت أبدانهم مما يحول بينها وبين الماء؛ لأنَّ الدِّين يُسر، ومثل هذه المسائل تحصُل غالباً للإنسان، وهو لا يشعر بها أحياناً أو يشعر بها، ولكن يشقُّ عليه التَّحرُّز منها.
مثال حمل النَّجَاسة: إذا تلطَّخ ثوبُه بنجاسةٍ، فهذا حامل لها في الواقع؛ لأنَّه يَحمِلُ ثوباً نجساً، وإذا جعل النَّجَاسة في قارورة في جيبه، فقد حَمَل نجاسة لا يُعفى عنها، وهذا يقع أحياناً في عصرنا فيما إذا أراد الإنسان أن يحلِّلَ البِرَاز أو البول؛ فحَمَله في قارورة وهو يُصلِّي، فهذا صلاته لا تصحُّ؛ لأنَّه حَمَل نجاسة لا يُعفى عنها.
______________________________ _______________________

ما المراد بأصحاب البويات ؟

أم علي طويلبة علم
2014-08-03, 05:00 AM
قال في الشرح الممتع رحمه الله :

" ...واعلمْ أنَّ الجهل ثلاثة أقسام:
الأول: أن يعلم أن النَّجاسة كانت في الصلاة لكن بعد أن سلَّم، وهذا ما ذكره المؤلِّف.
الثاني: أن يعلم وجودها في الصلاة، لكن لا يدري أهي من النَّجاسات المانعة من صحة الصَّلاة أم لا.
مثاله: رَجُل صلَّى وفي ثوبه بُقعٌ؛ لا يدري أهي من النجاسات المعفوِّ عنها أم لا؟ فتبيَّن أنها من النَّجاسات التى لا يُعفى عنها.
الثالث: أن يعلمَ وجودها في الصَّلاة؛ لكن لا يدري أنَّ إزالتها شرطٌ لصحَّة الصَّلاة. والمثال واضح.

ففي هذه الأقسام كلِّها تلزمه إعادة الصَّلاة؛ لإخلاله بشرطِ الصَّلاة، وهو اجتناب النَّجاسة، فهو كما لو صَلَّى بغير وُضُوء جاهلاً بالحدث.
وقوله: «أو نَسيَها»، أي: نَسيَ أنَّ النَّجاسة أصابته، ولم يذكر إلا بعد سلامه فعليه الإعادة على كلام المؤلِّف؛ لإخلاله بشرط الصَّلاة؛ وهو اجتناب النجاسة؛ فهو كما لو صَلَّى محدثاً ناسياً حدثه.
ومثل ذلك لو نسيَ أن يغسلها.

والرَّاجح في هذه المسائل كلِّها: أنه لا إعادة عليه سواء نسيها، أم نسي أن يغسلها، أم جهل أنها أصابته، أم جهل أنها من النَّجاسات، أم جهل حكمها، أم جهل أنها قبل الصَّلاة، أم بعد الصلاة.
والدَّليل على ذلك: القاعدة العظيمة العامة التي وضعها الله لعباده وهي قوله: {{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}} ، وهذا الرَّجُل الفاعل لهذا المحرَّم كان جاهلاً أو ناسياً، وقد رفع الله المؤاخذة به، ولم يبقَ شيء يُطالب به.
وهناك دليل خاصٌّ في المسألة، وهو أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين صَلَّى في نعلين وفيهما قَذَرٌ؛ وأعلمه بذلك جبريل لم يستأنف الصَّلاة وإذا لم يُبْطِل هذا أولَ الصَّلاة، فإنه لا يُبْطِلُ بقيَّة الصَّلاة.

ولو قال قائل: ما الذي منع قياسها على ما إذا صَلَّى محدثاً وهو جاهل أو ناسٍ؟
فالجواب: أنَّ ترك الوُضُوء من باب ترك المأمور، فالوُضُوء شيء مأمور به؛ يُطلب من الإنسان أن يقوم به، والنجاسة شيء منهيٌّ عنه؛ يُطلب من الإنسان أن يتخلَّى عنه، فلا يمكن قياس فعل المحظور على ترك المأمور؛ لأن فعل المحظور إذا عُفي عنه مع الجهل والنسيان كان فاعله كمن لم يفعله سَوَاء؛ لعدم الإثم به. أمَّا ترك المأمور مع الجهل والنسيان فيُعفى عنه حال تركه؛ فليس في الإثم كمن تركه عامداً؛ لكنه يمكن تدارك مصلحته بإعادته على الوجه المأمور به، فتنبَّه للفرق فإنه واضح.
وعلى هذا؛ لو أن أحداً أكل لحم إبل، وهو لم يعلم أنه لحم إبل، أو أنه ناقض للُوضُوء، أو علم بذلك لكن نسيَ أن يتوضَّأ؛ أو نسيَ أنه أكله؛ وقام وصلَّى بلا وُضُوء ثم علم، فعليه الإعادة؛ لأن هذا من باب ترك المأمور؛ بخلاف النَّجاسة، فهي من باب فعل المحظور، هذا هو الصَّحيح في هذه المسألة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو رواية عن الإمام أحمد." .


قوله: (وَلَا تَصِحُّ بِلَا عُذْرٍ فِي مَقْبَرَةٍ وَخَلَاءٍ وَحَمَّامٍ): أي: لا تصح الصلاة في مقبرة، ولا خلاء – وهو مكان قضاء الحاجة -، ولا حَمَّام – وهو المكان الذي يغتسل فيه -؛ ودليل ذلك حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ، إِلَّا الْمَقْبَرَةَ، وَالْحَمَّامَ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8))».
وقد جاء النهي عن الصلاة في هذه الأماكن؛ لأنها مواضع للنجاسة، وتزيد المقبرة بعلة أخرى؛ وهي أنَّ الصَّلاة في المقبرة قد تُتَّخذ ذريعة إلى عبادة القبور، أو إلى التشبُّه بمن يعبدُ القُبور؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَلَوْلَا ذَاكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
قوله: (وَأَعْطَانِ إِبِلٍ): ولا تصح الصلاة أيضًا في أعطان الإبل - وَهِي الْمَوَاضِعُ الَّتِي تَرْبِضُ فِيهَا وتأوي إِلَيْهَا عِنْد رُجُوعهَا مِنَ الْمَرْعَى -؛ ودليل ذلك حديث جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَأَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَوَضَّأْ» قَالَ أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: «نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ»، قَالَ: أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ؟ قَالَ: «لَا»([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10)).
فهذا نهي من النبي صلى الله عليه وسلم، والنهي يقتضي الفساد.
قوله: (وَمَجْزَرَةٍ): أي: ولا تصح في مجزرة - وهو الموضع الذي تُجْزَرُ فيه الإبل، وتذبح فيه البقر والغنم -؛ لأجل النجاسة التي فيها من دماء الذبائح، فتحرم الصلاة فيها([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11)).
قوله: (وَمَزْبَلَةٍ): ولا تصح الصلاة في المزبلة - وَهِيَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُجْمَعُ فِيهِ النَّجَاسَةُ وَالْكُنَاسَةُ وَالزُّبَالَةُ -؛ وذلك لأنها مظنة النجاسة.
قوله: (وَقَارِعَةِ طَرِيقٍ): أي: ولا تصح الصلاة في قارعة الطريق؛ لأن فيه تضييقًا على الناس.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَقَارِعَةُ الطَّرِيقِ: يَعْنِي الَّتِي تَقْرَعُهَا الْأَقْدَامُ؛ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ؛ مِثْلُ الْأَسْوَاقِ وَالْمَشَارِعِ وَالْجَادَّةِ لِلسَّفَرِ؛ وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِيمَا عَلَا مِنْهَا يَمْنَةً وَيَسْرَةً وَلَمْ يَكْثُرْ قَرْعُ الْأَقْدَامِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي يَقِلُّ سَالِكُوهَا، كَطُرُقِ الْأَبْيَاتِ الْيَسِيرَةِ([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12))))اهـ.
وقال المرداوي رحمه الله: ((وَقِيلَ: يَصِحُّ فِيهِ طُولًا، إنْ لَمْ يَضِقْ عَلَى النَّاسِ، لَا عَرْضًا؛ وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي طَرِيقِ الْأَبْيَاتِ الْقَلِيلَةِ([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13)))).
قلت: والصحيح أن الصلاة في قارعة الطريق صحيحة؛ لعدم الدليل على بطلانها؛ وفعلها يحرم أو يكره بحسب درجة التضييق على المارَّة.
وقد ورد حديث عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي الْمَزْبَلَةِ، وَالمَجْزَرَةِ، وَالمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَفِي الحَمَّامِ، وَفِي مَعَاطِنِ الإِبِلِ، وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14)).
وهو حديث ضعيف لا يصح.
قوله: (وَلَا فِي أَسْطِحَتِهَا): أي: لا تصح الصلاة على أسْطُح هذه الأماكن المذكورة؛ لأن الهواء له حكم القرار.
والصحيح صحتها؛ لعدم الدليل.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَإِنْ صَلَّى عَلَى سَطْحِ الْحُشِّ([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15)) أَوِ الْحَمَّامِ أَوِ عَطَنِ الْإِبِلِ أَوْ غَيْرِهَا، فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُصَلِّي فِيهَا؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ، فَيَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُهُ، وَلِذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، فَدَخَلَ سَطْحَهَا، حَنِثَ، وَلَوْ خَرَجَ الْمُعْتَكِفُ إلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ.
وَالصَّحِيحُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ - قَصْرُ النَّهْيِ عَلَى مَا تَنَاوَلَهُ، وَأَنَّهُ لَا يُعَدَّى إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ إنْ كَانَ تَعَبُّدِيًّا فَالْقِيَاسُ فِيهِ مُمْتَنِعٌ؛ وَإِنْ عُلِّلَ فَإِنَّمَا تَعَلَّلَ بِكَوْنِهِ لِلنَّجَاسَةِ، وَلَا يُتَخَيَّلُ هَذَا فِي سَطْحِهَا))اهـ.

قوله: «ولا تصحُّ الصَّلاةُ في مَقْبَرة» ، نفيُ الصِّحَّة يقتضي الفساد؛ لأنَّ كلَّ عبادة إما أن تكون صحيحة، وإما أن تكون فاسدة، ولا واسطة بينهما، فهما نقيضان شرعاً، فإذا انتفت الصِّحَّة ثبت الفساد.
وقوله: «الصَّلاة» يعمُّ كلَّ ما يُسمَّى صلاة، سواءٌ كانت فريضةً أم نافلة، وسواء كانت الصلاة ذات ركوع وسجود أم لم تكن؛ لأنه قال: «الصلاة» وعليه فيشمل صلاة الجنازة فلا تصح في المقبرة. لكن قد دلَّت الأدلَّةُ على استثناء صلاة الجنازة، كما سنذكره إن شاء الله ، وعلى هذا؛ فالمراد بالصَّلاة ما سوى صلاة الجنازة...


وهل المراد بالمقبرة هنا ما أُعِدَّ للقبر، وإن لم يدفن فيه أحد، أم ما دُفِنَ فيه أحد بالفعل؟
الجواب: المراد ما دُفِنَ فيه أحد، أمَّا لو كان هناك أرض اشتُريت؛ لتكون مقبرة، ولكن لم يُدْفَنْ فيها أحد، فإن الصَّلاة فيها تصحُّ، فإن دُفِنَ فيها أحد، فإن الصَّلاة لا تصحُّ فيها؛ لأنها كلّها تُسمَّى مقبرة.
والأصل صحَّة الصَّلاة في كلِّ الأراضي؛ لقول النبي عليه الصَّلاة والسَّلام: «جُعِلت ليَ الأرضُ مسجداً وطَهُوراً» ، ولهذا لا بُدَّ أن يُؤتى بدليل للأماكن التي لا تصحُّ فيها الصَّلاة.

فإذا قال قائل: ما الدَّليل على عدم صحَّة الصَّلاة في المقبرة؟.
قلنا: الدليل:
أولاً: قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «الأرضُ كلُّها مسجدٌ إلا المقبرة والحَمَّام» ، وهذا استثناء، والاستثناء معيار العموم.
ثانياً: قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لعن اللَّهُ اليهودَ والنَّصارى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنبيائهم مَسَاجدَ» ، والمساجد هنا قد تكون أعمَّ من البناء؛ لأنه قد يُراد به المكان الذي يُبنى، وقد يُراد به المكان الذي يُتَّخذ مسجداً وإنْ لم يُبْنَ؛ لأنَّ المساجد جمع مَسْجِد، والمسْجِد مكان السُّجود، فيكون هذا أعمَّ من البناء.
ثالثاً: تعليل؛ وهو أنَّ الصَّلاة في المقبرة قد تُتَّخذ ذريعة إلى عبادة القبور، أو إلى التشبُّه بمن يعبدُ القُبور، ولهذا لمَّا كان الكُفَّار يسجدون للشَّمس عند طلوعها وغروبها، نَهى النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم عن الصَّلاة عند طلوعها وغروبها لئلا يُتَّخَذَ ذريعة إلى أن تُعبد الشَّمس من دون الله، أو إلى أن يُتَشبَّه بالكُفَّار...


فإن قال قائل: هل القبر الواحد يمنعُ صِحَّة الصَّلاة أو لا بُدَّ من ثلاثة فأكثر؟
فالجواب: أنَّ في ذلك خلافاً ، فمن العلماء مَنْ قال: إنَّ القبر الواحد والاثنين لا يمنعُ صحَّة الصَّلاة، ومنهم من قال: بل يمنعُ.
والصَّحيح: أنه يمنع حتى القبر الواحد؛ لأنَّ المكان قُبِرَ فيه فصار الآن مقبرة بالفعل، والنَّاس لا يموتون جملة واحدة حتى يملؤوا هذا المكان، بل يموتون تِباعاً واحداً فواحداً.

فإن قال قائل: إذا جعلتم الحكمَ منوطاً بالاسم، فقولوا: إذا أُعِدَّتْ أرضٌ لأن تكون مقبرة فلا يُصلَّى فيها؟.
فالجواب: أن هذه لم يتَحقَّق فيها الاسم، فهي مقبرة باعتبار ما سيكون؛ فتصحُّ الصَّلاة فيها؛ لكن التي دُفِنَ فيها ولو واحد أصبحت مقبرة بالفعل...

قوله: «وحُشٍّ» ، الحُش: المكان الذي يَتخلَّى فيه الإنسان من البول أو الغائط؛ وهو الكَنيف، فلا تصحُّ الصلاة فيه، لأنه نجس خبيث، ولأنَّه مأوى الشياطين، والشياطين خبيثة، فأحبُّ الأماكن إلى الشياطين أنجس الأماكن، قال تعالى: {{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ}} وهذا من حكمة الله عزّ وجل.
فالمساجد بيوت الله ومأوى الملائكة، أما الحُشوش فهي مأوى الشَّياطين، فلهذا يُشرع للإنسان عند دخول الخلاء أن يقول: «أعوذ بالله من الخُبْثِ والخَبَائث»، فلا ينبغي أن يكون هذا المكان الخبيث الذي هو مأوى الخبائث مكاناً لعبادة الله عزّ وجل. وكيف يستقيم هذا وأنت تقول في الصَّلاة: أعوذ بالله من الشيطان الرَّجيم، وأنت في مكان الشَّياطين؟!.

قوله: «وحمَّام» ، كلُّ ما يُطلق عليه اسم الحَمَّام يدخل في ذلك؛ حتى المكان الذي ليس مبالاً فيه فإنه لا تصحُّ فيه الصَّلاة، للحديث: «الأرضُ كلُّها مسجدٌ إلا المقبرة والحَمَّام»، ولأن الحمَّام، مكان كشف العورات.
والحَمَّام هو المغتسل، وكانوا يجعلون الحمَّامات مغتسلات للنَّاس يأتي النَّاس إليها ويغتسلون، يختلط فيه الرِّجال والنساء، وتنكشف العورات، وليس المقصود به «المرحاض»، ولهذا نهى الشَّرع عن الصَّلاة فيه. وظاهر الحديث: أنه لا فرق بين أن يكون الحَمَّام فيه ناس يغتسلون، أو لم يكن فيه أحد، فما دام يُسمَّى حَمَّاماً فالصَّلاة لا تصحُّ فيه.
قوله: «وأعطان إبِلٍ» ، جمع عَطَن، ويُقال: مَعَاطِن جمع مَعْطَنٌ، وأعطان الإبل فُسِّرتْ بثلاثة تفاسير:
قيل: مباركها مطلقاً، وقيل: ما تُقيم فيه وتأوي إليه، وقيل: ما تبرك فيه عند صدورها من الماء؛ أو انتظارها الماء.
فهذه ثلاثة أشياء، والصَّحيح: أنَّه شاملٌ لما تقيم فيه الإبل وتأوي إليه، كمَرَاحِها، سواءٌ كانت مبنيَّة بجدران أم محوطة بقوس أو أشجار أو ما أشبه ذلك، وكذلك ما تعطن فيه بعد صدورها من الماء.
وإذا اعتادت الإبِلُ أنها تبرك في هذا المكان، وإن لم يكن مكاناً مستقراً لها فإنه يعتبر معطناً. أما مبرك الإبل الذي بركت فيه لعارض ومشت، فهذا لا يدخل في المعاطن؛ لأنه ليس بمبرك.
والدَّليل قول الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم: «صلُّوا في مرابضِ الغنم، ولا تُصَلّوا في أعطان الإبل» ، والحديث في «الصَّحيح». ووجه الدَّلالة من كون الصَّلاة لا تصحُّ في معاطن الإبل: النهي عن الصلاة فيها، فإذا صلَّيت فيها فقد وقعت فيما نهى عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وذلك معصية، ولا يمكن أن تنقلب المعصية طاعة. وإذاً؛ لا تصحُّ الصلاة.

فإن قال قائل: قوله: «صَلُّوا في مرابض الغنم» أمرٌ، والأمر للوجوب، فهل هذا يقتضي أن أبحث عن مرابض غنم لأُصَلِّيَ فيها؟
فالجواب: لا؛ فإن الأمر هنا للإباحة؛ لأنه في مقابل النهي عن الصَّلاة في معاطن الإبل، ولهذا قال العلماء إن الأمر بعد الحظر للإباحة ، فلما كان يُتوهَّم أنه لما نُهي عن الصَّلاة في أعطان الإبل أنَّه يُنهى كذلك عن الصَّلاة في مرابض الغنم. قال: «صَلُّوا في مرابض الغنم»، كأنه قال: لا تُصلّوا في أعطان الإبل، ولكم أن تُصلُّوا في مرابض الغنم.
والحكمة من عدم صحَّة الصلاة في أعطان الإبل: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم نهى عنه، فنهيُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وأمره الشَّرعي هو العِلَّة بالنسبة للمؤمن بدليل قوله تعالى: {{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْم }} ...






المصدر الشرح الممتع -مختصرا-

أم علي طويلبة علم
2014-08-03, 06:38 AM
قوله: «ومنها استقبال القِبلة» ، أي: من شروط الصَّلاة استقبال القبلة، والمراد بالقِبلة الكعبة، وسُمِّيَت قِبْلة؛ لأن النَّاس يستقبلونها بوجوههم ويؤمُّونها ويقصدونها، وهو من شروط الصَّلاة بدلالة الكتاب، والسُّنَّة، والإجماع...

والحكمة من ذلك هي: أن يتَّجه الإنسان ببدنه إلى مُعَظَّمٍ بأمر الله وهو البيت، كما يتَّجه بقلبه إلى ربِّه في السَّماء، فهنا اتجاهان: اتجاهٌ قلبي واتجاهٌ بدني، الاتجاه القلبي إلى الله عزّ وجل، والاتجاه البدني إلى بيته الذي أُمِرَ بالاتِّجاه إليه وتعظيمه، ولا ريب أنَّ في إيجاب استقبال القِبْلة من مظهر اجتماع الأمَّة الإسلامية ما لا يخفى على الناس، لولا هذا لكان النَّاس يُصلُّون في مسجد واحد، أحدهم يُصلِّي إلى الجنوب، والثاني إلى الشمال، والثالث إلى الشرق، والرابع إلى الغرب، وقد تتعذَّر الصفوف في الجماعة، لكن إذا كانوا إلى اتجاه واحد صار ذلك من أكبر أسباب الائتلاف...

قوله: « أو وَجَدَ محاريبَ إسلاميَّة» ، هذا هو الثاني مما يُستدلُّ به على القِبْلة: المحاريب الإسلامية، فإذا وجد محاريبَ إسلاميَّة فإنه يعمل بها؛ لأن الغالب بل اليقين أن لا تُبنى إلا إلى جهة القِبْلة. والمحاريب: جمعُ مِحْرَاب، وهو طَاقُ القِبْلة الذي يقف نحوه الإمام في الجماعة.
وقوله: «محاريب إسلامية»، يُفهم منه أن المسلمين لا زالوا يستعملون المحاريب، وأن لهم محاريبَ خاصَّة تتميَّز عن محاريب النَّصارى وغيرهم، وهو كذلك.

وقد اختلف العلماء رحمهم الله في اتِّخاذ المِحراب؛ هل هو سُنَّة؛ أم مستحبٌّ؛ أم مباح ؟
والصَّحيح أنَّه مستحبٌّ، أي: لم تَرِدْ به السُّنَّة، لكن النُّصوص الشَّرعيَّة تدلُّ على استحبابه؛ لما فيه من المصالح الكثيرة، ومنها بيان القِبْلة للجاهل.
وأما ما رُويَ عن النبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام من النَّهي عن مذابح كمذابح النَّصارى أي: المحاريب، فهذا النَّهيُ فيما إذا اتُّخِذَت محاريب كمحاريب النَّصارى، أما إذا اتُّخِذت محاريب متميّزة للمسلمين، فإن هذا لا نهي عنه.

وعُلِمَ من كلامه: أنه لو وجد محاريبَ غير إسلاميَّة لم يَعملْ بها؛ لأنه لا يُوثق ببنائهم، كما أنه لا يُوثق بكلامهم في مسائل الدِّين، وإلا فيُمكن أن يُقال: إنَّ المعروف عند غير المسلمين من أهل الكتاب أنهم يتَّجهون إلى بيت المقدس، فإذا وجدنا محاريبَ لهم متَّجهة إلى بيت المقدس، ونحن مثلاً في جهة بين بيت المقدس وبين الكعبة فإننا نعرف أن القِبْلة في استدبار محاريبهم، ولكننا لا نثق بمحاريبهم؛ لأننا نخشى أن يكونوا قد بدَّلُوا أو غيَّروا، فلهذا قيَّدَ المؤلِّف هذا بقوله: «أو وَجَدَ محاريبَ إسلاميَّة».
قال في «الرَّوض» : «لأنَّ اتفاقهم عليها مع تكرار الأعصار إجماع عليها، فلا تجوز مخالفتُها حيثُ عَلِمَهَا للمسلمين».




المصدر الشرح الممتع

محمد طه شعبان
2014-08-04, 01:43 AM
ما المراد بأصحاب البويات ؟

البوية: هي الدهان الذي تطلى به الجدران، وأصحاب البويات هم الذين يعملون في طلاء الجدران

محمد طه شعبان
2014-08-04, 09:13 AM
قوله: (السَّادِسُ: النِّيَّةُ): أي: الشرط السادس من شروط صحة الصلاة هي النية.
والنية في اللغة: هي القصد([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
وفي الشرع: العزم على فعل الشيء تقربًا إلى الله تعالى([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
والمقصود هنا نية العمل؛ أي: تحديده وتمييزه؛ وليس نية المعمول له؛ لأن النية تنقسم إلى قسمين:
1- نيَّة المعمول له. 2- نيَّة العمل.
أما نيَّة العمل فهي التي يتكلَّم عنها الفقهاء؛ لأنهم إنَّما يقصدون من النيَّةِ النيَّةَ التي تتميَّز بها العبادة عن العادة، وتتميَّز بها العبادات بعضها عن بعض.
وأما نيَّة المعمول له فهي التي يتكلَّم عليها أرباب السُّلوك؛ فتُذكر في التَّوحيد؛ ومعناها أن تكون نيَّة المكلف خالصة لله عزَّ وجل؛ فإن خالط هذه النيَّة نيَّةٌ لغير الله بطلت([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
ودليل اعتبار النية، وشرطية تحديد العبادة وتمييزها قبل الدخول فيها؛ قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))».
قوله: (فَيَجِبُ تَعْيِينُ مُعَيَّنَةٍ): أي: يجب على من أراد الصَّلاة أن ينويَ عينَها إذا كانت معيَّنة، مثل: لو أراد أن يُصلِّي الظُّهر يجب أن ينوي صلاةَ الظُّهر، أو أراد أن يُصلِّي الفجر فيجب أن ينويَ صلاة الفجر، أو أراد يُصلِّي الوِتر فيجب أن ينويَ صلاة الوِتر.
فإن كانت غير معيَّنة؛ كالنَّفل المطلق، فينوي أنه يريد أن يُصلِّي فقط بدون تعيين([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
وقيل: متى نوى فرض الوقت، أو كان عليه صلاة لا يعلم هل هي ظهر أو عصر؟ فصلى أربعًا ينوي الواجبة عليه من غير تعيين أجزأه([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
وهذا القول الأخير هو الذي رجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله؛ حيث قال رحمه الله: ((وقيل: لا يُشترط تعيين المعيَّنة، فيكفي أن ينويَ الصلاة؛ وتتعيَّن الصلاة بتعيُّن الوقت، فإذا توضَّأ لصلاة الظُّهر ثم صَلَّى، وغاب عن ذِهنه أنَّها الظُّهر أو العصر أو المغرب أو العشاء فالصَّلاة صحيحة؛ لأنه لو سُئِل: ماذا تريد بهذه الصَّلاة؟ لقال: أريد الظُّهر، فيُحمل على ما كان فرْضَ الوقت. وهذا القول هو الذي لا يسعُ النَّاس العمل إلا به؛ لأن كثيرًا من الناس يتوضَّأ ويأتي ليُصلِّي، ويغيب عن ذهنه أنها الظُّهر أو العصر؛ ولا سيَّما إذا جاء والإمام راكع؛ فإنه يغيب عنه ذلك لحرصه على إدراك الرُّكوع.
ويَنْبَني على هذا الخلاف: لو كان على الإنسان صلاة رباعية؛ لكن لا يدري هل هي الظُّهر أو العصر أو العشاء؟ فصلَّى أربعًا بنيَّة الواجب عليه، فعلى القول بأنه لا يجب التعيين: تصحُّ، وتكون عن الصلاة المفروضة التي عليه؛ وعلى القول بوجوب التَّعيين: لا تصحُّ؛ لأنه لم يعيِّنها ظُهرًا ولا عصرًا ولا عشاءً، وعليه؛ لا بُدَّ أن يُصلِّي أربعًا بنيَّة الظُّهر، ثم أربعًا بنيَّة العصر، ثم أربعًا بنية العشاء.
والذي يترجَّحُ عندي: القول بأنه لا يُشترط التَّعيين، وأن الوقت هو الذي يُعيِّنُ الصَّلاة، وأنه يصحُّ أن يُصلِّي أربعًا بنيَّة ما يجب عليه، وإنْ لم يعينه، فلو قال: عليَّ صلاة رباعيَّة لكن لا أدري: أهي الظُّهر أم العصر أم العشاء؟ قلنا: صَلِّ أربعًا بنيَّة ما عليك وتبرأ بذلك ذِمَّتُك([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))))اهـ.
قوله: (وَسُنَّ مُقَارَنَتُهَا لِتَكْبِيرَةِ إِحْرَامٍ): فالأفضل النية مع تكبيرة الإحرام؛ لأنها أول الصلاة؛ لتكون النية مقارنة للعبادة([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).
قوله: (وَلَا يَضُرُّ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهَا بِيَسِيرٍ): وإن تقدمت النية التكبير بزمن يسير، جاز، ما لم يفسخها؛ لأن أولها من أجزائها، فكفى استصحاب النية فيها كسائر أجزائها([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
قوله: (وَشُرِطَ نِيَّةُ إِمَامَةٍ وَائْتِمَامٍ): أما نية الائتمام، فقد أجمع العلماء على أن المأموم لا بد له أن ينوي نية الائتمام([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))، وأما نية الإمامة، ففي المذهب أن الإمام أيضًا لا بد أن ينوي نية الإمامة، وهو من مفردات المذهب([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11)).
قال ابن قدامة رحمه الله: ((ومن شروط صحة الجماعة أن ينوي الإمام والمأموم حالهما، فإن نوى أحدهما دون صاحبه لم تصح؛ لأن الجماعة إنما انعقدت بالنية، فيعتبر وجودها منهما، وإن نوى كل واحد منهما أنه إمام صاحبه لم يصح؛ لأنه لا مأموم له، وإن نوى كل واحد منهما أنه مأموم لم يصح؛ لأنه لا إمام له، وإن نوى أن يأتم بأحد الإمامين لا بعينه لم يصح؛ لأنه لا يمكنه اتباعه، وإن نوى الائتمام بهما لم يصح؛ لذلك([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12))))اهـ.
قوله: (وَلِمُؤْتَمٍّ انْفِرَادٌ لِعُذْرٍ): أي: يجوز للمأموم أن ينوي الافتراق فيفارق إمامه، ويصلي منفردًا؛ إن كان هناك عذر؛ وهذا مجمع عليه([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13)).
ودليل ذلك حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمُ الصَّلَاةَ، فَقَرَأَ بِهِمُ البَقَرَةَ، قَالَ: فَتَجَوَّزَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذًا، فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا قَوْمٌ نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا، وَنَسْقِي بِنَوَاضِحِنَا، وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى بِنَا البَارِحَةَ، فَقَرَأَ البَقَرَةَ، فَتَجَوَّزْتُ، فَزَعَمَ أَنِّي مُنَافِقٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ - ثَلاَثًا - اقْرَأْ: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى وَنَحْوَهَا([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14))».
فقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل على فعله.
وَالْعُذْرُ: مِثْلُ تَطْوِيلِ إمَامِهِ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ خَوْفِ نُعَاسٍ، أَوْ شَيْءٍ، يُفْسِدُ صَلَاتَهُ، أَوْ عَلَى مَالٍ، أَوْ أَهْلٍ، أَوْ فَوَاتِ رُفْقَةٍ، وَنَحْوِهِ([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15)).
قوله: (وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ إِمَامِهِ): أي: تبطل صلاة المأموم إذا بطلت صلاة إمامه؛ وذلك لأن المأموم تابع للإمام؛ فإذا بطلت صلاة المتبوع، بطلت صلاة التابع.
وفي رواية أخرى عن أحمد أنها لا تبطل، ورجح هذه الرواية شيخ الإسلام ابن تيمية([16] (http://majles.alukah.net/#_ftn16)) والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله([17] (http://majles.alukah.net/#_ftn17)).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وَأَمَّا الْإِمَامُ، فَلَوْ أَخْطَأَ أَوْ نَسِيَ لَمْ يُؤَاخَذْ بِذَلِكَ الْمَأْمُومُ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَئِمَّتُكُمْ يُصَلُّونَ لَكُمْ وَلَهُمْ؛ فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ([18] (http://majles.alukah.net/#_ftn18))»، فَجُعِلَ خَطَأُ الْإِمَامِ عَلَى نَفْسِهِ دُونَهُمْ، وَقَدْ صَلَّى عُمَرُ وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُوَ جُنُبٌ نَاسِيًا لِلْجَنَابَةِ فَأَعَادَ وَلَمْ يَأْمُرِ الْمَأْمُومِينَ بِالْإِعَادَةِ؛ وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ([19] (http://majles.alukah.net/#_ftn19))))اهـ.
قوله: (لَا عَكْسُهُ؛ إِنْ نَوَى إِمَامٌ الِانْفِرَادَ): أي: لا تبطل صلاة الإمام إذا بطلت صلاة المأموم؛ لأن المتبوع لا تبطل صلاته إذا بطلت صلاة التابع؛ ولكن بشرط أن ينوي الإمامُ الانفرادَ؛ إِن لم يكن مَعَه غير من بطلت صلَاته؛ لأنه لا يصح له – على المذهب - أن يصلي منفردًا بنية الإمامة، كما تقدم ذكره.
والصحيح انها لا تبطل مطلقًا؛ سواء نوى الانفراد أم لم ينو؛ لعدم الدليل على البطلان([20] (http://majles.alukah.net/#_ftn20)).[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ((العين)) (8/ 394).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((المبدع في شرح المقنع)) (1/ 365).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (2/ 290).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((الشرح الممتع)) (2/ 291).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((الإنصاف)) (2/ 20).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) ((الشرح الممتع)) (2/ 292، 293).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) ((الكافي)) (1/ 241).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) السابق.

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) نقل الإجماع على ذلك الإمام المرداوي في ((الإنصاف)) (2/ 27).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) انظر: ((الإنصاف)) (2/ 28)، و((المنح الشافيات في شرح مفردات الإمام أحمد)) (241).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) ((الكافي)) (1/ 289).

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) نقل الإجماع على ذلك المرداوي في ((الإنصاف)) (2/ 31).

[14] (http://majles.alukah.net/#_ftnref14))) متفق عليه: أخرجه البخاري (705)، ومسلم (465).

[15] (http://majles.alukah.net/#_ftnref15))) ((الإنصاف)) (2/ 31).

[16] (http://majles.alukah.net/#_ftnref16))) ((مجموع الفتاوى)) (23/ 352).

[17] (http://majles.alukah.net/#_ftnref17))) ((الشرح الممتع)) (2/ 322).

[18] (http://majles.alukah.net/#_ftnref18))) صحيح: أخرجه البخاري (694).

[19] (http://majles.alukah.net/#_ftnref19))) المرجع قبل السابق.

[20] (http://majles.alukah.net/#_ftnref20))) ((الفوائد المنتخبات)) (1/ 165).

أم علي طويلبة علم
2014-08-05, 01:51 AM
قوله: «ومنها النِّيَّةُ» ، أي: ومن شروط الصَّلاة النيَّة، وهذا هو الشَّرط التَّاسع وهو الأخير.
فَشُروط الصَّلاة: الإسلام، والعقل، والتَّمييز، ودخول الوقت، وستر العورة، والطَّهارة من الحدث، واجتناب النَّجاسة، واستقبال القِبْلة، والنِّيَّة.
ففي أوَّل الباب قال: «منها الوقت»، و«من» للتبعيض، فيُفيد أنه لم يذكر كلَّ الشُّروط؛ وهو كذلك؛ فقد أسقط: الإسلام، والعقل، والتَّمييز، وذلك لأنَّ هذه الثلاثة شرط في كلِّ عبادة سوى ما اسْتُثني.

و«النيَّة» بمعنى القصد، وأمَّا في الشَّرع: فهي العزم على فعل العبادة تقرُّباً إلى الله تعالى.
وتنقسم إلى قسمين:
1- نيَّة المعمول له. 2- ونيَّة العمل.
أما نيَّة العمل فهي التي يتكلَّم عنها الفقهاء؛ لأنهم إنَّما يقصدون من النيَّةِ النيَّةَ التي تتميَّز بها العبادة عن العادة، وتتميَّز بها العبادات بعضها عن بعض.
وأما نيَّة المعمول له فهي التي يتكلَّم عليها أرباب السُّلوك؛ فتُذكر في التَّوحيد، وهي أعظم من الأُولى، فنيَّة المعمول له أَهمُّ من نيَّة العمل؛ لأنَّ عليها مدار الصحَّة، قال تعالى في الحديث القُدسي: «أنا أغنى الشُركاء عن الشِّركِ، مَنْ عَمِلَ عملاً أشرك فيه معي غيري؛ تَركْتُهُ وشِرْكَهُ».
ونيَّة العمل: تتميَّز بها العبادات من غير العبادات، وتتميَّز العبادات بعضها عن بعض، فينوي أن هذه عبادة، وينوي أنَّها صلاة، وينوي أنها فريضة، أو نافلة، وهكذا، وقد أشار النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إلى اعتبار النيَّة بقوله: «إنَّما الأعمال بالنيَّات، وإنَّما لكُلِّ امرئٍ ما نوى».

ولا بُدَّ من ملاحظة الأمرين جميعاً.
أولاً: نيَّة المعمول له؛ بحيث تكون نيَّته خالصة لله عزّ وجل، فإن خالط هذه النيَّة نيَّةٌ لغير الله بطلت، فلو قام رَجُل يُصلِّي ليراه النَّاس فالصلاة باطلة؛ لأنه لم يُخلص النيَّة للمعمول له، وهو الله عزّ وجل.
وثانياً: نيَّة تمييز العبادات عن غيرها، وتمييز العبادات بعضها عن بعض.

واعلمْ أن النيَّة محلُّها القلب، ولهذا قال الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّما الأعمال بالنيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى»، فليست من أَعمال الجوارح، ولهذا نقول: إن التلفّظَ بها بدعة، فلا يُسَنُّ للإنسان إذا أراد عبادة أن يقول: اللهم إني نويت كذا؛ أو أردت كذا، لا جهراً ولا سِرًّا؛ لأن هذا لم يُنقل عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولأنَّ الله تعالى يعلم ما في القُلوب، فلا حاجة أن تنطق بلسانك ليُعْلم ما في قلبك، فهذا ليس بِذِكْرٍ حتى يُنطق فيه باللسان، وإنَّما هي نيَّة محلُّها القلب، ولا فرق في هذا بين الحَجِّ وغيره؛ حتى الحجُّ لا يُسَنُّ للإنسان أن يقول: اللهم إني نويت العُمْرَة؛ أو نويت الحجَّ، لأنه لم يُنقل عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، ولكن يُلبِّي بما نوى، والتلبية غير الإخبار بالنيَّة؛ لأن التلبية تتضمَّن الإجابة لله، فهي بنفسها ذِكْرٌ ليست إخباراً عمَّا في القلب، ولهذا يقول القائل: لبَّيك عُمرة أو لبَّيك حَجّاً.
نعم؛ لو احتاج إلى الاشتراط فله أن يتلفَّظ بلسانه، بل لا بُدَّ أن يتلفَّظ فيقول مثلاً: لبَّيك اللهمَّ عُمرة، وإن حَبَسَني حابسٌ فَمَحِلِّي حيث حبستني...


مسألة : هل جميع العبادات تبطل بالعزم على القطع؟
الجواب: نعم، إلا الحجَّ والعمرة، فإن الحجَّ والعمرة لا يبطلان بإبطالهما؛ حتى لو صرَّح بذلك وقال: إني قطعت نُسكي، فإنه لا ينقطع ولو كان نَفْلاً، بل يلزم المضي فيه ويقع صحيحاً، وهذا من خصائص الحجِّ والعمرة أنهما لا يبطلان بقطع النيَّة؛ لقول الله تعالى: {{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ}} .
ولو علَّق القطعَ على شرطٍ فقال: إن كلَّمني زيد قطعت النيَّة أو أبطلت صلاتي؟ فإنها تبطل على كلام الفقهاء ، والصَّحيح أنها لا تبطل؛ لأنه قد يعزم على أنه إنْ كلَّمه زيد تكلَّم؛ ولكنه يرجع عن هذا العزم.



... فإن قيل: هل قَلْبُ الفرض إلى نَفْل، مستحبٌّ أم مكروه؟ أم مستوي الطرفين؟
فالجواب: أنه مستحبٌّ في بعض الصُّور، وذلك فيما إذا شَرَع في الفريضة منفرداً ثم حضر جماعة؛ ففي هذه الحال هو بين أمور ثلاثة: إمَّا أن يستمرَّ في صلاته يؤدِّيها فريضة منفرداً، ولا يُصلِّي مع الجماعة الذين حضروا، وإمَّا أن يقطعها ويُصلِّي مع الجماعة، وإما أن يقلبها نَفْلاً فيكمل ركعتين، وإن كان صَلَّى ركعتين، وهو في التشهد الأوَّل فإنه يتمُّه ويُسلِّم، ويحصُل على نافلة، ثم يدخل مع الجماعة، فهنا الانتقال من الفرض إلى النَّفْل مستحبٌّ من أجل تحصيل الجماعة، مع إتمام الصلاة نَفْلاً، فإن خاف أن تفوته الجماعة فالأفضل أن يقطعها من أجل أن يُدرك الجماعة.
وقد يقول قائل: كيف يقطعها وقد دخل في فريضة، وقطع الفريضة حرام؟
فنقول: هو حرامٌ إذا قطعها ليترُكَهَا، أما إذا قطعها لينتقل إلى أفضل، فإنه لا يكون حراماً، بل قد يكون مأموراً به، ألم تَرَ أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أمر أصحابه الذين لم يسوقوا الهديَ أن يجعلوا حجَّهم عُمْرة من أجل أن يكونوا متمتِّعين، فأمرهم أن يقطعوا الفريضة نهائياً؛ لأجل أن يكونوا متمتِّعين؛ لأن التَّمتُّع أفضل من الإفراد، ولهذا لو نَوى التَّحلل بالعُمْرة ليتخلَّص من الحجِّ لم يكن له ذلك، فهذا لم يقطع الفرض رغبة عنه؛ ولكنه قطع الفرض إلى ما هو أكمل وأنفع.



... مسألة : هل من العُذر أن يكون المأموم مسافراً والإمام مقيماً، فينفرد المأموم إذا صَلَّى ركعتين ثم يُسلِّم؟
الجواب: لا، لأن المأموم المسافر إذا اقتدى بإمام مقيم وجب عليه الإتمام؛ لقول النبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام: «إنما جُعِلَ الإمامُ ليُؤتَمَّ به» ، وقوله: «ما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا».

... أما الشيء الذي لا يقتضي التَّأخُّر عن الإمام ولا التَّقدُّم عليه، فهذا يأخذ المأموم بما يراه.
مثاله: لو كان الإمام لا يرى رفع اليدين عند التَّكبير للرُّكوع، والرَّفع منه، والقيام من التَّشهد الأوَّل، والمأموم يرى أن ذلك مستحبٌّ، فإنه يفعل ذلك؛ لأنه لا يستلزم تأخراً عن الإمام ولا تقدُّماً عليه. ولهذا قال الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم: «إذا كَبَّر فكبِّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا» ، و«الفاء» تدلُّ على التَّرتيب والتَّعقيب، وكذلك أيضاً: لو كان الإمام يَتورَّكُ في كلِّ تشهُّد يعقبه سَلام حتى في الثُّنائيَّة، والمأموم لا يرى أنه يَتورَّك إلا في تشهُّد ثانٍ فيما يُشرع فيه تشهُّدان، فإنه هنا له ألا يتورَّك مع إمامه في الثُّنائيَّة؛ لأن هذا لا يؤدِّي إلى تخلُّف ولا سبق...


تنبيه: ليس هناك شيءٌ تبطلُ به صلاةُ المأموم ببطلان صلاة الإمام على القول الرَّاجح؛ إلا فيما يقوم فيه الإمامُ مقامَ المأموم، والذي يقوم فيه الإمامُ مقامَ المأموم هو الذي إذا اختلَّ اختلت بسببه صلاةُ المأموم؛ لأنَّ ذلك الفعل من الإمام للإمام وللمأمومين، مثل: السُّترة؛ فالسُّترة للإمام سُتْرَة لمن خلفه، فإذا مرَّت امرأة بين الإمام وسُترته بطلت صلاة الإمام وبطلت صلاة المأموم؛ لأنَّ هذه السُّترة مشتركة، ولهذا لا نأمر المأموم أن يتَّخِذَ سُترة، بل لو اتَّخذ سُترة لعُدَّ متنطِّعاً مبتدعاً، فصار انتهاك السُّترة في حَقِّ الإمام انتهاكاً في حَقِّ المأموم، فبطلت صلاة المأموم كما بطلت صلاة الإمام.
وهنا قاعدة مهمَّة وهي: أنَّ من دخل في عبادة فأدَّاها كما أُمِرَ؛ فإننا لا نُبْطِلُها إلا بدليل؛ لأن الأصلَ الصِّحةُ وإبراءُ الذِّمة؛ حتى يقوم دليل البطلان.



المصدر : كتاب الشرح الممتع

أم علي طويلبة علم
2014-08-05, 01:57 AM
قال الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله :
"ويتحمَّل الإمام عن المأموم سُجود السَّهو؛ بشرط أن يدخل المأموم مع الإمام من أوَّل الصلاة، فلو قُدِّرَ أن المأموم جلس للتَّشهُّد الأوَّل، وظَنَّ أنه بين السَّجدتين، فصار يقول: «رَبِّ اغفرْ لي وارحمني» فقام مع إمامه، فهنا يتحمَّل عنه الإمامُ سجود السَّهو؛ إن كان لم يَفُتْهُ شيء من الصَّلاة؛ وذلك لأنه لو سجد في هذه الحال لأدَّى إلى مخالفة الإمام، أما لو فاته شيء من الصلاة فإن الإمام لا يتحمَّل عنه."

هل من توضيح لكلام الشيح ابن عثيمين رحمه الله ؟

محمد طه شعبان
2014-08-05, 08:01 AM
هل من توضيح لكلام الشيح ابن عثيمين رحمه الله ؟

يقصد العلامة ابن عثيمين رحمه الله: أن المأموم لو بدأ مع الإمام الصلاة، ثم جلس الإمام للتشهد، فسهى المأموم وظن أنه جلس الجلسة التي بين السجدتين، فلم يقل التشهد، وقال: (رب اغفر لي)، ثم تبين له أنها كانت جلسة التشهد، فليس علية - حينها - سجود سهو، وذلك لأنه لو سجد للسهو لخالف الإمام.
ولكن لو جاء متأخرًا، وحدث معه ما ذكرناه، فإنه يسجد للسهو؛ لأنه - حينها - لن يخالف إمامه؛ لأنه - حينها - يكون منفردًا بعد تسليم الإمام؛ فيأتي بسجدتي السهو بعد الفراغ من صلاته.

أم علي طويلبة علم
2014-08-05, 08:21 AM
جزاكم الله خيرا ، انتهى الجزء الثاني من كتاب الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين رحمه الله ، وبداية الجزء الثالث من الكتاب : باب صفة الصلاة ..

محمد طه شعبان
2014-08-05, 08:29 AM
جزاكم الله خيرا ، انتهى الجزء الثاني من كتاب الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين رحمه الله ، وبداية الجزء الثالث من الكتاب : باب صفة الصلاة ..
وجزاكم مثله.
وهو ما سنبدأ به إن شاء الله تعالى.

محمد طه شعبان
2014-08-05, 08:30 AM
بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

يُسَنُّ خُرُوجُهُ إِلَيْهَا مُتَطَهِّرًا، بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ، مَعَ قَوْلِ مَا وَرَدَ، وَقِيَامُ إِمَامٍ فَغَيْرِ مُقِيمٍ إِلَيْهَا، عِنْدَ قَوْلِ مُقِيمٍ: ((قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ))، فَيَقُولُ: ((اللهُ أَكْبَرُ)) وَهُوَ قَائِمٌ فِي فَرْضٍ، رَافِعًا يَدَيْهِ إِلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ يَقْبِضُ بِيُمْنَاهُ كُوعَ يُسْرَاهُ، وَيَجْعَلُهُمَا تَحْتَ سُرَّتِهِ، وَيَنْظُرُ مَسْجِدَهُ فِي كُلِّ صَلَاتِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: ((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ))، ثُمَّ يَسْتَعِيذُ، ثُمَّ يُبَسْمِلُ سِرًّا، ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ مُرَتَّبَةً مُتَوَالِيَةً، وَفِيهَا إِحْدَى عَشَرَ تَشْدِيدَةً، وَإِذَا فَرَغَ قَالَ: ((آمِينَ))، يَجْهَرُ بِهَا إِماَمٌ وَمَأْمُومٌ مَعًا فِي جَهْرِيَّةٍ، وَغَيْرُهُمَا فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ، وَيُسَنُّ جَهْرُ إِمَامٍ بِقِرَاءَةِ صُبْحٍ، وَجُمُعَةٍ، وَعِيدٍ، وَكُسُوفٍ، وَاسْتِسْقَاءٍ، وَأُولَتَيْ مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ، وَيُكْرَهُ لِمَأْمُومٍ، وَيُخَيَّرُ مُنْفَرِدٌ وَنَحْوُهُ، ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَهَا سُورَةً فِي الصُّبْحِ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَالْمَغْرِبِ مِنْ قِصَارِهِ، وَالْبَاقِي مِنْ أَوْسَاطِهِ، ثُمَّ يَرْكَعُ مُكَبِّرًا رَافِعًا يَدَيْهِ ثُمَّ يَضَعُهُمَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ مُفَرَّجَتَيِ الْأَصَابِعِ، وَيُسَوِّي ظَهْرَهُ، وَيَقُولُ: ((سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ)) ثَلَاثًا؛ وَهُوَ أَدْنَى الْكَمَالِ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَدَيْهِ مَعًا، قَائِلًا: ((سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ))، وَبَعْدَ انْتِصَابِهِ: ((رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْء بَعْدُ))، وَمَأْمُومٌ: ((رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ)) فَقَطْ، ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَسْجُدُ عَلَى الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ، فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ.
وَسُنَّ كَوْنُهُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، وَمُجَافَاةُ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَبَطْنِهِ عَنْ فَخِذَيْهِ، وَتَفْرِقَةُ رُكْبَتَيْهِ، وَيَقُولُ: ((سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى)) ثَلَاثًا، وَهُوَ أَدْنَى الْكَمَالِ، ثُمَّ يَرْفَعُ مُكَبِّرًا، وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا، وَيَقُولُ: ((رَبِّ اغْفِرْ لِي)) ثَلَاثًا، وَهُوَ أَكْمَلُهُ، وَيسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَذَلِكَ، ثُمَّ يَنْهَضُ مُكَبِّرًا مُعْتَمِدًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ، فَإِنْ شَقَّ فَبِالْأَرْضِ، فَيَأْتِي بِمِثْلِهَا، غَيْرَ النِّيَّةِ وَالتَّحْرِيمَة ِ وَالِاسْتِفْتَا حِ وَالتَّعَوُّذِ، إِنْ كَانَ تَعَوَّذَ، ثُمَّ يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا، وَسُنَّ وَضْعُ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَبْضُ الْخِنْصِرِ وَالْبِنْصِرِ مِنْ يُمْنَاهُ، وَتَحْلِيقُ إِبْهَامَهَا مَعَ الْوُسْطَى، وَإِشَارَتُهُ بِسَبَّابَتِهَا فِي تَشَهُّدٍ وَدُعَاءٍ عِنْدَ ذِكْرِ اللهِ مُطْلَقًا، وَبَسْطُ الْيُسْرَى، ثُمَّ يَتَشَهَّدُ، فَيَقُولُ: ((التَّحِيَّاتُ للهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ))، ثُمَّ يَنْهَضُ فِي مَغْرِبٍ وَرُبَاعِيَّةٍ مُكَبِّرًا، وَيُصَلِّي الْبَاقِي كَذَلِكَ سِرًّا مُقْتَصِرًا عَلَى الْفَاتِحَةِ، ثُمَّ يَجْلِسُ مُتَوَرِّكًا، فَيَأْتِي بِالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ يَقُولُ: ((اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ))، وَسُنَّ أَنْ يَتَعَوَّذَ، فَيَقُولُ: ((أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ)).
وَتَبْطُلُ بِدُعَاءٍ بِأَمْرِ الدُّنْيَا.
ثُمَّ يَقُولُ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ عَنْ يَسَارِهِ: ((السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ))، مُرَتَّبًا مُعَرَّفًا وُجُوبًا.
وَامْرَأَةٌ كَرَجُلٍ؛ لَكِنْ تَجْمَعُ نَفْسَهَا وَتَجْلِسُ مُتَرَبِّعَةً أَوْ مُسْدِلَةً رِجْلَيْهَا عَنْ يَمِينِهَا، وَهُوَ أَفْضَلُ.
وَكُرِهَ فِيهَا: الْتِفَاتٌ وَنَحْوُهُ بِلَا حَاجَةٍ، وَإِقْعاءٌ، وَافْتِرَاشُ ذِرَاعَيْهِ سَاجِدًا، وَعَبَثٌ، وَتَخَصُّرٌ، وَفَرْقَعَةُ أَصَابِعٍ، وَتَشْبِيكُهَا، وَكَونُهُ حَاقِنًا، وَنَحْوُهُ، وَتَائِقًا لِطَعَامٍ وَنَحْوِهِ.
وَإِذَا نَابهُ شَيْءٌ، سَبَّحَ رَجُلٌ، وَصَفَّقَتِ امْرَأَةٌ بِبَطْنِ كَفَّهَا عَلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى، وَيَزِيلُ بُصَاقًا وَنَحْوَهُ بِثَوْبِهِ، وَيُبَاحُ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ عَنْ يَسَارِهِ، وَيُكْرَهُ أَمَامَهُ وَيَمِينَهُ.

محمد طه شعبان
2014-08-05, 08:34 AM
قوله: (يُسَنُّ خُرُوجُهُ إِلَيْهَا مُتَطَهِّرًا): ودليل ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَفِي سُوقِهِ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً، إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى، لَمْ تَزَلِ المَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ، مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
قوله: (بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ): ودليل ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ، فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالوَقَارِ، وَلَا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعَ جَلَبَةً، فَقَالَ: «مَا شَأْنُكُمْ؟» قَالُوا: اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: «فَلَا تَفْعَلُوا، إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا سَبَقَكُمْ فَأَتِمُّوا([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))».
ومعنى السكينة: السِّينُ وَالْكَافُ وَالنُّونُ أَصْلٌ وَاحِدٌ مُطَّرِدٌ، يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الِاضْطِرَابِ وَالْحَرَكَةِ؛ يُقَالُ سَكَنَ الشَّيْءُ يَسْكُنُ سُكُونًا فَهُوَ سَاكِنٌ. وَالسِّكِّينُ مَعْرُوفٌ، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ: هُوَ فِعِّيلٌ لِأَنَّهُ يُسَكِّنُ حَرَكَةَ الْمَذْبُوحِ بِهِ. وَمِنَ الْبَابِ السَّكِينَةُ، وَهُوَ الْوَقَارُ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))، والتَّأَنِّي فِي الْحَرَكَةِ والسَّيْرِ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
ومعنى الوقار: الْوَاوُ وَالْقَافُ وَالرَّاءُ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى ثِقَلٍ فِي الشَّيْءِ؛ مِنْهُ الْوَقْرُ: الثِّقَلُ فِي الْأُذُنِ؛ يُقَالُ مِنْهُ: وَقِرَتْ أُذُنُهُ تَوْقَرُ وَقْرًا؛ قَالَ الْكِسَائِيُّ: وُقِرَتْ أُذُنُهُ فَهِيَ مَوْقُورَةٌ. وَالْوِقْرُ: الْحِمْلُ. وَيُقَالُ: نَخْلَةٌ مُوَقَّرَةٌ وَمُوقِرٌ؛ أَيْ: ذَاتُ حَمْلٍ كَثِيرٍ. وَمِنْهُ الْوَقَارُ: الْحِلْمُ وَالرَّزَانَةُ. وَرَجُلٌ ذُو قِرَةٍ؛ أَيْ: وَقُورٌ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) متفق عليه: أخرجه البخاري (647)، ومسلم (649).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) متفق عليه: أخرجه البخاري (636)، ومسلم (602).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) متفق عليه: أخرجه البخاري (635)، ومسلم (603).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((مقاييس اللغة)) (3/ 88).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((النهاية في غريب الحديث)) (2/ 385).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((مقاييس اللغة)) (6/ 132).

أم علي طويلبة علم
2014-08-05, 08:43 PM
صِفةُ الصَّلاة: أي: الكيفية التي تكون عليها. وعلماء الفقه رحمهم الله تكلموا على صِفةِ الصَّلاة، وعلى صِفةِ الحَجِّ وغيرهما؛ وذلك لأنَّ شرط العبادة أمران:
1 ـ الإخلاصُ لله تعالى.
2 ـ المتابعةُ للرَّسول صلّى الله عليه وسلّم.
فأما الإِخلاصُ لله؛ فيتكلَّمُ عليه أهلُ التوحيد والعقائد.
وأما المتابعةُ للرسول صلّى الله عليه وسلّم فيتكلَّمُ عليها الفقهاءُ.
وضِدُّ الإِخلاصِ: الإِشراك، وضِدُّ المتابعةِ: البدعة.
فمَن تابع الرَّسولَ بدون إخلاص لم تصحَّ عبادتُه؛ لقوله تعالى في الحديث القُدسي: «أنا أغنى الشُّركاءِ عن الشِّركِ، مَن عَمِلَ عملاً أشركَ فيه معي غيري تركْتُهُ وشِرْكَهُ»، ومَن أخلص لله ولم يَتَّبعْ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم فإن عبادتَه مردودة؛ لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَن عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ».


... والصَّلاةُ إما في جماعة، وإما في انفراد. فإذا كان في جماعةٍ فأحسن ما يكون: أن يتوضَّأ الإِنسانُ في بيته، ويُسْبِغَ الوُضُوءَ، ثم يخرج من بيته بنيَّة الصَّلاةِ مع الجماعةِ. فإذا فَعَلَ ذلك لم يَخْطُ خَطوةً إلا رَفَعَ اللَّهُ له بها درجةً، وحَطَّ عنه بها خطيئة؛ قَرُبَ بيته أو بَعُدَ. ولا يعني هذا أنه ينبغي أن يتقصَّد الأبعدَ مِن المساجد، بل يعني ذلك أنه إذا بَعُدَ منزلك مِن المسجد فلا تستبعد المسجدَ، وتقل: إن في ذلك تعباً عَليَّ، بلِ اسْعَ إليه، ولك في كلِّ خَطوة إذا خرجت مُسبغاً للوُضُوء قاصداً المسجد أنْ يرفعَ الله لك بها درجة؛ ويَحطَّ عنك بها خطيئةً.
وينبغي أن يأتي إليها بسكينةٍ ووَقَار، سكينة في الألفاظ والحركة، ووقار في الهيئة، فلا يأتي إليها وهو منزعجٌ، أو يمشي مشية الإِنسانِ الذي ليس بمنتظم، بل يكون وَقوراً؛ لأنه مُقبلٌ على مكانٍ يقفُ فيه بين يدي الله عزّ وجل.




الشرح الممتع ( 3/ 5-7) -مختصر-

أم علي طويلبة علم
2014-08-07, 02:10 AM
الشرح الممتع على زاد المستقنه ( 3/ 7-8) :

" ثم إذا حضرت المسجدَ فصَلِّ ما تيسَّرَ لك، فإن كان قد أذَّنَ فإنه يمكنك أن تُصلِّي الرَّاتبةَ؛ إذا كانت لهذه الفريضة راتبةٌ قبلَها، وإن لم يكن لها راتبة قبلها فسُنَّة ما بين الأذانين؛ لأن بين كلِّ أذانين صلاةً، وتجزئ هذه الصلاة ـ أعني: سُنَّة ما بين الأذانين أو الراتبة ـ عن تحيَّة المسجد؛ لأن قول الرَّسول عليه الصلاة والسلام: « إذا دَخَلَ أحدُكم المسجد فلا يجلس حتى يُصلِّيَ ركعتين». يَصْدق بما إذا صَلَّى الإِنسانُ الراتبةَ، أو سُنَّةَ ما بين الأذانين.
ثم اجْلسْ بنيَّة انتظار الصَّلاة، واعلمْ أنك إذا أتيت المسجدَ على هذا الوجه لا تزال في صلاة ما انتظرتَ الصَّلاةَ؛ حتى لو تأخَّر الإِمامُ وزاد خمسَ دقائق أو عشراً فإنك على خير؛ لأنك لا تزال في صلاة ما انتظرتَ الصَّلاةَ، ثم مع ذلك الملائكةُ تُصلِّي عليك ما دمت في مصلاك، ورَجلٌ تُصلِّي عليه الملائكة حَريٌّ بأن يستجيبَ اللَّهُ سبحانه وتعالى دعاءَ الملائكة له." .

محمد طه شعبان
2014-08-09, 12:00 PM
قوله: (مَعَ قَوْلِ مَا وَرَدَ): أي: قول ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الذكر عند الذهاب إلى المسجد، ودخوله.
فإن كان خارجًا من منزله، فيقول ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الخروج من المنزل.
فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، قَالَ: يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ، وَكُفِيتَ، وَوُقِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ: «بِسْمِ اللهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
ثم يقول ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم عند الذهاب إلى المسجد.
فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّهُ رَقَدَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَيْقَظَ فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ وَهُوَ يَقُولُ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]، فَقَرَأَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَطَالَ فِيهِمَا الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ سِتَّ رَكَعَاتٍ، كُلَّ ذَلِكَ يَسْتَاكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيَقْرَأُ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ، ثُمَّ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ، فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَخَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ، وَهُوَ يَقُولُ: «اللهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي لِسَانِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي سَمْعِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُورًا، وَمِنْ أَمَامِي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، اللهُمَّ أَعْطِنِي نُورًا([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))».
ثم إذا أراد دخول المسجد، فليقل ما رواه أبو داود عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، قَالَ: لَقِيتُ عُقْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ، فَقُلْتُ لَهُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ حَدَّثْتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»، قَالَ: أَقَطْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِذَا قَالَ: ذَلِكَ قَالَ الشَّيْطَانُ: حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، أَو عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَقُلِ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))».
وفي لفظ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، فَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))».
قوله: (وَقِيَامُ إِمَامٍ فَغَيْرِ مُقِيمٍ إِلَيْهَا، عِنْدَ قَوْلِ مُقِيمٍ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ): أي: وَيُسَنُّ قيامُ إمام وغير مقيم للصلاة، إلى الصلاة عند قول المقيم: ((قد قامت الصلاة))؛ لأنه دعاء إلى القيام، فاستُحِبَّ المبادرة إليه.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ يَقُومُ عِنْدَ قَوْلِهِ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ هَذَا خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ؛ وَمَقْصُودُهُ الْإِعْلَامُ؛ لِيَقُومُوا، فَيُسْتَحَبُّ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْقِيَامِ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ، وَتَحْصِيلًا لِلْمَقْصُودِ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))))اهـ.
قلت: والصحيح في المذهب، وهو الذي دلَّتْ عليه السُّنَّةُ أن المأموم لا يقوم إلا عند رؤية الإمام.
فَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8))».
قال المرداوي رحمه الله: ((وَالصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَقُومُ حَتَّى يَرَى الْإِمَامَ إذَا كَانَ غَائِبًا([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)))).
قوله: (فَيَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ، وَهُوَ قَائِمٌ): أي: فيقول المصلي: ((الله أكبر))، وهو قائم؛ ولا تنعقد الصلاة إلا بذلك؛ ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))».
وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))».
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)).
ويُستثنى من ذلك غير القادر على القيام لعذر؛ فله الجلوس، كما سيأتي في باب صلاة المريض.
قوله: (وَهُوَ قَائِمٌ فِي فَرْضٍ): أي: أن القيام لازم في الفرض دون السُّنَّة؛ ودليل ذلك حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ: «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ القَاعِدِ([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13))».
قال ابن قدامة رحمه الله: ((لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي إبَاحَةِ التَّطَوُّعِ جَالِسًا، وَأَنَّهُ فِي الْقِيَامِ أَفْضَلُ([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14)))).
قوله: (رَافِعًا يَدَيْهِ إِلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ): والمنكبان هما الكتفان؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَلاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15)).
وله رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه؛ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فَقَالَ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ»، فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ([16] (http://majles.alukah.net/#_ftn16)).
وفي لفظ: حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا فُرُوعَ أُذُنَيْهِ([17] (http://majles.alukah.net/#_ftn17)).
وفروع الأذنين: أَيْ: أَعَالِيهِمَا؛ وَفَرْعُ كُلِّ شَيْءٍ أَعْلَاهُ. وَقِيلَ: فَرْعُ الْأُذُنِ: شَحْمَتُهُ([18] (http://majles.alukah.net/#_ftn18)).
وله أن يرفع مرة إلى كتفيه، ومرة إلى فروع أذنيه؛ للعمل بجميع ما ورد.
وقد اتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ التَّحْرِيمِ مَسْنُونٌ([19] (http://majles.alukah.net/#_ftn19)).
قوله: (ثُمَّ يَقْبِضُ بِيُمْنَاهُ كُوعَ يُسْرَاهُ): أي: يضع يده اليمنى عَلَى اليسرى، ويقبض بيده اليمنى على كوع يده اليسرى- والكوع: مفصل الكف من الذراع؛ هو العظم الذي يلي الإبهام – ودليل ذلك حديث وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ، - وَصَفَ هَمَّامٌ حِيَالَ أُذُنَيْهِ - ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنَ الثَّوْبِ، ثُمَّ رَفَعَهُمَا، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ، فَلَمَّا قَالَ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا سَجَدَ سَجَدَ بَيْنَ كَفَّيْهِ([20] (http://majles.alukah.net/#_ftn20)).
وفي لفظ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا كَانَ قَائِمًا فِي الصَّلَاةِ قَبَضَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ([21] (http://majles.alukah.net/#_ftn21)).
وله أيضًا أن يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى؛ فقد ورد هذا في السنة.
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ اليَدَ اليُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ اليُسْرَى فِي الصَّلَاةِ([22] (http://majles.alukah.net/#_ftn22)).
قوله: (وَيَجْعَلُهُمَ تَحْتَ سُرَّتِهِ): أي: يضع يديه تحت سرته؛ واستدلوا على ذلك بما ورد عن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ وَضْعُ الْكَفِّ عَلَى الْكَفِّ فِي الصَّلَاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ([23] (http://majles.alukah.net/#_ftn23)).
وهو حديث اتفق الحفاظ على ضعفه([24] (http://majles.alukah.net/#_ftn24)).
والصحيح، وضعهما على الصدر؛ ودليل ذلك حديث وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى صَدْرِهِ([25] (http://majles.alukah.net/#_ftn25)).
وَعَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يَشُدُّ بَيْنَهُمَا عَلَى صَدْرِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ([26] (http://majles.alukah.net/#_ftn26)).
قال العلامة الألباني رحمه الله: ((تنبيه: وضعهما على الصدر هو الذي ثبت في السنة؛ وخلافه، إما ضعيف أو لا أصل له([27] (http://majles.alukah.net/#_ftn27))))اهـ.
قوله: (وَيَنْظُرُ مَسْجِدَهُ فِي كُلِّ صَلَاتِهِ): أي: ينظر المصلي موضع سجوده؛ ودليل ذلك حديث مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ؛ فَنَزَلَتِ: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2]، فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ([28] (http://majles.alukah.net/#_ftn28)).
قوله: (ثُمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ): عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ، قَالَ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ([29] (http://majles.alukah.net/#_ftn29))، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ([30] (http://majles.alukah.net/#_ftn30))».
قوله: (ثُمَّ يَسْتَعِيذُ): ودليل ذلك عموم قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98].
قوله: (ثُمَّ يُبَسْمِلُ سِرًّا): فيقول: "بسم الله الرحمن الرحيم"، سرًّا لا يجهر بها؛ ودليل ذلك حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلَفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ بِـ"الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"، لَا يَذْكُرُونَ "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا([31] (http://majles.alukah.net/#_ftn31)).
وفي لفظ: صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فَكَانُوا لَا يَجْهَرُونَ: بِـ"بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"([32] (http://majles.alukah.net/#_ftn32)).
قوله: (ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ مُرَتَّبَةً مُتَوَالِيَةً): لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَؤُهَا مُرَتَّبَةً مُتَوَالِيَةً، وَقَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»، وَلِأَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزٌ، وَالْإِعْجَازُ يَتَعَلَّقُ بِالنَّظْمِ وَالتَّرْتِيبِ، وَهِيَ رُكْنٌ؛ فَلَمْ يَجُزْ تَنْكِيسُهَا كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ([33] (http://majles.alukah.net/#_ftn33)).
قوله: (وَفِيهَا إِحْدَى عَشَرَ تَشْدِيدَةً): فإن أخَلَّ بواحدة منها، لم تصح؛ لأنه لَمْ يقرأها كلها، والشدة أقيمت مقام حرف([34] (http://majles.alukah.net/#_ftn34)).[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) أخرجه أبو داود (5095)، والترمذي (3426)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (499).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه أحمد (26616)، والترمذي (3427)، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»، والنسائي (5486)، وابن ماجه (3884)، وابن المنذر في ((الأوسط)) (1245)، وصححه الألباني في ((الصحيحة)) (3163).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) متفق عليه: أخرجه البخاري (6316)، ومسلم (763).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) أخرجه أبو داود (466)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (4715).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) أخرجه مسلم (713).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) أخرجه أبو داود (465)، وابن ماجه (772)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (515).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) ((المغني)) (1/ 332).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) متفق عليه: أخرجه البخاري (637)، ومسلم (604).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) ((الإنصاف)) (2/ 39).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) متفق عليه: أخرجه البخاري (757)، ومسلم (397).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) أخرجه أحمد (1006)، وأبو داود (61)، والترمذي (3)، وقال: «هَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ»، وابن ماجه (275)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (301).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) أخرجه مسلم (498).

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) أخرجه البخاري (1116).

[14] (http://majles.alukah.net/#_ftnref14))) ((المغني)) (2/ 105).

[15] (http://majles.alukah.net/#_ftnref15))) متفق عليه: أخرجه البخاري (736)، ومسلم (390).

[16] (http://majles.alukah.net/#_ftnref16))) أخرجه مسلم (391).

[17] (http://majles.alukah.net/#_ftnref17))) التخريج السابق.

[18] (http://majles.alukah.net/#_ftnref18))) ((عون المعبود)) (2/ 314).

[19] (http://majles.alukah.net/#_ftnref19))) السابق.

[20] (http://majles.alukah.net/#_ftnref20))) أخرجه مسلم (401).

[21] (http://majles.alukah.net/#_ftnref21))) أخرجه النسائي (887)، وفي ((الكبرى)) (963)، وصحح إسناده الألباني في ((صفة الصلاة)) (88).

[22] (http://majles.alukah.net/#_ftnref22))) أخرجه البخاري (740).

[23] (http://majles.alukah.net/#_ftnref23))) أخرجه أبو داود (756)، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند (875)، وهو ضعيف.

[24] (http://majles.alukah.net/#_ftnref24))) قال السندي رحمه الله في ((حاشية ابن ماجه)) (1/ 271): ((وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَّ مِنَ السُّنَّةِ وَضْعُ الْأَكُفِّ عَلَى الْأَكُفِّ فِي الصَّلَاةِ تَحْتِ السُّرَّةِ. فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ؛ كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ نَقْلًا عَنِ النَّوَوِيِّ وَسَكَتَ عَلَيْهِ))اهـ. وقد نقل كلام السندي العلامة الألباني في ((أصل صفة الصلاة)) (1/ 224)، ووافقه.

[25] (http://majles.alukah.net/#_ftnref25))) أخرجه ابن خزيمة (479)، وقال الألباني في التعليق: ((إسناده ضعيف؛ لأن مؤمَّلًا وهو ابن اسماعيل سيئ الحفظ؛ لكن الحديث صحيح، جاء من طرق أخرى بمعناه، وفي الوضع على الصدر أحاديث تشهد له))اهـ.

[26] (http://majles.alukah.net/#_ftnref26))) أخرجه أبو داود (759)، مرسلًا عن طاووس.

[27] (http://majles.alukah.net/#_ftnref27))) ((صفة الصلاة)) (88)، هامش.

[28] (http://majles.alukah.net/#_ftnref28))) أخرجه الحاكم (3483)، والبيهقي في ((الكبير)) (3541)، و((الصغير)) (841)، مرسلًا عن محمد بن سيرين، ورُوي متصلًا عن أبي هريرة رضي الله عنه، ولكنَّ المحفوظ المرسل، كما رجح ذلك البيهقي والذهبي والألباني.

[29] (http://majles.alukah.net/#_ftnref29))) وَتَعَالَى جَدُّكَ: أَي: عَلَتْ عظمتك على كل شَيْء. وَالْجَدُّ العظمة؛ يُقَال: "جَدَّ فلَان فِي النَّاس" أَي: عظم فِي عيونهم وَجَلَّ فِي صُدُورهمْ. ((غريب الحديث)) لابن قتيبة.
والجد أيضًا: الحظُّ والسَّعادة والغنَى؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ «وَلَا يَنْفَع ذَا الجَدّ مِنْكَ الجَدُّ» أَيْ: لَا يَنْفَعُ ذَا الغِنَى مِنْكَ غِنَاه، وإنَّما ينفعُه الإيمانُ وَالطَّاعَةُ. ((نهاية)).
أَيْ: تَعَالَى غِنَاؤُكَ عَنْ أَنْ يُنْقِصَهُ إِنْفَاقٌ أَوْ يَحْتَاجَ إِلَى مُعِينٍ وَنَصِيرٍ.

[30] (http://majles.alukah.net/#_ftnref30))) أخرجه أبو داود (776)، والترمذي (243)، وابن ماجه (806)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (4667).

[31] (http://majles.alukah.net/#_ftnref31))) متفق عليه: أخرجه البخاري (743)، ومسلم (399).

[32] (http://majles.alukah.net/#_ftnref32))) أخرجه أحمد (12845)، بسند صحيح.

[33] (http://majles.alukah.net/#_ftnref33))) ((المبدع في شرح المقنع)) (1/ 386).

[34] (http://majles.alukah.net/#_ftnref34))) انظر: ((الكافي)) (1/ 247).

أم علي طويلبة علم
2014-08-11, 02:50 AM
قوله: (وَقِيَامُ إِمَامٍ فَغَيْرِ مُقِيمٍ إِلَيْهَا، عِنْدَ قَوْلِ مُقِيمٍ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ): أي: وَيُسَنُّ قيامُ إمام وغير مقيم للصلاة، إلى الصلاة عند قول المقيم: ((قد قامت الصلاة))؛ لأنه دعاء إلى القيام، فاستُحِبَّ المبادرة إليه.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ يَقُومُ عِنْدَ قَوْلِهِ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ هَذَا خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ؛ وَمَقْصُودُهُ الْإِعْلَامُ؛ لِيَقُومُوا، فَيُسْتَحَبُّ الْمُبَادَرَةُ إلَى الْقِيَامِ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ، وَتَحْصِيلًا لِلْمَقْصُودِ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))))اهـ.
قلت: والصحيح في المذهب، وهو الذي دلَّتْ عليه السُّنَّةُ أن المأموم لا يقوم إلا عند رؤية الإمام.
فَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8))».
قال المرداوي رحمه الله: ((وَالصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَقُومُ حَتَّى يَرَى الْإِمَامَ إذَا كَانَ غَائِبًا([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)))).


الشرح الممتع (3/ 9) :

... والسُّنَّة لم تردْ محدِّدة لموضع القيام؛ إلا أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أُقِيمَت الصلاةُ فلا تقوموا حتى تَرَوْنِي». فإذا كانت السُّنَّةُ غيرَ محدِّدة للقيام؛ كان القيامُ عند أوَّل الإِقامة، أو في أثنائها، أو عند انتهائها، كلُّ ذلك جائز.
المهمُّ: أن تكون متهيِّئاً للدُّخول في الصلاة قبل تكبيرةِ الإمامِ؛ لئلا تفوتك تكبيرةُ الإِحرام.

أم علي طويلبة علم
2014-08-11, 03:17 AM
الشرح الممتع (3/17-19) :

... هل مِن استواء الصُّفوفِ أن يتقدَّمَ الرِّجَالُ ويتأخَّرَ الصبيان؟.

قال بعض العلماء : إنَّ هذا مِن تسوية الصُّفوفِ وكمالِها، أنْ يكون الرِّجالُ البالغون هم الذين يلون الإِمامَ، وأن يكون الصبيانُ في الخلفِ، فإذا كان عندنا مِئَةُ رجُل يمثِّلون صَفًّا، ومِئَةُ صبيٍّ يمثِّلون نصف الصَّفِّ، نجعلُ المِئَةَ الرَّجُل الصفَّ الأول، ومِئَةَ الطفل الصفَّ الثاني، حتى لو تقدَّم صبيٌّ إلى الأول أخَّرْنَاه؛ لأنَّ استواء الصفِّ أن يكون الرِّجالُ البالغون هم المقدَّمون.
واستُدِلَّ لذلك: بقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «لِيَلِني منكم أُولُو الأحْلامِ والنُّهى».
ولكن في هذا نظرٌ، بل نقول: إنَّ الصبيان إذا تقدَّموا إلى مكان، فهم أحقُّ به مِن غيرهم؛ لعموم الأدلَّة على أنَّ مَن سبقَ إلى ما لم يسبق إليه أحدٌ فهو أحقُّ به، والمساجدُ بيوتُ الله، يستوي فيها عباد الله، فإذا تقدَّم الصبيُّ إلى الصفِّ الأول ـ مثلاً ـ وجَلَسَ فليكنْ في مكانِه، ولأننا لو قلنا بإزاحة الصِّبيان عن المكان الفاضل، وجعلناهم في مكان واحد أدى ذلك إلى لَعبِهم؛ لأنَّهم ينفردون بالصَّفِّ، ثم هنا مشكل، إذا دخل الرِّجالُ بعد أن صفَّ الجماعة هل يُرجعونهم، وهم في الصلاة؟ وإن بَقَوا صفًّا كاملاً فسيُشوِّشون على مَنْ خلفَهم مِن الرِّجَال.

ثم إنَّ تأخيرهم عن الصَّفِّ الأول بعد أن كانوا فيه يؤدِّي إلى محذورين:
المحذور الأول: كراهة الصَّبيِّ للمسجدِ؛ لأن الصَّبيَّ ـ وإنْ كان صبيًّا ـ لا تحتقره، فالشيء ينطبع في قلبه.
المحذور الثاني: كراهته للرَّجُل الذي أخَّره عن الصَّفِّ.

فالحاصل: أنَّ هذا القولَ ضعيفٌ، أعني: القول بتأخير الصِّبيان عن أماكنهم، وأما قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لِيَلِني منكم أُولُو الأحلامِ والنُّهى» فمرادُه ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ حَثُّ البالغين العقلاء على التقدُّم؛ لا تأخير الصِّغار عن أماكنهم.

وقوله: «وتسوية الصفِّ» «أل» هنا للعموم، ولهذا عَبَّرَ بعضُ الفقهاءِ بقوله: تسوية الصُّفوف. فالصفُّ هنا اسمُ جنسٍ يشمَلُ جميعَ الصُّفوف: الأول، والثاني، والثالث... إلخ.


مسألة: إذا كان يمينُ الصَّفِّ أكثرَ مِن يساره؛ فهل يَطلبُ الإمامُ مِن الجماعة تسوية اليمين مع اليسار؟.

الجواب: إذا كان الفَرْقُ واضحاً فلا بأس أنْ يطلبَ تسويةَ اليمينِ مع اليسار، لأجل بيان السُّنَّة؛ لأنَّ كثيراً مِن النَّاسِ الآن يظنُّونَ أن الأفضل اليمين مطلقاً؛ حتى إنه ليكمُل الصفُّ أحياناً مِن اليمين، وليس في اليسار إلا واحدٌ أو اثنان. قال في «الفروع»: ويتوجَّه احتمال أنَّ بُعْدَ يمينه ليس أفضلَ مِن قُرْبِ يسارِه ولعله مرادهم اهـ.


مسألة: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا توضَّأ فأحسنَ الوُضُوء، لم يخطُ خَطوة إلا رُفعت له بها درجة...» الحديث ، فهل إذا خرجَ الإِنسانُ مِن بيته قاصداً المسجدَ، ثم توضَّأ في دورةِ المياه التي في المسجد، يكون له هذا الأجر؟

الجواب: ظاهرُ الحديثِ أنَّه لا يكون له هذا الأجر؛ لأنَّ هناك فَرْقاً بين مَن يخرج مِن بيتِه متهيِّئاً للصَّلاةِ قاصداً لها، وبين إنسان يأتي إلى المسجدِ غير متهيِّئ للصَّلاةِ. نعم؛ لو كان بيتُه بعيداً، ولم يتهيَّأ له الوُضُوء منه فيُرجى أن ينال هذا الأجر.

أم علي طويلبة علم
2014-08-11, 03:53 AM
قوله: (فَيَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ، وَهُوَ قَائِمٌ): أي: فيقول المصلي: ((الله أكبر))، وهو قائم؛ ولا تنعقد الصلاة إلا بذلك؛ ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))».
وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))».
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)).
ويُستثنى من ذلك غير القادر على القيام لعذر؛ فله الجلوس، كما سيأتي في باب صلاة المريض.


الشرح الممتع (3/19-25) :

... قوله: «ويقول: الله أكبر» أي: يقول المصلِّي: «الله أكبر» والقول إذا أُطلق فإنما هو قول اللِّسان، أما إذا قُيِّد فقيل: يقول في قلبه، أو يقول في نفسِه، فإنه يتقيَّد بذلك، وهذا التكبيرُ رُكْنٌ، لا تنعقدُ الصَّلاةُ بدونه؛ لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال للمسيء في صلاتِه: «إذا قُمتَ إلى الصَّلاةِ فأسْبِغ الوُضُوءَ، ثم اسْتقبل القِبْلةَ فكبِّر» مع أنه قال في الأول: «ارجِعْ فَصَلِّ فإنك لم تُصلِّ». وعلى هذا؛ فيكون كلُّ ما أمَرَ به الرَّسولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ المسيءَ في صلاتِه رُكناً لا تصِحُّ الصَّلاةُ بدونه، وإنْ شئت فقل: واجباً لا تصلحُ الصَّلاةُ بدونه؛ لأجل أن يشمَلَ إسباغَ الوُضُوء؛ لأنه ليس برُكنٍ في الصَّلاةِ، بل هو شرط.

وإذا عَجَزَ الإِنسانُ عنها؛ لكونه أخرسَ لا يستطيع النُّطقَ، فهل تسقطُ عنه، أو ينويها بقلبِه، أو يحرِّك لسانَه وشفتيه ؟
الجواب: نقول: ينويها بقلبِه؛ لأن قول الإِنسان: «الله أكبر» متضمِّن لقول اللسان وقول القلب؛ لأنه لم يقل بلسانه: «الله أكبر» إلا حين قالها بقلبه وعَزَم عليها، فإذا تعذَّر النُّطقُ باللِّسان وَجَبَ القولُ بالقلبِ، فيقولُها بقلبِه، ولا يحرِّك لسانَه وشفتيه، خِلافاً لمن قال مِن أهل العِلم: إنه يحرِّكُ لسانَه وشفتيه؛ مُعَلِّلاً ذلك بأن في القول تحريك اللِّسان والشفتين، فلما تعذَّر الصَّوتُ وَجَبَ التحريكُ.
والردُّ على هذا: أنَّ تحريك اللِّسان والشفتين ليس مقصوداً لذاته؛ بل هو مقصودٌ لغيره؛ لأنَّ القول لا يحصُلُ إلا به، فإذا تعذَّر المقصودُ الأصلي سقطت الوسيلةُ، وصارت هذه الوسيلةُ مجرَّد حركة وعبث، فما الفائدة مِن أن يُحرِّك الإِنسانُ شفتيه ولسانه، وهو لا يستطيع النُّطقَ، فالقول الرَّاجح في هذه المسألة: أنَّ الإِنسانَ إذا كان أخرسَ لا يستطيعُ أن يقول بلسانه فإنه ينوي ذلك بقلبه، ولا يحرِّك شفتيه ولا لسانه، لأن ذلك عبث وحركة في الصَّلاة لا حاجة إليها.

وقوله: «ويقول» إذا قلنا: إن القول يكون باللسان؛ فهل يُشترط إسماع نفسه لهذا القول؟
في هذا خِلافٌ بين العلماء ، فمنهم مَن قال: لا بُدَّ أن يكون له صوتٌ يُسمعَ به نفسَه. وهو المذهب، وإن لم يسمعه مَنْ بجنبه، بل لا بُدَّ أنْ يُسمع نفسَه، فإنْ نَطَقَ بدون أن يُسمعَ نفسَه فلا عِبْرَة بهذا النُّطقِ، ولكن هذا القول ضعيف. والصَّحيحُ: أنه لا يُشترط أن يُسمِعَ نفسَه؛ لأن الإسماعَ أمرٌ زائدٌ على القول والنُّطقِ، وما كان زائداً على ما جاءت به السُّنَّةُ فعلى المُدَّعي الدليلُ. وعلى هذا: فلو تأكَّدَ الإنسان من خروج الحروف مِن مخارجها، ولم يُسمعْ نفسَه، سواء كان ذلك لضعف سمعه، أم لأصوات حولَه، أم لغير ذلك؛ فالرَّاجحُ أنَّ جميعَ أقواله معتبرة، وأنه لا يُشترط أكثر مما دلَّت النُّصوصُ على اشتراطِه وهو القول.

وقوله: «الله أكبر» أي: بهذا اللفظ: «الله أكبر» فلا يُجزئُ غيرها، ولو قام مقامها، كما لو قال: «الله الأجلُّ، أو الله أجلُّ، أو الله أعظمُ» أو ما شابه ذلك، فإنه لا يُجزئُ؛ لأن ألفاظَ الذِّكر توقيفية؛ يُتوقَّفُ فيها على ما وَرَدَ به النصُّ، ولا يجوز إبدالها بغيرها؛ لأنها قد تحمل معنًى نظنُّ أنَّ غيرَها يحملُه، وهو لا يحملُه، فإن قال: الله الأكبرُ، فقال بعضُ العلماء: إنه يجزئُ، وقال آخرون: بل لا يجزئ. والصَّحيح: أنه لا يجزئ؛ لأن قولك: «أكبر» مع حذف المفضَّل عليه يدلُّ على أكبريَّة مطلقة، بخلاف الله الأكبرُ، فإنك تقول: ولدي هذا هو الأكبر. فلا يدلُّ على ما تدلُّ عليه «أكبر» بالتنكير، ثم إن هذا هو الذي وَرَدَ به النصُّ، وقد قال النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «مَن عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ» فالواجب أن يقول: «اللَّهُ أكبرُ».

مسألة: وإذا كان لا يعرفُ اللغةَ العربيةَ، ولا يستطيع النُّطقَ بها فماذا يصنع؟.
نقول: لدينا قاعدة شرعية قال الله فيها: {{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}}. وقال تعالى: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}}، وقال النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «إذا أمرتُكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم». فليكبِّر بلغتِه ولا حَرَجَ عليه؛ لأنه لا يستطيع غيرَها.

فإذا قال قائل: لماذا لا تقولون له: اسكتْ وانوِ التكبير بقلبِك؟
فالجواب: لأن التكبير يشتملُ على لفظٍ، ومعنًى، وقول بالقلب، فهو يشتمل على ثلاثة أشياء: قول القلب، واللفظ الذي جاء به النصُّ وهو العربي، والثالث المعنى.
وهذا الرَّجُلُ الذي لا يعرف اللغةَ العربيةَ يستطيع أن يكبِّر بقلبِه ويستطيع أن يكبِّر بالمعنى، ولا يستطيع أن يكبِّر باللفظ، وإذا أخذنا بالآية الكريمة: {{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}}. قلنا: أنت الآن تستطيع شيئين وتعجز عن الثالث فقم بالشيئين، وهما: تكبير القلب والمعنى، ويسقط عنك الثالث، وهو التكبير اللفظي؛ لأنك عاجزٌ عنه.

ثم نرجع إلى معنى هذه الكلمة: «اللَّهُ أكبرُ» ما معناها؟ وما مناسبةُ الابتداءِ بها؟
الجواب: معناها: أنَّ الله تعالى أكبر مِن كلِّ شيء في ذاتِه وأسمائِه وصفاتِه، وكلُّ ما تحتمله هذه الكلمة مِن معنى. قال الله عزّ وجل: {{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ}} وقال عزّ وجل: {{يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ *}} ومن هذه عظمته فهو أكبر مِن كل شيء. وقال الله تعالى: {{وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *}}. فكلُّ معنى لهذه الكلمة مِن معاني الكبرياء فهو ثابتٌ لله عزّ وجل.

... مسألة: كيف النُّطقُ بهذه الكلمة؟
الجواب: قال العلماء: يُكره تمطيط التَّكبير، حتى في النهوض من السُّجود إلى القيام مع طول النُّهوضِ، وحتى في الهويِّ إلى السُّجود مع طول ما بين القيامِ والسُّجودِ. قالوا: لأن هذا لم تَرِدْ به السُّنَّةُ، فيكون مكروهاً، هكذا نصَّ عليه الفقهاءُ رحمهم الله.
ولكن؛ الظاهرُ ـ والله أعلم ـ أنَّ الأمرَ في هذا واسعٌ ما لم يُخِلَّ بالمعنى، ولكن ليس مدَّها بأفضل مِن قصرها كما يتوهَّمُه بعض الناس، فبعضُ النَّاسِ يقول: تجعل للرُّكوعِ هيئة في التكبير، وللسُّجودِ هيئة وللجلوس هيئة، وللتشهُّدِ هيئة، وبين السجدتين؛ لأجل أن يكون المأموم خلفك آلة متحرِّكة، لأن المأموم إذا صارت التكبيرات تختلف فإنه يتابع هذا التكبير، حتى ولو كان سارحَ القلبِ إن كبَّرتَ تكبيرةَ السُّجودِ سَجَدَ، وإن كبَّرتَ تكبيرةَ النُّهوضِ نَهَضَ، لكن إذا قصرت التَّكبير كلَّه؛ ولم تميِّز بين التكبيرات؛ صار المأمومُ قد أحضر قلبَه وفِكرَه، يُخشى أن يقومَ في موضع الجلوس، أو أن يجلس في موضع القيام، وأمَّا المسبوق فقد يلتبس عليه الأمر إذا لم تميِّز بين التَّكبير. ولكن هذا محذورٌ يُمكن إزالتُه بأن يقال: إنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لم يُنقل عنه أنه كان يفرِّقُ بين التَّكبيراتِ، بل إن ظاهر صنيعه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنه لا يُفرِّقُ؛ لأنه لما صُنع له المنبر صَلَّى عليه وقال: «يا أيُّها النَّاسُ، إنَّما صنعتُ هذا لتأتمُّوا بي؛ ولتعلموا صلاتي»، فلو كان يخالفُ بين التَّكبير لكان النَّاسُ يأتمُّونَ به، ولو لم يكن على المنبر، ثم نقول: هذا المسبوقُ سيلي شخصاً آخر غير مسبوق فيقتدي به.

وأهمُّ شيءٍ هو اتِّباعُ السُّنَّةِ مع حصول الفائدة في كون المأموم يُحضِر قلبَه حتى يعرف عدد الرَّكعات.

وقال بعضُ الفقهاءِ: يمدُّ التَّكبيرَ في الهويِّ إلى السُّجودِ، وفي القيامِ مِن السُّجودِ لطول ما بين الرُّكنين. ولكن لا دليل لذلك.

أم علي طويلبة علم
2014-08-11, 07:39 AM
قوله: «رافعاً يديه» . «رافعاً» حال من فاعل «يقول»، أي: حال مقارنة، يعني: حال القول يكون رافعاً يديه.
ودليله: جاءت به السُّنَّةُ في عِدَّة أحاديث؛ كحديث ابن عُمرَ رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يرفعُ يديه حذوَ مَنكبيه؛ إذا افتتح الصَّلاةَ، وإذا كبَّرَ للرُّكوع، وإذا رفع رأسه من الرُّكوع» وصَحَّ عنه أيضاً أنه يرفعُ يديه إذا قام مِن الجلسة للتشهُّدِ الأول ، فهذه أربعة مواضع تُرفع فيها اليدان جاءت بها السُّنَّةُ، ولا تُرفع في غير هذه المواضع.

قوله: «مضمومتي الأصابع» . يعني: يضمُّ بعضها إلى بعض، يعني: يرصُّ بعضها إلى بعض، وقال بعضُ العلماء: إنه ينشرها ، ولكن الصحيح ما ذكره المؤلِّفُ؛ لأنه الوارد عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم.

قوله: «ممدودة» يعني: غير مقبوضة، والمدُّ: فتحها ضدُّ القبض، والقبض أن يضمَّ الأصابع إلى الراحة. وقد جاء هذا في «السُّنن»...

فإنْ قال قائل: ما الحكمة مِن رَفْعِ اليدين؟.
فالجواب على ذلك: أنَّ الحكمةَ في ذلك الاقتداءُ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو الذي يَسْلَم به المرءُ مِن أن يتجوَّل عقلُه هنا وهناك، ولهذا لما سُئلت أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ما بالُ الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟ قالت: «كان يصيبنا ذلك، فنُؤمر بقضاء الصَّومِ، ولا نُؤمر بقضاءِ الصَّلاةِ» وإنَّما علَّلت بالنَّصِّ؛ لأن النَّصَّ غايةُ كلِّ مؤمن؛ كما قال تعالى: {{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}} .
فالمؤمن إذا قيل له: هذا حكمُ اللَّهِ ورسولِه، وظيفتُه أن يقول: سمعنا وأطعنا...

قوله: «حذو منكبيه» أي: موازيهما. والمنكبان: هما الكتفان، فيكون منتهى الرَّفْعِ إلى الكتفين...

والعلماءُ ـ رحمهم الله ـ اختلفوا في العبادات الواردة على وجوهٍ متنوِّعة، هل الأفضل الاقتصار على واحدة منها، أو الأفضل فِعْلُ جميعها في أوقات شتَّى، أو الأفضل أنْ يجمعَ بين ما يمكن جَمْعُه؟
والصَّحيح: القول الثاني الوسط، وهو أن العبادات الواردة على وجوهٍ متنوِّعة تُفعل مرَّة على وجهٍ، ومرَّة على الوجه الآخر، فهنا الرَّفْعُ وَرَدَ إلى حَذوِ منكبيه، ووَرَدَ إلى فُرُوع أُذنيه؛ وكُلٌّ سُنَّة، والأفضل أن تَفعلَ هذا مرَّة، وهذا مرَّة؛ ليتحقَّقَ فِعْلُ السُّنَّةِ على الوجهين، ولبقاء السُّنَّةِ حيَّة؛ لأنك لو أخذت بوجهٍ، وتركت الآخر مات الوجهُ الآخر، فلا يُمكن أن تبقى السُّنَّةُ حيَّة إلا إذا كُنَّا نعمل بهذا مرَّة، وبهذا مرَّة، ولأن الإِنسان إذا عَمِلَ بهذا مرَّة، وبهذا مرَّة صار قلبُه حاضراً عند أداء السُّنَّة، بخلاف ما إذا اعتاد الشيء دائماً فإنه يكون فاعلاً له كفعل الآلة عادة، وهذا شيء مشاهد، ولهذا مَن لزم الاستفتاح بقوله: «سبحانك اللهمَّ وبحمدك» دائماً تجده مِن أول ما يُكبِّر يشرع «بسبحانك اللهم وبحمدك» مِن غير شعور؛ لأنه اعتاد ذلك، لكن لو كان يقول هذا مرَّة، والثاني مرَّة صار منتبهاً، ففي فِعْلِ العباداتِ الواردة على وجوهٍ متنوِّعة فوائد:
1 ـ اتِّباعُ السُّنَّة.
2 ـ إحياءُ السُّنَّة.
3 ـ حضورُ القلب.
وربما يكون هناك فائدة رابعة: إذا كانت إحدى الصِّفات أقصرَ مِن الأخرى، كما في الذِّكرِ بعد الصَّلاةِ؛ فإن الإِنسان أحياناً يحبُّ أن يُسرع في الانصراف؛ فيقتصر على «سبحان الله» عشر مرات، و«الحمد لله» عشر مرات، و«الله أكبر» عشر مرات، فيكون هنا فاعلاً للسُّنَّة قاضياً لحاجته، ولا حَرَجَ على الإِنسان أن يفعل ذلك مع قصد الحاجة، كما قال تعالى في الحُجَّاج: {{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ}}.

وقال بعضُ العلماءِ: إلى فُروع الأذنين باعتبار أعلى الكفِّ، وإلى حَذوِ المنكبين باعتبار أسفله . ولكنَّا نقول: لا حاجة إلى هذا الجَمْعِ؛ لأنَّ الأصلَ أنَّ المراد الكفُّ نفسُه؛ لا أعلاه ولا أسفله؛ والظَّاهر أنَّ الأمر في هذا واسع؛ لتقارب الصِّفات بعضها مِن بعض.
وقوله: «رافعاً يديه» . الأحاديث الواردة في ابتداءِ رَفْعِ اليدين وَرَدَتْ أيضاً على وجوهٍ متعدِّدة؛ فبعضُها يدلُّ على أنه يرفع ثم يكبِّر ، وبعضها على أنه يكبِّر ثم يرفع ، وبعضها على أنه يرفع حين يكبِّر يعني يكون ابتداء التَّكبير مع ابتداء الرَّفْعِ، وانتهاؤه مع انتهاء الرَّفْعِ، ثم يضع يديه. ونحن نقول: إن الأمرَ أيضاً في هذا واسع، يعني سواء رَفعتَ ثم كبَّرت، أو كبَّرت ثم رفعتَ، أو رَفعتَ مع التَّكبيرِ، فإنْ فعلتَ أيَّ صفة مِن هذه الصِّفات فأنت مصيبٌ للسُّنَّة...

قوله: «ويسمع الإِمام من خلفه» أي: حسب ما تقتضيه الحال، إنْ كان مَن خلفَه واحداً فالصوت الخفي يكفي، وإنْ كان مَن خلفَه جمعاً فلا بُدَّ مِن رَفْعِ الصَّوت، وإذا كان لا يسمع صوته مَنْ وراءه استعان بمبلِّغٍ يُبلِّغُ عنه؛ كما فَعَلَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم حين جاء وأبو بكر رضي الله عنه يُصلِّي بالناس، وكان صلوات الله وسلامه عليه مريضاً لا يُسْمِعُ صوته المأمومين، فصلَّى أبو بكر رضي الله عنه عن يمينه؛ وجعل يبلِّغُ الناسَ تكبيرَ رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم، إذا كَبَّرَ الرَّسولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بصوتٍ منخفضٍ كَبَّرَ أبو بكر بصوت مرتفع فسمعه الناسُ ، وهذا هو أصل التبليغ وراء الإِمام، فإن كان لا حاجة إلى المبلغ بأن كان صوت الإِمام يبلغ الناسَ مباشرة، أو بواسطة، فلا يُسنُّ أن يبلِّغ أحدٌ تكبيرَ الإِمام باتِّفاقِ المسلمين.
وقول المؤلِّف: «ويُسمع الإِمامُ مَنْ خَلْفَه» هل هذا على سبيل الاستحباب، أو على سبيل الوجوب؟.
المشهور مِن المذهب: أنه على سبيل الاستحباب، وليس على سبيل الوجوب ، وأن الإِمام له أن يكبِّر تكبيراً خفيًّا لا يُسْمَع، كما أن المنفرد والمأموم لا يرفعان الصوت؛ فللإِمام أن يفعل كذلك؛ فلا يرفع صوتَه، ولكن الأفضل أن يرفع صوتَه. وظاهر كلام المؤلِّفِ: أن هذا على سبيل الوجوب، لا على سبيل الاستحباب؛ لأنه قال: «وغَيْرُه نفسَه» وإسماع غير الإِمام نفسه واجب فيكون قوله: «ويُسمعُ الإِمامُ مَنْ خَلْفَه» واجباً.
وظاهر كلام المؤلِّف: هو القول الصَّحيح؛ أنه يجب على الإِمامِ أن يُكبِّر تكبيراً مسموعاً يَسمعه مَنْ خلفَه:
أولاً: لفعل النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فإنه لو كان الأمر غير واجب لم يكن هناك داعٍ إلى أن يُبلِّغ أبو بكر رضي الله عنه التَّكبيرَ لمَن خلفَ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم.
ثانياً: لأنَّه لا يتمُّ اقتداء المأمومين بالإِمام إلا بسماع التكبير، وما لا يتمُّ الواجب إلاَّ به فهو واجب، ولو أن الإِمام إذا قام مِن السُّجودِ لم يرفع صوتَه بالتكبير فمتى يقوم النَّاسُ؟ لا يقومون إلا إذا شرع في الفاتحة وجَهَرَ بها، مع أن جَهْرَه بالفاتحة على سبيل الاستحباب، وليس في كُلِّ صلاة، ولا في كُلِّ ركعة؛ ما عدا الفجر...

قوله: «ثم يقبض كوع يُسراه» أي: بعد التكبيرِ ورَفْعِ اليدين يقبضُ كُوعَ يُسراه، وبعضُ الناس يقول: الله أكبر، ثم يرسل يديه، ثم يرفعهما ويقبضهما، وهذا ليس له أصل، بل مِن حين أن ينزلهما مِن الرَّفْعِ يقبض الكُوعَ.
والكُوعُ: مفصل الكفِّ مِن الذِّراع، ويقابله الكُرسوع، وبينهما الرُّسغ.
فالكُوعُ: العظم الذي يلي الإِبهام. والكُرسوع: هو الذي يلي الخنصر.
والرسغ: هو الذي بينهما. وأنشدوا على ذلك:
وعظمٌ يلي الإِبهامَ كوعٌ وما يلي
لخنصره الكرسوعُ والرُّسغُ ما وسط
وعظمٌ يلي إبهامِ رِجْلٍ ملقب
ببُوعٍ فخذ بالعِلم واحْذرْ مِن الغلط
ومراد المؤلِّف بقوله: «يقبض كُوعَ يسراه»: المفصل.
فأفادنا المؤلِّف رحمه الله: أن السُّنَّةَ قَبْضُ الكُوعِ، ولكن وَرَدَت السُّنَّةُ بقَبْضِ الكوعِ ، ووَرَدَت السُّنَّةُ بوضع اليد على الذِّراع مِن غير قَبْضٍ ، إذاً؛ هاتان صفتان: الأُولى قَبْض، والثانية وَضْع.

مسألة: نرى بعضَ النَّاس يقبض المرفق، فهل لهذا أصل؟
الجواب: ليس لهذا أصلٌ، وإنما يقبض الكُوعَ أو يضع يده على الذِّراع، ففي «صحيح البخاري» من حديث سهل بن سعد أنه قال: «كان النَّاسُ يؤمرون أن يضعَ الرَّجُلُ يدَه اليُمنى على ذِرِاعِهِ اليُسرى في الصَّلاةِ»...

...مسألة: إغماض العينين في الصَّلاةِ.
الصَّحيحُ أنَّه مكروهٌ؛ لأنه يُشبه فِعْلِ المجوس عند عبادتهم النيران، حيث يُغمضون أعينَهم. وقيل: إنه أيضاً مِن فِعْلِ اليهودِ، والتشبُّه بغير المسلمين أقلُّ أحواله التحريم، كما قال شيخ الإِسلام رحمه الله، فيكون إغماضُ البَصَرِ في الصَّلاةِ مكروهاً على أقل تقدير، إلا إذا كان هناك سبب مثل أن يكون حولَه ما يشغلُه لو فَتَحَ عينيه، فحينئذٍ يُغمِضُ تحاشياً لهذه المفسدة.
فإِن قال قائل: أنا أجِدُ نفسي إذا أغمضت عينيَّ أخشعُ، فهل تُفْتُونَني بأن أُغمِضَ عينيَّ؟
الجواب: لا، لأن هذا الخشوعَ الذي يحصُلُ لك بفِعْلِ المكروه مِن الشيطان، فهو كخشوعِ الصوفية في أذكارهم التي يتعبَّدونَ بها وهي بدعة، والشيطان قد يبعد عن قلبك إذا أغمضت عينيك فلا يوسوس، من أجل أن يوقعك فيما هو مكروه، فنقول: افْتَحْ عينيك، وحاول أن تخشعَ في صلاتِك.
أما أن تُغمِضَ عينيك بدون سببٍ لتخشعَ فلا؛ لأنَّ هذا مِن الشيطان.

ثُمَّ يَقُولُ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلاَ إلهَ غَيْرُكَ».
قوله: «ثم يقول» أي: بعد ما سبق من التكبير ووضع اليدين وغير ذلك «سبحانك اللهم وبحمدك» وهذه جملة تتضمَّن التنزيه والإِثبات.
تتضمَّن التنزيه في قوله: «سبحانك اللَّهُمَّ»، والإِثبات في قوله: «وبحمدِك» لأنَّ الحمدَ هو وَصْفُ المحمودِ بالكمالِ مع محبَّتِه وتعظيمِه، فتكون هاتان الجملتان جامعتين للتنزيه والإِثبات.
وقوله: «سبحانك» اسمُ مصدر من سَبَّحَ يُسبِّحُ، والمصدر تَسْبيح، واسمُ المصدر سُبحان، دائماً منصوب على المفعولية المطلقة، محذوف العامل، مضاف...
ومعناه: تنزيهاً لك يا ربِّ عن كُلِّ نَقْصٍ، والنَّقصُ إما أن يكون في الصِّفاتِ، أو في مماثلة المخلوقات ...
... أما «الحمد» فهو: وصفُ المحمود بالكمال، الكمال الذَّاتي والفعلي، فالله سبحانه وتعالى كاملٌ في ذاته، ومِن لازمِ كمالِه في ذاتِه أن يكون كاملاً في صفاته.
كذلك في فِعْلِه...
...إذاً؛ جمعتَ بين التَّنزيهِ والكمالِ في قولك: «سُبحانكَ اللَّهُمَّ وبحمدِك» فعلى هذا؛ فالواو تفيد معنى المعيَّة، يعني: ونزَّهتُك تنزيهاً مقروناً بالحمد.
قوله: «وتبارك اسمك» «اسم» هنا مفرد، لكنه مضاف فيشمل كُلَّ اسمٍ مِن أسماءِ الله...
قوله: «وتعالى جدُّك» «تعالى» أي: ارتفعَ ارتفاعاً معنوياً، والجَدُّ: بمعنى العظمة، يعني: أنَّ عظمتَك عظمة عظيمة عالية؛ لا يساميها أي عظمة مِن عظمة البشر، بل مِن عظمة المخلوقين كلهم.

قوله: «ولا إله غيرك» هذه هي كلمةُ التوحيدِ التي أُرسل بها جميعُ الرُّسل كما قال تعالى: {{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ *}} وكما قال صلّى الله عليه وسلّم: «ومَن كان آخرُ كلامِه مِن الدُّنيا لا إله إلا الله دَخَلَ الجنَّةَ» فهي أفضلُ الذِّكرِ، ومعناها: لا معبودَ حقٌّ إلا الله.
...«سبحانك اللَّهُمَّ وبحَمْدِكَ، وتباركَ اسمُكَ، وتعالى جَدُّكَ» كُلُّ هذا ثناءٌ على الله بالكمال، ثم قال: «ولا إله غيرُكَ» فيكون هذا السَّابق كالسبب المبني عليه اللاحق، يعني: أنه لكمال صفاتِك لا معبودَ حقٌّ إلا أنت، ولا إلهَ غيرُك.
هذا هو دعاء الاستفتاح، وكان عُمرُ بن الخطَّاب رضي الله عنه يستفتحُ به، رواه مسلم بسند فيه انقطاع ؛ لكن وصله البيهقيُّ . وعُمرُ أحدُ الخلفاء الراشدين الذين أُمرنا باتِّباعهم. وقد رُويَ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم مرفوعاً .

...شرح الاستفتاح الوارد في حديث أبي هريرة: «اللَّهُمَّ باعِدْ بيني وبين خَطاياي...».
ثَبَتَ في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إذا كَبَّرَ للصلاة سكت هُنيَّةً» ومِن حِرْصِ أبي هريرة رضي الله عنه على العِلم بشهادةِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم له حين قال له: يا رسول الله، مَنْ أسعدُ النَّاسِ بشفاعتِكَ يومَ القيامةِ؟ قال: «لقد ظَنَنتُ ـ يا أبا هريرة ـ أن لا يسألَنِي عن هذا الحديث أحدٌ أوَّلُ منك، لِمَا رأيتُ مِن حرصِك على الحديثِ. ثم قال: أسعدُ النَّاسِ بشفاعتِي يومَ القيامةِ: مَنْ قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه». أنه لما رأى النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم يسكتُ بين التكبيرِ والقراءة، عَلِمَ أنه لا بُدَّ أن يقول شيئاً، لأنَّ الصلاة ليس فيها سكوتٌ مطلقٌ فقال: «أرأيتَ سكوتَك بين التكبير والقراءةِ؛ ما تقولُ؟» وكلمة «ما تقول» تدلُّ على أنه يعتقد أنه يقول شيئاً؛ لأنه لم يقل: هل أنت ساكتٌ؟ قال: أقول: «اللَّهُمَّ باعِدْ بيني وبين خَطَايَاي كما باعدت بين المشرق والمغرب» ومعناه: أنه سأل الله أن يُباعد بينه وبين خطاياه؛ كما باعَدَ بين المشرقِ والمغربِ، والمباعدة بين المشرق والمغرب هو غاية ما يبالغ فيه النَّاسُ، فالنَّاسُ يبالغون في الشيئين المتباعدين إمَّا بما بين السماء والأرض، وإما بما بين المشرقِ والمغربِ، ومعنى «باعِدْ بيني وبين خَطَاياي» أي: باعِدْ بيني وبين فِعلِها بحيث لا أَفْعَلُها، وباعِدْ بيني وبين عقوبِتها.
وقوله: «اللَّهُمَّ نقِّني مِن خطاياي كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ مِن الدَّنس»، هذه الجملةُ تدلُّ على أنَّ المرادَ بذلك الخطايا التي وقعت منه، لأنه قال: «نقِّني منها كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ مِن الدَّنس». أي: كما يُغسل الثوبُ الأبيضُ إذا أصابه الدَّنس فيرجع أبيض، وإنما ذَكَرَ الأبيضَ؛ لأن الأبيض هو أشدُّ ما يؤثِّر فيه الوسخ؛ بخلاف الأسود، ولهذا في أيام الشتاء الثياب السوداء تبقى شهراً أو أكثر، لكن الأبيض لا يبقى أسبوعاً إلا وقد تدنَّسَ، فلهذا قال: «كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ مِن الدَّنَسِ» وهذا ظاهرٌ أنه في الذُّنوب التي فَعَلَهَا يُنقَّى منها، وبعد التنقية قال: «اللَّهُمَّ اغسلْنِي مِن خطاياي بالماءِ والثَّلجِ والبَرَدِ».
إذاً؛ فالذي يظهر: أنَّ الجملةَ الأُولى في المباعدة، أي: أن لا أفعلَ الخطايا، ثم إن فَعلتُها فنقِّني منها، ثم أزِلْ آثارَها بزيادة التطهير بالماء والثَّلجِ والبَرَدِ، فالماء لا شَكَّ أنه مطهِّرٌ، لكن الثَّلجُ والبَرَدُ مناسبته هنا أنَّ الذُّنوب آثارها العذابُ بالنَّارِ، والنَّارُ حارَّة، والحرارةُ يناسبها في التنقية منها الشيء البارد، فالماء فيه التنظيف، والثَّلجُ والبَرَدُ فيهما التبريدُ.

...مسألة: هل يجمع بين أنواع الاستفتاح؟
الجواب: لا يجمع بينها، لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أجاب أبا هريرة رضي الله عنه حين سـأله بأنه يقول: «اللَّهُمَّ باعِدْ بيني وبين خطاياي»... إلخ. ولم يذكر «سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدِك» فدلَّ على أنه لا يجمع بينها.
فهذان نوعان من الاستفتاحات، وبقيت أنواعٌ أُخرى بعضُها في صلاة الليل خاصَّة، فليُرجع إليها في المطوَّلات.

...قوله: «ثم يستعيذ» ، أي: يقول: أعوذُ بالله مِن الشيطان الرجيم وإن شاء قال: «أعوذُ باللَّهِ السميعِ العليمِ من الشيطانِ الرَّجيمِ؛ من همزه ونفخِه ونفثِه» وإن شاء قال: «أعوذُ بالسميعِ العليمِ مِن الشيطانِ الرجيمِ» والاستعاذةُ للقراءة، وليست للصَّلاةِ، إذ لو كانت للصَّلاةِ لكانت تلي تكبيرةَ الإِحرامِ، أو قبل تكبيرة الإِحرامِ، وقد قال الله عزَّ وجلَّ: {{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ *}}. فأمر اللَّهُ بالاستعاذة مِن الشيطان الرجيم عند تلاوة القرآن.
وفائدةُ الاستعاذة: ليكون الشيطانُ بعيداً عن قلب المرءِ، وهو يتلو كتابَ الله حتى يحصُل له بذلك تدبّرُ القرآن وتفهّمُ معانيه، والانتفاعُ به؛ لأن هناك فَرْقاً بين أن تقرأ القرآنَ وقلبُك حاضرٌ وبين أن تقرأ وقلبُك لاهٍ.
إذا قرأته وقلبُك حاضرٌ حصل لك من معرفة المعاني والانتفاعِ بالقرآن ما لم يحصُلْ لك إذا قرأته وأنت غافل، وجرّبْ تجدْ.
فلهذا شُرع تقديمُ الاستعاذة على القِراءة في الصَّلاةِ وخارج الصلاة.
...ومعنى: «أعوذ بالله» أي: ألتجئ وأعتصم به؛ لأنه سبحانه وتعالى هو الملاذُ وهو المعاذُ،
فما الفَرْق بين المعاذ والملاذ؟
قال العلماء: الفَرْق بينهما: أن اللِّياذ لطلب الخير، والعياذ للفرار من الشرِّ، وأنشدوا على ذلك قول الشاعر:
يا مَنْ ألُوذُ به فيما أُؤَمِّلُهُ
ومَنْ أعُوذُ به مِمَّا أُحاذِرُهُ
لا يَجْبُرُ النَّاسُ عظماً أنت كاسِرُهُ
ولا يَهيضُونَ عظماً أنت جَابِرُهُ
ومعنى: «مِن الشيطان الرجيم» الشيطان: اسمُ جنْسٍ يشمَلُ الشيطان الأول الذي أُمِرَ بالسُّجود لآدم فلم يسجدْ، ويشمَلُ ذُرِّيَّته، وهو مِن شَطَنَ إذا بَعُدَ؛ لبعده من رحمة الله، فإن الله لَعَنَهُ، أي: طَرَدَه وأبعدَه عن رحمته. أو مِن شَاطَ إذا غَضِبَ؛ لأنَّ طبيعته الطَّيشُ والغضبُ والتسرُّعُ، ولهذا لم يتقبَّل أمْرَ الله سبحانه وتعالى بالسُّجودِ لآدم، بل ردَّه فوراً، وأنكرَ السُّجودَ له وقال: {{أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً}} ، والمعنى الأول هو الأقربُ، ولذلك لم يُمنعْ من الصَّرْفِ؛ لأنَّ النون فيه أصليّة.
وأما الرجيم: فهو بمعنى: راجم، وبمعنى: مرجوم؛ لأن فَعيلاً تأتي بمعنى: فاعل، وبمعنى: مفعول...
فالشيطانُ رجيمٌ بالمعنيين، فهو مرجوم بلعنة الله ـ والعياذُ بالله ـ وطَرْدِه وإبعادِه عن رحمته، وهو راجم غيره بالمعاصي، فإن الشياطين تَؤزُّ أهلَ المعاصي إلى المعاصي أزًّا.

قوله: «ثم يُبسمل» أي: يقول: {{بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ}}...
...إذا قلت: بسم الله، وأنت تريد القراءة، فالتقدير بسم الله أقرأ، وهذا أخصُّ مما لو قلت: التقدير: بسم الله أبتدئُ؛ لأن القراءة أخصُّ من مطلق الابتداء.
وأما «الله» فهو عَلَمٌ على الرَّبِّ عزّ وجل، وأصلُه: الإله، لكن حُذفت الهمزةُ تخفيفاً؛ لكثرة الاستعمال، و«إله» بمعنى: مألوه، والمألوه: هو المعبود محبَّة وتعظيماً.
وأما «الرحمن»: فهو اسمٌ مِن أسماء الله، وهو من حيثُ الإِعرابُ صفة، وهو ذو الرحمة الواسعة الواصلة لجميع الخلق.
«والرحيم» فعيل مِن الرحمة أيضاً، لكن رُوعِيَ فيها الفعلُ دون الصفة؛ لأن الرحمة وصف، والفعل إيصال الرحمة إلى المرحوم.

قوله: «سِرًّا» ، أي: يُبسمِلُ سِرًّا، يعني: إذا كانت الصَّلاةُ جهريَّة.
أما إذا كانت الصلاة سِرِّية فإنه سوف يُسرُّ بالبسملة وبالقراءة..

قوله: «وليست من الفاتحة» الضَّميرُ يعودُ على البسملة، بل هي آيةٌ مستقلِّة يُفتتح بها كلُّ سورة مِن القرآن؛ ما عدا براءة، فإنه ليس فيها بسملة اجتهاداً من الصحابة، لكنه اجتهاد ـ بلا شك ـ مستندٌ إلى توقيف؛ لأننا نعلم أنه لو نزلت البسملة بين الأنفال وبراءة لوجب بقاؤها؛ لأن الله يقول: {{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ *}} [الحجر: 9] فلمَّا لم يكن، عُلِمَ أن اجتهاد الصَّحابة كان موافقاً للواقع.
والدليل على أنها ليست من الفاتحة ما ثبت في «الصحيح» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «قال الله تعالى: قَسَمْتُ الصَّلاةَ بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبدُ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، قال اللَّهُ تعالى: حَمَدَني عبدي...» الحديث.

...فإن قال قائل: إذا قلتم ذلك فكيف الجواب عمَّا نجدُه في المصاحف: أن أول آية في الفاتحة هي البسملة؟
فالجواب: هذا الترقيم على قول بعض أهل العلم : أنَّ البسملة آية من الفاتحة. ولهذا في بقية السُّور لا تُعدُّ مِن آياتها ولا تُرقَّم. والصَّحيحُ أنها ليست مِن الفاتحة، ولا مِن غير الفاتحة، بل هي آية مستقلَّة...

...وقوله: «ثم يقرأ الفاتحة» أي: بعد البسملة يقرأ الفاتحة، و«ثم» هنا لا يُراد بها الترتيب والتراخي، بل هي لمجرد الترتيب؛ لأنه لا تراخي بين البسملة وقراءة الفاتحة، بل يُبسملُ ثم يَشرعُ في الفاتحة فَوراً.
وقوله: «يقرأ الفاتحة» وهي معروفة، وهي أعظم سورة في كتاب الله، وسُمِّيت «فاتحة» لأنه افتُتِحَ بها المُصحفُ في الكتابة. ولأنها تُفتتحُ بها الصَّلاةُ في القراءة، وليست يُفتتح بها كلُّ شيء؛ كما يصنعه بعض الناس اليوم إذا أرادوا أن يشرعوا في شيء قرأوا الفاتحة، أو أرادوا أن يترحَّمُوا على شخص قالوا: «الفاتحة» يعني: اقرؤوا له الفاتحة، فإن هذا لم يَرِدْ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا عن الصحابة رضي الله عنهم.
والفاتحةُ هي أمُّ القرآن؛ وذلك لأن جميعَ مقاصدِ القرآن موجودةٌ فيها، فهي مشتملة على التوحيد بأنواعه الثلاثة، وعلى الرسالة، وعلى اليوم الآخر، وعلى طُرق الرُّسل ومخالفيهم، وجميعُ ما يتعلَّق بأصول الشَّرائع موجودٌ في هذه السُّورة، ولهذا تُسمَّى «أمُّ القرآن»وتُسمَّى «السَّبْعُ المثاني» كما صحَّ ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم . وقد خصَّها الله بالذِّكْرِ في قوله: {{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ *}} وعَطْفُ «القرآن العظيم» عليها من باب عَطْفِ العام على الخاص.
والفاتحة رُكْنٌ مِن أركان الصَّلاةِ، وشرطٌ لصحَّتها، فلا تصحُّ الصَّلاةُ بدونها؛ لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاةَ لِمَنْ لم يقرأ بفاتحةِ الكتابِ».



المرجع : الشرح الممتع ( 3 / 25- 62 )

أم علي طويلبة علم
2014-08-12, 12:20 AM
قوله: «فإن قطعها بذِكْرٍ، أو سكوت غير مشروعين، وطَالَ» أي: قَطَعَ الفاتحةَ فلم يواصلْ قراءتها، يعني: لما قال: {{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *}} جعل يُثني على الله سبحانه وتعالى: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، والله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وقام يدعو بدعاء، ثم قال: {{الرحمن الرَّحِيمِ}}. نقول: هذا غيرُ مشروع، فإذا طال الفصلُ وَجَبَ عليك الإِعادة، كذلك لو قَطَعَها بسكوت، قال: {{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *}} ثم سَمِعَ ضَوضاءَ فسكت يستمعُ ماذا يقول النَّاسُ، وطال الفصلُ، فإنه يعيدها مِن جديد؛ لأنه لا بُدَّ فيها من التَّوالي،
لكن اشترط المؤلِّفُ فقال: «غير مشروعين» أي: الذِّكْر والسُّكوت، فإن كانا مشروعين كما لو قَطَعَها ليسأل الله أن يكون مِن الذين أنعمَ اللَّهُ عليهم، مثل لما مرَّ {{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}} قال: اللَّهُمَّ اجْعلنِي منهم، وألحقني بالصَّالحين. فهذا يسير، ثم هو مشروعٌ في صلاةِ الليل. كذلك إذا سكتَ لاستماعِ قراءةِ إمامِه، وكان يعلم أن إمامَه يسكتُ قبل الرُّكوعِ سكوتاً يتمكَّن معه أن يكملها، فسكتَ استماعاً لقراءة إمامِه، ثم أتمَّها حين سكتَ الإِمامُ قبل الرُّكوعِ، فإن هذا السُّكوتَ مشروعٌ، فلا يضرُّ ولو طال.

قوله: «أو ترك منها تشديدة» أي: لو تَرَكَ تشديدة حرف منها فقرأه بالتَّخفيف، مثل تخفيف الباء من قوله: {رب العالمين} لم تصحَّ، وإنما لم تَصحَّ؛ لأن الحرف المشدّد عبارة عن حرفين، فإذا تَرَكَ التشديدَ أنقصَ حرفاً.
قوله: «أو حرفاً» أي: تَرَكَ حرفاً مِن إحدى كلماتها، مثل: أن يترك (أل) في {{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}} وهذا يقعُ كثيراً مِن الذين يُدغمون بسبب إسراعهم في القراءة، فلا تصحُّ.
قوله: «أو ترتيباً» يعني: إذا أخلَّ بترتيب آياتِها أو كلماتِها فقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *}{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ *}{الرحمن الرَّحِيمِ} أو قال: الرحيم الرحمن، مالك يوم الدين. فإنها لا تصحُّ؛ لأنه أخلَّ بالترتيب، وترتيب الآيات والكلمات توقيفي عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وليس اجتهادياً، ولهذا كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ضعوا هذه الآية في السُّورة التي يُذكر فيها كذا» ، ولو لم يكن بالنسبة للفاتحة إلا قراءةُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم إيَّاها على هذا الترتيب الذي أجمعَ عليه المسلمون.

قوله: «لزم غير مأموم إعادتها» «غير» بالنصب على أنها مفعول مقدَّم للزم، و«إعادة» فاعل مؤخَّر، يعني: لزمت إعادتُها على غير مأموم؛ لأن قراءة الفاتحة في حقِّ المأموم ـ على المشهور من المذهب ـ ليست بواجبة، فلو تَرَكَها المأمومُ عمداً لم يلزمه إعادة الصَّلاةِ، ولكن مع ذلك يحرم عليه أن ينكِّس الآيات، أو أن يُنكِّس الكلمات، إنما من حيث وجوبُ إعادة الفاتحة لا يجبُ على المأموم إذا فَعَلَ ذلك؛ لأنها لا تجب عليه، ولكن هل تبطل صلاته من أجل مخالفة التَّرتيب في الكلمات أو الآيات؛ لأنه مُحرَّمٌ عليه؟ هذا محلُّ نَظَر.

وقوله: «لزم غير مأموم إعادتها» ظاهر كلامه: أنه يعيدُها من أولها، فلو أسقطَ «أل» مِن قوله: {{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}} فظاهرُ كلامِه أنه يلزمه إعادة الفاتحة كلها؛ وليس هذا بوجيه، وقد لا يكون هذا مراده، بل يلزمه إعادة ما أخلَّ به وما بعدَه؛ لأن ما قبلَه وَقَعَ صحيحاً، والمدَّة ليست طويلة حتى يُقال: إنه لو أعاد مِن حيث أخلَّ لَزِمَ طول الفصل بين الجزء الصَّحيح الأول والجزء الصَّحيح الثاني؛ لأن كلَّ الفاتحة لا تستوعب زمناً طويلاً، وعلى هذا؛ فإذا أخلَّ بشيءٍ مِن آخرِها، فإنه لا يلزمه إلاَّ إعادة ما أخلَّ به وما بعدَه، مراعاةً للترتيب، فإن كان في أول آية مثل: {{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *}} بتخفيف الباء لزمتُه الإِعادة مِن الأول.

مسألة: كيف يقرأُ هذه السُّورة؟.
نقول: يقرؤها معربةً مرتَّبةً متواليةً، وينبغي أن يفصِلَ بين آياتِها، ويقفَ عند كلِّ آية، فيقف سبعَ مرَّات، {{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *}} ـ فيقف ـ {{الرحمن الرَّحِيمِ}} ـ فيقف ـ {{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ *}} ـ فيقف ـ {{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ *}} ـ فيقف ـ {{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ *}} ـ فيقف ـ {{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}} ـ فيقف ـ {{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}} ـ فيقف. لأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يُقطِّعُ قراءَتَهُ، فيَقِفُ عند كلِّ آية ، وإن لم يقفْ فلا حرجَ؛ لأنَّ وقوفه عند كلِّ آيةٍ على سبيلِ الاستحبابِ، لا على سبيلِ الوجوبِ؛ لأنَّه مِن فِعْلِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم دون أمْرِه، وما فَعَلَه النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ دون أَمْرٍ به مما يُتعبَّد به فهو مِن قبيل المستحبِّ، كما ذُكر ذلك في أصول الفقه: أنَّ الفعلَ المجرَّدَ مما يُتعبَّدُ به يفيد الاستحباب، ولأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لمَّا عَلَّمَ المسيءَ في صلاتِه أمره أن يقرأ ما تيسَّر مِن القرآن ، ولم يقل: ورتِّل، أو: قِفْ عند كلِّ آية.

فإنْ قال قائل: ذكرتم أنه إذا أبدل حرفاً بحرف فإنَّها لا تصحُّ، فما تقولون فيمَن أبدَل الضَّادَ في قوله: {{وَلاَ الضَّالِّينَ}} بالظاء؟
قلنا: في ذلك وجهان لفقهاء الحنابلة:
الوجه الأول: لا تصحُّ؛ لأنه أبدلَ حَرْفاً بحرف.
الوجه الثاني: تصحُّ، وهو المشهور مِن المذهب، وعلَّلوا ذلك بتقارب المخرجين، وبصعوبة التفريق بينهما، وهذا الوجه هو الصَّحيح، وعلى هذا فمَن قال: {{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}} بالظاء فصلاته صحيحة، ولا يكاد أحدٌ من العامة يُفرِّق بين الضَّاد والظاء.

قوله: «ويجهرُ الكُلُّ بآمينَ في الجَهريَّة» أي: المنفرد، والمأموم، والإِمام بالجهرية.
أما الإِمام فواضح أنه يجهر بآمين؛ لأن ذلك ثَبَتَ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله: «إذا أمَّنَ الإِمامُ فأمِّنوا» فعلَّق تأميننا بتأمين الإِمام، ولولا أننا نسمعُهُ لم يكن بتعْليقِهِ بتأمين الإِمامِ فائدة، بل لكان حَرَجاً على الأمة، ولأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يجهرُ بآمين حتى يَمُدَّ بها صوتَه. وكذلك المأمومون يجهرون بها، كما كان الصَّحابةُ رضي الله عنهم يجهرون بذلك خلفَ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم؛ حتى يرتجَّ المسجدُ بهم وهذه السُّنَّةُ صحيحةٌ ثابتة.
لكن المنفرد إن جَهَرَ بقراءته؛ جَهَرَ بآمين، وإن أسرَّ؛ أسرَّ بآمين، ودليل ذلك: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان في صلاة السِرِّ كالظُّهر والعصر لا يجهر بآمين، وهذا يقتضي أنك إذا لم تجهر بالقراءة لم تجهر بآمين.
والمنفرد الذي يقوم الليل مثلاً، وأحياناً يرى أن حضورَ قلبِه وقوَّة يقظته وطرد النوم عنه بالجهر، فيجهر كما فَعَلَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم حين صَلَّى بحذيفة بن اليمان رضي الله عنهما.
فإذا جَهَرَ بالقراءة جَهَرَ بالتأمين، وأحياناً يرى أن الإِسرار أفضل له وأخشع، وأبعد عن الرِّياء، أو أن هناك مانعاً يمنعه من الجَهْر لكون مَن حولَه نياماً، وما أشبه ذلك، فإذا أسرَّ بالقراءة فإنه يُسِرُّ بالتأمين، ولا يجهر به.

وقوله: «بآمين» :
معناها: اللَّهُمَّ اسْتجِبْ، وعلى هذا؛ فهي اسمُ فِعْلِ دعاء، واسمُ الفعل ما كان فيه معنى الفعل دون حروفه...
قال الفقهاء: فإن شدَّدَ الميمَ في «آمين» بطلت الصَّلاةُ؛ لأنَّ معناها حينئذٍ «قاصدين»؛ ولهذا قالوا: يحرم أن يُشدِّد الميم، وتبطل الصَّلاةُ؛ لأنه أتى بكلامٍ مِن جنسِ كلام المخلوقين.

فإن قيل: متى يقول آمين؟
فالجواب: أما الإِمامُ فإذا انتهى من قوله: {{وَلاَ الضَّالِّينَ}} وكذلك المنفرد.
وأمَّا المأموم فقال بعضُ العلماءِ : يقول: «آمين» إذا فَرَغَ الإِمامُ مِن قول آمين.
واستدلُّوا بظاهر قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أمَّنَ الإِمامُ فأمِّنوا» قالوا: وهذا كقوله: «إذا كبَّر فكبِّروا» ومعلومٌ أنك لا تكبِّر حتى يفرغ الإِمامُ مِن التكبير فيكون معنى قوله «إذا أمَّنَ» أي: إذا فَرَغَ مِن التأمين. ولكن هذا القول ضعيف؛ لأنه مصرَّحٌ به في لفظٍ آخر: «إذا قال الإِمام: ولا الضَّالين، فقولوا: آمين».
وعلى هذا؛ فيكون المعنى: إذا أمَّن، أي: إذا بَلَغَ ما يُؤمَّنُ عليه وهو {{وَلاَ الضَّالِّينَ}}، أو إذا شَرَعَ في التَّأمين فأمِّنوا؛ لتكونوا معه، لكن نسمع بعض الأحيان بعض الجماعة يتعجَّل؛ لا يكاد يصل الإِمام النون من {{وَلاَ الضَّالِّينَ}} إلا وقد قال: «آمين» وهذا خِلافُ السُّنَّةِ، وهذا نوعٌ مِن مسابقة الإِمام؛ لأنَّ الإِمامَ لم يَصلْ إلى الحدِّ الذي يُؤمَّنُ عليه وهو فراغه من قوله: {{وَلاَ الضَّالِّينَ}}...



الشرح الممتع (3/ 62-69)

محمد طه شعبان
2014-08-13, 05:29 PM
قوله: (وَإِذَا فَرَغَ قَالَ: "آمِينَ"، يَجْهَرُ بِهَا إِماَمٌ وَمَأْمُومٌ مَعًا فِي جَهْرِيَّةٍ): أي: إذا فرغ من قراءة الفاتحة، قال الإمام "آمين" وقال المأموم معه آمين، ويجهر بها الإمام والمأمون.
ودليل ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَرَأَ «وَلَا الضَّالِّينَ»، قَالَ: «آمِينَ»، وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كُنْتُ أَسْمَعُ الْأَئِمَّةَ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَمَنْ بَعْدَهُ، يَقُولُونَ: "آمِينَ"، وَمَنْ خَلْفَهُمْ: "آمِينَ" حَتَّى إِنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
قوله: (وَغَيْرُهُمَا فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ): أي: غير الإمام والمأموم، وهو المنفرد، فيجهر بـ"آمين" عند صلاته قيام الليل مثلًا، وأراد الجهر بالقراءة، فيجهر بـ"آمين".
قوله: (وَيُسَنُّ جَهْرُ إِمَامٍ بِقِرَاءَةِ صُبْحٍ، وَجُمُعَةٍ، وَعِيدٍ، وَكُسُوفٍ، وَاسْتِسْقَاءٍ، وَأُولَتَيْ مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ): وقد أجمع المسلمون على الجهر بالقراءة في صلاة الصبح والجمعة والمغرب والعشاء.
قال الإمام النووي رحمه الله: ((فَالسُّنَّةُ الْجَهْرُ فِي رَكْعَتِي الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَفِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَالْإِسْرَارُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَثَالِثَةِ الْمَغْرِبِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ مِنَ الْعِشَاءِ، وَهَذَا كُلُّهُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَظَاهِرَة ِ عَلَى ذَلِكَ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))اهـ.
قلت: ومن الأحاديث الواردة في ذلك:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ، فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ، قَالُوا: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا شَيْءٌ حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا القُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ، فَقَالُوا: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ، وَقَالُوا: يَا قَوْمَنَا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ، فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [الجن: 2]، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ} [الجن: 1] وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الجِنِّ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
وَعَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي العِشَاءِ: "وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ" فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا أَوْ قِرَاءَةً مِنْهُ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي المَغْرِبِ بِالطُّورِ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
وَعَنِ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: اسْتَخْلَفَ مَرْوَانُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، فَصَلَّى لَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْجُمُعَةَ، فَقَرَأَ بَعْدَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ، فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ: "إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ"، قَالَ: فَأَدْرَكْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ حِينَ انْصَرَفَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ قَرَأْتَ بِسُورَتَيْنِ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَقْرَأُ بِهِمَا بِالْكُوفَةِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقْرَأُ بِهِمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).
وأما صلاة العيد، فدليل الجهر بالقراءة فيها: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما, قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الِاسْتِسْقَاءِ ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
والحديث وإن كان ضعيفًا إلا أن الإجماع منعقد عليه.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وصلاة العيد ركعتان، يقرأ في كل ركعة منهما بالحمد لله وسورة، ويجهر بالقراءة، بلا خلاف([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))))اهـ.
ومما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقراءة في صلاة العيد، ذكرُ الصحابة للسور التي كان يقرؤها النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العيد؛ مما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم جهر بها، فسمعها الصحابة رضوان الله عليهم.
وأما صلاة الكسوف، فدليل الجهر بالقراءة فيها: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَرَ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11)).
وأما دليل الجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَازِنِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْقِي، فَتَوَجَّهَ إِلَى القِبْلَةِ يَدْعُو، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالقِرَاءَةِ([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)).
قوله: (وَيُكْرَهُ لِمَأْمُومٍ): أي: ويكره للمأموم الجهر بالقراءة؛ ودليل ذلك حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ، فَجَعَلَ رَجُلٌ يَقْرَأُ خَلْفَهُ بِـ"سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى"، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «أَيُّكُمْ قَرَأَ» - أَوْ «أَيُّكُمُ الْقَارِئُ» - فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، فَقَالَ: «قَدْ ظَنَنْتُ أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالَجَنِيهَا([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13))».
وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قال: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ صَلَاةً، نَظُنُّ أَنَّهَا الصُّبْحُ، فَقَالَ: «هَلْ قَرَأَ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالَ رَجُلٌ: أَنَا، قَالَ «إِنِّي أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ»، قَالَ: فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ القِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّلَوَاتِ بِالقِرَاءَةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14)).
قوله: (وَيُخَيَّرُ مُنْفَرِدٌ وَنَحْوُهُ): أي: يُخَيَّرُ المنفرد ونحوه؛ كقائم لقضاء ما فاته بعد تسليم الإمام، بين الجهر والإسرار.
قال حرب الكرماني: سمعت أحمد بن حنبل يقول في رجلٍ فاتته صلاة يجهر فيها بالقراءة في جماعةٍ فصلى وحده؟ قال: إن شاء لم يجهر؛ لأن الجهر هو في الجماعة([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15)).
قوله: (ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَهَا سُورَةً): قال ابن قدامة رحمه الله: ((قِرَاءَةُ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، مَسْنُونَةٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ، لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا([16] (http://majles.alukah.net/#_ftn16)))).
قوله: (فِي الصُّبْحِ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَالْمَغْرِبِ مِنْ قِصَارِهِ، وَالْبَاقِي مِنْ أَوْسَاطِهِ): ودليل ذلك حديث سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فُلَانٍ. قَالَ سُلَيْمَانُ: كَانَ يُطِيلُ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، وَيُخَفِّفُ الْأُخْرَيَيْنِ ، وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ، وَيَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَيَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ، وَيَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ([17] (http://majles.alukah.net/#_ftn17)).
قال السيوطي رحمه الله: ((لِلْمُفَصَّلِ طِوَالٌ وَأَوْسَاطٌ وَقِصَارٌ، قَالَ ابْنُ مَعْنٍ: "فَطِوَالُهُ إِلَى عَمَّ، وَأَوْسَاطُهُ مِنْهَا إِلَى الضُّحَى، وَمِنْهَا إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ قِصَارُهُ"، هَذَا أَقْرَبُ مَا قِيلَ فِيهِ([18] (http://majles.alukah.net/#_ftn18))))اهـ.
قال ابن حجر رحمه الله: ((وَسُمِّيَ مُفَصَّلًا لِكَثْرَةِ الْفَصْلِ بَيْنَ سُوَرِهِ بِالْبَسْمَلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ([19] (http://majles.alukah.net/#_ftn19))))اهـ.
قوله: (ثُمَّ يَرْكَعُ مُكَبِّرًا رَافِعًا يَدَيْهِ): ودليل ذلك حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا، وَقَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ»، وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ([20] (http://majles.alukah.net/#_ftn20)).
قوله: (ثُمَّ يَضَعُهُمَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ): ودليل ذلك حديث مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي، فَطَبَّقْتُ بَيْنَ كَفَّيَّ، ثُمَّ وَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فَخِذَيَّ، فَنَهَانِي أَبِي، وَقَالَ: كُنَّا نَفْعَلُهُ، فَنُهِينَا عَنْهُ، وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِينَا عَلَى الرُّكَبِ([21] (http://majles.alukah.net/#_ftn21)).
قوله: (مُفَرَّجَتَيِ الْأَصَابِعِ): ودليل ذلك حديث عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَكَعَ فَرَّجَ أَصَابِعَهُ، وَإِذَا سَجَدَ ضَمَّ أَصَابِعَهُ([22] (http://majles.alukah.net/#_ftn22)).
قوله: (وَيُسَوِّي ظَهْرَهُ): ودليل ذلك حديث وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ رضي الله عنه، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، فَكَانَ إِذَا رَكَعَ سَوَّى ظَهْرَهُ، حَتَّى لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لَاسْتَقَرَّ([23] (http://majles.alukah.net/#_ftn23)).
قوله: (وَيَقُولُ: "سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ" ثَلَاثًا): أي: يقول في ركوعه: "سبحان ربي العظيم" ثلاث مرات؛ ودليل ذلك حديث حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ»، وَفِي سُجُودِهِ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى([24] (http://majles.alukah.net/#_ftn24))».
وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَكَعَ قَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ» ثَلَاثًا، وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ» ثَلَاثًا([25] (http://majles.alukah.net/#_ftn25)).
قوله: (وَهُوَ أَدْنَى الْكَمَالِ): أي: أدنى الكمال أن يقول: "سبحان ربي العظيم" ثلاث مرات؛ واستدلوا على ذلك بحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ، وَإِذَا سَجَدَ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى ثَلَاثًا، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ([26] (http://majles.alukah.net/#_ftn26))».
ولكن الحديث ضعيف؛ لا يُحتج به.[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) متفق عليه: أخرجه البخاري (780)، ومسلم (410).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه أحمد (18842)، والنرمذي (248)، وقال: «حَدِيثٌ حَسَنٌ»، والنسائي (879)، وفي ((الكبرى)) (955)، وابن ماجه (855)، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (4/ 90).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) أخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (2640)، والبيهقي في ((الكبير)) (2454)، وهو عند البخاري (1/ 156)، معلقًا.

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((المجموع)) (3/ 389).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) متفق عليه: أخرجه البخاري (773)، ومسلم (449).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) متفق عليه: أخرجه البخاري (7546)، ومسلم (464).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) متفق عليه: أخرجه البخاري (765)، ومسلم (463).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) أخرجه مسلم (877).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) أخرجه الدارقطني في ((سننه)) (1803)، وضعفه الألباني في ((الإرواء)) (643).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) ((الكافي)) (1/ 341). وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله في ((المغني)) (2/ 281)، خلافًا عن علي رضي الله عنه أنه كان إذا قرأ في العيدين أسمع من يليه، ولم يجهر ذلك الجهر.

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1065)، ومسلم (901).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1024)، ومسلم (894).

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) أخرجه مسلم (398).

[14] (http://majles.alukah.net/#_ftnref14))) أخرجه أحمد (7270)، وأبو داود (827)، والترمذي (312)، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ»، والنسائي (919)، وابن ماجه (848)، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (3/ 409).

[15] (http://majles.alukah.net/#_ftnref15))) ((مسائل حرب الكرماني)) (113).

[16] (http://majles.alukah.net/#_ftnref16))) ((المغني)) (1/ 409).

[17] (http://majles.alukah.net/#_ftnref17))) أخرجه أحمد (7991)، والنسائي (982)، وفي ((الكبرى)) (1057)، وحسنه الألباني في ((المشكاة)) (853).

[18] (http://majles.alukah.net/#_ftnref18))) ((الإتقان في علوم القرآن)) (1/ 222).

[19] (http://majles.alukah.net/#_ftnref19))) ((فتح الباري)) (2/ 259).

[20] (http://majles.alukah.net/#_ftnref20))) متفق عليه: أخرجه البخاري (735)، ومسلم (390).

[21] (http://majles.alukah.net/#_ftnref21))) متفق عليه: أخرجه البخاري (790)، ومسلم (535).

[22] (http://majles.alukah.net/#_ftnref22))) أخرجه ابن خزيمة في ((صحيحه)) (594)، وابن حبان (1920)، والدارقطني في ((سننه)) (1283)، والبيهقي في ((الكبير)) (2695)، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (809).

[23] (http://majles.alukah.net/#_ftnref23))) أخرجه ابن ماجه (872)، وصححه الألباني في ((أصل صفة الصلاة)) (2/ 638) بشواهده.

[24] (http://majles.alukah.net/#_ftnref24))) أخرجه مسلم (772)، مطولًا، وأخرجه أحمد (23240)، وأبو داود (871)، والترمذي (262)، وابن ماحه (888)، باللفظ المذكور مختصرًا.

[25] (http://majles.alukah.net/#_ftnref25))) أخرجه أبو داود (870)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (4734).

[26] (http://majles.alukah.net/#_ftnref26))) أخرجه أبو داود (886)، وَقَالَ: «هَذَا مُرْسَلٌ، عَوْنٌ لَمْ يُدْرِكْ عَبْدَ اللَّهِ»، والترمذي (261)، وقال: «لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ، عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ لَمْ يَلْقَ ابْنَ مَسْعُودٍ»، وابن ماجه (890)، وضعفه الألباني في ((ضعيف أبي داود)) (155).

أم علي طويلبة علم
2014-08-14, 07:29 AM
قوله: (ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَهَا سُورَةً): قال ابن قدامة رحمه الله: ((قِرَاءَةُ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، مَسْنُونَةٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ، لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا([16] (http://majles.alukah.net/#_ftn16)))).


وقوله: «ثم يقرأ بعدها» . أي: بعدَ الفاتحة، وأفاد قوله: «بعدَها» أنه لا تُشرع القراءةُ قبل الفاتحة، فلو نسيَ وقرأ السُّورةَ قبل الفاتحةِ أعادها بعد الفاتحة؛ لأنه ذِكْرٌ قالَه في غير موضعه فلم يجزئ.


وقوله: «سورة» السُّورةُ جملةٌ من القرآن مُحَوَّطَةٌ بالبسملة قبلَها لها، وبعدَها للسُّورة التي بعدها. سُمِّيت بذلك لأن البسملتين كانتا كالسُّورِ لها.


وقراءةُ السُّورة على قول جمهور أهل العلم سُنَّةٌ ، وليست بواجبةٍ؛ لأنه لا يجب إلا قراءة الفاتحة.

وأفادنا المؤلِّف بقوله: «سُورة» إلى أنَّ الذي ينبغي للإِنسانِ أن يقرأَهُ سورةً كاملةً، لا بعضَ السُّورة، ولا آيات من أثناء السُّورة؛ لأن ذلك لم يَرِدْ عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، وأطلقه ابن القيم في «زاد المعاد» حيث قال: «وأمَّا قراءة أواخر السُّورِ وأواسطها فلم يُحفظ عنه». ولكن ثَبَتَ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قرأ في سُنَّةِ الفجر آيات من السُّور، فكان أحياناً يقرأ في الرَّكعة الأُولى: {{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ}} الآية، وفي الثانية: {{قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}} ، الآية، والأصل: أن ما ثَبَتَ في النَّفْل ثَبَتَ في الفرض؛ إلا بدليل.

ويدلُّ لهذا الأصل: أن الصَّحابة رضي الله عنهم لما حَكَوا أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يُوتِرُ على راحلته قالوا: غير أنه لا يُصلِّي عليها المكتوبةَ. فلما حَكَوا أنه يوتر، ثم قالوا: غير أنَّه لا يُصلِّي عليها المكتوبة ، دَلَّ ذلك على أنَّ المعلومَ أنَّ ما ثَبَتَ في النَّفل ثبتَ في الفرض.


ولأنهما عبادتان من جنس واحد، والأصل اتفاقهما في الأحكام.


على كُلٍّ؛ نرى أنه لا بأس أن يقرأ الإِنسانُ آيةً من سورةٍ في الفريضة وفي النافلة. وربما يُستدل له أيضاً بعموم قوله تعالى: {{فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}} لكن السُّنَّة والأفضل أن يقرأَ سورةً، والأفضلُ أن تكون كاملةً في كلِّ ركعة، فإن شَقَّ فلا حَرَجَ عليه أن يقسم السُّورة بين الركعتين؛ لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قرأ ذات يوم سورة {{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ *}} فلما وصل إلى قصة موسى وهارون أخذته سَعْلةٌ فَرَكَعَ. فدلَّ هذا على جواز قَسْمِ السُّورة؛ ولا سيَّما عند الحَاجة.

وقوله: «سُورة» يلزم من قراءة السُّورة أن يقرأَ قبلها: «بسم الله الرحمن الرحيم»، وعلى هذا؛ فتكون البسملةُ مكرَّرة مرَّتين: مرَّة للفاتحة، ومرَّة للسُّورة. أما إنْ قرأ مِن أثناء السُّورة فإنه لا يُبسمل؛ لأن الله لم يأمر عند قراءة القرآن إلا بالاستعاذةِ، والبسملة لا تُقرأ في أواسط السُّور، لا في الصلاة ولا خارجها.



الشرح الممتع (3 / 72 -74 )

أم علي طويلبة علم
2014-08-14, 07:42 AM
قوله: (فِي الصُّبْحِ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَالْمَغْرِبِ مِنْ قِصَارِهِ، وَالْبَاقِي مِنْ أَوْسَاطِهِ): ودليل ذلك حديث سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فُلَانٍ. قَالَ سُلَيْمَانُ: كَانَ يُطِيلُ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، وَيُخَفِّفُ الْأُخْرَيَيْنِ ، وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ، وَيَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَيَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ، وَيَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ([17] (http://majles.alukah.net/#_ftn17)).
قال السيوطي رحمه الله: ((لِلْمُفَصَّلِ طِوَالٌ وَأَوْسَاطٌ وَقِصَارٌ، قَالَ ابْنُ مَعْنٍ: "فَطِوَالُهُ إِلَى عَمَّ، وَأَوْسَاطُهُ مِنْهَا إِلَى الضُّحَى، وَمِنْهَا إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ قِصَارُهُ"، هَذَا أَقْرَبُ مَا قِيلَ فِيهِ([18] (http://majles.alukah.net/#_ftn18))))اهـ.
قال ابن حجر رحمه الله: ((وَسُمِّيَ مُفَصَّلًا لِكَثْرَةِ الْفَصْلِ بَيْنَ سُوَرِهِ بِالْبَسْمَلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ([19] (http://majles.alukah.net/#_ftn19))))اهـ.


قوله: «تكون في الصبح من طِوال المفصل» أي: تكون السُّورة في صلاة الصُّبح من طِوال المُفصَّلِ بكسر الطاء، ولا يقال: طُوال؛ لأن طُوال صفة للرَّجُل الطويل، وأما طِوال بالكسر فهي جمع طويلة، أي: سُورة من السُّور الطِوال مِن المفصل.


والمُفصَّل ثلاثة أقسام، كما يدلُّ عليه كلام المؤلِّف: منه طِوال، ومنه قِصار، ومنه وسط.



فمِن {ق} إلى {عَمَّ} هذا هو الطِوال.
ومِن {عَمَّ} إلى {الضُّحَى} أوساط.
ومُن {الضُّحَى} إلى آخره قِصار.
وسُمِّيَ مُفصَّلاً لكثرة فواصله؛ لأن سُورَهُ قصيرةٌ.



فمن {{ق}} إلى {{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ *}} أربعة أجزاء وشيء، يساوي البقرة وآل عمران، ورُبعاً مِن النساء، ويزيد شيئاً قليلاً، وإنما شُرع أن تكون في الصُّبح مِن طِوال المُفصَّل؛ لأن الله عزَّ وجلَّ نصَّ على القرآن في صلاة الفجر فقال: {{أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا *}} [الإسراء] فَعبَّرَ عن الصَّلاةِ بالقرآن إشارةً إلى أنَّه ينبغي أن يكون القرآن مستوعِباً لأكثرها، وهو كذلك، ولهذا بقيت صلاةُ الصُّبح على ركعتين لم تُزَدْ، بينما الظُّهر والعصر والعشاء زِيدت.



قوله: «وفي المغرب من قصاره» ، أي: من قِصار المفصَّل، يعني: من الضُّحى إلى آخره.


قوله: «وفي الباقي من أوساطه» أي: من {{عَمَّ}} إلى {الضحى} ودليل ذلك السُّنَّة الواردة عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم؛ فإن الغالب مِن فِعْلِ النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ هو هذا .


لكنه أحياناً يقرأ في الفجر مِن القِصَار، وفي المغرب من الطِوال، فمرَّة صَلَّى الفجرَ بـ {{إِذَا زُلْزِلَتِ}} قرأها في الرَّكعتين، ومرَّة قرأ في المغرب بسُورة {{الأَعْرَافِ}}، وقرأ بسورة {{الْطُّورَ}}، وقرأ {بالمرسلات}، وكلُّ هذا من أطول ما يكون من السُّور، فدلَّ ذلك على أنه ينبغي للإِمام أن يكون غالباً على ما ذَكَرَ المؤلِّفُ، ولكن لا بأس أن يطيل في بعض الأحيان في المغرب، ويُقَصِّرَ في الفجر.



وقوله: «وفي الباقي من أوساطه» الدليل على ذلك: أن النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أرشد معاذَ بنَ جَبَلٍ أن يقرأ في صلاة العشاء بـ{{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى *}}، {{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى *}}، و{{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا *}}ونحوها فدلَّ هذا على أن هذا هو الأفضل.



وهنا سؤال: هل يجوز أن يقرأَ الإِنسانُ بالسُّورةِ في الرَّكعتينِ بمعنى أنْ يكرِّرها مرَّتين؟


الجواب: نعم، ولا بأس بذلك، والدَّليلُ فِعْلُ النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنه قرأ: {{إِذَا زُلْزِلَتِ}} في الرَّكعتين جميعاً كرَّرها .

لكن؛ قد يقول قائل: لعلَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم نَسِيَ؛ لأنَّ مِن عادته أنه لا يُكرِّر السُّورة.

والجواب عن هذا: أن يُقال: احتمالُ النسيانِ وارد، ولكن احتمال التشريع ـ أي: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كرَّرها تشريعاً للأمة ليبيِّن أن ذلك جائز ـ يُرجَّح على احتمالِ النسيان؛ لأنَّ الأصلَ في فِعْلِ الرسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ التشريعُ، وأنه لو كان ناسياً لَنُبِّهَ عليه، وهذا الأخيرُ ـ أي: أنَّ ذلك مِن باب التشريع ـ أحوطُ وأقربُ إلى الصَّوابِ.




الشرح الممتع ( 3 / 74 - 77 )

أم علي طويلبة علم
2014-08-15, 02:17 AM
قوله: (ثُمَّ يَرْكَعُ مُكَبِّرًا رَافِعًا يَدَيْهِ): ودليل ذلك حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا، وَقَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ»، وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ([20] (http://majles.alukah.net/#_ftn20)).
قوله: (ثُمَّ يَضَعُهُمَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ): ودليل ذلك حديث مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي، فَطَبَّقْتُ بَيْنَ كَفَّيَّ، ثُمَّ وَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فَخِذَيَّ، فَنَهَانِي أَبِي، وَقَالَ: كُنَّا نَفْعَلُهُ، فَنُهِينَا عَنْهُ، وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِينَا عَلَى الرُّكَبِ([21] (http://majles.alukah.net/#_ftn21)).
قوله: (مُفَرَّجَتَيِ الْأَصَابِعِ): ودليل ذلك حديث عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَكَعَ فَرَّجَ أَصَابِعَهُ، وَإِذَا سَجَدَ ضَمَّ أَصَابِعَهُ([22] (http://majles.alukah.net/#_ftn22)).
قوله: (وَيُسَوِّي ظَهْرَهُ): ودليل ذلك حديث وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ رضي الله عنه، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، فَكَانَ إِذَا رَكَعَ سَوَّى ظَهْرَهُ، حَتَّى لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لَاسْتَقَرَّ([23] (http://majles.alukah.net/#_ftn23)).
قوله: (وَيَقُولُ: "سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ" ثَلَاثًا): أي: يقول في ركوعه: "سبحان ربي العظيم" ثلاث مرات؛ ودليل ذلك حديث حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ»، وَفِي سُجُودِهِ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى([24] (http://majles.alukah.net/#_ftn24))».
وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَكَعَ قَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ» ثَلَاثًا، وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ» ثَلَاثًا([25] (http://majles.alukah.net/#_ftn25)).
قوله: (وَهُوَ أَدْنَى الْكَمَالِ): أي: أدنى الكمال أن يقول: "سبحان ربي العظيم" ثلاث مرات؛ واستدلوا على ذلك بحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ، وَإِذَا سَجَدَ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى ثَلَاثًا، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ([26] (http://majles.alukah.net/#_ftn26))».
ولكن الحديث ضعيف؛ لا يُحتج به.

قوله: «ثم يركع مكبِّراً» . أي: بعد القراءة يركع مكبِّراً، وقوله: «ثم يركع» نقول فيها مثل ما قلنا في «ثم يقرأ بعد الفاتحة» أنها للترتيب والتراخي، فينبغي قبل أن يركع أن يسكت سكوتاً؛ لكنه ليس سكوتاً طويلاً، بل بقَدْرِ ما يرتدُّ إليه نَفَسُه، فإن ذلك قد جاء في حديث سَمُرَة بن جُندب رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم كان يسكتُ سكتتين: إذا دَخَلَ في الصَّلاةِ، وإذا فَرَغَ مِن قراءة فاتحةِ الكتابِ وسورة عند الرُّكوعِ. فأنكر ذلك عليه عمران بن حصين! فكتبوا إلى أُبَيٍّ في ذلك إلى المدينة. قال: فَصَدَقَ سَمُرة.

وقوله: «يركع» الركوع: هو الانحناء، والانحناء في الظَّهْرِ، وهذا الرُّكوع المقصودُ به تعظيم الله عزّ وجل، فإنَّ هذه الهيئة مِن هيئات التَّعظيم؛ ولذلك كان النَّاسُ يفعلونها أمام الملوك والكبراء والسَّادة ينحنون لهم ورُبَّما يركعون، ورُبَّما يسجدون والعياذ بالله، فالرُّكوعُ هيئةٌ تدلُّ على تعظيم الرَّاكعِ بين يدي مَنْ رَكَعَ له، ولهذا قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام: «أما الرُّكوع فَعَظِّموا فيه الربَّ عزّ وجل» ليجتمع فيه التعظيم القولي والتعظيم الفِعلي.

وقوله: «مكبِّراً» حال من فاعل «يركع» حال مقارنة، يعني: في حال هويه إلى الرُّكوعِ يكبِّرُ فلا يبدأ قبل، ولا يؤخِّره حتى يَصِل إلى الرُّكوعِ، أي: يجب أن يكون التَّكبيرُ فيما بين الانتقالِ والانتهاءِ، حتى قال الفقهاءُ رحمهم الله: «لو بدأ بالتَّكبير قبل أن يهويَ، أو أتمَّهُ بعد أن يَصِلَ إلى الرُّكوع؛ فإنه لا يجزئه». لأنهم يقولون: إنَّ هذا تكبيرٌ في الانتقال فمحلُّه ما بين الرُّكنين، فإنْ أدخلَه في الرُّكن الأول لم يصحَّ، وإن أدخله في الرُّكن الثاني لم يصحَّ؛ لأنه مكان لا يُشرع فيه هذا الذِّكرُ، فالقيامُ لا يُشرع فيه التَّكبيرُ، والرُّكوع لا يُشرع فيه التكبيرُ، إنما التكبيرُ بين القيام وبين الرُّكوعِ.
ولا شَكَّ أن هذا القولَ له وجهة مِن النَّظر؛ لأن التَّكبيرَ علامةٌ على الانتقالِ؛ فينبغي أن يكون في حالِ الانتقال.

ولكن؛ القول بأنه إن كمَّلَه بعد وصول الرُّكوع، أو بدأ به قبل الانحناء يُبطلُ الصَّلاةَ فيه مشقَّةٌ على النَّاس، لأنك لو تأملت أحوال الناس اليوم لوجدت كثيراً مِن النَّاسِ لا يعملون بهذا، فمنهم من يكبِّرُ قبل أن يتحرَّك بالهوي، ومنهم مَن يَصِلُ إلى الرُّكوعِ قبل أن يُكمل...
... إذاً؛ نقول: كَبِّرْ مِن حين أن تهويَ، واحرصْ على أن ينتهي قبل أن تَصِلَ إلى الرُّكوع، ولكن لو وصلت إلى الرُّكوع قبل أن تنتهي فلا حرجَ عليك، والقولُ بأن الصَّلاةَ تفسدُ بذلك حَرَج، ولا يمكن أن يُعملَ به إلا بمشقَّةٍ.
فالصوابُ: أنه إذا ابتدأ التَّكبيرَ قبل الهوي إِلى الرُّكوعِ، وأتمَّه بعدَه فلا حرج، ولو ابتدأه حين الهوي، وأتمَّه بعد وصولِهِ إلى الرُّكوعِ فلا حَرَجَ، لكن الأفضل أن يكون فيما بين الرُّكنين بحسب الإمكان. وهكذا يُقال في: «سمعَ الله لمن حمده» وجميعِ تكبيرات الانتقال. أمَّا لو لم يبتدئ إلا بعد الوصول إلى الرُّكن الذي يليه، فإنه لا يعتدُّ به.

قوله: «رافعاً يديه» أي: إلى حَذوِ مَنكبيه، أو إلى فُروع أُذنيه كما سبق عند تكبيرة الإِحرام. ويرفع يديه إذا أراد أن يركع، ثم يضعهما على رُكبتيه، ودليل ذلك: حديث ابن عُمر أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم: «كان يرفعُ يديه إذا كَبَّرَ للرُّكوعِ» والحديث ثابت في «الصحيحين» وغيرهما.

قوله: «ويضعهما على رُكبتيه» «ويضعهما» أي: اليدين، والمراد باليدين هنا: الكَفَّان؛ لأنه سبق لنا بيان قاعدة: أنَّ اليدَ إذا أُطلقت فهي الكَفُّ. ودليل هذه القاعدة: أنَّ الله لما أراد ما زَادَ عن الكَفِّ بَيَّنه في قوله تعالى: {{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}} الآية.
ولهذا يُقطع السارق مِن مفصل الكَفِّ؛ لقوله تعالى: {{فَاقْطَعُوا أَيدِيَهُمَا}} الآية ولا يُقطع من المِرفق؛ لأن الله لو أرادَ ذلك لقيَّده...

...وعلى هذا؛ فيضعُ الكفَّين على الرُّكبتين معتمداً عليهما؛ وليس مجرد لَمْسٍ.

قوله: «مفرَّجتي الأصابع» يعني: لا مضمومة بل مفرَّجة؛ كأنه قابض رُكبتيه، كما جاءت بذلك السُّنَّة.

قوله: «مستوياً ظهره» . الاستواء: يشمل استواء الظهر في المَدِّ، واستواءه في العلوِّ والنزول، يعني لا يقوِّس ظهره، ولا يهصره حتى ينزل وسطه، ولا ينزل مقدم ظهره، بل يكون ظهره مستوياً، وقد جاء ذلك عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، قالت عائشة رضي الله عنها: «كان إذا ركع لم يُشْخِصْ رأسه ولم يُصَوِّبْهُ» لم يُشْخِصْه يعني: لم يرفعه، ولم يُصوِّبْه: لم ينزله، ولكن بين ذلك.
وجاء فيما رواه الإِمام أحمد أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم: «كان يسوِّي ظهره» وجاء عنه أيضاً: «أنه كان يُسوِّيه، حتى لو صُبَّ عليه الماء لاستقرَّ» وهذا يدلُّ على كمالِ التَّسوية، فيكون الظَّهرُ والرأسُ سواء، ويكون الظَّهرُ ممدوداً مستوياً.

وينبغي كذلك أن يفرِّج يديه عن جنبيه، ولكنه مشروط بما إذا لم يكن فيه أذيَّة، فإنْ كان فيه أذيَّة لِمَن كان إلى جنبه؛ فإنه لا ينبغي للإِنسان أن يفعل سُنَّة يؤذي بها غيره؛ لأن الأذية فيها تشويش على المصلِّي إلى جنبه وتلبيس عليه، ثم إنه يُخشى أن يكون ذلك داخلاً في قوله تعالى: {{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْمًا مُبِيناً *}} فإنَّ هذا يشمَل الأذى القولي والفِعلي.

والواجبُ مِن الرُّكوع: أن ينحني بحيث يكون إلى الرُّكوع التَّامِّ أقربَ منه إلى الوقوفِ التَّامِّ، يعني: بحيث يعرف مَن يراه أنَّ هذا الرَّجُلَ راكعٌ. هكذا قال بعض العلماء.
والمشهور من المذهب: أنه ينحني بحيث يمكن أن يَمَسَّ رُكبتيه بيديه إذا كان وسطاً، يعني: إذا كانت يداه ليستا طويلتين ولا قصيرتين، لكن القول الأول أظهر.


قوله: «ويقول: سبحان رَبِّيَ العظيم» أي: يقول في ركوعه: «سبحان رَبِّي العظيم ) ... إذاً؛ أنت تُنزِّه الله سبحانه وتعالى، وتصفه بعد تنزيهه بأمرين كماليين كاملين وهما: الربوبية والعظمة، فيجتمع مِن هذا الذِّكرِ: التَّنزيه والتَّعظيم.
والتَّنزيه والتَّعظيم باللسان تعظيم قوليٌّ، وبالرُّكوع تعظيم فعليٌّ، فيكون الراكع جامعاً بين التعظيمين: القوليّ والفعليّ.
ولهذا قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام: «ألا وإنِّي نُهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، أمَّا الركوع فعظِّموا فيه الرَّب».
ولما كان القرآنُ أشرفَ الذِّكْرِ؛ لم يُناسبْ أن يقرأه الإِنسانُ وهو في هذا الانحناء، بل يُقرأ في حال القيام.

... قوله: «ثم يرفع رأسه» مراده: يرفعُ رأسَه وظهرَه، لأنَّ المؤلِّفَ قال: «ثم يركع» والرُّكوع هو انحناء الظَّهر.

قوله: «ويديه» أي: ويرفع يديه، والمراد إلى حذو منكبيه، كما سَبَقَ في رفعهما عند تكبيرة الإحرام.
ورفعهما هنا سُنَّة ثَبَتَت في حديث ابنِ عُمر رضي الله عنهما الثابت في «الصحيحين» وغيرهما أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم: «كان يرفعُ يديه إذا كَبَّرَ للرُّكوعِ، وإذا رَفَعَ مِن الرُّكوعِ».



الشرح الممتع ملخصا (3 / 86 - 95 )

محمد طه شعبان
2014-08-20, 05:29 PM
قوله: (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَدَيْهِ مَعًا، قَائِلًا: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"): ودليل ذلك حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا، وَقَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ»، وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
قوله: وَبَعْدَ انْتِصَابِهِ: "رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْء بَعْدُ"): ودليل ذلك حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا رَفَعَ ظَهْرَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، قَالَ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ: «رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ: اللهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))».
قوله: (وَمَأْمُومٌ: "رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ" فَقَطْ): أي: ويقتصر المأموم على قول: " ربنا ولك الحمد" ولا يقول: "سمع الله لمن حمده"، وكذلك لا يقول:"مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ"؛ بل يقتصر على: "رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ"([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))؛ واستدلوا على ذلك بحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا، فَصَلُّوا قِيَامًا، فَإِذَا رَكَعَ، فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ، فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ...([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))».
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا رَكَعَ، فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ...([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))».
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا قَالَ الإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ المَلاَئِكَةِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))».
قال ابن قدامة رحمه الله: ((ولا يستحب للمأموم الزيادة على «رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» نص عليه؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» ولَمْ يأْمُرْهُ بغيره([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8))))اهـ.
قلت: والصواب – والله أعلم – هو ما رجحه العلامة الألباني رحمه الله؛ أن هذه الأحاديث لا تمنع المأموم من قول: "سمع الله لمن حمده" كما لا تمنعه من الزيادة على قول" ربنا ولك الحمد".
قال الألباني رحمه الله: ((هذا الحديث لا يدل على أن المؤتم لا يشارك الإمام في قوله: "سمع الله لمن حمده"؛ كما لا يدل على أن الإمام لا يشارك المؤتم في قوله: "ربنا ولك الحمد"؛ إذ إن الحديث لَمْ يُسَقْ لبيان ما يقوله الإمام والمؤتم في هذا الركن؛ بل لبيان أن تحميد المؤتم إنما يكون بعد تسميع الإمام؛ ويؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول التحميد وهو إمام([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9))؛ وكذلك عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» يقتضي أن يقول المؤتم ما يقوله الإمام كالتسميع وغيره([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))))اهـ.
وفي رواية أخرى عن أحمد جواز الزيادة على التحميد.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وعنه: ما يدل على استحباب قول: «ملء السماء» وهو اختيار أبي الخطاب؛ لأنه ذكر مشروع للإمام، فشرع للمأموم كالتكبير([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))))اهـ.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) متفق عليه: أخرجه البخاري (735)، ومسلم (390).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه مسلم (476).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) أخرجه مسلم (477).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) جاء عن الإمام أحمد في ((مسائل ابنه صالح)) (390): ((وَالَّذِي نَخْتَار أَن يَقُول: "رَبنَا وَلَك الْحَمد ملْء السَّمَاوَات وملء الأَرْض وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد" وَإِذا كَانَ خلف الإِمَام قَالَ: "رَبنَا وَلَك الْحَمد" فَقَط لَا يزِيد))اهـ.

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) متفق عليه: أخرجه البخاري (689)، ومسلم (411).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) متفق عليه: أخرجه البخاري (722)، ومسلم (414).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) متفق عليه: أخرجه البخاري (796)، ومسلم (409).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) ((الكافي)) (1/ 251).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) أخرج مسلم، عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا رَفَعَ ظَهْرَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، قَالَ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ».
وفي ((الصحيحين))، واللفظ للبخاري، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا، وَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ.
والمقصود: أن تحميد الإمام ليس مذكورًا فيما استدلوا به على عدم جواز زيادة المأموم على التحميد؛ ومع ذلك فإن الإمام يحمد؛ وكذلك تسميع المأموم ليس مذكورًا في الحديث؛ ومع ذلك فإن المأموم يسمع.

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) ((صفة صلاة النبي)) (135، 136)، طـ المعارف، هامش.

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) ((الكافي)) (1/ 251).

محمد طه شعبان
2014-08-20, 05:32 PM
قوله: (ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَسْجُدُ عَلَى الْأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ): لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الجَبْهَةِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ - وَاليَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْ نِ، وَأَطْرَافِ القَدَمَيْنِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
قوله: (فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ): أي: أثناء خروره للسجود؛ يبدأ بركبتيه فيضعهما على الأرض، ثم يضع يديه، ثم جبهته وأنفه؛ واستدلوا على ذلك بحديث وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنَ السُّجُودِ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِرُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَلَا يَبْرُكْ بُرُوكَ الْفَحْلِ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))».
قلت: والحديثان ضعيفان جدًّا، ولا يرقيان للحجة.
وفي رواية أخرى عن أحمد رحمه الله أنه يبدأ بيديه قبل ركبتيه([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
واستدلوا على ذلك بحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ، وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))».
ولا شك أن هذا الحديث أقوى من سابقيه.
فإن قيل كما قال ابن القيم رحمه الله: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يُخَالِفُ أَوَّلُهُ آخِرَهُ؛ فَإِنَّهُ إِذَا وَضَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ فَقَدْ بَرَكَ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ؛ فَإِنَّ الْبَعِيرَ إِنَّمَا يَضَعُ يَدَيْهِ أَوَّلًا([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
قلنا: قد أجاب الإمام الطحاوي عن هذا.
قال الإمام الطحاوي رحمه الله - بعد ما روى حديث أبي هريرة رضي الله عنه – في ((شرح مشكل الآثار)) (1/ 168): ((فَقَالَ قَائِلٌ: "هَذَا كَلَامٌ مُسْتَحِيلٌ; لِأَنَّهُ نَهَاهُ إذَا سَجَدَ أَنْ يَبْرُكَ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ؛ وَالْبَعِيرُ إنَّمَا يَنْزِلُ عَلَى يَدَيْهِ, ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ: "وَلَكِنْ لِيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ"؛ فَكَانَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا نَهَاهُ عَنْهُ فِي أَوَّلِهِ قَدْ أَمَرَهُ بِهِ فِي آخِرِهِ".
فَتَأَمَّلْنَا مَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ فَوَجَدْنَاهُ مُحَالًا وَوَجَدْنَا مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُسْتَقِيمًا لَا إِحَالَةَ فِيهِ, وَذَلِكَ أَنَّ الْبَعِيرَ رُكْبَتَاهُ فِي يَدَيْهِ, وَكَذَلِكَ كُلُّ ذِي أَرْبَعٍ مِنَ الْحَيَوَانِ؛ وَبَنُو آدَمَ بِخِلَافِ ذَلِكَ; لِأَنَّ رُكَبَهُمْ فِي أَرْجُلِهِمْ لَا فِي أَيْدِيهِمْ؛ فَنَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمُصَلِّيَ أَنْ يَخِرَّ عَلَى رُكْبَتَيْهِ اللَّتَيْنِ فِي رِجْلَيْهِ كَمَا يَخِرُّ الْبَعِيرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ اللَّتَيْنِ فِي يَدَيْهِ, وَلَكِنْ يَخِرُّ لِسُجُودِهِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ؛ فَيَخِرُّ عَلَى يَدَيْهِ اللَّتَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا رُكْبَتَاهُ، بِخِلَافِ مَا يَخِرُّ الْبَعِيرُ عَلَى يَدَيْهِ اللَّتَيْنِ فِيهِمَا رُكْبَتَاهُ.
فَبَانَ - بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ - أَنَّ الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَامٌ صَحِيحٌ لَا تَضَادَّ فِيهِ وَلَا اسْتِحَالَةَ فِيهِ وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ))اه ـ.
وقد أنكر ابن القيم رحمه الله ما قرره الطحاوي وغيره من العلماء، من أن ركبتي البعير في يديه؛ حيث قال رحمه الله: ((قَوْلُهُمْ: "رُكْبَتَا الْبَعِيرِ فِي يَدَيْهِ" كَلَامٌ لَا يُعْقَلُ، وَلَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ؛ وَإِنَّمَا الرُّكْبَةُ فِي الرِّجْلَيْنِ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))))اهـ.
قلت: بل أثبت أهل اللغة ما نفاه ابن القيم رحمه الله.
فقد قال الخليل بن أحمد رحمه الله: ((ورُكبةُ البعيرِ فِي يدِهِ؛ ورُكْبَتا يَدَيِ الْبَعِيرِ: المَفْصِلانِ اللَّذانِ يَليانِ البَطْنَ إِذا بَرَكَ؛ وأَما المَفْصِلانِ الناتِئَانِ مِنْ خَلْفُ فَهُمَا العُرْقُوبانِ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)))).
ومما يدل على ذلك أيضًا: قول سُراقة بن مالك رضي الله عنه – في حديث لحوقه بالنبي صلى الله عليه وسلم عند هجرته – قال: حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ، سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ، حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) متفق عليه: أخرجه البخاري (812)، ومسلم (490).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه أبو داود (838)، والترمذي (268)، والنسائي (1089)، وابن ماجه (882)، والدارقطني في ((سننه)) (1307)، ومدار الحديث على شريك بن عبد الله القاضي، وهو ضعيف سيئ الحفظ، وقد تفرد به عن عاصم بن كليب، قال الدارقطني في ((السنن)) (2/ 150): «تَفَرَّدَ بِهِ يَزِيدُ عَنْ شَرِيكٍ, وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ غَيْرُ شَرِيكٍ؛ وَشَرِيكٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِيمَا يَتَفَرَّدُ بِهِ»اهـ، وقال الترمذي: «قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: وَلَمْ يَرْوِ شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، إِلَّا هَذَا الحَدِيثَ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُ أَحَدًا رَوَاهُ غَيْرَ شَرِيكٍ»اهـ. وضعفه الألباني في ((الإرواء)) (357)، وفي ((أصل صفة الصلاة)) (2/ 715)، وقال هناك: «وشريك سيئ الحفظ عند جمهور علماء الحديث، وبعضهم صرح بأنه كان قد اختلط؛ فلذلك لا يحتج به إذا تفرد، ولا سيما إذا خالف غيره من الثقات الحفاظ؛ فقد روى جمع منهم عن عاصم بإسناده هذا عن وائل صفة صلاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس فيها ما ذكره شريك»اهـ.

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) أخرجه ابن أبي شيبة في ((مصنفه)) (2702)، وأبو يعلى في ((مسنده)) (6540)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (1517)، والبيهقي في ((معرفة السنن والآثار)) (3503)، وقال الألباني في ((الإرواء)) (2/ 79): «حديث باطل»، وقال في ((أصل صفة الصلاة)) (2/ 277): «قال الحافظ (2/ 231) - تبعًا للبيهقي -: "إسناده ضعيف".
وأقول: بل هو ضعيف جدًّا، وعلته عبد الله بن سعيد هذا، وهو المقبري، وهو متروك - كما سبق في الحديث الذي قبل هذا -، وقد اتهمه بعضهم بالكذب. ولعله تعمد، فقلب هذا الحديث؛ فغَيَّر بذلك المعنى»اهـ.

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) (المغني)) (1/ 370).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) أخرجه أحمد (8955)، وأبو داود (840)، والنسائي في ((المجتبى)) (1091)، وفي ((الكبرى)) (682)، وقال الألباني في ((أصل صفة الصلاة)) (2/ 720- 722): ((وهذا سند صحيح. رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير محمد بن عبد الله بن الحسن، وهو المعروف بالنفس الزكية العَلَوي، وهو ثقة، كما قال النسائي وغيره، وتبعهم الحافظ في "التقريب".
ولذلك قال النووي في "المجموع" (3/ 421)، والزُّرْقاني في "شرح المواهب" (7/ 320): "إسناده جيد". ونقل ذلك المُناوي عن بعضهم، وصححه السيوطي في "الجامع الصغير". وصححه عبد الحق في "الأحكام الكبرى" (54/1 )، وقال في كتاب "التهجد" (56/1): "إنه أحسن إسنادًا من الذي قبله". يعني: حديث وائل المعارض له.
وقد أعله بعضهم بثلاث علل:
الأولى: تفرد الدراوردي به عن محمد بن عبد الله.
والثانية: تفرد محمد هذا عن أبي الزناد.
والثالثة: قول البخاري: "لا أدري أَسَمِعَ محمد بن عبد الله بن حسن من أبي الزناد أم لا".
وهذه العلل ليست بشيء:
أما الأولى والثانية؛ فلأن الدراوردي وشيخه محمدًا هذا ثقتان - كما تقدم -؛ فلا يضر تفردهما بهذا الحديث، وليس من شرط الحديث الصحيح أن لا ينفرد بعض رواته به، وإلا؛ لما سلم لنا كثير من الأحاديث الصحيحة، حتى التي في "صحيح البخاري" نفسه؛ كحديث: "إنما الأعمال بالنيات" - وهو أول حديثٍ فيه -؛ فإنه تفرد به يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر رضي الله عنه.
وأما الثالثة؛ فهي علة عند البخاري على أصله؛ وهو اشتراط معرفة اللقاء؛ ولكن الجمهور من أئمة الحديث لا يشترطون ذلك، بل يكتفون بمجرد إمكان اللقاء؛ بأن يكونا في زمن واحد مع أمن التدليس.
وهذا كله متحقق هنا؛ فإن محمد بن عبد الله هذا لم يعرف بتدليس، وهو مدني مات سنة (145)، وله من العمر (53) سنة. وشيخه: أبو الزناد مات سنة (130) بالمدينة. وعليه فقد أدركه زمنًا طويلًا.
فالحديث صحيح.
على أن الدراوردي لم يتفرد به، بل تُوبع عليه في الجملة.
فقد أخرجه أبو داود، والنسائي، والترمذي أيضًا (2/ 57- 58) من طريق عبد الله ابن نافع عن محمد بن عبد الله بن حسن به مختصرًا بلفظ: "يعمد أحدكم؛ فيبرك في صلاته برك الجمل؟!".
فهذه متابعة قوية؛ عبد الله بن نافع ثقة أيضًا من رجال مسلم، كالدراوردي))اهـ.

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((زاد المعاد)) (1/ 217).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) السابق (1/ 218).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) ((العين)) (5/ 362)، وانظر: ((تهذيب اللغة)) (10/ 123)، و((لسان العرب)) (1/ 433).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) أخرجه البخاري (3906).

محمد طه شعبان
2014-08-20, 05:34 PM
قوله: (وَسُنَّ كَوْنُهُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ): لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الجَبْهَةِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ - وَاليَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْ نِ، وَأَطْرَافِ القَدَمَيْنِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
وفي حديث أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه، في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم – وقد تقدم -: فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ القِبْلَةَ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
قوله: (وَمُجَافَاةُ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ): ودليل ذلك حديث أَحْمَرَ بْنِ جَزْءٍ رضي لله عنه، صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إِذَا سَجَدَ، جَافَى عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وَعَنْ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ لَوْ شَاءَتْ بَهْمَةٌ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)) أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لَمَرَّتْ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
وفي لفظ لمسلم أيضًا: عَنْ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ جَافَى حَتَّى يَرَى مَنْ خَلْفَهُ وَضَحَ إِبْطَيْهِ. قَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي بَيَاضَهُمَا.
وفي لفظ لمسلم أيضًا: قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ خَوَّى بِيَدَيْهِ - يَعْنِي جَنَّحَ - حَتَّى يُرَى وَضَحُ إِبْطَيْهِ مِنْ وَرَائِهِ.
قوله: (وَبَطْنِهِ عَنْ فَخِذَيْهِ): أي: ويجافي بَطْنَهُ عن فخِذَيْه حال سجوده؛ ودليل ذلك حديث أَبِي حُمَيْدٍ رضي الله عنه، وفيه: وَإِذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ غَيْرَ حَامِلٍ بَطْنَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَخِذَيْهِ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
وحديثُ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ وَلَا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8))».
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((«اعتدلوا في السُّجود» أي: اجعلوه سجودًا معتدلًا، لا تهصرون فينزل البطنُ على الفخذ، والفخذ على السَّاق، ولا تمتدُّون أيضًا؛ كما يفعل بعضُ الناس إذا سجد يمتدُّ حتى يَقْرُبَ من الانبطاح، فهذا لا شَكَّ أنه من البدع، وليس بسُنَّة([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9))))اهـ.
قوله: (وَتَفْرِقَةُ رُكْبَتَيْهِ): ودليل ذلك حديث أَبِي حُمَيْدٍ رضي الله عنه، وفيه: وَإِذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ غَيْرَ حَامِلٍ بَطْنَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَخِذَيْهِ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10)).
قوله: (وَيَقُولُ: "سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى" ثَلَاثًا): أي: يقول في سجوده: "سبحان ربي الأعلى" ثلاث مرات؛ ودليل ذلك حديث حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنهما، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ»، وَفِي سُجُودِهِ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))».
وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَكَعَ قَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ» ثَلَاثًا، وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ» ثَلَاثًا([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)).
قوله: (وَهُوَ أَدْنَى الْكَمَالِ): أي: أدنى الكمال أن يقول في سجوده: "سبحان ربي الأعلى" ثلاث مرات؛ واستدلوا على ذلك بحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ، وَإِذَا سَجَدَ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى ثَلَاثًا، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13))».
وقد تقدم أن هذا الحديث ضعيف؛ لا يُحتج به.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) متفق عليه: أخرجه البخاري (812)، ومسلم (490).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه البخاري (828).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) أخرجه أحمد (19012)، وأبو داود (900)، وابن ماجه (886)، وحسن إسناده الألباني في ((صفة الصلاة)) (144).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) متفق عليه: أخرجه البخاري (390)، ومسلم (495).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) (الْبَهْمَةُ): وَلَدُ الشَّاةِ أَوَّلُ مَا تَضَعُهُ أُمُّهُ.

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) أخرجه مسلم (496).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) أخرجه أبو داود (735)، وقال الألباني في ((الإرواء)) (2/ 80): ((وهذا إسناد ضعيف؛ علته عتبة هذا، وهو ابن أبي حكيم الهمداني؛ قال في "التقريب": "صدوق يخطئ كثيرًا".
ثم وجدت الحافظ ابن حجر قد ذكر في "الفتح" (2/ 254): أن رواية عتبة أخرجها ابن حبان, وأن هذا القدر منها ورد في رواية عيسى يعني ابن عبد الله بن مالك, وكان قد عزى هذه الرواية قبل صفحة لأبى داود وغيره, وهي عند أبى داود (733)، لكن ليس فيها القدر الذي رواه عتبة. فالظاهر إنها عند غير أبى داود، فإذا ثبت ذلك فالحديث حسن على أقل الأحوال, والله أعلم))اهـ.

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) متفق عليه: أخرجه البخاري (532)، ومسلم (493).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) ((الشرح الممتع)) (3/ 121).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) تقدم.

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) أخرجه مسلم (772)، مطولًا، وأخرجه أحمد (23240)، وأبو داود (871)، والترمذي (262)، وابن ماحه (888)، باللفظ المذكور مختصرًا.

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) أخرجه أبو داود (870)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (4734).

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) أخرجه أبو داود (886)، وَقَالَ: «هَذَا مُرْسَلٌ؛ عَوْنٌ لَمْ يُدْرِكْ عَبْدَ اللَّهِ»، والترمذي (261)، وقال: «لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ؛ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ لَمْ يَلْقَ ابْنَ مَسْعُودٍ»، وابن ماجه (890)، وضعفه الألباني في ((ضعيف أبي داود)) (155).

محمد طه شعبان
2014-08-20, 05:38 PM
قوله: (ثُمَّ يَرْفَعُ مُكَبِّرًا): أي: يرفع من السجود مكبرًا؛ ودليل ذلك حديث مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: صَلَّيْتُ أَنَا وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ كَبَّرَ، وَإِذَا نَهَضَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا مِنَ الصَّلَاةِ، أَخَذَ عِمْرَانُ بِيَدِي، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ صَلَّى بِنَا هَذَا صَلَاةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ قَالَ: قَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلَاةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"، حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: "رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ" ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا، وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الجُلُوسِ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وفي حديث المسيء صلاته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيُكَبِّرُ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))».
قوله: (وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا): وهو أن يفرش رجله اليسرى، ويجلس عليها، وينصب اليمنى؛ ودليل ذلك حديث أبي حميد الساعدي المتقدم؛ وفيه: فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ اليُسْرَى، وَنَصَبَ اليُمْنَى([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وَعَنْ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ خَوَّى بِيَدَيْهِ - يَعْنِي جَنَّحَ - حَتَّى يُرَى وَضَحُ إِبْطَيْهِ مِنْ وَرَائِهِ، وَإِذَا قَعَدَ اطْمَأَنَّ عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءَةِ، بِـ"الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"، وَكَانَ إِذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ، حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ، لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا، وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ، وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ، وَيَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ، وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلَاةَ بِالتَّسْلِيمِ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
قوله: (وَيَقُولُ: "رَبِّ اغْفِرْ لِي" ثَلَاثًا): ودليل ذلك حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلمَ كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ : «رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))».
قوله: (وَهُوَ أَكْمَلُهُ): أي: أن يقول: "رب اغفر لي" ثلاث مرات؛ هذا هو الأكمل؛ ولو قالها مرة أو مرتين، جاز.
ولكن يقال: إن المذكور في الحديث مرتين فقط، وليس ثلاثًا.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) متفق عليه: أخرجه البخاري (786)، ومسلم (393).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) متفق عليه: أخرجه البخاري (789)، ومسلم (392).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) أخرجه أبو داود (857)، وصححه الألباني في ((صفة الصلاة)) (151).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) أخرجه البخاري (828).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) أخرجه مسلم (497).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) أخرجه مسلم (498).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) أخرجه أحمد (23375)، وأبو داود (874)، والنسائي (1145)، وابن ماجه (897)، وصححه الألباني في ((صفة الصلاة)) (153).

محمد طه شعبان
2014-08-20, 05:52 PM
قوله: (وَيسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَذَلِكَ): أي: ويفعل في السجدة الثانية مثل ما فعل في الأولى.
قوله: (ثُمَّ يَنْهَضُ مُكَبِّرًا): ودليل ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه – المتقدم – وفيه: ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
قوله: (مُعْتَمِدًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ): واستدلوا على ذلك بحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَضُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
واستدلوا على ذلك - أيضًا – بحديث وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنَ السُّجُودِ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
والحديثان ضعيفان لا يرقيان للحجة.
والصحيح أنه يقوم معتمدًا على يديه؛ ودليل ذلك حديث أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الحُوَيْرِثِ، فَصَلَّى بِنَا فِي مَسْجِدِنَا هَذَا، فَقَالَ: إِنِّي لَأُصَلِّي بِكُمْ وَمَا أُرِيدُ الصَّلَاةَ، وَلَكِنْ أُرِيدُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، قَالَ أَيُّوبُ: فَقُلْتُ لِأَبِي قِلَابَةَ: وَكَيْفَ كَانَتْ صَلَاتُهُ؟ قَالَ: مِثْلَ صَلَاةِ شَيْخِنَا هَذَا - يَعْنِي عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ - قَالَ أَيُّوبُ: وَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْخُ يُتِمُّ التَّكْبِيرَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ عَنِ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ جَلَسَ وَاعْتَمَدَ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ قَامَ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
قوله: (فَإِنْ شَقَّ فَبِالْأَرْضِ): أي: إن شق عليه القيام من السجدة الثانية معتمدًا بيديه على ركبتيه، فليعتمد بيديه على الأرض.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((إذَا شَقَّ عَلَيْهِ النُّهُوضُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، فَلَا بَأْسَ بِاعْتِمَادِهِ عَلَى الْأَرْضِ بِيَدَيْهِ؛ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَ فِي هَذَا، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، وَقَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: "إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْخًا كَبِيرًا"؛ وَمَشَقَّةُ ذَلِكَ تَكُونُ لِكِبَرٍ، أَوْ ضَعْفٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ سِمَنٍ، وَنَحْوِهِ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))))اهـ.
قلت: والصحيح أن السنة الاعتماد على الأرض مطلقًا؛ في حالة المشقة وغيرها؛ لأن حديث مالك بن الحويرث مطلق، ولا مخصص له صحيح.
قوله: (فَيَأْتِي بِمِثْلِهَا): قال ابن قدامة رحمه الله: ((يَعْنِي يَصْنَعُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الصَّلَاةِ مِثْلَ مَا صَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى عَلَى مَا وُصِفَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ، ثُمَّ قَالَ: «افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))»، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ نَعْلَمُهُ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))))اهـ.
قوله: (غَيْرَ النِّيَّةِ وَالتَّحْرِيمَة ِ وَالِاسْتِفْتَا حِ وَالتَّعَوُّذِ، إِنْ كَانَ تَعَوَّذَ): أي: لا يأتي بهذه الأشياء؛ لأنه أتى بها في الركعة الأولى، وهي ليست مشروعة في غيرها؛ لأن ذلك يُراد لافتتاح الصلاة.
ويُستثنى من ذلك الاستعاذةُ؛ ففيها روايتان:
الأولى: لا يستعيذ إلا في الركعة الأولى فقط؛ إلا أن يكون نسيها في الركعة الأولى، فيأتي بها في الركعة الثانية، وهذه الرواية هي التي اختارها صاحب المتن هنا.
واستدلوا على ذلك بحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَهَضَ مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ اسْتَفْتَحَ الْقِرَاءَةَ بِـ"الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" وَلَمْ يَسْكُتْ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).
قالوا: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَسْتَفْتِحُ وَلَا يَسْتَعِيذُ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
واستدلوا أيضًا بحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ كَبَّرَ، ثُمَّ يَقُولُ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ»، ثُمَّ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ثَلَاثًا، ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا» ثَلَاثًا، «أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ، وَنَفْخِهِ، وَنَفْثِهِ»، ثُمَّ يَقْرَأُ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10)).
ففي هذا الحديث ذِكْرُ الاستعاذة عند القيام في الركعة الأولى فقط؛ ولو كانت مشروعة في غيرها لنُقِلَت.
والرواية الثانية: أنه يستعيذ في كل ركعة([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11)).
واستدلوا على ذلك بِعموم قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98].
ولكن القول الأول أرجح؛ لقوة أدلته، ولأن هذه الأحاديث كالمخصصة لعموم الآية، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم مُبيِّن للقرآن.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) متفق عليه: أخرجه البخاري (789)، ومسلم (392).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ضعيف: أخرجه الترمذي (288)، وقال: «خَالِدُ بْنُ إِيَاسٍ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ»، وفيه أيضًا: صالح مولى التوأمة؛ وهو ضعيف؛ لاختلاطه، إلا فيما رواه القدماء عنه كابن أبى ذئب، انظر: ((الإرواء)) (362).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ضعيف: وقد تقدم تخريجه والكلام عنه.

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) أخرجه البخاري (824).
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله في ((الأم)) (1/ 139) – بعد ما ذكر حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه -: «وَبِهَذَا نَأْخُذُ فَنَأْمُرُ مَنْ قَامَ مِنْ سُجُودٍ، أَوْ جُلُوسٍ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى الْأَرْضِ بِيَدَيْهِ مَعًا؛ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ أَشْبَهُ لِلتَّوَاضُعِ وَأَعْوَنُ لِلْمُصَلِّي عَلَى الصَّلَاةِ وَأَحْرَى أَنْ لَا يَنْقَلِبَ، وَأَيُّ قِيَامٍ قَامَهُ سِوَى هَذَا كَرِهْته»اهـ.

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((المغني)) (1/ 381).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) متفق عليه: أخرجه البخاري (6667)، ومسلم (397).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) ((المغني)) (1/ 381).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) أخرجه مسلم (599).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) ((المغني)) (1/ 381).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) أخرجه أحمد (11473)، وأبو داود (775)، والترمذي (242)، وقد تقدم.

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) ((المغني)) (1/ 382).

محمد طه شعبان
2014-08-20, 05:56 PM
قوله: (ثُمَّ يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا): أي: في الجلوس للتشهد في الركعة الثانية؛ ودليل ذلك حديث أبي حميد الساعدي المتقدم؛ وفيه: فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ اليُسْرَى، وَنَصَبَ اليُمْنَى([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
وَعَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في قصة المسيء صلاته - قَالَ: «إِذَا أَنْتَ قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ، فَكَبِّرِ اللَّهَ تَعَالَى، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ عَلَيْكَ مِنَ الْقُرْآنِ، فَإِذَا جَلَسْتَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ فَاطْمَئِنَّ، وَافْتَرِشْ فَخِذَكَ الْيُسْرَى ثُمَّ تَشَهَّدْ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
قوله: (وَسُنَّ وَضْعُ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَبْضُ الْخِنْصِرِ وَالْبِنْصِرِ مِنْ يُمْنَاهُ، وَتَحْلِيقُ إِبْهَامَهَا مَعَ الْوُسْطَى، وَإِشَارَتُهُ بِسَبَّابَتِهَا فِي تَشَهُّدٍ وَدُعَاءٍ عِنْدَ ذِكْرِ اللهِ مُطْلَقًا، وَبَسْطُ الْيُسْرَى، ثُمَّ يَتَشَهَّدُ): قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُصَلِّي إذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ: وَضْعُ الْيَدِ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِ الْيُسْرَى، مَبْسُوطَةً مَضْمُومَةَ الْأَصَابِعِ، مُسْتَقْبِلًا بِجَمِيعِ أَطْرَافِ أَصَابِعِهَا الْقِبْلَةَ، وَيَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، يَقْبِضُ مِنْهَا الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ، وَيُحَلِّقُ الْإِبْهَامَ مَعَ الْوُسْطَى، وَيُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ ؛ وَهِيَ الْإِصْبَعُ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))))اهـ.
ودليل ذلك حديث بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْتُ: لَأَنْظُرَنَّ إِلَى صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يُصَلِّي، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَتَا أُذُنَيْهِ، ثُمَّ أَخَذَ شِمَالَهُ، بِيَمِينِهِ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَهُمَا مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا، مِثْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا سَجَدَ وَضَعَ رَأْسَهُ بِذَلِكَ الْمَنْزِلِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، ثُمَّ جَلَسَ، فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى، وَحَدَّ مِرْفَقَهُ الْأَيْمَنَ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَقَبَضَ ثِنْتَيْنِ وَحَلَّقَ حَلْقَةً. وَرَأَيْتُهُ يَقُولُ: هَكَذَا: وَحَلَّقَ بِشْرٌ الْإِبْهَامَ وَالْوُسْطَى وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وروى مسلم عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَعَدَ يَدْعُو، وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، وَوَضَعَ إِبْهَامَهُ عَلَى إِصْبَعِهِ الْوُسْطَى، وَيُلْقِمُ كَفَّهُ الْيُسْرَى رُكْبَتَهُ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
وفي لفظ لمسلم أيضًا: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَعَدَ فِي الصَّلَاةِ...
وَعند مسلم أيضًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَرَفَعَ إِصْبَعَهُ الْيُمْنَى الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ، فَدَعَا بِهَا، وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ بَاسِطَهَا عَلَيْهَا([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
وفي لفظ لمسلم أيضًا: كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ، وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى.
وأما قوله: (وَإِشَارَتُهُ بِسَبَّابَتِهَا فِي تَشَهُّدٍ وَدُعَاءٍ عِنْدَ ذِكْرِ اللهِ مُطْلَقًا)؛ أي: يشير بالسبابة عِنْد ذكر لفظ الله تَعَالَى تَنْبِيها على التَّوْحِيد (مُطلقًا) أَي: فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا؛ وهذا مما لا دليل عليه.
قوله: (فَيَقُولُ: "التَّحِيَّاتُ للهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ، وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ"): عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قال: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْنَا: السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ، فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ؛ فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ؛ فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ؛ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))».
وكلام المؤلف يدل على أنه يُقْتَصَرُ على التشهد في الجلسة الأولى، دون السلام على النبي صلى الله عليه وسلم - وهو المذهب - واستدلوا على ذلك بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَالرَّضْفُ: هِيَ "الْحِجَارَةُ الْمُحْمَاةُ"؛ يَعْنِي لِمَا يُخَفِّفُهُ؛ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُطَوِّلْهُ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى التَّشَهُّدِ شَيْئًا([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9))))اهـ.
والصحيح، أنه لا يقتصر على التشهد فقط في الجلسة الأولى؛ وإنما يأتي بالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا؛ ودليل ذلك عموم الأدلة.
فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ رضي الله عنه، فَقَالَ: أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً؟ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: «فَقُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))».
وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: أَمَرَنَا اللهُ تَعَالَى أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُولُوا اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))».
فهذه أحاديث عامة؛ تشمل التشهد الأول والثاني؛ ولا مخصص لها؛ وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه، "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ"، فهو حديث ضعيف لا يُحتج به؛ للانقطاع بين أبي عبيدة وبين أبيه عبد الله بن مسعود؛ ثم لو صح فلا حجة فيه أيضًا.
قال الشوكاني رحمه الله:
((وَغَايَةُ مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى تَخْصِيصِ الْأَخِيرِ بِهَا حَدِيثُ: «إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْلِسُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوْسَطِ كَمَا يَجْلِسُ عَلَى الرَّضْفِ»؛ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا مَشْرُوعِيَّةُ التَّخْفِيفِ؛ وَهُوَ يَحْصُلُ بِجَعْلِهِ أَخَفَّ مِنْ مُقَابِلِهِ - أَعْنِي التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ - وَأَمَّا إنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِه ِ فِيهِ فَلَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِ التَّشَهُّدَاتِ وَعَلَى أَخْصَرِ أَلْفَاظِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُسَارِعًا غَايَةَ الْمُسَارَعَةِ؛ بِاعْتِبَارِ مَا يَقَعُ مِنْ تَطْوِيلِ الْأَخِيرِ بِالتَّعَوُّذِ مِنَ الْأَرْبَعِ وَالْأَدْعِيَةِ الْمَأْمُورِ بِمُطْلَقِهَا وَمُقَيَّدِهَا فِيهِ([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12))))اهـ.
واستدلوا أيضًا على عدم مشروعية السلام على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأوسط بأنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أَنه كَانَ يفعل ذَلِك فِيهِ وَلَا علمه للْأمة([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13)).
وقد أجاب العلامة الألباني رحمه الله تعالى على هذا الاستدلال بقوله: ((وأما الجواب عن قولهم: إنه لم يثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يفعل ذلك فيه؛ فهو
المعارَضَةُ بأن يقال: كذلك لم يثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يفعل ذلك في التشهد الأخير؛ أفيدل ذلك على عدم المشروعية؟ كلا.
وتوضيح ذلك: أن الأمور الشرعية تثبت إما بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو بفعله، أو بتقريره، وليس من الضروري أن تجتمع هذه الأمور الثلاثة في إثبات أمر واحد اتفاقًا([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14))))اهـ.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) أخرجه البخاري (828).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه أبو داود (860)، وحسن إسناده الألباني في ((أصل صفة الصلاة)) (832).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((المغني)) (1/ 383).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) أخرجه أحمد (18876)، وأبو داود (726)، والنسائي (1265)، وصحح إسناده الألباني في ((أصل صفة الصلاة)) (829).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) أخرجه مسلم (579).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) أخرجه مسلم (580).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) متفق عليه: أخرجه البخاري (831)، ومسلم (402).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) أخرجه أحمد (3656)، وأبو داود (995)، والترمذي (366)، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، إِلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ»، والنسائي في ((المجتبى)) (1176)، وفي ((الكبرى)) (766)، وأعله النووي في ((المجموع)) (3/ 460)، وابن حجر في ((التلخيص)) (3/ 506)، بالانقطاع، وقال الألباني في ((أصل صفة الصلاة)) (3/ 909): «ضعيف لا يصح الاحتجاج به؛ لأنه من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، ولم يسمع منه»اهـ.

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) ((المغني)) (1/ 385).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) متفق عليه: أخرجه البخاري (6357)، ومسلم (406).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) أخرجه مسلم (405).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) ((نيل الأوطار)) (2/ 333).

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) ذكره ابن القيم رحمه الله في كتابه ((جِلاء الأفهام)) (360)، عند عرضه لأدلة هذا القول.

[14] (http://majles.alukah.net/#_ftnref14))) ((أصل صفة الصلاة)) (3/ 911).

محمد طه شعبان
2014-08-20, 05:59 PM
قوله: (ثُمَّ يَنْهَضُ فِي مَغْرِبٍ وَرُبَاعِيَّةٍ مُكَبِّرًا): ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه – وقد تقدم – وفيه: وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الجُلُوسِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
وكان يرفع يديه مع هذا التكبير؛ ودليل ذلك حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أنه كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"، رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ. وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
قوله: (وَيُصَلِّي الْبَاقِي كَذَلِكَ): وَالباقي هُوَ رَكْعَة من مغرب وثنتان من ربَاعِية (كَذَلِك) أَي: كالركعة الثَّانِيَة.
قوله: (سِرًّا): قال الإمام النووي رحمه الله: ((فَالسُّنَّةُ الْجَهْرُ فِي رَكْعَتِي الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَفِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَالْإِسْرَارُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَثَالِثَةِ الْمَغْرِبِ، وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ مِنَ الْعِشَاءِ؛ وَهَذَا كُلُّهُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، مَعَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَظَاهِرَة ِ عَلَى ذَلِكَ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))))اهـ.
قوله: (مُقْتَصِرًا عَلَى الْفَاتِحَةِ): أي: فيما تبقى بعد الركعتين الأوليين؛ ودليل ذلك حديث أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وهذا مجمع عليه.
قوله: (ثُمَّ يَجْلِسُ مُتَوَرِّكًا): ودليل ذلك حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه – وقد تقدم – وفيه: فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ اليُسْرَى، وَنَصَبَ اليُمْنَى، وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ اليُسْرَى، وَنَصَبَ الأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
وفي لفظ: حَتَّى إِذَا كَانَتِ السَّجْدَةُ الَّتِي فِيهَا التَّسْلِيمُ أَخَّرَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَقَعَدَ مُتَوَرِّكًا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
وَعَنْ الزُّبَيْرِ بن العوام رضي الله عنه، قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَعَدَ فِي الصَّلَاةِ، جَعَلَ قَدَمَهُ الْيُسْرَى تَحْتَ فَخْذِهِ الْيُمْنَى وَسَاقِهِ، وَفَرَشَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخْذِهِ الْيُمْنَى، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).
قوله: (فَيَأْتِي بِالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ): أي: يأتي في الجلسة الأخيرة بالتشهد الذي قاله في الجلسة الأولى.
قوله: (ثُمَّ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ"): عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ رضي الله عنه، فَقَالَ: أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً؟ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: «فَقُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9))».
وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: أَمَرَنَا اللهُ تَعَالَى أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُولُوا اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))».
قوله: (وَسُنَّ أَنْ يَتَعَوَّذَ، فَيَقُولُ: "أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ"): ودليل ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الْآخِرِ، فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))».
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ»، قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ، حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12))».
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُولُ قُولُوا: «اللهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ». قَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ: بَلَغَنِي أَنَّ طَاوُسًا قَالَ لِابْنِهِ: "أَدَعَوْتَ بِهَا فِي صَلَاتِكَ؟ فَقَالَ: لَا، قَالَ: أَعِدْ صَلَاتَكَ"؛ لِأَنَّ طَاوُسًا رَوَاهُ عَنْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ، أَوْ كَمَا قَالَ([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13)).

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) متفق عليه: أخرجه البخاري (789)، ومسلم (392).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه البخاري (739).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((المجموع)) (3/ 389).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) متفق عليه: أخرجه البخاري (776)، ومسلم (451).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) أخرجه البخاري (828).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) أخرجه أحمد (23599)، وأبو داود (730)، وابن ماجه (1061)، وصححه الألباني في ((أصل صفة الصلاة)) (3/ 981).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) هنا (وفرش قدمه اليمنى)، وفي حديث أبي حميد المتقدم: (ونصب اليمنى)؛ فدل على أنه كان أحيانًا ينصب رجله اليمنى في التورك، وأحيانًا كان يفرشها، وهذا أروح لها. انظر: ((شرح مسلم)) للنووي (5/ 80)، و((زاد المعاد)) (1/ 236)، و((أصل صفة الصلاة)) (3/ 988، 989).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) أخرجه مسلم (579)، وأبو داود (988).
ولفظ مسلم: (جَعَلَ قَدَمَهُ الْيُسْرَى بَيْنَ فَخْذِهِ الْيُمْنَى وَسَاقِهِ)؛ قال العلامة الألباني رحمه الله في ((أصل صفة السلاة)) (3/ 982): ((وقال أبو داود وأبو عوانة: (تحت) بدل: (بين)؛ ولعله أوضح في المعنى، والمراد أنه كان يجعل قدمه اليسرى تحت فخذه وساقه اليمنى))اهـ.

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) متفق عليه: أخرجه البخاري (6357)، ومسلم (406).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) أخرجه مسلم (405).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1377)، ومسلم (588).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) متفق عليه: أخرجه البخاري (832)، ومسلم (589).

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) أخرجه مسلم (590).

محمد طه شعبان
2014-08-20, 06:00 PM
قوله: (وَتَبْطُلُ بِدُعَاءٍ بِأَمْرِ الدُّنْيَا): أي: لو دعى المصلي بأمر من أمور الدنيا في صلاته – سواء في السجود، أو بعد التشهد قبل اسلام - فإن صلاته تبطل؛ وإنما عليه أن يلتزم بالأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا ما ذهب إليه المؤلف؛ وقد أخذوه مما ورد عن الإمام أحمد رحمه الله؛ قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَحْمَدَ: بِمَاذَا أَدْعُو بَعْدَ التَّشَهُّدِ؟ قَالَ: بِمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ، قُلْتُ لَهُ: أَوَلَيْسَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنَ الدُّعَاءِ مَا شَاءَ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))»؟ قَالَ: يَتَخَيَّرُ مِمَّا جَاءَ فِي الْخَبَرِ. فَعَاوَدْتُهُ فَقَالَ: مَا فِي الْخَبَرِ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
والراجح – والله أعلم – أن له أن يدعو بخيري الدنيا والآخرة؛ ولا يلزمه أن يتقيد بما ورد في السنة فقط؛ وذلك لأن الأحاديث الواردة في الباب عامة، ولا مخصص لها.
وهو ما رجحه العلامة ابن عثيمين رحمه الله؛ حيث قال رحمه الله: ((والصحيح، أنه لا بأس أن يدعو بشيء يتعلَّق بأمور الدُّنيا؛ وذلك لأن الدُّعاء نفسه عبادة؛ ولو كان بأمور الدنيا، وليس للإنسان ملجأ إلا الله، وإذا كان الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم يقول: «أقربُ ما يكون العبدُ مِن ربِّه وهو ساجد([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))»، ويقول: «أمَّا السُّجودُ فأكثروا فيه مِن الدُّعاء فَقَمِنٌ أن يُستجاب لكم([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))»، ويقول في حديث ابن مسعود لما ذَكَرَ التَّشهُّدَ: «ثم ليتخيَّر مِن الدُّعاء ما شاء»، والإنسان لا يجد نفسه مقبلًا تمام الإقبال على الله إلا وهو يُصلِّي، فكيف نقول: لا تسأل الله وأنت تُصلِّي شيئًا تحتاجه في أمور دنياك! هذا بعيد جدًّا([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))))اهـ.
ثم لو قلنا: بأنه لا يُشرع الدعاء إلا بما ورد في السنة، ففرق بين عدم الجواز وبين الإبطال؛ لأننا لو قلنا: بأن قوله صلى الله عليه وسلم: «ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنَ الدُّعَاءِ مَا شَاءَ»، أن المقصود به الدعاء الوارد في السنة، نقول: ولكن ليس فيه دليل على إبطال صلاة من دعا بما لم يرد في السنة.
وهو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ قال رحمه الله: ((وَمِنَ الدُّعَاءِ مَا يَكُونُ مَكْرُوهًا وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَمِنْهُ مَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ؛ فَالدُّعَاءُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ: الَّذِي يُشْرَع هُوَ الْوَاجِبُ وَالْمُسْتَحَبّ ُ. وَأَمَّا الْمُبَاحُ فَلَا يُسْتَحَبُّ وَلَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ. وَالْمَكْرُوهُ يُكْرَهُ وَلَا يُبْطِلُهَا كَالِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ وَكَمَا لَوْ تَشَهَّدَ فِي الْقِيَامِ أَوْ قَرَأَ فِي الْقُعُودِ. وَالْمُحَرَّمُ يُبْطِلُهَا؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْكَلَامِ.
وَهَذَا تَحْقِيقُ قَوْلِ أَحْمَدَ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُبْطِلِ الصَّلَاةَ بِالدُّعَاءِ غَيْرِ الْمَأْثُورِ؛ لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَحِبَّهُ؛ إذْ لَا يُسْتَحَبُّ غَيْرُ الْمَشْرُوعِ؛ وَبَيَّنَ أَنَّ التَّخْيِيرَ عَادَ إلَى الْمَشْرُوعِ، وَالْمَشْرُوعُ يَكُونُ بِلَفْظِ النَّصِّ وَبِمَعْنَاهُ؛ إذْ لَمْ يُقَيِّدِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّعَاءَ بِلَفْظِ وَاحِدٍ كَالْقِرَاءَةِ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))))اهـ.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) متفق عليه: أخرجه البخاري (835)، ومسلم (402)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ وفي لفظ للبخاري: «ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ، فَيَدْعُو»، وفي لفظ له أيضًا: «ثُمَّ يَتَخَيَّرْ بَعْدُ مِنَ الكَلاَمِ مَا شَاءَ».

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ذكره ابن تيمية رحمه الله في ((مجموع الفتاوى)) (22/ 474)، وقال: هذا معنى كلام أحمد.

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) أخرجه مسلم (482).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) أخرجه مسلم (479).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((الشرح الممتع)) (3/ 206).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((مجموع الفتاوى)) (22/ 476).

محمد طه شعبان
2014-08-20, 06:01 PM
قوله: (ثُمَّ يَقُولُ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ عَنْ يَسَارِهِ: "السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ"، مُرَتَّبًا مُعَرَّفًا وُجُوبًا): عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ»، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
وَعَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدَّيْهِ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
ولا بد أن يأتي بالسلام على الترتيب الوارد في السنة، معرَّفًا بالألف واللام، وذلك على الوجوب.
قوله: (وَامْرَأَةٌ كَرَجُلٍ): أي: في جميع أحكام الصلاة المذكورة؛ إذ ليس هناك دليل يفرق بين الرجل والمرأة في تلك الأحكام.
قوله: (لَكِنْ تَجْمَعُ نَفْسَهَا وَتَجْلِسُ مُتَرَبِّعَةً أَوْ مُسْدِلَةً رِجْلَيْهَا عَنْ يَمِينِهَا، وَهُوَ أَفْضَلُ): أي: على المرأة أن تفعل هذا في الصلاة؛ إذا جلست جلست متربعة أو جاعلة رجليها في جانب يمينها – وهو الإسدال – واستدلوا على ذلك بما رواه ابن أبي شيبة عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: كُنَّ نِسَاءُ ابْنِ عُمَرَ يَتَرَبَّعْنَ فِي الصَّلَاةِ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
قلت: وهذا الأثر ضعيف؛ لأن فيه عبد الله بن عمر العمري؛ وهو ضعيف؛ فالصحيح أنه لا فرق بين الرجل والمرأة في الجلوس.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) أخرجه أحمد (3699)، وأبو داود (996)، والنسائي (1142)، وابن ماجه (914)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (326).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه مسلم (582).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (2789)، قال الألباني رحمه الله في ((أصل صفة الصلاة)) (3/ 1040): ((وأما ما رواه الإمام أحمد في "مسائل ابنه عبد الله عنه" (ص 71) عن ابن عمر: أنه كان يأمر نساءه يتربعن في الصلاة. فلا يصح إسناده؛ لأن فيه عبد الله بن عمر العمري، وهو ضعيف. وروى البخاري في "التاريخ الصغير" (ص 95) بسند صحيح عن أم الدرداء: "أنها كانت تجلس في صلاتها جِلْسَةَ الرجل". وكانت فقيهة))اهـ.

محمد طه شعبان
2014-08-21, 12:29 AM
قوله: (وَكُرِهَ فِيهَا: الْتِفَاتٌ وَنَحْوُهُ بِلَا حَاجَةٍ): شَرَعَ المؤلف في ذكر مكروهات الصلاة؛ والمكروه هو: "ما نهى عن الشارع لا على سبيل الحتم والإلزام" وحكمه هنا: أنه لا يبطل الصلاة، ولكن يُلام فاعله؛ لأنه خالف السُّنَّة.
فذكر المكروه الأول؛ وهو الالتفات بلا حاجة؛ ودليل ذلك حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: «هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ العَبْدِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
أما إذا كان الالتفات لحاجة فلا يكره؛ ودليل ذلك حديث جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ، فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا فَرَآنَا قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْنَا فَقَعَدْنَا([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
قوله: (وَإِقْعاءٌ): ومن مكروهات الصلاة أيضًا الإقعاءُ؛ ودليل ذلك حديث سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْإِقْعَاءِ فِي الصَّلَاةِ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)). وعُقبة الشيطان هو الإقعاء.
وَالإِقْعاءُ قد فسره علماء اللغة والفقه بأَنْ يُلْصِقَ الرجُلُ ألْيَتَيه بِالْأَرْضِ، ويَنْصِب ساقَيه وفَخِذَيه، ويَضَع يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا يُقْعِي الكلْب([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
وهذه الصفة قد اتفق العلماء على كراهتها وعدم جوازها.
قال ابن عبد البر رحمه الله: ((إِلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدٍ قَالَ: "الْإِقْعَاءُ جُلُوسُ الرَّجُلِ عَلَى أَلْيَتِهِ نَاصِبًا فَخْذَيْهِ مِثْلَ إِقْعَاءِ الْكَلْبِ وَالسَّبُعِ"؛ وَهَذَا إِقْعَاءٌ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ لَا يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِيهِ؛ وَهُوَ تَفْسِيرُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))))اهـ.
وقال النووي رحمه الله: "عُقْبَةُ الشَّيْطَانِ" فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)) وَغَيْرُهُ بِالْإِقْعَاءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ؛ وَهُوَ أَنْ يُلْصِقَ أَلْيَيْهِ بِالْأَرْضِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا يَفْرِشُ الْكَلْبُ وَغَيْرُهُ مِنَ السِّبَاعِ ... وَهُوَ مَكْرُوهٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).
وهناك صفة أخرى للإقعاء؛ وهي: نصب القدمين ووضع الأليتين على العقبين.
وهذه الصفة قد اختلف فيها أهل العلم؛ فكرهها بعضهم واستحبها بعضهم؛ والصحيح أنها مستحبة وأنَّ فعلها بين السجدتين – أحيانًا - من السُّنَّة؛ ودليل ذلك ما رواه طَاوُسٌ، قال: قُلْنَا لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ؛ فَقَالَ: هِيَ السُّنَّةُ، فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّا لَنَرَاهُ جَفَاءً بِالرَّجُلِ؛ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَلْ هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
وفي رواية للبيهقي؛ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَنِ انْتِصَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَصُدُورِ قَدَمَيْهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ إِذَا صَلَّى: عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ الْمَكِّيُّ، عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ أَبِي الْحَجَّاجِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ يَذْكُرُهُ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ وَاللهِ إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ هَذَا جَفَاءً مِمَّنْ صَنَعَهُ، قَالَ: فَقَالَ: إِنَّهَا لَسُنَّةٌ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10)).
ففي هذه الرواية توضيح لصفةِ الإقعاء المستحب.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، أَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما إِذَا سَجَدَ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الْأُولَى يَقْعُدُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11)).
قال النووي رحمه الله: ((وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ الْإِقْعَاءِ وَفِي تَفْسِيرِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا؛ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ؛ وَالصَّوَابُ الَّذِي لَا مَعْدِلَ عَنْهُ أَنَّ الْإِقْعَاءَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُلْصِقَ أَلْيَتَيْهِ بِالْأَرْضِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ؛ هَكَذَا فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى وَصَاحِبُهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ وَآخَرُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ؛ وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ الْمَكْرُوهُ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ النَّهْيُ. وَالنَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يَجْعَلَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَهَذَا هُوَ مُرَادُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما بِقَوْلِهِ: سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12))))اهـ.
إذًا؛ هناك صفتان للإقعاء؛ صفة قد اتُّفِق على كراهتها؛ وهي المذكرة أولًا؛ وصفة اختُلف فيها؛ والصواب استحبابها بين السجدتين –أحيانًا -؛ للأدلة المذكورة.
قال ابن خزيمة رحمه الله: ((بَابُ إِبَاحَةِ الْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ، وَهَذَا مِنْ جِنْسِ اخْتِلَافِ الْمُبَاحِ؛ فَجَائِزٌ أَنْ يُقْعِيَ الْمُصَلِّي عَلَى الْقَدَمَيْنِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ، وَجَائِزٌ أَنْ يَفْتَرِشَ الْيُسْرَى وَيَنْصِبَ الْيُمْنَى([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13))))اهـ.
قوله: (وَافْتِرَاشُ ذِرَاعَيْهِ سَاجِدًا): ويكره للمصلي أن يفترش ذراعية في السجود؛ أي: يمدهما على الأرض ملصقًا لهما بها؛ ودليل ذلك حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلَا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الكَلْبِ([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14))».
وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا سَجَدْتَ، فَضَعْ كَفَّيْكَ وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15))».
قوله: (وَعَبَثٌ): ويُكره العبث في الصلاة؛ باتفاق أهل العلم([16] (http://majles.alukah.net/#_ftn16))؛ لأنه ينافي الخشوع؛ وقد قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:1].
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رضي الله عنه، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِي المَاءِ وَالطِّينِ، حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ([17] (http://majles.alukah.net/#_ftn17)).
فترك النبي صلى الله عليه وسلم مسح جبهته في الصلاة من أثر الطين؛ لأنه عبث.
قال ابن رجب رحمه الله: ((وقد اتفقوا على أن تركه – أي: مسح الجبهة - في الصلاة أفضل؛ فإنه يشبه العبث([18] (http://majles.alukah.net/#_ftn18))))اهـ.
وَعَنْ مُعَيْقِيبٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ، قَالَ: «إِنْ كُنْتَ فَاعِلًا فَوَاحِدَةً([19] (http://majles.alukah.net/#_ftn19))».
قال النووي رحمه الله: ((وَهَذَا نَهْيُ كَرَاهَةِ تَنْزِيهٍ فِيهِ كَرَاهَتُهُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي التَّوَاضُعَ وَلِأَنَّهُ يَشْغَلُ الْمُصَلِّي([20] (http://majles.alukah.net/#_ftn20))))اهـ.
قوله: (وَتَخَصُّرٌ): ويكره التخصر في الصلاة؛ وهو وضع اليدين على الخاصرة؛ وهي المستَرقُّ من البطن فوق الوركين.
ودليل ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا([21] (http://majles.alukah.net/#_ftn21)).
قوله: (وَفَرْقَعَةُ أَصَابِعٍ): ويُكره فرقعة الأصابع في الصلاة؛ لأنه من العبث؛ ودليل ذلك حديث شُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَفَقَعْتُ أَصَابِعِي، فَلَمَّا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ قَالَ: لَا أُمَّ لَكَ، تُقَعْقِعُ أَصَابِعَكَ وَأَنْتَ فِي الصَّلَاةِ([22] (http://majles.alukah.net/#_ftn22)).
قوله: (وَتَشْبِيكُهَا) : ويُكره تشبيك الأصابع في الصلاة؛ ودليل ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ كَانَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يَرْجِعَ، فَلَا يَقُلْ هَكَذَا»، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ([23] (http://majles.alukah.net/#_ftn23)).
وَعَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: سَأَلْتُ نَافِعًا، عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي وَهُوَ مُشَبِّكٌ يَدَيْهِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: تِلْكَ صَلَاةُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ([24] (http://majles.alukah.net/#_ftn24)).
(وَكَونُهُ حَاقِنًا، وَنَحْوُهُ): وتُكره صلاة الحاقن؛ وهو الذي يُدافعه الأخبثان – وهما البول والعائط -؛ ودليل ذلك حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ([25] (http://majles.alukah.net/#_ftn25))».
ونحو الحاقن؛ كمحتبس الريح؛ أيضًا تكره صلاته؛ لأنه في معنى الحاقن؛ لأن العلة هي شغل النفس عن الخشوع في الصلاة؛ ومحتبس الريح في ذلك كالحاقن.
قوله: (وَتَائِقًا لِطَعَامٍ وَنَحْوِهِ): ودليل ذلك حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا – المتقدم - قَالَتْ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ» .
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَحَضَرَ العَشَاءُ، فَابْدَءُوا بِالعَشَاءِ([26] (http://majles.alukah.net/#_ftn26))».
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ، وَلَا يَعْجَلَنَّ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ([27] (http://majles.alukah.net/#_ftn27))».
ونحو التائق للطعام؛ كالطائق للشراب والجماع؛ أيضًا تُكره صلاته؛ لأنه في معناه؛ لأن العلة هي شغل النفس عن الصلاة؛ والتائق للشراب والجماع كالتائق للطعام في ذلك.[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) أخرجه البخاري (751).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه مسلم (413).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) أخرجه الطبراني في ((الكبير)) (6957)، وفي ((الأوسط)) (4468)، والحاكم في ((المستدرك)) (1005)، والبيهقي في ((الكبير)) (2739)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (6864).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) أخرجه مسلم (498).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) انظر: ((غريب الحديث)) لأبي عبيد القاسم بن سلام (1/ 210)، و((النهاية في غريب الحديث)) (4/ 89)، و((المغني)) (1/ 376).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((الاستذكار)) (1/ 481).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) هو معمر بن المثنى، شيخ أبي عبيد القاسم بن سلام، وقد نقل كلامه هذا أبو عبيد في كتابه ((غريب الحديث)) (1/ 210).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) ((شرح مسلم)) (4/ 214، 215).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) أخرجه مسلم (536).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) البيهقي في ((الكبرى))، وقال الألباني في ((أصل صفة الصلاة)) (2/ 802): إسناده جيد.

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) أخرجه الطبراني في ((الأوسط)) (8752)، والبيهقي في ((الكبير)) (2735)، وحسن إسناده الألباني في ((أصل صفة الصلاة)) (2/ 803).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) ((شرح مسلم)) (5/ 19).

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) ((صحيح ابن خزيمة)) (1/ 338).

[14] (http://majles.alukah.net/#_ftnref14))) متفق عليه: أخرجه البخاري (822)، ومسلم (493).

[15] (http://majles.alukah.net/#_ftnref15))) أخرجه مسلم (494).

[16] (http://majles.alukah.net/#_ftnref16))) ((المغني)) (2/ 9).

[17] (http://majles.alukah.net/#_ftnref17))) متفق عليه: أخرجه البخاري (836)، ومسلم (1167).

[18] (http://majles.alukah.net/#_ftnref18))) ((فتح الباري)) له (7/ 357).

[19] (http://majles.alukah.net/#_ftnref19))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1207)، ومسلم (546).

[20] (http://majles.alukah.net/#_ftnref20))) ((شرح مسلم)) (5/ 37).

[21] (http://majles.alukah.net/#_ftnref21))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1220)، ومسلم (545).

[22] (http://majles.alukah.net/#_ftnref22))) أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (7280)، وحسن إسناده الألباني في ((الإرواء)) (2/ 99).

[23] (http://majles.alukah.net/#_ftnref23))) أخرجه الدارمي (1446)، وابن خزيمة (447)، والحاكم في ((المستدرك)) (744)، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ»، ووافقه الذهبي، وقال الألباني في ((الثمر المستطاب)) (2/ 647):«وهو كما قالا».

[24] (http://majles.alukah.net/#_ftnref24))) أخرجه أبو داود (993)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (380).

[25] (http://majles.alukah.net/#_ftnref25))) أخرجه مسلم (560).

[26] (http://majles.alukah.net/#_ftnref26))) أخرجه البخاري (671)، وفي ((الصحيحين)) بمثله عن أنس رضي الله عنه.

[27] (http://majles.alukah.net/#_ftnref27))) متفق عليه: أخرجه البخاري (673)، ومسلم (559).

محمد طه شعبان
2014-08-21, 12:34 AM
قوله: (وَإِذَا نَابهُ شَيْءٌ، سَبَّحَ رَجُلٌ، وَصَفَّقَتِ امْرَأَةٌ بِبَطْنِ كَفَّهَا عَلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى): وإذا ناب المأموم شيئًا في الصلاة؛ كأن يسهو الإمام فيزيد أو يُنقص، سبح الرجل وصفقت المرأة؛ لتنبيه الإمام؛ ودليل ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلَغَهُ أَنَّ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، كَانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ فِي أُنَاسٍ مَعَهُ، فَحُبِسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَانَتِ الصَّلَاةُ، فَجَاءَ بِلَالٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حُبِسَ، وَقَدْ حَانَتِ الصَّلَاةُ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَؤُمَّ النَّاسَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنْ شِئْتَ، فَأَقَامَ بِلَالٌ، وَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَكَبَّرَ لِلنَّاسِ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي فِي الصُّفُوفِ، حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ، فَأَخَذَ النَّاسُ فِي التَّصْفِيقِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَفَتَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَأْمُرُهُ: أَنْ يُصَلِّيَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَرَجَعَ القَهْقَرَى وَرَاءَهُ حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا لَكُمْ حِينَ نَابَكُمْ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ، أَخَذْتُمْ فِي التَّصْفِيقِ؛ إِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ، مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَقُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ حِينَ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ إِلَّا التَفَتَ، يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ لِلنَّاسِ حِينَ أَشَرْتُ إِلَيْكَ؟»، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
قوله: (وَيُزِيلُ بُصَاقًا وَنَحْوَهُ بِثَوْبِهِ): وإذا وجد في المسجد بصاقًا أو نحوه كمخاط أو نخامة، فليزلْها بثوبه أو بحصاة أو بأي شيء يزيلها؛ ودليل ذلك حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَحَكَّهَا بِحَصَاةٍ، ثُمَّ نَهَى أَنْ يَبْزُقَ الرَّجُلُ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ أَمَامَهُ، وَلَكِنْ يَبْزُقُ، عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))».
قوله: (وَيُبَاحُ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ عَنْ يَسَارِهِ، وَيُكْرَهُ أَمَامَهُ وَيَمِينَهُ): أي: يباح أن يبصق وهو يصلي في غير المسجد عن يساره، ويُكره أن يبصق أمامه أو عن يمينه؛ ودليل ذلك حديث أبي سعيد المتقدم؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَبْزُقَ الرَّجُلُ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ أَمَامَهُ، وَلَكِنْ يَبْزُقُ، عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى.
هذا، إن كان يصلي في غير المسجد؛ فله أن يبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى؛ وأما إن كان يصلي في المسجد، فلا يبصق إلا في ثوبه؛ وليس له أن يبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى؛ ودليل ذلك حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «البُزَاقُ فِي المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))».
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي القِبْلَةِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ، فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ، فَقَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ - أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ - فَلَا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ؛ وَلَكِنْ عَنْ شِمَالِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ [وفي لفظ للبخاري: وَلَكِنْ عَنْ شِمَالِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ اليُسْرَى] ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ، فَبَصَقَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: «أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))».
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَإِذَا بَدَرَهُ الْبُصَاقُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ بَصَقَ فِي ثَوْبِهِ وَيَحُكُّ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ يَبْصُقُ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))))اهـ.
وقال النووي رحمه الله: ((وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلْيَبْزُقْ تَحْتَ قَدَمِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ»؛ هَذَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَمَّا الْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَبْزُقْ إِلَّا فِي ثَوْبِهِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ»؛ فَكَيْفَ يَأْذَنُ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَإِنَّمَا نَهَى عَنِ الْبُصَاقِ عَنِ الْيَمِينِ تَشْرِيفًا لَهَا ... وَاعْلَمْ أَنَّ الْبُزَاقَ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ احْتَاجَ إِلَى الْبُزَاقِ أَوْ لَمْ يَحْتَجْ؛ بَلْ يَبْزُقُ فِي ثَوْبِهِ، فَإِنْ بَزَقَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَدِ ارْتَكَبَ الْخَطِيئَةَ؛ وَعَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ هَذِهِ الْخَطِيئَةَ بِدَفْنِ الْبُزَاقِ؛ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ أَنَّ الْبُزَاقَ خَطِيئَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))))اهـ.
وقال ابن حجر رحمه الله: ((وَلَوْ كَانَ تَحْتَ رِجْلِهِ مَثَلًا شَيْءٌ مَبْسُوطٌ أَوْ نَحْوُهُ، تَعَيَّنَ الثَّوْبُ، وَلَوْ فَقَدَ الثَّوْبَ مَثَلًا فَلَعَلَّ بَلْعَهُ أَوْلَى مِنَ ارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8))))اهـ.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1203)، ومسلم (422).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1234)، ومسلم (421).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) متفق عليه: أخرجه البخاري (408)، ومسلم (548).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) متفق عليه: أخرجه البخاري (415)، ومسلم (552).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) متفق عليه: أخرجه البخاري (405)، ومسلم (551).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((المغني)) (2/ 11).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) ((شرح مسلم)) (5/ 39- 41).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) ((فتح الباري)) (1/ 511).

محمد طه شعبان
2014-08-21, 12:36 AM
فَصْلٌ

وَجُمْلَةُ أَرْكَانِهَا أَرْبَعَةُ عَشَرَ:
الْقِيَامُ، وَالتَّحْرِيمَة ُ، وَالْفَاتِحَةُ، وَالرُّكُوعُ، وَالِاعْتِدَالُ عَنْهُ، وَالسُّجُودُ، وَالِاعْتِدَالُ عَنْهُ، وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ، وَالطُّمَأْنِين َةُ، وَالتَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ، وَجِلْسَتُهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالتَّسْلِيمَت َانِ، وَالتَّرْتِيبُ.
وَوَاجِبَاتُهَا ثَمَانِيَةٌ:
التَّكْبِيرُ غَيْرُ التَّحْرِيمَةِ، وَالتَّسْمِيعُ، وَالتَّحْمِيدُ، وَتَسْبِيحُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ، وَقَولُ: ((رَبِّ اغْفِرْ لِي)) مَرَّةً مَرَّةً، وَالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ، وَجِلْسَتُهُ.
وَمَا عَدَا ذَلِكَ وَالشُّرُوطَ: سُنَّةٌ.
فَالرُّكْنُ وَالشَّرْطُ لَا يَسْقُطَانِ سَهْوًا وَجَهْلًا؛ وَيَسْقُطُ الْوَاجِبُ بِهِمَا.

أم علي طويلبة علم
2014-08-21, 02:55 AM
قال الألباني رحمه الله: ((هذا الحديث لا يدل على أن المؤتم لا يشارك الإمام في قوله: "سمع الله لمن حمده"؛ كما لا يدل على أن الإمام لا يشارك المؤتم في قوله: "ربنا ولك الحمد"؛ إذ إن الحديث لَمْ يُسَقْ لبيان ما يقوله الإمام والمؤتم في هذا الركن؛ بل لبيان أن تحميد المؤتم إنما يكون بعد تسميع الإمام؛ ويؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول التحميد وهو إمام([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9))؛ وكذلك عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» يقتضي أن يقول المؤتم ما يقوله الإمام كالتسميع وغيره([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))))اهـ.
وفي رواية أخرى عن أحمد جواز الزيادة على التحميد.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وعنه: ما يدل على استحباب قول: «ملء السماء» وهو اختيار أبي الخطاب؛ لأنه ذكر مشروع للإمام، فشرع للمأموم كالتكبير([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))))اهـ.


قوله: «ومأموم في رفعه» ، أي: أنَّ المأمومَ يقول في حال الرَّفْعِ: «رَبَّنا ولك الحمدُ» أما الإِمامُ والمنفردُ فيقول في رَفْعِهِ: «سَمِعَ اللهُ لمَن حَمِدَه».

قوله: «فقط» بمعنى: فحسب، يعني: لا يزيد على ذلك، فيقتصر على ذلك ويقفُ ساكتاً، والدَّليلُ قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا قال الإِمامُ: سَمِعَ اللهُ لمن حِمِدَه؛ فقولوا: ربَّنا ولك الحمدُ». ولكن عند التأمل نجد أنَّ هذا القولَ ضعيفٌ، وأنَّ الحديثَ لا يدلُّ عليه، وأنَّ المأموم ينبغي أن يقول كما يقول الإِمامُ والمنفردُ، يعني: يقول بعد رَفْعِهِ: «مِلءَ السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد» وذلك لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قال الإِمام: سمع الله لمن حمده؛ فقولوا: ربَّنا ولك الحمدُ» فَجَعَلَ قولَ المأموم: «رَبَّنا ولك الحمدُ» معادلاً لقول الإمام: «سَمِعَ اللهُ لمَن حَمِدَه»، والإِمام يقول: «سَمِعَ اللهُ لمَن حَمِدَه» في حال الرَّفْعِ، فيكون المأموم في حال الرَّفْعِ يقول: «رَبَّنا ولك الحمدُ»، أما بعد القيام فيقول: «مِلءَ السماوات...» إلخ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «صَلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي» وهذا هو القول الرَّاجح في هذه المسألة.

وعُلِمَ مِن كلام المؤلِّف: أنَّ المأمومَ لا يقول: «سَمِعَ اللهِ لمَن حَمِدَه» وهو كذلك.
فإذا قال قائل: ما الجوابُ عن قوله صلّى الله عليه وسلّم: «صَلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي»، وقد كان يقول: «سَمِعَ اللهُ لمَن حَمِدَه» فيقتضي أنَّ المأمومَ يقول ذلك؟.
فالجوابُ على هذا سهلٌ: وهو أن قوله صلّى الله عليه وسلّم: «صَلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي» عامٌ، وأما قوله صلّى الله عليه وسلّم: «وإذا قال: سَمِعَ اللهُ لمَن حَمِدَه»، فقولوا: «رَبَّنا ولك الحمدُ» فهذا خاصٌّ، والخاصُّ يقضي على العامِّ، فيكون المأموم مُستثنى مِن هذا العموم بالنسبة لقول: «سَمِعَ الله لمَن حَمِدَه» فإنه يقول: رَبَّنا ولك الحمدُ.

وظاهرُ كلام المؤلِّف: أنَّه لا يزيدُ على هذا الذِّكر بعد القيام مِن الرُّكوع، ولكن الصَّحيح أنه يزيد ما جاءت به السُّنَّةُ مثل: «أهلَ الثناءِ والمَجْدِ، أحقُّ ما قال العبدُ، وكلُّنا لك عَبدٌ، اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا أعطِيتَ، ولا مُعطيَ لما منعتَ، ولا ينفعُ ذا الجَدِّ منك الجَدُّ».

وعلى هذا، فالظَّاهرُ: أنَّ المؤلِّف حذفَ هذه الجملةَ اقتصاراً أو اختصاراً، إن كان اختصاراً فالمعنى: أن المؤلِّف اقتصر على بعض الذِّكر الوارد، وإذا كان اقتصاراً فالمعنى: أن المؤلِّفَ يرى ألا يقول سواها، بل يقتصر على هذا. ولكن الذي يظهر أنه حذفها اقتصاراً؛ لأن المقام مقام ذِكْرٍ، والذِّكرُ ينبغي أن يُذكر كلُّ ما فيه؛ إلا أن يدَّعي مُدَّعٍ أن المؤلِّف رأى أنَّ هذا الكتابَ مختصرٌ فاختصرَ.

تتمة: لم يذكر المؤلِّفُ رحمه الله ماذا يصنع بيديه بعد الرَّفع من الرُّكوع، هل يعيدهما على ما كانتا عليه قبل الرُّكوعِ؛ فيضعُ يدَه اليُمنى على ذراعه اليُسرى، أو يرسلهما؟
والمنصوص عن الإِمام أحمد رحمه الله: أن الإِنسان يُخيَّر بين إرسالهما، وبين وَضْعِ اليد اليُمنى على اليُسرى. وكأن الإِمام أحمد رحمه الله رأى ذلك؛ لأنه ليس في السُّنَّة ما هو صريح في هذا، فرأى أنَّ الإِنسان مخيَّرٌ. وهذا كما يقول بعض العلماء في مثل هذه المسألة: الأمرُ في ذلك واسع. ولكن الذي يظهر أن السُّنَّة وَضْعُ اليد اليُمنى على ذراع اليُسرى؛ لعموم حديث سهل بن سعد الثابت في «صحيح البخاري»: «كان الناس يؤمرون أن يضع الرَّجُل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة» فإنك إذا نظرتَ لعموم هذا الحديث: «في الصَّلاة» ولم يقل في القيام تبيَّن لك أن القيام بعد الرُّكوع يُشرع فيه الوضع، لأن الصَّلاةَ اليدان فيها حال الركوع: تكونان على الرُّكبتين، وفي حال السُّجودِ: على الأرض، وفي حال الجلوس: على الفخذين، وفي حال القيام ـ ويشمل ما قبل الرُّكوعِ وما بعدَ الرُّكوعِ ـ يَضَعَ الإِنسانُ يدَه اليُمنى على ذراعِهِ اليُسرى، وهذا هو الصحيح.



الشرح الممتع (3/ 101 - 104 )

أم علي طويلبة علم
2014-08-21, 03:23 AM
(الصور منقوله ) - فإن كان هناك ملاحظات ارجو التنبيه على ذلك - : ارجو أن يكون الشرح المصور( للتورك - الافتراش - الإقعاء ) واضحا :


http://majles.alukah.net/imgcache/2014/08/116.jpg (http://www.google.com.kw/url?sa=i&rct=j&q=&esrc=s&source=images&cd=&cad=rja&uact=8&docid=YqxwxlV58Bi2CM&tbnid=CvqOTQ4Wek3x7M:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fajurry.com%2F home%2F%25D8%25A7%25D9%2584%25 D9%2586%25D9%2587%25D9%258A-%25D8%25B9%25D9%2586-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AA %25D8%25B4%25D8%25A8%25D9%2587-%25D8%25A8%25D8%25A7%25D9%2584 %25D8%25AD%25D9%258A%25D9%2588 %25D8%25A7%25D9%2586%25D8%25A7 %25D8%25AA-%25D9%2581%25D9%258A-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B5 %25D9%2584%25D8%25A7%25D8%25A9 %2F&ei=azv1U8j0DIjhPIvRgOAF&bvm=bv.73231344,d.ZWU&psig=AFQjCNGHtwFlaqlRCOEYUrilB N7yoBhwtw&ust=1408666853082155)


http://majles.alukah.net/imgcache/2014/08/117.jpg (http://www.google.com.kw/url?sa=i&rct=j&q=&esrc=s&source=images&cd=&cad=rja&uact=8&docid=-2cotmVhcn7FzM&tbnid=hPLq6DW3YlY4-M:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fakhawat.islam way.net%2Fforum%2Findex.php%3F showtopic%3D248735&ei=gDv1U-_fC4G6O5zNgOAB&bvm=bv.73231344,d.ZWU&psig=AFQjCNGHtwFlaqlRCOEYUrilB N7yoBhwtw&ust=1408666853082155)

أم علي طويلبة علم
2014-08-21, 05:40 AM
...وقوله: «ثم يَخِرُّ مكبِّراً ساجداً» . «مكبراً» حال من فاعل «يَخِرُّ» والحال الأصل فيها أنها مقارنة للفعل، فإذا قلت مثلاً: جاء زيدٌ راكباً، فركوبُه حين مجيئه، فيكون التَّكبير إذاً حالَ الخُرور من القيام إلى السُّجودِ، وكذلك جميع تكبيرات الانتقال، محلُّها ما بين الرُّكنِ الذي انتقلتَ منه، والرُّكن الذي انتقلتَ إليه، وقد سبق لنا البحث في هذا.

ولم يذكر المؤلِّفُ رحمه الله رَفْعَ اليدين، فهل هذا مِن باب الاختصار، أو الاقتصار، أو العمد؟
الجواب: الثالث من باب العَمْد؛ لأن رَفْعَ اليدين عند السُّجودِ ليس بسُنَّة، فقد ثبت في «الصحيحين» من حديث ابن عُمرَ رضي الله عنهما ـ وهو مِن أشدِّ النَّاسِ حِرصاً على السُّنَّةِ، وأضبط النَّاسِ لها ـ أنه ذكر «أنَّ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم كان يرفع يديه إذا كَبَّرَ للإِحرام، وإذا كَبَّرَ للرُّكوع، وإذا رَفَعَ من الرُّكوع قال: وكان لا يفعل ذلك في السُّجودِ» يعني: لا إذا سَجَدَ، ولا إذا قام من السُّجودِ. والرَّجُلُ قد ضَبَطَ وفَصَّلَ وبَيَّنَ، وليس هذا من باب النفي المجرَّد، هذا نفيٌ يدلُّ على إثبات تَرْكِ الفعل؛ لأن الرَّجُلَ قد تحرَّى الصَّلاةَ وضَبَطَ تكبيرَه ورَفْعَه عند الدُّخول في الصَّلاةِ، وعند الرُّكوع، وعند الرَّفع منه، فأثبت التَّكبيرَ والرَّفْعَ في ثلاثة مواضع، ونَفَى الرَّفعَ في السُّجود وعند القيام من السُّجود. وعلى هذا؛ فليس من السُّنَّة أن يرفعَ يديه إذا سَجَدَ.
وقد رُويَ عن النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنه كان يرفع يديه في كلِّ خَفْضٍ ورَفْعٍ.
ولكن الحافظ ابن القيم رحمه الله ذكر أن هذا وَهْمٌ، وأن صواب الحديث: «كان يكبِّرُ في كلِّ خَفْضٍ ورَفْعٍ» ووَجْهُ الوَهْمِ فيه حديثُ ابن عُمر؛ فإنه صريحٌ بعدم الرَّفْعِ عند السُّجودِ، وعند الرَّفْعِ من السُّجودِ، وليس هذا من باب تعارض مثبت ومنفي؛ حتى نقول بالقاعدة المشهورة: إن المثبتَ مقدَّم على النَّافي؛ لأنَّ النفي هنا في قوة الإِثبات، فإنه رَجُلٌ يحكي عن عَمَلٍ واحد فَصَّلَه، قال: هذا فيه كذا وأثبته، وهذا ليس فيه كذا ونَفَاه، وفَرْقُ بين النَّفْي المطلق وبين النَّفْي المقرون بالتفصيل، فإن النَّفْيِ المقرون بالتفصيل دليلٌ على أن صاحبَه قد ضَبَطَ حتى وصل إلى هذه الحال، عرف ما ثبت فيه الرَّفْعُ وما لم يثبت فيه الرَّفْعُ، وعلى هذا فنقول: إن حديث ابن عُمرَ الثابتَ في «الصحيحين» مقدَّمٌ على ذلك الحديث الضَّعيف، والوهم فيه قريب.

فإذا قال قائل: ما الفَرْقُ بين الهوي للرُّكوعِ والهوي للسُّجودِ، أليس كلٌّ منهما انتقالاً من أعلى إلى أسفل؟
فالجواب: بلى، ولكن العبادات مبنيَّة على التوقيف، فلا قياس فيها، ولو دخل القياس في صفات العبادات، وما أشبهها لضاع انضباطُ النَّاسِ، ولصار كلُّ إنسان يقيس على ما يريد، أو على ما يظنُّ أن القياسَ فيه تامُّ الأركان، ويضيع الاتفاق بين الأمة في عبادتهم التي يتقرَّبون بها إلى الله عزّ وجل.

وقوله: «ساجداً» . حال من فاعل «يَخِرُّ» ولكنها حالٌ لاحقة؛ لأن هذه الحال ـ أعني: السجود ـ لا تكون في حال الخُرور، ولكنها تكون بعد انتهاء الخُرور، فهي حالٌ لاحقة، والسُّجود بحيث تتساوى أطرافه العليا والسُّفلى، فلو فُرض أنه سَجَدَ على شيء مرتفع منزلق، وصار إلى القعود أقرب منه إلى السجود، فإن ذلك لا يُعَدُّ سجوداً، فلا بُدَّ من تساوي الأعالي والأسافل، أو على الأقل أن يكون إلى السُّجودِ التام أقربَ منه إلى الجلوس التام؛ فيما لو كانت الأرض متصاعدة.

قوله: «على سبعة أعضاء: رجليه، ثم ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته مع أنفه» .
قال: «سبعة أعضاء» وبيَّنها قال: رجليه، ثم ركبتيه، ـ أربعة.
ثم يديه ـ ستة.
ثم جبهته مع أنفه ـ سبعة.
والواقع أن الجبهة والأنف ليسا شيئاً واحداً، لكن الرسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ألحق الأنفَ بالجبهة إلحاقاً، والدَّليل على ذلك: حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «أُمِرْتُ أن أسجُدَ على سَبْعَة أعظُم: على الجبهة ـ وأشار بيده على أنفه ـ، واليدين، والرُّكبتين، وأطراف القدمين، ولا نَكْفِتَ الثِّيابَ والشَّعْرَ» وهنا لو كان الأنفُ من الجبهة حكماً وحقيقةً ما أشار إليه، ولو كان عضواً مستقلاً لنصَّ عليه، وجَعَله مستقلاً، فكانت الأعضاءُ ثمانية. إذاً فهو تابع، فهو من الجبهة حُكماً لا حقيقة، ولهذا أشار إليه النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إشارة...

... وقوله: «ثم جبهته مع أنفه» لم يقل: جبهته وأنفه، أو ثم أنفه، بل قال: «مع» إشارة إلى أنَّ الأنفَ تابعٌ مصاحبٌ وهو كذلك.

وبقي علينا نَظَرٌ آخر في هذه العبارة، فقوله: «على سبعة أعضاء،... رجليه» أليس هو قائماً على رجليه مِن الأصل؟
الجواب: أنه رُبَّما يرفعهما إذا سَجَدَ، ولهذا نصَّ عليهما حتى لا يرفعهما...

... قوله: «ولو مع حائلٍ ليسَ من أعضاءِ سجودِهِ» أي: يَسجُد على الأرض؛ ولو مع حائل ليس مِن أعضاء السُّجودِ. والحائل: يشمَلُ الثوبَ، والغُترةَ، والمشلحَ، وما كان مِن جنس الأرضِ، وما كان من غير جنسها فهو عامٌّ، لكن لا بُدَّ أن يكون طاهراً؛ لأنه لا يمكن السُّجود على النَّجِسِ؛ إذ إن مِن شرط الصَّلاةِ كما سَبَقَ اجتنابُ النجاسة.

قوله: «ليسَ من أعضاءِ سجودِهِ» أي: لا يجوز أن يسجد على حائلٍ من أعضاء السُّجود: بأن يضع جبهته على كفَّيه مثلاً، أو يضع يديه بعضهما على بعض، أو يضع رجليه بعضهما على بعض، لأنه إذا فَعَلَ ذلك فكأنما سَجَدَ على عضوٍ واحدٍ.

وقوله رحمه الله: «ولو مع حائلٍ ليسَ من أعضاءِ سجودِهِ» : لم يبيِّن حُكمَ السُّجودِ على حائلٍ إذا كان مِن غير أعضاء السُّجودِ، إنما بَيَّنَ أنَّ السجودَ يجزئُ مع الحائل، فما حُكم وَضْعِ الحائل؟
قال أهلُ العلم: إن الحائل ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون متَّصلاً بالمصلِّي، فهذا يُكره أن يسجدَ عليه إلا مِنْ حَاجةٍ مثل: الثَّوب الملبوس، والمشلح الملبوس، والغترة، وما أشبهها، ودليل ذلك:
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كُنَّا نُصَلِّي مَع النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في شِدَّة الحَرِّ، فإذا لم يستطع أحدُنا أن يُمكِّنَ جبهتَه مِن الأرض؛ بَسَطَ ثوبَه فَسَجَدَ عليه».
فقوله: «إذا لم يستطع أحدُنا أن يُمكِّنَ» دَلَّ على أنَّهم لا يفعلون ذلك مع الاستطاعة، ثم التعبير بـ«إذا لم يستطع»؛ يدلُّ على أنه مكروه، لا يُفعل إلا عند الحاجة.

القسم الثاني: أن يكون منفصلاً، فهذا لا بأس به ولا كراهة فيه؛ لأنه ثَبَتَ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنه صَلَّى على الخُمْرَة .
والخُمْرة: عبارة عن خَصيف مِن النَّخْلِ، يسعُ جبهةَ المصلِّي وكفِّيه فقط، وعلى هذا فتكون الحوائل ثلاثة أقسام:
1 ـ قسم مِن أعضاء السُّجود، فهذا السُّجودُ عليه حرام، ولا يجزئ السُّجود.
2 ـ قسم من غير أعضاء السجود؛ لكنه متَّصل بالمصلِّي، فهذا مكروه، ولو فُعِلَ لأجزأ السُّجود؛ لكن مع الكراهة.
3 ـ قسم منفصل، فهذا لا بأس به، ولكن قال أهل العِلم: يُكره أن يخصَّ جبهته فقط بما يسجد عليه.
وعلَّلوا ذلك: بأن هذا يشابه فِعْلَ الرافضة في صلاتِهم، فإن الرافضة يتَّخذون هذا تديناً يُصلُّون على قطعة من المَدَر كالفخَّار يصنعونها مما يسمونه «النَّجف الأشرف»، يضعون الجبهة عليه فقط، ولهذا تَجِدُ عند أبواب مساجدهم «دواليب» ممتلئة من هذه الحجارة، فإذا أراد الإنسان أن يدخل المسجد أخذ حجارة ليسجد عليها، ومنهم من يفعل ذلك؛ لأنه يرى أنه لا يجوز السجود إلا على شيء من جنس الأرض، فلا يجوز السجود على الفراش ولو من خصيف النخل، مع أنه ثبت عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنه سجد على خصيف النخل، كما في حديث أنس حينما غَسَل للنبيِّ صلّى الله عليه وسلّم الحصير الذي اسْوَدَّ من طُولِ ما لُبِسَ وصَلَّى عليه صلّى الله عليه وسلّم.

والسُّجود على هذه الأعضاء السَّبعة واجب في كل حال السُّجود، بمعنى أنه لا يجوز أن يرفع عضواً من أعضائه حال سجوده، لا يداً، ولا رِجْلاً، ولا أنفاً، ولا جبهة، ولا شيئاً من هذه الأعضاء السبعة. فإن فَعَلَ؛ فإن كان في جميع حال السجود فلا شَكَّ أن سجوده لا يصحُّ؛ لأنه نقص عضواً من الأعضاء التي يجب أن يسجد عليها.
وأمَّا إن كان في أثناء السجود؛ بمعنى أن رَجُلاً حَكَّته رِجْلُهُ مثلاً فَحَكَّها بالرِّجْلِ الأخرى فهذا محلُّ نظر، قد يُقال: إنها لا تصحُّ صلاته لأنه تَرَكَ هذا الرُّكن في بعض السجود.
وقد يُقال: إنه يجزئه لأن العبرة بالأَعمِّ والأكثر، فإذا كان الأعمُّ والأكثر أنه ساجد على الأعضاء السبعة أجزأه، وعلى هذا فيكون الاحتياط: ألا يرفع شيئاً وليصبر حتى لو أصابته حِكة في يده مثلاً، أو في فخذه، أو في رِجْلِهِ فليصبر حتى يقومَ من السُّجود.


...والحكمة مِن السُّجودِ: أنه مِن كمال التعبُّد لله والذُّلِّ له، فإن الإنسان يضع أشرف ما فيه وهو وجهه؛ بحذاء أسفل ما فيه وهو قدمه.
وأيضاً: يضعه على موطء الأقدام، يفعل كلَّ هذا تعبُّداً لله تعالى وتقرُّباً إليه.
ومِن أجل هذا التَّطامن والنزول الذي فَعَلَهُ لله تعالى صار أقرب ما يكون الإنسان من رَبِّه وهو ساجد، مع أنه لو قام لكان أعلى وأقرب، لكن لنزوله لله عزَّ وجلَّ صار أقرب إلى الله، «فما تواضعَ أحدٌ لله إلا رَفَعَهُ اللَّهُ».
هذه هي الحكمة والسِّرُّ في هذا السجود العظيم، ولهذا ينبغي لنا أن تسجد قلوبُنا قبل أن تسجدَ جوارحنا؛ بأن يشعر الإنسان بهذا الذُّلِّ والتَّطامن والتواضع لله عزَّ وجلَّ، حتى يدرك لذَّةَ السُّجود وحلاوته، ويعرف أنَّه أقرب ما يكون إلى الله.
وهذا المعنى قد يغفل عنه أصحابُ الظَّواهر الذين يريدون أن يُجمِّلُوا الطاعات بظاهرها، وهم يُحمدون على هذا، ولا شَكَّ أنَّنا مأمورون أن نُجَمِّلَ الطاعات بظواهرها، بتمام الاتِّباعِ وكماله، لكن هناك شيءٌ آخر يَغْفُلُ عنه كثيرٌ من الناس؛ ويعتني به أربابُ السُّلوكِ، وهو تكميل الباطن؛ بحيث يركعُ القلبُ قبل رُكوع البدن، ويسجد قبل سجودِ البدن، ولكن قد يُقصِّر أربابُ السُّلوكِ الذين يعتنون بالبواطن في إصلاح الظواهر؛ فتجدهم يُخِلُّون كثيراً في إصلاح الظواهر، والكمال هو إصلاح الأمرين جميعاً؛ والعنايةُ بكمالهما جميعاً؛ بكمال البواطن وكمال الظواهر.

وإنِّي والله، وأشهد الله، أننا لو أقمنا الصَّلاةَ كما ينبغي؛ لكُنَّا كُلَّما خرجنا من صلاة؛ نخرج بإيمان جديد قوي؛ لأن الله يقول: {{اتْلُ مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}} الآية .

لكن؛ نسألُ اللهَ أن يعاملنا بعفوه؛ ندخل فيها بقلب ونخرج بقلب، هو القلب الأول؛ لأننا لا نأتي بما ينبغي أن نأتيَ به مِن خضوع القلب وحضوره؛ وشعوره بهذه التنقُّلات؛ التي هي رياض متنوِّعة وأفعال مختلفة، وأقوال هي ما بين قراءة كلام الله عزَّ وجلَّ، وذكره وتعظيمه، وتكبيره ودعائه، والثناء عليه، ووصفه بأكمل الصفات «التحيات لله والصلوات... إلخ»، فهي رياض عظيمة، لكن فينا قصور مِن جهة مراعاة هذه الأسرار.
وقد وَرَدَ في الحديث: «إن الله حَرَّمَ على النَّار أن تأكل أثَرَ السُّجود» فيمن يدخل النارَ من العُصاة؛ لأن عُصاةَ المؤمنين إذا لم يَتُبِ الله عليهم، ولم يكن لهم حسنات ترجح على سيئاتهم، فإنهم يُعذَّبون بالنار بقَدْرِ ذنوبهم؛ لكن أعضاء السُّجود محترمة لا تأكلها النار، ولا تؤثر فيها، ولهذا قال بعضهم:
يا ربِّ أعضاءَ السُّجودِ أعتقتَها
مِن فَضْلِكَ الوافي وأنت الباقي
والعتقُ يسري في الغني يا ذا الغنى
فامْنُنْ على الفاني بعتق الباقي
فتوسَّلَ إلى الله بعتق هذه الأعضاء إلى أن يعتق جميعَ البَدَنِ لسريان العتق إليه.


الشرح الممتع ملخصا ( 3 / 106 -120 )

أم علي طويلبة علم
2014-08-21, 06:25 AM
قوله: «ويجافي عضديه عن جنبيه» . الفاعل المُصلِّي السَّاجد، يجافي عضديه عن جنبيه، يعني: يبعدهما؛ لأنه ثَبَتَ عن النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أنه كان يفعل ذلك، حتى إنَّ الصحابة يرِقُّون له من شدَّة مجافاته صلوات الله وسلامه عليه، وحتى إنه ليُرى بياضُ إبطه من شدَّة مجافاته، وحتى إنه لو شاءت أن تمرَّ البَهْمَةُ ـ وهي صغار الغنم ـ من تحته لمرَّت من شدَّة مجافاته.

ويُسْتثنى من ذلك: ما إذا كان في الجماعة؛ وخشي أن يؤذي جاره، فإنه لا يُستحبُّ له؛ لأذيَّة جاره، وذلك لأن هذه المجافاة سُنَّةٌ، والإيذاء أقلُّ أحواله الكراهة، ولا يمكن أن يفعل شيء مكروه مؤذٍ لجاره مشوِّش عليه من أجل سُنَّة، ولهذا استثنى العلماء رحمهم الله ذلك، فقالوا: ما لم يؤذِ جاره، فإن آذى جاره فلا يفعل. ولكن اعلمْ أنك متى تركت السُّنَّةَ لدرء المفسدة ـ والله يعلم أنه لولا ذلك لفعلت ـ فإنه يكتب لك أجرها، فإن الرَّجُلَ إذا تَرَكَ العملَ لله عوَّضه الله عزَّ وجلَّ، بل حتى إذا تركه بغير اختياره، قال صلّى الله عليه وسلّم: «إذا مَرِضَ العبدُ، أو سافرَ، كُتِبَ له مثلُ ما كان يعملُ مقيماً صحيحاً».

قوله: «وبطنَه عن فَخِذَيهِ» . أي: يرفعه عن فخذيه، وكذلك أيضاً يرفع الفخذين عن الساقين، فهذه ثلاثة أشياء:

1 ـ التَّجافي بالعَضُدين عن الجنبين.
2 ـ وبالبطن عن الفخذين.
3 ـ وبالفخذين عن السَّاقين.

ولهذا قال النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «اعتدلوا في السُّجود» أي: اجعلوه سجوداً معتدلاً، لا تهصرون فينزل البطنُ على الفخذ، والفخذ على السَّاق، ولا تمتدُّون أيضاً؛ كما يفعل بعضُ الناس إذا سجد يمتدُّ حتى يَقْرُبَ من الانبطاح، فهذا لا شَكَّ أنه من البدع، وليس بسُنَّة، فما ثَبَتَ عن النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، ولا عن الصَّحابةِ ـ فيما نعلم ـ أن الإنسان يمدُّ ظهره في السُّجود، إنما مدُّ الظهر في حال الرُّكوع. أما السجود فإنه يرتفع ببطنه ولا يمدُّه.

قوله: «ويفرق ركبتيه» . أي: لا يضمُّ ركبتيه بعضهما إلى بعض، بل يفرِّقُهما، وأما القدمان فقد اختلف العلماءُ في ذلك:

فمِن العلماء من يقول: إنه يفرِّق قدميه أيضاً، لأن القدمين تابعان للساقين والرُّكبتين، فإذا كانت السُّنَّة تفريق الرُّكبتين، فلتكن السُّنَّة أيضاً تفريق القدمين، حتى إن بعض الفقهاء ـ رحمهم الله ـ قدَّروا ذلك بأن يكون بينهما مقدار شبر بالتفريق.
ولكن الذي يظهر مِن السُّنَّة: أن القدمين تكونان مرصوصتين، يعني: يرصُّ القدمين بعضهما ببعض، كما في «الصحيح» من حديث عائشة حين فَقَدَتِ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم فوقعت يدُها على بطن قدميه ، وهما منصوبتان، وهو ساجد. واليد الواحدة لا تقع على القدمين إلا في حال التَّراصِّ، وقد جاء ذلك أيضاً في «صحيح ابن خزيمة» في حديث عائشة المتقدِّم: «أنَّ الرسولَ صلّى الله عليه وسلّم كان رَاصًّا عقبيه». وعلى هذا؛ فالسُّنَّةُ في القدمين هو التَّراصُّ بخلاف الرُّكبتين واليدين.

ولم يذكرِ المؤلِّفُ ـ رحمه الله ـ هنا محلَّ اليدين، ولكنه ذَكَرَه في أول باب صفة الصلاة حين قال: «يرفع يديه حَذوَ منكبيه كالسُّجود».
وعلى هذا؛ يكون موضع اليدين على حذاء المنكبين، وإن شاء قدَّمهما وجعلهما على حذاء الجبهة، أو فُروع الأذنين؛ لأن كلَّ هذا مما جاءت به السُّنَّةُ...

قوله: «ويقول: سبحان ربي الأعلى» . أي: حال السُّجودِ يقول: «سبحان ربي الأعلى» وقد سَبَقَ معنى التسبيح، وما الذي يُسبَّح الله عنه، أي: يُنَزَّه عنه.
وأما قوله: «رَبِّي الأعلى» دون أن يقولَ رَبِّيَ العظيم؛ لأن ذِكْرَ علوِ الله هنا أنسب من ذكر العظمة، لأن الإنسان الآن أنزل ما يكون، لذا كان من المناسب أن يُثني على الله بالعلو، وانظر إلى الحكمة والمناسبة في هذه الأمور، كيف كان الصَّحابةُ في السفر إذا علوا شيئاً كَبَّروا، وإذا هبطوا وادياً سَبَّحوا ؛ لأن الإنسان إذا علا وارتفع قد يتعاظم في نفسه ويتكبَّر ويعلو، فمناسبٌ أن يقول: «الله أكبر» لِيُذكِّرَ نفسَه بكبرياء الله عزَّ وجلَّ، أما إذا نزل فإن النزول نقص، فكان ذِكْرُ التسبيح أَولى؛ لتنزيه الله عزَّ وجلَّ عن النقص الذي كان فيه الآن، فكان من المناسب أن يُذَكِّرَ الإنسانُ نفسَه بِمَنْ هو أعلى منها...

... قوله: «ثم يرفع رأسه مكبِّراً» . أي: يرفعُ رأسَه وما يتبعه من اليدين «مكبِّراً» حال من فاعل «يرفع». وعلى هذا؛ فيكون التَّكبيرُ في حال الرَّفْعِ؛ لأن هذا التكبير تكبيرُ انتقال، وتكبيرات الانتقال كلُّها تكون ما بين الرُّكنين، لا يبدأ بها قبلُ، ولا يؤخِّرها إلى ما بعدُ؛ لأنه إنْ بدأها قبلُ أدخلها على أذكار الرُّكن الذي انتقلَ منه، وإن أخَّرها أدخلها على أذكار الرُّكن الذي انتقلَ إليه، فالسُّنَّةُ أن يكون التَّكبيرُ في حال الانتقال.

قوله: «ويجلس مفترشاً يسراه» . «يجلس»: أي: بعد السَّجدة الأُولى «مفترشاً يسراه» أي: يُسرى رِجليه، أي: جاعلاً إيَّاها كالفراش، والفراش يكون تحت الإنسان، أي: يضعها تحته مفترشاً لها لا جالساً على عقبيه، بل يفترشها، وعليه؛ فيكون ظهرُها إلى الأرض وبطنُها إلى أعلى.

قوله: «ناصباً يُمناه» . أي: جاعلها منتصبة، والمراد: القدم، وحينئذٍ لا بُدَّ أن يخرجها من يمينه، فتكون الرِّجلُ اليُمنى مخرجة من اليمين، واليسرى مُفتَرشةً، أي: أنه يجلس بين السَّجدتين هكذا، لا يجلس متورِّكاً وهذه الصفة متفق عليها...

... قوله: «ويقول: رَبِّ اغفرْ لي» أي: يقول حال جلوسه: رَبِّ اغفرْ لي، أي: يا رَبِّ، اغفرْ لي. واقتصر ـ رحمه الله ـ على الواجب.
ولكن الصحيح أنه يقول كلَّ ما ذُكر عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «ربِّ اغفرْ لي، وارحمني، (وعافني)، واهدني، وارزقني» أو «اجبرني» بدل «ارزقني» وإن شاء جمع بينهما؛ لأن المقام مقام دعاء...

... فهذه المعاني التي تُذكر في الأدعية ينبغي للإنسان أن يستحضرها. فإن قال قائل: أليس يغني عن ذلك كله أن يقول: «اللَّهُمَّ ارحمني»؟ لأنَّ الرحمة عند الإطلاق: بها حصولُ المحبوب وزوال المكروه؟
فالجواب: بلى، لكن مقام الدُّعاء ينبغي فيه البسط، لكن على حسب ما جاءت به السُّنَّة، وليس البسط بالأدعية المسجوعة التي ليس لها معنى، أو يكون لها معنى غير صحيح.
وإنما كان البسط مشروعاً في الدُّعاء لأسباب:
1 ـ لأنّ الدُّعاء عبادة، وكلما ازددتَ من العبادة ازددتَ خيراً.
2 ـ أنَّ الدُّعاء مناجاة لله عزّ وجل، وأحبُّ شيء للمؤمن هو الله عزّ وجل، ولا شكَّ أنَّ كثرةَ المناجاة مع الحبيب مما تزيد الحُبَّ.
3 ـ أن يستحضر الإنسانُ ذنوبَه على وجه التفصيل، لأن للذُّنوب أنواعاً، فإذا زِيدَ في الدُّعاء استحضرت، ولهذا كان من دُعاء الرسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «اللَّهُمَّ اغْفِر لي ذنبي كُلَّهُ، دِقَّهُ وجِلَّهُ، وأوَّلَهُ وآخرهُ، وعلانيتَهُ وسِرَّهُ».


الشرح الممتع ملخصا ( 3 / 120 - 132 )

محمد طه شعبان
2014-08-21, 07:52 AM
(الصور منقوله ) - فإن كان هناك ملاحظات ارجو التنبيه على ذلك - : ارجو أن يكون الشرح المصور( للتورك - الافتراش - الإقعاء ) واضحا :


http://majles.alukah.net/imgcache/2014/08/116.jpg (http://www.google.com.kw/url?sa=i&rct=j&q=&esrc=s&source=images&cd=&cad=rja&uact=8&docid=YqxwxlV58Bi2CM&tbnid=CvqOTQ4Wek3x7M:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fajurry.com%2F home%2F%25D8%25A7%25D9%2584%25 D9%2586%25D9%2587%25D9%258A-%25D8%25B9%25D9%2586-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AA %25D8%25B4%25D8%25A8%25D9%2587-%25D8%25A8%25D8%25A7%25D9%2584 %25D8%25AD%25D9%258A%25D9%2588 %25D8%25A7%25D9%2586%25D8%25A7 %25D8%25AA-%25D9%2581%25D9%258A-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B5 %25D9%2584%25D8%25A7%25D8%25A9 %2F&ei=azv1U8j0DIjhPIvRgOAF&bvm=bv.73231344,d.ZWU&psig=AFQjCNGHtwFlaqlRCOEYUrilB N7yoBhwtw&ust=1408666853082155)


http://majles.alukah.net/imgcache/2014/08/117.jpg (http://www.google.com.kw/url?sa=i&rct=j&q=&esrc=s&source=images&cd=&cad=rja&uact=8&docid=-2cotmVhcn7FzM&tbnid=hPLq6DW3YlY4-M:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fakhawat.islam way.net%2Fforum%2Findex.php%3F showtopic%3D248735&ei=gDv1U-_fC4G6O5zNgOAB&bvm=bv.73231344,d.ZWU&psig=AFQjCNGHtwFlaqlRCOEYUrilB N7yoBhwtw&ust=1408666853082155)
لا شك أن هذا إقعاء، ولكن القدمين هنا مفروشان وليسا منصوبين.

أم علي طويلبة علم
2014-08-22, 12:37 AM
بارك الله فيكم ، ولكن أليس ما في الصورة صفة للإقعاء ، وما ذكرتم صفة أخرى للإقعاء ؟

أم علي طويلبة علم
2014-08-22, 02:05 AM
قوله: «ويسجد الثانية كالأُولى» .أي: في القول والفعل، يعني: فيما يُقال فيها من الأذكار، وما يُفعل فيها من الأفعال...

وهل يقرأ القرآن وهو ساجد؟
الجواب: لا، لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم نُهِيَ أن يقرأ القرآن وهو راكع، أو ساجد ، اللهم إلا إذا دعا بجملة من القرآن مثل: {{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ *}} فهذا لا يضرُّ، لأن المقصود به الدُّعاء.

قوله: «ثم يرفع مكبِّراً ناهضاً على صدور قدميه» . أي: من السجدة الثانية «مكبِّراً» حال من فاعل «يرفع» فيكون التكبير في حال الرَّفْعِ...

قوله: «معتمداً على ركبتيه إن سهل» أي: وإن لم يَسْهُلْ عليه فإنه يعتمدُ على الأرض، ويبدأ بالنُّهوض مِن السُّجود بالجبهة والأنف، ثم باليدين؛ فيضعهما على الرُّكبتين، ثم ينهض على صدور القدمين. هذا هو السُّنَّةُ على ما قاله المؤلِّف ـ رحمه الله ـ وهو المذهب...

قوله: «ويصلي الثانية كذلك» . أي: يُصلِّي الركعةَ الثانية كالأُولى. وعلى هذا؛ فالثانية صفة لموصوف محذوف والتقدير كالركعة الثانية.

قوله: «كذلك» ، أي: يصلِّيها كالأُولى، يعني: في القيام والرُّكوعِ والسُّجودِ والجلوسِ، وما يُقال فيها.

قوله: «ما عدا التحريمة» ، أي: تكبيرة الإحرام؛ لأن التحريمة تُفتتح بها الصَّلاةُ، وقد اسْتُفْتِحَتْ، بل لو كَبَّرَ ناوياً التَّحريمة بطلت صلاتُه؛ لأن لازم ذلك أن يكون قد قطع الركعة الأُولى، وابتدأ الثانية مِن جديد، وهذا يُبطل الصَّلاةَ.

قوله: «والاستفتاح» أيضاً الاستفتاح لا يُسَنُّ في الركعة الثانية؛ لأن الاستفتاح تُفتتح به الصَّلاةُ بعد التحريمة.

قوله: «والتعوذ» أي: وما عدا التعوُّذَ، يعني: قوله «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، فإنه يُشرع في الأُولى ولا يُشرع في الثانية؛ لأن قراءة الصَّلاة واحدة، فإنَّ الصَّلاةَ عبادةٌ واحدةٌ من أوَّلها إلى آخرها، فإذا تعوَّذَ لأوَّل مرَّة كفى، ولهذا قالوا: لو قرأ في الرَّكعة الأُولى سورةً، ثم قرأ في الركعة الثانية ما قبلها؛ لكان ذلك مكروهاً؛ لمخالفة التَّرتيب، ولو كان في الركعة الثانية؛ لأن قراءة الصَّلاةِ واحدة.
قال في «الرَّوض»: إلا إذا لم يتعوَّذ في الأُولى فيتعوَّذُ في الثانية، وهذا استثناء جيد، مثل أن يدركَ الإمامَ راكعاً فإنه سوف يُكبِّر تكبيرة الإحرام؛ ثم يُكبِّر للرُّكوع ويركع، وتكون القراءة في الرَّكعةِ الثانيةِ هي أوَّل قراءته، وحينئذٍ يتعوَّذ.
وهذا الذي قاله في «الرَّوض» هو مرادهم فيما يظهر، لأن تعليلهم يدلُّ عليه حيث قالوا: إنه يتعوَّذ في القراءةِ الأُولى. وقراءةُ الصَّلاةِ قراءةٌ واحدة.
وقال بعض أهل العلم : بل يتعوَّذ في كلِّ رَكعة؛ وذلك لأنه حال بين القراءتين أذكارٌ وأفعالٌ، فيستعيذ بالله عند القراءة في كلِّ رَكعة.
والأمرُ في هذا واسعُ.

قوله: «وتجديد النية» ، أي: أنَّه لا يأتي بنيَّةٍ جديدة، بخلاف الرَّكعةِ الأُولى، فإن الرَّكعةَ الأُولى يدخُلُ بها في الصَّلاةِ بنيَّةٍ جديدة، فلو نوى الدخول بنيَّةٍ جديدةٍ في الرَّكعة الثانية لبطلت الأُولى؛ لأنَّ لازمَ تجديد النيَّة في الركعة الثانية قَطْعُ النيّة في الركعة الأُولى، ولم تنعقد الثانية لعدم التَّحريمة.
وظاهرُ كلامِ المؤلِّفِ ـ رحمه الله ـ أن الركعة الثانية كالأُولى في مقدار القراءة؛ لأنه لم يَستثنِ إلا هذه المسائل الأربع وهي: التحريمة، والاستفتاح، والتعوُّذ، وتجديد النيَّة.
فظاهره: أنَّ القراءة في الرَّكعة الثانية كالقراءة في الرَّكعة الأُولى، ولكن الصواب خِلافُ ذلك، فإنَّ القراءةَ في الركعةِ الثانيةِ دون القراءة في الركعة الأُولى، كما هو صريح حديث أبي قتادة ، لكن في حديث أبي سعيد ما يدلُّ على أن الركعة الثانية كالأُولى، إلا أن حديث أبي سعيد يدلُّ على أن القراءة مشروعة في الركعات الأربع، فإن حديث أبي سعيد الخدري يدلُّ على أنَّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم يقرأ مع الفاتحة في كلِّ ركعة، لكن في الركعتين الأوليين يقرأ قراءة سواء، وفي الركعتين الأخريين سواء، لكن على النِّصْفِ مِن الأوليين.


الشرح الممتع ( 3 / 133 – 142 )

أم علي طويلبة علم
2014-08-22, 02:57 AM
قوله: «ثم يجلس مفترشاً» أي: بعد أن يُصلِّي الثانيةَ بركوعها وسجودها وقيامها وقعودها. «يجلس» وهذا الجلوس للتشهُّدِ إمَّا الأول، وإمَّا الأخير، إن كانت الصَّلاةُ رباعية أو ثلاثية فهو أوَّل، وإن كانت سوى ذلك فهو أخير.
«مفترشاً» سَبَقَ تفسيرُها، وأنَّ معنى الافتراش أن يجعلَ رِجْلَهُ اليسرى تحت مقعدته كأنها فراش، ويُخرج اليُمنى مِن الجانب الأيمن ناصباً لها.

قوله: «ويداه على فخذيه» هذه الجملةُ يحتملُ أن تكون في مَوضعِ نَصْبٍ على الحال مِن فاعل «يجلس»، يعني: يجلس والحالُ أن يديه على فخذيه، ويحتملُ أنها جملةٌ استثنائية، وعلى كُلِّ تقديرٍ؛ فإنَّ معنى العبارة: أنه في هذا الجلوس يَجعلُ يديه على فخذيه.
وظاهر كلامه: أنه لا يقدمهما حتى تكونا على الرُّكبة؛ لأن الفخذَ حَدُّهُ الرُّكبة، والرُّكبة ليست مِن الفخذِ، فتجعل اليد اليمنى واليد اليسرى على الفخذ لا تصل إلى حِذاء الرُّكبة، بل على حَدِّها؛ لأنها لو وصلت إلى حِذاء الرُّكبة خرجت عن الفخذ، وعلى هذا؛ فلا يُلْقِم اليُسرى ركبته، ولا يضع اليُمنى على حرف الفخذِ، هذا ما قاله المؤلِّفُ، ولكن السُّنَّة دَلَّت على مشروعية الأمرين، أي: أن تضعَ اليدين على الفخذين، وأن تُلْقِمَ اليُسرى الرُّكبةَ اليُسرى وتَجعلَ اليُمنى على حَرْفِ الفخذِ، أي: على طَرَفِهِ، فكلتاهما صفتان.
وعلى هذا نقول: إن اليدين لهما صفتان في الرَّفْعِ والسُّجود والجلوس.
في الرفع: حَذْوَ المَنكبين، أو فُروع الأذنين.
في السجود: حَذْوَ المَنكبين أو أن يسجدَ بينهما.
في الجلوس: إمَّا أن يجعلَهما على الفخذين، أو على الرُّكبتين، فاليُمنى على حَرْفِ الفخذِ، واليُسرى تُلْقَم الرُّكبة.

قوله: «يقبض خنصر يده اليمنى وبنصرها، ويحلق إبهامها مع الوسطى» الخنصر: الأصبع الأصغر، والبنصر: الذي يليه، والوسطى: هي التي تلي البنصر، ويُحَلِّقُ الإبهامَ مع الوسطى، وتبقى السَّبَّابةُ مفتوحةً لا يضمُّها.وهذه صفة أيضاً، واقتصار المصنِّف ـ رحمه الله ـ عليها لا يسلتزم نفي ما عداها، وهناك صفة أخرى؛ بأن يضمَّ الخنصرَ والبنصرَ والوسطى، ويضمَّ إليها الإبهامَ وتبقى السَّبَّابةُ مفتوحةً، فهاتان أيضاً صفتان في كيفية أصابع اليد اليُمنى.

قوله: «ويشير بسبابتها» أي: يشير بسبَّابته إلى أعلى.
والسَّبَّابة: ما بين الإبهام والوسطى، وسُمِّيت سَبَّابة، لأن الإنسان يُشيرُ بها عند السَّبِّ، وتُسَمَّى أيضاً سَبَّاحة، لأنه يُسَبَّح بها اللَّهُ عزّ وجل؛ لأنه يُشيرُ بها عند تسبيح الله.

قوله: «في تشهده» : «في» للظَّرفية، والظَّرفُ أوسعُ مِن المظروف، فهل المراد: يُشيرُ بها في تشهُّدِه مِن حين ما يبدأ إلى أن ينتهي، أو المراد: يُشيرُ بها في تشهُّدِه في موضع الإشارة؟
كلامُ المؤلِّف فيه احتمال، لكن غيره بَيَّنَ أنه يُشيرُ بها عند وجودِ سبب الإشارة. وما هو سبب الإشارة؟
سببُهُ ذِكْرُ الله، واختلف الفقهاءُ في معنى كلمة «ذِكْر الله» فقيل: عند ذِكْرِ الجلالة، وعلى هذا؛ فإذا قلت: التحيات لله ـ تُشِيرُ، السَّلام عليك أيُّها النبي ورحمة الله ـ تُشِيرُ، السَّلام علينا وعلى عباد الله ـ تُشِيرُ، أشهد أنْ لا إله إلا الله ـ تُشِيرُ، هذه أربع مرَّات في التشهُّدِ الأول. اللَّهم صَلِّ ـ خَمْس؛ لأن «اللهم» أصلُها «يآلله»، ـ اللَّهُمَّ بارك ـ سِتٌّ، أعوذ بالله مِن عذاب جهنم ـ سبع.
وقيل: المراد بذِكْرِ الله: الذِّكْر الخاصُّ وهو «لا إله إلا الله»، وعلى هذا؛ فلا يُشيرُ إلا مَرَّةً واحدةً، وذلك عندما يقول: أشهد أنْ لا إله إلا الله.
هذا اختلاف الفقهاء، ولكن السُّنَّة دَلَّت على أنه يُشير بها عند الدعاء فقط لأن لفظ الحديث: «يُحرِّكُها يدعو بها» وقد وَرَدَ في الحديث نَفْيُ التَّحريك وإثباتُ التحريك . والجمعُ بينهما سهل: فنفيُ التَّحريك يُراد به التَّحريكُ الدَّائم، وإثباتُ التَّحريك يُراد به التَّحريكُ عند الدُّعاء، فكلما دعوت حرِّكْ إشارة إلى علوِّ المدعو سبحانه وتعالى، وعلى هذا فنقول:
«السلام عليك أيُّها النبيِّ» فيه إشارة؛ لأن السَّلامَ خَبَرٌ بمعنى الدُّعاءِ، «السَّلامُ علينا» فيه إشارة، «اللهم صَلِّ على محمَّد» فيه إشارة، «اللهم بارك على محمَّد» فيه إشارة، «أعوذ بالله من عذاب جهنَّم» فيه إشارة، «ومِن عذاب القبر» فيه إشارة، «ومِن فتنة المحيا والممات» فيه إشارة، «ومِن فتنة المسيح الدَّجَّال» فيه إشارة، وكُلَّما دعوت تُشيرُ إشارةً إلى عُلُوِّ مَنْ تدعوه سبحانه وتعالى، وهذا أقربُ إلى السُّنَّة.

قوله: «ويبسط اليسرى» يعني: أصابعها على الفخذِ الأيسر؛ لأنه قال في الأول: «ويداه على فخذيه».

قوله: «ويقول: التحيات لله...» يقول بلسانه متدبِّراً ذلك بقلبه وهل يُشترطُ أن يُسمعَ نفسَه؟
فيه خِلافٌ سَبَقَ ذِكْرُه. أمَّا المذهبُ فيُشترط أن يُسمعَ نفسَه في الفاتحة، وفي كُلِّ ذِكْرٍ واجبٍ...

... قوله: «هذا التشهد الأول» هذا المشار إليه ما ذُكِرَ مِن قوله: «التحيات» إلى قوله «وأنَّ محمداً عبدُه ورسوله». وقوله: «التشهُّدُ الأول» يعني: في الثلاثية والرباعية.




الشرح الممتع ( 3 / 142 – 160 ) ملخصا

أم علي طويلبة علم
2014-08-22, 06:47 AM
قوله: «ثم يقول» أي: بعد التشهد الأول «اللهم» معناها: يا الله. لكن حُذفت ياء النداء، وعُوِّضَ عنها الميم، وجُعِلت الميم في الآخر تيمُّناً بالبداءة باسم الله عزّ وجل، وكانت ميماً ولم تكن جيماً ولا حاءً ولا خاءً، لأن الميم أدلُّ على الجَمْعِ، ولهذا تجتمع الشفتان فيها، فكأن الدَّاعي جمع قَلْبَه على رَبِّه ودعا وقال: اللَّهُمَّ.
إعراب «اللَّهُمَّ»: «الله» منادى مبنيٌّ على الضَّمِّ في محلِّ نصب. ومعنى «الله»: أي: ذو الألوهية الذي يألهه كلُّ مَن تعبَّد له سبحانه وتعالى.

قوله: «صلِّ على محمد» قيل: إنَّ الصَّلاةَ مِن الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار، ومن الآدميين الدُّعاء.
فإذا قيل: صَلَّتْ عليه الملائكة، يعني: استغفرت له.
وإذا قيل: صَلَّى عليه الخطيبُ يعني: دعا له بالصلاة.
وإذا قيل: صَلَّى عليه الله، يعني: رحمه.
وهذا مشهورٌ بين أهل العلم، لكن الصحيح خِلاف ذلك، أن الصَّلاةَ أخصُّ من الرحمة، ولذا أجمع المسلمون على جواز الدُّعاء بالرحمة لكلِّ مؤمن، واختلفوا: هل يُصلَّى على غير الأنبياء؟ ولو كانت الصَّلاةُ بمعنى الرحمة لم يكن بينهما فَرْقٌ، فكما ندعو لفلان بالرحمة نُصلِّي عليه.
وأيضاً: فقد قال الله تعالى: {{أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ}} فعطف «الرحمة» على «الصلوات» والعطفُ يقتضي المغايرة فتبيَّن بدلالة الآية الكريمة، واستعمال العلماء رحمهم الله للصلاة في موضع، والرحمة في موضع أن الصَّلاة ليست هي الرحمة.
وأحسن ما قيل فيها: ما ذكره أبو العالية ـ رحمه الله ـ أنَّ صلاةَ الله على نبيه: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى .
فمعنى «اللَّهمَّ صَلِّ عليه» أي: أثنِ عليه في الملأ الأعلى، أي: عند الملائكة المقرَّبين.

فإذا قال قائل: هذا بعيد مِن اشتقاق اللفظ، لأن الصَّلاة في اللُّغة الدُّعاء وليست الثناء.؟
فالجواب على هذا: أن الصلاة أيضاً من الصِّلَة، ولا شَكَّ أن الثناء على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الملأ الأعلى من أعظم الصِّلات؛ لأن الثناء قد يكون أحياناً عند الإنسان أهمُّ من كُلِّ حال، فالذِّكرى الحسنة صِلَة عظيمة.
وعلى هذا؛ فالقول الرَّاجح: أنَّ الصَّلاةَ عليه تعني: الثناء عليه في الملأ الأعلى.

وقوله: «على محمَّد» قد يقول قائل: لماذا لم يقلْ على النبيِّ أو على نبيك محمَّد، وإنما ذَكَرَه باسمه العَلَم فقط.؟
الجواب: أنَّ هذا من باب الخبر، والخبر أوسع من الطَّلب.

قوله: «وعلى آل محمَّد» . أي: وصَلِّ على آل محمَّد.
وآل محمد، قيل: إنهم أتباعه على دينه؛ لأن آل الشخص: كلُّ مَنْ ينتمي إلى الشخص، سواءٌ بنسب، أم حمية، أم معاهدة، أم موالاة، أم اتِّباع كما قال الله تعالى: {{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}}.
فيكون «آله» هم أتباعُه على دينِهِ.
وقيل: «آل النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم» قرابته المؤمنون، والقائل بذلك خَصَّ القرابة المؤمنين، فخرج بذلك سائر الناس، وخَرَجَ بذلك كُلُّ مَن كان كافراً مِن قرابة النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، ولكن الصحيح الأول، وهو أن الآل هم الأتباع، لكن لو قُرِنَ «الآل» بغيره فقيل: على محمد وآله وأتباعه. صار المراد بالآل المؤمنين مِن قرابته...

... وقول المؤلِّف: «ويستعيذ بالله من أربع»، لم يُفصح ـ رحمه الله ـ هل هذه الاستعاذة واجبة أم لا؟
وسيأتي ما يفيد حكمها في ذِكْرِ الأركان والواجبات.
وفي التعوّذ من هذه الأربع قولان:
القول الأول: أنه واجب، وهو رواية عن الإمام أحمد، لما يلي:
1 ـ لأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بها.
2 ـ ولشدَّة خطرها وعظمها.
والقول الثاني: أنه سُنَّة، وبه قال جمهور العلماء.
ولا شَكَّ أنه لا ينبغي الإخلالُ بها، فإن أخلَّ بها فهو على خَطَرٍ من أمرين:
1 ـ الإثم.
2 ـ ألا تصح صلاته، ولهذا كان بعضُ السَّلف يأمر مَنْ لم يتعوَّذ منها بإعادة الصَّلاة.

قوله: «ويدعو بما ورد» . ليت المؤلف قال: «ويدعو بما أحبَّ» لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لما ذَكَرَ حديث ابن مسعود في التشهُّدِ قال: «ثم يتخيَّر من الدُّعاء ما شاء» لكن يمكن أن نجيب عن كلام المؤلِّف فنقول: إنه ينبغي أن يبدأ الإنسان بما وَرَدَ؛ لأن الدُّعاء الوارد خير من الدُّعاء المصطنع، فإذا وجد دعاءً وارداً، فالتزامه أَولى، ثم تدعو بما شئت...

قوله: «ثم يُسلِّم عن يمينه» أي: بعد التشهُّدِ والدُّعاء، يُسلِّم عن يمينه وعن يساره، فيقول، عن يمينه: «السَّلامُ عليكم ورحمةُ الله»، وعن يساره: «السَّلامُ عليكم ورحمةُ الله» وهذا خطابٌ، لكنه خطابٌ يخرجُ به من الصَّلاة، بخلاف الخطابِ الذي يكون في أثناء الصَّلاة...

قوله: «وعن يساره كذلك» أي: يقول: «السَّلامُ عليكم ورحمة الله».

قوله: «وإن كان في ثلاثية، أو رباعية» «ثلاثية» مثل المغرب، «رباعية» مثل الظُّهر، والعصر، والعشاء.

قوله: «نهض مكبِّراً» مكبِّراً: حال مِن فاعل «نهض»؛ يدلُّ على أنه يكون التكبيرُ في حال النُّهوضِ، وهو كذلك؛ لأن جميع تكبيرات الانتقال محلُّها ما بين الرُّكنين.

قوله: «بعد التشهد الأول» التشهُّدُ الأول ينتهي عند قوله: «أشهدُ أنْ لا إله إلا الله؛ وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسولُه» وظاهر كلام المؤلِّف: أنه لا يرفع يديه؛ لأنه لم يذكره، وهذا هو المشهور من المذهب: أنه لا يرفع يديه إذا قام مِن التشهُّدِ الأول؛ لأن مواضع رَفْعِ اليدين على المذهب ثلاثة فقط: عند تكبيرة الإحرام، وعند الرُّكوع، وعند الرَّفع منه.
ولكن الصَّحيح: أنه يرفع يديه؛ لأنه صَحَّ عن ابن عُمر رضي الله عنهما عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم.
ولأنه انتقال مِن نوع إلى نوع آخر في الصَّلاة، فإن الرَّكعتين الأوليين يُشرع فيهما ما لا يُشرع في الرَّكعتين الأخريين، فصار مِن الحكمة أن يميِّز هذا الانتقال بالرَّفْعِ، كأنه صلاة جديدة؛ لتميزها عن الرَّكعتين الأوليين.
وعلى هذا؛ فمواضع رَفْع اليدين أربعة:
عند تكبيرة الإحرام، وعند الرُّكوعِ، وعند الرَّفْعِ منه، وإذا قام من التشهُّدِ الأول. ويكون الرَّفْعُ إذا استتمَّ قائماً؛ لأن لفظ حديث ابن عُمر: «وإذا قام من الرَّكعتين رَفَعَ يديه»، ولا يَصدُق ذلك إلا إذا استتمَّ قائماً، وعلى هذا، فلا يرفع وهو جالس ثم ينهض، كما توهَّمَهُ بعضهم، ومعلوم أن كلمة «إذا قام» ليس معناها حين ينهض؛ إذ إن بينهما فرقاً.
ولا رَفْعَ فيما سوى ذلك.

قوله: «وصلَّى ما بقي كالثَّانية بالحمد فقط» : أي: كالرَّكعة الثانية، أي: فليس فيه تكبيرة إحرام، ولا استفتاح، ولا تعوُّذ، ولا تجديد نيَّة، وتمتاز هاتان الرَّكعتان عن الأوليين، بأنه يُقتصر فيهما على الحَمْد، وأنه يُسرُّ فيهما بالقراءة في الصلاة الجهرية، فهما ركعتان مِن نوع جديد.
وقوله: «بالحمد فقط» أي: بالفاتحة لا يزيد عليها، وهذا هو مُقتضى حديث أبي قتادة رضي الله عنه الثَّابت في «الصحيحين» أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ في الرَّكعتين الأخريين بفاتحة الكتاب فقط ، ولكن في حديث أبي سعيد الخدري ما يدلُّ على أن الركعتين الأخريين يقرأ فيهما؛ لأنه ذَكَرَ أنَّ الرسول عليه الصَّلاة والسَّلام كان يقرأ في الرَّكعتين الأوليين بسورة، ولا يطوّل الأولى على الثانية، ويقرأ بالرَّكعتين الأخريين بنصف ذلك.
وهذا يدلُّ على أنه جَعَلَ الرَّكعتين الأوليين سواء، والرَّكعتين الأخريين سواء.
لكن بعض العلماء رجَّحَ حديث أبي قتادة؛ لأنه متفق عليه، وحديث أبي سعيد في مسلم، ولأن حديث أبي قتادة جَزَمَ به الرَّاوي، وأما حديث أبي سعيد فقال: «حزرنا قيامه» أي: خرصناه وقدَّرناه، وفَرْقٌ بين مَن يجزم بالشيء وبين مَن يخرُصُه ويقدِّرُه.
وهذا هو المذهب كما مشى عليه المؤلِّف.
ولكن الذي يظهر أن إمكان الجَمْعِ حاصلٌ بين الحديثين، فيُقال: إن الرَّسولَ صلّى الله عليه وسلّم أحياناً يفعل ما يدلُّ عليه حديث أبي سعيد، وأحياناً يفعل ما يدلُّ عليه حديث أبي قتادة؛ لأن الصلاة ليست واحدة حتى نقول: فيه تعارض، بل كلُّ يوم يصلِّي الرسول صلّى الله عليه وسلّم خمس مرَّات، وإذا أمكن الجَمْعُ وَجَبَ الرُّجوعُ إليه قبل أن نقول بالنَّسخ، أو بالترجيح.

قوله: «ثم يجلس في تشهده الأخير متورِّكاً» ، أي: إذا أتى بما بقي إما ركعة إن كانت الصَّلاةُ ثلاثية، وإما ركعتين إن كانت رباعية جَلَسَ في التشهُّدِ الأخير متورِّكاً.
وكيفية التورُّك: أن يُخرِجَ الرِّجلَ اليُسرى مِن الجانب الأيمن مفروشة، ويجلس على مَقعدته على الأرض، وتكون الرِّجل اليُمنى منصوبة. وهذه إحدى صفات التورُّكِ.
الصفة الثانية: أن يَفرُشَ القدمين جميعاً، ويخرجهما مِن الجانب الأيمن.
الصفة الثالثة: أن يَفرُشَ اليُمنى، ويُدخل اليُسرى بين فخذ وساق الرِّجل اليُمنى.
كلُّ هذه وردت عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في صفة التورُّك، وعلى هذا فنقول: ينبغي أن يَفعلَ الإنسانُ هذا مرَّة، وهذا مرَّة، بناءً على القاعدة التي قعَّدها أهلُ العلم وهي: أن العبادات الواردة على وجوهٍ متنوِّعة؛ ينبغي أن يفعلَها على جميع الوجوه الواردة، لأن هذا أبلغ في الاتَّباعِ مما إذا اقتصر على شيء واحد .

وعُلِمَ مِن قوله: «في تشهُّدِه الأخير» أنه لا تورُّك إلا في التشهُّدِ الأخير من صلاةٍ ذات تشهُّدين، والمراد التشهُّدُ الأخير الذي يعقبه السَّلام، وقولنا: «الذي يعقبه السَّلام» احترازٌ مِن التشهُّدِ الأخير الذي لا يعقبه سلام، كما لو سُبِقَ المأمومُ بركعة، وجَلَسَ مع إمامه في تشهُّدِه الأخير؛ فإنه لا يتورَّك لأن تشهُّدَه هذا لا يعقبه سلام...

قوله: «والمرأة مثله» أي: مثل الرَّجل؛ لعدم الدليل على التفريق بين الرَّجُل والمرأة، والأصل في النِّساء أنهن كالرِّجال في الأحكام، كما أن الأصل في الرِّجَال أنهم كالنِّساء في الأحكام...



الشرح الممتع ملخصا ( 3 / 162 - 217 )

أم علي طويلبة علم
2014-08-23, 03:05 AM
قوله: «ويكره في الصلاة التفاتُهُ» «التفات» نائب فاعل، يعني: يُكره للمصلِّي أن يلتفت؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم سُئل عن الالتفات في الصَّلاة فقال: «هو اختلاسٌ يختلسُهُ الشيطانُ مِن صلاة العبد» أي: سرقة ونهب، يختلسه الشيطان مِن صلاة العبد...

قوله: «ورفع بصره إلى السماء» أي: يُكره رَفْعُ بصرِه إلى السماء وهو يُصلِّي، سواءٌ في حال القراءة أو في حال الرُّكوعِ، أو في حال الرَّفْعِ من الرُّكوع، أو في أي حال من الأحوال؛ بدليل وتعليل:
أما الدليل ، فلأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لينتهينَّ أقوامٌ عن رَفْعِ أبصارِهم إلى السَّماءِ في الصَّلاة؛ أو لتُخْطَفَنَّ أبصارُهم» أي: إما أن ينتهوا، وإما أن يعاقبوا بهذه العقوبة وهي: أن تُخطف أبصارهم فلا ترجع إليهم، واشتدَّ قوله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك، والحقيقة أن الدَّليل أقوى من المدلول؛ لأن الدليل يقتضي أن يكون رَفْعُ البصرِ إلى السَّماءِ محرَّماً، فإن الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم حَذَّر منه، واشتدَّ قوله فيه، ثم ذَكَرَ عقوبة محتملة، وهي أن تُخطف أبصارهم، ولا ترجع إليهم. ومن المعلوم أن التحذير عن الشيء بِذِكْرِ عقوبة يدلُّ على أنه حرام، كما قلنا في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أَمَا يَخشى الذي يرفعُ رأسَه قبل الإمام أن يحوِّل اللهُ رأسَه رأسَ حِمارٍ، أو يجعل صورتَه صورةَ حِمار»، إن هذا دليل على تحريم مسابقة الإمام، وقلنا في قوله عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «لتسوُّن صفوفكم أو ليخالفَّن اللهُ بين قلوبكم»، إنَّ فيه دليلاً على القول الرَّاجح، وهو وجوب تسوية الصفِّ.
وهذا الحديث في رَفْع البصرِ إلى السَّماءِ لا يقصر دلالة عن دلالة قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أَمَا يَخشى الذي يرفعُ رأسَه قبل الإِمام أن يحوِّل اللهُ رأسَه رأسَ حِمار، أو يجعل صورتَه صورةَ حِمار»، بل قد يكون أشدَّ وأبلغَ أن يرجع بصرُ الإنسان إلى عمى قبل أن يرتدَّ إليه.
وأما التعليل: فلأن فيه سوء أدب مع الله تعالى؛ لأن المصلِّي بين يدي الله، فينبغي أن يتأدَّبَ معه، وأن لا يرفعَ رأسَه، بل يكون خاضعاً، ولهذا قال عَمرو بن العاص رضي الله عنه: إنه كان قبل أن يُسْلِمَ يكره النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كراهةً شديدةً، حتى كان يحبُّ أن يتمكَّن منه فيقتله، فلما أسلَمَ قال: ما كنت أطيق أن أملأ عينيَّ منه؛ إجلالاً له، ولو سُئلت أن أصفه ما أطقتُ.
ولهذا كان القول الرَّاجح في رَفْعِ البصرِ إلى السَّماءِ في الصَّلاة أنه حرام ؛ وليس بمكروه فقط...

قوله: «وتغميض عينيه» أي: أنه يُكره تغميض عينيه، أي: تطبيقهما، وعُلِّلَ ذلك: بأنه فِعْلُ اليهود في صلاتهم، ونحن منهيُّون عن التَّشبُّهِ بالكُفَّار من اليهود وغيرهم، لا سيما في الشَّعائر الدينية؛ لأن دياناتهم ديانات منسوخة نَسَخَهَا الله تعالى بِشَرْعِ مُحمَّد صلّى الله عليه وسلّم، فلا يجوز أن نتشبَّه بهم في العبادات ولا غيرها.
ولكن يذكر كثيرٌ من الناس أنه إذا أغمض عينيه كان أخشع له. وهذا من الشيطان، يُخَشِّعُهُ إذا أغمض عينيه من أجل أن يفعل هذا المكروه، ولو عالجَ نفسَه وأبقى عينيه مفتوحة وحاول الخشوع لكان أحسن.
لكن لو فُرِضَ أن بين يديك شيئاً لا تستطيع أن تفتح عينيك أمامه؛ لأنه يشغلك، فحينئذٍ لا حَرَجَ أن تُغمض بقَدْرِ الحاجة، وأما بدون حاجة فإنه مكروه كما قال المؤلِّف، ولا تغترَّ بما يُلقيه الشيطان في قلبك من أنك إذا أغمضتَ صار أخشعَ لك.

قوله: «وإقعاؤه» أي: يُكره للمصلِّي إقعاؤه في الجلوس؛ لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم نهى عن إقعاء كإقعاء الكلب ، ولأنَّ الإنسانَ لا يستقرُّ في حال الإقعاء؛ لأنه يتعب...

قوله: «وعبثه» أي: يُكره عبث المصلِّي، وهو تشاغله بما لا تدعو الحاجة إليه، وذلك لأن العبث فيه مفاسد:

المفسدة الأولى: انشغال القلب، فإنَّ حركةَ البَدَنِ تكون بحركة القلب، ولا يمكن أن تكون حركةُ البَدَن بغير حركة القلب، فإذا تحرَّك البَدَنُ لزم من ذلك أن يكون القلب متحرِّكاً، وفي هذا انشغال عن الصَّلاة، وقد قال النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلام حينما نَظَرَ إلى الخميصة نظرةً واحدةً: «اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جَهْم، وأْتُوني بأنبجانيَّة أبي جَهْم، فإنَّها ألهتني آنفاً عن صلاتي» فيؤخذ من هذا الحديث: تجنُّب كل ما يُلهي عن الصَّلاة.

المفسدة الثانية: أنَّه على اسمه عبثٌ ولغو، وهو ينافي الجديَّة المطلوبة مِن الإنسان في حال الصَّلاة.

المفسدة الثالثة: أنه حركة بالجوارح، دخيلة على الصَّلاة، لأنَّ الصَّلاةَ لها حركات معيَّنة مِن قيام وقعود ورُكوع وسُجود.
وأما ما ذَكَرَه صاحب «الرَّوض» ـ رحمه الله ـ بقوله: لأنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ رأى رَجُلاً يعبث في صلاته فقال: «لو خَشَعَ قلبُ هذا لخشعتْ جوارحُه» فهذا الحديث ضعيف، ولا يُحتجُّ به.
ورُويَ عن سعيد بن المسيِّب، ولكن المفاسد التي ذكرناها واضحة تُغْني عنه.


قوله: «وتخصُّره» أي: وَضْعُ يده على خاصرته، والخاصرة هي: المستدق من البطن الذي فوق الورك، أي: وسط الإنسان، فإنه يُكره؛ لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم نَهى أن يُصلِّي الرَّجلُ متخصراً أي: واضعاً يديه على خاصرته...

قوله: «وتكرار الفاتحة» أي: ويُكره تكرار الفاتحة مرَّتين، أو أكثر.
وتعليل ذلك: أنه لم يُنقل عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم. والمُكرِّرُ للفاتحة على وجه التعبُّد بالتكرار لا شَكَّ أنه قد أتى مكروهاً؛ لأنه لو كان هذا مِن الخير لفَعَلَهُ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، لكن إذا كرَّر الفاتحةَ لا على سبيل التعبُّد، بل لفوات وصف مستحبّ؟ فالظَّاهرُ الجواز، مثل: أن يكرِّرها لأنه نسيَ فقرأها سِرًّا في حال يُشرع فيها الجهرُ، كما يقعُ لبعض الأئمة ينسى فيقرأ الفاتحةَ سِرًّا، فهنا نقول: لا بأس أن يُعيدها من الأول استدراكاً لما فات من مشروعية الجهر، وكذلك لو قرأها في غير استحضار، وأراد أن يكرِّرها ليحضر قلبه في القراءة التالية؛ فإن هذا تكرار لشيء مقصود شرعاً، وهو حضور القلب، لكن إن خشيَ أن ينفتح عليه باب الوسواس فلا يفعل، لأن البعض إذا انفتحَ له هذا البابُ انفتح له باب الوسواس الكثير، وصار إذا قرأها وقد غَفَلَ في آية واحدة منها رَدَّها، وإذا رَدَّها وغَفَلَ رَدَّها ثانية، وثالثة، ورابعة، حتى ربما إذا شدَّد على نفسه شَدَّد الله عليه، وربَّما غَفَلَ في أول مرَّة عن آية، ثم في الثانية يغفُلُ عن آيتين، أو ثلاث.

قوله: «لا جمعُ سور في فرض كنفل» أي: لا يُكره جَمْعُ السُّور في الفرض. كما لا يُكره في النَّفل، يعني: أن يقرأ سورتين فأكثر بعد الفاتحة.
والدليل: حديث حُذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه صَلَّى مع النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلةٍ فقرأ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم سورة «البقرة» و«النساء»، و«آل عمران» وهذا جمعٌ بين السُّور في النَّفل، وما جاز في النَّفل جاز في الفرض إلا بدليل، وما جاز في الفرض وَجَبَ في النَّفْل إلا بدليل، لأن الأصل تساويهما في الحُكم...





الشرح الممتع ملخصا

أم علي طويلبة علم
2014-08-23, 03:12 AM
فَصْلٌ

وَجُمْلَةُ أَرْكَانِهَا أَرْبَعَةُ عَشَرَ:
الْقِيَامُ، وَالتَّحْرِيمَة ُ، وَالْفَاتِحَةُ، وَالرُّكُوعُ، وَالِاعْتِدَالُ عَنْهُ، وَالسُّجُودُ، وَالِاعْتِدَالُ عَنْهُ، وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ، وَالطُّمَأْنِين َةُ، وَالتَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ، وَجِلْسَتُهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالتَّسْلِيمَت َانِ، وَالتَّرْتِيبُ.


قوله: «أركانها» لمَّا انتهى المؤلِّف ـ رحمه الله ـ من صفة الصَّلاةِ على وَجْهٍ كامل، حتى بيَّن ما يُكرهُ فيها، ويُباح، ويَحرم، وما يُسَنُّ لها خارجاً عنها: كالسُّترة، وما أشبهها، ذَكَرَ أركانَها.

والأَولى لطالب العِلْم أن يتصوَّر هيئةَ الصَّلاةِ كاملة، حتى يتبيَّن له ما هو الرُّكن، وما هو الواجب، وما هي السُّنَّة.

والأركانُ جَمْعُ رُكن، والرُّكنُ في اللُّغة: جانبُ الشيء الأقوى، ولهذا نُسمِّي الزَّاوية رُكناً؛ لأنَّها أقوى جانب في الجدار؛ لكونها معضودة بالجدار الذي إلى جانبها.

وأمَّا في الاصطلاح؛ فأركان العبادة: ما تترَّكب منه العبادة، أي: ماهيَّة العبادة التي تتركَّب منها، ولا تصحُّ بدونها، لأن العبادات كلَّها تتركَّب مِن أشياء قولية وفِعْلية، ومِن هذه الأشياء المركَّبة ما لا تصحُّ بدونه في كلِّ حال، وهي الأركان، ومنها ما لا تصحُّ بدونه في بعض الأحوال، وهي الواجبات، ومنها ما تصحُّ بدونه في كلِّ حال، وهي المسنونات.

فإن قال قائل: ما الدليلُ على هذا التفصيل في الصَّلاةِ مِن كونها مركَّبة مِن أركان وواجبات، وسُنَنٍ. فنحن نقرأ القرآنَ والسُّنَّةَ فلا نَجِدُ هذا؟
فالجواب: أنَّ العلماء ـ رحمهم الله ـ تتبَّعوا النصوصَ واستخلصوا منها هذه الأحكام، ورأوا أنَّ النصوصَ تدلُّ عليها، فصنَّفوها مِن أجلِ تقريب العِلْمِ لطالب العِلْمِ، ولا شَكَّ أن في هذا تقريباً للعِلْمِ، ولو كانت هذه الأحكام منثورة ما فرَّق الطالبُ المبتدئ بين الذي تَصِحُّ به العبادة والذي لا تصحُّ.

الشرح الممتع ( 3 / 291 - 292 )

أم علي طويلبة علم
2014-08-23, 06:35 AM
قوله: «القيام» هذا الرُّكن الأول، والدليل قوله تعالى: {{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}} ومِن السُّنَّة قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم لعمران بن حصين: «صَلِّ قائماً، فإنْ لم تستطعْ فقاعداً، فإنْ لم تستطعْ فعلى جَنْبٍ».
وبدأ المؤلِّفُ بالقيام؛ لأنه سابق على جميع الأركان، قال النبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام: «إذا قُمْتَ إلى الصَّلاةِ فأسبغِ الوضوءَ، ثم استقبلِ القِبْلَةَ فكبّر».
والقائمُ إلى الصَّلاةِ سيقوم في الصَّلاةِ، ولأنَّ الترتيبَ الطبيعيَّ في الصَّلاةِ هو هذا؛ أن تبدأ فتقوم، ثم تكبِّر، ولو كبَّرت للإِحرام وأنت غير قائم ما صحَّت صلاتك إنْ كانت فريضةً.

فإن قال قائل: كيف تجعلون القيامَ رُكناً، وقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «صلاةُ القاعدِ على النصفِ مِن صلاةِ القائم» وهذا يدلُّ على أنَّ في صلاة القاعد أجراً، ولو كان القيامُ رُكناً لما كان في تَرْكِهِ أجْرٌ؟
فالجواب: أنَّ الصَّلاةَ منها ما هو فَرْض ومنها ما هو نَفْل، فيُحمل حديث تفضيل صلاة القائم على صلاة القاعد على النَّفل، كما دلَّ عليه حديث عِمران، ويُقال: إنَّ القيام ليس رُكناً في النَّافلة، وإنما هو سُنّة، ويؤيِّدُ هذا: فِعْلُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فقد كان يُصلِّي النَّافلةَ على راحلتِه في السَّفَر، ولو كان القيامُ رُكناً فيها لم يُصلِّ على الراحلة، بل نَزَلَ وصَلَّى على الأرض، ولهذا لا يُصلِّي عليها الفريضة؛ لأنه لو صَلَّى الفريضةَ لفاتَ رُكن القيام...


قوله: «والتحريمة» أي: تكبيرة الإِحرام، وهذا هو الرُّكن الثاني وسبق في أول صفة الصلاة بيان شروطها.
والتحريمة رُكنٌ مِن أركان الصَّلاةِ، وليس شيء من التكبيرات رُكناً سوى تكبيرة الإِحرام؛ لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم للمسيء في صلاته: «استقبلْ القِبلةَ وكبِّر» ولقوله صلّى الله عليه وسلّم: «تحريمُها التكبير...» فلا تنعقد الصَّلاةُ بدون التكبير.


قوله: «والفاتحة» أي: قراءة الفاتحة، وهذا هو الرُّكن الثالثُ، وهو رُكنٌ في الفَرْضِ والنَّفْل.
والفاتحة: هي السُّورة التي افتُتِحَ بها القرآنُ الكريم، وقد تكلَّمنا عليها في أول صِفة الصَّلاة. وقراءتُها رُكنٌ في حَقِّ كُلِّ مصلٍّ؛ لا يُستثنى أحدٌ إلا المسبوق إذا وَجَدَ الإِمامَ راكعاً، أو أدرك مِن قيام الإِمام ما لم يتمكَّن معه من قراءة الفاتحة.
والدليل على ذلك: قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاةَ لِمَنْ لم يقرأ بفاتحة الكتاب».


قوله: «والركوع» هذا هو الرُّكن الرابع، والرُّكوع أن يَحْنِي ظهرَه وسبق تفصيله في صفة الصَّلاة، ودليل كونه رُكناً:
1 ـ قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}} فأمر الله بالرُّكوع. ومِن المعلوم أنه لا يُشرع لنا أن نركع ركوعاً مجرَّداً، وإذا لم يُشرع لنا الرُّكوع المجرَّد وجب حَمْلُ الآية على الرُّكوع الذي في الصلاة.
2 ـ قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم للمسيء في صلاته: «ثم اركعْ حتى تطمئنَّ راكعاً».
3 ـ مواظبة النبي صلّى الله عليه وسلّم عليه في كُلِّ صلاة، وقوله: «صَلُّوا كما رأيتموني أصلِّي».
4 ـ إجماع العلماء على أنَّ الرُّكوع رُكنٌ لا بُدَّ منه.


قوله: «والاعتدال عنه» هذا هو الرُّكن الخامس. لو قال المؤلِّفُ: «الرفع منه» لكان أنسب؛ لأنه أسبق مِن الاعتدال، ولموافقة الحديث: «ثم ارفعْ حتى تعتدلَ قائماً» ، لكنه ـ رحمه الله ـ عَدَلَ عن ذلك خوفاً مِن أن يُظَنَّ بأن المراد بذلك مجرَّد الرَّفْعِ، ولأن الاعتدال يلزم من الرفع، ولأن لفظ «الصحيحين»: «ثم ارفعْ حتى تعتدلَ قائماً».
ودليل ذلك: حديث أبي هريرة في قِصَّة المسيء في صلاته أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ثم ارفعْ حتى تعتدلَ قائماً» فأمر بالرَّفْعِ إلى الاعتدال، وهو القيام التام.
ويُستثنى من هذا: الرُّكوع الثاني وما بعده في صلاة الكسوف، فإنه سُنَّة، ولهذا لو صَلَّى صلاةَ الكسوف كالصَّلاة المعتادة فصلاتُه صحيحة.
وصلاةُ الكسوف في كلِّ رَكعة ركوعان، الرُّكوع الأول رُكن، والرُّكوع الثاني سُنَّة، لو تَرَكَه الإِنسانُ فصلاتُه صحيحة.
ويُستثنى أيضاً: العاجز، فلو كان في الإِنسان مَرَضٌ في صُلبه لا يستطيع النُّهوض لم يلزمه النهوض، ولو كان الإِنسان أحدب مقوَّس الظَّهر لا يستطيع الاعتدال لم يلزمه ذلك، ولكن ينوي أنه رَفْعٌ ويقول: سَمِعَ الله لمن حمده.


قوله: «والسجود على الأعضاء السبعة» هذا هو الركن السادس من أركان الصَّلاة ودليله.
1 ـ قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}}.
2 ـ قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم للمسيء في صلاته: «ثم اسجدْ حتى تطمئنَّ ساجداً».
3 ـ مواظبة النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم عليه.
ولكن لا يكفي مجرَّد السُّجود، بل لا بُدَّ أن يكون على الأعضاء السَّبعة، وهي: الجبهة مع الأنف، والكَفَّان، والرُّكبتان، وأطراف القدمين.
ودليل هذا حديث عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «أُمرنا أنْ نسجدَ على سبعة أعضاء، الجَبْهة وأشار بيده إلى أنفه، والكفَّين، والرُّكبتين، وأطراف القدمين».



قوله: «والاعتدال عنه» . هذا هو الرُّكنُ السَّابعُ مِن أركان الصَّلاةِ. قال في «الرَّوض» : إنَّ قول الماتن «الاعتدال عنه» يُغني عنه قوله: «والجلوس بين السَّجدتين»، يعني: لأنه لا يتصور جلوس بين السَّجدتين إلا باعتدال مِن السُّجود، لكن قد يقول قائل: إنَّ الاعتدالَ رُكنٌ بنفسِه، والجلوس رُكنٌ بنفسه، لأنه قد يعتدلُ لسماعِ صوت مزعج، أي: يقوم بغير نِيَّةٍ ثم يجلس، فهنا حصل اعتدالٌ بدون نِيَّةٍ ثم بعدَه جلوس، وعلى هذا؛ يلزمه أن يرجعَ للسُّجود ثم يقوم بنيَّةٍ، ومثله: ما لو سَقَطَ الإِنسانُ على الأرض مِن القيام بدون نِيَّةٍ فلا نجعله سُجوداً؛ لأن هذه الحركة بين القيام والسُّجود لم تكن بنيَّةٍ، وعليه: يلزمه أن يقومَ ثم يسجدَ.
فالظاهر: أنَّ الأَولى إبقاء كلام الماتن على ما هو عليه، فيكون الاعتدال والجلوس كلاهما رُكنٌ، حتى ينوي الإِنسان بالاعتدال بأنه قام مِن السُّجود مِن أجل الجلوس.


قوله: «والجلوس بين السجدتين» هذا هو الرُّكنُ الثامنُ مِن أركان الصَّلاة، ودليله قولُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم للمسيء في صلاتِه: «ثم ارفعْ ـ يعني: من السجود ـ حتى تطمئنَّ جالساً» فهذا دليلٌ على أنه لا بُدَّ منه.
وقوله: «الجلوس» لم يُبيِّن كيفيَّته، فيجزئ على أيِّ كيفيّة كان، ما لم يخرج عن مُسمَّى الجلوس، وقد سَبَقَ لنا كيفيَّته المشروعة والمكروهة في باب صفة الصلاة؛ فأغنى عن إعادته.



قوله: «والطمأنينة في الكُلِّ» هذا هو الرُّكن التَّاسع مِن أركان الصَّلاة وهو الطمأنينة في كلِّ ما سَبَقَ مِن الأركان الفعلية.
ودليله: أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمَّا عَلَّمَ المسيءَ صلاته كان يقول له في كُلِّ رُكن: «حتى تطمئنَّ» فلا بُدَّ من استقرارٍ وطمأنينة، ولكن ما حَدُّ الاطمئنان الذي هو رُكن؟
قال بعض أهل العلم : السكون وإن قَلَّ، حتى وإن لم يتمكَّن من الذِّكْرِ الواجب.
وقال بعض أهل العلم : السُّكون بقَدْرِ الذِّكْرِ الواجب.
فعلى هذا القول يطمئنُّ في الرُّكوع بِقَدْرِ ما يقول: «سبحان ربِّي العظيم» مرَّة واحدة، وفي الاعتدال منه بقَدْرِ ما يقول: «ربَّنا ولك الحمدُ»، وفي السُّجود بقَدْرِ ما يقول: «سبحان رَبِّي الأعلى»، وفي الجلوس بقَدْرِ ما يقول: «رَبِّي اغفِر لي» وهكذا.

فإذا قال إنسان: هل يظهر فَرْقٌ بين القولين، بين قولنا: السُّكون وإنْ قَلَّ، وبين قولنا: السُّكون بقَدْرِ الذِّكْرِ الواجب؟
فالجواب: نعم؛ لأنه لو سَكَنَ سكوناً قليلاً دون قَدْرِ الذِّكْرِ الواجب، ونسيَ أن يقول الذِّكْر الواجب ثم استمرَّ في صلاته، فعلى القول بأن الطمأنينة هي السُّكون وإنْ قَلَّ، تكون صلاتُه صحيحة، لكن يجب عليه سجود السَّهو لترك الواجب، وعلى القول بأنه لا بُدَّ أن يكون بقدر الذِّكْرِ الواجب تكون غير صحيحة؛ لأنه لم يأتِ بالرُّكنِ حيث لم يستقرَّ بقَدْرِ الذِّكْرِ الواجب.

ولهذا فَصَّلَ بعضُ الفقهاء فقال: بقَدْرِ الذِّكْرِ الواجب لذاكره، والسكون وإنْ قَلَّ لمن نسيه.
وعَلَّلوا: أنه إذا كان ناسياً القول الواجب سَقَطَ عنه، ووجب عليه سجود السَّهو، وإنْ كان ذاكراً لهذا القول بطلت صلاتُه بتعمُّد تَرْكِهِ، فيكون بطلان الصَّلاة مِن أجل تَرْكِ الواجب، ولكونه لم يطمئنَّ الطمأنينة الواجبة.
فإذا جاءنا رَجُلان يسألان، أحدهما يقول: أنا اطمأننت بقَدْرِ قولي: «سبحان رَبِّي العظيم» في الركوع، فصلاتُه صحيحة على القولين.
والثاني يقول: اطمأننت في الرُّكوع بقَدْرِ أن أقول: «سبحان رَبِّي» فقط ثم رفعتُ، على القول بأنها السُّكون وإنْ قَلَّ يكون قد أدَّى الركن، فصلاتُه صحيحة، وعلى القول الثاني لم يُؤدِّ الرُّكن، فصلاتُه غير صحيحة.
والأصحُّ: أنَّ الطُّمأنينة بقَدْرِ القول الواجب في الرُّكن، وهي مأخوذة من اطمأنَّ إذا تمهَّل واستقرَّ، فكيف يُقال لشخص لمَّا رَفَعَ من الرُّكوعِ قال: سَمِعَ الله لمن حَمِدَه، ثم كَبَّرَ للسُّجود، كيف يقال: هذا مطمئنٌ؟ كيف يُقال لشخص لمَّا رَفَعَ مِن السُّجود قال: الله أكبر، ثم سَجَدَ السَّجدة الثانية، يعني: سَكَنَ لحظة، هذا مطمئنٌ؟
والحكمة مِن الطمأنينة: أنَّ الصلاةَ عبادة، يناجي الإِنسانُ فيها رَبَّه، فإذا لم يطمئنَّ فيها صارت كأنها لَعِبٌ.
فهل نحن متعبَّدون بأن نأتي بحركات مجرَّدة؟ لا والله، ولو كانت الصلاة مجرَّد حركات وأقوال لخرجنا منها بمجرد إبراء الذِّمَّة فقط، أما أن تعطي القلبَ حياةً ونوراً؛ فهذا لا يمكن أن يحصُلَ بصلاة ليس فيها طُمأنينة، والنبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام قال: «الصَّلاةُ نورٌ» نورٌ في القلب، والوجه، والقبر، فهي على اسمها، هي كلُّها نور، فهل نحن إذا انصرفنا مِن صلاتنا على هذا الوجه نَجِدُ نوراً في قلوبنا؟
إذا لم نَجِدْ؛ فالصَّلاةُ فيها نقصٌ بلا شَكٍّ.
ولهذا يُذكَرُ عن بعض السَّلفِ قال: «مَنْ لم تَنْهَه صلاتُه عن الفحشاء والمنكر لم تزده مِن الله إلا بُعداً»، لأنه لو صَلَّى الصَّلاةَ الكاملة للزم أن تنهاه عن الفحشاء والمنكر، لأن الله يقول: {{وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}} فهذا خَبَرٌ مِن الله مؤكَّد بـ«إِنَّ».
فإذا صَلَّيت صلاةً لا تَجِدُ قلبَك منتهياً عن الفحشاء والمنكر، فاعْلَمْ أنك لم تُصلِّ إلا صلاة تبرأ بها الذِّمَّة فقط، وكم تشاهدون الإِنسان يدخل في صلاته ويخرج منها كما هو لا يَجِدُ أثراً؟ وإذا مَنَّ اللهُ عليه يوماً من الأيام، وصار قلبُه حاضراً واطمأنَّ وتمهَّل وتدبَّر ما يقول ويفعل؛ خَرَجَ على خلاف ما دَخَلَ، ووَجَدَ أثراً وطعماً يتطعَّمه، ولو بعد حين، يتذكَّر تلك الصَّلاة التي كان فيها حاضر القلب مطمئناً.
الحاصل: أنَّ الطُّمأنينة لا بُدَّ منها، فهي والخشوع روح الصَّلاةِ في الحقيقة.



قوله: «والتشهد الأخير» هذا هو الرُّكنُ العاشر من أركان الصلاة.
ودليل ذلك: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «كُنَّا نقول قبل أن يُفْرَضَ علينا التشهُّدُ: السَّلامُ على الله مِن عباده، السَّلامُ على جبرائيل وميكائيل، السَّلامُ على فلان وفلان». والشاهدُ مِن هذا الحديث قوله: «قبل أن يُفْرَضَ علينا التشهُّدُ».

فإن قال قائل: يَرِدُ علينا التشهُّد الأول: فإنه مِن التشهُّد، ومع ذلك تَرَكَه النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم وجَبَرَه بسجود السهو، وهذا حكم الواجبات، أفلا يكون التشهُّدُ الأخير مثله؟
فالجواب: لا، لأنَّ الأصلَ أن التشهُّدين كلاهما فَرْضٌ، وخَرَجَ التشهُّدُ الأول بالسُّنَّة، حيث إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم جَبَرَه لمَّا تَرَكَه بسجود السَّهو، فيبقى التشهُّد الأَخير على فرضيته رُكناً.


قوله: «وجِلسته» هذا هو الرُّكن الحادي عشر مِن أركان الصَّلاةِ أي: أن جلسة التشهُّدِ الأخير رُكن، فلو فُرِضَ أنه قام من السُّجود قائماً وقرأ التشهُّد فإنَّه لا يجزئه، لأنه تَرَكَ رُكناً وهو الجِلسة، فلا بُدَّ أن يجلس، وأن يكون التشهُّد أيضاً في الجِلسة لقوله: «وجِلسته» فأضاف الجِلسة إلى التشهُّدِ؛ ليفهم منه أنَّ التشهُّدَ: لا بُدَّ أن يكون في نفس الجِلسة.



قوله: «والصلاة على النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم فيه» أي: في التشهُّدِ الأخير، وهذا هو الرُّكن الثاني عشر مِن أركان الصلاة.
ودليل ذلك: أنَّ الصَّحابة رضي الله عنهم سألوا النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا رسولَ الله؛ عُلِّمْنَا كيف نُسلِّم عليك، فكيف نُصلِّي عليك؟ قال: قولوا: اللَّهُمَّ صَلِّ على محمَّدٍ وعلى آل محمَّدٍ»، والأمر يقتضي الوجوب، والأصلُ في الوجوب أنَّه فَرْضٌ إذا تُرِكَ بطلت العبادة، هكذا قرَّرَ الفقهاءُ رحمهم الله دليل هذه المسألة.

ولكن إذا تأملت هذا الحديث لم يتبيَّن لك منه أنَّ الصَّلاة على النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم رُكنٌ، لأنَّ الصحابة إنَّما طلبوا معرفة الكيفية؛ كيف نُصلِّي؟ فأرشدهم النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إليها، ولهذا نقول: إن الأمر في قوله: «قولوا» ليس للوجوب، ولكن للإِرشاد والتعليم، فإنْ وُجِدَ دليل غير هذا يأمر بالصلاة على النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في الصَّلاة فعليه الاعتماد، وإنْ لم يوجد إلا هذا فإنه لا يدلُّ على الوجوب، فضلاً عن أن يَدلَّ على أنها رُكن؛ ولهذا اختلفَ العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: أنها رُكنٌ، وهو المشهور مِن المذهب، فلا تصحُّ الصلاة بدونها.
القول الثاني: أنها واجب، وليست برُكن، فتُجبر بسجود السَّهو عند النسيان.
قالوا: لأن قوله: «قولوا: اللَّهُمَّ صَلِّ على محمَّدِ» محتمل للإِيجاب وللإِرشاد، ولا يمكن أن نجعله رُكناً لا تصحُّ الصلاة إلا به مع هذا الاحتمال.
القول الثالث: أنَّ الصَّلاةَ على النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم سُنَّة، وليست بواجب ولا رُكن، وهو رواية عن الإمام أحمد، وأن الإِنسان لو تعمَّد تَرْكها فصلاتُه صحيحة، لأن الأدلَّة التي استدلَّ بها الموجبون، أو الذين جعلوها رُكناً ليست ظاهرة على ما ذهبوا إليه، والأصل براءة الذِّمة.

وهذا القول أرجح الأقوال إذا لم يكن سوى هذا الدليل الذي استدلَّ به الفقهاء رحمهم الله، فإنه لا يمكن أن نبطلَ العبادة ونفسدها بدليل يحتمل أن يكون المراد به الإِيجاب، أو الإِرشاد.
قوله: «والصلاة على النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم فيه» ، أي: أنَّ الصَّلاةَ على النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم هي الرُّكن دون الصَّلاةِ على آله. وهذا مِن الغرائب! لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «قولوا: اللَّهُمَّ صَلِّ على محمَّد وعلى آل محمد...» فكيف نُشَطِّرُ الحديث، ونجعل كلمة منه رُكناً، والبقية غير رُكن! فمقتضى الاستدلال أن نجعل الجميع إما رُكناً، أو واجباً، أو سُنَّة.
فإنْ قالوا: جعلنا الصَّلاةَ على النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم رُكناً دون الآل، لأن العطف فيها يدلُّ على التبعيَّة.
قلنا: وإذا دَلَّ على التبعيَّة فالتابع حكمه حكم المتبوع.
فإنْ قالوا: إنَّ الصَّحابة سألوا عن الصَّلاة عليه دون آله؛ فكان الحُكمُ للصَّلاةِ عليه دون آله.
قلنا: لكن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أجابهم بكيفيَّة ما سألوا عنه على هذا الوجه، فاقتضى أن يكون حُكم الجميع سواء.



قوله: «والترتيب» هذا هو الرُّكن الثالث عشر مِن أركان الصَّلاة، يعني: الترتيب بين أركان الصَّلاة: قيام، ثم رُكوع، ثم رَفْع منه، ثم سُجود، ثم قعود، ثم سُجود.
ودليل ذلك:
1 ـ أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم عَلَّمَ المسيءَ في صلاته الصَّلاةَ بقوله: «ثم... ثم... ثم...».
«ثم» تدلُّ على الترتيب.
2 ـ أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم واظبَ على هذا الترتيب إلى أن تُوفِّيَ صلّى الله عليه وسلّم ولم يُخِلَّ به يوماً مِن الأيام وقال: «صَلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي».
3 ـ أنَّ هذا هو ظاهر قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}} فبدأ بالرُّكوع، وقال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم حين أقبل على الصَّفا: «أبدأُ بما بدأ الله به» ، فتكون الآية دالَّة على أنَّ الرُّكوعَ مقدَّمٌ على السُّجودِ، وإنما عَبَّرَنا بـ«ظاهر»؛ لأن «الواو» لا تستلزم الترتيب، أي: ليس كل ما جاء معطوفاً بالواو فهو للترتيب، إذ قد يكون لغير الترتيب.



قوله: «والتسليم» هذا هو الرُّكنُ الرابع عشر مِن أركان الصَّلاة، أي: أن يقول: «السَّلامُ عليكم ورحمةُ الله»، والمؤلِّف أطلقَ التَّسليمَ، فهل نقول إنَّ «ال» للجنس فيصدق بالتسليمة الواحدة، وبالاقتصار على «السلام» أو نقولُ: إن «ال» للعهد، والمراد بالتسليم ما سَبَقَ في صفة الصَّلاة، أي: أن يقول عن يمينه: «السَّلام عليكم ورحمة الله»، وعن يساره: «السلام عليكم ورحمة الله»؟ كلامُه محتمل.
ولهذا اختلفَ الفقهاء ـ رحمهم الله ـ في التسليم.
والمشهور من المذهب: أنَّ كلتا التسليمتين رُكنٌ في الفَرْضِ وفي النَّفْلِ.
وقيل: إنَّ الثانية سُنَّة في النَّفْل دون الفَرْض.
وقيل: سُنَّة في الفَرْضِ وفي النَّفْلِ.
وقيل: إنَّ التَّسليمَ ليس مقصوداً بذاته، وأنه إذا فَعَلَ ما ينافي الصَّلاة فقد انتهت الصَّلاة.

وهذه العبارة التي عَبَّرَ بها المؤلِّف هي التي عَبَّرتْ بها عائشةُ رضي الله عنها بقولها: «وكان يختِمُ الصَّلاةَ بالتَّسليم» فنقول في الحديث كما قلنا في كلام المؤلِّف: هل المراد بالتَّسليمِ التَّسليمُ المعهودُ، فيتضمن التسليمتين، أو مطلق التَّسليم، يعني: الجنس، فيجزي بواحدة؟
والأقرب: أنَّ التَّسليمتين كلتاهما رُكنٌ؛ لأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم واظبَ عليهما وقال: «صَلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي» ولأنَّ مِن عادة النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم العدل، فإذا سَلَّمَ على اليمين سَلَّمَ على اليسار، وإذا سَلَّمَ على اليمين فقط مع إمكان التَّسليم على اليسار: لم يتحقَّق ذلك. ولذلك كان يُسلِّمُ عن يمينه ويساره، حتى يكون لليمين حظٌّ من التَّسليم، ولليسار حَظٌّ من التَّسليم.

لكن الفقهاء استثنوا صلاةَ الجِنازة، فقالوا: ليس فيها إلا تسليمة واحدة فقط، ولم يقولوا: إن الثانية سُنَّة.
واستدلُّوا على ذلك: بأن الذين وصفوا صلاةَ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم على الجنائز لم يذكروا التَّسليمتين ، وبأنَّ صلاةَ الجنازة ليس فيها رُكوع، ولا سُجود، ولا قُعود، ولا انتقال، بل هي مبنيَّة على التَّخفيف، ولهذا ليس فيها دُعاء استفتاح فَخُفِّفَت بتسليمة واحدة.
وقوله: «التسليم» هل يكتفي بقوله: «السَّلامُ عليكم» أو لا بُدَّ من التَّسليم الكامل.
الجواب: المشهور مِن المذهب، أنه لا يكتفي بقوله: «السَّلامُ عليكم» يعني: لو اقتصرَ عليها لم يجزئ، وقيل: يجزئ؛ لأن ما زَادَ على ذلك ليس إلا فَضْلَة؛ إذ إن التَّسليم يصدق بقول المسلِّم: «السَّلامُ عليكم».



الشرح الممتع ( 3 / 292 – 315 )

محمد طه شعبان
2014-08-23, 07:52 AM
بارك الله فيكم ، ولكن أليس ما في الصورة صفة للإقعاء ، وما ذكرتم صفة أخرى للإقعاء ؟
نعم هي صورة من صور الإقعاء

محمد طه شعبان
2014-08-23, 07:59 AM
فَصْلٌ
وَجُمْلَةُ أَرْكَانِهَا أَرْبَعَةُ عَشَرَ:
الْقِيَامُ، وَالتَّحْرِيمَة ُ، وَالْفَاتِحَةُ، وَالرُّكُوعُ، وَالِاعْتِدَالُ عَنْهُ، وَالسُّجُودُ، وَالِاعْتِدَالُ عَنْهُ، وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ، وَالطُّمَأْنِين َةُ، وَالتَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ، وَجِلْسَتُهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالتَّسْلِيمَت َانِ، وَالتَّرْتِيبُ.
وَوَاجِبَاتُهَا ثَمَانِيَةٌ:
التَّكْبِيرُ غَيْرُ التَّحْرِيمَةِ، وَالتَّسْمِيعُ، وَالتَّحْمِيدُ، وَتَسْبِيحُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ، وَقَولُ: ((رَبِّ اغْفِرْ لِي)) مَرَّةً مَرَّةً، وَالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ، وَجِلْسَتُهُ.
وَمَا عَدَا ذَلِكَ وَالشُّرُوطَ: سُنَّةٌ.
فَالرُّكْنُ وَالشَّرْطُ لَا يَسْقُطَانِ سَهْوًا وَجَهْلًا؛ وَيَسْقُطُ الْوَاجِبُ بِهِمَا.

محمد طه شعبان
2014-08-23, 08:15 AM
قوله: (وَجُمْلَةُ أَرْكَانِهَا أَرْبَعَةُ عَشَرَ): أي: وجملة أركان الصلاة أربعة عشر ركنًا.
والركن في اللغة، هو: الجانِبُ الأقْوَى([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
ولهذا نُسمِّي الزَّاوية رُكنًا؛ لأنَّها أقوى جانب في الجدار؛ لكونها معضودة بالجدار الذي إلى جانبها([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
والركن في اصطلاح الفقهاء، هو: ما كان داخل ماهية الشيء، ولا يتم الشيء بدونه([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
قوله: (الْقِيَامُ): فالركن الأول من أركان الصلاة هو القيام؛ ودليل ذلك قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238].
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))».
قوله: (وَالتَّحْرِيمَ ُ): أي: تكبيرة الإحرام؛ وهي الركن الثاني من أركان الصلاة؛ ودليل ذلك حديث عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))».
وقال النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ...([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))».
قوله: (وَالْفَاتِحَةُ) : فهذا هو الركن الثالث من أركان الصلاة؛ وهو قراءة الفاتحة؛ ودليل ذلك حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))».
قوله: (وَالرُّكُوعُ، وَالِاعْتِدَالُ عَنْهُ، وَالسُّجُودُ، وَالِاعْتِدَالُ عَنْهُ، وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ، وَالطُّمَأْنِين َةُ): فهذه الأركان من الرابع إلى التاسع دليلها حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ المَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم فَرَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ السَّلَامَ، فَقَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»، فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» ثَلاَثًا، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، فَمَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، قَالَ: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8))».
قوله: (وَالتَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ، وَجَلْسَتُهُ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9))): فهذان الركنان العاشر والحادي عشر؛ دليلهما حديث ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا نَقُولُ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّشَهُّدُ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُولُوا هَكَذَا، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ السَّلَامُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))».
فصرح ابن مسعود رضي الله عنه أن التشهد فرض.
قوله: (وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم): أي: بعد التشهد الأخير؛ هذا هو الركن الثاني عشر من أركان الصلاة؛ ودليله حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ رضي الله عنه، فَقَالَ: أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً؟ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: «فَقُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))».
قوله: (وَالتَّسْلِيمَ َانِ): وهو الركن الثالث عشر؛ ودليله حديث عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12))».
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ»، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13)).
قوله: (وَالتَّرْتِيبُ) : وهو الركن الرابع عشر؛ ودليله أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسيء صلاته بهذا الترتيب؛ وكان هو صلى الله عليه وسلم يصلي بهذا الترتيب ولم يخالفه قط؛ وقال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14))».
قوله: (وَوَاجِبَاتُهَ ثَمَانِيَةٌ): أي: واجبات الصلاة ثمانية؛ والفرق بين الواجب والركن أن الواجب يسقط بالسهو ويجبره سجود السهو؛ بخلاف الركن، فلا يسقط بالسهو.
قوله: (التَّكْبِيرُ، وَالتَّسْمِيعُ، وَالتَّحْمِيدُ): فهذه واجبات ثلاثة: تكبيرات الانتقال، وقول: "سمع الله لمن حمده"، وقول: "ربنا ولك الحمد"؛ ودليل وجوبها حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15))».
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرُّكُوعِ» ثُمَّ يَقُولُ: وَهُوَ قَائِمٌ «رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ»، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا، وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ([16] (http://majles.alukah.net/#_ftn16)).
قوله: (غَيْرُ التَّحْرِيمَةِ): أي: جميع التكبيرات واجبة، غير تكبيرة الإحرام، فإنها ركن، كما تقدم.
قوله: (وَتَسْبِيحُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ): فهذان هما الواجبان الرابع والخامس؛ ودليلهما حديث حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ»، وَفِي سُجُودِهِ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى([17] (http://majles.alukah.net/#_ftn17))».
وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَكَعَ قَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ» ثَلَاثًا، وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ» ثَلَاثًا([18] (http://majles.alukah.net/#_ftn18)).
قوله: (وَقَولُ: "رَبِّ اغْفِرْ لِي" مَرَّةً مَرَّةً): هذا هو الواجب السادس؛ ودليله حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلمَ كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ : «رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي([19] (http://majles.alukah.net/#_ftn19))».
قوله: (وَالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ، وَجَلْسَتُهُ): ودليل ذلك حديث ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا نَقُولُ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّشَهُّدُ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُولُوا هَكَذَا، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ السَّلَامُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ([20] (http://majles.alukah.net/#_ftn20))».
فصرح ابن مسعود رضي الله عنه أن التشهد فرض؛ وهذا يشمل التشهدان؛ ولكن خرج التشهد الأول بحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ ابْنِ بُحَيْنَةَ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ، فَمَضَى فِي صَلَاتِهِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ انْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ، فَكَبَّرَ وَسَجَدَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَسَلَّمَ([21] (http://majles.alukah.net/#_ftn21)).
فالنبي صلى الله عليه وسلم لما نسيَ التشهُّدَ الأول لم يَعُدْ إليه وجَبَرَه بسجود السَّهو، ولو كان رُكنًا لم ينجبر بسجودِ السَّهوِ([22] (http://majles.alukah.net/#_ftn22)).
قوله: (وَمَا عَدَا ذَلِكَ وَالشُّرُوطَ: سُنَّةٌ): أي: وما عدا الأركان والواجبات والشروط، فهو سُنَّةٌ؛ وقد ذُكِرَ جميع ذلك في صفة الصلاة.
قوله: (فَالرُّكْنُ وَالشَّرْطُ لَا يَسْقُطَانِ سَهْوًا وَجَهْلًا؛ وَيَسْقُطُ الْوَاجِبُ بِهِمَا): أي: من ترك شرطًا؛ للصلاة؛ كالوضوء؛ أو ترك ركنًا؛ كالركوع أو السجود – سواء كان ناسيًا أو جاهلًا بحكمهما – فإنه لا يسقط عنه؛ وإنما يلزمه الإتيان به؛ ومن ترك واجبًا؛ كالتشهد الأول أو التسبيح في الركوع والسجود؛ فإنه يُجبر بسجود سهو.
والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك واجبًا – وهو التشهد الأول - لم يأت به؛ وإنما سجد للسهو فقط، كما في حديث ابن مسعود الأول، ولما نسي ركعتين أتى بهما ثم سجد للسهو.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ((القاموس المحيط)) (1201).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (3/ 291).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) انظر: ((المبدع في شرح المقنع)) (6/ 94).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) أخرجه البخاري (1117).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) أخرجه أحمد (1006)، وأبو داود (61)، والترمذي (3)، وقال: «هَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ»، وابن ماجه (275)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (301).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) متفق عليه: أخرجه البخاري (757)، ومسلم (397).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) متفق عليه: أخرجه البخاري (756)، ومسلم (394).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) متفق عليه: التخريج قبل السابق.

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) فائدة: قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((الشرح الممتع)) (3/ 324): ((«وجِلسته» بفتح الجيم، ولا يصحُّ أن نقول بكسر الجيم؛ لأنَّك لو قلت: «وجِلسته» بكسر الجيم، لزم أن تكون هيئة الجلوس واجبة وهي الافتراش، والافتراش ليس واجبًا، بل هو سُنَّة، والواجب هو الجلوس على أيِّ صفة.
قال ابن مالك رحمه الله في الألفية:
وفَعْلَة لمرَّة كجَلسة ... وفِعْلة لهيئة كجِلسة
إذا أُريد الصفة والكيفية قيل: فِعْلَة بكسر الفاء، وإذا أُريد المرَّة قيل: فَعْلَة، بفتحها؛ والمراد هنا: الجلوس وليس الهيئة، فلو جَلَسَ للتشهُّدِ الأول متربِّعًا أجزأ))اهـ.

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) أخرجه النسائي في ((المجتبى)) (1277)، وفي ((الكبرى)) (1201)، والبيهقي في ((الكبير)) (2819)، وفي ((الصغير)) (355)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (319).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) متفق عليه: أخرجه البخاري (6357)، ومسلم (406).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) أخرجه أحمد (1006)، وأبو داود (61)، والترمذي (3)، وقال: «هَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ»، وابن ماجه (275)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (301).

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) أخرجه أحمد (3699)، وأبو داود (996)، والنسائي (1142)، وابن ماجه (914)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (326).

[14] (http://majles.alukah.net/#_ftnref14))) متفق عليه: أخرجه البخاري (7246)، ومسلم (674)، واللفظ للبخاري.

[15] (http://majles.alukah.net/#_ftnref15))) متفق عليه: أخرجه البخاري (734)، ومسلم (414).

[16] (http://majles.alukah.net/#_ftnref16))) متفق عليه: أخرجه البخاري (789)، ومسلم (392).

[17] (http://majles.alukah.net/#_ftnref17))) أخرجه مسلم (772)، مطولًا، وأبو داود (871).

[18] (http://majles.alukah.net/#_ftnref18))) أخرجه أبو داود (870)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (4734).

[19] (http://majles.alukah.net/#_ftnref19))) أخرجه أحمد (23375)، وأبو داود (874)، والنسائي (1145)، وابن ماجه (897)، وصححه الألباني في ((صفة الصلاة)) (153).

[20] (http://majles.alukah.net/#_ftnref20))) أخرجه النسائي في ((المجتبى)) (1277)، وفي ((الكبرى)) (1201)، والبيهقي في ((الكبير)) (2819)، وفي ((الصغير)) (355)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (319).

[21] (http://majles.alukah.net/#_ftnref21))) متفق عليه: أخرجه البخاري (829)، ومسلم (570).

[22] (http://majles.alukah.net/#_ftnref22))) انظر: ((الشرح الممتع)) (3/ 323).

أم علي طويلبة علم
2014-08-24, 12:55 AM
قوله: (وَوَاجِبَاتُهَ ثَمَانِيَةٌ): أي: واجبات الصلاة ثمانية؛ والفرق بين الواجب والركن أن الواجب يسقط بالسهو ويجبره سجود السهو؛ بخلاف الركن، فلا يسقط بالسهو.
قوله: (التَّكْبِيرُ، وَالتَّسْمِيعُ، وَالتَّحْمِيدُ): فهذه واجبات ثلاثة: تكبيرات الانتقال، وقول: "سمع الله لمن حمده"، وقول: "ربنا ولك الحمد"؛ ودليل وجوبها حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15))».
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرُّكُوعِ» ثُمَّ يَقُولُ: وَهُوَ قَائِمٌ «رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ»، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا، وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ([16] (http://majles.alukah.net/#_ftn16)).
قوله: (غَيْرُ التَّحْرِيمَةِ): أي: جميع التكبيرات واجبة، غير تكبيرة الإحرام، فإنها ركن، كما تقدم.
قوله: (وَتَسْبِيحُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ): فهذان هما الواجبان الرابع والخامس؛ ودليلهما حديث حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ»، وَفِي سُجُودِهِ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى([17] (http://majles.alukah.net/#_ftn17))».
وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَكَعَ قَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ» ثَلَاثًا، وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ» ثَلَاثًا([18] (http://majles.alukah.net/#_ftn18)).
قوله: (وَقَولُ: "رَبِّ اغْفِرْ لِي" مَرَّةً مَرَّةً): هذا هو الواجب السادس؛ ودليله حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلمَ كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ : «رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي([19] (http://majles.alukah.net/#_ftn19))».
قوله: (وَالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ، وَجَلْسَتُهُ): ودليل ذلك حديث ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا نَقُولُ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّشَهُّدُ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُولُوا هَكَذَا، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ السَّلَامُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ([20] (http://majles.alukah.net/#_ftn20))».
فصرح ابن مسعود رضي الله عنه أن التشهد فرض؛ وهذا يشمل التشهدان؛ ولكن خرج التشهد الأول بحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ ابْنِ بُحَيْنَةَ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ، فَمَضَى فِي صَلَاتِهِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ انْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ، فَكَبَّرَ وَسَجَدَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَسَلَّمَ([21] (http://majles.alukah.net/#_ftn21)).
فالنبي صلى الله عليه وسلم لما نسيَ التشهُّدَ الأول لم يَعُدْ إليه وجَبَرَه بسجود السَّهو، ولو كان رُكنًا لم ينجبر بسجودِ السَّهوِ([22] (http://majles.alukah.net/#_ftn22)).
قوله: (وَمَا عَدَا ذَلِكَ وَالشُّرُوطَ: سُنَّةٌ): أي: وما عدا الأركان والواجبات والشروط، فهو سُنَّةٌ؛ وقد ذُكِرَ جميع ذلك في صفة الصلاة.
قوله: (فَالرُّكْنُ وَالشَّرْطُ لَا يَسْقُطَانِ سَهْوًا وَجَهْلًا؛ وَيَسْقُطُ الْوَاجِبُ بِهِمَا): أي: من ترك شرطًا؛ للصلاة؛ كالوضوء؛ أو ترك ركنًا؛ كالركوع أو السجود – سواء كان ناسيًا أو جاهلًا بحكمهما – فإنه لا يسقط عنه؛ وإنما يلزمه الإتيان به؛ ومن ترك واجبًا؛ كالتشهد الأول أو التسبيح في الركوع والسجود؛ فإنه يُجبر بسجود سهو.
والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك واجبًا – وهو التشهد الأول - لم يأت به؛ وإنما سجد للسهو فقط، كما في حديث ابن مسعود الأول، ولما نسي ركعتين أتى بهما ثم سجد للسهو.

قوله: «واجباتها» ، أي: واجبات الصلاة، وهل يعني أن الأركان غير واجبة؟
الجواب: لا يعني أن الأركان غير واجبة، بل الأركان واجبة وأوكد من الواجبات، لكن تختلف عنها في أن الأركان لا تسقط بالسَّهْوِ، والواجبات تسقط بالسَّهْوِ، ويجبرها سُجودُ السَّهْوِ، بخلاف الأركان؛ ولهذا من نسيَ رُكناً لم تصحَّ صلاته إلا به، ومن نسيَ واجباً أجزأَ عنه سُجودُ السَّهْوِ، فإنْ تَرَكَه جهلاً فلا شيء عليه، فلو قام عن التشهُّدِ الأول لا يدري أنه واجب فصلاتُه صحيحة، وليس عليه سُجود السَّهْوِ؛ وذلك لأنه لم يكن تَرْكه إيَّاه عن نسيان.
وقيل: عليه سُجود السَّهْوِ بترك الواجب جهلاً؛ قياساً على النسيان؛ لعدم المؤاخذة في كُلٍّ منهما...


قوله: «التكبير غير التحريمة» أي: قول «اللهُ أكبر» إلا التحريمة، هذا هو الواجب الأول؛ لأن التحريمة سَبَقَ أنَّها رُكنٌ فيدخل بذلك التكبير للركوع وللسجود وللرَّفْعِ منهما، وللقيام مِن التشهُّدِ الأول، فكلُّ التكبيرات واجبة وتسقط بالسَّهْوِ، ويُستثنى ما يلي:
1 ـ التكبيرات الزوائد في صلاة العيد، والاستسقاء فإنها سُنَّة.
2 ـ تكبيرات الجِنازة فإنَّها أركان.
3 ـ تكبيرة الركوع لمن أدرك الإِمام راكعاً فإنَّها سُنَّة.
والدليل على أن التكبيرات مِن الواجبات:
أولاً: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا كَبَّرَ الإِمامُ فكبِّروا، وإذا قال: سَمِعَ اللهُ لمَن حَمِدَه فقولوا: ربَّنا ولك الحمدُ»، وهذا يدلُّ على أنه لا بُدَّ مِن وجود هذا الذِّكْرِ، إذ الأمر للوجوب.
ثانياً: مواظبة النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم عليه إلى أن مات، ما تَرَكَ التكبيرَ يوماً من الدَّهر وقال: «صَلُّوا كما رأيتموني أصلِّي».
ثالثاً: أنه شِعار الانتقال من رُكن إلى آخر، لأن الانتقال لا شَكَّ أنه انتقال مِن هيئة إلى هيئة، فلا بُدَّ مِن شعار يدلُّ عليه.
قوله: «والتسميع، والتحميد» ، أي: قول الإِمام والمنفرد: «سَمِعَ اللهُ لمن حَمِدَه»، والتحميد: للإِمام، والمأموم، والمنفرد، وهذان هما الواجب: الثاني والثالث...


وقوله: «وتسبيحتا الركوع والسجود» .
لم يبيِّن المؤلِّف ـ رحمه الله ـ هاتين التَّسبيحتين، لكنه بيّنهما فيما سَبَقَ، حيث ذَكَرَ أنه يقول في الرُّكوع: «سبحان رَبِّي العظيم»، وفي السُّجود: «سبحان رَبِّي الأعلى». إذاً؛ فقول المصلِّي في ركوعه: «سبحان رَبِّي العظيم» واجب، وفي سجوده: «سبحان رَبِّي الأعلى» واجب...


قوله: «وسؤال المغفرة مرَّة مرَّة» هذا هو الواجب السادس من واجبات الصلاة، أي: سؤال المُصلِّي المغفرة مرَّة مرَّة، ولم يُبيِّنُ المؤلِّف ـ رحمه الله ـ متى يكون هذا السُّؤال، ولكن سَبَقَ في صفة الصلاة بأن قول: «ربِّ اغفِرْ لي» يكون بين السَّجدتين.
والمغفرة: هي سَتْرُ الذَّنْبِ والتجاوز عنه، مأخوذة من المِغْفَر الذي يُوضع على الرأس عند القتال لتوقِّي السِّهام، وفي هذا المِغفر سَتْر ووقاية، فالمغفرة ليست مجرَّد سَتْر الذُّنوب، ولا هي العفو عنها فقط، بل هي: السَّتر مع العفو، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى إذا خلا بعبده يوم القيامة وقرَّره بذنوبه: «قد سترتُها عليك في الدُّنيا، وأنا أغفِرُها لك اليوم»... وقوله: «مرَّة مرَّة» أي: مرَّة في كُلِّ جِلسة، مرَّة في الجِلسة الأولى، ومرَّة في الجِلسة الثانية، وهكذا.

قوله: «ويُسَنُّ ثلاثاً» أي: يُسَنُّ أن يُكَرِّرَ سؤال المغفرة ثلاث مرات.
والدليل على أنه يُسَنُّ ثلاثاً: حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: حين ذَكَرَ أنه صَلَّى مع النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم فلما جَلَسَ بين السَّجدتين جَعَلَ يقول: «ربِّ اغفِرْ لي، ربِّ اغفِرْ لي» وكان دُعاء النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم غالباً التكرار ثلاثاً.


قوله: «والتشهد الأول، وجلسته» هذان هما الواجب السابع والثامن من واجبات الصلاة.
فالتشهُّد الأول هو: «التحياتُ لله، والصَّلواتُ، والطيباتُ، السَّلامُ عليك أيُّها النبيُّ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، السَّلامُ علينا وعلى عِبادِ الله الصالحين، أشهدُ أنْ لا إله إلا الله؛ وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه».
والدليل على وجوبه: حديث عبد الله بن مسعود: «كنا نقول قبل أن يُفرَضَ علينا التشهُّدُ»...

وقوله: «وجلسته» بفتح الجيم، ولا يصحُّ أن نقول «وجِلسته» بكسر الجيم ـ لأنَّك لو قلت: «وجِلسته» بكسر الجيم، لزم أن تكون هيئة الجلوس واجبة وهي الافتراش، والافتراش ليس واجباً، بل هو سُنَّة، والواجب هو الجلوس على أيِّ صفة...


قوله: «وما عدا الشرائط، والأركان، والواجبات المذكورة سُنَّة» فالواجبات ثمانية سبقت أدلتُها، ولكن في بعضها خلاف، فالتشهُّدُ الأول قيل: إنه سُنَّة...
وفي قوله: «الشرائط» فَعائل جَمْعُ فَعيلَة، كصحائف جَمْعُ صحيفة، فكأن المؤلِّف ـ رحمه الله ـ عَبَّرَ بالشرائط التي واحدها شريطة.
ما يجب للصَّلاة قبلها، وتتوقَّفُ عليها صحَّتها، كاستقبال القبلة، والطهارة، وسَتْر العورة، وما أشبه ذلك.
وقوله: «والأركان» سبقت أيضاً، والفَرْقُ بينها وبين الشرائط: أن الشرائط خارج الصلاة، والأركان في نفس الصلاة، فهي ماهيَّة الصلاة.
وقوله: «والواجبات» بالكسر؛ لأنها جَمْعُ مؤنَّث سالم، وجَمْعُ المؤنث السالم نصبه يكون بالكسر...
قوله: «سُنَّة» السُّنَّة في اصطلاح الفقهاء: هي ما أُمِرَ به لا على سبيل الإِلزام بالفعل. فتجتمع هي والواجب في أن كلًّا منهما مأمور به، وتنفصل عن الواجب أن: الواجب على سبيل الإِلزام، والسنَّة على غير سبيل الإِلزام.




الشرح الممتع ملخصا ( 3 / 315 - 326 )

محمد طه شعبان
2014-09-04, 01:07 PM
فَصْلٌ
وَيُشْرَعُ سُجُودُ السَّهْوِ لزِيَادَةٍ وَنَقْصٍ وَشَكٍّ، لَا فِي عَمْدٍ؛ وَهُوَ وَاجِبٌ لِمَا تَبْطُلُ بِتَعَمُّدِهِ، وَسُنَّةٌ لِإِتْيَانٍ بِقَوْلٍ مَشْرُوعٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ سَهْوًا، وَلَا تَبْطُلُ بِتَعَمُّدِهِ، وَمُبَاحٌ لِتَرْكِ سُنَّةٍ.
وَمَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ نَدْبًا؛ إِلَّا إِذَا سَلَّمَ عَنْ نَقْصٍ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ، فَبَعْدَهُ نَدْبًا.
وَإِنْ سَلَّمَ قَبْلَ إِتْمَامِهَا عَمْدًا، بَطُلَتْ؛ وَسَهْوًا فَإِنْ ذَكَرَ قَرِيبًا أَتَمَّهَا وَسَجَدَ، وَإِنْ أَحْدَثَ أَوْ قَهْقَهَ، بَطُلَتْ، كَفِعْلِهِمَا فِي صُلْبِهَا، وَإِنْ نَفَخَ أَوِ انْتَحَبَ لَا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ أَوْ تَنَحْنَحَ بِلَا حَاجَةٍ فَبَانَ حَرْفَانِ، بَطُلَتْ.
وَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا - غَيْرَ التَّحْرِيمَةِ - فَذَكَرَهُ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ رَكْعَةٍ أُخْرَى، بَطُلَتْ الْمَتْرُوكُ مِنْهَا، وَصَارَتِ الَّتِي شَرَعَ فِي قِرَائَتِهَا مَكَانَهَا، وَقَبْلَهُ يَعُودُ فَيَأْتِي بِهِ وَبِمَا بَعْدَهُ، وَبَعْدَ سَلَامٍ فَكَتَرْكِ رَكْعَةٍ، وَإِنْ نَهَضَ عَنْ تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ نَاسِيًا، لَزِمَ رُجُوعُهُ، وَكُرِهَ إِنِ اسْتَتَمَّ قَائِمًا، وَحَرُمَ وَبَطُلَتْ إِنْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ، لَا إِنْ نَسِيَ أَوْ جَهِلَ، وَيَتْبَعُ مَأْمُومٌ، وَيَجِبُ السُّجُودُ لِذَلِكَ مُطْلَقًا.
وَيَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ - وَهُوَ الْأَقَلُّ - مَنْ شَكَّ فِي رُكْنٍ أَوْ عَدَدٍ.

محمد طه شعبان
2014-09-04, 01:35 PM
قوله: (وَيُشْرَعُ سُجُودُ السَّهْوِ لزِيَادَةٍ): ودليل ذلك حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا، فَقِيلَ لَهُ: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟» قَالَ: صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
قوله: (وَنَقْصٍ): أي: ويُشرع سجود السهو – أيضًا – للنقص؛ ودليل ذلك حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ ابْنِ بُحَيْنَةَ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ، فَمَضَى فِي صَلَاتِهِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ انْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ، فَكَبَّرَ وَسَجَدَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَسَلَّمَ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
قوله: (وَشَكٍّ): أي: ويُشرع سجود السهو – أيضًا – للشك؛ ودليل ذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قاَلَ: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))».
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))».

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1226)، ومسلم (572).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) متفق عليه: أخرجه البخاري (829)، ومسلم (570).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) متفق عليه: أخرجه البخاري (401)، ومسلم (572).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) أخرجه مسلم (571).

محمد طه شعبان
2014-09-04, 01:36 PM
قوله: (لَا فِي عَمْدٍ): أي: لا يُشرع سجود السهو لِمَنْ ترك شيئًا من الصلاة عن عمد؛ لأنه إنما شُرع للسهو؛ فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))»؛ فعلق النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السجود على السهو.
قوله: (وَهُوَ وَاجِبٌ لِمَا تَبْطُلُ بِتَعَمُّدِهِ): أي: أن سجود السهو واجب إن نسي المصلي شيئًا تبطل به الصلاة إن تركه عمدًا؛ وهي الأركان والواجبات؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعله وأَمَرَ به، ولأنه شُرِعَ لجبر واجب، فكان واجبًا.
إذًا، هذه قاعدة: «سجود السَّهو واجب لكل فِعْلٍ أو تَرْكٍ إذا تعمَّده الإِنسان بطلت صلاتُه؛ ومستحب لكل فعل أو ترك إذا تعمده الإنسان لم تبطل صلاته».
قوله: (وَسُنَّةٌ لِإِتْيَانٍ بِقَوْلٍ مَشْرُوعٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ سَهْوًا): أي: أن مَنْ سها في صلاته فأتى بقول مشروع، ولكن أتى به في غير موضعه؛ كالقراءة في السجود والقعود، والتشهد في القيام؛ فإن سجود السهو – حينها – يكون مسنونًا فقط، وليس واجبًا؛ كسائر ما لا يبطل عَمْدُهُ الصلاةَ.
قوله: (وَلَا تَبْطُلُ بِتَعَمُّدِهِ): أي: ولا تبطل الصلاة إذا أتى المصلي بقول مشروع في غير محله؛ لأنه مشروع في الصلاة في الجملة.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) سيأتي.

محمد طه شعبان
2014-09-04, 01:39 PM
قوله: (وَمُبَاحٌ لِتَرْكِ سُنَّةٍ): أي: سجود السهو يكون مباحًا – ليس واجبًا ولا مستحبًّا – في حالة ترك سُنَّةٍ من سنن الصلاة.
وفي رواية أخرى أنه لا يُشرع سجود السهو لترك سُنَّة.
قال برهان الدين ابن مفلح رحمه الله: ((وَلَا يُشْرَعُ السُّجُودُ لَهَا – أي: لترك سُنَّة - نَصَرَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْ تَرْكِهَا لِكَثْرَتِهَا، فَلَوْ شُرِعَ السُّجُودُ لَمْ تَخْلُ صَلَاةٌ مِنْ سُجُودٍ فِي الْغَالِبِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))اهـ.
قوله: (وَمَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ نَدْبًا): أي: ويسجد المصلي للسهو - في جميع الأحوال؛ سواء كان لنقص أو زيادة أو شك - قبل السلام؛ واستدلوا على ذلك بحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ ابْنِ بُحَيْنَةَ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ، فَمَضَى فِي صَلَاتِهِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ انْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ، فَكَبَّرَ وَسَجَدَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَسَلَّمَ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقالوا أيضًا: إن سجود السهو من شأن الصلاة؛ فيقضيه قبل أن يسلم([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
قوله: (إِلَّا إِذَا سَلَّمَ عَنْ نَقْصٍ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ، فَبَعْدَهُ نَدْبًا): أي: ويُستحب لمن سها فترك ركعة فأكثر، أن يسجد للسهو بعد السلام؛ ويُفهم منه أن النقص لو كان أقل من ركعة، فيُسجد له قبل السلام لا بعده؛ واستدلوا على ذلك بحديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: الْخِرْبَاقُ - وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طُولٌ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ، وَخَرَجَ غَضْبَانَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى النَّاسِ، فَقَالَ: أَصَدَقَ هَذَا قَالُوا: نَعَمْ، «فَصَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))».
فركع النبي صلى الله عليه وسلم لنقص ركعة كاملة، قبل السلام، فلا يُقاس عليها ما دون الركعة؛ لأن الأصل أن سجود السهو قبل السلام، كما تقدم.
قلت: والصواب – وهو رواية عن أحمد – التفصيل.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((السُّجُودُ كُلُّهُ عِنْدَ أَحْمَدَ، قَبْلَ السَّلَامِ، إلَّا فِي الْمَوْضِعَيْنِ اللَّذَيْنِ وَرَدَ النَّصُّ بِسُجُودِهِمَا بَعْدَ السَّلَامِ، وَهُمَا إذَا سَلَّمَ مِنْ نَقْصٍ فِي صَلَاتِهِ، أَوْ تَحَرَّى الْإِمَامُ، فَبَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ، وَمَا عَدَاهُمَا يَسْجُدُ لَهُ قَبْلَ السَّلَامِ؛ نَصَّ عَلَى هَذَا فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))))اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ - التَّفْرِيقُ بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ، وَبَيْنَ الشَّكِّ مَعَ التَّحَرِّي وَالشَّكِّ مَعَ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ فَإِذَا كَانَ السُّجُودُ لِنَقْصٍ كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ جَابِرٌ لِيُتِمَّ الصَّلَاةَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لِزِيَادَةٍ كَانَ بَعْدَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ إرْغَامٌ لِلشَّيْطَانِ لِئَلَّا يَجْمَعَ بَيْنَ زِيَادَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ، كَذَلِكَ إذَا شَكَّ وَتَحَرَّى فَإِنَّهُ يُتِمُّ صَلَاتَهُ؛ وَإِنَّمَا السَّجْدَتَانِ إرْغَامٌ لِلشَّيْطَانِ فَتَكُونَانِ بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا سَلَّمَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ صَلَاتِهِ ثُمَّ أَكْمَلَهَا فَقَدْ أَتَمَّهَا، وَالسَّلَامُ فِيهَا زِيَادَةٌ، وَالسُّجُودُ فِي ذَلِكَ بَعْدَ السَّلَامِ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ، وَأَمَّا إذَا شَكَّ وَلَمْ يَبِنْ لَهُ الرَّاجِحُ فَيَعْمَلُ هُنَا عَلَى الْيَقِينِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ صَلَّى خَمْسًا أَوْ أَرْبَعًا فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا فَالسَّجْدَتَان ِ يَشْفَعَانِ لَهُ صَلَاتَهُ لِيَكُونَ كَأَنَّهُ صَلَّى لِلَّهِ سِتًّا لَا خَمْسًا؛ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ السَّلَامِ؛ فَهَذَا الَّذِي بَصِرْنَاهُ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ جَمِيعُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))))اهـ.
قلت: وتفصيل ذلك والأدلة عليه كما يلي:
فأما النقص – ركعة أو أقل أو أكثر – فسجوده قبل السلام؛ ودليل ذلك حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه، المتقدم، وحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ ابْنِ بُحَيْنَةَ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ، فَمَضَى فِي صَلَاتِهِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ انْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ، فَكَبَّرَ وَسَجَدَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَسَلَّمَ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
وأما الزيادة، فبعد السلام؛ ودليل ذلك حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا، فَقِيلَ لَهُ: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟» قَالَ: صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ المَسْجِدِ، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا، وَفِي القَوْمِ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ، فَقَالُوا: قَصُرَتِ الصَّلَاةُ، وَفِي القَوْمِ رَجُلٌ، كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوهُ ذَا اليَدَيْنِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ؟ فَقَالَ: «لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تَقْصُرْ» قَالُوا: بَلْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «أَكَمَا يَقُولُ ذُو اليَدَيْنِ» فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، ثُمَّ وَضَعَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ: ثُمَّ سَلَّمَ؟ فَيَقُولُ: نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
وفي لفظ لمسلم: ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ، بَعْدَ التَّسْلِيمِ.
فسجد النبي صلى الله عليه وسلم بعد السلام؛ لأنه زاد التسليم الأول.
وأما إن كان عن شك، فله حالتان:
الحالة الأولى: شك مع البناء على اليقين؛ أي: البناء على الأقل؛ كرجل صلى العشاء فنسي أصلى ثلاثًا أم أربعًا، فتحرى فلمْ يتبين له، فيجعلهما ثلاثًا ويأتي بالرابعة؛ وهذا محله قبل السلام؛ ودليل ذلك حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))».
الحالة الثانية: شك مع التحري؛ كرجل صلى العشاء فنسي أصلى ثلاثًا أم أربعًا، فتحرى واجتهد، فتبين له أنه صلى أربعًا، أو تبين له أنه صلى ثلاثًا، فَلْيَبْنِ على ما تبين له، ويسجد سجدتين للسهو؛ وهذا السجود محله بعد السلام؛ ودليل ذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قاَلَ: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))».
قوله: (وَإِنْ سَلَّمَ قَبْلَ إِتْمَامِهَا عَمْدًا، بَطُلَتْ): فإن تعمد السلام قبل إتمام الصلاة بطلت بإجماع المسلمين([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)).

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ((المبدع)) (1/ 447).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) متفق عليه: أخرجه البخاري (829)، ومسلم (570).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) انظر: ((المغني)) (2/ 18).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) أخرجه مسلم (574).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((المغني)) (2/ 18).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((الفتاوى الكبرى)) (5/ 341).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) متفق عليه: أخرجه البخاري (829)، ومسلم (570).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1226)، ومسلم (572).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) متفق عليه: أخرجه البخاري (482، 1229، 6051)، ومسلم (573).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) أخرجه مسلم (571).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) متفق عليه: أخرجه البخاري (401)، ومسلم (572).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) ذكر الإجماع على ذلك المرداوي في ((الإنصاف)) (2/ 132).

أبو البراء محمد علاوة
2014-09-04, 09:34 PM
بارك الله فيك أبا يوسف

محمد طه شعبان
2014-09-11, 06:33 PM
قوله: (وَسَهْوًا فَإِنْ ذَكَرَ قَرِيبًا أَتَمَّهَا وَسَجَدَ): أي: إن سلم قبل إتمامها سهوًا، فذكر قريبًا، عُرفًا، عاد فأتمها وسجد للسهو.
ومفهوم كلام المؤلف أنه لو تذكر بعيدًا وطال الفصل، فإن صلاته تبطل، وليس له أن يبني على ما سبق، بل عليه إعادتها.
والصحيح، أنه لو تذكر بعيدًا وطال الفصل، فإنه يبني على ما سبق ويسجد للسهو، ولا يعيد؛ وهو رواية عن أحمد، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ((وَعَنْ أَحْمَد رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَسْجُدُ وَإِنْ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَتَبَاعَدَ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ؛ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ؛ فَإِنَّ تَحْدِيدَ ذَلِكَ بِالْمَكَانِ أَوْ بِزَمَانِ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ؛ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الزَّمَانُ غَيْرَ مَضْبُوطٍ فَطُولُ الْفَصْلِ وَقِصَرُهُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ مَعْرُوفٌ فِي عَادَاتِ النَّاسِ لِيَرْجِعَ إلَيْهِ، وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، وَلَمْ يُفَرِّقِ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ فِي السُّجُودِ وَالْبِنَاءِ بَيْنَ طُولِ الْفَصْلِ وَقِصَرِهِ وَلَا بَيْنَ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ وَالْمُكْثِ فِيهِ، بَلْ قَدْ دَخَلَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مَنْزِلِهِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)) وَخَرَجَ السَّرْعَانُ مِنَ النَّاسِ كَمَا تَقَدَّمَ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
قوله: (وَإِنْ أَحْدَثَ أَوْ قَهْقَهَ، بَطُلَتْ، كَفِعْلِهِمَا فِي صُلْبِهَا): فإن سلَّم سهوًا ثم أحدث بطلت صلاته؛ وذلك لأن الحدث لا يُعذر فيه بالخطأ والنسيان؛ فلو أحدث في صلب صلاته ناسيًا أو مخطئًا، فإن صلاته تبطل، وكذلك لو أحدث بعدما خرج منها ناسيًا.
وكذلك لو ضحك فخرج صوته، بطلت صلاته؛ كأنه فعلها في صلب الصلاة.
والصحيح – وهو رواية عن أحمد([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)) – أنه لو ضحك أو فعل ما ينافي الصلاة من كلام وغيره، فإن صلاته لا تبطل؛ لأنه معذور بالسهو. وهو ما رجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
قوله: (وَإِنْ نَفَخَ أَوِ انْتَحَبَ لَا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ أَوْ تَنَحْنَحَ بِلَا حَاجَةٍ فَبَانَ حَرْفَانِ، بَطُلَتْ): قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((قوله: «إن نفخ» أي: فبان حرفان بطلت صلاتُه؛ لأنه تكلَّم مثل أن يقول: «أف» يرفع صوته بها، فهذا تبطل صلاته به؛ لأنه بان منه حرفان. وفي هذا التَّعليل شيء؛ لأنه قد يكون الكلام كلامًا تامًّا مع حرف واحد؛ كأفعال الأمر مِن الثلاثي إذا كانت مثالًا ناقصًا.
المثال: هو معتلُّ الأول، والناقص: هو معتل الأخير، فالأمر من هذا الفعل يكون على حرف واحد، وهو كلام تام؛ مثل أن تقول لصاحبك: «عِ» من وعى، فـ«عِ» هذا كلام تام، أو «فِ» من وَفَّى، هذا أيضًا كلام تام، وهي مكوَّنة مِن حرف واحد، كما أنه يكون هناك ثلاثة حروف، ولا يكون كلامًا، فكون المسألة تعلَّل بأن ما كان حرفان فهو كلام، وما دون ذلك ليس بكلام، فيه نَظَرٌ.
ولهذا نقول في «النَّفخ»: إن كان عَبَثًا أبطل الصَّلاة؛ لأنه عَبَثٌ، وإنْ كان لحاجة فإنه لا يُبطل الصَّلاة، ولو بان منه حرفان؛ لأنه ليس بكلام، مثل: أن ينفخ الإِنسان حشرة دَبَّتْ على يده لإزالتها؛ لأنه أهون لها من أن يمسَّها بيده؛ لأنه ربَّما لو مَسَّها بيده لتأثرت، ولأنه أسهل لها، فالمدار في هذا على العبث، إنْ فَعَلَه عبثًا فإن الصَّلاة تبطل لمنافاة العبث لها، وإنْ كان لحاجة لم تبطل.
قوله: «انتحب» أي: فَبَانَ حرفان، والنَّحيب: رَفْعُ الصوت بالبكاء.
قوله: «من غير خشية الله تعالى» مثل: أن يأتيه الخَبَرُ وهو يُصلِّي بأن فلانًا مات فينتحبُ، فانتحابه هنا ليس مِن خشية الله، ولكن من حُزْنِهِ على فراق هذا الميِّت، فإذا بان حرفان مِن انتحابه بطلت صلاتُه؛ هذا ما قرَّره المؤلِّف.
والصحيح: أنه إذا غلبه البكاء حتى انتحب لا تبطل صلاتُه؛ لأن هذا بغير اختياره، سواء كان مِن غير خشية الله كما سَبَقَ، أم من خشية الله، أي: شدَّة خوفه مِن الله عزَّ وجل، أو من محبَّة الله وشدَّة شوقه إلى الله؛ لأن البكاء قد يكون خشية لله، وقد يكون شوقًا إلى الله عزَّ وجل، فكما يكون للقلب تأثر عند ذِكْرِ ثواب المتقين فيبكي شوقًا إلى هذا النَّعيم، كذلك يكون عند ذِكْرِ الكافرين وعقابهم، فيبكي خوفًا مِن هذا العذاب.
قوله: «أو تنحنح من غير حاجة فبان حرفان» فإن صلاته تبطل.
والحاجة للتنحنح، إما أن تكون قاصرة، أو متعدِّية: فإذا أحسَّ الإِنسانُ بحَلْقِهِ انسدادًا، فإنه يتنحنح مِن أجل إزالة هذا الانسداد، فهذا لحاجة قاصرة.
والتَّنحنحُ لحاجةٍ متعدِّيةٍ مثل: إذا استأذن عليه شخص وأراد أن يُنبِّهه على أنه يُصلِّي، أو ما أشبه ذلك، فهذه حاجة متعدِّية فلا تبطل الصَّلاة بذلك؛ لأنَّها لحاجة، فإنْ كان لغير حاجة فإنها تبطل الصلاة بشرط أن يبين حرفان.
والقول الراجح: أن الصَّلاة لا تبطل بذلك، ولو بَانَ حرفان؛ لأن ذلك ليس بكلام، والنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إنما حَرَّم الكلام. اللَّهُمَّ إلا أن يقع ذلك على سبيل اللعب، فإن الصلاة تبطل به؛ لمنافاته الصلاة فيكون كالقهقهة([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))))اهـ.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) يقصد حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ ... الحديثَ، وقد تقدم، وهو عند مسلم.

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((مجموع الفتاوى)) (23/ 43).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) انظر: ((المغني)) (2/ 36)، و((مجموع الفتاوى)) (23/ 39).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الشرح الممتع)) (3/ 366).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((الشرح الممتع)) (3/ 366- 368).

أبو فراس السليماني
2014-09-11, 08:04 PM
بارك الله فيكم

محمد طه شعبان
2014-09-16, 12:04 PM
بارك الله فيكم

وفيكم بارك الله أخانا الحبيب أبا فراس

محمد طه شعبان
2014-09-16, 12:06 PM
قوله: (وَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا - غَيْرَ التَّحْرِيمَةِ - فَذَكَرَهُ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ رَكْعَةٍ أُخْرَى، بَطُلَتْ الْمَتْرُوكُ مِنْهَا، وَصَارَتِ الَّتِي شَرَعَ فِي قِرَائَتِهَا مَكَانَهَا): قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((ومن ترك ركنًا، فإن كان تكبيرة الإِحرام لم تنعقد صلاتُه، سواء تَرَكَها عمدًا أم سهوًا؛ لأن الصلاة لا تنعقد إلا بتكبيرة الإِحرام، فلو فُرِضَ أن شخصًا وقف ليصلِّي فنسيَ التكبير وشرعَ في الاستفتاح وقرأ الفاتحة واستمرَّ، فإننا نقول: إن صلاته لم تنعقد أصلًا، ولو صَلَّى كُلَّ الرَّكعات، وإن كان غير التحريمة فهو الذي ذَكَرَه المؤلِّفُ رحمه الله.
قوله: «فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت التي تركه منها»، بطلت: يعني صارت لغوًا، وليس البطلان الذي هو ضِدُّ الصِّحة؛ لأنه لو كان البطلان الذي هو ضِدُّ الصِّحة؛ لوجب أن يخرج من الصَّلاة، ولكن المراد بالبطلان هنا: اللغو، فمعنى «بطلت» أي صارت لغوًا، وتقوم التي بعدها مقامها، هذا إذا ذكره بعد شروعه في قراءة الركعة الأخرى.
مثال ذلك: رَجُلٌ يُصلِّي فلما سَجَدَ السُّجود الأول في الرَّكعة الأُولى، قام إلى الرَّكعة الثانية، وشرع في قراءة الفاتحة، ثم ذَكَرَ أنه لم يسجد إلا سجدة واحدة؛ فَتَرَكَ جلوسًا وسجدة، أي: ترك رُكنين، فنقول له: يحرم عليك أن ترجع؛ لأنك شرعت في ركن مقصود من الرَّكعة التي تليها، فلا يمكن أن تتراجع عنها، لكن تلغي الرَّكعة السَّابقة، وتكون الرَّكعة التي بعدها بدلًا عنها.
مثال آخر: قام إلى الرَّابعة في الظُّهر، ثم ذَكَرَ أنه نسيَ السَّجدة الثانية من الركعة الثالثة، بعد أن شَرَعَ في القراءة فتُلغَى الثالثة، وتكون الرابعة هي الثالثة؛ لأنه شَرَعَ في قراءتها. وهذا ما قرَّره المؤلِّف.
والقول الثاني([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)): أنها لا تبطل الركعة التي تركه منها، إلا إذا وَصَلَ إلى محلِّه في الرَّكعة الثانية، وبناء على ذلك يجب عليه الرُّجوعُ ما لم يَصِلْ إلى موضعه من الرَّكعة الثانية.
ففي المثال الذي ذكرنا، لمَّا قام إلى الثانية؛ وشَرَعَ في قراءة الفاتحة؛ ذَكَرَ أنه لم يسجد في الركعة الأُولى، فنقول له: ارجعْ واجلسْ بين السَّجدتين، واسجدْ، ثم أكمل.
وهذا القول هو الصحيح؛ وذلك لأن ما بعد الرُّكن المتروك يقع في غير محلِّه لاشتراط الترتيب، فكل رُكن وَقَعَ بعد الرُّكن المتروك فإنه في غير محلِّه لاشتراط الترتيب بين الأركان، وإذا كان في غير محلِّه فإنه لا يجوز الاستمرار فيه، بل يرجع إلى الرُّكن الذي تَرَكَه كما لو نسيَ أن يغسل وجهه في الوُضُوء، ثم لما شرع في مسح رأسه ذَكَرَ أنه لم يغسل الوجه، فيجب عليه أن يرجع ويغسل الوجه وما بعده، فإنْ وَصَلَ إلى محلِّه مِن الرَّكعة الثانية، فإنه لا يرجع؛ لأن رجوعه ليس له فائدة؛ لأنه إذا رَجَعَ فسيرجع إلى نفس المحل، وعلى هذا؛ فتكون الرَّكعة الثانية هي الأُولى.
مثاله: لما قام من السَّجدة الأولى في الرَّكعة الثانية وجَلَسَ؛ ذَكَرَ أنه لم يسجد في الرَّكعة الأولى إلا سجدة واحدة، فلا يرجع إلى الرَّكعة الأولى، ولو رَجَعَ فسيرجع إلى المكان نفسه الذي هو فيه.
وهذا القول هو القول الرَّاجح: أنه يجب الرُّجوع إلى الرُّكن المتروك ما لم يَصِلْ إلى موضعه من الرَّكعة الثانية، فإنْ وَصَلَ إلى موضعه من الرَّكعة الثانية صارت الثانية هي الأولى([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
قوله: (وَقَبْلَهُ يَعُودُ فَيَأْتِي بِهِ وَبِمَا بَعْدَهُ): أي: إذا ذَكَرَ الرُّكنَ المتروكَ قبل شروعه في قراءة الرَّكعة التي تلي المتروك منها، فإنه يعود إلى الرُّكن المتروك فيأتي به وبما بعده.
مثال ذلك: رَجُل يُصَلِّي فقام إلى الرَّكعة الثانية، وحين قيامه ذَكَرَ قبل أن يقرأ أنه لم يسجد في الرَّكعة الأولى إلا سَجْدَة واحدة، فيلزمه الرُّجوع، فيجلس جلسة ما بين السَّجدتين، ثم يسجد ثم يقوم للثانية([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
قوله: (وَبَعْدَ سَلَامٍ فَكَتَرْكِ رَكْعَةٍ): قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((أي: إن عَلِمَ بالرُّكن المتروك بعد أن سَلَّمَ فكتركه رَكعة كاملة، أي: فكأنه سَلَّمَ عن نقص رَكعة، وعلى هذا؛ فيأتي برَكعة كاملة، ثم يتشهَّدُ ويسجد للسَّهو ويُسلِّمُ.
مثال ذلك: رَجُلٌ صَلَّى، ولَمَّا فَرَغَ من الصَّلاة ذَكَرَ أنه لم يسجد في الرَّكعة الأخيرة إلا سجدة واحدة، فيأتي بركعةٍ كاملةٍ، هذا ما قرَّره المؤلِّف.
ووجه ذلك: أنه لما سَلَّمَ امتنع بناءُ الصَّلاة بعضُها على بعضٍ فتبطل الرَّكعة كلُّها، ويأتي بركعة كاملة، ولأن تسليمه بعد التشهُّد يشبه ما إذا شَرَعَ في قراءة الرَّكعة التي تليها، وهو إذا شَرَعَ بقراءة الرَّكعة التي تليها وَجَبَ عليه إلغاء الرَّكعة الأُولى، وأن يأتي برَكعة كاملة.
والقول الثاني: أنه لا يلزمه أن يأتي بركعة كاملة، وإنما يأتي بما تَرَكَ وبما بعده؛ لأن ما قبل المتروك وَقَعَ في محلِّه صحيحًا، فلا يُلزم الإِنسان مرَّة أخرى، أما ما بعد المتروك، فإنما قلنا بوجوب الإِتيان به من أجل الترتيب، وعلى هذا ففي المثال الذي ذكرنا نقول لهذا الرَّجُل: ارجعْ واجلسْ بين السجدتين، واسجدْ السَّجدة الثانية، ثم اقرأ التشهُّدَ، ثم سَلِّمْ، ثم اسجدْ للسَّهو وسلِّمْ، وهذا القول هو الصَّحيح.
ووجه صِحَّته: أن ما قبل المتروك وقع مُجْزِأً في محلِّه فلا وَجْهَ لبطلانه، وأما ما بعد المتروك فإنما قلنا بوجوب إعادته مِن أجل مراعاة الترتيب([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))اهـ.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) وهو وجه في المذهب، انظر: ((الإنصاف)) (2/ 139).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (3/ 371- 373).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (3/ 373).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الشرح الممتع)) (3/ 374، 375).

محمد طه شعبان
2014-09-16, 12:07 PM
قوله: (وَإِنْ نَهَضَ عَنْ تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ نَاسِيًا، لَزِمَ رُجُوعُهُ): أي: إن تذكر قبل أن ينتصب قائمًا، فيلزمه الجلوس والإتيان به؛ ودليل ذلك حديث الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ، فَإِذَا اسْتَتَمَّ قَائِمًا فَلَا يَجْلِسْ وَيَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
قال المرداوي رحمه الله: ولا أعلم فيه خلافًا([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
قوله: (وَكُرِهَ إِنِ اسْتَتَمَّ قَائِمًا، وَحَرُمَ وَبَطُلَتْ إِنْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ): أي: وكُره له الجلوس للتشهد، إن استتم قائمًا قبل أن يشرع في القراءة، وأما إذا شَرَع في القراءة، فيحرم عليه الرجوع، وتبطل صلاته.
وقيل: يحرم عليه الرجوع بمجرد استوائه قائمًا، وإن لَم يشرع في القراءة([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
قلت: وهو الصحيح؛ لحديث المغيرة بن شعبة المتقدم، ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
قوله: (لَا إِنْ نَسِيَ أَوْ جَهِلَ): أي: إن تذكر فجلس بعد أن شرع في القراءة، وكان جلوسه عن سهو أو جهل، فإن صلاته لا تبطل؛ لأن النسيان معفو عنه، والجهل في معناه، ولحديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه أنه تكلم في الصلاة جاهلًا، فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
قوله: (وَيَتْبَعُ مَأْمُومٌ): أي: ويتبع المأمومُ الإمامَ في قيامه ناسيًا؛ ودليل ذلك حديث عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ قَامَ، فَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، ثُمَّ سَلَّمَ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
قوله: (وَيَجِبُ السُّجُودُ لِذَلِكَ مُطْلَقًا): أَي: وَيجب السُّجُود لجَمِيع هَذِه الصُّور مُطلقًا؛ أَي: سَوَاء ذكر الرُّكْن الْمَتْرُوك قبل شُرُوعه فِي قِرَاءَة الَّتِي تَلِيهَا أَو بعده، وَسَوَاء كَانَ رُجُوعه قبل أَن يستتم قَائِمًا أَو بعده أَو بمضيه حَيْثُ حَرُمَ رُجُوعه([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) أخرجه أحمد (18222)، وأبو داود (1036)، وابن ماجه (1208)، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (949)، وقال الأرناؤوط: ((صحيح بطرقه)).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الإنصاف)) (2/ 144).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((المغني)) (2/ 20).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) انظر: ((الشرح الممتع)) (3/ 377).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) رواه مسلم في صحيحه (537)، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، وَقَدْ جَاءَ اللهُ بِالْإِسْلَامِ، وَإِنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ، قَالَ: «فَلَا تَأْتِهِمْ» ...

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1224)، ومسلم (570).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) ((كشف المخدرات شرح أخصر المختصرات)) (1/ 149).

محمد طه شعبان
2014-09-16, 12:08 PM
قوله: (وَيَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ - وَهُوَ الْأَقَلُّ - مَنْ شَكَّ فِي رُكْنٍ أَوْ عَدَدٍ): فالمصلي الذي سها فترك ركنًا في صلاته، إما أن يتيقن أنه ترك ركنًا؛ فهذا يجب عليه الإتيان بالركن الذي تركه، على ما تقدم؛ وإما أن يشك: هل ترك أم لا؟ فهذا يجعل كمن تيقن تركه؛ لأن الأصل عدمه.
وكذلك إذا شك في عدد الركعات، بنى على اليقين، وهو الأقل؛ لأنه المتيقن.
واستدلوا على ذلك بحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ...([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
قلت: والصواب أنه إن استطاع أن يتحرى، فإنه يتحري؛ لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قاَلَ: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) أخرجه مسلم (571).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) متفق عليه: أخرجه البخاري (401)، ومسلم (572).

محمد طه شعبان
2014-09-16, 12:08 PM
فَصْلٌ

آكَدُ صَلَاةِ تَطَوُّعٍ: كُسُوفٌ، فَاسْتِسْقَاءٌ، فَتَرَاوِيحُ، فَوِتْرٌ؛ وَوَقْتُهُ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ، وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ، وَأَكْثَرُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ؛ مَثْنَى مَثْنَى، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ، وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثٌ بِسَلَامَيْنِ، وَيَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ نَدْبًا؛ فَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ؛ إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ، لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ" ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيُؤَمِّنُ مَأْمُومٌ، وَيَجْمَعُ إِمَامٌ الضَّمِيرَ، وَيمْسَحُ الدَّاعِي وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ مُطْلَقًا.
والتَّرَاوِيحُ عِشْرُونَ رَكْعَةً، بِرَمَضَانَ تُسَنُّ، وَالْوِتْرُ مَعَهَا جَمَاعَةٌ، وَوَقْتُهَا بَيْنَ سُنَّةِ عِشَاءٍ وَوِتْرٌ.
ثُمَّ الرَّاتِبَةُ: رَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَهُمَا آكَدُهَا.
وَتُسَنُّ صَلَاةُ اللَّيْلِ بِتَأَكُّدٍ، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ، وَسُجُودُ تِلَاوَةٍ لِقَارِئِ وَمُسْتَمِعٍ، وَيُكَبِّرُ إِذَا سَجَدَ، وَإِذَا رَفَعَ، وَيَجْلِسُ وَيُسَلِّمُ، وَكُرِهَ لِإِمَامٍ قرَاءَتُهَا فِي سِرِّيَّةٍ وَسُجُودُهُ لَهَا، وَعَلَى مَأْمُومٍ مُتَابَعَتُهُ فِي غَيْرِهَا. وَسُجُودُ شُكْرٍ عِنْدَ تَجُدُّدِ نِعَمٍ وَانْدِفَاعِ نِقَمٍ، وَتَبْطُلُ بِهِ صَلَاةُ غَيْرِ جَاهِلٍ وَنَاسٍ، وَهُوَ كَسُجُودِ تِلَاوَةٍ.
وَأَوْقَاتُ النَّهْيِ خَمْسَةٌ: مِنْ طُلُوعِ فَجْرٍ ثَانٍ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَمِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى الْغُرُوبِ، وَعِنْدَ طُلُوعِهَا إِلَى ارْتِفَاعِهَا قَدْرَ رُمْحٍ، وَعِنْدَ قِيَامِهَا حَتَّى تَزُولَ، وَعِنْدَ غُرُوبِهَا حَتَّى يَتِمَّ؛ فَيَحْرُمُ ابْتِدَاءُ نَفْلٍ فِيهَا مُطْلَقًا؛ لَا قَضَاءُ فَرْضٍ، وَفِعْلُ رَكْعَتَيْ طَوَافٍ وَسُنَّةِ فَجْرٍ أَدَاءً قَبْلَهَا، وَصَلَاةِ جَنَازَةٍ بَعْدَ فَجْرٍ وَعَصْرٍ.

محمد طه شعبان
2014-09-16, 12:10 PM
قوله: (آكَدُ صَلَاةِ تَطَوُّعٍ: كُسُوفٌ، فَاسْتِسْقَاءٌ، فَتَرَاوِيحُ): وعللوا كون هذه الصلوات هي آكد صلوات التطوع بكونها يُسَنُّ لها الجماعة؛ فأشبهت الفرائض([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))، وقدموا صلاة الكسوف على صلاة الاستسقاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها؛ فَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَ ا، فَصَلُّوا، وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))»، ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يُنْقَل عنه أنه ترك صلاة الكسوف عند وجود سببها، بخلاف الاستسقاء، فإنه كان يستسقي تارة ويترك أخرى([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
ثم بعد الكسوف والاستسقاء، صلاة التراويح؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لَمْ يُداوم عليها. والله أعلم.
قوله: (فَوِتْرٌ): أي: أن صلاة الوتر تلي هذه الصلوات المذكورة في الآكدية.
والصحيح أن صلاة الوتر مُقدمة على صلاة الاستسقاء وصلاة التراويح؛ وأما صلاة الكسوف فهي واجبة على الصحيح كما سيأتي.
وأما وجه تقديم صلاة الوتر؛ فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها وداوم عليها، فلم يتركها سفرًا ولا حضرًا.
فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضِي اللَّه عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))».
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))».
وفي لفظ: عَنِ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: مَنْ صَلَّى مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَجْعَلْ آخِرَ صَلَاتِهِ وِتْرًا، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِذَلِكَ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ وُتِرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ، فَأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))».
فدلَّت هذه الأحاديث التي فيها الأمر بصلاة الوتر، مع أحاديث صلاته صلى الله عليه وسلم الوترَ في السفر على بعيره، على أنها أفضل النوافل. والله أعلم.
قوله: (وَوَقْتُهُ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ): ودليل ذلك حديث أَبِي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رضي الله عنه، خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: إِنَّ أَبَا بَصْرَةَ حَدَّثَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً، وَهِيَ الْوِتْرُ، فَصَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8))».
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ - وَهِيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ الْعَتَمَةَ - إِلَى الْفَجْرِ، إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ، فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَتَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرُ، وَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ، قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
قوله: (وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ): أي: أقل الوتر ركعة؛ ودليل ذلك حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))».
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))».
قوله: (وَأَكْثَرُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ): وأكثر الوتر إحدى عشرة ركعة؛ ودليل ذلك حديث أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12))».
تنبيه:
قد اختلف المذهبُ: هل الوتر اسم لجميع صلاة الليل؟ أم هو اسم للركعة الأخيرة وما اتصل بها فحسب؟
فالذي عليه جماهير الأصحاب، أن الوتر اسم لجميع صلاة الليل([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13)).
وفي رواية عن أحمد أن الوتر اسم للركعة الأخيرة أو ما كان متصلًا بها فقط، وأما ما كان قبله فليس منه([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14)).
قلت: وهو الذي يدل عليه ظاهر الأحاديث.
فمن ذلك حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15))».
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا([16] (http://majles.alukah.net/#_ftn16))».
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يُصَلِّي صَلَاتَهُ بِاللَّيْلِ وَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا بَقِيَ الْوِتْرُ أَيْقَظَهَا، فَأَوْتَرَتْ([17] (http://majles.alukah.net/#_ftn17)).
وفي لفظ لمسلم: فَإِذَا أَوْتَرَ، قَالَ: «قُومِي فَأَوْتِرِي يَا عَائِشَةُ».
فدلت هذه الأحاديث على أن صلاة الليل لا تسمى جميعها وترًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم غاير بينهما؛ كما هو مصرح به في الأحاديث.
فإنْ ترجح هذا القول – أعني أن الوتر لا يُطلق على جميع صلاة الليل – فإنَّ الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بركعة، وبثلاث، وبخمس، وبسبع، وبتسع؛ ولَمْ يُنقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بأكثر من تسع ركعات.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) انظر: ((الهداية على مذهب الإمام أحمد)) (88)، و((حاشية الروض المربع)) (2/ 183).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه البخاري (1040).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الروض المربع)) (112).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) أخرجه مسلم (754).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) متفق عليه: أخرجه البخاري (998)، ومسلم (751).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) متفق عليه: أخرجه البخاري (472)، ومسلم (751).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) أخرجه أبو داود (1416)، والترمذي (453)، وقال: «حَدِيثٌ حَسَنٌ»، وابن ماجه (1169)، وحسنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (1831).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) أخرجه أحمد (23851)، بسند صحيح.

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) أخرجه مسلم (736).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) أخرجه مسلم (752).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) متفق عليه: أخرجه البخاري (990)، ومسلم (749).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1147)، ومسلم (738).
وَعند البخاري (1170)، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ يُصَلِّي إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ((الفتح)) (3/ 21): ((وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا بِلَفْظِ: "كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ يُصَلِّي إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ" فَظَاهِرُهُ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ؛ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَضَافَتْ إِلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ سُنَّةَ الْعِشَاءِ لِكَوْنِهِ كَانَ يُصَلِّيهَا فِي بَيْتِهِ أَوْ مَا كَانَ يَفْتَتِحُ بِهِ صَلَاةَ اللَّيْلِ فَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْهَا أَنَّهُ كَانَ يَفْتَتِحُهَا بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ؛ وَهَذَا أَرْجَحُ فِي نَظَرِي؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ أَبِي سَلَمَةَ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى الْحَصْرِ فِي إِحْدَى عَشْرَةَ جَاءَ فِي صِفَتِهَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ يُصَلِّي أَرْبَعًا ثُمَّ أَرْبَعًا ثُمَّ ثَلَاثًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَتَعَرَّضْ لِلرَّكْعَتَيْن ِ الْخَفِيفَتَيْن ِ وَتَعَرَّضَتْ لَهُمَا فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، وَالزِّيَادَةُ مِنَ الْحَافِظِ مَقْبُولَةٌ وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ))ا هـ.

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) انظر: ((الإنصاف)) (2/ 167).

[14] (http://majles.alukah.net/#_ftnref14))) السابق.

[15] (http://majles.alukah.net/#_ftnref15))) متفق عليه: أخرجه البخاري (990)، ومسلم (749).

[16] (http://majles.alukah.net/#_ftnref16))) متفق عليه: أخرجه البخاري (998)، ومسلم (751).

[17] (http://majles.alukah.net/#_ftnref17))) متفق عليه: أخرجه البخاري (977)، ومسلم (744).

أم علي طويلبة علم
2014-09-19, 12:08 PM
فَصْلٌ
وَيُشْرَعُ سُجُودُ السَّهْوِ لزِيَادَةٍ وَنَقْصٍ وَشَكٍّ، لَا فِي عَمْدٍ؛


...وسجود السَّهو على تقدير اللام، أي: السُّجود للسهو، أي: الذي سببه السَّهو.
والسَّهو تارة يتعدَّى بـ«عن» وتارة يتعدَّى بـ«في».
فإن عُدِّيَ بـ«عن» صار مذموماً؛ لأنه بمعنى الغفلة والتَّرْكِ اختياراً، وإنْ عُدِّي بـ«في» صار معفواً عنه؛ لأنه بمعنى ذهول القلب عن المعلوم بغير قصد،
فإذا قلت: سها فلان في صلاته، فهذا من باب المعفو عنه، وإذا قلت: سها فلان عن صلاته، صار من باب المذموم، ولهذا قال الله تعالى: {{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ }} أي: غافلون لا يهتمُّون بها ولا يقيمونها، فهم على ذِكْرٍ من فِعْلِهم، بخلاف السَّاهي في صلاته، فليس على ذِكْرٍ من فِعْلِه.
قال بعض العلماء: الحمد لله الذي قال: (عن صلاتهم ساهون) ولم يقل: (في صلاتهم ساهون).
والمراد هنا السهو في الصلاة.
والسَّهو في الصلاة وَقَعَ مِن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنه مقتضى الطبيعة البشرية، ولهذا لمَّا سها في صلاته قال: «إنما أنا بَشَرٌ مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكِّروني» فهو من طبيعة البشر، ولا يقتضي ذلك أن الإِنسان مُعْرِضٌ في الصلاة ؛ لأننا نجزم أن أعظم الناس إقامة للصلاة هو الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ومع ذلك وَقَعَ منه السَّهو.
والسهو الوارد في السُّنَّة أنواع: زيادة، ونقص، وشَكٌّ. وكلُّها وردت عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم.

قوله: «يُشرع لزيادة ونقص، وشَكٍّ» . «يشرع»: أي: يجب تارة، ويُسَنُّ أخرى.
«لزيادة»: اللام للتعليل، أي: بسبب زيادة أو نقص أو شَكٍّ، ولكن في الجملة، لا في كُلِّ صورة؛ لأنه سيأتينا أن بعض الزيادات والنقص والشكوك لا يُشرع له السُّجود، فلهذا نقول: يشرع للزيادة، أي: أنَّ سبب مشروعيته الزيادة والنقص والشَّكُّ، ولا يعني ذلك أن كلَّ زيادة أو نقص أو شَكٍّ فيه سجود، بل على حسب التفصيل الآتي.
فأسباب السجود ثلاثة:
1 ـ الزيادة.
2 ـ النقص.
3 ـ الشَّكُّ.

قوله: «لا في عَمْدٍ» أي: لا يُشرع في العمد؛ وذلك لأن العمد إن كان بترك واجب أو رُكن فالصَّلاة باطلةٌ؛ لا ينفع فيها سُجود السَّهو، وإن كان بترك سنَّة فالصَّلاة صحيحة، وليس هناك ضرورة إلى جَبْرِها بسجود السهو، لكن ذَكَرَ بعض العلماء: أنَّ مَنْ زاد جاهلاً فإنه يُشرع له سجود السهو.




الشرح الممتع (3 / 336-338 )

أم علي طويلبة علم
2014-09-19, 02:19 PM
قوله: «في الفرض والنافلة» أي: يُشرع إما وجوباً أو استحباباً في صلاة الفَرْض وفي صلاة النَّفْل، لكن بشرط أن تكون الصلاة ذات ركوع وسجود، احترازاً مِن صلاة الجنازة، فإنَّ صلاة الجنازة لا يُشرع فيها سجود السَّهو؛ لأنها ليست ذات رُكوع وسُجود، فكيف تُجبر بالسجود؟ لكن كلُّ صلاة فيها ركوع وسجود فإنها تُجْبَرُ بسجود السهو، الفريضة والنافلة.


فإن قال قائل: هل توجبون سجود السَّهو في صلاة النافلة فيما لو ترك واجباً من واجبات الصلاة؟
فالجواب: نعم؛ نوجبه.
فإن قال: كيف توجبون شيئاً في صلاة نَفْلٍ، وصلاة النَّفْلِ أصلاً غير واجبة؟
نقول: إنه لما تلبَّس بها وَجَبَ عليه أن يأتي بها على وَفْقِ الشريعة، وإلا كان مستهزئاً، وإذا كان لا يريد الصلاة فمن الأصل لا يُصلِّي، أما أن يتلاعب فيأتي بالنافلة ناقصة ثم يقول: لا أجبرها، فهذا لا يوافق عليه.

قوله: «فمتى زاد فعلاً من جنس الصلاة» احترازاً مما لو زاد قولاً، واحترازاً مما لو زاد فِعْلاً مِن غير جنس الصلاة، وسيأتي إن شاء الله بيان ذلك . هذان شرطان: أن يكون فِعْلاً، وأن يكون مِن جنس الصلاة.

قوله: «قياماً» أي: في محلِّ القعود.
قوله: «أو قعوداً» أي: في محلِّ القيام.
قوله: «أو ركوعاً» أي: في غير محلِّه.
قوله: «أو سجوداً» أي: في غير محلِّه.
فهل المراد هذه الأنواع الأربعة من الأفعال فقط دون غيرها، أم أن هذا على سبيل التمثيل؟
الظاهر: أن المراد بالفعل ما ذَكَرَهُ المؤلِّف وبيَّنه بقوله: «قياماً» أو «قعوداً» أو «ركوعاً» أو «سجوداً»؛ لأن كلمة «فعْل» هذه مجملة، وقوله: «قياماً» «قعوداً» «ركوعاً» «سجوداً» هذه مبيِّنة، فالظاهر: أن هذا هو المراد، وأنه لو زَادَ فِعْلاً غير هذه الأفعال الأربعة كرَفْعِ اليدين مثلاً في غير مواضع الرَّفْع، فإنه لا يدخل في عموم كلام المؤلِّف، فلا تبطل الصلاة بعمده، ولا يجب السجود لسهوه.
ولو رَكَعَ مرَّتين عمداً في غير صلاة الكسوف بطلت صلاتُه، ولو سَجَدَ ثلاث مرَّات عمداً بطلت صلاتُه، ولو قَعَدَ في محلِّ القيام عمداً بطلت صلاتُه، ولو قام في محلِّ القعود عمداً بطلت صلاتُه، قال في «الروض»: «إجماعاً» يعني : ( أن العلماء رحمهم الله أجمعوا على ذلك، ودليل هذا قول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ ) .

قوله: «وسهواً يسجد له» هذه معطوفة على «عمداً» أي: ومتى زاد قياماً، أو قعوداً، أو ركوعاً، أو سجوداً سهواً يسجد له؛ لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أمر مَنْ زاد في صلاته أن يسجدَ سجدتين ، هذا دليل من القول.
ودليل من الفعل: أنه صلّى الله عليه وسلّم لما صَلَّى خمساً في حديث عبد الله بن مسعود، وقيل له: صَلَّيت خمساً، ثنى رجليه فَسَجَدَ سجدتين .

قوله: «وإن زاد ركعة فلم يعلم حتى فرغ منها سجد» مثاله: رَجُلٌ صَلَّى الظُّهر خمساً، ولم يعلم إلا في التشهُّدِ، فهنا زاد ركعة ولم يعلم حتى فَرَغَ مِن الركعة.
ويحتمل في قوله: «حتى فرغ منها» أي فرغ من الصلاة فيكون المثال المطابق لهذا الاحتمال: رَجُلٌ لما سَلَّم مِن الصلاة ذَكَرَ أنه صَلَّى خمساً، وعلى هذا فيكون قوله: «سَجَد» أي: بعد السلام. فإذا زاد ركعة ولم يعلم حتى فَرَغَ منها فإنه يسجد للسهو وجوباً، فإن عَلِمَ قبل أن يُسلِّم فهل يسجد قبل السلام، أو يسجد بعده؟
الجواب: يسجد بعد السلام، فيكمِّل التشهُّد ويُسلِّم، ويسجد سجدتين ويُسلِّم.
ودليل ذلك:
1 ـ أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لما صَلَّى خمساً وأخبروه بعد السلام ثنى رجليه وسجد وسَلَّم، وقال: «إذا شَكَّ أحدكم فليتحرَّ الصوابَ، ثم لِيَبْنِ عليه» ولم يقلْ: متى علم قبل السلام فليسجد قبل السلام، فلما سجد بعد السلام ولم ينبِّه أن محل السجود لهذه الزيادة قبل السلام؛ علم أن السجود للزيادة يكون بعد السلام.

2 ـ حديث ذي اليدين؛ فإن «النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم سلَّم من ركعتين، ثم ذكَّروه، فأتمَّ الصلاةَ وسلَّم، ثم سَجَدَ سجدتين وسلَّم» وهذا السجود لزيادة السلام في أثناء الصلاة وليس كما يتوهمه بعض الناس سجوده عن نقص حيث سلم قبل إتمام الصلاة لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أتى بما بقي.

3 ـ أن الزيادة زيادة في الصلاة، وسجود السَّهو زيادة أيضاً، فكان من الحكمة أن يؤخِّرَ سجود السهو إلى ما بعد السلام؛ لئلا يجتمع في الصلاة زيادتان.
إذاً؛ دلَّ على أن السجود للزيادة بعد السلام النصُّ مِن السُّنَّة، والمعنى مِن الحكمة.


قوله: «وإن علم فيها» أي: إنْ عَلِمَ بالزيادة في الرَّكعة التي زادها.
قوله: «جلس في الحال» أي: في حال علمه، ولا يتأخَّر حتى لو ذَكَرَ في أثناء الرُّكوع أن هذه الرَّكعة خامسة يجلس،
وقد يتوهَّمُ بعضُ طَلَبَةِ العِلم في هذه المسألة أن حكمها حكم من قام عن التشهُّد الأول، فيظن أنه إذا قام إلى الزائدة وشَرَعَ في القراءة حَرُمَ عليه الرجوع، وهذا وهمٌ وخطأ، فالزائد لا يمكن الاستمرار فيه أبداً، متى ذكر وجب أن يرجع ليمنع هذه الزيادة؛ لأنه لو استمر في الزيادة مع عِلْمِهِ بها لزاد في الصلاة شيئاً عمداً، وهذا لا يجوز؛ وتبطل به الصَّلاة.

قوله: «فَتَشَهَّد إن لم يَكُنْ تَشَهَّدَ» أي: أنه إذا علم بالزيادة فجلس فإنه يقرأ التشهُّدَ، إلا أن يكون قد تشهَّد قبل أن يقوم للزيادة، وهل يمكن أن يزيد بعد أن يتشهَّد؟
الجواب: نعم يمكن، وذلك بأن يتشهَّد في الرابعة، ثم ينسى ويظنُّ أنها الثانية، ثم يقوم للثالثة في ظَنِّه، ثم يذكر بعد القيام بأن هذه هي الخامسة وأن التشهد الذي قرأه هو التشهُّد الأخير. فقول المؤلِّف: «يتشهَّد إن لم يكن تشهَّد» له معنًى صحيح.

قوله: «وسَجَدَ وسَلَّم» ظاهر كلامه ـ رحمه الله ـ أنه يسجد قبل السلام، فإن كان هذا مراده وهو مراده وهو المذهب.
لأنهم لا يرون السجود بعد السلام؛ إلا فيما إذا سَلَّمَ قبل إتمامها فقط، وأمَّا ما عدا ذلك فهو قبل السَّلام، لكنَّ القول الرَّاجح الذي اختاره شيخ الإِسلام ابن تيمية أن السجود للزيادة يكون بعد السلام مطلقاً.

مسألة: إذا قام إلى ثالثة في الفجر ماذا يصنع؟
الجواب: يرجع ولو بعد القراءة، وكذلك بعد الرُّكوع يرجع ويتشهَّد ويُسلِّم ثم يسجد للسهو ويُسَلِّم، على القول الرَّاجح أن السجود هنا بعد السلام.

مسألة: إذا قام إلى ثالثة في صلاة مقصورة، أي: رَجُلٌ مسافر قام إلى ثالثة، والثالثة في حَقِّ المسافر زيادة، فهل يلزمه الرُّجوع في هذه الحال، أو له أن يكمل؟
الجواب: هذا ينبني على القول بالقصر، إن قلنا: إن القصر واجب لزمه الرُّجوع، وهذا مذهب أبي حنيفة وأهل الظَّاهر ، يرون أن قَصْرَ المسافر للصلاة واجب، وأنَّ مَن أتمَّ في موضع القصر فهو كمن صَلَّى الظُّهر ثمانياً؛ لأنه زاد نصف الصلاة. وعلى القول بأن القصر ليس بواجب نقول: إنه مخيَّر بين الإِتمام وبين الرجوع، لأنك إن أتممت لم تبطل صلاتك، وإنْ رجعت لم تبطل؛ لأنك رجعت خوفاً من الزيادة.
والصحيح: أنه يرجع؛ لأن هذا الرَّجل دَخَلَ على أنه يريد أن يُصلِّي رَكعتين فليصلِّ ركعتين ولا يزيد، وفي هذه الحال يسجد للسَّهو بعد السلام.

مسألة: رَجُلٌ يُصلِّي ليلاً وصلاة الليل مثنى مثنى، فقام إلى الثالثة ناسياً فهل يلزمه الرُّجوع؟
الجواب: يرجع، فإن لم يرجع بطلت صلاته؛ لأنه تعمَّد الزيادة، وقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «صلاة الليل مثنى مثنى» ، ولهذا نصَّ الإِمام أحمد على أنه إذا قام في صلاة الليل إلى ثالثة فكرجُلٍ قام إلى ثالثة في صلاة الفجر، أي: إن لم يرجع بطلت صلاته،
لكن يُستثنى مِن هذا الوِتر، فإن الوِتر يجوز أن يزيد الإِنسان فيه على ركعتين، فلو أوتر بثلاث جاز، وعلى هذا فإذا دَخَلَ الإِنسان بالوتر بنيَّة أنه سيصلِّي ركعتين ثم يُسَلِّم ثم يأتي بالثالثة، لكنه نسي فقام إلى الثالثة بدون سلام، فنقول له: أتمَّ الثالثة؛ لأن الوتر يجوز فيه الزيادة على ركعتين.

قوله: «وإن سَبَّحَ به ثقتان فأصَرَّ، ولم يَجْزِمْ بصواب نفسه بطلتْ صلاتُهُ» «سَبَّحَ به» أي قال: «سبحان الله» تنبيهاً له؛ لأن المشروع في تنبيه الإِمام إذا زاد أو نقص أن يُسبِّحَ مَنْ وراءه؛ لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا نابكم شيءٌ في صلاتكم فليسبِّحِ الرِّجَال ولتُصفق النساء». فإذا قام إلى الخامسة مثلاً فسبَّح به ثقتان وجب عليه الرُّجوع؛ إلا أن يجزم بصواب نفسه، فإن لم يرجع، وهو لم يجزم بصواب نفسه بطلت صلاته؛ لأنه تَرَكَ الواجب عمداً، وإنْ جزم بصواب نفسه لم يرجع.

وفُهِمَ مِن كلام المؤلِّف: أنه إذا سَبَّحَ ثقتان فلا يخلو من خمس حالات:
الأولى: أن يجزم بصواب نفسه، فيأخذ به ولا يرجع إلى قولهما.
الثانية: أن يجزم بصوابهما.
الثالثة: أن يغلب على ظَنِّه صوابهما.
الرابعة: أن يغلب على ظَنِّه خطؤهما.
الخامسة: أن يتساوى عنده الأمران.
ففي هذه الأحوال الأربع يأخذ بقولهما على كلام المؤلِّف، والصحيح أنه لا يأخذ بقولهما إذا ظَنَّ خطأهما.

مسألة: إن نَبَّهَه ثقتان بدون تسبيح، فهل يُعطى ذلك حكم التسبيح، يعني: إذا تنحنحوا له مثلاً؟
فالجواب: نعم إذا نَبَّهاه بغير التسبيح فكما لو نَبَّهاه بالتسبيح، وعلى هذا فيكون تقييد المؤلِّف ذلك بالتسبيح مِن باب ضَرْبِ المَثَل ، أو مِن باب الغالب، أو مراعاة للفظ الحديث، وقد عَبَّرَ بعض الفقهاء بقوله: «وإن نَبَّهه ثقتان» وهذه العبارة أشمل من عبارة المؤلِّف.
على كُلٍّ؛ إن نَبَّهَه ثقتان فإنه يلزمه الرجوع إلى قولهما؛ إلا أن يجزم بصواب نفسه، فإن لم يرجع، وهو لم يجزمْ بصواب نفسه بطلت صلاتُهُ؛ لأنه ترك الواجب عمداً، حيث إنه يلزمه إذا سَبَّحَ به ثقتان الرُّجوع.
ودليل ذلك: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لما ذكَّرَه ذو اليدين أنه صَلَّى ركعتين لم يرجع إلى قوله حتى سأل الصحابة فقال: «أحقٌّ ما يقول ذو اليدين؟» قالوا: نعم.
ولو سَبَّحَ به رَجُلٌ واحد فقط فلا يلزمه الرُّجوع، ودليل ذلك: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لم يرجع إلى قول ذي اليدين. لكن إن غلبَ على ظَنِّه صِدْقُهُ أخذ بقوله على القول بجواز البناء على غلبة الظَّنِّ، وهو الصَّحيح.

مسألة: لو سَبَّحَ رَجُلٌ بما يدلُّ على أن الإِمام زاد، وسَبَّحَ رَجُلٌ آخر بما يدلُّ على أنه لم يزدْ، فبقول أيِّ واحد منهما يأخذ؟
الجواب: يتساقطان، فلو قال له أحدهما لمَّا قام: «سبحان الله» فلما تهيَّأ للجلوس قال الثاني: «سبحان الله»، إذاً؛ تعارض عنده قولان، فيتساقطان، كلُّ قول يُسقط الآخر، ويرجع إلى ما في نفسه ويبني عليه.

تنبيه: اشترط المؤلِّف لوجوب الرجوع إلى قول الثقتين ألا يجزم بصواب نفسه، فإن جزم بصواب نفسه حَرُمَ الرُّجوعُ إلى قولهما، يعني: لو قالا: «سبحان الله»، ولكنه يجزم أنه على صواب، وأنهما مخطئان فلا يرجع إلى قولهما، لأنه لو رَجَعَ إلى قولهما لَرَجَعَ وهو يعلم أن قولَهُما خطأ، فتبطل صلاتُهُ.

مسألة: إذا سبَّحَ به مجهولان؟ فلا يرجع إلى قولهما؛ لأنه لم يثبت كونهما ثقتين، ولكن الحقيقة أن الإِمام يقع في مثل هذا الحرج؛ لأنه يسمع التسبيح مِنْ ورائه ولا يدري مَن المسبِّح، قد يكون ثقة وقد لا يكون ثقة، لكن الغالب أن الإِمام في هذه الحال يكون عنده شَكٌّ، ويترجَّح عنده أن اللذين سَبَّحَا به على صواب. وحينئذ له أن يرجع إلى قولهما؛ لأن القول الراجح أنه يبني على غَلَبة الظَّنِّ.

مسألة: فلو نَبَّهه امرأتان بالتصفيق، كأن صَلَّى رَجُلٌ بأُمِّه وأخته، وأخطأ، فنبهتاه بالتصفيق، فهل يرجع أم لا؟
فالجواب: يرجع؛ لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا نَابَكم أَمْرٌ ـ يعني: في الصَّلاة ـ فليسبّح الرِّجَال، ولتصفق النساء»، ولأن هذا خَبَرٌ ديني، فاستوى فيه الذكور والإِناث، ولأنه خَبَرٌ عن عَمَلٍ تُشارِكان فيه العاملَ، فلا يمكن أن تكذبا عليه، لأنه لو أخطأ أخطأتا معه، فلهذا نقول: إن المرأتين كالرَّجُلين.


الشرح الممتع ( 3 / 338 – 347 )

أم علي طويلبة علم
2014-09-19, 10:19 PM
... فصارت الشُّروط لإِبطال الصَّلاة بالعمل الذي مِن غير جنسها أربعة:
1 ـ أنه كثير.
2 ـ من غير جنس الصَّلاة.
3 ـ لغير ضرورة.
4 ـ متوالٍ، أي: غير متفرِّق.


قوله: «ولا يشرع ليسيره سجود» ، أي: لا يجب ولا يستحبُّ؛ لأن المشروع يشمَل الواجب والمستحب، لأن هذا العمل من غير جنس الصَّلاة، وإنما نصَّ المؤلِّف على أنه لا يُشرع ليسيره سجود؛ لأنَّ في ذلك خلافاً ، وقد جرت عادةُ المؤلِّفين أنهم إذا نفوا شيئاً لا حاجة لِذِكْرِهِ فهو إشارة إلى وجود خلاف فيه ، وهنا لا حاجة أن يقول لا يُشرع ليسيره سجود ؛ لأن عدم ذِكْرِ مشروعية السُّجود يغني عن نفي مشروعية السُّجود ، لكن لما كان في ذلك خِلاف ذَكَرَ ذلك.

قوله: «لا تبطل» الضَّمير يعود على الصَّلاة فَرْضها ونَفْلها.
قوله: «بيسير أكل أو شُرب سهواً» مثاله: إنسان سَهَا، وكان معه شيء من طعام، فأخذ يأكل منه لكنه ساهٍ، فلا تبطل الصَّلاة؛ لأنه يسير، لكن لو كان كثيراً، مثل: أن يكون قد اشترى كيلو مِن العنب عَلَّقه في رقبته، ونسي وجعَل يأكل من هذا العنب حتى فَرَغَ منه، فهذا كثير؛ فتبطل به الصَّلاة، ولو كان ساهياً.
وقيل: لا تبطل إذا كان ساهياً، وهو رواية عن الإِمام أحمد.
أما إذا كان الأكل أو الشُّرب عمداً، فإن الصَّلاة تبطل به، قليلاً كان أم كثيراً، لكن استثنى المؤلِّفُ يسير الشُّرب في النَّفْلِ كما يفيده.
قوله: «ولا نفلٌ بيسير شرب عمداً» أي: ولا يبطل النَّفْل كالرَّاتبة، والوتر، وصلاة الليل، وصلاة الضُّحى، وتحيَّة المسجد، بيسير شُرب عمداً.
فبهذا عرفنا أنه تبطل الصلاة فَرْضها ونَفْلها بالأكل الكثير سهواً أو عَمْداً، ولا تبطل بالأكل اليسير سهواً.
وأما الشُّرب: فتبطل بالشُّرب الكثير عمداً، أو سهواً، ولا تبطل باليسير سهواً، ولا تبطل أيضاً باليسير عمداً إذا كانت نَفْلاً، وعَلَّلوا ذلك بأثر ونظر:
أما الأثر: فقالوا: إنَّ عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وعن أبيه: كان يطيل النَّفْل وربما عَطِشَ فشرب يسيراً. وهذا فِعْلُ صحابي، وفِعْلُ الصَّحابي إذا لم يعارضه نصٌّ أو فعْلُ صحابي آخر فهو حُجَّة.
وأما النَّظر: فلأن النَّفْل أخفُّ من الفَرْض، بدليل أن هناك واجبات تسقط في النَّفْل، ولا تسقط في الفَرْض، كالقيام، واستقبال القِبْلة في السفر، فإذا كان النَّفْلُ أخفَّ وكان الإِنسان ربَّما يطيله كثيراً فيحتاج للشُّرب سُمِحَ له بالشُّرب اليسير تشجيعاً له على النَّافلة...

قوله: «إن أتى» أي: المصلِّي.
قوله: «بقول مشروع» أي: قد شَرَعَه الشَّارع، سواء كان مشروعاً على سبيل الوجوب كالتسبيح وقراءة الفاتحة، أو على سبيل الاستحباب كقراءة السُّورة بعدها.
قوله: «في غير موضعه» متعلِّق بـ«أتى»، أي: إنْ أتى في غير موضع القول المشروع بالقول المشروع، وليست متعلِّقة بمشروع؛ لأنه ليس هناك قول مشروع في غير موضعه.
قوله: «كقراءة في سجود» القراءة في السُّجود غير مشروعة، بل منهيٌّ عنها، وكذلك القراءة في الرُّكوع غير مشروعة، بل منهيٌّ عنها؛ لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «ألا وإنِّي نُهيتُ أن أقرأ القرآنَ راكعاً أو ساجداً، أمَّا الرُّكوع فعظِّموا فيه الربَّ، وأما السُّجود فأكثروا فيه من الدُّعاء، فقَمِنٌ أن يُستجاب لكم».

قوله: «وتشهد في قيام» التشهُّدُ يُشرع في الجلوس، لكن لو نسيَ فتشهَّدَ وهو قائمٌ فقد أتى بقول مشروع في غير موضعه.
قوله: «وقراءة سورة في الأخيرتين» هذا أيضاً قول مشروع في غير موضعه، لأن الرَّكعتين الأخيرتين لا تُشرع فيهما القراءة بغير الفاتحة على المشهور من المذهب ، وقد ذكرنا في باب صفة الصَّلاة أنه ينبغي أحياناً أن يقرأ بزائد على السُّورتين.

تنبيه: قوله: «كقراءة في سجود» ، أي: مع الإِتيان بسبحان رَبِّيَ الأعلى؛ لأنه إنْ قرأ في السُّجود ولم يقل: سبحان ربي الأعلى؛ فقد نقَّص واجباً فيلزمه سجود السَّهو، لكن إذا أتى بقول مشروع في غير موضعه مع الإِتيان بالقول المشروع في ذلك الموضع فقرأ في الرُّكوع مع قول: «سبحان ربي العظيم»، أو قرأ في السُّجود مع قول: «سبحان ربي الأعلى»، أو قرأ في القعود مع قول: «ربِّ اغفِرْ لي»، أو قرأ في التشهُّد مع إتيانه بالتشهُّد.

قوله: «لم تبطل» ظاهره: حتى وإنْ قرأ في الرُّكوع، وإنْ قرأ في السُّجود، لأنه قول مشروع في الجُمْلة في الصَّلاة، لكنه في غير هذا الموضع.
وقال بعض العلماء : بل إذا قرأ في الرُّكوع أو في السُّجود بطلت، وبه قال بعض الظاهرية.
واستدلُّوا: بأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم نُهيَ أن يقرأ القرآنَ وهو راكعٌ أو ساجدٌ ، والأصل في النَّهي التحريم، وعلى هذا؛ فتكون قراءة القرآن في الرُّكوع أو السُّجود حراماً، ومعلوم أن الإِنسان إذا فَعَلَ ما يحرم في العبادة فسدت.
لكن الجمهور قالوا: هذا ليس محرَّماً بعينه، لكنه محرَّم باعتبار موضعه، بخلاف الكلام، فالكلام في الصَّلاة لا شكَّ أنه يبطل الصَّلاة؛ لأنه محرَّم بعينه، أما هذا؛ فالأصل أن القراءة غير محرَّمة في الصَّلاة بل مشروعة في موضعها، لكن النَّهي عن كونها في هذا الموضع فقط، فلم يكن ذلك مبطلاً للصَّلاة، وهذا هو الرَّاجح، أعني: أنها لا تبطل.

تتمة: ولو فَعَلَ المستحب في غير موضعه؛ بأن رَفَعَ يديه في الانحدار إلى السجود ناسياً؛ فهل يُشرع السُّجود؟
الجواب: لا يُشرع السُّجود؛ لأنه إذا لم يُشرع السُّجود لتركه وهو نقص في ماهيَّة الصَّلاة؛ فلا يُشرع لفعله مِن باب أَوْلَى، لكنه لا يبطل الصلاة؛ لأنه من جنسها، إلا أنه سيأتي ـ إن شاء الله ـ في باب سجود السَّهو أنه إذا أتى بقول مشروع في غير موضعه، فإنه يُسنُّ له أن يسجد للسَّهو، كما لو قال: «سبحان رَبِّيَ الأَعلى» في الرُّكوع، ثم ذَكَرَ فقال: «سبحان رَبِّي العظيم» فهنا أتى بقول مشروع وهو «سبحان رَبِّيَ الأَعلى»، لكن «سبحان رَبِّي الأعلى» مشروع في السُّجود، فإذا أتى به في الرُّكوع قلنا: إنك أتيت بقول مشروع في غير موضعه، فالسُّجود في حقِّكَ سُنَّة.
وهذا هو المذهب ، أعني التفريق بين القول المسنون والفعل المسنون، حيث قالوا: إنْ أتى بقول مشروع في غير موضعه سُنَّ له سجود السَّهو، وإن أتى بفعل مسنون في غير موضعه لم يُسنَّ له السُّجود، وفي هذا التفريق نظر؛ فإن عموم الأدلة في السُّجود للسَّهو يقتضي أنْ لا فَرْقَ.

قوله: «وإن سلم قبل إتمامها عمداً بطلت» ، أي: إذا سَلَّم قبل إتمام الصلاة بقصد الخروج منها عمداً بطلت؛ لأنه على غير ما أمر الله به ورسوله، وقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «من عَمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ» . فالله تعالى قد فَرض صلاة الظُّهر مثلاً أربعاً، فإذا سَلَّمَ من ثلاث أو من ركعتين، فقد أتى بما ليس عليه أَمْرُ الله ورسوله فتبطل.
وإنْ كان سهواً، أي: أنه ظَنَّ أن الصَّلاة قد تمَّت ثم ذَكَرَ قريباً، أي: في زمن قريب، أتمَّها وسَجَدَ، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ أين يكون موضع السُّجود.


الشرح الممتع ( 3/ 354- 360 )

أم علي طويلبة علم
2014-09-19, 10:53 PM
الكلام في هذا الفصل على النَّقْصِ، وكلامه السابق في الباب على الزيادة، وقد سَبَقَ أن الزيادة : زيادة قول، وزيادة فِعْلٍ.
وزيادة القول إما أن تكون مِن جنس الصَّلاة، أو من غير جنسها، وكذلك الفعل.
فزيادة القول مِن غير جنس الصلاة تبطل الصَّلاة إنْ كانت عمداً، وكذلك إن كانت سهواً أو جَهْلاً على المذهب؛ لعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن هذه الصَّلاة لا يصلُحُ فيها شيءٌ من كلام الناس».
والصَّحيح: أنها لا تبطل الصَّلاة إنْ كانت سهواً أو جهلاً .
وإن كان القول مِن جنس الصَّلاة، فإن كان مما يخرج به من الصَّلاة وهو السَّلام، فإن كان عمداً بطلت، وإن كان سهواً أتمَّها وسَجَدَ للسَّهو بعد السَّلام، وإن كان مما لا يخرج به من الصَّلاة، كما لو زاد تسبيحاً في غير محلِّه، فهذا يُشرع له السُّجود ولا يجب.
أما زيادة الأفعال فإن كانت من غير جنس الصَّلاة فقد سَبَقَ أن أقسامها خمسة، وهي الحركة في الصَّلاة.
وإن كانت من جنس الصَّلاة:
فإن كانت تغير هيئة الصَّلاة، وهي: الرُّكوع والسُّجود والقيام والقعود، فإنْ كان متعمِّداً بطلت، وإلاَّ؛ لم تبطل، وسَجَدَ للسَّهو.
وإن كانت لا تغير هيئة الصَّلاة، كما لو رَفَعَ يديه إلى حذو منكبيه في غير موضع الرَّفع، فإن الصَّلاة لا تبطل به، لأن ذلك لا يُغَيِّرُ هيئة الصَّلاة ولكن يُشرع له السُّجود على القول الرَّاجح.


الشرح الممتع ( 3 / 370 -371 )

أم علي طويلبة علم
2014-09-20, 02:47 PM
قوله: «فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة أخرى بطلت التي تركه منها» بطلت: يعني صارت لغواً، وليس البطلان الذي هو ضِدُّ الصِّحة، لأنه لو كان البطلان الذي هو ضِدُّ الصِّحة؛ لوجب أن يخرج من الصَّلاة، ولكن المراد بالبطلان هنا: اللغو، فمعنى «بطلت» أي صارت لغواً، وتقوم التي بعدها مقامها، هذا إذا ذكره بعد شروعه في قراءة الركعة الأخرى.

مثال ذلك: رَجُلٌ يُصلِّي فلما سَجَدَ السُّجود الأول في الرَّكعة الأُولى، قام إلى الرَّكعة الثانية، وشرع في قراءة الفاتحة، ثم ذَكَرَ أنه لم يسجد إلا سجدة واحدة؛ فَتَرَكَ جلوساً وسجدة، أي: ترك رُكنين، فنقول له: يحرم عليك أن ترجع؛ لأنك شرعت في ركن مقصود من الرَّكعة التي تليها، فلا يمكن أن تتراجع عنها، لكن تلغي الرَّكعة السَّابقة، وتكون الرَّكعة التي بعدها بدلاً عنها.
مثال آخر: قام إلى الرَّابعة في الظُّهر، ثم ذَكَرَ أنه نسيَ السَّجدة الثانية من الركعة الثالثة، بعد أن شَرَعَ في القراءة فتُلغَى الثالثة، وتكون الرابعة هي الثالثة، لأنه شَرَعَ في قراءتها. وهذا ما قرَّره المؤلِّف.

والقول الثاني: أنها لا تبطل الركعة التي تركه منها، إلا إذا وَصَلَ إلى محلِّه في الرَّكعة الثانية، وبناء على ذلك يجب عليه الرُّجوعُ ما لم يَصِلْ إلى موضعه من الرَّكعة الثانية.
ففي المثال الذي ذكرنا، لمَّا قام إلى الثانية؛ وشَرَعَ في قراءة الفاتحة؛ ذَكَرَ أنه لم يسجد في الركعة الأُولى، فنقول له: ارجعْ واجلسْ بين السَّجدتين، واسجدْ، ثم أكمل.

وهذا القول هو الصحيح، وذلك لأن ما بعد الرُّكن المتروك يقع في غير محلِّه لاشتراط الترتيب، فكل رُكن وَقَعَ بعد الرُّكن المتروك فإنه في غير محلِّه لاشتراط الترتيب بين الأركان، وإذا كان في غير محلِّه فإنه لا يجوز الاستمرار فيه، بل يرجع إلى الرُّكن الذي تَرَكَه كما لو نسيَ أن يغسل وجهه في الوُضُوء، ثم لما شرع في مسح رأسه ذَكَرَ أنه لم يغسل الوجه، فيجب عليه أن يرجع ويغسل الوجه وما بعده، فإنْ وَصَلَ إلى محلِّه مِن الرَّكعة الثانية، فإنه لا يرجع؛ لأن رجوعه ليس له فائـدة، لأنـه إذا رَجَـعَ فسيرجع إلى نفس المحل، وعلى هذا؛ فتكون الرَّكعة الثانية هي الأُولى، ويكون له ركعة مُلفَّقَة مِن الأُولى ومِن الثانية.
مثاله: لما قام من السَّجدة الأولى في الرَّكعة الثانية وجَلَسَ؛ ذَكَرَ أنه لم يسجد في الرَّكعة الأولى إلا سجدة واحدة، فلا يرجع إلى الرَّكعة الأولى، ولو رَجَعَ فسيرجع إلى المكان نفسه الذي هو فيه، وهذا القول هو القول الرَّاجح: أنه يجب الرُّجوع إلى الرُّكن المتروك ما لم يَصِلْ إلى موضعه من الرَّكعة الثانية، فإنْ وَصَلَ إلى موضعه من الرَّكعة الثانية صارت الثانية هي الأولى.



قوله: «وقبله يعود وجوباً، فيأتي به وبما بعده» أي: إذا ذَكَرَ الرُّكن المتروك قبل شروعه في قراءة الرَّكعة التي تلي المتروك منها، فإنه يعود إلى الرُّكن المتروك فيأتي به وبما بعده.
مثال ذلك: رَجُل يُصَلِّي فقام إلى الرَّكعة الثانية، وحين قيامه ذَكَرَ قبل أن يقرأ أنه لم يسجد في الرَّكعة الأولى إلا سَجْدَة واحدة. فيلزمه الرُّجوع، فيجلس جلسة ما بين السَّجدتين، ثم يسجد ثم يقوم للثانية.


الشرح الممتع ( 3 / 371-373 )

أم علي طويلبة علم
2014-09-20, 03:08 PM
...فصار كلام المؤلِّف في تَرْكِ الرُّكن غير التحريمة له ثلاث حالات:
ـ أما التَّحريمة فلا تنعقد الصَّلاة بتركها.
الحال الأولى: أن يذكره قبل الشُّروع في قراءة الرَّكعة التي تليها، ففي هذه الحال يجب عليه الرُّجوع، فيأتي به وبما بعده، ويستمرُّ في صلاته.
الحال الثانية: أن لا يعلم به إلا بعد السَّلام فيكون كَتَرْكِ ركعة كاملة.
الحال الثالثة: أن يعلم به بعد الشُّروع في قراءة الرَّكعة التي تليها، فتبطُل الرَّكعة التي تَرَكَه منها، وتقوم الثانية مقامها.

أما على القول الرَّاجح، فإنه إذا تَرَكَ رُكناً فلا يخلو مِن ثلاث حالات:
الحال الأُولى: إنْ ذَكَرَه قبل أن يصل إلى محلِّه وجب عليه الرُّجوع.
الحال الثانية: إنْ ذَكَرَه بعد أن وَصَلَ إلى محلِّه فإنه لا يرجع؛ لأنه لو رَجَعَ لم يستفد شيئاً، وتقوم الثَّانية مقام التي قبلها.
الحال الثالثة: إنْ ذَكَرَه بعد السَّلام فإن كان من رَكعة قبل الأخيرة أتى بركعة كاملة، وإنْ كان من الأخيرة أتى به وبما بعده فقط، ولا يلزمه أن يأتي بركعة كاملة. هذه أحوال نقص الأركان.


هذا الكلام عن نقص الأركان، أما الواجبات فقد ذَكَرَها المؤلف بقوله: «وإن نسي التشهد الأول...» خصَّ المؤلِّفُ التشهُّدَ الأول على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر، بل نقول: إذا نقَّص واجباً ناسياً كالتشهُّدِ الأول ونَهَضَ، فلا يخلو من ثلاث أحوال:
الحال الأُولى: أن يذكره بعد أن ينهض، أي: بعد أن تفارق فخذاه ساقيه، وقبل أن يستتمَّ قائماً، ففي هذه الحال يجلس ويتشهَّد، ويتم صلاته، ويسجد للسَّهو.
الحال الثانية: أن يذكره بعد أن يستتمَّ قائماً، لكن قبل أن يشرع في القراءة، فهنا لا يرجع؛ لأنه انفصل عن التشهُّدِ تماماً، حيث وَصَلَ إلى الرُّكن الذي يليه.
الحال الثالثة: أن يذكره بعد الشُّروع في قراءة الرَّكعة التي تليها: فيحرم الرُّجوع، وقد بَيَّنَ المؤلِّفُ هذا التفصيل في قوله: «وإن نسي التشهُّدَ الأول ونَهَضَ لزمه الرُّجوع ما لم ينتصب قائماً، فإن استتمَّ قائماً كره رجوعه، وإنْ لم ينتصب لزمه الرجوع، وإن شرع في القراءة حرم الرجوع».

قوله: «وعليه السجود للكلِّ» أي: في كلِّ الأحوال الثلاث: إذا نهض ولم يستتمَّ قائماً، إذا استتم قائماً ولم يقرأ، إذا شَرَعَ في القراءة فعليه السجود في الكُلِّ.
وبقي حال رابعة لم يذكرها؛ لأنها لا توجب سجود السَّهو، وهي: ما إذا ذَكَرَ قبل أن ينهض، أي: تأهَّب للقيام، ولكن قبل أن ينهض وتفارق فخذاه ساقيه، ذَكَرَ أنه لم يتشهَّد فإنه يستقرُّ ولا يجب عليه السُّجود في هذه الحال؛ لعدم الزيادة وعدم النقص، أما عدم النقص فلأنه أتى بالتَّشهُّدِ وأما عدم الزيادة فلأنه لم يأتِ بفعل زائد.
وعلى هذا؛ فتكون الأحوالُ أربعاً، وصار الرُّجوع: محرماً، ومكروهاً، وواجباً، ومسكوتاً عنه.
فالمحرم: إذا شَرَعَ في القراءة، ولو رَجَعَ عالماً بطلت صلاتُه؛ لأنه تعمَّد المفسد.
والمكروه: إذا استتمَّ قائماً ولم يشرع في القراءة، ولو رَجَعَ لم تبطل؛ لأنه لم يفعل حراماً.
وقال بعض العلماء : يحرم الرُّجوع إذا استتمَّ قائماً، سواءٌ شرعَ في القِراءة أم لم يشرعْ؛ لأنه انفصلَ عن محلِّ التشهُّد تماماً. وهذا أقرب إلى الصَّواب.
والواجب: إذا لم يستتمَّ قائماً ونهضَ، ولكن في أثناء النهوض ذَكَرَ ثم رَجَع، ففي هذه الأحوال الثلاث يجب عليه سجود السَّهو.
والمسكوت عنه: أن يذكر قبل أن ينهض. قال بعض العلماء: أي قبل أن تفارق فخذاه ساقيه، وبعضهم قال: قبل أن تفارق ركبتاه الأرضَ، والمعنى متقارب؛ لأنه إذا فارقت ركبتاه الأرضَ فقد نهضَ، وإذا فارقت أليتاه ساقيه فقد نهضَ أيضاً، لكن إذا ذَكَرَ قبل أن ينهض فإنه يستقر، وليس عليه سجود سهو. هذا حكم المسألة على كلام المؤلِّف.

ويجب أن يُعلم؛ أن ما ذكرناه في التشهُّدِ الأول يجري على مَنْ تَرَكَ واجباً آخر، مثل: التسبيح في الرُّكوع، فلو نسيَ أن يقول: «سبحان رَبِّي العظيم» ونَهَضَ من الرُّكوع فذكر قبل أن يستتمَّ قائماً، فإنه يلزمه الرُّجوع، وإن استتمَّ قائماً حرم الرُّجوع، وعليه أن يسجد للسَّهو؛ لأنه تَرَكَ واجباً، ويكون قبل السَّلام؛ لأنه عن نقص.
ولو تَرَكَ قول: «سبحان رَبِّي الأعلى» في السُّجود حتى قام؛ فإنه لا يرجع، وعليه أن يسجد.
ولو تَرَكَ «ربِّ اغفرْ لي» حتى سَجَدَ؛ فإنه لا يرجع، وعليه السُّجود، وعلى هذا فَقِسْ، فكلُّ مَنْ تَرَكَ واجباً حتى فارق محلَّه إلى الرُّكن الذي يليه فإنه لا يرجع، ولكن عليه السُّجود لهذا النقص، ويكون السُّجود قبل السَّلام.


الشرح الممتع ( 3 / 375 -378 )

أم علي طويلبة علم
2014-09-24, 10:45 PM
قوله: «ومن شكّ» هذا هو السبب الثالث من أسباب سجود السَّهو. واعلم أن الشكَّ لا بُدَّ فيه من معرفة ثلاث قواعد:

القاعدة الأولى: إذا كان الشكُّ بعد انتهاء الصَّلاة، فلا عِبْرَة به إلا أن يتيقن النقص، أو الزيادة.
مثال ذلك: بعد أن سَلَّمَ شَكَّ هل صَلَّى ثلاثاً أم أربعاً؟ نقول: لا تلتفت لهذا الشكِّ، فلا تسجد للسَّهو، ولا ترجع لصلاتك، لأن الصلاة تمَّت على وَجْهٍ شرعي، ولم يوجد ما ينقض هذا الوجه الشَّرعي، فالمصلِّي لما سَلَّمَ لا إشكال عنده أن الصَّلاة تامَّة وبرئت بها الذِّمَّةُ، فورود الشكِّ بعد أن برئت الذِّمَّة لا عِبْرَة به...

القاعدة الثانية: إذا كان الشَّكُّ وهماً، أي: طرأ على الذِّهن ولم يستقر، كما يوجد هذا في الموسوسين، فلا عِبْرَة به أيضاً، فلا يلتفت إليه، والإِنسان لو طاوع التوهم لتعب تعباً عظيماً.

القاعدة الثالثة: إذا كَثُرت الشُّكوك مع الإِنسان حتى صار لا يفعل فِعْلاً إلا شَكَّ فيه، إنْ توضأ شَكَّ، وإنْ صَلَّى شَكَّ، وإن صام شَكَّ، فهذا أيضاً لا عِبْرَة به؛ لأن هذا مرض وعِلَّة، والكلام مع الإِنسان الصَّحيح السَّليم مِن المرض، والإِنسان الشكّاك هذا يعتبر ذهنه غير مستقر فلا عِبْرَة به.

بقينا في الشَّكِّ إذا كان خالياً من هذه الأمور الثلاثة؛ فما الحكم؟ بَيَّنَ المؤلِّفُ الحكم فيه: وهو أربعة أقسام: الأول: الشَّكُّ في عدد الرَّكعات.
وأشار إليه بقوله: «ومن شك في عدد الركعات أخذ بالأقل» أي: شَكَّ هل صَلَّى ثلاثاً أم أربعاً؟ فيجعلها ثلاثاً، أو هل صَلَّى ثلاثاً أم اثنتين؟ يجعلها اثنتين. أو هل صَلَّى اثنتين أم واحدة؟ يجعلها واحدة.
والدليل: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا شَكَّ أحدُكُم في صلاته؛ فلم يَدْرِ كم صَلَّى؛ ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ على ما استيقنَ، ثم يسجدُ سجدتين قبل أنْ يُسلِّمَ».
والتعليل: لأن الناقص هو المتيقَّن، والزائد مشكوك فيه، والأصل عدمه، والقاعدة: «أن ما شُكَّ في وجوده فالأصل عدمه» فعندنا ثلاث أو أربع، الثلاث متيقَّنة والرابعة مشكوك فيها، هل وُجِدَت أم لم تُوجَد؟ والأصل عدم الوجود.
وظاهر كلام المؤلِّفِ: أنه لا فَرْقَ بين أن يكون لديه ترجيح أو لا، فإذا شَكَّ؛ هل هي ثلاث أم أربع ورجَّح الأربع؟ يأخذ بالثلاث. أو شَكَّ هل هي ثلاث أم أربع، ورجَّحَ الثلاث؟ يأخذ بالثلاث. أو شَكَّ هل هي ثلاث أم أربع ولم يترجَّحْ عنده شيء؟ يأخذ بالثلاث. ففي الصُّور الثلاث سواء ترجَّح الناقص، أم الزائد، أم تساوى الأمران، على كلام المؤلِّف يأخذ بالأقل، وهذا هو المذهب.
القول الثَّاني في المسألة: أنه إذا شَكَّ وترجَّحَ عنده أحد الأمرين أخذ بالمترجِّح، سواء كان هو الزائد أم النَّاقص.
ودليل هذا القول: حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال فيمن شَكَّ فتردَّدَ هل صَلَّى ثلاثاً أم أربعاً قال: «... فَلْيَتَحَرَّ الصَّوابَ، فَلْيُتِمَّ عليه ـ يبني على التحري ـ ثم ليُسَلِّم، ثم يسجد سجدتين».

وهذا يدلُّ مع الحديث الأول على أن الشَّاكَّ له حالان:
الأولى: حال يمكن فيها التَّحري، وهي التي يغلب فيها الظَّنُّ بأحد الأمرين.
الثانية: حال لا يمكن فيها التَّحري، وهي التي يكون فيها الشَّكُّ بدون ترجيح.

وبناءً على ذلك نقول: إذا شَكَّ في عدد الرَّكعات، فإن غلب على ظَنِّه أحد الاحتمالين عَمِلَ به، وبَنَى عليه، وسَجَدَ سجدتين بعد السَّلام، وإنْ لم يترجَّح عنده أحد الاحتمالين أخذ بالأقل، وبَنَى عليه، وسَجَدَ قبل السَّلام.
مثال ذلك: رجلٌ صَلَّى وشَكَّ هل صَلَّى ثلاثاً أم أربعاً؟ ولكن ترجَّحَ عنده أنها أربع. نقول: اجعلها أربعاً؛ لأنَّه ترجَّح عندك، ثم سَلِّمْ، ثم اسجدْ سجدتين بعد السَّلام.
وإذا ترجَّحَ عنده أنها ثلاث، يجعلها ثلاثاً، ويأتي بالباقي، ويسجد سجدتين بعد السَّلام.
وإذا شَكَّ ولم يترجَّح عنده شيء، يأخذ بالأقل ويسجد سجدتين قبل السَّلام...

مسألة: لو بَنَى على اليقين، أو على غالب ظَنِّه، ثم تبيَّنَ أنه مصيب فيما فَعَلَ، فهل يلزمه السُّجود؟
مثاله: رجل شَكَّ هل صَلَّى ثلاثاً أم أربعاً بدون ترجيح؟ فجعلها ثلاثاً، وأتى بركعة رابعة، لكنَّه في أثناء هذه الرَّكعة تيقَّن أنها الرابعة.
فللعلماء في هذا قولان:
القول الأول: أنه لا يلزمه أن يسجد؛ لأنه تبيَّنَ عدم الزيادة والنقص، والسُّجود إنما يجب جَبْراً لما نَقَصَ، وهنا لم ينقص شيئاً ولم يزد شيئاً، والنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «فلم يَدْرِ كم صَلَّى ثلاثاً أم أربعاً» وهذا الرَّجُل يدري كم صَلَّى فلا سُجود عليه.
القول الثاني: أن عليه السُّجود؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: «فلم يدرِ كم صَلَّى» وهذا لأجل أن يبني على ما عنده، وظاهره أنه لو درى فيما بعد فإنه يسجد لقوله: «فإنْ كان صَلَّى خمساً شفعن له صلاته، وإنْ كان صَلَّى إتماماً لأربعٍ، كانتا ترغيماً للشَّيطان».
ولأنه أدَّى هذه الرَّكعة وهو شاكٌّ، هل هي زائدة أم غير زائدة؟ فيكون أدَّى جزءاً من صلاته متردِّداً في كونه منها فيلزمه السُّجود.
وهذا القول دليله وتعليله قويٌّ، وفيه أيضاً ترجيح من وجه ثالث، وهو الاحتياط.


الشرح الممتع ( 3 / 378 -384 )

أم علي طويلبة علم
2014-09-26, 12:50 AM
القسم الثاني: الشكُّ في تَرْكِ الأركان، وأشار إليه بقوله:
«وإن شكَّ في تَرْكِ رُكن فكتركه» أي: لو شَكَّ هل فَعَلَ الرُّكن أو تَرَكَه، كان حكمه حكم مَنْ تركه.
مثاله: قام إلى الرَّكعة الثانية؛ فَشَكَّ هل سَجَدَ مرَّتين أم مرَّة واحدة؟ فإن شرع في القراءة فلا يرجع، وقبل الشُّروع يرجع.
وعلى القول الرَّاجح: يرجع مطلقاً، ما لم يصل إلى موضعه مِن الرَّكعة التالية، فيرجعْ ويجلسْ، ثم يسجد، ثم يقوم، لأن الشَّكَّ في تَرْكِ الرُّكن كالتَّرك.
وكان الشَّكُّ في تَرْكِ الرُّكن كالتَّرك؛ لأن الأصل عدمُ فِعْله، فإذا شَكَّ هل فَعَلَه، لكن إذا غلب على ظَنِّه أنه فَعَلَه؛ فعلى القول الرَّاجح وهو العمل بغلبة الظَّنِّ يكون فاعلاً له حكماً ولا يرجع؛ لأننا ذكرنا إذا شَكَّ في عدد الركعات يبني على غالب ظَنِّهِ، ولكن عليه سجود السَّهو بعد السلام.

القسم الثَّالث: الشَّكُّ في تَرْكِ الواجب، وأشار إليه بقوله:
«ولا يسجد لشكّه في ترك واجب» أي: لو شَكَّ في تَرْكِ الواجب بعد أن فارق محلَّه، فهل هو كتَرْكه فعليه سجود السَّهو، أو هو كفعله فلا سجود عليه؟
مثاله: شَكَّ بعد أن رَفَعَ من السُّجود هل قال: «سبحان رَبِّيَ الأعلى» أم لم يقل؟
فالجواب: في المسألة قولان:
القول الأول: أن الشَّكَّ في تَرْكِ الواجب كتركه، وعليه سجود السَّهو؛ لأنه شَكَّ في فعله وعدمه، والأصل عدم الفعل، وإذا كان الأصل عدم الفعل فهذا الرَّجُل لم يتشهَّد التشهُّد الأول، فيجب عليه سجود السَّهو.
القول الثاني: لا سجود عليه؛ لأنه شَكَّ في سبب وجوب السُّجود وهو تَرْك التشهُّد، والأصل عدم وجود السبب فينتفي عنه وجوب السُّجود وهذا هو المذهب.
ولكن التعليل الأول أصحُّ، وهو أن الأصل عدم الفعل، وهذا الأصل سابق على وجوب سجود السَّهو فنأخذ به.
وإذا أخذنا بالقول الرَّاجح ، وهو اتباع غالب الظَّنِّ فإذا غلب على ظَنِّكَ أنك تشهَّدت فلا سجود عليك، وإن غلب على ظَنِّكَ أنك لم تتشهَّد فعليك السُّجود، والسُّجود هنا يكون قبل السَّلام؛ لأنه عن نقص، وكلُّ سجود عن نقص فإنه يكون قبل السَّلام.


القسم الرابع: الشكُّ في الزيادة وأشار إليه بقوله:
«أو زيادة» أي: لو شَكَّ هل زاد في صلاته فيلزمه سجود السَّهو، أو لم يزدْ فلا سجود عليه فإنه لا يسجد، لأنه شَكَّ في سبب وجوب السُّجود، والأصل عدمه.
مثاله: شَكَّ في التشهُّدِ الأخير من صلاة الظُّهر هل صَلَّى خمساً أم أربعاً؟ فلا سجود عليه؛ لأنَّ الرَّكعة انتهت على أنها الرابعة بلا تردُّد، وإنما طرأَ عليه الشَّكُّ بعد مفارقة محلِّها، والأصل عدمها.
فإن تيقَّن أنه صَلَّى خمساً، فهنا يجب عليه السُّجود للسَّهو؛ لأنه تيقَّنَ أنه زاد، فيجب عليه سجود السَّهو.
الحال الأولى: إذا شَكَّ في الزيادة، ثم تيقَّنها فيجب عليه السُّجود؛ لأجل الزيادة.
الحال الثانية: إذا شَكَّ في الزيادة حال فِعْلِ الزِّيادة ثم تبيَّن عدمها فيجب عليه السُّجود على المذهب ، لأنه أدَّى هذه الرَّكعة متردِّداً في كونها زائدة أو غير زائدة.
الحال الثالثة: إذا شَكَّ في الزِّيادة بعد انتهائه فلا سُجود عليه؛ لأنه شَكَّ في سبب وجوب السُّجود والأصل عدمه.

فقوله: «أو زيادة» يدخله استثناءان:
الاستثناء الأول: ما لم يتيقَّن الزيادة، وهذا ربَّما نقول: إنه لا يحتاج إلى استثناء، لأنه ليس بشكٍّ، والمؤلِّف يقول: «لشكِّه في الزيادة».
الاستثناء الثاني: إذا شَكَّ في الزيادة حين فَعَلَها، وتبيَّن عدمها فإنه يجب عليه السُّجود؛ لأنه أدَّى جزءاً مِن صلاته متردِّداً في كونه منها، فوجب عليه السُّجود لهذا الشَّكِّ.

قوله: «ولا سجود على مأموم إلا تبعاً لإِمامه» أي: أن المأموم لا يلزمه سجود السَّهو إلا تبعاً لإِمامه.
فقوله: «لا سجود» عام يشمل السُّجود للشَّكِّ، أو السُّجود للزيادة، أو السُّجود للنقص.
وذلك لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنما جُعل الإِمام ليؤتمَّ به فلا تختلفوا عليه» ولأن سجود السَّهو واجب، وليس برُكن، والواجب يسقط عن المأموم من أجل متابعة الإِمام، وذلك في عدَّة صُور:
منها: لو قام الإِمامُ عن التشهُّدِ الأول ناسياً سَقَطَ عن المأموم.
ومنها: لو دخل المأمومُ مع الإِمام في ثاني ركعة في رباعية سَقَطَ عن المأموم التشهُّد الأول؛ لأنَّ التشهُّد الأول يقع لهذا المأموم في الرَّكعة الثالثة للإِمام، ومعلوم أن الإِمام لا يجلس في الرَّكعة الثالثة؛ فيلزم المأموم أن يقوم معه، فيسقط عنه واجب من واجبات الصَّلاة، فإذا كان الواجب يسقط عن المأموم مِن أجل المتابعة، فسجود السَّهو واجب؛ فيسقط عن المأموم من أجل المتابعة، وبناءً على هذا التَّعليل: يشترط أن لا يفوته شيء من الصلاة.
مثاله: رَجُلٌ نسيَ أن يقول: «سبحان ربِّي العظيم»، ولم يفته شيء من الصَّلاة؛ فيسقط عنه سجود السَّهو.
فإن فاته شيء مِن الصَّلاة، ولزمه الإِتمام بعد سلام إمامه؛ لزمه سجود السَّهو إنْ سها سهواً يوجب السُّجود، لأنه إذا سَجَدَ لا يحصُل منه مخالفة لإمامه.
مثال ذلك: رجُلٌ نسيَ أن يقول: «سبحان رَبِّي العظيم» في الرُّكوع وقد أدرك الإِمام في الرَّكعة الثانية، فهذا النسيان يوجب عليه سُجود السَّهو؛ لأنه تَرَكَ واجباً وقد فاته شيء من الصَّلاة، فإذا قام وأتى بالرَّكعة التي فاتته وجب عليه أن يسجد للسَّهو عن تَرْكِ الواجب؛ لأنه إذا سَجَدَ لا يحصُل منه مخالفة للإِمام؛ لكونه انفرد في قضاء ما فاته من الصَّلاة.

وقوله: «إلا تبعاً لإِمامه» أي: إلاّ إذا كان سجوده تبعاً لإِمامه فيجب عليه، سواء سها أم لم يسهُ، فإذا سَجَدَ الإِمام وجب على المأموم أن يتابعه؛ لعموم قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّما جُعِلَ الإمامُ ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه».
مثاله: ترك الإِمام قول: «سبحان رَبِّيَ الأعلى» في السُّجود، والمأموم لا يعلم؛ لأن الإِمام لا يسبِّحُ جهراً، فلما أراد أن يُسلِّم سَجَدَ سجدتين لما تَرَكَ من واجب التسبيح، فالمأموم لم يترك شيئاً من الواجبات والأركان، لكن يجب أن يسجد تبعاً للإِمام، كما يجب أن يجلس في الرَّكعة الأُولى إذا دَخَلَ مع الإِمام في الرَّكعة الثانية مع أن هذا ليس محلَّ جلوس له، لكن يجلس تبعاً للإمام، وهذا فيما إذا كان سجود الإمام قبل السَّلام، لأن الإِمام لم تنقطع صلاته بعد، فإن كان بعد السَّلام فهل يجب متابعته أو لا يجب؟
ظاهر كلام المؤلِّف: أنها تجب متابعته ولو بعد السَّلام؛ لعموم قوله: «إلا تبعاً لإمامه» فلا فَرْقَ بين أن يسجد الإِمام قبل السَّلام أو بعده، وهذا ظاهر إذا كان المأموم لم يفته شيء من الصَّلاة، فهنا يجب أن يسجد مع الإِمام ولو بعد السَّلام.
فإن كان المأموم مسبوقاً وَسَجَدَ الإِمام بعد السَّلام فهل يلزم المأموم متابعته في هذا السُّجود؟
ظاهر كلام المؤلِّف: أنه يلزمه لقوله: «إلا تبعاً لإمامه» وهذا هو المعروف عند الفقهاء حتى قالوا: إذا قام ولم يستتمَّ قائماً لزمه الرُّجوع، كما لو قام عن التشهُّدِ الأول.
والصَّحيح في هذه المسألة: أن الإِمام إذا سَجَدَ بعد السَّلام لا يلزم المأموم متابعته؛ لأن المتابعة حينئذ متعذِّرة، فإن الإِمام سيُسَلِّم ولو تابعه في السَّلام لبطلت الصَّلاة، لوجود الحائل دونها وهو السَّلام.

ولكن هل يلزمه إذا أتمَّ صلاته أن يسجدَ بعد السَّلام، كما سجد الإِمام؟.
الجواب: فيه تفصيل:
إن كان سهو الإِمام فيما أدركه من الصَّلاة وجب عليه أن يسجد بعد السَّلام.
وإن كان سهو الإِمام فيما مضى من صلاته قبل أن يدخل معه لم يجب عليه أن يسجد.
مثال الأول: أن يكون سهو الإِمام زيادة، بأن رَكَعَ مرَّتين في الركعة الثانية، وأنت أدركته في ذلك، فهنا يلزمك أن تسجد إذا أتممت صلاتك، لأنك أدركت الإِمام في سهوه فارتبطتْ صلاتك بصلاته، وصار ما حصل من نقص في صلاته حاصلاً لك.
مثال الثاني: أن تكون زيادة الركوع في الركعة الأُولى، ولم تدخل معه إلا في الرَّكعة الثانية، فإنه لا يلزمك السُّجود، لأن أصل وجوب السُّجود هنا كان تبعاً للإِمام، والمتابعة هنا متعذِّرة؛ لأنه بعد السَّلام، وأنت لم تدرك الإمام في الرَّكعة التي سها فيها؛ فارتبطت به في صلاة ليس فيها سهو بعد دخولك معه، فلم يلزمك أن تسجد.
هذا هو الصَّحيح في هذه المسألة، وكلام المؤلِّف يدلُّ على أنك تتابعه في السُّجود بعد السَّلام؛ سواء أدركت معه السَّهو أم لم تدركه.


مسألة: إذا كان المأموم مسبوقاً وسَهَا في صلاته، والإِمام لم يسهُ فهل عليه سجود؟
يعني: لو أن مأموماً دَخَلَ مع الإِمام في الرَّكعة الثانية، ونسيَ أن يقول: «سبحان رَبِّيَ العظيم» في الرّكوع وسَلَّم الإِمام، وقام المأموم يقضي، فهل عليه سجود السَّهو؟
الجواب: عليه السجود للسَّهو إذا كان سهوه مما يوجب السُّجود؛ لأنه انفصل عن إمامه، ولا تتحقَّق المخالفة في سجوده حينئذ.


مسألة: لو كان الإِمامُ لا يرى وجوب سجود السَّهو، والمأموم يرى وجوب سجود السَّهو مثل: التشهُّد الأول فإن بعض العلماء يرى أنه سُنَّة كما هو مذهب الشافعي، وليس بواجب، فإذا تَرَكَه الإِمام ولم يسجد للسَّهو بناءً على أنه سُنَّة، وأن السُّنَّة لا يجب لها سجود السَّهو، فهل على المأموم ـ الذي يرى أنَّ سجودَ السَّهو واجبٌ ـ سجودٌ؟
الجواب: لا؛ لأن إمامه يرى أنه لا سجود عليه، وصلاته مرتبطة بصلاة الإِمام، وهو لم يحصُل منه خلل، فالمأموم يجب أن يتابع الإِمام، وقد قام بما يجب عليه.
أما لو كان الإِمام يرى وجوب سجود السَّهو وسَبَّح به للسُّجود، ولكنه لم يسجد، فقال الفقهاء رحمهم الله: يسجد المأموم إذا أيسَ من سجود إمامه، لأن صلاته مرتبطة بصلاة الإِمام، والإِمام فَعَلَ ما يوجب السُّجود، وتَرَكَ السُّجود من غير تأويل، فوجب على المأموم أن يجبر هذا النقص ويسجد.

أم علي طويلبة علم
2014-09-26, 01:02 AM
قوله: «وسجود السَّهو لما يبطل عمده واجب» هذا الضَّابط فيما يجب سجود السَّهو له، فسجود السَّهو واجب لكل شيء يبطل الصَّلاة عمده.
مثال ذلك: لو تركت قول: «رَبِّ اغفرْ لي» بين السَّجدتين وَجَبَ عليك سجود السَّهو، لأنك لو تعمَّدت تَرْكَهُ لبطلت صلاتُكَ.
مثال آخر: لو أن الإِنسان تَرَكَ الفاتحة يجب عليه سجود السَّهو، ولكن يجب عليه شيء آخر غير سجود السَّهو وهو الإِتيان بالرُّكن، وتقدَّم ماذا يصنع في تَرْكِ الرُّكن.
مثال ثالث: لو تَرَكَ التشهُّدَ الأول نسياناً يجب عليه السُّجود فقط، ولا يجب عليه الإِتيان به؛ لأنه واجب يسقط بالسَّهو.
مثال رابع: لو تَرَكَ الاستفتاح لا يجب عليه سجود السَّهو، لأنه لو تعمَّد تَرْكه لم تبطل صلاتُه.

ولكن هل يُسَنُّ؟
الصَّحيح: أنه إذا تركه نسياناً يُسَنُّ السُّجود، لأنه قول مشروع فيجبره بسجود السَّهو، ولا يكون سجود السَّهو واجباً، لأن الأصل الذي وَجَبَ له السُّجود ليس بواجب، فلا يكون الفرع واجباً، فإذا ترك الإنسان سهواً سُنَّة من عادته أن يأتي بها، فسجود السَّهو لها سُنَّة، أما لو تَرَكَ السُّنَّة عمداً فهنا لا يُشرع له السُّجود؛ لعدم وجود السَّبب، وهو السَّهو.
وقوله: «لما يبطل عمده» . «ما»: هنا اسم موصول، فيشمل الفعلَ والتَّركَ، فلو زاد ركوعاً سهواً وَجَبَ عليه السُّجود؛ لأنه لو تعمَّد زيادة الرُّكوع بطلت صلاتُه.
ولو أتى بقول مشروع في غير موضعه؛ كأن يقرأ وهو جالس ناسياً. لا يجب عليه السُّجود؛ لأنه لو تعمَّد أن يقرأ وهو جالس لم تبطل صلاتُه.

فالقاعدة الآن منضبطة طرداً وعكساً، فسجود السَّهو واجب لكل فِعْلٍ أو تَرْكٍ إذا تعمَّده الإِنسان بطلت صلاتُه، لكن يجب أن تُقيَّد هذه القاعدة بما إذا كان مِن جنس الصَّلاة كالرُّكوع، والسُّجود، والقيام، والقعود، فيخرج كلام الآدميين مثلاً، فإن عمده يبطل الصَّلاة، وسهوه لا يبطلها على الصَّحيح، ولا يوجب سجود السَّهو.

مسألة: لو قرأ وهو راكعٌ أو ساجدٌ نسياناً فهل يجب أن يسجدَ للسَّهو، أو يُسَنُّ؟
الجواب: جمهور أهل العلم لا يرون الوجوب؛ لأنَّهم لا يرون بُطلان الصَّلاة بتعمُّد القراءة في الرُّكوع، والسُّجود.
وقال بعض العلماء وبعض الظَّاهرية: إذا تعمَّد القراءة في الرُّكوع والسُّجود بطلت صلاتُه؛ لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ألا؛ وإنِّي نُهيتُ أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً». فإذا قرأ القرآن وهو راكع أو ساجدٌ فقد أتى بما نهى الشَّارعُ عنه فتبطل الصَّلاة، كما لو تكلَّم، قال زيد بن أرقم: «أُمرنا بالسُّكوت ونُهينا عن الكلام»، وهو دليل قويٌّ لكنه عند التأمل نجد الفَرْق بين «نُهينا عن الكلام» وبين «نُهيتُ أن أقرأ القرآن» أنَّ النهيَ عن قراءة القرآن نهيٌ عن قراءته في هذا المحلِّ؛ لا عن قراءته مطلقاً، فإن القرآن قول مشروع في الصَّلاة، بل رُكن فيها في الجملة، فالفاتحة قراءتها رُكْنٌ؛ بخلاف كلام الآدميين؛ فإنه منهيٌّ عنه لذاته نهياً مطلقاً، فصار القياس غير صحيح، ولكن لا يقرأ في الرُّكوع والسُّجود، لأن القرآن أشرف الكلام؛ فلا يناسب أن يُقال في هيئة فيها الذُّلُّ والخضوع، وإنْ كان في الذُّلِّ لله رِفْعة وعِزَّة، لكن الهيئة لا تتناسب مع القرآن، بل المناسب هو القيام؛ ولهذا كان المناسب في الرُّكوع والسُّجود تنزيه الله ـ عن النقص والذُّلِّ ـ سبحانه وتعالى.

قوله: «وتبطل بترك سجود أفضليته قبل السلام فقط» . «تبطل» أي: الصَّلاة بترك سجود أفضليته قبل السَّلام.
«فقط» أي: دون الذي أفضليته بعد السَّلام.
أفاد المؤلِّف رحمه الله هنا مسألتين:

المسألة الأولى: أن كون السُّجود قبل السَّلام أو بعدَه على سبيل الأفضلية، وليس على سبيل الوجوب، وأنَّ الرَّجُل لو سَجَدَ قبل السَّلام فيما موضعه بعد السَّلام فلا إثم عليه، ولو سَجَدَ بعد السَّلام فيما موضعه قبل السَّلام فلا إثم عليه، والأفضل: أن يسجد قبل السَّلام، إلا إذا سَلَّمَ قبل إتمام الصَّلاة، فالأفضل: أن يسجد بعد السَّلام، هذه قاعدة المذهب.
والدَّليل على أن الأفضل السُّجود بعد السَّلام؛ إذا سَلَّمَ قبل إتمام الصَّلاة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه حين صَلَّى النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إحدى صلاتي العشي، فَسَلَّمَ مِن ركعتين فذكَّروه، فأتمَّ صلاته، ثم سَجَدَ سجدتين، ثم سَلَّمَ، وهذا هو المذهب.
القول الثاني: أنَّ كون السُّجود قبل السَّلام أو بعدَه على سبيل الوجوب، وأنَّ ما جاءت السُّنة في كونه قبل السَّلام يجب أن يكون قبل السَّلام، وما جاءت السُّنَّة في كونه بعد السَّلام يجب أن يكون بعد السَّلام، وهذا اختيار شيخ الإِسلام، وهو الرَّاجح.
واستدلَّ لذلك بقول الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم وفِعْلِه:
أما قوله: فإنه يقول: «ثم يسجد سجدتين قبل أن يُسلِّم» فيما قبل السَّلام، ويقول: «ثم ليسلِّم ثم ليَسْجُدْ سجدتين» فيما بعد السلام، والأصل في الأمر الوجوب.
وأما فِعْل الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم فإنه سَجَدَ للزِّيادة بعد السَّلام ، وسَجَدَ للنَّقص قبل السَّلام . وقال: «صَلُّوا كما رأيتموني أُصَلِّي» وهذا يشمَلُ صُلب الصَّلاة وجَبْر الصَّلاة، وسجود السَّهو جَبْر للصَّلاة، وعلى هذا؛ فما كان قبل السَّلام فهو قبل السَّلام وجوباً، وما كان بعده فهو بعد السلام وجوباً. وعليه؛ فيجب على كُلِّ أحد أن يعرف السُّجود الذي قبل السَّلام، والسُّجود الذي بعد السَّلام، لأن ما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجب.

وأما الشَّكُّ فالمذهب : أن الشَّكَّ قسم واحد يبني فيه الإِنسان على اليقين، وهو الأقل، ويسجد للسَّهو قبل السَّلام. فليس هناك شيء يُبنى فيه على غلبة الظَّنِّ، حتى لو ترجَّح أحدُ الأمرين فيُبنى على اليقين، والبناءُ على اليقين محلُّ السُّجود فيه قبل السَّلام.

ولكن الصَّحيح الذي دلَّت عليه السُّنَّة أنَّ الشَّكَ قسمان وهما:
1 ـ شَكٌّ يترجَّح فيه أحد الطَّرفين، فتعمل بالرَّاجح، وتبني عليه، وتسجد بعد السَّلام.
2 ـ شَكٌّ لا يترجَّح فيه أحد الطَّرفين، فتبني فيه على اليقين، وتسجد قبل السَّلام، وهذا اختيار شيخ الإسلام.

المسألة الثانية مما أفادنا المؤلِّف: أن الصَّلاة تبطلُ إذا تَرَكَ السُّجود الذي محلُّه قبل السَّلام، ولا تبطل إذا تَرَكَ السُّجود الذي محلُّه بعد السَّلام، والفَرْق بينهما أن السُّجود الذي محلُّه قبل السَّلام واجب في الصّلاة؛ لأنه قبل الخروج منها، والسُّجود الذي محلُّه بعد السَّلام واجب لها؛ لأنه بعد الخروج منها، والذي تبطل به الصَّلاة إذا تعمَّد تَرْكه هو ما كان واجباً في الصَّلاة؛ لا ما كان واجباً لها، ولهذا لو تَرَكَ التشهُّدَ الأول عمداً بطلت صلاتُه؛ لأنه واجب في الصَّلاة، ولو تَرَكَ إقامة الصَّلاة عمداً لم تبطل صلاتُه؛ لأن الإقامة واجب للصَّلاة، وكذلك على القول الرَّاجح لو تَرَكَ صلاة الجماعة عمداً فإنَّ صلاته لا تبطل، لأن الجماعة واجبة للصَّلاة، لا واجبة فيها.
وقوله: «فقط» «قط» بمعنى حسب، ومنه ما جاء في الحديث: «لا تزال جهنَّم يُلقى فيها، وهي تقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رَبُّ العِزَّة فيها قدمَه، (أو عليها رِجْلَه) فَيَنْزوي بعضُها إلى بعضٍ وتقول: قَطْ، قَطْ...» أي: حسبي.
وخرج بقوله: «فقط» ما أفضليته بعد السَّلام، فلا تبطل الصَّلاة بتركه لكن يأثم بتركه، حيث كان واجباً.

قوله: «وإن نسيه وسَلَّمَ سجَدَ إن قَرُبَ زمنه» أي: السُّجود الذي قبل السَّلام، وسَلَّم سَجَد إن قَرُبَ زمنُه، فإنْ بَعُدَ زمنُه سقط، وصلاته صحيحة.
مثاله:
رَجُلٌ نسيَ التشهُّد الأول؛ فيجب عليه سجود السَّهو، ومحلُّه قبل السَّلام، لكن نسيَ وسَلَّمَ، فإن ذَكَرَ في زمن قريب سَجَدَ، وإنْ طال الفصلُ سَقَطَ. مثل: لو لم يتذكَّر إلا بعد مدَّة طويلة؛ ولهذا قال: «سَجَدَ إن قَرُب زمنُه» فإن خرج من المسجد فإنه لا يرجع إلى المسجد فيسقط عنه، بخلاف ما إذا سَلَّمَ قبل إتمام الصَّلاة؛ فإنه يرجع ويكمل، وذلك لأنه في المسألة الثانية تَرَكَ رُكناً فلا بُدَّ أن يأتيَ به، وهذا تَرَكَ واجباً يسقط بالسَّهو.
وقال شيخ الإِسلام ابن تيمية : بل يسجدُ، ولو طال الزَّمن؛ لأن هذا جابر للنقص الذي حصل، فمتى ذَكَرَه جَبَرَه.
ولكن الأقرب: ما قاله المؤلِّف ـ رحمه الله ـ وهو المذهب : أنه إذا طال الفصل فإنه يسقط، وذلك لأنه إما واجب للصَّلاة، وإما واجب فيها، فهو ملتصق بها، وليس صلاة مستقلَّة حتى نقول إن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «مَنْ نَام عن صلاة أو نسيها فَلْيُصَلِّها إذا ذَكَرَها»، بل تابع لغيره فإن ذَكَرَهُ في وقت قريب سَجَدَ وإلا سقط.


قوله: «ومن سها مراراً كفاه سجدتان» لأن السَّجدتين تجبران كُلَّ ما فات.
مثال السَّهو مراراً: تَرَكَ قول: «سُبحان رَبِّيَ العظيم» في الرُّكوع، وَتَرَكَ التشهُّدَ الأول، وقول: «سبحان رَبِّيَ الأعلى» في السُّجود، فهذه ثلاثة أسباب يُوجب كلُّ واحد منها سجود السَّهو فيكفي سجدتان، لأن الواجب هنا من جنس واحد، فدخل بعضُه في بعضٍ، كما لو أحدث ببول، وغائط، وريح، وأكل لحم إبل، فإنه يكفيه وُضوء واحد، ولا يلزمه أن يتوضَّأ لكلِّ سبب وُضُوءاً، فهنا أسباب السُّجود تعدَّدت، لكن الواجب في هذه الأسباب واحد، وهو وجود السَّهو فتداخلت.
ولكن إذا اجتمع سببان، أحدهما: يقتضي أن يكون السُّجود قبل السَّلام، والثاني: يقتضي أن يكون السُّجود بعد السلام.
فقيل: يعتبر ما هو أكثر، مثل: لو سَلَّمَ قبل تمام صلاته وَرَكَعَ في إحدى الرَّكعات رُكوعين، وتَرَكَ التشهُّدَ الأوَّل، فهنا عندنا سببان يقتضيان أن يكون السُّجود بعد السَّلام، وهما زيادة الرُّكوع والسَّلام قبل التمام، وعندنا سببٌ واحدٌ يقتضي السُّجود قبل السَّلام، وهو تَرْك التشهُّد الأول، فيكون السُّجودُ بعد السَّلام.
مثال آخر: رَجُلٌ رَكَعَ في رَكعَة رُكُوعين، وتَرَكَ قول: «سُبحان رَبِّي العظيم» في الرُّكوع، وقول: «سُبحان رَبِّيَ الأعلى» في السُّجودِ، فهنا اجتمعَ سببان للسُّجودِ قبل السَّلام، وهما: تَرْكُ التَّسبيح في الرُّكوع وفي السُّجود، وسببٌ واحد يقتضي أن يكون السُّجود بعد السَّلام، وهو زيادة الرُّكوع، فالسُّجود قبل السَّلام.
والمذهب يُغَلِّبُ ما قبلَ السَّلام مطلقاً؛ لأن ما قبل السَّلام جابره واجب، ومحلُّه قبل أن يُسلِّمَ، فكانت المبادرة بجَبْرِ الصَّلاة قبل إتمامها أَولى مِن تأخير الجابر .

أم علي طويلبة علم
2014-09-26, 01:11 AM
تم بحمد الله تعالى الانتهاء من المجلد الثالث لكتاب الشرح الممتع

أم علي طويلبة علم
2014-09-26, 11:37 PM
قوله: «صَلاة التَّطُّوع» مِنْ باب إِضافةِ الشَّيء إلى نوعه؛ لأَنَّ الصَّلاةَ جِنسٌ ذو أنواع، فصلاةُ التَّطوُّع، أي: الصلاة التي تكون تطوُّعاً؛ أي: نافلة.
والتَّطوُّعُ: يُطلق على فِعْلِ الطَّاعة مطلقاً، فيشمل حتى الواجب، قال الله تعالى: {{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ *}} مع أَنَّ الطَّوافَ بهما رُكنٌ من أركان الحَجِّ والعُمْرة.
ويُطلق على المعنى الخاص في اصطلاح الفقهاء، فيُراد به كُلُّ طاعةٍ ليست بواجبة. ومِنْ حِكمةِ الله عزّ وجل ورحمتِهِ بعبادِه أَنْ شَرَعَ لكلِّ فَرْضٍ تطوُّعاً من جنسه؛ ليزداد المؤمن إيماناً بفعل هذا التَّطوُّع، ولتكمُلَ به الفرائض يوم القيامة، فإنَّ الفرائضَ يعتريها النَّقصُ، فتكمُلُ بهذه التَّطوُّعاتِ التي مِنْ جنسها، فالوُضُوء: واجبٌ وتطوُّعٌ، والصَّلاةُ: واجبٌ وتطوُّعٌ، والصَّدقة: واجبٌ وتطوُّعٌ، والصيام: واجبٌ وتطوُّعٌ، والحَجُّ: واجبٌ وتطوُّعٌ، والجهاد: واجبٌ وتطوُّعٌ، والعِلْمُ: واجبٌ وتطوُّعٌ، وهكذا.

وصلاة التَّطوُّع أنواع:
منها ما يُشرع له الجماعةُ، ومنها ما لا يشرعُ له الجَماعةُ.
ومنها ما هو تابعٌ للفرائض، ومنها ما ليس بتابعٍ.
ومنها ما هو مُؤقَّتٌ، ومنها ما ليس بمُؤقَّتٍ.
ومنها ما هو مُقيَّدٌ بسبب، ومنها ما ليس مقيَّداً بسبب.
وكلُّها يُطلق عليها: صلاةُ تَطوُّعٍ.
وآكدُ ما يُتطوَّعُ به من العبادات البَدنية: الجِهَاد.
وقيل: العِلْم.
والصَّحيح: أنه يختلف باختلاف الفاعل؛ وباختلاف الزَّمن، فقد نقول لشَخصٍ: الأفضلُ في حَقِّك الجِهادُ، والآخرُ: الأفضلُ في حَقِّكِ العِلْم، فإذا كان شُجاعاً قويًّا نشيطاً؛ وليس بذاك الذَّكيِّ؛ فالأفضلُ له الجِهاد؛ لأنه أَليقُ به. وإذا كان ذكيًّا حافظاً قويَّ الحُجَّة؛ فالأفضلُ له العِلْم، وهذا باعتبار الفاعل.
وأما باعتبار الزَّمن؛ فإننا إذا كُنَّا في زمن تَفَشَّى فيه الجهلُ والبِدعُ، وكَثُرَ مَنْ يُفتي بلا عِلم؛ فالعِلمُ أفضلُ من الجهاد، وإنْ كُنَّا في زمن كَثُرَ فيه العُلماءُ؛ واحتاجتِ الثُّغور إلى مرابطين يدافعون عن البلاد الإسلامية؛ فهنا الأفضل الجهاد. فإنْ لم يكن مرجِّحٌ، لا لهذا ولا لهذا؛ فالأفضلُ العِلم...


قوله: «آكدها كسوف» أي: أن آكدَ صلاة التَّطوُّع صلاةُ الكسوف؛ لأَنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أَمَرَ بها ، وخَرَجَ إليها فَزِعاً ، وصَلَّى صلاةً غريبةً، وعُرِضت عليه في صلاتِهِ هذه الجنَّةُ والنَّارُ، وخَطَب بعدها خُطبةً بليغةً عظيمةً ، وشَرعَ لها الجماعةَ، فأَمَرَ مناديًا أن يُنادي «الصلاةُ جامعةً»، فهي آكدُ صَلاةِ التطوُّع.
وفُهِمَ من كلام المؤلِّف : أَنَّ صلاة الكُسُوفِ نافلةٌ من باب التطوُّعِ، وفيها خِلاف بين أهل العلم.
والصحيح : أَنَّ صلاة الكُسُوف فرضٌ واجب، إِمَّا على الأعيان؛ وإِمَّا على الكفاية، وأَنَّه لا يمكن للمسلمين أن يَرَوا إنذارَ الله بكسُوف الشمسِ والقمرِ، ثم يَدَعوا الصَّلاةَ؛ مع أنَّ الرَّسولَ صلّى الله عليه وسلّم أَمَرَ بها، وأَمَرَ بالصدقة والتكبير والاستغفار والعتق والفزع إلى الصلاة، وحصل منه شيءٌ لم يكن مألوفاً مِنْ قبلُ، فكيف تقترنُ بها هذه الأحوالُ مع الأمر بها، ثم نقول: هي سُنةٌ؛ لو تركها المسلمون لم يأثموا. فأقلُّ ما نقول فيها: إنها فرضُ كفاية.


قوله: «ثم استسقاء» . يعني: أنَّ صلاة الاستسقاء تلي صلاةَ الكسوفِ في الآكدية، وعَلَّل الأصحاب ذلك بأنها تُشرع لها صلاةُ الجماعة، فجعلوا مناطَ الأفضلية الاجتماعَ على الصَّلاة، فما شُرع له الاجتماعُ فهو أفضلُ مما لم يُشرع له الاجتماعُ، فالاستسقاء عندهم أفضل من الوِتر مثلاً؛ لأن صلاة الاستسقاء تُشرع لها الجماعةُ بخلاف الوِتر، وما شُرعت له الجماعةُ فهو آكد من غيره.
ولكن؛ في هذا نَظَرٌ.

والصواب : أَنَّ الوِترَ أوكدُ مِن الاستسقاء؛ لأن الوِترَ داومَ عليه النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم وأَمَرَ به فقال: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلاتِكُمْ باللَّيلِ وِتْراً» وقال: «إِذا خَشِيَ أحدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى ركعةً واحدةً، تُوتِرُ له ما قد صَلَّى» وقال: «يا أهلَ القُرآن، أوتِرُوا...».
وأما صلاةُ الاستسقاء؛ فإنه لم يَرِدِ الأمرُ بها، ولكنها ثَبتتْ مِنْ فِعْل الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم، ولم يكن يقتصرُ في الاستسقاء على الصَّلاة، فقد كان يستسقي بالدُّعاء في خُطبةِ الجُمُعةِ وفي غيرها.
والاستسقاء هو : أَنَّ النَّاسَ إذا أجدبتِ الأرضُ، وقَحِطَ المطرُ، وتضرَّروا بذلك؛ خرجوا إلى مُصَلَّى العيدِ؛ فصَلُّوا كصلاة العيدِ، ثم دعوا الله عزّ وجل. وستأتي مفصَّلة في بابٍ مستقلٍّ إن شاء الله.

قوله: «ثم تراويح، ثم وتر» أي: أَنَّ التراويحَ تلي الاستسقاءَ في الآكدية، فهي في المرتبة الثالثة، فقدَّمَ التراويحَ على الوِتر بناءً على أنَّ مَنَاطَ الأفضليَّة هو الجماعة، والتراويحُ تُشرعُ لها الجماعةُ بفعل الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم، فإنه عليه الصَّلاة والسَّلام صَلَّى بالناس في رمضان ثلاث ليال، ثم تخلَّفَ في الثالثة أو في الرابعة، وقال: «إِنِّي خَشيتُ أَن تُفْرَضَ عليكم» فبقيت الأُمَّةُ الإسلاميةُ لا تُقَام فيها صلاةُ التراويح جماعةً، حتى جمعهم أميرُ المؤمنين عُمرُ بنُ الخطاب على تَمِيمٍ الدَّاريِّ وأُبيِّ بنِ كعب ، فالمؤلِّفُ يرى أن التراويحَ مقدَّمةٌ على الوِتر.

والصَّحيحُ: أَنَّ الوِترَ مقدَّمٌ عليها، وعلى الاستسقاء؛ لأنَّ الوِتر أَمَرَ به وداوم عليه النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، حتى قال بعضُ أهلِ العِلمِ: إنَّ الوِترَ واجبٌ.
وقال بعضُ العُلماء: إنَّهُ واجبٌ على مَنْ له وِرْدٌ مِن اللَّيل. يعني: على مَنْ يقومُ اللَّيل.
وقال آخرون: إنه سُنَّةٌ مطلقة.
وصلاةٌ هذا شأنها في السُّنَّةِ، وعند أهل العِلم، كيف تُجعل التراويحُ التي اختُلِفَ في استحباب الجماعة لها أفضلُ منها؟

إذاً؛ فترتيب صَلاة التطوُّع: الكسوف، ثم الوِتر، ثم الاستسقاء، ثم التراويح، هذا هو القول الراجح؛ لأن الاستسقاء صلاة يقصد بها رَفْع الضرر، فالناس في حاجة إليها أكثر من التراويح.

والتراويح: هو قيامُ اللَّيلِ في رمضان، وسُمِّيَ تروايحُ؛ لأن النَّاسَ كانوا يُطيلون القيامَ فيه والرُّكوعَ والسُّجودَ، فإذا صَلُّوا أربعاً استراحوا، ثم استأنفوا الصَّلاةَ أربعاً، ثم استراحوا، ثم صَلُّوا ثلاثاً، على حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم لا يزيدُ في رمضانَ ولا غيره على إحدى عَشْرَة رَكْعةً، يُصلِّي أربعاً؛ فلا تسألْ عن حُسْنهنَّ وطُولِهنَّ، ثم يُصلِّي أربعاً؛ فلا تسألْ عن حُسْنهنَّ وطُولِهِنَّ، ثم يُصلِّي ثلاثاً» ، وهذه الأربع التي كان يُصلِّيها أولاً؛ ثم ثانياً؛ يُسلِّمُ فيها من ركعتين؛ كما جاء ذلك مفسَّراً عنها رضي الله عنها قالت: «كان النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يُصَلِّي في الليل إِحدى عَشْرَة رَكْعة، يُسلِّمُ من كُلِّ رَكعتين» ، وبه نعرف أنَّ القائِلَ بأنّ هذه الإحدى عَشْرة، تُجمعُ الأربعُ فيها في سَلامٍ واحدٍ، والأربعُ في سَلامٍ واحدٍ لم يُصِبْ، ولعلَّه لم يَطَّلعْ على الحديث الذي صَرَّحتْ فيه بأنَّه يُسلِّمُ من كُلِّ رَكعتينِ.
وعلى فَرَضِ أَنَّ عائشةَ لم تُفصِّلْ؛ فإنَّ قولَ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم: «صلاةُ اللَّيلِ مَثْنَى مَثْنَى» يَحْكم على هذه الأربع بأنَّهُ يُسلَّم فيها مِن كُلِّ رَكعتين؛ لأنَّ فِعْلَ الرَّسولِ المُجْمَلَ يفسِّرُه قولُهُ المفصَّلُ.
أما الوِتر؛ فإنَّه سيأتينا ـ إنْ شاء الله ـ أَنَّ أقلَّهُ رَكْعة، وأكثره إحدى عَشْرة رَكعة، ويأتي بيان صِفته أيضاً.
والوِترُ سُنَّةٌ مؤكَّدةٌ، وهو ـ عند القائلين بأنه سُنَّةٌ ـ مِن السُّنَنِ المؤكَّدةِ جداً، حتى إنَّ الإمامَ أحمدَ رحمه الله قال: «مَنْ تَرَكَ الوِترَ فهو رَجُلُ سُوءٍ لا ينبغي أن تُقبل له شَهادة» ـ فَوَصَفَه بأنه رَجُلُ سُوءٍ، وحَكَم عليه بأنه غيرُ مَقبول الشَّهادة، وهذا يدلُّ على تأكُّدِ صَلاة الوِتْرِ.


قوله: «يفعل بين صلاة العشاء والفجر» ، هذا وقته بين صلاة العشاء والفجر، وسواء صَلَّى العشاء في وقتها، أو صلاها مجموعة إلى المغرب تقديماً، فإن وقت الوِتر يدخل من حين أن يصلي العشاء لما يُروى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إنَّ اللهَ أَمَدَّكُم بصلاةٍ هيَ خيرٌ لكم مِنْ حُمْرِ النَّـعَـمِ، صلاة الوِتْرِ، ما بين صلاةِ العِشَاء إلى أَنْ يَطْلُع الفَجْرُ». والسُّنة الصحيحة تشهد له، ولأن صلاة الوِتر تُختم بها صلاة الليل، وإذا انتهت صلاة العشاء فقد انتهت صلاة الليل المفروضة، ولم يبق إلا صلاة التطوع، فللإنسان أن يوتر من بعد صلاة العشاء مباشرة، ولو كانت مجموعة إلى المغرب تقديماً.
قوله: «والفجر» يعني: طلوع الفجر؛ لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإذا خَشِيَ أحدُكُم الصُّبْحَ صَلَّى واحدةً، تُوتِرُ له ما قد صَلَّى» فإذا طَلَعَ الفجرُ فلا وِتْرَ، وأما ما يُروى عن بعضِ السَّلفِ؛ أَنَّه كان يُوتِرُ بين أذانِ الفَجرِ، وإقامةِ الفَجرِ فإنَّه عَمَلٌ مُخالفٌ لما تقتضيه السُّنَّة، ولا حُجَّةَ في قولِ أحدٍ بعد رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم.
فالوِتْرُ ينتهي بطُلوعِ الفَجرِ، فإذا طَلَعَ الفجرُ وأنت لم تُوتِرْ؛ فلا تُوتِر، لكن ماذا تصنعُ؟
الجواب : تُصلِّي في الضُّحى وِتراً مشفوعاً بركعة، فإذا كان مِن عادتك أن توتر بثلاث صلَّيتَ أربعاً، وإذا كان مِن عادتك أن توتر بخمس فصل ستاً؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «كان إذا غَلَبَهُ نومٌ أَو وَجَعٌ عن قيامِ اللَّيلِ؛ صَلَّى من النَّهارِ ثِنْتَي عَشْرَةَ رَكْعةً».
ولم يتكلم المؤلِّفُ ـ رحمه الله ـ هل الأفضل تقديمه في أول الوقت أو تأخيره؟ ولكن دلَّت السُّنَّةُ على أن مَنْ طَمِعَ أن يقوم من آخر الليل فالأفضل تأخيره؛ لأن صلاة آخر الليل أفضل وهي مشهودةً، ومن خاف أن لا يقوم أوتر قبل أن ينام.


قوله: «وأقله ركعة» يعني: أقل الوتر ركعة؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الوِتْرُ رَكْعَةٌ من آخرِ اللَّيلِ» أخرجه مسلم ، وقوله : «صَلاةُ اللَّيلِ مَثْنَى مَثْنَى، فإِذا خَشِيَ أحدُكُم الصُّبْحَ صَلَّى ركعةً واحدةً تُوتِرُ له ما قد صَلَّى» وهو في «الصحيحين» فقوله: «صَلَّى ركعةً واحدةً» يدلُّ على أن أقل الوتر ركعة واحدة، فإذا اقتصر الإنسان عليها فقد أتى بالسُّنَّةِ.

قوله: «مثنى مثنى» أي: يصليها اثنتين اثنتين.
قوله: «ويوتر بواحدة، وإن أوتر بخمس أو سبع لم يجلس إلا في آخرها، وبتسع يجلس عقب الثامنة فيتشهد ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة ويتشهد ويسلم» لقول عائشة: «كان رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يُصَلِّي باللَّيلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكعةً، يُوتِرُ منها بواحدةٍ» وفي لفظ: «يُسلِّمُ بين كُلِّ رَكعتين، ويوتِرُ بواحدةٍ».
فيجوزُ الوِترُ بثلاثٍ، ويجوزُ بخمسٍ، ويجوزُ بسبعٍ، ويجوزُ بتسعٍ، فإنْ أوترَ بثلاثٍ فله صِفتان كِلتاهُما مشروعة:
الصفة الأولى : أنْ يَسْرُدَ الثَّلاثَ بِتَشهدٍ واحدٍ.
الصفة الثانية : أنْ يُسلِّمَ مِن رَكعتين، ثم يُوتِرَ بواحدة.
كلُّ هذا جَاءت به السُّنةُ، فإذا فَعَلَ هذا مرَّةً، وهذا مرَّةً فَحَسَنٌ...


الشرح الممتع ( 4 / 5 – 15 )

أم علي طويلبة علم
2014-10-02, 09:11 AM
ساذكر إن شاء الله تعالى ملخص أحكام سجود السهو ، للعلامة ابن عثيمين رحمه الله نقلا من رسائل وفتاوى في الصلاة إعداد دار ابن خزيمة للنشر ، فإن كان هناك بعض التنبيهات أو تفصيل نرجو بيانه .

أم علي طويلبة علم
2014-10-02, 09:25 AM
1
المسألة

في السلام قبل تمام الصلاة:
إذا سلم المصلي قبل تمام الصلاة ناسياً .
حالــــتهـا


إن ذكر بعد مضي زمن طويل استأنف الصلاة من جديد. وإن ذكر بعد زمن قليل كخمس دقائق فإنه يكمل صلاته ويسلم منها .
موضع السجود

يسجد بعد السلام للسهو سجدتين ويسلم مره ثانية .




2


في الزيادة في الصلاة : إذا زاد المصلي في صلاته قياماً أو قعوداً أو ركوعاً أو سجوداً .



إن ذكر بعد الفراغ من الزيادة فليس عليه إلا السجود للسهو وإن ذكر في أثناء الزيادة وجب عليه الرجوع عن الزيادة .


يسجد للسهو بعد السلام ويسلم ثانية .




3


في ترك الأركان : إذا ترك ركن من أركان الصلاة غير تكبيرة الإحرام ناسياً



فإن وصل إلى مكانه من الركعة التي تليها لغت الركعة التي تركه منها وقامت التي تليها مقامها . وإن لم يصل إلى مكانه من الركعة التي تليها وجب عليه الرجوع إلى محل الركن المتروك وأتى به وبما بعده


في كلتا الحالتين يجب عليه سجود السهو ومحله بعد السلام




4

في الشك في الصلاة : إذا شك في عدد الركعات هل صلى ركعتين أو ثلاثاً فلا يخلو من حالتين

الحالة الأولى : أن يترجح عنده أحد الأمرين فيعمل بالراجح ويتم عليه صلاته ثم يسلم
الحالة الثانية: ألا يترجح عنده أحد الأمرين فإنه يبني على اليقين وهو الأقل ثم يتم عليه
يسجد للسهو بعد السلام في الحالة الأولى .
يسجد للسهو قبل السلام في الحالة الثانية




5

في ترك التشهد الأول : إذا ترك التشهد الأول ناسياً وحكم الواجبات حكم التشهد الأول .

1- إن لم يذكر إلا بعد أن استتم قائما فإنه يستمر في صلاته ولا يرجع للتشهد .

2- إن ذكر بعد نهوضه وقبل أن يستتم قائما فإنه يرجع ويجلس ويتشهد ويكمل صلاته .

3- إن ذكر قبل أن ينهض فخذيه عن ساقيه فإنه يستقر جالسا ويتشهد ثم يكمل صلاته ولا يسجد للسهو لأنه لم يحصل منه زيادة ولا نقص .
يسجد للسهو قبل السلام

محمد طه شعبان
2014-10-02, 09:32 AM
مختصر مفيد

أم علي طويلبة علم
2014-10-02, 09:38 AM
جزاكم الله خيرا

أم علي طويلبة علم
2014-10-06, 11:36 PM
هناك أفعال وأقوال تكون زائدة أو ناقصة في الصلاة ، وسجود السهو منه الواجب ومنه السنة ، هل يمكن عمل جدول يوضح ذلك ؟ بشكل مختصر وواضح ؟
أم ان الأمر يختلف ؟

محمد طه شعبان
2014-10-06, 11:52 PM
جزاكم الله خيرا
وجزاكم مثله

محمد طه شعبان
2014-10-06, 11:59 PM
هناك أفعال وأقوال تكون زائدة أو ناقصة في الصلاة ، وسجود السهو منه الواجب ومنه السنة ، هل يمكن عمل جدول يوضح ذلك ؟ بشكل مختصر وواضح ؟
أم ان الأمر يختلف ؟
قد أبنتم في الجدول المتقدم حكم الزيادة والنقصان.
وأما توضيح الواجب والمستحب من سجود السهو، فأعتقد أنه لا يحتاج إلى جدول، بل هو مختصر في كلمتين. والله أعلم.

أم علي طويلبة علم
2014-10-07, 12:59 AM
قد أبنتم في الجدول المتقدم حكم الزيادة والنقصان.
وأما توضيح الواجب والمستحب من سجود السهو، فأعتقد أنه لا يحتاج إلى جدول، بل هو مختصر في كلمتين. والله أعلم.


لعلي أستطيع عمل الجدول قد يتضح المراد من خلال تقسيم الأقوال والأفعال من ركن وواجب .. إلخ وحكم السهو في كل منها ، فالجدول المذكور عام و أما الأخر إن شاء الله مفصل .

محمد طه شعبان
2014-10-07, 01:09 AM
وفقكم الله تعالى

أم علي طويلبة علم
2014-10-08, 02:07 AM
في الشرح الممتع : ... وهل يعني أن الأركان غير واجبة؟
الجواب: لا يعني أن الأركان غير واجبة، بل الأركان واجبة وأوكد من الواجبات، لكن تختلف عنها في أن الأركان لا تسقط بالسَّهْوِ، والواجبات تسقط بالسَّهْوِ، ويجبرها سُجودُ السَّهْوِ، بخلاف الأركان؛ ولهذا من نسيَ رُكناً لم تصحَّ صلاته إلا به، ومن نسيَ واجباً أجزأَ عنه سُجودُ السَّهْوِ، فإنْ تَرَكَه جهلاً فلا شيء عليه، فلو قام عن التشهُّدِ الأول لا يدري أنه واجب فصلاتُه صحيحة، وليس عليه سُجود السَّهْوِ؛ وذلك لأنه لم يكن تَرْكه إيَّاه عن نسيان.
وقيل: عليه سُجود السَّهْوِ بترك الواجب جهلاً؛ قياساً على النسيان؛ لعدم المؤاخذة في كُلٍّ منهما...

...تتمة: ولو فَعَلَ المستحب في غير موضعه؛ بأن رَفَعَ يديه في الانحدار إلى السجود ناسياً؛ فهل يُشرع السُّجود؟
الجواب: لا يُشرع السُّجود؛ لأنه إذا لم يُشرع السُّجود لتركه وهو نقص في ماهيَّة الصَّلاة؛ فلا يُشرع لفعله مِن باب أَوْلَى، لكنه لا يبطل الصلاة؛ لأنه من جنسها، إلا أنه سيأتي ـ إن شاء الله ـ في باب سجود السَّهو أنه إذا أتى بقول مشروع في غير موضعه، فإنه يُسنُّ له أن يسجد للسَّهو، كما لو قال: «سبحان رَبِّيَ الأَعلى» في الرُّكوع، ثم ذَكَرَ فقال: «سبحان رَبِّي العظيم» فهنا أتى بقول مشروع وهو «سبحان رَبِّيَ الأَعلى»، لكن «سبحان رَبِّي الأعلى» مشروع في السُّجود، فإذا أتى به في الرُّكوع قلنا: إنك أتيت بقول مشروع في غير موضعه، فالسُّجود في حقِّكَ سُنَّة.
وهذا هو المذهب ، أعني التفريق بين القول المسنون والفعل المسنون، حيث قالوا: إنْ أتى بقول مشروع في غير موضعه سُنَّ له سجود السَّهو، وإن أتى بفعل مسنون في غير موضعه لم يُسنَّ له السُّجود، وفي هذا التفريق نظر؛ فإن عموم الأدلة في السُّجود للسَّهو يقتضي أنْ لا فَرْقَ.


لعلي أستطيع عمل الجدول قد يتضح المراد من خلال تقسيم الأقوال والأفعال من ركن وواجب .. إلخ وحكم السهو في كل منها ، فالجدول المذكور عام و أما الأخر إن شاء الله مفصل .

لم أستطع عمل الجدول المفصل فهناك أقوال !! فالجدول العام أيسر وأقرب للفهم والحفظ.

محمد طه شعبان
2014-10-08, 06:46 AM
[size=5][b]في الشرح الممتع : ... وهل يعني أن الأركان غير واجبة؟
الجواب: لا يعني أن الأركان غير واجبة، بل الأركان واجبة وأوكد من الواجبات، لكن تختلف عنها في أن الأركان لا تسقط بالسَّهْوِ، والواجبات تسقط بالسَّهْوِ، ويجبرها سُجودُ السَّهْوِ، بخلاف الأركان؛ ولهذا من نسيَ رُكناً لم تصحَّ صلاته إلا به، ومن نسيَ واجباً أجزأَ عنه سُجودُ السَّهْوِ، فإنْ تَرَكَه جهلاً فلا شيء عليه، فلو قام عن التشهُّدِ الأول لا يدري أنه واجب فصلاتُه صحيحة، وليس عليه سُجود السَّهْوِ؛ وذلك لأنه لم يكن تَرْكه إيَّاه عن نسيان.
وقيل: عليه سُجود السَّهْوِ بترك الواجب جهلاً؛ قياساً على النسيان؛ لعدم المؤاخذة في كُلٍّ منهما...

...تتمة: ولو فَعَلَ المستحب في غير موضعه؛ بأن رَفَعَ يديه في الانحدار إلى السجود ناسياً؛ فهل يُشرع السُّجود؟
الجواب: لا يُشرع السُّجود؛ لأنه إذا لم يُشرع السُّجود لتركه وهو نقص في ماهيَّة الصَّلاة؛ فلا يُشرع لفعله مِن باب أَوْلَى، لكنه لا يبطل الصلاة؛ لأنه من جنسها، إلا أنه سيأتي ـ إن شاء الله ـ في باب سجود السَّهو أنه إذا أتى بقول مشروع في غير موضعه، فإنه يُسنُّ له أن يسجد للسَّهو، كما لو قال: «سبحان رَبِّيَ الأَعلى» في الرُّكوع، ثم ذَكَرَ فقال: «سبحان رَبِّي العظيم» فهنا أتى بقول مشروع وهو «سبحان رَبِّيَ الأَعلى»، لكن «سبحان رَبِّي الأعلى» مشروع في السُّجود، فإذا أتى به في الرُّكوع قلنا: إنك أتيت بقول مشروع في غير موضعه، فالسُّجود في حقِّكَ سُنَّة.
وهذا هو المذهب ، أعني التفريق بين القول المسنون والفعل المسنون، حيث قالوا: إنْ أتى بقول مشروع في غير موضعه سُنَّ له سجود السَّهو، وإن أتى بفعل مسنون في غير موضعه لم يُسنَّ له السُّجود، وفي هذا التفريق نظر؛ فإن عموم الأدلة في السُّجود للسَّهو يقتضي أنْ لا فَرْقَ.



لم أستطع عمل الجدول المفصل فهناك أقوال !! فالجدول العام أيسر وأقرب للفهم والحفظ.
هذا صحيح، وهو ما دعاني أن أقول أن الكلام المختصر في هذا المقام أسهل من التفصيل

أم علي طويلبة علم
2014-10-08, 12:37 PM
زادكم الله علما وفقها ،،

محمد طه شعبان
2014-10-10, 06:51 AM
زادكم الله علما وفقها ،،
وأنتم كذلك

محمد طه شعبان
2014-11-23, 09:10 PM
قوله: (مَثْنَى مَثْنَى، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ): أي: أنَّ صلاة الليل تُصلى ركعتين ركعتين، يفصل بينها بسلام، ثم يوتر بركعة واحدة منفصلة؛ ودليل ذلك حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
وهناك صفات أخرى وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بثلاث وبخمس وبسبع وبتسع:
فَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ، لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إِلَّا فِي آخِرِهَا([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وَعَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِي عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ، فَيَبْعَثُهُ اللهُ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَتَسَوَّكُ، وَيَتَوَضَّأُ، وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهَا إِلَّا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَذْكُرُ اللهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّ التَّاسِعَةَ، ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يَا بُنَيَّ، فَلَمَّا أَسَنَّ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ...([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِسَبْعٍ أَوْ بِخَمْسٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمٍ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
قوله: (وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثٌ): فإن كانت الركعة الواحدة تجزئ؛ إلا أنه يُستحب أن يصلي قبلها شفعًا؛ لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: (بِسَلَامَيْنِ): أي: الأفضل والأكمل إن اقتصر على ثلاث ركعات، أن يفصل بين الشفع والوتر بتسليم؛ حتى تكون الركعتان الأوليان شفعًا لركعة الوتر.
قوله: (وَيَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ نَدْبًا): ودليل ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ، قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قنت قبل الركوع.
فَعَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ القُنُوتِ فِي الصَّلاَةِ؛ قَبْلَ الرُّكُوعِ، أَوْ بَعْدَ الرُّكُوعِ؟ فَقَالَ: قَبْلَ الرُّكُوعِ، قَالَ: قُلْتُ: فَإِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَقَالَ: إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى أُنَاسٍ قَتَلُوا أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ، يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
وعليه؛ فيكون موضعُ القُنُوتِ مِن السُّننِ المتنوِّعةِ؛ التي يَفعلُها أحيانًا هكذا، وأحيانًا هكذا([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) متفق عليه: أخرجه البخاري (990)، ومسلم (749).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1147)، ومسلم (738).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) أخرجه مسلم (737).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) أخرجه مسلم (746).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) أخرجه أحمد (26486)، والنسائي في ((المجتبى)) (1715)، وفي ((الكبرى)) (1408)، وابن ماجه (1192).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) أخرجه البخاري (4560).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) متفق عليه: أخرجه البخاري (4096)، ومسلم (677).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) ((الشرح الممتع)) (4/ 20).

محمد طه شعبان
2014-11-23, 09:13 PM
قوله: (فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ؛ إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ): ودليل ذلك حديث الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ عَنْهُمَا، عَلَّمَنِي رَسُولُ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ: «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
قوله: (اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ، لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ): ودليل ذلك حديث عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِك َ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
قوله: (ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم): أي: بعد الفراغ من الدعاء؛ ودليل ذلك ما ورد عن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدٍ الْقَارِي - وَكَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ - أَنَّ عُمَرَ، خَرَجَ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ فَخَرَجَ مَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدٍ الْقَارِي، فَطَافَ بِالْمَسْجِدِ وَأَهْلُ الْمَسْجِدِ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ، فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ إِنِّي أَظُنُّ لَوْ جَمَعْنَا هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ، ثُمَّ عَزَمَ عُمَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَرَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَنْ يَقُومَ لَهُمْ فِي رَمَضَانَ، فَخَرَجَ عُمَرُ عَلَيْهِمْ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ: نِعْمَ الْبِدْعَةُ هِيَ، وَالَّتِي تَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي تَقُومُونَ، - يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ - فَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ، وَكَانُوا يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي النِّصْفِ: اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِوَعْدِكَ، وَخَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ، وَأَلْقِ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، وَأَلْقِ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ، إِلَهَ الْحَقِّ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَدْعُو لِلْمُسْلِمِينَ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ خَيْرٍ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ .
قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ إِذَا فَرَغَ مِنْ لَعْنَةِ الْكَفَرَةِ، وَصَلَاتِهِ عَلَى النَّبِيِّ، وَاسْتِغْفَارِه ِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ، وَمَسْأَلَتِهِ: اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، وَنَرْجُو رَحْمَتَكَ رَبَّنَا، وَنَخَافُ عَذَابَكَ الْجِدَّ، إِنَّ عَذَابَكَ لِمَنْ عَادَيْتَ مُلْحِقٌ، ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَهْوِي سَاجِدًا([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وقد وردت زيادة: ((وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ)) في حديث الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهما، وهي زيادة ضعيفة لا تصح([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
فالثابت في ذلك عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
قوله: (وَيُؤَمِّنُ مَأْمُومٌ): خلف إمامه في الدعاء؛ وهذا مجمع عليه، قال ابن قدامة رحمه الله: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
واستدلوا على ذلك بحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ، إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ، عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
وما جاز فعله في صلاة الفريضة جاز في صلاة النافلة.
قوله: (وَيَجْمَعُ إِمَامٌ الضَّمِيرَ): فيقول: «اللَّهُمَّ اهْدِنا فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنا فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ ...»؛ وذلك لئلا يخص نفسه دون المأمومين.
وقد ورد عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَؤُمُّ رَجُلٌ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ دُونَهُمْ؛ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))».
وهو حديث لا يثبت.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) أخرجه أحمد، وأبو داود (1425)، والترمذي (464)، وقال: ((هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الحَوْرَاءِ السَّعْدِيِّ وَاسْمُهُ رَبِيعَةُ بْنُ شَيْبَانَ، وَلَا نَعْرِفُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي القُنُوتِ فِي الوِتْرِ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا))، والنسائي (1745)، وابن ماجه (1178)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (429).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه أحمد (751)، وأبو داود (1427)،والترمذي (3566)، وقال: ((هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ))، والنسائي (1747)، وابن ماجه (1179)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (430).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) أخرجه ابن خزيمة في ((صحيحه)) (1100)، وصححه الألباني في ((قيام رمضان)) (31).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) تفرد بها النسائي (1746)، وضعف هذه اللفظة الألباني في ((الإرواء)) (431)، وقال في ((تمام المنة)) (243): ((هذه الزيادة في آخره ضعيفة لا تثبت؛ كما قال الحافظ ابن حجر والقسطلاني والزرقاني، وفي سندها جهالة وانقطاع)).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((المغني)) (2/ 113).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) أخرجه أحمد (2746)، وأبو داود (1443)، وصحح إسناده الألباني في ((صحيح أبي داود)) (5/ 187).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) أخرجه أحمد (22415)، وأبو داود (90)، والترمذي (357)، وقال: ((حسن))، وابن ماجه (923)، وضعفه الألباني في ((ضعيف الجامع)) (6334)، ومحققو المسند.

محمد طه شعبان
2014-11-23, 09:14 PM
قوله: (وَيمْسَحُ الدَّاعِي وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ مُطْلَقًا): أي: يُشرع رفع الأيدي في القنوت، ويمسح الداعي وجهه بيديه بعد الفراغ من الدعاء مطلقًا في دعاء الوتر وغيره.
فأما رفع اليدين في القنوت فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ففي حديث أنس بن مالك الطويل في حادثة بئر معونة، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم على مَنْ قَتَلَ أصحابَه الكرام، قال أنس رضي الله عنه: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ عَلَى شَيْءٍ قَطُّ، وَجْدَهُ عَلَيْهِمْ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا صَلَّى الْغَدَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
وأما مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء؛ فقد استدلوا على ذلك بحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَعَوْتَ اللَّهَ فَادْعُ بِبَاطِنِ كَفَّيْكَ، وَلَا تَدْعُ بِظُهُورِهِمَا، فَإِذَا فَرَغْتَ فَامْسَحْ بِهِمَا وَجْهَكَ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
وهو حديث منكر.
واستدلوا أيضًا بحديث عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ، لَمْ يَحُطَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وهو حديث ضعيف جدًّا.
كما استدلوا بحديث السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَعَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ، مَسَحَ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
ولا يثبت أيضًا.
قال البيهقي رحمه الله: ((وَرُوِّينَا رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ؛ فَأَمَّا مَسْحُ الْيَدَيْنِ بِالْوَجْهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ دُعَاءِ الْقُنُوتِ فَإِنَّهُ مِنَ الْمُحْدَثَاتِ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)))).
والوارد عن أحمد رحمه الله أنه كان لا يفعل ذلك.
قال عبد الله: سَأَلت أبي عَن رفع الْيَدَيْنِ فِي الْقُنُوت، قَالَ لَا بَأْس بِهِ رَوَاهُ لَيْث عَن عبد الرَّحْمَن بن الأسود عَن أبيه؛ أن ابْن مَسْعُود كَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي الْقُنُوت.
قَالَ: قلت لأبي: يمسح بهما وَجهه
قَالَ: أرجو أن لَا يكون بِهِ بَأْس.
قَالَ عبد الله: لَمْ أرَ أبي يمسح بهما وَجهه([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
وقال أبو داود رحمه الله: سمعت أحمد، سُئل عن الرجل يمسح وجهه بيده إذا فرغ في الوتر؟ قال: لم أسمع به، وقال مرة: لم أسمع فيه بشيء. قال أبو داود: ورأيت أحمد لا يفعله([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
قوله: (والتَّرَاوِيحُ عِشْرُونَ رَكْعَة): واستدلوا على ذلك بحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْرَ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).
وهو حديث منكر.
كما استدلوا بما ورد عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي رَمَضَانَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
وفيه انقطاع بين يزيد بن رومان وعمر بن الخطاب رضي الله عنه([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10)).
قلت: والصحيح الثابت في عدد ركعات التراويح، حديث أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11)).
وهو الثابت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فقد روى مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّهُ قَالَ: أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)).

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) أخرجه أحمد (12402)، وصححه الألباني في ((أصل صفة الصلاة)) (3/ 957).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه أبو داود (1485)، وابن ماجه (1181)؛ قَالَ أَبُو دَاوُدَ رحمه الله: «رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ كُلُّهَا وَاهِيَةٌ، وَهَذَا الطَّرِيقُ أَمْثَلُهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا»اهـ. وقال الألباني رحمه الله في ((الإرواء)) (2/ 179، 180): ((وهذا سند ضعيف من أجل ابن حسان؛ فإنه منكر الحديث كما قال البخاري. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال ابن حبان: كان صاحب قينات وسماع, وكان يروي الموضوعات عن الأثبات, وقال ابن أبى حاتم فى "العلل" (2/351) : سألت أبي عن هذا الحديث؟ فقال: منكر.
قلت: وقد تابعه عيسى بن ميمون عن محمد بن كعب به, أخرجه ابن نصر.
قلت: ولا يُفرح بهذه المتابعة؛ لأن ابن ميمون حاله قريب من ابن حسان, قال ابن حبان: يروي أحاديث كلها موضوعات. وقال النسائي: ليس بثقة))اهـ. .

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) أخرجه الترمذي (3386)، وقال: ((هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ وَهُوَ قَلِيلُ الحَدِيثِ))، وضعفه الألباني في ((الإرواء)) (433).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) أخرجه أحمد (17943)، وأبو داود (1492)؛ قال الألباني رحمه الله في ((الإرواء)) (2/ 178، 179): – بعدما ذكر حديث عمر المتقدم وبيَّن ضعفه – قال: ((وفي الباب عن السائب بن يزيد عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا فرفع يديه مسح وجهه بيديه. أخرجه أبو داود، عن ابن لهيعة عن حفص بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن السائب به.
قلت: وهذا سند ضعيف؛ لجهالة حفص بن هاشم, وضعف ابن لهيعة، ولا يتقوى الحديث بمجموع الطريقين؛ لشدة ضعف الأول منهما كما رأيت))اهـ.

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((السنن الصغير)) (1/ 170).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((مسائل عبد الله)) (95).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) ((مسائل أبي داود)) (102).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) أخرجه ابن أبي شيبة (7692)، والطبراني في ((الكبير)) (12102)، وفي ((الأوسط)) (798)، ومدار الحديث على إبراهيم بن عثمان أبي شيبة العبسي الكوفي؛ قال الطبراني: ((لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْحَكَمِ إِلَّا أَبُو شَيْبَةَ، وَلَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ))، وأبو شيبة متروك الحديث، وقد عَدَّ الأئمة رحمهم الله هذا الحديث من مناكيره.
قَالَ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَة – كما في ((تاريخ بغداد)) (7/ 21) -: ((أَبُو شَيْبَةَ قَاضِي وَاسِطٍ ضَعِيفٌ، رَوَى عَنِ الْحَكَمِ أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ، لا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ؛ مِنْهَا: عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوَتْرَ))اهـ .
وقال الذهبي رحمه الله في ((الميزان)) (1/ 48): ((ومن مناكير أبي شيبة ما روى البغوي، أنبأنا منصور بن أبي مزاحم، أنبأنا أبو شيبة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى في شهر رمضان في غير جماعة بعشرين ركعة والوتر)).
وضعف الحديث أيضًا الحافظ ابن حجر؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)) (4/ 254): ((وَأما مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شيبَة من حَدِيث بن عَبَّاسٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْرَ، فَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَقَدْ عَارَضَهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا الَّذِي فِي ((الصَّحِيحَيْنِ )) مَعَ كَوْنِهَا أَعْلَمَ بِحَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلًا مِنْ غَيرهَا. وَالله أعلم))اهـ.
وضعفه أيضًا: السيوطي والهيثمي والزيلعي، وقال الألباني في ((صلاة التراويح)) (20): ((ضعيف جدًّا)).
وقد قال السيوطي رحمه الله في ((الحاوي للفتاوى)) (1/ 415، 416) – بعدما بيَّن وهاء الحديث -: ((فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِشْرِينَ رَكْعَةً لَمْ تَثْبُتْ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا نَقَلَهُ عَنْ صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ غَايَةٌ فِيمَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ مِنْ تَمَسُّكِنَا بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عائشة أَنَّهُ كَانَ لَا يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ; فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ صَلَّى التَّرَاوِيحَ ثَمَانِيًا ثُمَّ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ، فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ؛ وَمِمَّا يَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا وَاظَبَ عَلَيْهِ، كَمَا وَاظَبَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَضَاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ مَعَ كَوْنِ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَنْهِيًّا عَنْهَا، وَلَوْ فَعَلَ الْعِشْرِينَ وَلَوْ مَرَّةً لَمْ يَتْرُكْهَا أَبَدًا، وَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ لَمْ يَخْفَ عَلَى عائشة حَيْثُ قَالَتْ مَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ))اهـ.

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) أخرجه مالك في ((الموطأ)) (380)، وعنه البيهقي في ((الكبير)) (4289)، وفي ((المعرفة)) (5411).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) انظر: ((نصب الراية)) (2/ 154)، وقال النووي في ((المجموع)) (4/ 33): ((رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ؛ فَإِنَّ يَزِيدَ بْنَ رُومَانَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ))، وضعفها الألباني في ((صلاة التراويح)) (52).
وروى ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (7682)، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَاريِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَمَرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِهِمْ عِشْرِينَ رَكْعَةً. وهو منقطع؛ لأن يحيى لم يُدرك عمر أيضًا. انظر: ((صلاة التراويح)) (55).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1147)، ومسلم (738).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) أخرجه مالك (379)، والنسائي في ((الكبرى)) (4670)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (1741)، والبيهقي في ((معرفة السنن والآثار)) (5413)، وقال الألباني رحمه الله في ((صلاة التراويح)) (45، 46): ((وهذا سند صحيح جدًّا؛ فإن محمد بن يوسف شيخ مالك ثقة اتفاقًا، واحتج به الشيخان، والسائب بن يزيد صحابي حج مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير)).

محمد طه شعبان
2014-11-23, 09:16 PM
قوله: (بِرَمَضَانَ تُسَنُّ): أي: أن صلاة التراويح سُنَّة في شهر رمضان فقط.
قوله: (وَالْوِتْرُ مَعَهَا جَمَاعَةٌ): أي: ويُسنُّ أن يُصلي المأموم الوتر جماعة مع إمامه؛ لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
قوله: (وَوَقْتُهَا بَيْنَ سُنَّةِ عِشَاءٍ وَوِتْرٍ): أي: وقت صلاة التراويح يكون بين سنة العشاء وصلاة الوتر.
قوله: (ثُمَّ الرَّاتِبَةُ): أي: السنن الراتبة تأتي بعد هذه الصلوات المذكورة في الآكدية.
والسنن الراتبة؛ أي: الدائمة، التي كان يداوم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: (رَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ): هذا تفصيل للسنن الراتبة؛ وجملتها عشر ركعات؛ ودليلها حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: حَفِظْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
والصحيح أن الرواتب اثنتا عشرة ركعة؛ حيث يُصلى أربع ركعات قبل الظهر.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الغَدَاةِ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
قوله: (وَهُمَا آكَدُهَا): أي: آكد السنن الرواتب ركعتا الفجر؛ ودليل ذلك حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مِنْهُ تَعَاهُدًا عَلَى رَكْعَتَيِ الفَجْرِ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العِشَاءَ، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، وَرَكْعَتَيْنِ جَالِسًا، وَرَكْعَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءَيْنِ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)) وَلَمْ يَكُنْ يَدَعْهُمَا أَبَدًا([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8))».
قوله: (وَتُسَنُّ صَلَاةُ اللَّيْلِ بِتَأَكُّدٍ): لمداومة النبي صلى الله عليه وسلم عليها.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9))».
قوله: (وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ): أي: صلاة الليل أفضل من صلاة النهار في النفل المطلق؛ وذلك بالاتفاق([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))، ودليل ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ».
قوله: (وَسُجُودُ تِلَاوَةٍ لِقَارِئِ وَمُسْتَمِعٍ): أي: ويُسنُّ سجود التلاوة للقارئ والمستمع بتأكد؛ ودليل ذلك حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فِيهَا السَّجْدَةُ، فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ حَتَّى مَا يَجِدُ بَعْضُنَا مَوْضِعًا لِمَكَانِ جَبْهَتِهِ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11)).
وليس بواجب؛ لحديث زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالنَّجْمِ) فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)).
وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الهُدَيْرِ التَّيْمِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَرَأَ يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلَى المِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ، فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الجُمُعَةُ القَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا، حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ، قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ، فَمَنْ سَجَدَ، فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ.
وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَزَادَ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13)).
قوله: (وَيُكَبِّرُ إِذَا سَجَدَ، وَإِذَا رَفَعَ): لعموم حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ، فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ: إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14)).
هذا إذا كان في صلاة.
وأما في غير الصلاة فقد ورد عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ، فَإِذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ كَبَّرَ وَسَجَدَ وَسَجَدْنَا مَعَهُ([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15)).
وهذ الحديث لا يصح؛ وعليه فلا يُشرع التكبير لسجود التلاوة في غير الصلاة. والله أعلم.
قوله: (وَيَجْلِسُ وَيُسَلِّمُ): أي: على الوجوب لسجود التلاوة، إذا كان خارج الصلاة؛ واستدلوا على ذلك بحديث عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ([16] (http://majles.alukah.net/#_ftn16))».
وقالوا: بأن سجود التلاوة صلاة، فيجب له ما يجب للصلاة([17] (http://majles.alukah.net/#_ftn17)).
والراجح أنه ليس بصلاة؛ لأنه لا ينطبق عليه تعريف الصَّلاة؛ إذ لم يثبت في السُّنَّة أن له تكبيرًا أو تسليمًا.
وهو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وتبعه الشيخ ابن عثيمين([18] (http://majles.alukah.net/#_ftn18)) رحمهما الله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وَسُجُودُ الْقُرْآنِ لَا يُشْرَعُ فِيهِ تَحْرِيمٌ وَلَا تَحْلِيلٌ، هَذَا هُوَ السُّنَّةُ الْمَعْرُوفَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ السَّلَفِ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ ؛ وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَتْ صَلَاةً، فَلَا تُشْتَرَطُ لَهَا شُرُوطُ الصَّلَاةِ([19] (http://majles.alukah.net/#_ftn19))))اهـ.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) أخرجه أحمد (21419)، وأبو داود (1375)، والترمذي (806)، والنسائي (1364)، وابن ماجه (1327)، من حديث أبي ذر رضي الله عنه، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (447).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه البخاري (1180).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) أخرجه البخاري (1182).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) أخرجه مسلم (728).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1182)، ومسلم (1169).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) أي: بين أذان الصبح والإقامة.

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) أخرجه البخاري (1159).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) أخرجه مسلم (725).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) أخرجه مسلم (1163).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) ذكر ذلك المرداوي في ((الإنصاف)) (2/ 185).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1075)، ومسلم (575).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1072)، ومسلم (577).

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) أخرجه البخاري (1077).

[14] (http://majles.alukah.net/#_ftnref14))) متفق عليه: أخرجه البخاري (785)، ومسلم (392).

[15] (http://majles.alukah.net/#_ftnref15))) أخرجه أبو داود (1413)، قال النووي في ((المجموع)) (4/ 58): ((إسناده ضعيف))، وقال ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (2/ 27): ((فِيهِ الْعُمَرِيُّ عَبْدُ اللَّهِ الْمُكَبَّر وَهُوَ ضَعِيفٌ))، وضعفه الألباني في ((الإرواء)) (472).

[16] (http://majles.alukah.net/#_ftnref16))) أخرجه أحمد (1006)، وأبو داود (61)، والترمذي (3)، وقال: «هَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ»، وابن ماجه (275)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (301).

[17] (http://majles.alukah.net/#_ftnref17))) انظر: ((الإنصاف)) (2/ 193)، و((زاد المستقنع)) (52).

[18] (http://majles.alukah.net/#_ftnref18))) انظر: ((الشرح الممتع)) (4/ 89).

[19] (http://majles.alukah.net/#_ftnref19))) ((مجموع الفتاوى)) (23/ 165).

ابن الصديق
2014-11-23, 09:47 PM
جزاك الله خيرا على هذا المجهود المبارك

محمد طه شعبان
2014-11-24, 12:17 AM
جزاك الله خيرا على هذا المجهود المبارك
وجزاكم مثله

محمد طه شعبان
2014-11-26, 05:21 PM
قوله: (وَكُرِهَ لِإِمَامٍ قرَاءَتُهَا فِي سِرِّيَّةٍ): لأنه إذا قرأها إما أن يسجد لها أو لا؛ فإن لم يسجد لها كان تاركًا للسنة، وإن سجد لها، أوجب الإبهام والتخليط على المأموم([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
ورجح ابن قدامة رحمه الله عدم كراهة ذلك؛ مستدلًّا على ذلك بما رواه سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ، فَرَأَى أَصْحَابُهُ أَنَّهُ قَدْ قَرَأَ: (تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ).
قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي مِجْلَزٍ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
قال ابن قدامة رحمه الله: واتباع النبي صلى الله عليه وسلم أَوْلَى([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
قلت: وهذا الحديث ضعيف؛ للانقطاع بين سليمان التيمي وأبي مجلز.
ولكن قد يقال بعدم كراهة ذلك استنادًا على عموم الأحاديث التي فيها صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالسجدة، وعدم ورود الدليل الذي يمنع ذلك في السرية؛ إلا أن يكون هناك تيقن بإيهام المصلين؛ فيُترك لذلك.
قوله: (وَسُجُودُهُ لَهَا): أي: وإن تلاها الإمام كره له السجود؛ لئلا يُبهم على المأمومين.
والصحيح – كما تقدم – أنه لا يُكره، إلا أن يتيقن إيهام المأمومين؛ كأن يكون هناك ساتر يفصل بين الإمام والمأمومين من الرجال أو النساء، فيُترك لذلك.
قوله: (وَعَلَى مَأْمُومٍ مُتَابَعَتُهُ فِي غَيْرِهَا): أي: يلزم المأموم متابعة إمامه إذا سجد سجود التلاوة في غير الصلاة السرية؛ لحديث «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))»، وأما في السرية فلا يلزم متابعته؛ لأنه لم يسمع الآية.
والصحيح أنه يلزمه متابعته في السرية أيضًا؛ للحديث المذكور؛ وهو ما رجحه ابن قدامة رحمه الله([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
قوله: (وَسُجُودُ شُكْرٍ عِنْدَ تَجُدُّدِ نِعَمٍ وَانْدِفَاعِ نِقَمٍ): ودليل ذلك حديث أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا جَاءَهُ أَمْرُ سُرُورٍ أَوْ بُشِّرَ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
قوله: (وَتَبْطُلُ بِهِ صَلَاةُ غَيْرِ جَاهِلٍ وَنَاسٍ): فإن سجد للشكر في صلاة، بطلت به الصلاة؛ لأنه فعل ليس منها؛ إلا أن يكون جاهلًا أو ناسيًا، فإنها لا تبطل؛ لعذر الجهل أو النسيان.
قوله: (وَهُوَ كَسُجُودِ تِلَاوَةٍ): أي: صفته وشروطه كصفة سجود التلاوة وشروطه.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ((الروض المربع)) (120).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه أحمد (5556)، وأبو داود (807)، وضعفه الألباني في ((ضعيف أبي داود)) (1/ 314)، وضعفه أيضًا محققو المسند.

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((المغني)) (1/ 449).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) متفق عليه: أخرجه البخاري (722)، ومسلم (414).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((المغني)) (1/ 449).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) أخرجه أبو داود (2774)، والترمذي (1578)، وابن ماجه (1394)، وقال الترمذي: ((هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ بَكَّارِ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ رَأَوْا سَجْدَةَ الشُّكْرِ))، وحسنه الألباني في ((الإرواء)) (474).

محمد طه شعبان
2014-11-26, 05:23 PM
قوله: (وَأَوْقَاتُ النَّهْيِ خَمْسَةٌ: مِنْ طُلُوعِ فَجْرٍ ثَانٍ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَمِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى الْغُرُوبِ، وَعِنْدَ طُلُوعِهَا إِلَى ارْتِفَاعِهَا قَدْرَ رُمْحٍ، وَعِنْدَ قِيَامِهَا حَتَّى تَزُولَ، وَعِنْدَ غُرُوبِهَا حَتَّى يَتِمَّ): أي: هذه الأوقات هي المنهي عن الصلاة فيها؛ وهي أوقات خمسة؛ وهي بالترتيب:
الوقت الأول: من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس؛ كما ذَكَر هنا.
والصحيح – وهو رواية عن أحمد([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)) - أن النهي متعلق بالصلاة، لا بمجرد طلوع الفجر؛ ودليل ذلك حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
فعلَّق النبي صلى الله عليه وسلم النهي بالصلاة، لا بمجرد دخول الوقت، فيكون هذا الحديث مفسِّرًا للأحاديث الآتية([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)):
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَعَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَكَانَ أَحَبَّهُمْ إِلَيَّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
الوقت الثاني: من طلوع الشمس – حين يظهر أول شيء من قرص الشمس - إلى ارتفاعها رأي العين قدر رمح([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))؛ ودليل النهي عن الصلاة في هذا الوقت حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)) الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّيَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا؛ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بِقَرْنَيِ الشَّيْطَانِ».
وفي لفظ: «إِذَا بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَبْرُزَ، وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَغِيبَ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9))».
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا تَطْلُعْ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))».
الوقت الثالث: عند قيام الشمس وتعمدها في كبد السماء إلى أن تزول عن كبد السماء، ولو بقدر شعرة؛ ودليل النهي عن الصلاة في هذا الوقت حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه، وفيه: وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11)).
الوقت الرابع: من بعد صلاة العصر إلى ما قُبيل الغروب؛ ودليل النهي عن الصلاة في هذا الوقت أحاديث أبي سعيد وأبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم، وقد تقدم ذكرها في الوقت الأول.
والوقت الخامس: من بداية ميلها إلى الغروب إلى أن يَتِمَّ غروبها؛ ودليل النهي عن الصلاة في هذا الوقت حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه، وفيه: وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)).
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّيَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا؛ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بِقَرْنَيِ الشَّيْطَانِ».
وفي لفظ: «إِذَا بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَبْرُزَ، وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَغِيبَ([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13))».
ن يوَحَدِيث عَمْروِ بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه يجمع كل هذه الأوقات؛ فعنه رضي الله عنه أنه قال: قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللهِ أَخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللهُ وَأَجْهَلُهُ؛ أَخْبِرْنِي عَنِ الصَّلَاةِ، قَالَ: «صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14))، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15)) حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ([16] (http://majles.alukah.net/#_ftn16))، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ([17] (http://majles.alukah.net/#_ftn17))، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ([18] (http://majles.alukah.net/#_ftn18))».

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكر هذه الرواية: ابن قدامة في ((الكافي)) (1/ 239).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) متفق عليه: أخرجه البخاري (586)، ومسلم (827).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ورجح هذا ابن تيمية رحمه الله، وذكر هذا الكلام بمعناه في ((مجموع الفتاوى)) (23/ 200- 205).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) متفق عليه: أخرجه البخاري (588)، ومسلم (825).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) متفق عليه: أخرجه البخاري (581)، ومسلم (826).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) قال الخطابي في ((معالم السنن)) (1/ 276): قدر رمح: أي: في رأي العين.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في ((الشرح الممتع)) (4/ 113): ((فإذا طلعت الشَّمس؛ فانظر إليها، فإذا ارتفعت قَدْرَ رُمح، يعني: قَدْرَ متر تقريبًا في رأي العين فحينئذٍ خرج وقت النَّهي.
ويُقدَّرُ بالنسبة للساعات باثنتي عشرة دقيقةً إلى عشرِ دقائقَ، أي: ليس بطويل، ولكن الاحتياطُ أن يزيدَ إلى رُبعِ ساعة، فنقول بعد طُلوع الشَّمس برُبعِ ساعة ينتهي وقتُ النَّهي))اهـ.

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) تضَّيَّف الشمس للغروب: أي: تميل للغروب.

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) أخرجه مسلم (831).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) متفق عليه: أخرجه البخاري (583)، ومسلم (828).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) أخرجه مسلم (612).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) أخرجه مسلم (831).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) التخريج السابق.

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) متفق عليه: أخرجه البخاري (583)، ومسلم (828).

[14] (http://majles.alukah.net/#_ftnref14))) قال النووي رحمه الله ((شرح صحيح مسلم)) (5/ 113): ((قيل: المراد بقرنه: أُمَّتَهُ، وشيعته. وقيل: قرنه: جانب رأسه؛ وهذا ظاهر الحديث، فهو أَوْلى؛ ومعناه: أنه يدني رأسه إلى الشمس في هذا الوقت؛ ليكون الساجدون للشمس من الكفار في هذا الوقت كالساجدين له؛ وحينئذ يكون له ولشيعته تسلط وتمكن من أن يُلَبِّسوا على المصلي صلاته))اهـ.

[15] (http://majles.alukah.net/#_ftnref15))) أي: تحضرها الملائكة.

[16] (http://majles.alukah.net/#_ftnref16))) حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ: فُسِّرَ في رواية عند أبي داود: ((حَتَّى يَعْدِلَ الرُّمْحُ ظِلَّهُ))؛ أي: عند تعمد الشمس في كبد السماء قُبَيل الزوال. والرمح كناية عن الشاخص؛ والتقدير: حتى يَقِلَّ الظل الملصق بالشاخص؛ أي: ينتهي إلى غاية قلته. ((دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين)) (4/ 345).

[17] (http://majles.alukah.net/#_ftnref17))) أَيْ: يُوقَدُ عَلَيْهَا إيقَادًا بَلِيغًا.

[18] (http://majles.alukah.net/#_ftnref18))) أخرجه مسلم (832).

محمد طه شعبان
2014-11-28, 05:10 PM
قوله: (فَيَحْرُمُ ابْتِدَاءُ نَفْلٍ فِيهَا مُطْلَقًا): أي: يحرم ابتداء صلاة نفل في هذه الأوقات الخمسة مطلقًا؛ سواء كانت صلاة لها سبب أو ليس لها سبب؛ لأن النهي هنا عام يشمل جميع الصلوات، والأصل في النهي أنه للتحريم، إلا أن يأتي صارف، ولا صارف هنا.
والصحيح – وهو رواية عن أحمد([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))، والشيخ ابن عثيمين([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))- أن النوافل المسببة - كتحية المسجد، أو سُنَّة الوضوء، أو قضاء راتبة، أو إعادة فريضة لسبب - تُصلى ولو في أوقات النهي؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بعض الصلوات المسببة في الأوقات التي نهى فيها عن الصلاة:
عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ، وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ رضي الله عنهم، أَرْسَلُوهُ إِلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: اقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنَّا جَمِيعًا، وَسَلْهَا عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَقُلْ: إِنَّا أُخْبِرْنَا أَنَّكِ تُصَلِّينَهُمَا ، وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُمَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكُنْتُ أَضْرِبُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ النَّاسَ عَلَيْهَا، قَالَ كُرَيْبٌ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا وَبَلَّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِي بِهِ، فَقَالَتْ: سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ فَأَخْبَرْتُهُم ْ بِقَوْلِهَا، فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِمِثْلِ مَا أَرْسَلُونِي بِهِ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهُمَا، ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا، أَمَّا حِينَ صَلَّاهُمَا فَإِنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَصَلَّاهُمَا، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الْجَارِيَةَ، فَقُلْتُ: قُومِي بِجَنْبِهِ فَقُولِي لَهُ: تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أَسْمَعُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ ، وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا، فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِي عَنْهُ، قَالَ: فَفَعَلَتِ الْجَارِيَةُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: «يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ؛ إِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالْإِسْلَامِ مِنْ قَوْمِهِمْ، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَهُمَا هَاتَانِ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))».
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ الْعَامِرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْفَجْرِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ إِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي آخِرِ الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ قَالَ: «عَلَيَّ بِهِمَا»، فَأُتِيَ بِهِمَا تَرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا فَقَالَ: «مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟» قَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، قَالَ: «فَلَا تَفْعَلَا؛ إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))».
فهذه أحاديث صريحة في صلاة نافلة مسببة في أوقات النهي.
وهناك أحاديث أخرى عامة:
فَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))».
فهذا الحديث فيه صلاة تحية المسجد في أي وقت دخل الإنسان فيه المسجد، ويشمل أوقات الكراهة.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الفَجْرِ: «يَا بِلَالُ، حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلَامِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ»، قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا، فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: «دَفَّ نَعْلَيْكَ يَعْنِي تَحْرِيكَ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))».
وهذا حديث عام يشمل استحباب صلاة ركعتي سُنَّة الوضوء في أي وقت من ليل أو نهار، ويشمل أوقات الكراهة.
وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8))».
فدلت هذه الأحاديث بمجموعها على أن الصلوات المسببة تُصلى في أوقات الكراهة.
قوله: (لَا قَضَاءُ فَرْضٍ): وأما صلاة الفريضة فإنها مستثناة؛ تُصلى في أوقات النهي وغيرها؛ ودليل ذلك حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9))».
قوله: (وَفِعْلُ رَكْعَتَيْ طَوَافٍ): أي: تُثتثنى أيضًا ركعتا الطواف؛ فتُصلى في أوقات النهي وغيرها؛ ودليل ذلك حديث جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))».
فشمل جميع الأوقات؛ منها أوقات النهي.
قوله: (وَسُنَّةِ فَجْرٍ أَدَاءً قَبْلَهَا): وتُستثنى أيضًا سُنَّةُ الفجر، فتُصلى بعد طلوع الفجر؛ لأنه فِعْلُ النبي صلى الله عليه وسلم الذي داوم عليه.
وإن لَمْ يُدرك ركعتي الفجر قبل الفريضة فالأفضل أن يصليهما بعد طلوع الشمس؛ ودليل ذلك حدييث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيِ الفَجْرِ فَلْيُصَلِّهِمَ ا بَعْدَ مَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))».
وجاز له صلاتُهُما قبل طلوع الشمس؛ ودليل ذلك حديث قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه، قَالَ: رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَصَلَاةَ الصُّبْحِ مَرَّتَيْنِ؟» فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إِنِّي لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهَا، فَصَلَّيْتُهُمَ ا. قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)).
قوله: (وَصَلَاةِ جَنَازَةٍ بَعْدَ فَجْرٍ وَعَصْرٍ): وتُثتثنى أيضًا صلاة الجنازة فتُصلى بعد فجر وعصر؛ وهما الوقتان الطويلان من أوقات النهي الخمسة؛ فجاز فيها الصلاة على الميت ودفنه؛ لطول مدتهما؛ فالانتظار فيهما يُخاف منه على الميت.
وقد أجمع العلماء على ذلك.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((أَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَمِيلَ لِلْغُرُوبِ، فَلَا خِلَافَ فِيهِ([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13))))اهـ.
فاستُثنيَ بالإجماع وقتان من أوقات النهي الخمسة؛ وأما الأوقات الثلاثة الأخرى فلا يجوز فيها الصلاة على الجنازة؛ لحديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14)).
فهذا نهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن دفن الميت في هذه الأوقات الثلاث؛ فيتضمن النهي عن صلاة الجنازة فيها؛ لأن الدفن والصلاة متلازمان.
ورجحه ابن قدامة والشوكاني رحمهما الله([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15)).
قال الشوكاني رحمه الله – بعد ما ذكر حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه: ((وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَكَذَلِكَ الدَّفْن)).

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها ابن قدامة في ((المغني)) (2/ 90) و((الكافي)) (1/ 340).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((مجموع الفتاوى)) (23/ 210)، وما بعدها.

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (4/ 126).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) أخرجه مسلم (835).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) أخرجه أحمد (17474)، وأبو داود (575)، والترمذي (219)، وقال: ((حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ))، والنسائي (858)، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (3/ 119).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) متفق عليه: أخرجه البخاري (444)، ومسلم (714).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1149)، ومسلم (2458).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) أخرجه الترمذي (868)، وقال: «حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»، والنسائي (585)، وابن ماجه (1254)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (481).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) متفق عليه: أخرجه البخاري (597)، ومسلم (684).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) التخريج قبل السابق.

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) أخرجه الترمذي (423)، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ»، وصححه الألباني في ((الصحيحة)) (2361).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) أخرجه أحمد (23760)، وأبو داود (1267)، وابن ماجه (1154)، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (5/ 5).

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) ((المغني)) (2/ 82).

[14] (http://majles.alukah.net/#_ftnref14))) أخرجه مسلم (831).

[15] (http://majles.alukah.net/#_ftnref15))) انظر: ((المغني)) (2/ 82)، و(نيل الأوطار)) (3/ 110).

محمد طه شعبان
2014-11-28, 05:12 PM
فصل

تَجِبُ الْجَمَاعَةُ لِلْخَمْسِ الْمُؤَدَّاةِ عَلَى الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الْقَادِرِينَ.
وَحَرُمَ أَنْ يَؤُمَّ قَبْلَ رَاتِبٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ، أَوْ عُذْرِهِ، أَوْ عَدَمِ كَرَاهَتِهِ.
وَمَنْ كَبَّرَ قَبْلَ تَسْلِيمَةِ الْإِمَامِ الْأُولَى أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ، وَمَنْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ؛ بِشَرْطِ إِدْرَاكِهِ رَاكِعًا، وَعَدَمِ شَكِّهِ فِيهِ، وَتَحْرِيمَتِهِ قَائِمًا.
وَتُسَنُّ ثَانِيَةٌ لِلرُّكُوعِ.
وَمَا أَدْرَكَ مَعَهُ آخِرُهَا، وَمَا يَقْضِيهِ أَوَّلُهَا.
وَيَتَحَمَّلُ عَنْ مَأْمُومِ: قِرَاءَةً، وَسُجُودَ سَهْوٍ وَتِلَاوَةٍ، وَسُتْرَةً، وَدُعَاءَ قُنُوتٍ، وَتَشَهُّدًا أَوَّلَ؛ إِذَا سُبِقَ بِرَكْعَةٍ؛ لَكِنْ يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي سَكَتَاتِهِ وَسِرِّيَّةٍ، وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْهُ لِبُعْدٍ، لَا طَرَشٍ.
وَسُنَّ لَهُ: التَّخْفِيفُ مَعَ الْإِتْمَامِ، وَتَطْوِيلُ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ، وَانْتِظَارُ دَاخِلٍ مَا لَمْ يَشُقَّ.

محمد طه شعبان
2014-11-28, 05:23 PM
قوله: (تَجِبُ الْجَمَاعَةُ لِلْخَمْسِ الْمُؤَدَّاةِ): حضور صلاة الجماعة واجب للصلوات الخمس؛ ودليل ذلك أن الله تعالى أمر بها؛ والأصل في الأمر أنه للوجوب.
قال تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: 102]؛ فأمَرَ الله تعالى بالجماعة في حال الخوف؛ ففي غيره أولى.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقَالَ: «هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَأَجِبْ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
وهذا أَمْرٌ من النبي صلى الله عليه وسلم بحضور الجماعة.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
قوله: (عَلَى الرِّجَالِ): أي: أن الجماعة واجبة على الرجال، لا على النساء؛ ودليل عدم وجوبها على النساء حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))».
قوله: (الْأَحْرَارِ): أي: أن الجماعة واجبة على الرجال الأحرار، وخرج به العبيد، فلا تجب في حقهم الجماعة.
والصحيح – وهو رواية عن أحمد([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)) – أن الجماعة واجبة في حق العبيد؛ لعدم ورود ما يستثنيهم من عموم النصوص الموجبة للجماعة.
قال العلامة السعدي رحمه الله: ((الصواب أن الجمعة والجماعة تجب حتى على العبيد الأرقاء؛ لأن النصوص عامة في دخولهم, ولا دليل
يدل على إخراج العبيد([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)))).
وقال أيضًا رحمه الله: ((والأصل أن المملوك حكمه حكم الحر في جميع العبادات البدنية المحضة التي لا تعلق لها بالمال([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)))).
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((تلزم صلاةُ الجماعةِ العبيدَ؛ لأنَّ النصوصَ عامةٌ، ولم يُسْتَثْنَ منها العبدُ، ولأنَّ حَقَّ اللهِ مقدَّمٌ على حقِّ البشرِ؛ ولهذا لو أمرَه سيِّدُه بمعصيةٍ أو بترِك واجبٍ حَرُمَ عليه أن يطيعَه؛ فإذا كان لا يجوزُ للعبد أن يفعلَ المعصيةَ أو يتركَ الواجبَ بأمْر سيِّده، فكيف إذا لم يأمره؟ وهو إذا تَرَكَ الجماعةَ فقد ترك واجبًا([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))))اهـ.
قوله: (الْقَادِرِينَ): فغير القادر له أن يصلي في بيته، ولا يلزمه الذهاب إلى المسجد؛ لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
ولما مرض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8))».
فمن كان باستطاعته أن يصلي الجماعة في بيته؛ مع من لم تجب عليه صلاة الجماعة؛ كزوجة أو مريض آخر، فإنه يجب عليه ذلك؛ فإن لم يتمكن، سقطت عنه الجماعة بالكلية.
قوله: (وَحَرُمَ أَنْ يَؤُمَّ قَبْلَ رَاتِبٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ، أَوْ عُذْرِهِ، أَوْ عَدَمِ كَرَاهَتِ): ودليل ذلك حديث أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9))».

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) أخرجه مسلم (653).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) متفق عليه: أخرجه البخاري (644)، ومسلم (651).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) أخرجه أحمد (5468)، وأبو داود (567)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (7458).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ذكرها في ((الإنصاف)) (2/ 211).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((المختارات الجلية من المسائل الفقهية)) (52).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) السابق.

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) ((الشرح الممتع)) (4/ 140).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) متفق عليه: أخرجه البخاري (664)، ومسلم (418).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) أخرجه مسلم (673).

محمد طه شعبان
2014-11-28, 05:25 PM
قوله: (وَمَنْ كَبَّرَ قَبْلَ تَسْلِيمَةِ الْإِمَامِ الْأُولَى أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ): أي: أدرك فضل الجماعة؛ ودليل ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا تَمْشُونَ، وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
فهذا حديث عامٌّ؛ فيدخل فيه أيُّ جزء أدركتَه من الصلاة؛ فمن أدرك صلاة الجماعة ولو قبل تسليم الإمام بلحظة، فقد أدرك الجماعة.
والصحيح - وهو رواية عن أحمد([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)) ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)) والشيخ ابن عثيمين([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)) - أن هذا الحديث عامٌّ مخصوص بحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))»؛ فبيَّن هذا الحديثُ أن الصلاة لا تُدرك بأقلَّ من ركعة.
قوله: (وَمَنْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ): أي: من أدرك الإمام راكعًا، فقد أدرك تلك الركعة التي أدركه فيها؛ ودليل ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))».
وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ جَاءَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِعٌ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَ نَعْلِ أَبِي بَكَرَةَ وَهُوَ يَحْضُرُ، يُرِيدُ أَنْ يُدْرِكَ الرَّكْعَةَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ السَّاعِي؟» قَالَ أَبُو بَكَرَةَ: أَنَا، قَالَ: «زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا، وَلَا تَعُدْ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))».
أي: زادك الله حرصًا على الصلاة، ولا تعد إلى الركوع قبل الصف.
ففي هذا الحديث دليل على أن الركعة تُدرك بالركوع.
قوله: (بِشَرْطِ إِدْرَاكِهِ رَاكِعًا): أي: لا بد أن يُدرك المأمومُ الإمامَ راكعًا؛ فإن أدركه وقد شرع في الاعتدال، فلا يكون مدركًا للركعة.
قوله: (وَعَدَمِ شَكِّهِ فِيهِ): ويُشترط أيضًا كي يكون مُدركًا للركعة أن يغلب على ظنه أنه أدرك الإمام راكعًا، فإن شك في ذلك، فلا يعتد بتلك الركعة، وإنما يعتد بها في حال تيقنه؛ أو غلبة ظنه.
قوله: (وَتَحْرِيمَتِه قَائِمًا): ويُشترط أيضًا أن يُكبِّر تكبيرة الإحرام قائمًا؛ فإن كبر وهو يهوي للركوع، لَمْ تنعقد صلاته.
قوله: (وَتُسَنُّ ثَانِيَةٌ لِلرُّكُوعِ): أي: تُسَنُّ تكبيرةٌ ثانيةٌ للركوع بعد تكبيرة الإحرام، وليست بواجبة؛ مع أنه قد تقدم أن تكبيرات الانتقال واجبة؛ ولكنهم عللوا هنا بعلة؛ قالوا: لأنه اجتمع واجبان من جنس واحد في محل واحد، وأحدهما ركن، فسقط به الآخر؛ كما لو طاف الحاج طواف الزيارة عند خروجه من مكة أجزأه عن طواف الوداع.
ولكن هذا التعليل فيه نظر؛ لأنَّ تكبيرةَ الإحرامِ تكون حالَ القيامِ، وتكبيرةَ الرُّكوعِ تكون حالَ الهويِّ للرُّكوعِ؛ فالمكان ليس واحدًا([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).
والصحيح – وهو رواية عن أحمد([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)) – أن التكبير للركوع واجب في هذه الحالة أيضًا؛ لعدم الدليل على استثنائه.
قوله: (وَمَا أَدْرَكَ مَعَهُ آخِرُهَا، وَمَا يَقْضِيهِ أَوَّلُهَا): أي: ما أدركه المأموم مع الإمام من الركعات فهي آخر صلاته، وما يقضيه بعد سلام الإمام فهو أول صلاته؛ واستدلوا على ذلك بحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَلَا يَسْعَ إِلَيْهَا أَحَدُكُمْ، وَلَكِنْ لِيَمْشِ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، صَلِّ مَا أَدْرَكْتَ، وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))».
قالوا: والمقضي هو الفائت؛ فينبغي أن يكون على صفته.
وعلى هذا، فيلزمه أن يأتي فيما يقضيه بالافتتاح والتعوذ وقراءة السورة.
والصحيح – وهو رواية عن أحمد([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11)) – أنَّ ما أدركه مع إمامه هو أول صلاته، وما يقضيه هو آخر صلاته.
قال العلامة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم النجدي رحمه الله: ((وعنه: ما أدركه أولها، وما يقضيه آخرها، وهو الرواية الثانية عن مالك، وِفاقًا للشافعي، واختاره ابن المنذر وغيره.
وقوله: «فاقضوا» لا ينافي قوله «فأتموا» وهو رواية الجمهور، وقول مُخَرِّجي الحديث وغيرهم، قال الشافعي: هو أولها حكمًا ومشاهدة، وقال الماوردي وغيره: إتمام الشيء لا يأتي إلا بعد تقدم أوله، وبقية آخره، والقضاء محمول على الفعل، لا القضاء المعروف في الاصطلاح؛ لأن هذا اصطلاح متأخري الفقهاء، والعرب تطلق القضاء بمعنى الفعل، قال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ}، وقال: {فإذا قضيتم مناسككم}؛ قال الحافظ وغيره: إذا كان مخرج الحديث واحدًا، واختُلف في لفظة منه، وأمكن رد الاختلاف إلى معنى واحد، كان أَوْلَى، ويُحْمَل فاقضوا على معنى الأداء أو الفراغ، فلا حجة لمن تمسك بلفظة ((فاقضوا))([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12))))اهـ.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) متفق عليه: أخرجه البخاري (636)، ومسلم (602).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ذكرها شيخ الإسلام في ((مجموع الفتاوى)) (23/ 255)، والمرداوي في ((الإنصاف)) (2/ 222).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((مجموع الفتاوى)) (32/ 255)، وما بعدها.

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الشرح الممتع)) (4/ 169).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) متفق عليه: أخرجه البخاري (580)، ومسلم (607).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) السابق.

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) أخرجه البخاري (783)، وأحمد (20435)، واللفظ له.

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) ((الشرح الممتع)) (4/ 170).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) ذكرها في ((الإنصاف)) (2/ 224).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) متفق عليه: أخرجه البخاري (908)، ومسلم (602)، واللفظ له.

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) ذكرها في ((الشرح الكبير)) (2/ 10)، و((الإنصاف)) (2/ 225)، و((المبدع)) (2/ 58).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) ((حاشية الروض المربع)) (2/ 283).

محمد طه شعبان
2014-11-30, 10:03 AM
قوله: (وَيَتَحَمَّلُ عَنْ مَأْمُومِ): أي: ما يتحمله الإمام عن المأموم.
قوله: (قِرَاءَةً): فيتحمل الإمام عن المأموم قراءة الفاتحة والسورة؛ ودليل ذلك قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)))).
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ، فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
هذا إذا كان المأموم مسبوقًا قد أدرك الإمام في الركوع، أو كان في صلاة جهرية، وأما إذا كانت الصلاة سرية فلا يتحمل الإمام القراءة عن المأموم؛ ودليل ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ: «هَلْ قَرَأَ مَعِي أَحَدٌ مِنْكُمْ آنِفًا؟»، قَالَ رَجُلٌ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «إِنِّي أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ»، قَالَ: فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِرَاءَةِ مِنَ الصَّلَاةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وفي لفظ: وَقَرَؤُوا فِي أَنْفُسِهِمْ سِرًّا فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ حَالَ الْجَهْرِ، لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
قِيلَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ حَالَ جَهْرِ الْإِمَامِ إذَا كَانَ يَسْمَعُ لَا بِالْفَاتِحَةِ وَلَا غَيْرِهَا. وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ.
وَقِيلَ: بَلْ يَجُوزُ الْأَمْرَانِ، وَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ. وَيُرْوَى هَذَا عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَهْلِ الشَّامِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ.
وَقِيلَ: بَلْ الْقِرَاءَةُ وَاجِبَةٌ. وَهُوَ الْقَوْلُ الْآخَرُ لِلشَّافِعِيِّ.
وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ هُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، قَالَ أَحْمَدُ: أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الصَّلَاةِ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا وَإِذَا كَبَّرَ وَرَكَعَ فَكَبِّرُوا وَارْكَعُوا فَإِنَّ الْإِمَامَ يَرْكَعُ قَبْلَكُمْ وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ فَتِلْكَ بِتِلْكَ)) الْحَدِيثَ إلَى آخِرِهِ.
وَرُوِيَ هَذَا اللَّفْظُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَيْضًا، وَذَكَرَ مُسْلِمٌ أَنَّهُ ثَابِتٌ.
فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِالْإِنْصَاتِ لِلْإِمَامِ إذَا قَرَأَ وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الِائْتِمَامِ بِهِ؛ فَمَنْ لَمْ يُنْصِتْ لَهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ ائْتَمَّ بِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِمَامَ يَجْهَرُ لِأَجْلِ الْمَأْمُومِ؛ وَلِهَذَا يُؤَمِّنُ الْمَأْمُومُ عَلَى دُعَائِهِ فَإِذَا لَمْ يَسْتَمِعْ لِقِرَاءَتِهِ ضَاعَ جَهْرُهُ؛ وَمَصْلَحَةُ مُتَابِعَةِ الْإِمَامِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَصْلَحَةِ مَا يُؤْمَرُ بِهِ الْمُنْفَرِدُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ فَعَلَ كَمَا يَفْعَلُ فَيَتَشَهَّدُ عَقِيبَ الْوِتْرِ وَيَسْجُدُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ إذَا وَجَدَهُ سَاجِدًا، كُلُّ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْمُتَابَعَةِ، فَكَيْفَ لَا يَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِهِ مَعَ أَنَّهُ بِالِاسْتِمَاعِ يَحْصُلُ لَهُ مَصْلَحَةُ الْقِرَاءَةِ؛ فَإِنَّ الْمُسْتَمِعَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الْقَارِئِ.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا: اتِّفَاقُهُمْ كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ مَعَهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ إِذَا جَهَرَ؛ فَلَوْلَا أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ أَجْرُ الْقِرَاءَةِ بِإِنْصَاتِهِ لَهُ لَكَانَتْ قِرَاءَتُهُ لِنَفْسِهِ أَفْضَلُ مِنْ اسْتِمَاعِهِ لِلْإِمَامِ، وَإِذَا كَانَ يَحْصُلُ لَهُ بِالْإِنْصَاتِ أَجْرُ الْقَارِئِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى قِرَاءَتِهِ فَلَا يَكُونُ فِيهَا مَنْفَعَةٌ بَلْ فِيهَا مَضَرَّةٌ شَغَلَتْهُ عَنِ الِاسْتِمَاعِ الْمَأْمُورِ بِهِ.
وَقَدْ تَنَازَعُوا إذَا لَمْ يَسْمَعِ الْإِمَامَ لِكَوْنِ الصَّلَاةِ صَلَاةَ مُخَافَتَةٍ أَوْ لِبُعْدِ الْمَأْمُومِ أَوْ طَرَشِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، هَلْ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَقْرَأَ أَوْ يَسْكُتَ؟
وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَمِعُ قِرَاءَةً يَحْصُلُ لَهُ بِهَا مَقْصُودُ الْقِرَاءَةِ، فَإِذَا قَرَأَ لِنَفْسِهِ حَصَلَ لَهُ أَجْرُ الْقِرَاءَةِ، وَإِلَّا بَقِيَ سَاكِتًا لَا قَارِئًا وَلَا مُسْتَمِعًا، وَمَنْ سَكَتَ غَيْرَ مُسْتَمِعٍ وَلَا قَارِئٍ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِذَلِكَ وَلَا مَحْمُودًا؛ بَلْ جَمِيعُ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى؛ كَالْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَالدُّعَاءِ أَوْ الِاسْتِمَاعِ لِلذِّكْرِ.
وَإِذَا قِيلَ: بِأَنَّ الْإِمَامَ يَحْمِلُ عَنْهُ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ، فَقِرَاءَتُهُ لِنَفْسِهِ أَكْمَلُ لَهُ وَأَنْفَعُ لَهُ وَأَصْلَحُ لِقَلْبِهِ وَأَرْفَعُ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَالْإِنْصَاتُ يُؤْمَرُ بِهِ إلَّا حَالَ الْجَهْرِ، فَأَمَّا حَالَ الْمُخَافَتَةِ فَلَيْسَ فِيهِ صَوْتٌ مَسْمُوعٌ حَتَّى يُنْصِتَ لَهُ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))))اهـ.
وقال شيخ الإسلام أيضًا رحمه الله: ((قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى: ((إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا))؛ فَإِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ صَحَّحَهَا مُسْلِمٌ وَقَبِلَهَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ، وَضَعَّفَهَا الْبُخَارِيُّ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مُطَابِقَةٌ لِلْقُرْآنِ؛ فَلَوْ لَمْ يُرَدْ بِهَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْقُرْآنِ؛ فَإِنَّ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الصَّلَاةِ مُرَادَةٌ مِنْ هَذَا النَّصِّ.
وَلِهَذَا كَانَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ: أَنَّ الْمَأْمُومَ إذَا سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ يَسْتَمِعُ لَهَا وَيُنْصِتُ لَا يَقْرَأُ بِالْفَاتِحَةِ وَلَا غَيْرِهَا، وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَتَهُ بِهَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَمَا زَادَ؛ وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، وَاخْتَارَهُ طَائِفَةٌ مِنْ مُحَقِّقِي أَصْحَابِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَأَمَّا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ: أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ لَا بِالْفَاتِحَةِ وَلَا غَيْرِهَا لَا فِي السِّرِّ وَلَا فِي الْجَهْرِ؛ فَهَذَا يُقَابِلُهُ قَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَلَوْ كَانَ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ، كَالْقَوْلِ الْآخَرِ لِلشَّافِعِيِّ، وَهُوَ الْجَدِيدُ وَهُوَ قَوْلُ الْبُخَارِيِّ وَابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِمَا([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))))اهـ.
قوله: (وَسُجُودَ سَهْوٍ): فإن سها المأموم في صلاته خلف الإمام فإن الإمام يتحمل عن المأموم سجودَ السهو.
قال ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا على أن ليس على من سها خلف الإمام سجود، وانفرد مكحول، وقال: عليه([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)))).
قوله: (وَتِلَاوَةٍ): ويتحمل الإمام أيضًا عن المأموم سجود التلاوة؛ فإنْ قرأ المأموم آية سجدة، فإنه لا يسجد دون إمامه.
قوله: (وَسُتْرَةً): لأنَّ سترة الإمام سترة لمن خلفه؛ ودليل ذلك حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الِاحْتِلَامَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيِ الصَّفِّ، فَنَزَلْتُ فَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى سترة، ولم يأمر أصحابه بنصب سترة أخرى.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ: سُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ: أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَحُلْ بَيْنَ الْإِمَامِ وَسُتْرَتِهِ شَيْءٌ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، فَصَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ صَحِيحَةٌ، لَا يَضُرُّهَا مُرُورُ شَيْءٍ بَيْنَ أَيْدِيهمْ فِي بَعْضِ الصَّفِّ، وَلَا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ، وَإِنْ مَرَّ مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَسُتْرَتِهِ قَطَعَ صَلَاتَهُ وَصَلَاتَهُمْ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا مَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: هَبَطْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ثَنِيَّةِ أَذَاخِرَ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى إِلَى جِدَارٍ، فَاتَّخَذَهُ قِبْلَةً وَنَحْنُ خَلْفَهُ، فَجَاءَتْ بَهْمَةٌ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَمَا زَالَ يُدَارِئُهَا حَتَّى لَصَقَ بَطْنَهُ بِالْجِدَارِ، وَمَرَّتْ مِنْ وَرَائِهِ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
فَلَوْلَا أَنَّ سُتْرَتَهُ سُتْرَةٌ لَهُمْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ مُرُورِهَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَخَلْفَهُ فَرْقٌ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))))اهـ.
قوله: (وَدُعَاءَ قُنُوتٍ): ويتحمل الإمام عن المأموم القنوت في الصلاة؛ فالإمام يدعو والمأموم يُؤَمِّن فقط.
قوله: (وَتَشَهُّدًا أَوَّلَ؛ إِذَا سُبِقَ بِرَكْعَةٍ): ويتحمل الإمام عن المأموم التشهد الأول؛ إن كان المأموم مسبوقًا، فأدرك الإمامَ في الركعة الثانية، فالركعة الثالثة للإمام تكون هي الثانية للمأموم، ومع ذلك لا يجلس للتشهد، وإنما يتابع الإمام.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) أخرجه مسلم (404)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه أحمد (14643)، وابن ماجه (850)، وحسنه الألباني في ((الإرواء)) (500)، ومحققو المسند.

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) أخرجه أحمد (8007)، وأبو داود (826)، والترمذي (312)، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ»، والنسائي (919)، وابن ماجه (849)، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (3/ 409)، ومحققو المسند.

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) أخرجه البخاري في ((جزء القراءة خلف الإمام)) (68).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((مجموع الفتاوى)) (22/ 294- 297).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) السابق (18/ 20، 21).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) ((الإجماع)) (40).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) متفق عليه: أخرجه البخاري (76)، ومسلم (504).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) أخرجه أحمد (6852)، وأبو داود (708)، وقال الألباني في ((صحيح أبي داود)) (3/ 290): ((إسناده حسن صحيح)).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) ((المغني)) (2/ 175).

محمد طه شعبان
2014-12-03, 08:49 AM
قوله: (لَكِنْ يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي سَكَتَاتِهِ): أي: يُسنُّ للمأموم أن يقرأ إذا سكت الإمام، وإن كان هذا غير واجب كما تقدم.
قلت: والصواب أن هذا لا يُسنُّ ولا يُشرع أصلًا؛ لعدم ورود سُنَّةٍ صحيحةٍ بذلك؛ فلم يَرِد عن النبي صلى الله عليه وسلم أمْرٌ بسكوت الإمام ليقرأ من خلفه، ولا فَعَلَ هو ذلك صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وَلَا يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ السُّكُوتُ لِيَقْرَأَ الْمَأْمُومُ، عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمْ؛ وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَسْكُتُ لِيَقْرَأَ الْمَأْمُومُونَ ، وَلَا نَقَلَ هَذَا أَحَدٌ عَنْهُ، بَلْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي ((الصَّحِيحِ)) سُكُوتُهُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ لِلِاسْتِفْتَاح ِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))، وَفِي السُّنَنِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ سَكْتَتَانِ: سَكْتَةٌ فِي أَوَّلِ الْقِرَاءَةِ وَسَكْتَةٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِرَاءَةِ، وَهِيَ سَكْتَةٌ لَطِيفَةٌ لِلْفَصْلِ لَا تَتَّسِعُ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ السَّكْتَةَ كَانَتْ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))؛ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّهُ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ سَكَتَاتٍ وَلَا أَرْبَعُ سَكَتَاتٍ؛ فَمَنْ نَقَلَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ سَكَتَاتٍ أَوْ أَرْبَعَ فَقَدْ قَالَ قَوْلًا لَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالسَّكْتَةُ الَّتِي عَقِبَ قَوْلِهِ: {وَلَا الضَّالِّينَ} مِنْ جِنْسِ السَّكَتَاتِ الَّتِي عِنْدَ رُءُوسِ الْآيِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُسَمَّى سُكُوتًا؛ وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ يَقْرَأُ فِي مِثْلِ هَذَا.
وَكَانَ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ أَصْحَابِنَا يَقْرَأُ عَقِبَ السُّكُوتِ عِنْدَ رُءُوسِ الْآيِ؛ فَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وَإِذَا قَالَ: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قَالَ: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سُكُوتِ الْإِمَامِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
فَقِيلَ: لَا سُكُوتَ فِي الصَّلَاةِ بِحَالِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
وَقِيلَ: فِيهَا سَكْتَةٌ وَاحِدَةٌ لِلِاسْتِفْتَاح ِ. كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقِيلَ: فِيهَا سَكْتَتَانِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا؛ لِحَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)): أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ سَكْتَتَانِ: سَكْتَةٌ حِينَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ وَسَكْتَةٌ إذَا فَرَغَ مِنْ السُّورَةِ الثَّانِيَةِ، قَبْلَ أَنْ يَرْكَع، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، فَقَالَ: كَذَبَ سَمُرَةُ، فَكُتِبَ فِي ذَلِكَ إلَى الْمَدِينَةِ إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَقَالَ: صَدَقَ سَمُرَةُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَاللَّفْظُ لَهُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَه، وَالتِّرْمِذِيّ ُ، وَقَالَ: ((حَدِيثٌ حَسَنٌ))، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: سَكْتَةٌ إِذَا كَبَّرَ، وَسَكْتَةٌ إِذَا فَرَغَ مِنْ {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، وَأَحْمَدُ رَجَّحَ الرِّوَايَةَ الْأُولَى وَاسْتَحَبَّ السَّكْتَةَ الثَّانِيَةَ؛ لِأَجْلِ الْفَصْلِ، وَلَمْ يَسْتَحِبَّ أَحْمَدُ أَنْ يَسْكُتَ الْإِمَامُ لِقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ، وَلَكِنْ بَعْضُ أَصْحَابِهِ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ يَسْكُتُ سَكْتَةً تَتَّسِعُ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ لَكَانَ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَنْقُلْ هَذَا أَحَدٌ، عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ.
وَالسَّكْتَةُ الثَّانِيَةُ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ قَدْ نَفَاهَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَذَلِكَ أَنَّهَا سَكْتَةٌ يَسِيرَةٌ قَدْ لَا يَنْضَبِطُ مِثْلُهَا، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَسْكُتْ إِلَّا سَكْتَتَيْنِ؛ فَعُلِمَ أَنَّ إِحْدَاهُمَا طَوِيلَةٌ وَالْأُخْرَى بِكُلِّ حَالٍ لَمْ تَكُنْ طَوِيلَةً مُتَّسِعَةً لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ.
وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ الصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ يَقْرَءُونَ الْفَاتِحَةَ خَلْفَهُ إمَّا فِي السَّكْتَةِ الْأُولَى وَإِمَّا فِي الثَّانِيَةِ لَكَانَ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، فَكَيْفَ وَلَمْ يَنْقُلْ هَذَا أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي السَّكْتَةِ الثَّانِيَةِ خَلْفَهُ يَقْرَءُونَ الْفَاتِحَةَ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَكَانَ الصَّحَابَةُ أَحَقَّ النَّاسِ بِعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ بِدْعَةٌ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))اهـ.
قوله: (وَسِرِّيَّةٍ): أي: ويُسنُّ للمأموم أن يقرأ خلف الإمام في الصلاة السرية.
والصحيح أن القراءة تجب على المأموم في السرية؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ: «هَلْ قَرَأَ مَعِي أَحَدٌ مِنْكُمْ آنِفًا؟»، قَالَ رَجُلٌ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «إِنِّي أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ»، قَالَ: فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِرَاءَةِ مِنَ الصَّلَاةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ.
وفي لفظ: وَقَرَؤُوا فِي أَنْفُسِهِمْ سِرًّا فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
وقد تقدم الكلام على ذلك.
قوله: (وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْهُ لِبُعْدٍ): أي: إن كان المأموم بعيدًا فلَمْ يسمع قراءة الإمام، فإنه يُسّنُّ له القراءة.
والصحيح أنه تجب في حقه القراءة، كما تقدم.
قوله: (لَا طَرَشٍ): أي: إن كان عدم سماعه لصمم فيه، فلا تجب في حقه القراءة، ولا تُسَنُّ.
وقد يُقال: إن الأصم يقرأ؛ إن لَمْ يُشوش على الإمام، وهو ما رجحه شيخ الإسلام رحمه الله([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) روى البخاري (744)، ومسلم (598)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ، سَكَتَ هُنَيَّةً قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ، مَا تَقُولُ؟ قَالَ: «أَقُولُ: اللهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ».

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) وهو حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه الآتي ذكره، وهو حديث ضعيف.

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) أخرجه أحمد (20081)، وأبو داود (780)، والترمذي (251)، وابن ماجه (844)، وضعفه الألباني في ((الإرواء)) (505).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((مجموع الفتاوى)) (23/ 276- 279).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) تقدم.

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((مجموع الفتاوى)) (18/ 21).

محمد طه شعبان
2014-12-03, 08:51 AM
قوله: (وَسُنَّ لَهُ: التَّخْفِيفُ مَعَ الْإِتْمَامِ): أي: يُسَنُّ للإمام التخفيف في الصلاة؛ لعدم المشقة على المأمومين؛ ولكن مع إتمامها وعدم الإخلال بها؛ ودليل ذلك حديث أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنِ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ؛ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا. فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضِبَ فِي مَوْعِظَةٍ قَطُّ أَشَدَّ مِمَّا غَضِبَ يَوْمَئِذٍ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ، فَلْيُوجِزْ؛ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ الْكَبِيرَ، وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمُ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ؛ فَإِنَّ فِيهِمُ الصَّغِيرَ، وَالْكَبِيرَ، وَالضَّعِيفَ، وَالْمَرِيضَ، فَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
وَعَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيُّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «أُمَّ قَوْمَكَ» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي شَيْئًا قَالَ: «ادْنُهْ» فَجَلَّسَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ فِي صَدْرِي بَيْنَ ثَدْيَيَّ، ثُمَّ قَالَ: «تَحَوَّلْ» فَوَضَعَهَا فِي ظَهْرِي بَيْنَ كَتِفَيَّ، ثُمَّ قَالَ: «أُمَّ قَوْمَكَ، فَمَنْ أَمَّ قَوْمًا فَلْيُخَفِّفْ؛ فَإِنَّ فِيهِمُ الْكَبِيرَ، وَإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ، وَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ، وَإِنَّ فِيهِمْ ذَا الْحَاجَةِ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ وَحْدَهُ، فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ».
وفي لفظ: قَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ: «آخِرُ مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَمْتَ قَوْمًا، فَأَخِفَّ بِهِمُ الصَّلَاةَ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))».
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ مُعَاذٌ، يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَأْتِي فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصَلَّى لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ ثُمَّ أَتَى قَوْمَهُ فَأَمَّهُمْ فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ، فَقَالُوا لَهُ: أَنَافَقْتَ؟ يَا فُلَانُ، قَالَ: لَا وَاللهِ، وَلَآتِيَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَأُخْبِرَنَّ هُ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا أَصْحَابُ نَوَاضِحَ نَعْمَلُ بِالنَّهَارِ، وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى مَعَكَ الْعِشَاءَ، ثُمَّ أَتَى فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُعَاذٍ فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ؟ اقْرَأْ بِكَذَا وَاقْرَأْ بِكَذَا».
قَالَ سُفْيَانُ: فَقُلْتُ لِعَمْرٍو، إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ، حَدَّثَنَا عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: «اقْرَأْ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))».
وفي لفظ: «فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الحَاجَةِ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))».
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوجِزُ فِي الصَّلَاةِ وَيُتِمُّ.
وفي لفظ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنْ أَخَفِّ النَّاسِ صَلَاةً فِي تَمَامٍ.
وفي لفظ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً، وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
قوله: (وَتَطْوِيلُ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ): أي: ويُسنُّ تطويل الركعة الأولى على الركعة الثانية؛ ودليل ذلك حديث أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ، وَسُورَتَيْنِ، يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ، وَيُسْمِعُ الآيَةَ أَحْيَانًا، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي العَصْرِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الأُولَى، وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا نَحْزِرُ قِيَامَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؛ فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ قَدْرَ قِرَاءَةِ (الم تَنْزِيلُ) السَّجْدَةِ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ، وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ قِيَامِهِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنهما، قَالَ: شَكَا أَهْلُ الكُوفَةِ سَعْدًا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَزَلَهُ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّارًا، فَشَكَوْا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ يُصَلِّي، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ إِنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لَا تُحْسِنُ تُصَلِّي، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَمَّا أَنَا وَاللَّهِ فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَخْرِمُ عَنْهَا؛ أُصَلِّي صَلَاةَ العِشَاءِ، فَأَرْكُدُ فِي الأُولَيَيْنِ وَأُخِفُّ فِي الأُخْرَيَيْنِ، قَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
قوله: (وَانْتِظَارُ دَاخِلٍ مَا لَمْ يَشُقَّ): أي: يُسنُّ للإمام إذا أحسَّ بأحد داخل إلى الصلاة، وهو في الركوع أن ينتظره؛ لأجل أن يلحق بالركعة، فينال ثوابها، وذلك ما لمْ يشق على المصلين معه؛ واستدلوا على ذلك بحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ حَتَّى لَا يُسْمَعَ وَقْعُ قَدَمٍ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10)).
وهو حديث ضعيف.
واستدلوا على ذلك أيضًا بحديث سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَصَفَّتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ وَطَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11)).
قال ابن قدامة رحمه الله: ((ولأنه انتظار ليدرك المأموم على وجه لا يشق، فلم يُكْره؛ كالانتظار في صلاة الخوف([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12))))اهـ.
قلت: وللشيخ ابن عثيمين رحمه الله هنا تفصيل حسن؛ حيث قال رحمه الله:
والانتظارُ يشمَلُ ثلاثةَ أشياء:
1 - انتظارٌ قبل الدُّخولِ في الصَّلاةِ.
2 - انتظار في الرُّكوعِ، ولا سيَّما في آخر ركعة.
3 - انتظار فيما لا تُدرك فيه الركعة، مثل: السُّجود.
أما الأول: وهو انتظارُ الدَّاخلِ قبل الشروعِ في الصَّلاةِ، فهذا ليس بسُنَّة، بل السُّنّةُ تقديمُ الصَّلاةِ التي يُسَنُّ تقديمُها، وأما ما يُسَنُّ تأخيرُه مِن الصَّلوات وهي العشاء؛ فهنا يُراعي الدَّاخلين؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان في صلاةِ العشاءِ، إذا رآهم اجتمعوا عَجَّلَ، وإذا رآهم أبطأوا أخَّرَ، لأنَّ الصَّلاةَ هنا لا يُسنُّ تقديمُها، ولذلك كان الرَّسولُ عليه الصلاة والسَّلام يستحبُّ يُؤخِّرَ من العشاءِ، ولكنهم إذا اجتمعوا لا يُحِبُّ أن يُؤخِّرَ مِن أجلِ أنْ لا يَشُقَّ عليهم، أما غيرُها مِن الصَّلوات فلا يؤخِّرُها ولا ينتظر، بل يُصلِّي الصَّلاة في أولِ وقتِها.
الثاني: انتظاره في الرُّكوع، مثل: أن يكون الإِمامُ راكعًا، فأحسَّ بداخلٍ في المسجدِ، فلينتظرْ قليلًا حتى يُدركَ هذا الدَّاخلُ الرَّكعةَ، فهنا يكون للقولِ باستحبابِ الانتظارِ وَجْهٌ، ولا سيما إذا كانت الرَّكعةُ هي الأخيرةُ، مِن أجل أنْ يدركَ الجماعةَ؛ لكن؛ بشرطِ أن لا يَشُقَّ على المأمومين، مثل: لو سَمِعَ إنسانًا ثقيلَ المشيِ لكِبَرٍ؛ وبابُ المسجدِ بعيدٌ عن الصَّفِّ، فهذا يستغرقُ بِضْعَ دقائق في الوصول إلى الصَّفِّ، فهنا لا ينتظرُه؛ لأنه يَشُقُّ على المأمومين، ولكن الانتظار اليسير لا بأس به.
الثالث: انتظار الدَّاخلِ في رُكنٍ غيرِ الرُّكوعِ، أي: في رُكنٍ لا يُدرِكُ فيه الرَّكعةَ ولا يُحسبُ له، فهذا نوعان:
النوع الأول: ما تحصُلُ به فائدةٌ.
النوع الثاني: ما ليس فيه فائدةٌ، إلا أن يشاركَ الإِمامُ فيما اجتمع معه فيه.
مثال النوع الأول: إذا دخلَ في التشهُّدِ الأخيرِ، فهنا الانتظارُ حَسَنٌ؛ لأنَّ فيه فائدةً، وهي: أنه يدركُ صلاةَ الجماعةِ عند بعضِ أهلِ العِلمِ.
وأيضًا: فيه فائدة - حتى على القولِ بعدمِ إدراكِ الجماعةِ - لأنَّ إدراكَ هذا الجُزءِ خيرٌ مِن عدمِهِ فهو مستفيدٌ.
ومثال النوع الثاني: ما ليس فيه فائدة في إدراكِ الجماعةِ؛ إلا مجرد المتابعة للإِمام، مثل: أن يكون ساجدًا في الرَّكعةِ الثالثة في الرُّباعيةِ فأحسَّ بداخلٍ، فهنا لا يُستحبُّ الانتظار؛ لأنَّ المأمومَ الداخلَ لا يستفيدُ بهذا الانتظارِ شيئًا في إدراكِ الجماعةِ؛ إذ سيدركُ الرَّكعةَ الأخيرةَ([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13)).

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) متفق عليه: أخرجه البخاري (90)، ومسلم (466).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) متفق عليه: أخرجه البخاري (703)، ومسلم (467).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) أخرجه مسلم (768).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) متفق عليه: أخرجه البخاري (705)، ومسلم (465).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) البخاري (705).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) متفق عليه: أخرجه البخاري (706، 708)، ومسلم (469).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) متفق عليه: أخرجه البخاري (759)، ومسلم (451).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) أخرجه مسلم (452).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) متفق عليه: أخرجه البخاري (755)، ومسلم (453).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) أخرجه أحمد (19146)، وأبو داود (802)، وابن ماجه (4249)، وضعفه الألباني في ((الإرواء)) (513)، وكذا ضعفه محققو المسند.

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) متفق عليه: أخرجه البخاري (4129)، ومسلم (842).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) ((الكافي)) (1/ 291).

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) ((الشرح الممتع)) (4/ 196- 199)، مختصرًا.

محمد طه شعبان
2014-12-03, 08:52 AM
فصل

الْأَقْرَأُ الْعَالِمُ فِقْهَ صَلَاتِهِ أَوْلَى مِنَ الْأَفْقَهِ.
وَلَا تَصِحُّ خَلْفَ فَاسِقٍ إِلَّا فِي جُمُعَةٍ وَعِيدٍ تَعَذُّرًا خَلْفَ غَيْرِهِ، وَلَا إِمَامَةُ مَنْ حَدَثُهُ دَائِمٌ، وَأُمِّيٍّ؛ وَهُوَ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ أَوْ يُدْغِمُ فِيهَا حَرْفًا لَا يُدْغَمُ أَوْ يُلْحِنُ فِيهَا لَحْنًا يُحِيلُ الْمَعْنَى إِلَّا بِمِثْلِهِ، وَكَذَا مَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ، وَعَاجِزٍ عَنْ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ، أَوْ عَنْ قُعُودٍ وَنَحْوِهَا، أَوِ اجْتِنَابِ نَجَاسَةٍ، أَوِ اسْتِقْبَالٍ، وَلَا عَاجِزٍ عَنْ قِيَامٍ بِقَادِرٍ؛ إِلَّا رَاتِبًا رُجِيَ زَوَالُ عِلَّتِهِ، وَلَا مُمَيِّزٍ لِبَالِغٍ فِي فَرْضٍ، وَلَا امْرَأَةٍ لِرِجَالٍ وَخُنَاثًا، وَلَا خَلْفَ مُحْدِثٍ، أَوْ نَجِسٍ؛ فَإِنْ جُهِلَا حَتَّى انْقَضَتْ صَحَّتْ لِمَأْمُومٍ.
وَتُكْرَهُ إِمَامَةُ لَحَّانٍ وَفَأْفَاءٍ وَنَحْوِهِ.
وَسُنَّ وُقُوفُ الْمَأْمُومِينَ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَالْوَاحِدِ عَنْ يَمِينِهِ وُجُوبًا، وَالْمَرْأَةِ خَلْفَهُ. وَمَنْ صَلَّى عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ مَعَ خُلُوِّ يَمِينِهِ أَوْ فَذًّا رَكْعَةً لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَإِذَا جَمَعَهُمَا مَسْجِدٌ صَحَّتِ الْقُدْوَةُ مُطْلَقًا؛ بِشَرْطِ الْعِلْمِ بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ، وَإِلَّا شُرِطَ رُؤْيَةُ الْإِمَامِ أَوْ مَنْ وَرَاءَهُ أَيْضًا وَلَوْ فِي بَعْضِهَا.
وَكُرِهَ عُلُوُّ إِمَامٍ عَلَى مَأْمُومٍ ذِرَاعًا فَأَكْثَرَ، وَصَلَاتُهُ فِي مِحْرَابٍ يَمْنَعُ مُشَاهَدَتَهُ، وَتَطَوُّعُهُ مَوْضِعَ الْمَكْتُوبَةِ، وَإِطَالَتُهُ الِاسْتِقْبَالَ بَعْدَ السَّلَامِ، وَوُقُوفُ مَأْمُومٍ بَيْنَ سَوَارٍ تَقْطَعُ الصُّفُوفَ عُرْفًا؛ إِلَّا لِحَاجَةٍ فِي الْكُلِّ، وَحُضُورُ مَسْجِدٍ وَجَمَاعَةٍ لِمَنْ رَائِحَتُهُ كَرِيهَةٌ مِنْ بَصَلٍ أَوْ غَيْرِهِ.
وَيُعْذَرُ بِتَرْكِ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ: مَرِيضٌ، وَمُدَافِعُ أَحَدِ الْأَخْبَثَيْنِ ، وَمَنْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، وَخَائِفٌ ضَيَاعَ مَالِهِ، أَوْ مَوْتَ قَرِيبِهِ، أَوْ ضَرَرًا مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ مُلَازَمَةَ غَرِيمٍ وَلَا وَفَاءَ لَهُ، أَوْ فَوْتَ رُفْقَتِهِ وَنَحْوِهِمْ.

محمد طه شعبان
2014-12-03, 08:54 AM
قوله: (الْأَقْرَأُ الْعَالِمُ فِقْهَ صَلَاتِهِ أَوْلَى مِنَ الْأَفْقَهِ): أي: أن الأقرأ لكتاب الله تعالى العالم بفقه الصلاة؛ كأحكام الإمامة والسهو وغير ذلك، يُقدَّم في الإمامة على مَنْ كان أفقه منه، إِذا لم يكن جيد الْقِرَاءَة؛ ودليل ذلك حديث أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ، وَأَحَقُّهُمْ بِالْإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))».
قوله: (وَلَا تَصِحُّ خَلْفَ فَاسِقٍ): أَي: لا تصح الصلاة خلف فاسق؛ وهو مَنْ خرج عن حدِّ الاستقامة([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
والفسق يطلق في الشرع على الكافرين الكفر الأكبر، ويطلق على عصاة الموحدين.
فمن إطلاقه على الكافرين: قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ} [البقرة: 99].
وقوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84].
وقوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55].
ومن إطلاقه على عصاة الموحدين: قوله تعالى: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} [البقرة: 282].
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4].
والمقصود هنا: هم فسقة الموحدين؛ سواء كان الفسق بمعصية؛ كالسرقة أو الزنى أو شرب الخمر، أو بالغِيبة والنميمة أو سب المسلمين، وغير ذلك؛ أو كان الفسق ببدعة؛ كإرجاء أو رفض أو تأويل لبعض الصفات، وغير ذلك.
وأما الكافر؛ سواء كان كافرًا أصليًّا، أو كافرًا ببدعته؛ كغلاة الرافضة، أو غلاة الجهمية، فمتفق على أن الصلاة خلفه لا تجوز.
واستدلوا على عدم صحة الصلاة خلف الفاسق بحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا، وَلَا يَؤُمَّ أَعْرَابِيٌّ مُهَاجِرًا، وَلَا يَؤُمَّ فَاجِرٌ مُؤْمِنًا، إِلَّا أَنْ يَقْهَرَهُ بِسُلْطَانٍ، يَخَافُ سَيْفَهُ وَسَوْطَهُ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))».
وهو حديث ضعيف لا يثبت.
قلت: والصحيح – وهو رواية عن أحمد([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)) – أن الصلاة خلف الفاسق صحيحة.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يُصَلِّي خَلْفَ الْحَجَّاجِ، وَالْحُسَيْنُ وَالْحَسَنُ، وَغَيْرُهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَ مَرْوَانَ، وَاَلَّذِينَ كَانُوا فِي وِلَايَةِ زِيَادٍ وَابْنِهِ كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَهُمَا، وَصَلَّوْا وَرَاءَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، وَقَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَصَلَّى الصُّبْحَ أَرْبَعًا، وَقَالَ: أَزِيدُكُمْ؛ فَصَارَ هَذَا إجْمَاعًا، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ أَنْتَ إذَا كَانَتْ عَلَيْك أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ قَالَ: قُلْت: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ، فَإِنَّهَا لَك نَافِلَةٌ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)). وَفِي لَفْظٍ: «فَإِنْ صَلَّيْتَ لِوَقْتِهَا كَانَتْ نَافِلَةً، وَإِلَّا كُنْتَ قَدْ أَحْرَزْتَ صَلَاتَكَ». وَفِي لَفْظٍ: «فَإِنْ أَدْرَكْتَ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ فَصَلِّ، وَلَا تَقُلْ: إنِّي قَدْ صَلَّيْتُ، فَلَا أُصَلِّي». وَفِي لَفْظٍ: «فَإِنَّهَا زِيَادَةُ خَيْرٍ»؛ وَهَذَا فِعْلٌ يَقْتَضِي فِسْقَهُمْ، وَقَدْ أَمَرَهُ بِالصَّلَاةِ مَعَهُمْ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» عَامٌّ، فَيَتَنَاوَلُ مَحَلَّ النِّزَاعِ، وَلِأَنَّهُ رَجُلٌ تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِنَفْسِهِ، فَصَحَّ الِائْتِمَامُ بِهِ كَالْعَدْلِ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8))))اهـ.
وهذا كلام مفيد لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
قال رحمه الله:
((وَأَمَّا الصَّلَاةُ خَلْفَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَخَلْفَ أَهْلِ الْفُجُورِ، فَفِيهِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ وَتَفْصِيلٌ؛ لَكِنْ أَوْسَطُ الْأَقْوَالِ فِي هَؤُلَاءِ: أَنَّ تَقْدِيمَ الْوَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي الْإِمَامَةِ لَا يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى غَيْرِهِ؛ فَإِنَّ مَنْ كَانَ مُظْهِرًا لِلْفُجُورِ أَوْ الْبِدَعِ يَجِبُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ وَنَهْيُهُ عَنْ ذَلِكَ؛ وَأَقَلُّ مَرَاتِبِ الْإِنْكَارِ هَجْرُهُ لِيَنْتَهِيَ عَنْ فُجُورِهِ وَبِدْعَتِهِ؛ وَلِهَذَا فَرَّقَ جُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ بَيْنَ الدَّاعِيَةِ وَغَيْرِ الدَّاعِيَةِ فَإِنَّ الدَّاعِيَةَ أَظْهَرَ الْمُنْكَرَ فَاسْتَحَقَّ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ السَّاكِتِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَسَرَّ بِالذَّنْبِ؛ فَهَذَا لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ فِي الظَّاهِرِ؛ فَإِنَّ الْخَطِيئَةَ إذَا خَفِيَتْ لَمْ تَضُرَّ إلَّا صَاحِبَهَا، وَلَكِنْ إذَا أُعْلِنَتْ فَلَمْ تُنْكَرْ ضَرَّتْ الْعَامَّةَ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْمُنَافِقُونَ تُقْبَلُ مِنْهُمْ عَلَانِيَتَهُمْ وَتُوكَلُ سَرَائِرُهُمْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ بِخِلَافِ مَنْ أَظْهَرَ الْكُفْرَ.
فَإِذَا كَانَ دَاعِيَةً مُنِعَ مِنْ وِلَايَتِهِ وَإِمَامَتِهِ وَشَهَادَتِهِ وَرِوَايَتِهِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ لَا لِأَجْلِ فَسَادِ الصَّلَاةِ أَوِ اتِّهَامِهِ فِي شَهَادَتِهِ وَرِوَايَتِهِ؛ فَإِذَا أَمْكَنَ لِإِنْسَانِ أَلَّا يُقَدِّمَ مُظْهِرًا لِلْمُنْكَرِ فِي الْإِمَامَةِ وَجَبَ ذَلِكَ.
لَكِنْ إذَا وَلَّاهُ غَيْرُهُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ صَرْفُهُ عَنِ الْإِمَامَةِ، أَوْ كَانَ هُوَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ صَرْفِهِ إلَّا بِشَرِّ أَعْظَمَ ضَرَرًا مِنْ ضَرَرِ مَا أَظْهَرَهُ مِنَ الْمُنْكَرِ فَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الْفَسَادِ الْقَلِيلِ بِالْفَسَادِ الْكَثِيرِ وَلَا دَفْعُ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ بِتَحْصِيلِ أَعْظَمِ الضَّرَرَيْنِ؛ فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ جَاءَتْ بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ؛ وَمَطْلُوبُهَا: تَرْجِيحُ خَيْرِ الْخَيْرَيْنِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَجْتَمِعَا جَمِيعًا، وَدَفْعُ شَرِّ الشَّرَّيْنِ إذَا لَمْ يَنْدَفِعَا جَمِيعًا.
فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ مَنْعُ الْمُظْهِرِ لِلْبِدْعَةِ وَالْفُجُورِ إلَّا بِضَرَرِ زَائِدٍ عَلَى ضَرَرِ إمَامَتِهِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ بَلْ يُصَلِّي خَلْفَهُ مَا لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا إلَّا خَلْفَهُ؛ كَالْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَالْجَمَاعَةِ؛ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إمَامٌ غَيْرُهُ؛ وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ يُصَلُّونَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ وَالْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ وَغَيْرِهِمَا الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ؛ فَإِنَّ تَفْوِيتَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ فَسَادًا مِنَ الِاقْتِدَاءِ فِيهِمَا بِإِمَامِ فَاجِرٍ؛ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ التَّخَلُّفُ عَنْهُمَا لَا يَدْفَعُ فُجُورَهُ، فَيَبْقَى تَرْكُ الْمَصْلَحَةِ الشَّرْعِيَّةِ بِدُونِ دَفْعِ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ.
وَلِهَذَا كَانَ التَّارِكُونَ لِلْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ خَلْفَ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ مُطْلَقًا مَعْدُودِينَ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ.
وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ فِعْلُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ خَلْفَ الْبَرِّ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهَا خَلْفَ الْفَاجِرِ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9))))اهـ.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ومعنى (أقرؤهم): أي: أكثرهم حفظًا، وأحسنهم قراءة؛ والمقصود أن يكون حافظًا للقرآن حفظًا صحيحًا كما أُنزل القرآن، لا حفظًا خاطئًا؛ فلو وُجِد شخصان أحدهما أكثر حفظًا وأحسن قراءة، فإنه يُقدم، وأما إن كان أكثر حفظًا ولكنه لا يُحسن القراءة، فيُقدم عليه الأحسن قراءة ولو كان أقل حفظًا؛ وهذا هو المقصود بالأحاديث الواردة في تقديم الأكثر حفظًا.
فقد روى أحمد (20685)، والطبراني في ((الكبير)) (55)، وغيرهما، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ رضي الله عنه، قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْلَامِ قَوْمِهِ فَكَانَ فِيمَا أَوْصَانَا: «لِيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا»، فَكُنْتُ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا فَقَدَّمُونِي.
وعند البخاري (692)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ المُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ العُصْبَةَ - مَوْضِعٌ بِقُبَاءٍ - قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا.
فهؤلاء - مع كثرة حفظهم - كانوا يحسنون قراءة القرآن بلا شك.

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه مسلم (673).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) أخرجه مسلم (672).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) الفسق لغة: قال ابن فارس في ((معجم مقاييس اللغة)) (4/ 502): ((الْفَاءُ وَالسِّينُ وَالْقَافُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْفِسْقُ، وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنِ الطَّاعَةِ. تَقُولُ الْعَرَبُ: فَسَقَتِ الرُّطَبَةُ عَنْ قِشْرِهَا: إِذَا خَرَجَتْ. حَكَاهُ الْفَرَّاءُ)).
واصطلاحًا:
وقال الكفوي في ((الكليات)) (693): ((الْفسق: التَّرْك لأمر الله، والعصيان، وَالْخُرُوج عَن طَرِيق الْحق، والفجور)).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) أخرجه ابن ماجه (1081)، وغيره، وضعفه الألباني في ((الإرواء)) (524).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ذكرها في ((المغني)) (2/ 139).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) برقم (643)، وكذلك جميع الألفاظ الآتية في ((صحيح مسلم)) بنفس الرقم.

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) ((المغني)) (2/ 139).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) ((مجموع الفتاوى)) (23/ 342- 344).

محمد طه شعبان
2014-12-06, 09:52 AM
قوله: (إِلَّا فِي جُمُعَةٍ وَعِيدٍ تَعَذُّرًا خَلْفَ غَيْرِهِ): أي: تصح الصلاة خلف الفاجر إن كانت الصلاةُ صلاةَ جمعة أو عيد، وتعذر وجود إمام عدل؛ حتى لا تفوته الصلاة مع المسلمين.
وقد تقدم تفصيل الكلام في ذلك.
قوله: (وَلَا إِمَامَةُ مَنْ حَدَثُهُ دَائِمٌ): أي: لا تصح إمامةُ مَنْ كان حدثُه دائم؛ كمن به سلس بول، أو مذي، أو انفلات ريح، أو رعاف؛ لأن في صلاته خللًا، وإنما صحت صلاته لنفسه للضرورة، وتصح إمامته لمثله؛ لتساويهما في خروج الخارج المستمر.
قلت: والصحيح أن إمامةَ دائمِ الحدث صحيحةٌ.
قال العلامة السعدي رحمه الله: والصحيح صحة إمامة العاجز عن شيء من أركان الصلاة أو شيء من شروطها؛ إذا أتى بما يقدر عليه؛ وسواء كان إمام الحي أو غيره, وسواء كان بمثله أو بغير مثله؛ وهذا القول هو الذي يدل عليه العمومات؛ فإن قوله صلى الله عليه وسلم: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) يشمل العاجز وغيره, وكذلك صلاته صلى الله عليه وسلم جالسًا لَمَّا عجز عن القيام دليلٌ على جواز مثل هذه...
ومما يؤيد هذا القول الصحيح: أن العاجز عن الأركان والشروط لَمْ يترك في الحقيقة شيئًا لازمًا؛ بل الواجب عليه ما يقدر عليه فقط، وصلاته كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه؛ فما الذي أوجب بُطْلان إمامته وعدم صحتها؟ ولأن نفس صلاة المأموم غير مرتبطة بصلاة إمامه إلا بالمتابعة فقط، فكل نفس لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((والقول الصحيح في هذا: أن إمامةَ مَن به سَلَسُ البولِ صحيحةٌ بمثْلِهِ وبصحيحٍ سليمٍ.
ودليلُ ذلك: عمومُ قولِه صلى الله عليه وسلم: «يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ اللهِ»؛ وهذا الرَّجلُ صلاتُه صحيحةٌ؛ لأنَّه فَعَلَ ما يجب عليه، وإذا كانت صلاتُه صحيحةٌ لزمَ مِن ذلك صحَّةُ إمامتِه([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
قوله: (وَأُمِّيٍّ؛ وَهُوَ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ أَوْ يُدْغِمُ فِيهَا حَرْفًا لَا يُدْغَمُ أَوْ يُلْحِنُ فِيهَا لَحْنًا يُحِيلُ الْمَعْنَى إِلَّا بِمِثْلِهِ): أي: ولا تصح إمامة الأمي([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)) الذي لا يُحسن قراءة الفاتحة بقارئ يُحسن قراءتها؛ لأن الفاتحة ركن من أركان الصلاة، لا تصح الصلاة إلا بالقيام به على الوجه الصحيح.
وتصح إمامة الأُمِّيِّ لمثله - إذا لم يمكنه الصلاة خلف قارئ - لأنهما أُمِّيَّان، فجاز لأحدهما الائتمام بالآخر، كاللَّذَيْنِ لا يحسنان شيئًا؛ فإن أمكنه الصلاة خلف قارئ فلا تصح صلاته.
قوله: (وَكَذَا مَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ، وَعَاجِزٍ عَنْ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ، أَوْ عَنْ قُعُودٍ وَنَحْوِهَا، أَوِ اجْتِنَابِ نَجَاسَةٍ، أَوِ اسْتِقْبَالٍ، وَلَا عَاجِزٍ عَنْ قِيَامٍ بِقَادِرٍ؛ إِلَّا رَاتِبًا رُجِيَ زَوَالُ عِلَّتِهِ): أي: لا تصح إمامة مَنْ كان عاجزًا عن تحصيل شرط أو الإتيان بركن، لصحيح يستطيع تحصيل الأركان والشروط؛ إلا أن يكون إمامًا راتبًا ويُرجى برؤه؛ فتصح إمامته.
قلت: والصحيح صحة إمامة من كان حاله هكذا.
قال العلامة السعدي رحمه الله: والصحيح صحة إمامة العاجز عن شيء من أركان الصلاة أو شيء من شروطها؛ إذا أتى بما يقدر عليه؛ وسواء كان إمام الحي أو غيره, وسواء كان بمثله أو بغير مثله؛ وهذا القول هو الذي يدل عليه العمومات؛ فإن قوله صلى الله عليه وسلم: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) يشمل العاجز وغيره, وكذلك صلاته صلى الله عليه وسلم جالسًا لَمَّا عجز عن القيام دليلٌ على جواز مثل هذه...
ومما يؤيد هذا القول الصحيح: أن العاجز عن الأركان والشروط لَمْ يترك في الحقيقة شيئًا لازمًا؛ بل الواجب عليه ما يقدر عليه فقط، وصلاته كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه؛ فما الذي أوجب بُطْلان إمامته وعدم صحتها؟ ولأن نفس صلاة المأموم غير مرتبطة بصلاة إمامه إلا بالمتابعة فقط، فكل نفس لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((مِن المعلومِ أن القاعدة الأصولية: ((أن ما وَرَدَ عن الشارع مطلقًا فإنَّه لا يجوز إدخال أيِّ قيدٍ مِن القيود عليه إلا بدليل))؛ لأنه ليس لنا أن نقيِّد ما أطلقه الشرعُ.
وهذه القاعدةُ تفيدك كثيرًا في مسائلَ؛ منها المسحُ على الخُفَّينِ، فقد أطلقَ الشارعُ المسحَ على الخُفَّينِ، ولم يشترط في الخُفِّ أن يكون مِن نوعٍ معيَّنٍ، ولا أن يكون سليمًا مِن عيوبٍ ذكروا أنها مانعة مِن المسحِ كالخرق وما أشبهه؛ فالواجبُ علينا إطلاقُ ما أطلقَه الشرعُ؛ لأننا لسنا الذين نتحكَّمُ بالشرعِ، ولكن الشرعُ هو الذي يَحكمُ فينا، أمَّا أن نُدخِلَ قيودًا على أمْرٍ أطلقه الشرعُ فهذا لا شَكَّ أنه ليس مِن حَقِّنا.
فلننظرْ إلى المسألة هنا، فقد قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّما جُعِلَ الإِمامُ ليؤتمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا ركعَ فاركعوا، وإذا سَجَدَ فاسجدوا، وإذا صَلَّى قائمًا فصلُّوا قيامًا، وإذا صلَّى قاعدًا فصلُّوا قعودًا أجمعون».
هل هذه الأحكام التي جعلها الشارعُ في مسارٍ واحدٍ تختلفُ بين إمامِ الحيِّ وغيرِه أو لا؟
فهل نقولُ إذا كبَّر إمام الحَيِّ فكبِّرْ، وإذا رَكَعَ فاركعْ، وإذا كَبَّرَ غيرُ إمامِ الحَيِّ فأنت بالخيارِ، وإذا رَكَعَ فأنت بالخيارِ؟
الجواب: لا، فالأحكامُ هذه كلُّها عامةٌ لإِمامِ الحَيِّ ولغيرِه، وعلى هذا يتبيَّنُ ضعفُ الشرطِ الأولِ الذي اشترطه المؤلِّفُ، وهو قوله: «إمام الحي»، ونقول: إذا صَلَّى الإِمامُ قاعدًا فنصلِّي قعودًا، سواء كان إمامَ الحَيِّ أم غيره، وقد قال النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «يَؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتابِ الله»؛ فإذا كان هذا الأقرأُ عاجزًا عن القيام، قلنا: أنت إمامُنا فَصَلِّ بنا؛ وإذا صَلَّى بنا قاعدًا فإننا نصلِّي خلفَه قُعودًا بأمرِه صلّى الله عليه وسلّم في كونه إمامَنا، وبأمره في كوننا نصلِّي قعودًا.
والشرط الثاني: المرجو زوال عِلَّتِهِ.
هذا أيضًا قيدٌ في أمرٍ أطلقَه الشارعُ، فإنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لم يقل: إذا صَلَّى قاعدًا وأنتم ترجون زوالَ عِلَّته فصلُّوا قعودًا؛ بل قال: «إذا صلّى قاعدًا فصلُّوا قعودًا أجمعون»؛ وعلى هذا؛ فإننا نصلِّي قعودًا خلفَ الإِمامِ العاجزِ عن القيامِ، سواءٌ كان ممن يُرجى زوالُ عِلَّتِهِ، أو ممن لا يُرجى زوالُ عِلَّتِه.
والدليل: عمومُ النَّصِّ، فالدليلُ عامٌّ مطلقٌ، فإذا كان عامًّا مطلقًا فليس لنا أن نخصِّصَهُ ولا أن نقيِّدَه؛ لأننا عبيدٌ محكومٌ علينا، ولسنا بحاكمين، وليس هناك دليلٌ يدلُّ على هذا القيد مِن الكتابِ والسُّنَّةِ ولا الإِجماعِ؛ فإذا انتفى ذلك وَجَبَ أن يبقى النَّصُّ على إطلاقِهِ فلا يُشترطُ أن يكونَ عجزُ الإِمامِ عن القيامِ مرجوَّ الزَّوالِ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))))اهـ.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ((المختارات الجلية من المسائل الفقهية)) (46).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (4/ 240).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) نسبة إلى الأُمِّ؛ وكأنه على الحالة التي ولدته أمه عليها.

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((المختارات الجلية)) (46).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((الشرح الممتع)) (4/ 233- 235).

محمد طه شعبان
2014-12-06, 09:55 AM
قوله: (وَلَا مُمَيِّزٍ لِبَالِغٍ فِي فَرْضٍ): أي: لا تصح إمامة صبيٍّ مميِّز لرجل بالغ؛ واستدلوا على ذلك بما رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا تُقَدِّمُوا صِبْيَانَكُمْ، وَلَا سُفَهَاءَكُمْ فِي صَلَاتِكُمْ؛ فَإِنَّهُمْ وَفْدَكُمْ إِلَى اللهِ تَعَالَى([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
واستدلوا على ذلك أيضًا بما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: لَا يَؤُمُّ الْغُلَامُ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيَارُكُمْ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقوله: (في فرض): خرجت به النافلة؛ فصححوا إمامة الصبي المميِّز للبالغ في النافلة؛ قالوا: لأن النافلة يدخلها التخفيف([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
والصحيح – وهو رواية عن أحمد([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)) – أن إمامة الصبي المميِّز للبالغ جائزة؛ ودليل ذلك حديث عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: كُنَّا بِمَاءٍ مَمَرَّ النَّاسِ، وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ فَنَسْأَلُهُمْ: مَا لِلنَّاسِ، مَا لِلنَّاسِ؟ مَا هَذَا الرَّجُلُ؟ فَيَقُولُونَ: يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ، أَوْحَى إِلَيْهِ، فَكُنْتُ أَحْفَظُ ذَلِكَ الكَلَامَ، وَكَأَنَّمَا يُقَرُّ فِي صَدْرِي، وَكَانَتِ العَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلَامِهِمُ الفَتْحَ، فَيَقُولُونَ: اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ، فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الفَتْحِ، بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلَامِهِمْ ، وَبَدَرَ أَبِي قَوْمِي بِإِسْلَامِهِمْ ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا، فَقَالَ: «صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَصَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا»، فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي؛ لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبَانِ، فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
فدلَّ هذا الحديث على صحة إمامة الصبي المميِّز للبالغين، وأما الحديث والأثر الذَيْنِ استدل بهما المانعين، فلا يصحَّان.
قلت: بل المميِّز أَولى بالإمامة - لو كان أقرأ لكتاب الله - من البالغ؛ ودليل ذلك عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ»؛ فهو حديث عام يشمل البالغ وغيره.
قوله: (وَلَا امْرَأَةٍ لِرِجَالٍ): أي: لا تصح إمامة المرأة لرجال.
وإمامة المرأة للرجال لا تصح بإجماع أهل العلم.
قال ابن حزم رحمه الله: ((وَاتَّفَقُوا أن الْمَرْأَة لَا تؤم الرِّجَال وهم يعلمُونَ أنها امْرَأَة؛ فإنْ فعلوا فصلاتهم فَاسِدَة بإجماع([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)))).
قلت: هذا الإجماع في صلاة الفريضة، وأما صلاة النافلة ففيها خلاف ضعيف؛ حيث ورد عن بعض الحنابلة القول بصحة ائتمام الرجل بالمرأة في صلاة التراويح([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
(وَخُنَاثًا): أي: ولا تصح إمامة المرأة لمخنَّثِينَ مُشْكَلِينَ لَمْ يَتَبَيَّن أمرهم.
والمخنث في اللغة: هُوَ الَّذِي لَا يَخْلُصُ لِذَكَرٍ وَلَا أُنْثَى، أَوِ الَّذِي لَهُ مَا لِلرِّجَال وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا. مِنَ الْخَنَثِ؛ وَهُوَ اللِّينُ وَالتَّكَسُّرُ؛ يُقَال: خَنَّثْتُ الشَّيْءَ فَتَخَنَّثَ؛ أَيْ: عَطَّفْتُهُ فَتَعَطَّفَ، وَالاِسْمُ الْخُنْثُ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).
وفي الاصطلاح: هُوَ الَّذِي لَهُ ذَكَرٌ وَفَرْجُ امْرَأَةٍ، أَوْ مَنْ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْهُمَا أَصْلًا، وَلَهُ ثُقْبٌ يَخْرُجُ مِنْهُ الْبَوْل([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
وَيَنْقَسِمُ الْخُنْثَى إِلَى قِسْمَيْنِ:
القسم الأول: خُنْثَى غَيْرُ مُشْكِلٍ: وَهُوَ اَلَّذِي يَتَبَيَّنُ فِيهِ عَلَامَاتُ الذُّكُورِيَّةِ ، أَوِ الْأُنُوثِيَّةِ ؛ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ رَجُلٌ، أَوِ امْرَأَةٌ؛ فَهَذَا لَيْسَ بِمُشْكِلٍ؛ وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ فِيهِ خِلْقَةٌ زَائِدَةٌ، أَوِ امْرَأَةٌ فِيهَا خِلْقَةٌ زَائِدَةٌ؛ وَحُكْمُهُ فِي إِمَامَتِهِ وَإِرْثِهِ وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ حُكْمُ مَا ظَهَرَتْ عَلَامَاتُهُ فِيهِ.
القسم الثاني: خُنْثَى مُشْكِلٌ: وَهُوَ مَنْ لَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ عَلَامَاتُ الذُّكُورَةِ أَوِ الْأُنُوثَةِ، وَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ تَعَارَضَتْ فِيهِ الْعَلَامَاتُ.
فَتَحَصَّل مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُشْكِلَ نَوْعَانِ:
نَوْعٌ لَهُ ذَكَرٌ وَفَرْجُ امْرَأَةٍ، وَاسْتَوَتْ فِيهِ الْعَلَامَاتُ.
وَنَوْعٌ لَيْسَ لَهُ وَاحِدَةٌ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَهُ ثُقْبٌ.
بِمَ يُعرف الخنثى المشكِل؟
الخنثى المشكِلُ إما أن يكون بالغًا أو غير بالغ:
فَإِنْ كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ فَيُعْتَبَرُ بِمَبَالِهِ.
قال ابن قدامة رحمه الله: وَيُعْتَبَرُ بِمَبَالِهِ فِي قَوْلِ مَنْ بَلَغَنَا قَوْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْخُنْثَى يُوَرَّثُ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ؛ إنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ الرَّجُلُ، فَهُوَ رَجُلٌ، وَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ تَبُولُ الْمَرْأَةُ، فَهُوَ امْرَأَةٌ؛ فَإِنِ اسْتَوَيَا فَهُوَ حِينَئِذٍ مُشْكِلٌ.اهـ.([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))
وإن كان بالغًا، فَيَتَبَيَّنُ أَمْرُهُ بِأَحَدِ الْأُمُورِ الآْتِيَةِ:
إِنْ خَرَجَتْ لِحْيَتُهُ، أَوْ أَمْنَى بِالذَّكَرِ، أَوْ أَحْبَل امْرَأَةً، أَوْ وَصَل إِلَيْهَا، فَرَجُلٌ، وَكَذَلِكَ ظُهُورُ الشَّجَاعَةِ وَالْفُرُوسِيَّ ةِ، وَمُصَابَرَةِ الْعَدُوِّ، دَلِيلٌ عَلَى رُجُولِيَّتِهِ.
وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ ثَدْيٌ وَنَزَل مِنْهُ لَبَنٌ أَوْ حَاضَ، أَوْ أَمْكَنَ وَطْؤُهُ، فَامْرَأَةٌ، وَأَمَّا الْوِلَادَةُ فَهِيَ تُفِيدُ الْقَطْعَ بِأُنُوثَتِهِ، وَتُقَدَّمُ عَلَى جَمِيعِ الْعَلَامَاتِ الْمُعَارِضَةِ لَهَا.
وَأَمَّا الْمَيْلُ، فَإِنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْأَمَارَاتِ السَّابِقَةِ؛ فَإِنْ مَالَ إِلَى الرِّجَال، فَامْرَأَةٌ، وَإِنْ مَالَ إِلَى النِّسَاءِ، فَرَجُلٌ، وَإِنْ قَالَ: أَمِيل إِلَيْهِمَا مَيْلًا وَاحِدًا. أَوْ: لَا أَمِيلُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ فَمُشْكِلٌ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11)).
قَال السُّيُوطِيُّ: ((وَحَيْثُ أُطْلِقَ الْخُنْثَى فِي الْفِقْهِ، فَالْمُرَادُ بِهِ الْمُشْكِل([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)))).
فقوله: (وخُناثًا)؛ أي: ولا تصح إمامة المرأة لمخنَّثِينَ مُشْكَلِينَ لَمْ يَتَبَيَّن أمرهم؛ وأما الخنثى الذي تبيَّن أنه أُنثى، فلا إشكال في جواز أنْ تؤمَّهُ امرأة، والخنثى الذي تبيَّن أنه رَجُلٌ، فلا إشكال في عدم جواز إمامة المرأة له.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَأَمَّا الْخُنْثَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ رَجُلًا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، وَلَا يَؤُمُّ خُنْثَى مِثْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ امْرَأَةً وَالْمَأْمُومُ رَجُلًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَؤُمَّهُ امْرَأَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13))))اهـ.
قوله: (وَلَا خَلْفَ مُحْدِثٍ): أي: لا تصح الصلاة خلف محدِث؛ سواء كان حدث أكبر أو أصغر؛ لأنه ائتمَّ بمن لا تصح صلاته.
قوله: (أَوْ نَجِسٍ): ولا تصح الصلاة خلف متنجس أيضًا؛ لأنه ائتمَّ بمن لا تصح صلاته.
قوله: (فَإِنْ جُهِلَا حَتَّى انْقَضَتْ صَحَّتْ لِمَأْمُومٍ): أي: إن جُهِل الحدث أو النجاسة للإمام والمأموم حتى انقضت الصلاة، صحت صلاةُ المأموم؛ فليس عليه إعادة؛ لأنه معذور بجهله حال الإمام، وقد أدى ما عليه، فلا يُؤمر بالإعادة.
وأما الإمام فلو عَلِمَ بحدثه أو تنجسه بعد انقضاء الصلاة فعليه الإعادة؛ لأن صلاته لم تكن على الوجه الشرعي الصحيح.
قلت: والصحيح بالنسبة للإمام أنه يُعيد إن كان محدِثًا، ولا يُعيد إن كان متنجسًا.
فدليل إعادة المحدِث حديث أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمًا، ثُمَّ أَوْمَأَ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ انْطَلَقَ فَاغْتَسَلَ، فَجَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَصَلَّى بِهِمْ([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14)).
ففي هذا الحديث أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أبطل صلاته لَمَّا عَلِم بالحدث.
ولأنه صلى وهو فاقد شرطًا مأمورًا به في الصلاة؛ فلزمه الإعادة.
ودليل عدم إعادة المتنجس حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ، قَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ»، قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا - أَوْ قَالَ: أَذًى»، وَقَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ: فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15))».
فدل هذا الحديث على أن من كان متنجسًا، ولا يعلم بتنجسه، فلا إعادة عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لَمْ يُعِد.
ومفهوم قول المؤلف: (فَإِنْ جُهِلَا حَتَّى انْقَضَتْ صَحَّتْ لِمَأْمُومٍ): أنهما لو عُلِما – أي: الحدث أو النجاسة - في أثناء الصلاة وقبل انقضائها، فإنَّ صلاة الإمام والمأموم تبطل.
والصحيح - وهو رواية عن أحمد([16] (http://majles.alukah.net/#_ftn16)) - أنه لا فرق بين العلم في أثناء الصلاة أو بعد انقضائها؛ فهما سواء؛ فصلاة الإمام والمأموم لا تبطل في حال النجس؛ وأما في حال الحدث، فتبطل صلاة الإمام ولا تبطل صلاة المأموم.
ودليل ذلك حديث أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، المتقدم.
ففي هذا الحديث كان النبي صلى الله عليه وسلم محدِثًا، ولَمْ يُبطل صلاةَ المأمومين؛ وإنما خرج هو فقط من الصلاة فتطهر ثم استأنف صلاته.
وحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، المتقدم.
ففي هذا الحديث كانت على النبي صلى الله عليه وسلم نجاسة، فلم يُبطل صلاته ولا صلاة المأمومين؛ وإنما أزال النجاسة ثم استكمل صلاته.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكره ابن عبد الهادي في ((تنقيح التحقيق)) (2/ 469)، وقال: ((هذا حديثٌ لا يصحُّ، ولا يُعرف له إسنادٌ صحيحٌ، بل رُوِيَ بعضه بإسنادٍ مظلمٍ)).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه عبد الرزاق (1872)، والبيهقي في ((الكبير)) (5858)، بسند ضعيف.

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) انظر: ((المغني)) (2/ 168).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ذكرها القاضي أبو يعلى في ((الروايتين والوجهين)) (1/ 173)، والمرداوي في ((الإنصاف)) (2/ 266).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) أخرجه البخاري (4302).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((مراتب الإجماع)) (28)، وذكره أيضًا ابن القطان رحمه الله في ((الإقناع في مسائل الإجماع)) (1/ 144).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) ذكره ابن قدامة في ((المغني)) (2/ 164).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (20/ 21)، وانظر: ((لسان العرب)) (2/ 145).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) ((المغني)) (6/ 336)، و((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (20/ 21).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) ((المغني)) (6/ 336)، مختصرًا.

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (20/ 21).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) ((الأشباه والنظائر)) (248).

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) ((المغني)) (2/ 147).

[14] (http://majles.alukah.net/#_ftnref14))) أخرجه أحمد (20459)، وأبو داود (233)، وابن حبان (2235)، والبيهقي في ((الكبير)) (4063)، و((الصغير)) (509)، وقال الألباني في ((صحيح أبي داود)) (1/ 416): ((حديث صحيح، وصححه ابن حبان والبيهقي، وقال النووي
والعراقي: إسناده صحيح)).

[15] (http://majles.alukah.net/#_ftnref15))) أخرجه أحمد (11153)، وأبو داود (650)، والدارمي (1418)، وابن خزيمة (786)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (284).

[16] (http://majles.alukah.net/#_ftnref16))) ذكرها ابن قدامة في ((المغني)) (2/ 74)، والمرداوي في ((الإنصاف)) (2/ 268).

أم علي طويلبة علم
2014-12-12, 12:25 AM
قال ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع ( 14-17/ 4 ) :

قوله: «مثنى مثنى» أي: يصليها اثنتين اثنتين.
قوله: «ويوتر بواحدة، وإن أوتر بخمس أو سبع لم يجلس إلا في آخرها، وبتسع يجلس عقب الثامنة فيتشهد ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة ويتشهد ويسلم»
لقول عائشة: «كان رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يُصَلِّي باللَّيلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكعةً، يُوتِرُ منها بواحدةٍ» وفي لفظ: «يُسلِّمُ بين كُلِّ رَكعتين، ويوتِرُ بواحدةٍ».
فيجوزُ الوِترُ بثلاثٍ، ويجوزُ بخمسٍ، ويجوزُ بسبعٍ، ويجوزُ بتسعٍ، فإنْ أوترَ بثلاثٍ فله صِفتان كِلتاهُما مشروعة:
الصفة الأولى : أنْ يَسْرُدَ الثَّلاثَ بِتَشهدٍ واحدٍ.
الصفة الثانية : أنْ يُسلِّمَ مِن رَكعتين، ثم يُوتِرَ بواحدة.

كلُّ هذا جَاءت به السُّنةُ، فإذا فَعَلَ هذا مرَّةً، وهذا مرَّةً فَحَسَنٌ.
أمَّا إذا أوتَرَ بخمسٍ؛ فإنَّه لا يَتَشَهَّدُ إلا مرَّةً واحدةً في آخرها ويُسلِّمُ.
وإذا أوتَرَ بسبعٍ؛ فكذلك لا يَتَشَهَّدُ إلا مرَّةً واحدةً في آخرها. وإن تَشَهَّدَ في السَّادسة بدون سلام ثم صَلَّى السَّابعةَ وسَلَّمَ فلا بأس .
وإذا أوترَ بتسعٍ؛ تَشهَّدَ مرَّتينِ، مرَّةً في الثَّامنةِ، ثم يقومُ ولا يُسلِّمُ، ومرَّةً في التاسعة يتشهَّدُ ويُسلِّمُ .
وإنْ أوترَ بإحدى عَشْرَة، فإنه ليس له إلا صِفةٌ واحدةٌ؛ يُسلِّمُ من كُلِّ ركعتين، ويُوترُ منها بواحدة.

قوله: «وأدنى الكمال ثلاث ركعات بسلامين» أي: أدنى الكمال في الوِتْرِ أنْ يُصلِّيَ ركعتين ويُسَلِّمَ، ثم يأتي بواحدة ويُسلِّمَ.
ويجوز أن يجعلها بسلام واحدٍ، لكن بتشهُّدٍ واحدٍ لا بتشهُّدين؛ لأنه لو جعلها بتشهُّدين لأشبهت صلاةَ المغربِ، وقد نهى النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أن تُشَبَّهَ بصلاةِ المغربِ.

... قوله: «ويقنت فيها» أي: في الثالثة.
والقُنُوتُ يُطلق على معانٍ منها:
1 ـ الخُشوعُ، كما في قوله تعالى: {{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}} ، وكما في قوله: {{وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}}.
2 ـ الدُّعاءُ، كما هنا «يَقْنُتُ فيها بعد الرُّكوع» .

أم علي طويلبة علم
2014-12-12, 01:15 AM
قوله: «اللهم اهدني فيمن هديت» ظاهر كلامه: أنه لا يبدأُ بشيءٍ قبل هذا الدُّعاءِ، لكن الصَّحيحُ أنَّه يبدأ بقوله: «اللَّهمَّ إِنَّا نَستعينُكَ، ونَستهديكَ، ونستغِفرُكَ، ونتوبُ إليكَ، ونؤمنُ بك، ونَتوكَّلُ عليك، ونُثْنِي عليكَ الخيرَ كُلَّه، ونَشْكُرُكَ ولا نَكْفُرُكَ. اللَّهمَّ إياك نعبدُ، ولك نُصلِّي ونسجدُ، وإِليكَ نَسعَى ونَحْفِدُ، نَرجو رحمَتَكَ، ونخشى عذابَكَ، إِنَّ عَذَابَكَ الجِدَّ بالكُفَّار مُلحِق» ثم يقول: «اللَّهمَّ اهدني فيمن هَدَيتَ» إلخ، هكذا قال الإمامُ أحمدُ رحمه الله؛ لأنه ثناءٌ على الله، والثناءُ مقدَّمٌ على الدُّعاءِ؛ لأنه فَتْحُ بابِ الدُّعاءِ.

وقوله: «اللَّهُمَّ» أصلُه: يا اللهُ، لكن حُذِفت ياءُ النِّداءِ، وعُوِّضَ عنها الميمُ وبقيت «الله»، وإنما حُذفت الياءُ لكثرةِ الاستعمالِ وعُوِّضَ عنها الميمُ للدّلالةِ عليها، وأُخِّرت للبَدَاءة باسم الله، وجُعلت ميماً للإشارة إلى جَمْعِ القلب على هذا الدُّعاءِ؛ لأن الميم تدلُّ على الجَمْعِ.

وقوله: «اهْدِني فِيمَنْ هَدَيتَ» الذي يقول: «اللَّهُمَّ اهْدِني» هو المنفردُ، أما الإمام فيقول: «اللَّهُمَّ اهْدِنَا» وقد رُوي عن رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ أمَّ قوماً فَخَصَّ نفسَه بالدُّعاءِ فقد خَانَهم» لأنَّه إذا دعا الإمامُ فقال: «اللَّهُمَّ اهْدِني» والمأمومون يقولون: آمين؛ صار الدُّعاءُ له، والمأموم ليس له شيء، إلا أنه يؤمِّنُ على دُعاءِ الإمامِ لنفسِهِ، وهذا نوعُ خِيانةٍ.
وقوله: «اللهم اهْدِني فِيمَنْ هَدَيتَ» أي: في جُمْلة مَنْ هديتَ، وهذا فيه نوعٌ مِن التوسُّلِ بفِعْلِ الله سبحانه وتعالى، وهو هدايتُه مَنْ هَدى، فكأنَّك تتوسَّلُ إلى الله الذي هَدى غيرَك أنْ يهديَكَ في جُملتِهم، كأنَّكَ تقول: كما هَديتَ غيري فَاهْدِني.
والهداية هنا يُرادُ بها: هدايةُ الإرشاد، وهدايةُ التوفيق.
فهدايةُ الإرشادِ: ضِدّها الضَّلالُ.
وهدايةُ التوفيقِ: ضِدُّها الغَيُّ.
فأنت إذا قلتَ: «اللَّهُمَّ اهْدِني» تسألُ الله سبحانه وتعالى الهِدايتين: هدايةَ الإرشادِ وذلك بالعِلْمِ، وهدايةَ التوفيقِ وذلك بالعمل؛ لأنه ليس كلُّ مَنْ عَلِمَ عَمِلَ، وليس كلُّ مَنْ عَمِلَ يكون عملُه عن عِلْمٍ وتمامٍ، فالتَّوفيقُ أن تعلَمَ وتعمَلَ.

قوله: «وعافني فيمن عافيت» أي: في جُملةِ مَنْ عافيتَ، وهذا ـ كما قلتُ آنفاً ـ مِنَ التَّوسُّلِ إلى الله تعالى بفِعْلِه في غيرِك، فكأنَّكَ تقول: كما عافيتَ غيري فعافِني. والمعافاة: المُراد بها المعافاةُ في الدِّين والدُّنيا، فتشملَ الأمرين: أنْ يعافيكَ مِنْ أسقام الدِّين، وهي أمراضُ القلوب التي مدارُها على الشَّهوات والشُّبُهاتِ، ويعافيك من أمراضِ الأبدان، وهي اعتلال صِحَّةِ البَدَنِ.
والإنسانُ مُحتاجٌ إلى هذا وإلى هذا، وحاجتُه إلى المُعافاةِ مِن مَرَضِ القلبِ أعظمُ مِن حاجتِهِ إلى المُعافاةِ مِن مَرَضِ البَدَنِ.
ولهذا؛ يجبُ علينا أنْ نُلاحِظَ دائماً قلوبَنَا، وننظُرَ: هل هي مريضةٌ أو صحيحةٌ؟ وهل صَدِئتْ أو هي نظيفةٌ؟ فإذا كنت تنظِّفُ قلبَكَ دائماً في معاملتِكِ مع الله، وفي معاملتِكِ مع الخَلْقِ؛ حَصَّلتَ خيراً كثيراً، وإلا؛ فإنَّكَ سوف تَغْفُلُ، وتَفْقِدُ الصِّلةَ بالله، وحينئذٍ يَصْعُبُ عليكَ التراجعُ.
فحافظْ على أنْ تُفتِّشَ قلبَكَ دائماً، فقد يكون فيه مَرَضُ شُبْهةٍ أو مَرَضُ شهوةٍ، وكلُّ شيءٍ ولله الحمدُ له دَواءٌ، فالقرآن دواءٌ للشُّبُهاتِ والشَّهواتِ، فالترغيبُ في الجَنَّةِ والتحذيرُ مِن النَّارِ دواءُ الشَّهواتِ.
وأيضاً: إذا خِفْتَ أنْ تميلَ إلى الشَّهواتِ في الدُّنيا التي فيها المُتْعَةُ؛ فتذكَّرْ مُتْعَةَ الآخرة.
ولهذا كان نبيُّنَا صلّى الله عليه وسلّم إذا رأى ما يعجِبُه مِن الدُّنيا قال: «لبيَّكَ إنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرةِ» فيقول: «لبيَّكَ» يعني: إجابةً لك، مِن أجلِ أنْ يكبَحَ جِمَاحَ النَّفْسِ؛ حتى لا تغترَّ بما شاهدت مِن مُتَعِ الدُّنيا، فَيُقبل على الله، ثم يوطِّن النَّفسَ ويقول: «إن العَيْشَ عَيْشُ الآخرة» لا عيشُ الدُّنيا. وصَدَقَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم، والله؛ إنَّ العيشَ عيشُ الآخِرةِ، فإنه عيشٌ دائمٌ ونعيمٌ لا تنغيصَ فيه، بخِلافِ عيشِ الدُّنيا فإنه ناقصٌ منغَّصٌ زائِلٌ.
وأما دواءُ القُلوبِ مِن أمراضِ الشُّبُهَاتِ؛ فالقُرآنُ كلُّه بيانٌ وفُرقانٌ تزولُ به جميعُ الشُّبهاتِ، فكتابُ الله كلُّه مملوءٌ بالعِلْمِ والبيانِ الذي يزولُ به داءُ الشُّبهاتِ، ومملوءٌ بالتَّرغيبِ والتَّرهيبِ الذي يَزولُ به داءُ الشَّهواتِ، ولكنَّنا في غَفْلةٍ عن هذا الكتاب العزيز؛ الذي كلُّه خيرٌ، وكذلك ما في السُّنَّةِ المطهَّرَةِ الثابتةِ عن رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم.

أما عافيةُ الأبدانِ، فَطِبُّهَا نوعان:
النوع الأول : طِبٌّ جاءت به الشَّريعةُ، فهو أكملُ الطِّبِّ وأوثقُهُ؛ لأنه مِن عند الله الذي خَلَقَ الأبدانَ؛ وعَلِمَ أدواءَها وأدويتَها، والطِّبُّ الذي جاءت به الشريعة ضربان:
الأول : طب مادي، كقول الله تعالى في «النحل»: {{يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}} وكقول النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في الحَبَّةِ السَّوداءِ «إنها شفاء من كل داء إلا السام» يعني: الموتَ، وكقوله صلّى الله عليه وسلّم في الكَمْأَةِ: «الكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ وماؤُهَا شِفاءٌ للعَيْنِ» وأمثالُ ذلك، وكلُّ هذا طِبٌّ ماديٌّ قرآنيٌّ ونبويٌّ.
الضرب الثاني : طِبٌّ معنويٌّ رُوحيٌّ: وذلك بالقِراءة على المَرضى، وهذا قد يكون أقوى وأسرعَ تأثيراً، انظر إلى رُقيَةِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم للمَرضَى، تَجِدُ أنَّ المريضَ يُشفى في الحَالِ، فإنَّه لما قال في يوم خيبر: «لأُعْطِيَنَّ الرَّايةَ غداً رَجلاً يَفْتحُ اللهُ على يَدَيْه، يُحِبُّ اللهَ ورسولَهُ، ويحبُّهُ اللهُ ورسولُهُ» باتَ النَّاسُ تلك الليلة يخوضون في هذا الرَّجُلِ؟ فلما أصبحوا غَدَوا إلى رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم كلُّ واحدٍ متشوِّفٍ لها؛ لأنه سوف ينالُ هذا الوصف، وهو أنَّه «يحبُّ اللهَ ورسولَه، ويحبُّه اللهُ ورسولُه» فقال: أين عليُّ بنُ أبي طالب؟ فقالوا: يشتكي عينيه، فدعا به فجيء به فبصَقَ في عينيه، ودعا له فبَرِىءَ في الحال؛ كأنْ لم يكن به أثرٌ؛ فأعطاه الرَّايةَ.
وكذلك أيضاً في قِصَّةِ السَّرِيَّةِ الذين استضافوا قوماً فلم يُضيِّفُوهم فتنحُّوا ناحيةً، فقدَّرَ اللهُ عزّ وجل أنْ تلدغَ عقربٌ زعيمَ هؤلاء القومِ الذين أَبَوا أن يضيِّفُوا الصَّحَابة، فلما لُدِغَ قالوا: مَنْ يرقي؟ قال بعضُهم لبعضٍ: انظروا الجماعةَ ـ الذين نزلوا عليكم ضيوفاً، ولم تضيِّفوهم ـ لعلَّ فيهم قارئاً، فذهبوا إليهم، فقالوا: نعم؛ فينا مَنْ يقرأُ، لكن لقد استضفناكم فلم تضيِّفُونا؛ فما نقرأُ عليكم إلا بجُعْلٍ، فجعلوا لهم قطيعاً مِنَ الغَنَمِ، فذهب أحدُهم يَتْفُلُ؛ ويقرأ على هذا اللَّديغِ سورةَ الفاتحة فقط يكرِّرُها، فقامَ اللَّديغُ الذي لدغته عقربٌ كأنما نَشِطَ من عِقَالٍ، فلما غدوا إلى رسُولِ الله صلّى الله عليه وسلّم وأخبروه فقال للقارئ: «وما يُدْرِيكَ أَنَّها رُقيةٌ» . وهذا طِبٌّ نبويٌّ، لكنَّه معنويٌّ بالقِراءة، وما أكثرُ الذين نشاهدهم ونسمعُ بهم يُؤثِّرونَ تأثيراً بالغاً في المرضى، أشدَّ من تأثير الطِّبِّ الماديِّ الذي يُدركُ بالتَّجاربِ.
النوع الثاني : طِبٌّ ماديٌّ يُعرفُ بالتَّجاربِ، وهو ما يكون على أيدي الأطبَّاءِ، سواء درسوا في المدارس الرَّاقيةِ وعرفوا، أو أخذوه بالتَّجارب، لأنه يوجد أُناسٌ من عامَّة النَّاس يُجْرُون تَجَارِبَ على بعض الأعشاب، ويحصُل منها فائدةٌ، ويكونون بذلك أطبَّاءَ بدون دراسة؛ لأن هذا يُدرك بالتَّجَاربِ.

- تابع -

أم علي طويلبة علم
2014-12-12, 01:15 AM
قوله: «وتولني فيمن توليت» هل هي من «الوَلي» بفتح الواو، وسكون اللام مخفَّفة، بمعنى القُرب. أو هي من التَّولِّي بمعنى الولاية والنُّصرة. أو هي منهما جميعاً؟
الجواب : هي منهما جميعاً، فعلى المعنى الأوَّل: اجعلني قريباً منك، كما يُقال: وليَ فلانٌ فلاناً، وقال النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام: «ليلنِي منكم أُولُو الأحْلامِ والنُّهَى» أي: مِنَ الوَلْي، وهو القُرْبُ.
وعلَى المعنى الثاني: اعْتَنِ بي فكن لي وَلِيًّا وناصراً ومعيناً لي في أموري، فيشمَل الأمرين، وإنْ كان المُتبادر إلى الذِّهن أنه مِنَ الموالاة وهي النُّصرةِ.
والمراد بالولاية هنا الولاية الخاصَّة؛ لأنَّ الولايةَ العامَّةَ شاملةٌ لكلِّ أحدٍ مؤمنٍ وكافرٍ؛ بَرٍّ وفاجرٍ، فكلُّ أحدٍ فاللهُ تعالى مولاه، قال الله تعالى: {{ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ *}} فقوله: {{رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ}} يشمَلُ كلَّ مَنْ ماتَ مِن مؤمنٍ وكافرٍ، وبَرٍّ وفاجرٍ، وهذه هي الوِلاية العامَّة؛ لأن الله يتولَّى شؤون جميع الخَلْقِ.
أما الوِلاية الخاصَّة فهي المذكورة في قوله تعالى: {{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا}} وفي قوله: {{أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ *الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ *}} والسَّائل الذي قال: «تولَّني فِيمَنْ تولَّيتَ» يريد الولاية الخاصَّة.

قوله: «وبارك لي فيما أعطيت» أي: أنزل البركةَ لي فيما أعطيتني مِنَ المال، والعِلْمِ، والجاه، والولد، ومِنْ كُلِّ ما أعطيتني {{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}} إذاً؛ باركْ لي في جميع ما أنعمتَ به عليَّ، وإذا أنزل اللهُ البركةَ لشخص فيما أعطاه صار القليلُ منه كثيراً، وإذا نُزعت البركةُ صار الكثيرُ قليلاً، وكم مِن إنسانٍ يجعلُ اللهُ على يديه مِنَ الخير في أيامٍ قليلة ما لا يجعلُ على يدِ غيرِه في أيَّام كثيرةٍ؟، وكم مِن إنسانٍ يكون المالُ عنده قليلاً لكنه متنعِّمٌ في بيته، قد بارك اللهُ له في مالِهِ، ولا تكون البركةُ عند شخصٍ آخرَ أكثرَ منه مالاً؟ وأحياناً تُحِسُّ بأن الله باركَ لك في هذا الشيء بحيث يبقى عندك مُدَّةً طويلةً.

قوله: «وقِنِي شَرَّ ما قضيتَ» ما قَضَاهُ الله عزّ وجل قد يكون خيراً، وقد يكون شرًّا، فما كان يُلائمُ الإنسانَ وفِطرتَه فإن ذلك خير، وما كان لا يُلائِمه فذلك شرٌّ، فالصِّحَّةُ والقوةُ والعِلْمُ والمالُ والولدُ الصَّالحُ وما أشبه ذلك خير، والمَرَضُ والجهل والضَّعف والولد الطالحُ وما أشبه ذلك شرٌّ؛ لأنه لا يُلائم الإنسانَ.
وقوله: «ما قضيت» «ما» هنا بمعنى الذي، أي: الذي قضيتُه، ويجوز أن تكون مصدريَّة، أي: شَرَّ قضائِكَ.
والمراد: قضاؤه الذي هو مقضيَّه؛ لأن قضاءَ الله الذي هو فِعْلُه كلُّه خير. وإنْ كان المقضيُّ شرًّا؛ لأنه لا يُراد إلا لحكمةٍ عظيمةٍ، فالمرضُ مثلاً قد لا يَعرفُ الإنسانُ قَدْرَ نِعمة الله عليه بالصِّحَّة إلا إذا مَرِضَ، وقد يُحْدِثُ له المرضُ توبةً ورجوعاً إلى الله، ومعرفةً لِقَدْرِ نفسِهِ، وأنه ضعيفٌ، ومُحتاجٌ إلى الله عزّ وجل، بخلاف ما لو بقيَ الإنسانُ صحيحاً معافى، فإنه قد ينسى قَدْرَ هذه النِّعمة، ويفتخرُ كما قال الله تعالى: {{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ *وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ *}} [هود] .

فإن قال قائلٌ: كيف نجمعُ بين قوله: «قِني شرَ ما قضيتَ» وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «والشرُّ ليس إليكَ» ؟.
فالجواب عن ذلك : أنَّ الشَّرَّ لا يُنسب إليه تعالى؛ لأن ما قضاه وإنْ كان شرًّا فهو خير، بخلاف غيره، فإن غيرَ الله رُبَّما يقضي بالشَّرِّ لشرٍّ محضٍ، فربما يعتدي إنسانٌ على مالكَ أو بدنكَ أو أهلكَ لقصد الشَّرِّ والإضرار بك، لا لقصدِ مصلحتِكَ، وحينئذٍ يكون فِعْلُهُ شرًّا محضاً.
وفي قوله: «ما قضيتَ» إثباتُ القضاءِ لله.
وقضاءُ الله: شرعيٌّ، وقَدَريٌّ.
فالشَّرعيُّ مثل قوله تعالى: {{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ}}
والقدريُّ مثل قوله تعالى: {{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا *}}
والفَرْقُ بينهما مِن وجهين:
الوجه الأول : أنَّ القضاءَ الكونيَّ لا بُدَّ مِن وقوعِهِ، وأما القضاءُ الشَّرعيُّ فقد يقع مِن المقضيِّ عليه وقد لا يقعُ.
الوجه الثاني : أنَّ القضاءَ الشَّرعيَّ لا يكون إلا فيما أحبَّه الله، سواءٌ أحبَّ فِعْلَه أو أحبَّ تَرْكَهُ، وأما القضاءُ الكونيُّ فيكون فيما أحبَّ وفيما لم يحبَّ:
وقوله: «ما قضيت» يشمَلُ ما قضاه مِن خيرٍ وشرٍّ.

فإن قيل: وهل في الخير من شرٍّ؟
فالجواب: نعم؛ قد يكون فيه شرٌّ، فتكون النِّعَمُ سبباً للأَشَرِ والبَطَرِ؛ فتنقلبُ شرًّا، فكم من إنسانٍ كان مستقيماً؛ أنعمَ اللهُ عليه، فحملته النِّعَمُ على الاستكبار عن الحقِّ وعلى الخَلْقِ فهَلك. واقرأْ قول الله تعالى: {{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}}.

قوله: «إنكَ تَقضي ولا يُقضى عليك» فالله سبحانه وتعالى يَقضي بما أرادَ، ولا أحدٌ يَقضي على الله ويَحكمُ عليه، قال الله تعالى: {{وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ *}} .
قوله: «إِنَّهُ لا يَذِلُّ من وَالَيْتَ» أي: لا يلْحَقُ مَنْ واليتَهُ ذُلٌّ وخُذلان، والمراد: الولاية الخاصَّة المذكورة في قوله تعالى:{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}.

قوله: «ولا يَعِزُّ مَنْ عاديت» أي: لا يَغلِبُ مَنْ عاديته، بل هو ذليلٌ؛ لأَنَّ مَنْ والاه الله فهو منصورٌ، كما قال الله تعالى: {{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ *}} وقال الله تعالى: {{وَلَيَنْصُرَنّ َ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}{الَّذِي نَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ *}} وأمَّا مَنْ عاداه اللهُ فهو ذليلٌ؛ لأنَّ الله إذا نَصَرَ أولياءَه فعلى أعدائه. إذاً؛ فالعِزُّ للأولياءِ، والذُّلُّ للأعداء.

فإنْ قال قائلٌ: هل هذا على عُمُومِهِ، لا يَذِلُّ مَنْ وَالاه الله، ولا يَعِزُّ مَنْ عاداه؟
فالجواب: ليس هذا على عُمُومه، فإنَّ الذُّلَّ قد يعرِضُ لبعض المؤمنين، والعِزُّ قد يعرِضُ لبعض المشركين، ولكنَّه ليس على سبيل الإدالة المطلقة الدَّائمة المستمرَّة، فالذي وقع في أُحُدٍ للنَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابِهِ لا شَكَّ أنَّ فيه عِزًّا للمشركين، ولهذا افتخروا به فقالوا: يومٌ بيومِ بَدْرٍ، والحربُ سِجَالٌ ، ولا شَكَّ أنه أصابَ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابَه من الجراح والضَّعف ما لم يسبق مِن قبلُ، ولكن هذا شيءٌ عارضٌ ليس عِزًّا دائماً مطَّرِداً للمشركين، وليس ذُلًّا للمؤمنين على وجه الدَّوام والاستمرار، وهذا فيه مصالح عظيمة كثيرة ذَكَرَها اللهُ تعالى في سورة «آل عمران»، واستوعبَ الكلامَ عليها ابنُ القيم رحمه الله في «زاد المعاد» في فِقْهِ هذه الغزوة، وذَكَرَ فوائدَ عظيمةً مِن هذا الذي حصَل للنَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه.
إذاً؛ فقوله: «لا يذلُّ مَنْ واليتَ ولا يَعِزُّ مَنْ عَاديتَ»، لنا أنْ نقول: هذا ليس على عُمُومه، ويُخصَّص بالأحوال العارضة، ولنا أن نقول: إنه عامٌّ؛ باقٍ على عُمُومه لا يُخصَّص منه شيء، لكنه عامٌّ أُريد به الخُصوص، يعني: أنَّ المراد: لا يَذِلُّ ذُلًّا دائماً، ولا يَعِزُّ عِزًّا دائماً.

قوله: «تباركت رَبَّنَا» التقدير: تباركتَ يا رَبَّنَا، والبركة: كثرةُ الخير وسعته. مشتقٌّ من «بِرْكَةَ الماء» وهي حوض الماء الكبير ومعنى التَّبارك في الله عزّ وجل: أنه سبحانه وتعالى عظيمُ البَركة واسعها، ومنزِّلُ البَرَكة، وأن بذِكْرِه تحصُلُ البَرَكةُ، وباسمِهِ تحصُلُ البركةُ، ولذلك نجد أن الرَّجُل لو قال على الذَّبيحة: «بسم الله» صارت حلالاً، ولو لم يقل: «بسم الله» صارت حراماً، ولو قال: «بسم الله» على وُضُوئه صار صحيحاً، ولو لم يقل: «بسم الله» صار غيرَ صَحيح عند كثير من أهل العِلْمِ.
وإنْ كان الصَّحيح أنَّ التَّسمية في الوُضُوء لا تجب، لكن على القول بأنها واجبة إذا تَركَها عمداً لم يصحَّ وُضُوؤه .
وقوله: «رَبَّنَا» أي: يا ربَّنا، وحُذِفَت «ياء النداء» لسببين:
1 ـ لكثرة الاستعمال.
2 ـ وللتَّبرُّك بالبَدَاءَة باسم الله عزّ وجل.
وقوله: «رَبَّنا» اسم من أسماء الله: يأتي مضافاً أحياناً كما هنا وكما في قوله تعالى: {{رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}} ويأتي غير مضاف مُحَلاًّ بأل؛ مثل قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فأمَّا الرُّكوع فَعَظِّمُوا فيه الرَّبَّ» وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «السِّواك مطهرةٌ للفَمِ مرضاةٌ للرَّبِّ» .

قوله: «تعاليت» من التَّعالي وهو العُلو، وزِيدت التَّاء للمبالغة في عُلوه.
وعُلوُّ الله سبحانه وتعالى ينقسم إلى قسمين: عُلوِّ الذِّات، وعُلوِّ الصِّفَة.
فأما عُلوُّ الذَّات فمعناه: أنَّ الله نَفْسَهُ فوقَ كُلِّ شيء.
وأمَّا عُلوُّ الصِّفة فمعناه: أنَّ الله تعالى موصوفٌ بكلِّ صفاتٍ عُليا...


المصدر : الشرح الممتع الجزء الرابع

أم علي طويلبة علم
2014-12-14, 10:03 PM
قوله: «أعوذ برضاك مِن سَخَطك» هذا من باب التَّوسُّل برضاء الله أنْ يُعيذك مِن سَخَطِهِ، فأنت الآن استجرت مِن الشَّيء بضدِّه، فجعلت الرِّضاءَ وسيلةً تتخلَّصُ به من السُّخط.

قوله: «وبعفوك مِن عقوبتك» الحديث: «وبمعافاتك من عقوبتك».
والمعافاة هي: أنْ يعافيكَ اللهُ مِن كُلِّ بَلِيَّة في الدِّين، أو في الدُّنيا، وضِدُّ المعافاة: العقوبةُ، والعقوبةُ لا تكون إلا بذَنْبٍ، وإذا استعذت بمعافاة الله مِن عقوبته، فإنك تستعيذُ مِن ذنوبك حتى يعفوَ اللهُ عنك، إما بمجرَّدِ فضله، وإما بالهداية إلى أسباب التَّوبة.
والتعوُّذ بالرضا من السُّخط، وبالمعافاة مِن العقوبة، تعوُّذ بالشيء مِن ضِدِّه، كما أن معالجة الأمراض تكون بأدوية تضادُّها.

قوله: «وبك منك» لا يمكن أن تستعيذ مِنَ الله إلا بالله، إذ لا أحدَ يُعيذك مِن اللهِ إلا اللهُ، فهو الذي يُعيذني مما أرادَ بي مِن سوءٍ، ومعلومٌ أنَّ الله سبحانه وتعالى قد يريد بك سوءاً، ولكن إذا استعذت به منه أعاذك، وفي هذا غاية اللجوء إلى الله، وأنَّ الإنسان يُقِرُّ بقلبه ولسانِهِ أنه لا مرجعَ له إلا رَبُّهُ سبحانه وتعالى.

قوله: «لا نحصي ثناء عليك» أي: لا نُدْرِكُهُ، ولا نبلغُه، ولا نصلُ إليه.
والثناء هو: تَكْرَارُ الوصف بالكمال، ودليلُ ذلك: قوله تعالى في الحديث القُدسيِّ: «إذا قال العبدُ: الحمدُ لله رَبِّ العالمين. قال اللهُ تعالى: حَمَدَني عبدي. وإذا قال العبدُ: الرَّحمن الرحيم. قال اللهُ تعالى: أثنى عَلَيَّ عبدي» فلا يمكن أن تُحصي الثناءَ على الله أبداً، ولو بقيت أبد الآبدين، وذلك لأن أفعال الله غير محصورة، وكلُّ فعلٍ مِن أفعال الله فهو كمالٌ، وأقوالُه غيرُ محصورة، وكلُّ قولٍ من أقواله فهو كمالٌ، وما يدافع عن عباده أيضاً غير محصور. فالثناءُ على الله لا يمكن أنْ يَصِلَ الإنسانُ منه إلى غاية ما يجب لله مِنَ الثَّناء؛ مهما بلغ مِنَ الثَّناء على الله.
وغايةُ الإنسان أنْ يعترفَ بالنَّقص والتقصيرِ، فيقول: «لا أُحصِي ثناءً عليكَ؛ أنتَ كما أثنيتَ على نفسِك» أي: أنت يا رَبَّنَا كما أثنيت على نفسِكَ، أمَّا نحنُ فلا نستطيع أنْ نحصيَ الثَّناءَ عليك. وفي هذا مِنَ الإقرار بكمال صفات الله ما هو ظاهرٌ معلومٌ.

قوله: «اللهم صل على محمد» أي: يختم الدُّعاء بالصَّلاة على النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن ذلك مِنْ أسباب الإجابةِ؛ كما يُروى ذلك في حديثٍ فيه مقال: أنَّ الدُّعاءَ موقوفٌ بين السَّماء والأرض حتى تُصلِّي على نَبيِّكِ.
وظاهرُ كلامِ المؤلِّف : الاقتصارُ على هذا الدُّعاء. ولكن لو زاد إنسانٌ على ذلك فلا بأس، لأنَّ المقامَ مقامُ دُعاءٍ، وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقنتُ بلعن الكافرين، فيقول: اللَّهُمَّ الْعَن الكفرة» وفي هذا ما يدلُّ على أن الأمر في ذلك واسع.
وأيضاً: لو فُرِضَ أنَّ الإنسان لا يستطيع أنْ يدعوَ بهذا الدُّعاءِ؛ فله أنْ يدعوَ بما يشاء مما يحضره. ولكن إذا كان إماماً فلا ينبغي أن يطيلَ الدُّعاء بحيث يشقُّ على مَن وراءَه أو يملُّهم، إلا أن يكونوا جماعة محصورةً يرغبون ذلك.
وصلاةُ اللهِ على النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: الثناءُ عليه في الملأ الأعلى. أي: أن الله تعالى يُبيِّنُ صفاته الكاملة عند الملائكة. هكذا نُقل عن أبي العالية رحمه الله.

قوله: «وعلى آل محمد» آله: أتباعُه على دِيْنِهِ؛ لقوله تعالى: {{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}} [غافر: 46] أي: أتباعه على دِيْنِهِ. فإن قيل: وعلى آلِهِ وأتباعِهِ، صار المرادُ بالآل المؤمنين مِن أهل بيته، وأمَّا غيرُ المؤمنين فليسوا مِن آلِهِ، وقد قال الشَّاعرُ مبيِّناً أنَّ المرادَ بالآل الأتباع:
آلُ النَّبيِّ همو أتباعُ مِلَّتِهِ
مِن الأعاجم والسُّودان والعَرب
لو لم يكن آلهُ إلا قرابتُه
صَلَّى المصلِّي على الطَّاغي أبي لهب

قوله: «ويمسح وجهه بيديه» . ظاهرُ كلام المؤلِّف : أنَّه سُنَّة، أي: أنَّ مَسْحَ الوجه باليدين بعد دُعاء القُنُوت سُنَّة.
ودليل ذلك: حديث عُمَرَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا رَفَعَ يديه لا يردُّهما حتى يمسح بهما وجهَهُ. لكن هذا الحديث ضعيف، والشَّواهد التي له ضعيفة، ولهذا رَدَّ شيخُ الإسلام ابنُ تيمية هذا القول، وقال: إنه لا يمسحُ الدَّاعي وجهه بيديه؛ لأن المسحَ باليدين عبادة تحتاج إلى دليل صحيح، يكون حُجَّةً للإنسان عند الله إذا عمل به، أما حديث ضعيف فإنه لا تثبت به حُجَّة، لكن ابن حَجَر في «بلوغ المرام» قال: «إن مجموع الأحاديث الشاهدة لهذا تقضي بأنه حديث حسن».
فَمَن حَسَّنَه كان العملُ بذلك سُنَّة عنده، ومَن لم يُحَسِّنُه بل بقي ضعيفاً عنده كان العملُ بذلك بدعة، ولهذا كانت الأقوال في هذه المسألة ثلاثة:
القول الأول : أنه سُنَّة.
القول الثاني : أنه بدعة.
القول الثالث : أنه لا سُنَّة ولا بدعة، أي: أنَّه مباح؛ إنْ فَعَلَ لم نُبدِّعه، وإنْ تَرَك لم نُنقِصْ عَمَله.
والأقرب: أنه ليس بسُنَّة؛ لأنَّ الأحاديثَ الواردة في هذا ضعيفة، ولا يمكن أنْ نُثبتَ سُنَّة بحديث ضعيف، وهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأن فيه أحاديث كثيرة في «الصحيحين» وغيرهما تثبت أنَّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم يدعو ويرفع يديه ولا يمسحُ بهما وجهه، ومثل هذه السُّنَّة التي تَرِدُ كثيراً؛ وتتوافر الدَّواعي على نَقْلِها إذا لم تكن معلومةً في مثل هذه المؤلَّفات المعتبرة كالصحيحين وغيرهما، فإن ذلك يَدلُّ على أنها لا أصل لها.
وعلى هذا؛ فالأفضل أنْ لا يمسح، ولكن لا نُنكرُ على مَن مَسَحَ اعتماداً على تحسين الأحاديثِ الواردة في ذلك؛ لأنَّ هذا مما يختلف فيه النَّاسُ.

قوله: «ويُكره قنوته» أي: المصلِّي، والمراد: القُنُوت الخاصّ لا مطلق الدُّعاء، فإنَّ الدُّعاء في الصَّلاة مشروع في مواضعه.

قوله: «في غير الوتر» يشمَلُ القُنُوت في الفرائضِ، والرَّواتبِ، وفي النَّوافل الأُخرى، فكلُّها لا يَقْنُتُ فيها مهما كان الأمرُ؛ وذلك لأنَّ القُنُوتَ دُعاءٌ خاصٌّ في مكانٍ خاصٍّ في عبادةٍ خاصَّةٍ، وهذه الخصوصيات الثلاث تحتاج إلى دليل، أي: أنها لا تدخل في عموم استحباب الدُّعاء، فلو قال قائل: أليس القُنُوت دُعاء فليكن مستحبًّا؟..
فالجواب : نقول: هو دعاءٌ خاصٌّ في مكان خاصٍّ في عبادة خاصَّة، ومثل هذا يحتاج إلى دليل، فإنَّ الشيءَ الذي يُستحبُّ على سبيل الإطلاق لا يمكن أنْ تجعله مُستحبًّا على سبيل التَّخصيص والتقييد إلا بدليل. ولهذا لو قال قائل: سأدعو في ليلةِ مولدِ الرَّسولِ صلواتٍ على الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم بأدعية واردة جاءت بها السُّنَّةُ؟
قلنا: لا تفعلْ؛ لأنك قيَّدت العامَّ بزمنٍ خاصٍّ، وهذا يحتاج إلى دليل، فليس كُلُّ ما شُرع على سبيل العُموم يمكن أنْ نجعله مشروعاً على سبيل الخُصوص.
ومِن ثَمَّ قلنا: إنَّ دُعاء خَتْمِ القرآن في الصَّلاة لا شَكَّ أنه غير مشروع؛ لأنه وإنْ وَرَدَ عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان يجمعُ أهلَه عند خَتْمِ القُرآن ويدعو ، فهذا خارجُ الصَّلاة، وفَرْقٌ بين ما يكون خارجَ الصلاة وداخلها، فلهذا يمكن أنْ نقول: إنَّ الدُّعاء عند خَتْمِ القرآن في الصَّلاة لا أصلَ له، ولا ينبغي فِعْلُه حتى يقومَ دليلٌ مِن الشَّرعِ على أنَّ هذا مشروعٌ في الصَّلاة.

قوله: «إلا أن تنزل بالمسلمين نازلة...» هذه الجملة استثناء من قوله: «ويُكره قُنُوتُهُ في غير الوِتْرِ» . والنَّازلة: هي ما يحدث من شدائد الدَّهر.

قوله: «غير الطَّاعون» الطَّاعون: وباءٌ معروف فَتَّاكٌّ مُعْدٍ، إذا نَزَلَ بأرضٍ فإنه لا يجوز الذَّهابُ إليها، ولا يجوز الخُروجُ منها فِراراً منه؛ لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا سَمعتُم به في أرضٍ فلا تَقْدَمُوا عليها، وإنْ وَقَعَ وأنتم فيها فلا تخرجوا منها فِراراً منه» وهذا الطَّاعون ـ نسأل الله العافية ـ إذا نَزَلَ أهلك أُمماً كثيرة، كما في «طاعون عَموَاس» الذي وقع في الشَّام، في عهد عُمرَ بن الخطَّاب رضي الله عنه.

وهذا النَّوع من الوباء إذا نَزَلَ بالمسلمين فقد اختلف العُلماءُ رحمهم الله هل يُدعى بِرَفْعِهِ أم لا؟
فقال بعضُ العلماءِ : إنه يُدْعَى برَفْعِهِ؛ لأنَّه نازلةٌ مِن نوازل الدَّهر، وأيُّ شيءٍ أعظمُ مِن أنْ يُفني هذا الوباءُ أمَّةَ محمَّدٍ، ولا مَلجأ للنَّاس إلا إلى الله عزّ وجل، فيدعون الله ويسألونه رَفْعَهُ.
وقال بعضُ العلماءِ: لا يُدعَى برَفْعِهِ. وعلَّل ذلك: بأنه شهادة، فإن الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم أخبر: «بأنَّ المَطْعُونَ شَهيدٌ» قالوا: ولا ينبغي أنْ نَقْنُتَ مِن أجْلِ رَفْعِ شيءٍ يكون سبباً لنا في الشَّهادة، بل نُسَلِّمُ الأمرَ إلى الله، وإذا شاء اللهُ واقتضت حكمتُه أنْ يرفعَه رَفَعَهُ، وإلا أبقاه، ومَن فنيَ بهذا المرض فإنَّه يموت على الشَّهادة التي أخبر عنها النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم.

قوله: «فيقنُتُ الإمامُ في الفرائض» . «فيقنتُ» برفع الفعل استئنافاً، أي: إلا أنْ تَنْزِلَ فحينئذٍ يقنتُ الإمامُ في الفرائض، ولم يبيّن المؤلِّفُ حُكْمَ هذا القُنُوتِ، لكنه استثناه مِن الكراهة، وإذا استُثْنِيَ مِن الكراهة، وثبت فعلُه في الصَّلاة فإنه يكون مستحبًّا، لأنه إذا ثبت فعلُه في الصَّلاة لَزِمَ أنْ يكون مِن أذكار الصَّلاة وحينئذٍ يكون مستحبًّا.
وعلى هذا؛ فقول المؤلِّفِ: «فيقنتُ الإمامُ» أي: استحباباً، وقد أجمعَ العلماءُ على أنَّ هذا القُنُوت ليس بواجب، لكن الأفضل أنْ يقنتَ الإمامُ.
وقوله: «الإمام» مَنْ يعني بالإمام؟
إذا أطلقَ الفقهاءُ «الإمامَ» فالمرادُ به: القائدُ الأعلى في الدَّولة، فيكون القانتَ الإمامُ وحدَه، أما بقيَّة النَّاس فلا يقنتون، قالوا: لأنَّ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم قَنَتَ عند النَّوازل ولم يأمر أحداً بالقنوت، ولم يقنتْ أحدٌ من المساجد في عهده صلّى الله عليه وسلّم؛ ولأن هذا القنوت لأمر نزل بالمسلمين عامَّة، والذي له الولاية العامَّة على المسلمين هو الإمام فيختصُّ الحكم به، ولا يُشرع لغيره. وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد.
القول الثاني في المسألة : أنه يقنت كلُّ إمام.
القول الثالث : أنه يقنت كلُّ مصلٍّ، الإمام والمأموم والمنفرد.
والأخير اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، واستدلَّ بعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «صَلُّوا كما رأيتُمُوني أُصَلِّي» وهذا العمومُ يشمَلُ ما كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يفعلُه في صلاتِهِ على سبيل الاستمرار، وما يفعلُه في صلاتِهِ على سبيل الحوادث النَّازلةِ، فيكون القنوتُ عند النَّوازِلِ مشروعاً لكلِّ أحد.
ولكن الذي أرى في هذه المسألة: أنْ يُقتصرَ على أَمْرِ وليِّ الأمْرِ، فإن أَمَرَ بالقُنُوتِ قنتنا، وإن سكتَ سكتنا، ولنا ـ ولله الحمد ـ مكانٌ آخر في الصَّلاة ندعو فيه؛ وهو السُّجودُ والتَّشَهُّدُ، وهذا فيه خيرٌ وبَرَكَةٌ، فأقرب ما يكون العبدُ مِن رَبِّهِ وهو ساجد، لكن؛ لو قَنَتَ المنفردُ لذلك بنفسه لم نُنْكر عليه؛ لأنه لم يخالف الجماعة.
وقوله: «يقنتُ الإمامُ في الفرائض» ليس المراد أنْ يدعو بدعاء القُنُوتِ الذي عَلَّمه الرَّسولُ صلّى الله عليه وسلّم الحَسَن، بل يقنتُ بدُعاءٍ مناسبٍ للنَّازلة التي نزلت، ولهذا كان الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم يدعو في هذا القُنُوتِ بما يناسب النَّازلة ، ولا يدعو فيقول: «اللَّهُمَّ اهْدِني فيمن هَديت» كما يفعله بعضُ العامَّة، ولم يَرِدْ عن الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم أبداً لا في حديث صحيح ولا ضعيف أنه كان يقول: «اللهم اهْدِني فِيمَنْ هَدَيت» في الفرائض، إنما يدعو بالدُّعاء المناسب لتلك النَّازلة، فمرَّةً دعا صلّى الله عليه وسلّم لقوم مِن المستضعفين أنْ ينجِّيهم اللهُ عزّ وجل حتى قدموا.
ورُويَ أنه قَنَتَ مِن النصف مِن رمضان؛ حتى صَبيحة يوم العيد، حيث قدموا في صَبيحة يوم العيد، فيكون مدَّةُ قنوتِه لهم خمسةَ عَشَرَ يوماً.
وقَنَتَ على قوم دعا عليهم، على رِعْل وذَكْوان وعُصَيَّة شهراً كاملاً فقيل: إنهم قدموا مسلمين تائبين فأمسك.
ودعا على قوم معيَّنين باللعن فقال: اللهم الْعَنْ فلاناً وفلاناً حتى نَزَلَ قولُه تعالى: {{لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ}} [آل عمران: 128 ] فأمسك فصار دعاء النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم بالقُنُوتِ دُعاءً مناسباً، وعلى قَدْرِ الحاجة، ولم يستمرَّ.
وقوله: «في الفرائض» «أل» دخلت على جَمْعٍ فتفيد العمومَ، أي: في الفجر والظُّهر والعَصر والمَغرب والعِشاء، وليس خاصًّا بصلاة الفجر، بل في كُلِّ الصَّلوت، هكذا صَحَّ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنَّه قَنَتَ في جميع الصَّلوات.
واستثنى بعضُ العلماءِ الجُمعةَ وقال: إنَّه لا يقنتُ فيها؛ لأن الأحاديثَ الواردةَ عن رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم أنَّه قَنَتَ في الصَّلوات الخمسِ الفجرِ والظُّهرِ والعصرِ والمغربِ والعشاءِ. ولم تذكر الجُمُعَةَ. والجُمُعَةُ صلاةٌ مستقلَّة لا تدخل في مُسَمَّى الظُّهر عند الإطلاق، ولهذا لا تُجمع العصرُ إليها فيما لو كان الإنسان مسافراً وصَلَّى الجُمُعَة، وهو يريد أن يمشي وأراد أنْ يجمعَ العصرَ إلى الجُمُعَةِ فلا يجوز، لأنها صلاةٌ من جنس آخر مستقلَّة.
وعلَّلَ بعضُهم أيضاً ذلك: بأن الإمام يدعو في خُطبة الجُمُعَةِ دُعاءً عامًّا يؤمِّنُ النَّاسُ عليه، فيدعو لرفع النَّازلة في خُطبة الجُمُعة، ويُكتفى بهذا الدُّعاء عن القنوت في صلاة الجُمُعة.
ويرى بعضُ أهلِ العِلم: أنَّه لا وجه للاستثناء، وإنَّما لم ينصَّ عليها في الأحاديث الواردة عن رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنها يومٌ واحد في الأسبوع فلهذا تُركت، ويدلُّ لهذا: أنَّ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم إذا ذكر الصَّلاة المفروضة لا يذكر إلا الصَّلوات الخمس؛ لأنها هي الرَّاتبة التي تَرِدُ على الإنسان في كُلِّ يوم، بخلاف الجُمُعة.
فالظَّاهر: أنه يَقْنُتُ حتى في صلاة الجُمُعة.
وإذا قلنا بالقُنُوت في الصَّلوات الخمس، فإنْ كان في الجهرية فَمِنَ المعلوم أنَّه يجهرُ به، وإنْ كان في السِّريَّة فإنه يجهر به أيضاً؛ كما ثبتت به السُّنَّةُ: أنه كان يقنتُ ويؤمِّنُ النَّاسُ وراءَه. ولا يمكن أن يؤمِّنُوا إلا إذا كان يجهرُ.
وعلى هذا؛ فيُسَنُّ أنْ يجهرَ ولو في الصَّلاة السِّريَّة.

مسألة : القُنُوت هل يكون قبل الرُّكوع، أو بعد الرُّكوع؟
أكثرُ الأحاديث؛ والذي عليه أكثرُ أهل العِلم: أنَّ القُنُوتَ بعدَ الرُّكوع، وإن قَنَتَ قبل الرُّكوع فلا حَرَج، فهو مُخَيَّرٌ بين أنْ يركعَ إذا أكملَ القِراءة، فإذا رَفَعَ وقال: «ربَّنا ولك الحمدُ» قَنَتَ، كما هو أكثر الرِّوايات عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وعليه أكثرُ أهل العِلم، وبين أنْ يقنتَ إذا أتمَّ القِراءة ثم يكبِّرُ ويركع، كلُّ هذا جاءت به السُّنَّةُ.
(تنبيه) قول المؤلِّف رحمه الله: «إلا أن تنزل ما بالمسلمين نازلة» عُلم منه أنه إن نزلت بغير المسلمين نازلة لم يُقنت لها.


الشرح الممتع ( 4 / 36 – 48 )

محمد طه شعبان
2014-12-16, 01:15 AM
قوله: (وَتُكْرَهُ إِمَامَةُ لَحَّانٍ وَفَأْفَاءٍ وَنَحْوِهِ): فاللَّحَّان هو الذي يُلحن في القراءة.
قال ابن فارس رحمه الله: اللَّامُ وَالْحَاءُ وَالنُّونُ لَهُ بِنَاءَانِ يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى إِمَالَةِ شَيْءٍ مِنْ جِهَتِهِ، وَيَدُلُّ الْآخَرُ عَلَى الْفِطْنَةِ وَالذَّكَاءِ.
فَأَمَّا اللَّحْنُ بِسُكُونِ الْحَاءِ: فَإِمَالَةُ الْكَلَامِ عَنْ جِهَتِهِ الصَّحِيحَةِ فِي الْعَرَبِيَّةِ؛ يُقَالُ: لَحَنَ لَحْنًا.
وَهَذَا عِنْدَنَا مِنَ الْكَلَامِ الْمُوَلَّدِ؛ لِأَنَّ اللَّحْنَ مُحْدَثٌ، لَمْ يَكُنْ فِي الْعَرَبِ الْعَارِبَةِ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا بِطِبَاعِهِمُ السَّلِيمَةِ.
وَمِنْهُ أَيْضًا: اللَّحْنُ: فَحْوَى الْكَلَامِ وَمَعْنَاهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَتَعْرِفَنّ هُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: 30]؛ وَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ الْمُوَرَّى بِهِ الْمُزَالُ عَنْ جِهَةِ الِاسْتِقَامَةِ وَالظُّهُورِ.
وَالْأَصْلُ الْآخَرُ: اللَّحَنُ: وَهِيَ الْفِطْنَةُ، يُقَالُ: لَحِنَ يَلْحَنُ لَحْنًا، وَهُوَ لَحِنٌ وَلَاحِنٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ»([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
والمقصود هنا هو المعنى الأول؛ وهو إمالة الكلام عن جهته الصحيحة.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((تُكْرَهُ إمَامَةُ اللَّحَّانُ؛ الَّذِي لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ بِمَنْ لَا يَلْحَنُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِفَرْضِ الْقِرَاءَةِ، فَإِنْ أَحَالَ الْمَعْنَى فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ، لَمْ يُمْنَعْ صِحَّةُ الصَّلَاةِ، وَلَا الِائْتِمَامِ بِهِ، إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَهُ، فَتَبْطُلَ صَلَاتُهُمَا([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
وأما الفأفاء فهو الذي يكرر الفاء. ونحوه؛ كالتمتام وهو الذي يكرر التاء.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَتُكْرَهُ إمَامَةُ التَّمْتَامِ - وَهُوَ مَنْ يُكَرِّرُ التَّاءَ - وَالْفَأْفَاءِ - وَهُوَ مَنْ يُكَرِّرُ الْفَاءَ - وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَأْتِيَانِ بِالْحُرُوفِ عَلَى الْكَمَالِ، وَيَزِيدَانِ زِيَادَةً هُمَا مَغْلُوبَانِ عَلَيْهَا، فَعُفِيَ عَنْهَا، وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُهُمَا؛ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))))اهـ.
قوله: (وَسُنَّ وُقُوفُ الْمَأْمُومِينَ خَلْفَ الْإِمَامِ): أي: إن كانوا اثنين فأكثر؛ ودليل ذلك حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ، دَعَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: «قُومُوا فَأُصَلِّيَ لَكُمْ»، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ، قَالَ: فَجِئْتُ حَتَّى قُمْتُ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ جَاءَ فَقَامَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْنَا جَمِيعًا، فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
وجاز للمأمومين الوقوفُ عن جانبي الإمام؛ ودليل ذلك حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ عَلْقَمَةُ، وَالْأَسْوَدُ، عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدْ كُنَّا أَطَلْنَا الْقُعُودَ عَلَى بَابِهِ، فَخَرَجَتِ الْجَارِيَةُ فَاسْتَأْذَنَتْ لَهُمَا، فَأَذِنَ لَهُمَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَجَعَلَ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
ولا يجوز للمأموم الوقوفُ أمام الإمام - إلا لضرورة - لأن ذلك لم يَرِد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))».
ولقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِه».
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((صَلَاةُ الْمَأْمُومِ قُدَّامَ الْإِمَامِ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا تَصِحُّ مُطْلَقًا - وَإِنْ قِيلَ: إنَّهَا تُكْرَهُ - وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا؛ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِمَا.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا تَصِحُّ مَعَ الْعُذْرِ دُونَ غَيْرِهِ؛ مِثْلَ مَا إذَا كَانَ زَحْمَةً فَلَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ أَوِ الْجِنَازَةَ إلَّا قُدَّامَ الْإِمَامِ؛ فَتَكُونُ صَلَاتُهُ قُدَّامَ الْإِمَامِ خَيْرًا لَهُ مِنْ تَرْكِهِ لِلصَّلَاةِ.
وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ؛ وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَأَرْجَحُهَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ تَرْكَ التَّقَدُّمِ عَلَى الْإِمَامِ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ، وَالْوَاجِبَاتُ كُلُّهَا تَسْقُطُ بِالْعُذْرِ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ؛ فَالْوَاجِبُ فِي الْجَمَاعَةِ أَوْلَى بِالسُّقُوطِ؛ وَلِهَذَا يَسْقُطُ عَنِ الْمُصَلِّي مَا يَعْجِزُ عَنْهُ مِنَ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَاللِّبَاسِ وَالطَّهَارَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8))))اهـ.
قوله: (وَالْوَاحِدِ عَنْ يَمِينِهِ وُجُوبًا): أي: لو كان المأموم واحدًا وجب عليه الوقوف عن يمين الإمام؛ فإن وقف عن يساره مع خلوِّ يمينه بطلت صلاته؛ ودليل ذلك حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَقُمْتُ أُصَلِّي مَعَهُ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِرَأْسِي، فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
وحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، المتقدم؛ وفيه: فَجِئْتُ حَتَّى قُمْتُ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10)).
قالوا: وهذا الفعل يدل على الوجوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لمْ يُقرهما وهو في الصلاة؛ فكان بمثابة الأمر.
فإن قيل: فلماذا لمْ ينسحب الحكم بالوجوب على صلاة الجماعة خلف الإمام، وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع جابر وجبَّار مثل ما فعل مع ابن عباس؛ حيث أخذهما فدفعهما خلفه؟
قلنا: لأن حديث جابر رضي الله عنه قد صُرف عن الوجوب بحديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه وقف بين علقمة والأسود.
وفي رواية عن أحمد([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11)) – وهو الصحيح، والله أعلم – أن وقوف المأموم عن يسار الإمام ولو مع خلوِّ اليمين سُنَّة مؤكدة ولا تَبطل به الصلاة.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((وأكثرُ أهلِ العِلْمِ يقولون بصحَّةِ الصَّلاةِ عن يسار الإِمامِ مع خُلُوِّ يمينِهِ، وأنَّ كون المأمومِ الواحدِ عن يمين الإِمامِ إنَّما هو على سبيلِ الأفضليَّةِ، لا على سبيلِ الوجوبِ، واختار هذا القولَ شيخُنا عبدُ الرَّحمن بن سَعدي رحمه الله([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)).
ودفعوا الاستدلالَ بحديثِ ابنِ عبَّاس: بأنَّ هذا فِعْلٌ مجرَّدٌ، والفِعلُ المجرَّدُ لا يدلُّ على الوجوبِ؛ هذه قاعدةٌ أصوليَّةٌ؛ (أنَّ فِعْلَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم المُجرَّدَ لا يدلُّ على الوجوبِ)؛ لأنَّه لو كان للوجوبِ لقالَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لعبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ: (لا تَعُدْ لمثلِ هذا)؛كما قال ذلك لأبي بَكْرة حين رَكَعَ قبل أنْ يدخلَ في الصَّفِّ([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13))))اهـ.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ((معجم مقاييس اللغة)) (5/ 239، 240).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((المغني)) (2/ 146).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) السابق.

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) متفق عليه: أخرجه البخاري (380)، ومسلم (658).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) أخرجه مسلم (3010).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) أخرجه مسلم (534)، وأبو داود (613).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) متفق عليه: أخرجه البخاري (7246)، ومسلم (674)، واللفظ للبخاري.

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) ((مجموع الفتاوى)) (23/ 404، 405).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) متفق عليه: أخرجه البخاري (699)، ومسلم (763).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) أخرجه مسلم (3010).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) ذكرها برهان الدين ابن مفلح في ((المبدع شرح المقنع)) (2/ 92).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) انظر: ((المختارات الجلية)) للسعدي (48).

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) ((الشرح الممتع)) (4/ 267).

محمد طه شعبان
2014-12-16, 01:17 AM
قوله: (وَمَنْ صَلَّى عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ مَعَ خُلُوِّ يَمِينِهِ أَوْ فَذًّا رَكْعَةً لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ): فأما صلاة المأموم عن يسار الإمام مع خلوِّ يمينه فقد تقدم الكلام عنها، وأنها تصح.
وأما صلاة المأموم خلف الإمام أو خلف الصف فَذًّا وحده، فلا تصح؛ ودليل ذلك حديث عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَايَعْنَاهُ، وَصَلَّيْنَا خَلْفَهُ، ثُمَّ صَلَّيْنَا وَرَاءَهُ صَلَاةً أُخْرَى، فَقَضَى الصَّلَاةَ، فَرَأَى رَجُلًا فَرْدًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ، قَالَ: فَوَقَفَ عَلَيْهِ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ انْصَرَفَ، قَالَ: «اسْتَقْبِلْ صَلَاتَكَ؛ فَلَا صَلَاةَ لِفَرْدٍ خَلْفَ الصَّفِّ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
وَعَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّى رَجُلٌ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعِيدَ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
فدلَّ الحديثان على بُطلان صلاة المنفرد خلف الصف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعادة الصلاة، ولأن حديث شيبان فيه نفي لصلاة المنفرد؛ والقاعدة: (أن الأصل في النفي أنه نفي للصحة حتى يأتي صارف) ولا صارف هنا.
إلا إذا كان الوقوف لعدم وجود مكان في الصف، فيجوز؛ للضرورة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((قَوْلُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ خَلْفَ الصَّفِّ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ حَدِيثَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ الْمُصَلِّيَ خَلْفَ الصَّفِّ بِالْإِعَادَةِ وَقَالَ: ((لَا صَلَاةَ لِفَذِّ خَلْفَ الصَّفِّ))، وَقَدْ صَحَّحَ الْحَدِيثَيْنِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَأَسَانِيدُهُم َا مِمَّا تَقُومُ بِهِمَا الْحُجَّةُ؛ بَلِ الْمُخَالِفُونَ لَهُمَا يَعْتَمِدُونَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَسَائِلِ عَلَى مَا هُوَ أَضْعَفُ إسْنَادًا مِنْهُمَا، وَلَيْسَ فِيهِمَا مَا يُخَالِفُ الْأُصُولَ؛ بَلْ مَا فِيهِمَا هُوَ مُقْتَضَى النُّصُوصِ الْمَشْهُورَةِ وَالْأُصُولِ الْمُقَرَّرَةِ؛ فَإِنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ سُمِّيَتْ جَمَاعَةً لِاجْتِمَاعِ الْمُصَلِّينَ فِي الْفِعْلِ مَكَانًا وَزَمَانًا؛ فَإِذَا أَخَلُّوا بِالِاجْتِمَاعِ الْمَكَانِيِّ أَوِ الزَّمَانِيِّ مِثْلَ أَنْ يَتَقَدَّمُوا أَوْ بَعْضُهُمْ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ يَتَخَلَّفُوا عَنْهُ تَخَلُّفًا كَثِيرًا لِغَيْرِ عُذْرٍ كَانَ ذَلِكَ مَنْهِيًّا عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ؛ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا مُفْتَرِقِينَ غَيْرَ مُنْتَظِمِينَ؛ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا خَلْفَ هَذَا وَهَذَا خَلْفَ هَذَا كَانَ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْأُمُورِ الْمُنْكَرَةِ؛ بَلْ قَدْ أُمِرُوا بِالِاصْطِفَافِ ، بَلْ أَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَقْوِيمِ الصُّفُوفِ وَتَعْدِيلِهَا وَتَرَاصِّ الصُّفُوفِ وَسَدِّ الْخَلَلِ وَسَدِّ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، كُلُّ ذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي تَحْقِيقِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى أَحْسَنِ وَجْهٍ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الِاصْطِفَافُ وَاجِبًا لَجَازَ أَنْ يَقِفَ وَاحِدٌ خَلْفَ وَاحِدٍ وَهَلُمَّ جَرَّا؛ وَهَذَا مِمَّا يَعْلَمُ كُلُّ أَحَدٍ عِلْمًا عَامًّا أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ صَلَاةَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ هَذَا مِمَّا يَجُوزُ لَفَعَلَهُ الْمُسْلِمُونَ وَلَوْ مَرَّةً، بَلْ وَكَذَلِكَ إذَا جَعَلُوا الصَّفَّ غَيْرَ مُنْتَظِمٍ؛ مِثْلَ أَنْ يَتَقَدَّمَ هَذَا عَلَى هَذَا وَيَتَأَخَّرَ هَذَا عَنْ هَذَا لَكَانَ ذَلِكَ شَيْئًا قَدْ عُلِمَ نَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ؛ بَلْ إذَا صَلَّوْا قُدَّامَ الْإِمَامِ كَانَ أَحْسَنَ مِنْ مِثْلِ هَذَا؛ فَإِذَا كَانَ الْجُمْهُورُ لَا يُصَحِّحُونَ الصَّلَاةَ قُدَّامَ الْإِمَامِ إمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَكَيْفَ تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِ الِاصْطِفَافِ؟ فَقِيَاسُ الْأُصُولِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الِاصْطِفَافِ وَأَنَّ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ لَا تَصِحُّ كَمَا جَاءَ بِهِ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ وَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ لَمْ تَبْلُغْهُ هَذِهِ السُّنَّةُ مِنْ وَجْهٍ يَثِقُ بِهِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ لَمْ يَسْمَعْهَا، وَقَدْ يَكُونُ ظَنَّ أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ.
وَاَلَّذِينَ عَارَضُوهُ احْتَجُّوا بِصِحَّةِ صَلَاةِ الْمَرْأَةِ مُنْفَرِدَةً كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ أَنَسًا وَالْيَتِيمَ صُفَّا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصُفَّتْ الْعَجُوزُ خَلْفَهُمَا. وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى صِحَّةِ وُقُوفِهَا مُنْفَرِدَةً إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْجَمَاعَةِ امْرَأَةٌ غَيْرَهَا كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ.
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِوُقُوفِ الْإِمَامِ مُنْفَرِدًا.
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ لَمَّا رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّفِّ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((زَادَك اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ).
وَهَذِهِ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ لَا تُقَاوِمُ حُجَّةَ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ؛ وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ وُقُوفَ الْمَرْأَةِ خَلْفَ صَفِّ الرِّجَالِ سُنَّةٌ مَأْمُورٌ بِهَا وَلَوْ وَقَفَتْ فِي صَفِّ الرِّجَالِ لَكَانَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا، وَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ يُحَاذِيهَا؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ.
وَأَمَّا وُقُوفُ الرَّجُلِ وَحْدَهُ خَلْفَ الصَّفِّ فَمَكْرُوهٌ وَتَرْكٌ لِلسُّنَّةِ بِاتِّفَاقِهِمْ ؛ فَكَيْفَ يُقَاسُ الْمَنْهِيُّ بِالْمَأْمُورِ بِهِ؟
وَكَذَلِكَ وُقُوفُ الْإِمَامِ أَمَامَ الصَّفِّ هُوَ السُّنَّةُ؛ فَكَيْفَ يُقَاسُ الْمَأْمُورُ بِهِ بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ؟
وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ إنَّمَا هُوَ قِيَاسُ الْمَسْكُوتِ عَلَى الْمَنْصُوصِ، أَمَّا قِيَاسُ الْمَنْصُوصِ عَلَى مَنْصُوصٍ يُخَالِفُهُ فَهُوَ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ؛ كَقِيَاسِ الرِّبَا عَلَى الْبَيْعِ وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَرْأَةَ وَقَفَتْ خَلْفَ الصَّفِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْ تُصَافُّهُ وَلَمْ يُمْكِنْهَا مُصَافَّةَ الرِّجَالِ؛ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مَعَهَا فِي الصَّلَاةِ امْرَأَةٌ لَكَانَ مِنْ حَقِّهَا أَنْ تَقُومَ مَعَهَا وَكَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الرَّجُلِ الْمُنْفَرِدِ عَنْ صَفِّ الرِّجَالِ.
وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَجِدَ الرَّجُلُ مَوْقِفًا إلَّا خَلْفَ الصَّفِّ فَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْمُبْطِلِينَ لِصَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ وَإِلَّا ظَهَرَ صِحَّةُ صَلَاتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِأَنَّ جَمِيعَ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))))اهـ.
وهذا كلام ثمين للعلامة ابن عثيمين؛ قال رحمه الله: ((الوسطُ هو الرَّاجحُ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))، وأنَّه إذا كان لعُذرٍ صحَّتِ الصَّلاةُ؛ لأنَّ نَفْيَ صحَّةِ صلاةِ المنفردِ خلفَ الصَّفِّ يدلُّ على وجوبِ الدُّخولِ في الصَّفِّ؛ لأنَّ نَفْيَ الصِّحَّةِ لا يكون إلا بفعلِ مُحرَّمٍ أو تَرْكِ واجبٍ، فهو دالٌّ على وجوبِ المُصافَّةِ، والقاعدةُ الشرعيةُ: (أنَّه لا واجبَ مع العجزِ)، لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وقوله: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، فإذا جاء المصلِّي ووَجَدَ الصَّفَّ قد تَمَّ فإنَّه لا مكان له في الصَّفِّ، وحينئذٍ يكون انفرادُه لعُذرٍ فتصِحُّ صلاتُه، وهذا القولُ وسطٌ، وهو اختيارُ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيمية رحمه الله، وشيخِنا عبد الرحمن بن سَعدي([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)). وهو الصَّوابُ.
فإن قال قائل: لماذا لا تقولون بأنْ يجذِبَ أحدَ النَّاسِ مِن الصَّفِّ؟([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))
فالجواب: إنَّنا لا نقولُ بذلك؛ لأنَّ هذا يستلزمُ مَحاذير:
المحذور الأول: التَّشويش على الرَّجُلِ المَجذوبِ.
المحذور الثاني: فَتْحُ فُرْجَةٍ في الصَّفِّ، وهذا قَطْعٌ للصَّفِّ، ويُخشى أن يكون هذا مِن بابِ قَطْعِ الصَّفِّ الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَن قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللهُ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))».
المحذور الثالث: أنَّ فيه جِنايةً على المَجذوبِ بنَقْلِهِ مِن المكان الفاضلِ إلى المكانِ المفضولِ.
المحذور الرابع: أنَّ فيه جِنايةً على كلِّ الصَّفِّ؛ لأنَّ جميعَ الصَّفِّ سوف يتحرَّكُ لانفتاح الفُرْجَةِ مِن أجلِ سَدِّهَا.
فإن قال قائلٌ: أفلا نأمرُه أن يصلِّيَ إلى جَنْبِ الإِمامِ؟
قلنا: لا نأمرُه أن يصلِّيَ إلى جَنْبِ الإِمامِ؛ لأنَّ في ذلك ثلاثة محاذير:
المحذور الأول: تخطِّي الرِّقابِ، فإذا قَدَّرنا أنَّ المسجدَ فيه عشرةُ صفوفٍ، فجاءَ الإِنسانُ ولم يجدْ مكانًا، وقلنا: اذهبْ إلى جَنْبِ الإِمامِ فسوف يتخطَّى عشرةَ صفوفٍ؛ بل لو لم يكن إلا صَفٌّ واحدٌ فقد تَخطَّى رقابَهم.
المحذور الثاني: أنَّه إذا وَقَفَ إلى جَنْبِ الإِمامِ خالفَ السُّنَّة في انفرادِ الإِمامِ في مكانِه؛ لأنَّ الإِمامَ موضعُه التقدُّم على المأمومِ، فإذا شارَكه أحدٌ في هذا الموضعِ زالت الخُصوصيَّة.
المحذور الثالث: أننا إذا قلنا: تقدَّمْ إلى جَنْبِ الإِمامِ، ثم جاء آخرٌ قلنا له: تقدَّمْ إلى جَنْبِ الإِمام، ثم ثانٍ، وثالث، حتى يكون عند الإِمامِ صفٌّ كاملٌ، لكن لو وَقَفَ هذا خلفَ الصَّفِّ لكان الدَّاخلُ الثاني يصفُّ إلى جَنْبِهِ، فيكونان صفًّا بلا محذور.
فإن قال قائلٌ: لماذا لا تأمرونه أن يبقى، فإن جاءَ معه أحدٌ، وإلا صَلَّى وحدَه منفردًا؟
قلنا: في هذا محذوران:
المحذور الأول: أنَّه ربَّما ينتظِرُ فتفوتُه الرَّكعة، وربَّما تكون هذه الرَّكعةُ هي الأخيرةُ فتفوتُه الجماعةُ.
المحذور الثاني: أنه إذا بقيَ وفاتتْهُ الجماعةُ فإنَّه حُرِمَ الجماعةَ في المكانِ وفي العملِ، وإذا دَخَلَ مع الإِمامِ وصَلَّى وحدَه منفردًا، فإننا نقول على أقلِّ تقدير: حُرِم المكان فقط، أما العملُ فقد أدركَ الجماعةَ، فأيُّهما خيرٌ أنْ نحرِمه الجماعةَ في العمل والمكان، أو في المكان فقط؟
الجواب: في المكان فقط، هذا لو قلنا: إنَّه في هذه الحال يكون مرتكبًا لمحذور، مع أنَّ الرَّاجحَ عندي أنَّه إذا تعذَّرَ الوقوفَ في الصَّفِّ، فإنَّه إذا صَفَّ وحدَه لم يرتكب محظورًا([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8))))اهـ.
قوله: (وَإِذَا جَمَعَهُمَا مَسْجِدٌ صَحَّتِ الْقُدْوَةُ مُطْلَقًا؛ بِشَرْطِ الْعِلْمِ بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ): وَإِذا جَمعهمَا - أَي: الإِمَام وَالْمَأْمُوم - مَسْجِد صح الِاقْتِدَاءُ مُطلقًا؛ أَي: سَوَاء رأى الإِمَام الْمَأْمُوم أَو مَنْ وَرَاءه، أَو لَمْ يَرَهُ؛ بِشَرْط الْعلم بانتقالات الإِمَام؛ بِسَمَاع تَكْبِيره أو سماع تكبير مبلغ؛ حتى تصح القدوة.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) أخرجه أحمد (16297)، وابن ماجه (1003)، وغيرهما، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (2/ 329)، وكذا صححه محققو المسند.

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه أحمد (18000)، وأبو داود (682)، والترمذي (230)، وقال: ((حديث حسن))، وابن ماجه (1004)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (541).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) أي: الوسط بين الأقوال الثلاثة الواردة في المسألة: القول الأول: الجواز مطلقًا. القول الثاني: المنع مطلقًا. القول الثالث: المنع إلا لضرورة.

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((مجموع الفتاوى)) (23/ 393- 396).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) انظر: ((المختارات الجلية)) (48).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) وقد ورد في هذا حديث عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ، أَنَّ رَجُلًا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَى مِنْ خَلْفِهِ كَمَا يَرَى مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا دَخَلْتَ فِي الصَّفِّ، أَوْ جَذَبْتَ رَجُلًا صَلَّى مَعَكَ؛ أَعِدِ الصَّلَاةَ.
أخرجه ابن الأعرابي في ((معجمه)) (1268)، وهو حديث ضعيف جدًّا، قال الألباني في ((الإرواء)) (2/ 326): ((إسناده واهٍ)).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) أخرجه أحمد (5724)، وأبو داود (666)، والنسائي (819)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (6590)، وكذا صححه محققو المسند.

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) ((الشرح الممتع)) (4/ 272- 274).

أم علي طويلبة علم
2014-12-16, 10:49 PM
قوله: «والتراويح عشرون» . «التراويح» مبتدأ، و«عشرون» خبر المبتدأ، والتراويح سُنَّة مؤكَّدة؛ لأنها من قيام رمضان، وقد قال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ قامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّم مِن ذَنْبِهِ» ،
وسُمِّيت تراويح؛ لأنَّ مِن عادتهم أنَّهم إذا صَلُّوا أربعَ ركعات جلسوا قليلاً ليستريحوا؛ بناءً على حديث عائشة رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يُصلِّي أربعاً فلا تسألْ عن حُسنِهِنَّ وطولِهِنَّ، ثم يُصلِّي أربعاً فلا تسألْ عن حُسنِهِنَّ وطُولِهنَّ ثم يُصلِّي ثلاثاً ، ووَجْهُ ذلك أنَّها قالت: «يُصلِّي أربعاً ثم» و«ثم» تدلُّ على التَّرتيب بمُهْلَة، وأنَّه هناك فاصلاً بين الأربع الأُولى والأربع الثانية والثَّلاث الأخيرة، وهذه الأربع يُسَلِّمُ مِن كلِّ رَكعتين كما جاءَ ذلك مصرَّحاً به في حديث عائشة: أنه كان يُصلِّي إحدى عشرة ركعة يُسَلِّمُ مِن كُلِّ ركعتين.

خلافاً لمن تَوهَّم مِن بعض طلبة العِلم أنَّ الأربعَ الأُولى تُجمع بتسليمٍ واحدٍ، والأربعَ الثانية تُجمع كذلك، فإنَّ ذلك وَهْمٌ، سببُه عدم تتبُّعِ طُرقِ الحديث مِن وجه، وعدم النَّظر إلى الحديث العام حديث ابن عُمرَ رضي الله عنهما مِن وجهٍ آخر، وهو أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم سُئل عن صلاة الليل فقال: «مَثْنَى مَثْنَى».
وعلى هذا؛ فكلُّ حديث مطلق في عدد الرَّكعات في الليل يجب أنْ يُحملَ على هذا الحديث المقيَّد، وهو أنها مَثْنَى مَثْنَى.
أما ما صُرِّحَ فيه بعدم ذلك كالوِتر بخمس أو سبع أو تسع ، فهذا يكون مُخصِّصاً لعموم هذا الحديث.

فإن قيل: لماذا قالت عائشة: «يُصلِّي أربعاً، ثم يُصلِّي أربعاً» ؟.
فالجواب : أن نقول: لأنَّه جَمَعَ الأربع الأُولى في آنٍ واحد، فصَلَّى ركعتين، ثم وَصَلَهُمَا فوراً بالرَّكعتين الأُخريين، ثم جَلَسَ وأمهل، ثم استأنف وصَلَّى ركعتين، ثم أَتبعَهُمَا بركعتين، ثم جَلَسَ فأمهل، ثم صَلَّى ثلاثاً، فأخذ السَّلف مِن هذا أن يُصلُّوا أربع ركعات بتسليمتين، ثم يستريحوا، ثم يصلُّوا أربعاً بتسليمتين، ثم يستريحوا، ثم يصلُّوا ثلاثاً إذا قاموا بإحدى عشرة ركعة.

وقوله: «عشرون ركعة» فإذا أضفنا إليها أدنى الكمال في الوِتر تكون ثلاثاً وعشرين، فيُصلِّي التَّراويح عشرين رَكعة، ثم يُصلِّي الوِتر ثلاث ركعات، ويكون الجميعُ ثلاثاً وعشرين رَكعة، فهذا قيامُ رمضان.
والدَّليلُ: ما روى أبو بكر عبد العزيز في «الشَّافي» عن ابن عباس أن النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يُصلِّي في شهر رمضان عِشرين رَكعة ، لكن هذا الحديث ضعيف لا يصحُّ عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، والذي صَحَّ عنه ما روته عائشةُ أمُّ المؤمنين رضي الله عنها أنه كان لا يزيدُ على إحدى عشرة رَكعةً. فقد سُئلت: كيف كانت صلاةُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في رمضان؟ فقالت: كان لا يزيدُ في رمضانَ ولا غيره على إحدى عشرة ركعة . وهذا نصٌّ صريحٌ مِن عائشةَ، وهي مِن أعلم النَّاس به فيما يفعله ليلاً.

فإنْ قال قائل: قد ذُكر عن عُمرَ أنه أمر أُبيَّ بنَ كعب أنْ يُصلِّي بالنَّاس بثلاث وعشرين ركعة؟ .
قلنا: هذا أيضا ليس بصحيح، وإنما روى يزيدُ بنُ رومان قال: «كان النَّاسُ يصلُّون في عهد عُمرَ في رمضان ثلاثاً وعِشرين ركعةً» ويزيد بنُ رُومان لم يدركْ عهدَ عُمرَ، فيكون في الحديث انقطاعٌ. ثم الحديث ليس فيه نصٌّ على أنَّ عُمرَ اطَّلعَ على ذلك فأَقرَّه، ولا يَرِدُ على هذا أنَّ ما فُعل في عهد النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم ولم يُنكرْه فإنه يكون مرفوعاً حكماً؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم إنْ كان عَلِمَه فقد أقرَّه، وإنْ لم يكن عَلِمَه فقد أقرَّه الله تعالى، ولكن روى مالكٌ في «الموطأ» بإسنادٍ مِن أصحِّ الأسانيد أن عُمرَ بن الخطاب رضي الله عنه أَمَرَ تَميماً الدَّاريَّ وأُبيَّ بنَ كعب أنْ يقوما بالنَّاس بإحدى عشرةَ ركعةً . وهذا نصٌّ صريحٌ، وأَمْرٌ مِن عُمرَ رضي الله عنه، وهو اللائقُ به رضي الله عنه، لأنَّه مِن أشدِّ النَّاسِ تمسُّكاً بالسُّنَّةِ، وإذا كان الرَّسولُ صلّى الله عليه وسلّم لم يَزِدْ على إحدى عشرةَ ركعةً، فإنَّنا نعتقد بأن عُمرَ بنَ الخطَّاب رضي الله عنه سوف يتمسَّك بهذا العدد.
وعلى هذا؛ فيكون الصحيح في هذه المسألة: أنَّ السُّنَّة في التَّراويح أن تكون إحدى عشرة ركعة، يُصلِّي عشراً شَفْعاً، يُسَلِّم مِن كُلِّ ركعتين، ويُوتِر بواحدة.
والوِترِ كما قال ابنُ القيم: هو الواحدة ليس الرَّكعات التي قَبْله ، فالتي قَبْله مِن صلاة الليل، والوِتر هو الواحدة، وإنْ أوترَ بثلاث بعد العشر وجعلها ثلاثَ عشرةَ ركعةً فلا بأس، لأن هذا أيضاً صَحَّ مِن حديث عبدِ الله بنِ عباس رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم صَلَّى ثلاثَ عَشْرةَ ركعةً».
فهذه هي السُّنَّةُ، ومع ذلك لو أنَّ أحداً من النَّاس صَلَّى بثلاثَ وعشرين، أو بأكثرَ مِن ذلك فإنه لا يُنكر عليه؛ ولكن لو طالب أهلُ المسجد بأن لا يتجاوز عددَ السُّنَّةِ كانوا أحقَّ منه بالموافقة؛ لأن الدَّليل معهم. ولو سكتوا ورضوا؛ فَصَلَّى بهم أكثر من ذلك فلا مانع.
ولا فَرْقَ في هذا العدد بين أوَّلِ الشَّهرِ وآخره. وعلى هذا؛ فيكون قيامُ العشرِ الأخيرة كالقيام في أوَّل الشَّهر.
فإذا قلنا: إنَّ الأفضل إحدى عشرةَ في العشرين الأُولى، قلنا: إنَّ الأفضل إحدى عشرة في العشر الأخيرة ولا فَرْقَ؛ لأنَّ عائشة رضي الله عنها تقول: «ما كان يزيد في رمضان ولا غيره» ولم تَسْتَثْنِ العشرَ الأواخرَ، لكن تختصُّ العشر الأواخر بالإطالة فإن الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم كان يقومُ فيها الليلَ كلَّه. وعلى هذا؛ فيطيل.
لكن لو اختارَ أهلُ المسجد أنْ يقصرَ بهم القراءةَ والرُّكوعَ والسُّجودَ، ويكثِرَ مِن عددِ الرَّكعات، وقالوا له: إنَّ هذا أرفقُ بنا، فلا حرج عليه إذا وافقهم؛ لعموم قولِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «يَسِّروا ولا تُعسِّروا» وعموم قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: «إذا أمَّ أحدُكم الناسَ فَلْيُخَفِّفْ» وما دام الأمرُ غيرَ محظور علينا، فإن تيسيرنا على مَنْ ولاَّنا اللهُ عليه أَولى وأحسنُ، والإِمامُ وَلِيُّ المسجد؛ مُولَّى على المأمومين، ولهذا يُقال: إمام، والإمامُ مَنْ له الإمرة عليهم فيما يتعلَّق بالصَّلاة؛ فيأمرهم باعتدال الصُّفوف، وتسويتها، فإذا طَلَبَ المُولَّى عليهم أنْ يرفقَ بهم بكثرة العدد مع تخفيف الرُّكوع والسُّجود والقِراءة فليس في هذا بأس.

...وقوله: «عشرون ركعة» هل بَيَّنَ المؤلِّفُ حكم التَّراويح، أم لا؟
الجواب : نعم، بَيَّنَ حكمها أولَ البابِ حيث قال: «آكدُها كسوف، ثم استسقاء، ثم تراويح» إذاً؛ فالتَّراويحُ سُنَّةٌ.

(تنبيه) هل الجماعة في التراويح مما سَنَّهُ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، أم ممَّا فَعَلَه عُمرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه؟
الجواب : ادَّعى بعضُ النَّاس أنها مِن سُنَنِ عُمرَ بن الخطاب، واستدلَّ لذلك بأنَّ عُمرَ بنَ الخطَّاب أَمَرَ أُبيَّ بنَ كعب وتميماً الدَّارِيَّ أنْ يقوما للنَّاس بإحدى عشرةَ رَكعةً . وَخَرَجَ ذات ليلة والنَّاسُ يصلُّون، فقال: نِعْمَتِ البِدْعةُ هذه ، وهذا يدلُّ على أنَّه لم يسبقْ لها مشروعية. وعلى هذا؛ فتكون مِن سُنَنِ عُمرَ لا مِن سُننِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم،
وحينئذٍ لنا أنْ نعارضَ فنقول: إنها ليست بسُنَّة؛ لأن سببها وُجِدَ في عهد الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم ولم يفعله، والقاعدة: أنَّ ما وُجِدَ سبُبُه في عهد النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم ولم يفعلْه فإنَّه ليس بسُنَّة، لأنه كيف يتركه الرَّسولُ والسببُ موجود؟ والسبب هنا رمضان؛ وهو موجود في عهد الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم، فلمَّا لم يفعلها لم تكن سُنَّة، وعلى هذا؛ فإذا صَلَّيت الفريضة في رمضان، فاذهبْ إلى بيتك وصَلِّ، ولا تصلِّ مع النَّاس.
ولكن؛ هذا قولٌ ضعيف، غَفَلَ قائلُه عمَّا ثَبَتَ في «الصَّحيحين» وغيرهما أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قام بأصحابه ثلاثَ ليالٍ، وفي الثالثة أو في الرَّابعة تخلَّف لم يُصَلِّ، وقال: «إنِّي خشيتُ أنْ تُفرضَ عليكم» فثبتتِ التَّراويحُ بسُنَّة النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، وذَكَرَ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم المانعَ مِن الاستمرار فيها، لا مِن مشروعيَّتها، وهو خَوْفُ أنْ تُفرضَ، وهذا الخوف قد زال بوفاة الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنه لمَّا مات صلّى الله عليه وسلّم انقطع الوحي فأُمِنَ مِن فرضيتها، فلمَّا زالت العِلَّةُ وهو خَوْفُ الفرضية بانقطاع الوحي ثَبَتَ زوال المعلول، وحينئذٍ تعود السُّنيَّة النبويَّة لها، ويبقى النَّظرُ؛ لماذا لم يفعل هذا أبو بكر؟
والجواب عن ذلك : أنْ يُقال: إن مُدَّة أبي بكر رضي الله عنه كانت سنتين وأشهراً، وكان مشغولاً بتجهيز الجيوش لقتال المرتدِّين وغيرهم، فكان مِن النَّاس مَن يُصلِّي وحدَه، ومنهم مَن يُصلِّي مع الرَّجُلين، ومنهم مَن يُصلِّي مع الثَّلاثة، فلما كان عُمرُ خرج ذات ليلة فوجدهم يُصلُّون أوزاعاً، فلم يعجبه هذا التَّفرُّق، وأمر تميماً الدَّاريَّ وأُبيَّ بنَ كعب أنْ يقوما للنَّاس جميعاً، ويُصلِّيا بالنَّاس إحدى عشرة ركعة ، وبهذا عرفنا أنَّ فِعْلَ عُمرَ ما هو إلا إعادة لأمرٍ كان مشروعاً.

فإن قال قائل: ما تقولون في قول عُمرَ: «نِعْمَتِ البِدعةُ» وهذا يدلُّ على أنها مبتدعة؟
فالجواب : أنَّ هذه البِدعةَ نسبيَّةٌ، فهي بِدعةٌ باعتبار ما سبقها، لا باعتبار أصل المشروعيَّة؛ لأنها بقيت في آخر حياة الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم وفي خلافة أبي بكر لم تُقَمْ، فلما استُؤنِفتْ إقامتُها، صارت كأنَّها ابتداء مِن جديد، ولا يمكن لعُمرَ بنِ الخطَّاب أنْ يُثني على بِدعةٍ شرعيَّةٍ أبداً، وقد قال النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام: «كُلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ».
والعجبُ أنَّ بعضَ أهل البِدع أخذ مِن قول عُمرَ: «نِعْمتِ البِدعةُ» باباً للبدعة، وصار يبتدع ما شاء ويقول: «نِعْمَت البِدعةُ هذه» ، ولا شَكَّ أن هذا مِن الأخذ بالمتشابه، حتى لو فُرضَ أنَّ عُمرَ رضي الله عنه ابتدعَ ـ وحاشاه مِن ذلك ـ فإنَّ له سُنَّة مُتَّبعة لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «عليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلفاءِ الراشدين مِن بعدي» فلستَ مثله، فكيف تقول: أبتدعُ، ونِعْمتِ البِدعةُ! فَعُمَر له سُنَّة متَّبعة.
مع أنَّنَا لا نعلم أنَّ عُمَرَ ابتدع شريعةً، إنَّما ابتدع سياساتٍ؛ لم تكن في عهد الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم؛ يرى أنَّ فيها مصلحة.
مثل: إلزامُه بالطلاق الثَّلاث أنْ يكون ثلاثاً .
ومثل: مَنْعُه مِن بَيْعِ أمهات الأولاد، مع أنَّهُنَّ يُبعنَ في عهد الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام.
ومثل: زيادة العقوبة في شُرب الخمر من نحو أربعين إلى ثمانين.
فهذه سياسات يرى أنها تُحقِّقُ المصلحةَ، لكن هل زاد عُمرُ في الصَّلوات وجعلها سِتًّا؟ لا، أو جعل ركعات الظُّهر خمساً؟ لا.

قوله: «تفعل في جماعةٍ» أي: تُصَلَّى التَّراويح جماعة، فإنْ صلاَّها الإنسانُ منفرداً في بيته لم يدرك السُّنَّة.
والدَّليل : فِعلُ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم، وأَمْرُ عُمرَ رضي الله عنه، وموافقةُ أكثرِ الصَّحابة على ذلك .

قوله: «مع الوتر» أي: أنهم يُوتِرون معها.
ودليل ذلك : أنَّ الرَّسولَ صلّى الله عليه وسلّم صَلَّى بالصَّحابة في ليلة ثلاثٍ وعشرين، وخمسٍ وعشرين، وسبعٍ وعشرين، في الليلة الأُولى ثُلث الليل، وفي الثانية نصف الليل، وفي الثالثة إلى قريب الفجر، ولمَّا قالوا له: لو نَفَّلْتَنَا بقيةَ ليلتنا قال: «مَنْ قامَ مع الإمام حتى ينصرفَ كُتب له قيامُ ليلةٍ».
وهذا يدلُّ على أنَّه يُوتِر، فينبغي أنْ يكون الوِترُ مع التَّراويح جماعة.
قوله: «بعد العشاء» أي: بعد صلاة العشاء، فلو صَلُّوا التَّراويحَ بين المغرب والعِشاء لم يدركوا السُّنَّة، وكذلك أيضاً ينبغي أن تكون بعد العِشاء وسنّتها، فإذا صَلُّوا العِشاء صَلُّوا السُّنَّة، ثم صَلُّوا التَّراويح، ثم الوِتر.


الشرح الممتع ( 2 / 48 / 60 )

أم علي طويلبة علم
2014-12-16, 10:54 PM
قوله: «تفعل في جماعةٍ» أي: تُصَلَّى التَّراويح جماعة، فإنْ صلاَّها الإنسانُ منفرداً في بيته لم يدرك السُّنَّة.
والدَّليل : فِعلُ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم، وأَمْرُ عُمرَ رضي الله عنه، وموافقةُ أكثرِ الصَّحابة على ذلك .


هل تستثنى المرأة ؟
أليس الأفضل للمرأة أن تصليها في بيتها ؟ وهل تدرك السنة ؟

محمد طه شعبان
2014-12-16, 11:34 PM
هل تستثنى المرأة ؟
أليس الأفضل للمرأة أن تصليها في بيتها ؟ وهل تدرك السنة ؟
نعم، تُستثنى المرأة لحديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ»، أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الألباني

أم علي طويلبة علم
2014-12-17, 12:09 AM
جزاكم الله خيرا ،،
هل ذكر من الصحابيات رضي الله عنهن من كانت تصلي التراويح في البيت ؟

محمد طه شعبان
2014-12-17, 12:19 AM
جزاكم الله خيرا ،،
هل ذكر من الصحابيات رضي الله عنهن من كانت تصلي التراويح في البيت ؟
روى ابن أبي شيبة (6149) حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «جَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابَ لِلنَّاسِ قَارِئِينَ فِي رَمَضَانَ، فَكَانَ أَبِي يُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَابْنُ أَبِي حَثْمَةَ يُصَلِّي بِالنِّسَاءِ».

أم علي طويلبة علم
2014-12-17, 12:31 AM
أحسن الله إليكم ،، هل يعني (بالناس) في المسجد ؟
و(بالنساء) في البيت ؟

محمد طه شعبان
2014-12-17, 12:39 AM
أحسن الله إليكم ،، هل يعني (بالناس) في المسجد ؟
و(بالنساء) في البيت ؟
بالتأكيد ليس الأمر كذلك؛ لأنَّ جَعْلَ عمر رضي الله عنه قارئًا للنساء يدل على أن ذلك كان لعامة النساء، فكن يخرجن من بيوتهن ويجتمعن في المسجد.

أم علي طويلبة علم
2014-12-18, 12:01 AM
قوله: «في رمضان» لأنَّ التَّراويحَ في غير رمضان بِدْعةٌ، فلو أراد النَّاس أنْ يجتمعوا على قيام الليل في المساجد جماعة في غير رمضان لكان هذا من البِدع.
ولا بأس أن يُصلِّي الإنسانُ جماعة في غير رمضان في بيته أحياناً؛ لفعل الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم: «فقد صَلَّى مرَّةً بابن عبَّاس ، ومرَّةً بابن مسعود ومرَّةً بحذيفة بن اليمان ، جماعة في بيته» لكن لم يتَّخذْ ذلك سُنَّة راتبةً، ولم يكن أيضاً يفعله في المسجد...

...قوله: «ويوتر المتهجد بعده» . «بعده» أي: بعد تهجُّده، أي: إذا كان الإنسان يحبُّ أنْ يتهجَّدَ بعد التراويح في آخر الليل، فلا يُوتر مع الإمام؛ لأنه لو أوتر مع الإِمام خالف أمرَ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وِتراً» ، وعلى هذا يوتر بعد تهجُّده، فإذا قام الإمام ليوتر ينصرف هو، ولا يوتر معه، هذا ما ذهب إليه المؤلِّفُ رحمه الله.
وقال بعض العلماء : بل يوتر مع الإمام ولا يتهجَّد بعده؛ لأن الصَّحابة لما طلبوا من النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أن ينفِّلَهم بقيَّة ليلتهم قال: «مَنْ قامَ مع الإمام حتى ينصرفَ كُتب له قيامُ ليلةٍ» وفي هذا إشارة إلى أن الأَولى الاقتصار على الصلاة مع الإمام؛ لأنه لم يرشدهم إلى أن يدعوا الوتر مع الإمام، ويصلُّوا بعده في آخر الليل؛ وذلك لأنه يحصُل له قيام الليل كأنه قامه فعلاً، فيكتب له أجر العمل مع راحته، وهذه نِعمة.

قوله: «فإن تبع إمامه شفعه بركعة» يعني: إذا تابع المتهجِّدُ إمامه فصلَّى معه الوتر أتمّه شفعاً، فأضاف إليه ركعة، وهذا هو الطريق الآخر للمتهجِّد؛ فيتابعُ إمامَهُ في الوِتر، ويشفعه بركعة؛ لتكون آخر صلاته بالليل وِتراً. فإذاً يتابع الإمام، فإذا سَلَّم الإمام من الوتر قام فأتى بركعة وسَلَّم، فيكون صَلَّى ركعتين، أي: لم يُوتر، فإذا تهجَّد في آخر الليل أوتر بعد التهجُّد، فيحصُل له في هذا العمل متابعة الإمام حتى ينصرف، ويحصُل له أيضاً أن يجعل آخر صلاته بالليل وِتراً، وهذا عمل طيب.

فإن قال قائل: مِن أين لكم أنَّه يجوزُ أنْ يخالفَ المأمومُ إمامَه بالزِّيادة على ما صَلَّى إمامُه، وقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنما جُعِلَ الإمامُ ليُؤتمَّ به» ؟
قلنا: دليلنا على هذا: أنَّ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم لمَّا كان يُصلِّي بأهل مَكَّة في غزوة الفتح كان يُصلِّي بهم ركعتين، ويقول: «يا أهلَ مكَّةَ، أتِمُّوا، فإنَّا قومٌ سَفْرٌ» فكانوا ينوون الأربع وهو ينوي ركعتين، فإذا سَلَّم مِنَ الرَّكعتين قاموا فأكملوا، وهذا الذي دَخَلَ مع إمامِهِ في الوِتر لم ينوِ الوِتر، وإنما نوى الشَّفعَ، فإذا سَلَّمَ إمامُهُ قامَ فأتى بالرَّكعة، وهذا قياسٌ واضحٌ لا إشكال فيه.

فإنْ قال قائل: ألا يخالفُ هذا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ قامَ مع الإمامِ حتى ينصرفَ كُتبَ له قيامُ ليلةٍ».
قلنا: لا يخالفه؛ لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لم يقل: مَنْ قامَ مع الإمام فانصرفَ معه كُتب له قيامُ ليلةٍ، بل جَعل غاية القيام حتى ينصرفَ الإمامُ، ومَنْ زاد على إمامه بعد سلامِهِ فقد قامَ معه حتى انصرفَ.

قوله: «ويكره التنفل بينها» يعني: أنَّ التنفُّلَ بين التَّراويح مكروه، وهذا يقعُ على وجهين:
الوجه الأول : أن يَتَنفَّلَ والنَّاس يصلُّون، وهذا لا شَكَّ في كراهته؛ لخروجه عن جماعة النّاس، إذ كيف تُصلِّي وحدك والمسلمون يصلُّون جماعة؟

فإن قال: أنا لم أُصَلِّ صلاةَ الفريضة، وأريد أنْ أصلِّي العِشاء؟
نقول: لا مانع، ادخلْ مع الإمام في التَّراويح بنيَّة الفريضة، أي: بنية العشاء، فإذا سَلَّم فَقُمْ وائتِ بركعتين إكمالاً للفريضة، إلا أن تكون مسافراً فَسلِّم معه، ثم ادخلْ معه في التَّراويح بنيَّة راتبة العشاء، إن لم تكن مسافراً، فإذا صَلَّيت راتبة العِشاء ادخلْ معه في التَّراويح، ولا يضرُّ اختلاف نيَّة الإمام والمأموم، أي: يجوز أن ينوي الإمام النَّافلة والمأموم الفريضة، وهذا ما نصَّ عليه الإمامُ أحمد: من أنَّه يجوز أن يُصلِّيَ الإنسان صلاة العشاء خلف من يُصلِّي التَّراويح.
الوجه الثَّاني: أن يُصلِّي بين التَّراويح إذا جلسوا للاستراحة، فنقول: لا تتنفَّل ولهذا قال: «يُكره التنفُّل بينها» .

قوله: «لا التعقيب في جماعة» أي: لا يُكره التَّعقيب بعد التَّراويح مع الوِتر، ومعنى التَّعقيب: أن يُصلِّيَ بعدها وبعد الوِتر في جماعة.
وظاهرُ كلامه: ولو في المسجد.
مثال ذلك: صَلّوا التَّراويح والوتر في المسجد، وقالوا: احضروا في آخر الليل لنقيم جماعة، فهذا لا يُكره على ما قاله المؤلِّف، ولكن هذا القول ضعيف، لأنه مستندٌ إلى أثر عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّه قال: «لا بأس به إنما يرجعون إلى خير يرجونه...» أي: لا ترجعوا إلى الصَّلاة إلا لخير ترجونه، لكن هذا الأثر ـ إنْ صَحَّ عن أنس ـ فهو مُعَارِض لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «اجْعَلوا آخِرَ صَلاتِكم بالليل وِتْراً» فإنَّ هؤلاء الجماعة صَلُّوا الوِتر، فلو عادوا للصَّلاة بعدها لم يكن آخرُ صلاتهم بالليل وِتراً، ولهذا كان القولُ الرَّاجحُ: أنَّ التَّعقيب المذكور مكروه، وهذا القول إحدى الرِّوايتين عن الإمام أحمد رحمه الله، وأطلق الروايتين في «المقنع» و«الفروع» و«الفائق» وغيرها، أي: أنَّ الروايتين متساويتان عن الإمام أحمد، لا يُرَجَّح إحداهما على الأخرى.
لكن لو أنَّ هذا التَّعقيبَ جاء بعد التَّراويح وقبل الوِتر، لكان القول بعدم الكراهة صحيحاً، وهو عمل النَّاس اليوم في العشر الأواخر من رمضان، يُصلِّي النَّاس التَّراويح في أول الليل، ثم يرجعون في آخر الليل، ويقومون يتهجَّدون.

قوله: «ثم السنن» أي: بعد التَّراويح السُّنَن الراتبة، وفي هذا شيء مِن النَّظر، لأنه مرَّ بنا في أوَّلِ كتابِ التَّطوعِ قولُ المؤلِّفِ: «آكدها كسوف، ثم استسقاء، ثم تراويح، ثم وِتر» ، فجعل الوِترَ يلي التراويح، ويُجاب عن ذلك بأحد وجهين:
إمَّا أنْ تكون «ثم السُّنَن الراتبة» للتَّرتيب الذِّكري.
وإما أن يكون العطفُ يلي قوله: «ثم وِتر»، أي: ثم يلي الوِتر السُّنَن الرَّواتب، فتكون السُّنن الرواتب في المرتبة الخامسة.

تابع/

أم علي طويلبة علم
2014-12-18, 12:03 AM
قوله: «الراتبة...» أي: الدَّائمة المستمِرَّة، وهي تابعة للفرائض: ركعتان قبل الظُّهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، هذه عشر ركعات.
إذاً؛ صلاةُ العصر ليس سُنَّة راتبة، وهو كذلك؛ لكن لها سُنَّة مطلقة، وهي: السُّنَّة الداخلة في عموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «بينَ كُلِّ أذانينِ صلاةٌ» .
وجَعَلَ المؤلِّفُ الرَّواتبَ عَشْراً؛ استناداً في ذلك إلى حديثِ عبدِ الله بنِ عُمرَ رضي الله عنهما قال: حَفِظْتُ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عَشْرَ رَكعات» وذكرها.
وهذا أحدُ القولين في المسألة.
والقول الثاني في المسألة: أنَّ السُّننَ الرَّواتبَ اثنتا عَشْرَةَ رَكعةً؛ استناداً إلى ما ثبت في «صحيح البخاري» مِن حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم لا يَدَعُ أربعاً قبل الظُّهرِ» وكذلك صَحَّ عنه: «أنَّ مَنْ صَلَّى اثنتي عشرة رَكعةً مِن غير الفريضة بنى اللهُ له بِهنَّ بيتاً في الجنَّة» وذكر منها «أربعاً قبل الظُّهر» والباقي كما سبق.
وعلى هذا؛ فالقول الصحيح: أنَّ الرَّواتب اثنتا عشرة ركعة: ركعتان قبل الفجر، وأربع قبل الظُّهر بسلامين وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العِشاء.
وفائدة هذه الرَّواتب: أنها تُرقِّعُ الخَللَ الذي يحصُلُ في هذه الصَّلوات المفروضة.

قوله: «وركعتان قبل الفجر وهما آكدها» أي: آكد هذه الرَّواتب.
ودليل آكديتها: قولُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «ركعتا الفَجْرِ خيرٌ مِن الدُّنيا وما فيها» الدُّنيا منذ خُلقت إلى قيام الساعة بما فيها مِن كُلِّ الزَّخارف مِن ذَهَبٍ وفضَّةٍ ومَتَاعٍ وقُصور ومراكب وغير ذلك، هاتان الرَّكعتان خيرٌ مِن الدُّنيا وما فيها؛ لأنَّ هاتين الرَّكعتين باقيتان والدُّنيا زائلة.
ودليل آخر على آكديتهما: أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم: «كان لا يدعهما حضراً ولا سفراً» .

وتختصُّ هاتان الرَّكعتان ـ أعني ركعتي الفجر بأمور ـ:
أولاً: مشروعيتهما في السَّفر والحضر.
ثانياً: ثوابهما؛ بأنهما خير من الدُّنيا وما فيها.
ثالثاً: أنه يُسَنُّ تخفيفهما، فَخَفِّفْهُمَا بقَدْرِ ما تستطيع، لكن بشرط أن لا تُخِلَّ بواجب؛ لأنَّ عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يُخَفِّفُ الركعتين اللتين قبل صَلاةِ الصُّبحِ، حتى إنِّي لأقولُ: هل قَرَأَ بأُمِّ الكتابِ»؟تعني: مِن شدَّة تخفيفه إيَّاهما.
رابعاً: أنْ يقرأ في الرَّكعة الأُولى بـ: {{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ *}} [الكافرون] ، وفي الثانية: بـ: {{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *}} [الإخلاص] ، أو في الأُوْلَى {{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ}} [البقرة: 136] الآية في سورة البقرة و{{قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا}} [آل عمران: 52] الآية في سورة آل عمران[(140)]. فتقرأ أحياناً بسورتي الإخلاص، وأحياناً بآيتي البقرة وآل عمران، وإن كنت لا تحفظ آيتي البقرة وآل عمران، فاقرأ بسورتي الإخلاص والكافرون .
خامساً: أنه يُسَنُّ بعدهما الاضطجاع على الجَنْبِ الأيمن، وهذا الاضطجاع اخْتَلَفَ العلماءُ فيه:
فمِنْهم مَن قال: إنَّه ليس بسُنَّةٍ مطلقاً.
ومِنْهم مَن قال: إنَّه سُنَّةٌ مطلقاً.
ومِنْهم مَن قال: إنه سُنَّةٌ لِمَن يقوم الليل؛ لأنَّه يحتاج إلى راحة حتى ينشطَ لصلاة الفجر.
ومِنْهم مَن قال: إنَّه شرط لصحَّة صلاة الفجر، وأنَّ مَنْ لم يضطجع بعد الرَّكعتين فصلاةُ الفجر باطلة. وهذا ما ذهب إليه ابنُ حَزْمٍ رحمه الله، وقال: إِنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إِذا صَلَّى أحدُكم ركعتي الفجر فليضطجع بعدهما» ، فأمر بالاضطجاع. لكن يُجاب بما يلي:
أولاً: هذا الحديث ضعيف، فلم يصحَّ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم مِن أمْرِه، بل صَحَّ مِن فِعْلِهِ.
ثانياً : ما علاقةُ هذا بصلاةِ الفَجْرِ! ولكن يدلُّكَ هذا على أنَّ الإنسانَ مهما بلغ في العلم فلا يسلم من الخطأ.
وأصحُّ ما قيل في هذا: ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو التفصيل، فيكون سُنَّةً لمن يقوم الليل؛ لأنَّه يحتاج إلى أن يستريحَ، ولكن إذا كان مِن الذين إذا وضع جَنْبَهُ على الأرض نام؛ولم يستيقظ إلا بعد مُدَّة طويلة؛ فإنه لا يُسَنُّ له هذا؛ لأن هذا يُفضي إلى تَرْكِ واجب.

قوله: «ومن فاته شيء منها سُنَّ له قضاؤه» «مَنْ» اسمُ شَرْطٍ، وفِعْلُ الشرط «فاته» ، وجوابُه «سُنَّ له قضاؤه» ، أي: مَنْ فاته شيءٌ مِن هذه الرَّواتب، فإنَّه يُسَنُّ له قضاؤه، بشرط أنْ يكون الفوات لعُذر.
ودليل ذلك : ما ثَبَتَ مِن حديث أبي هريرة وأبي قتادة في قِصَّة نَوْمِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وهم في السَّفَر عن صلاة الفجر، حيث صَلَّى النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم راتبة الفجر أولاً، ثم الفريضة ثانياً.
وكذلك أيضاً حديث أمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم شُغِلَ عن الرَّكعتين بعد صلاة الظُّهر؛ فقضاهما بعد صَلاة العصر» وهذا نَصٌّ في قضاء الرَّواتب.
وأيضاً: عموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ نَامَ عن صلاة؛ أو نسيها؛ فَلْيُصَلِّها إذا ذكرها»وهذا يَعمُّ الفريضةَ والنَّافلةَ، وهذا إذا تركها لعُذر؛ كالنسيان والنوم؛ والانشغال بما هو أَهَمُّ.
أما إذا تركها عمداً حتى فاتَ وقتُهَا فإنه لا يقضيها، ولو قضاها لم تصحَّ منه راتبة؛ وذلك لأَنَّ الرَّواتب عبادات مؤقَّتة، والعبادات المؤقَّتة إذا تعمَّد الإنسانُ إخراجَها عن وقتها لم تُقبل منه.
ودليل ذلك: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً ليس عليه أمْرُنَا فهو رَدٌّ» ، والعبادةُ المؤقَّتَةُ إِذا أخَّرتَها عن وقتها عمداً فقد عَمِلتَ عمَلاً ليس عليه أمرُ الله ورسوله، لأنَّ أَمْرَ الله ورسوله أنْ تصلِّيها في هذا الوقت، فلا تكون مقبولةً.
وأيضاً: فكما أنَّها لا تصحُّ قبل الوقت فلا تصحُّ كذلك بعدَه؛ لعدم وجود الفَرْقِ الصَّحيح بين أنْ تفعلها قبل دخول وقتها أو بعد خروج وقتها إذا كان لغير عُذر.
إذاً؛ قوله: «مَنْ فاتَه شيءٌ منها سُنَّ له قضاؤه» يُقيَّد بما إذا فاته لعُذر، ورُبَّما يُشعر به قوله: «مَنْ فاته شيء» لأن الفوات: سَبْق لا يدرك، والمؤلِّفُ لم يقل: «ومَنْ لم يصلِّها فليقضها» بل قال: «مَنْ فاته» ، ومنه قولهم: «مَنْ فاته الوقوف بعرفة فاته الحجُّ» .

قوله: «وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار» . اعلمْ أنَّ صلاة التطوُّع نوعان: نوعٌ مطلق، ونوعٌ مقيَّد.

أما المقيَّد: فهو أفضل في الوقت الذي قُيِّدَ به، أو في الحال التي قُيِّدَ بها.
فمثلاً: تحيُّة المسجد، إذا دخلته ولو في النَّهار أفضل من صلاة الليل؛ لأنها مقيَّدة بحال مِن الأحوال؛ وهي دخول المسجد، وسُنَّة الوُضُوء ـ إذا توضَّأت فإنه يُسَنُّ لك أن تُصَلِّيَ رَكعتين ـ أفضل من صلاة الليل ولو كانت في النَّهار؛ لأنها مقيَّدة بسبب مِن الأسباب.
أما المطلق: فهو في الليل أفضل منه في النَّهار، لقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «أفضلُ الصَّلاةِ بعدَ الفريضةِ صلاةُ اللَّيل» ، واللَّيلُ يدخل مِن غروب الشَّمس، فالصَّلاة مثلاً بين المغرب والعِشاء أفضل مِن الصَّلاة بين الظُّهر والعصر؛ لأنها صلاة ليل فهي أفضل.
والمطلق يُسَنُّ الإكثار منه كلَّ وقت؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم للرَّجُل الذي قال: أسألك مرافقتك في الجَنَّةِ؛ قال: أَوَ غَيْرَ ذلك، قال: هو ذاك قال: «فأعنِّي على نفسك بكثرة السُّجود» [(149)].

قوله: «وأفضلها» أي: أفضلُ وَقْتِ صلاة اللَّيلِ.
قوله: «ثُلُثُ الليل بعد نصفه» أي: أنك تقسم الليل أنصافاً، ثم تقوم في الثُّلثِ من النِّصفِ الثَّاني، وفي آخر الليل تنام.
ودليل ذلك: قَولُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «أفضلُ الصَّلاةِ صلاةُ داود، كان ينامُ نصفَ الليلِ، ويقومُ ثُلُثَه، وينام سُدُسَه» وفي «صحيح البخاري» عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما ألفاه ـ يعني النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم ـ السَّحَر عندي إلا نائماً» أي: أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان ينام في السَّحَر في آخر الليل.
وهناك تعليل : وهو أنَّ نوم الإنسان بعد القيام يُكسب البدنَ قُوَّةً ونشاطاً، فيقوم لصلاة الفجر وهو نشيط.
وأيضاً: إذا نامَ سُدُسَ الليلِ الآخرِ؛ نقضت هذه النَّومةُ سهره، وأصبح أمام النَّاس وكأنه لم يقمِ اللَّيلَ، فيكون في هذا إبعاداً له عن الرِّياء.
إذاً؛ الأفضل ثُلُث الليل بعد النِّصف؛ لينام في آخرِ الليل.

فإن قال قائل: لماذا لا تجعلون الأفضلَ ثُلُث الليلِ الآخرِ؛ لأنَّ ذلك وقت النُّزول الإلهي؟.
فالجواب : أنَّ الذي يقوم ثُلُث الليل بعد نصفه سوف يدرك النُّزول الإلهي؛ لأنه سيدرك النصف الأول مِن الثلث الأخير، فيحصُل المقصودُ، والنبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام هو الذي قال: «أفضلُ الصَّلاة صلاة داود».

مسألة : ما هو الليلُ المعتبرُ نصفُه؟
الظَّاهر: أنَّه مِن غروب الشَّمس إلى طُلُوع الفجر، فيكون نصف الليلِ في الشِّتاء بعد مضي سِتِّ ساعات مِن الغُروب؛ لأنَّ ليل الشِّتاء اثنتا عشرة ساعة، ويكون في بعض الأوقات بعد خمس ساعات مِن الغُروب؛ لأنَّ الليلَ يكون فيها حوالي عَشْرَ ساعات، فعُدَّ مِن غروب الشَّمس إلى طُلوع الفجر، ونصفُ ما بينهما هذا هو نصف الليل.

قوله: «وصلاة ليل ونهار مثنى مثنى» يعني: اثنتين اثنتين فلا يُصلِّي أربعاً جميعاً، وإنما يُصلِّي اثنتين اثنتين، لما ثبت في «صحيح» البخاري ومسلم مِن حديث ابن عُمرَ رضي الله عنهما أنَّ رَجُلاً سأل النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: ما ترى في صلاةِ اللَّيلِ؟ قال: «مَثْنى مَثْنى، فإذا خَشِيَ أحدُكم الصّبحَ؛ صَلَّى واحدةً فأوترت له ما قد صَلَّى».
وأما «النَّهار» فقد رواه أهل السُّنَن، واختلف العلماءُ في تصحيحه.
والصَّحيح: أنَّه ثابتٌ كما صَحَّح ذلك البخاريُّ رحمه الله. وعلى هذا؛ فتكون صلاةُ الليلِ وصلاةُ النَّهارِ كلتاهما مَثْنى مَثْنى يُسَلِّمُ مِن كُلِّ اثنتين، ويُبْنَى على هذه القاعدة كُلُّ حديثٍ وَرَدَ بلفظ الأربع مِن غير أن يُصرِّحَ فيه بنفي التَّسليم، أي: أنَّه إذا جاءك حديثٌ فيه أربع؛ ولم يُصرِّحْ بنفي التَّسليم؛ فإنه يجب أنْ يُحملَ على أنَّه يُسَلِّمُ مِن كُلِّ رَكعتين، لأنَّ هذه هي القاعدة، والقاعدةُ تُحمل الجزئيات عليها. فقول عائشة رضي الله عنها لما سُئلت عن صلاة النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في رمضان: «ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يُصَلِّي أربعاً، فلا تسأل عن حُسنِهِنَّ وطُولِهِنَّ»، ظاهره: أنَّ الأربع بسلام واحد، ولكن يُحمل هذا الظَّاهر على القاعدة العامَّة، وهي أنَّ صلاة الليل مَثْنى مَثْنى، كما ثبت ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ويُقال: إنها ذكرتْ أربعاً وحدها، ثم أربعاً وحدها؛ لأنَّه صَلَّى أربعاً ثم استراح، بدليل «ثم» التي للترتيب والمهلة. وقد سبقت هذه المسألة.



الشرح الممتع ( 4 / 60 -77 )

أم علي طويلبة علم
2014-12-20, 10:01 PM
قوله: «وإن تطوَّع» أي: صَلَّى صلاة تطوُّع في النَّهار، أي: لا في الليل.
قوله: «كالظُّهر» أي: بتشهُّدين، تشهُّد أول وتشهُّد ثاني.
قوله: «فلا بأس» أي: لا حرج؛ فتصحُّ صلاتُه، واستدلَّ في «الرَّوض» بحديث أبي أيوب: أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهر أربعاً لا يفصِلُ بينهن بتسليمٍ . ولكن الحديث ليس فيه أنَّ الأربع تكون بتشهُّدين، ولهذا نرى أنه إذا صَلَّى أربعاً بتشهُّدين فهو إلى الكراهة أقرب، بدليل أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا توتروا بثلاث لا تشبهوا بصلاة المغرب» ، وهو الصَّحيح، وهذا يدلُّ على أن الشَّارع يريد أن لا تلحق النَّوافل بالفرائض، والرَّجُل إذا تطوَّع بأربع وجعلها كالظُّهر بتشهُّدين فقد ألحق النَّافلة بالفريضة.
وهذا الحديث ـ إن صَحَّ عن النبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام أنه فَعَلَ هذا ـ فمن المعلوم أنَّ الواجبَ قَبولُه، ويكون مُستثنى مِن الحديث الذي هو قاعدة عامَّة في أنَّ صلاة الليل والنهار مثنى مثنى.

قوله: «وأجر صلاة قاعد على نصف أجر صلاة قائم» أي: تصحُّ صلاة القاعد لكنها على النِّصف مِن أجر صلاة القائم، والمراد هنا في النَّفل، ولهذا ساقها المؤلِّفُ رحمه الله في صلاة التطوُّع.
أما الفريضة؛ فصلاةُ القاعدِ القادرِ على القيام ليس فيها أجر؛ لأنها صلاة باطلة، لأنَّ مِن أركان الصَّلاة في الفريضة القيام مع القدرة.
وقوله: «أجر صلاة قاعد» مراده إذا كان قاعداً بلا عُذر، أما إذا كان قاعداً لعُذر، وكان من عادته أن يُصلِّي قائماً، فإنَّ له الأجر كاملاً لقولِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «إذا مَرِضَ العبدُ أو سافرَ؛ كُتب له مثلُ ما كان يعمل مقيماً صحيحاً».
وهذه مِن نِعَمِ الله التي تستوجب على العاقل أن يُكثر من النَّوافل ما دام في حال الصِّحَّة؛ لأن جميع النَّوافل التي يعملها في صحَّته إذا مَرِضَ وعَجِزَ عنها كُتبتْ له كاملة كأنه يفعلها.
أما إذا كان لغير عُذر فهو على النِّصفِ مِن أَجْرِ صلاة القائم، فإذا كان أَجْرُ صلاة القائم عشرَ حسناتٍ، كان لهذا القاعد خمسُ حسناتٍ، ووَرَدَ في الحديث أنَّ أجْرَ صلاةِ المُضْطجعِ على النِّصفِ من أجْرِ صلاةِ القاعد. لكن هذا الشَّطر مِن الحديث لم يأخذ به جمهورُ العلماء، ولم يروا صِحَّة صلاة المضطجع إلا إذا كان معذوراً.
وذهب بعضُ العلماء: إلى الأخذ بالحديث. وقالوا: يجوز أنْ يتنفلَ وهو مضطجع، لكن أجره على النصف من أجر صلاة القاعد، فيكون على الرُّبع مِن أجر صلاة القائم.
ـ وهذا قولٌ قويٌّ؛ لأن الحديث في «صحيح البخاري»، ولأنَّ فيه تنشيطاً على صلاة النَّفل؛ لأن الإنسان أحياناً يكون كسلاناً وهو قادر على أنْ يُصلِّي قاعداً؛ لكن معه شيء مِن الكسل؛ فيُحِبُّ أنْ يُصلِّي وهو مضطجعٍ، فمن أجل أنْ ننشِّطَهُ على العمل الصَّالح نَفْلاً نقول: صَلِّ مضطجعاً، وليس لك إلا رُبع صلاة القائم، ونصف صلاة القاعد، ولهذا رَخَّصَ العلماءُ في صلاة النَّفل أن يشرب الماء اليسير من أجل تسهيل التطوُّع عليه، والتطوُّع أوسع من الفرض.

قوله: «وتُسَنُّ صلاة الضُّحى» صلاة الضُّحى من باب إضافة الشيء إلى وقته، ولك أن تقول: إنها من باب إضافة الشيء إلى سببه، كما تقول: صلاة الظُّهر؛ نسبة إلى الوقت، والوقت سبب.
وقوله: «تُسَنُّ» من المعلوم: أن السُّنة ما أُمِرَ به لا على وجه الإلزام.
وحكم السُّنَّة: أنه يُثابُ فاعلُها، ولا يُعاقبُ تاركُها.
ودليل ذلك: أَنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال للرَّجُلِ الذي عَلَّمَهُ الصَّلوات الخمس حين سأله: هل عَليَّ غيرُهنَّ؟ قال: «لا، إلا أنْ تطوَّع».
ودليل آخر: حديث مُعاذ بنِ جَبَل لما بَعَثَه النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم في آخر حياته إلى اليمن قال: «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ الله افترضَ عليهم خمسَ صلوات في اليوم واللَّيلةِ» ولم يذكر صَلاة الضُّحى، ولو كانت واجبة لذَكَرها النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم.
وظاهر قوله: «تُسَنُّ صلاة الضُّحى» أنها سُنَّة مطلقاً.
ودليل ذلك: حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأبي الدرداء، وأبي ذَرٍّ أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أوصاهم بصلاة ركعتين في الضُّحى، قال أبو هريرة رضي الله عنه: «أوصاني خليلي صلّى الله عليه وسلّم بثلاثٍ: ركعتي الضُّحى، وأن أوتر قبل أن أنام، وصيام ثلاثة أيَّام من كلِّ شهر» .
فظاهر هذا أنَّها سُنَّة مطلقاً في كُلِّ يوم.
وذهبَ بعض أهل العلم: إلى أنها ليست بسُنَّة؛ لأن أحاديث كثيرة وردت عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنَّه كان لا يصلِّيها .
وفصَّلَ بعضُهم فقال: أمَّا مَن كان مِن عادته قيامُ الليل؛ فإنه لا يُسَنُّ له أن يُصلِّيَ الضُّحى، وأمَّا مَن لم تكن له عادة في صلاة الليل فإنها سُنَّة في حَقِّهِ مطلقاً كلَّ يوم.
والقول الرابع : أنها سُنَّةٌ غيرُ راتبة، يعني: يفعلها أحياناً وأحياناً لا يفعلها.
والأظهر: أنها سُنَّة مطلقة دائماً، فقد ثبت عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «يُصبِحُ على كُلِّ سُلامى مِن أحدِكُم صَدَقةٌ...» الحديث.
وقد صَحَّ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «أنَّ الله خلق ابنَ آدم على ستين وثلثمائة مفصل».
والسُّلامى: هي العظام المنفصل بعضها عن بعض. فيكون على كُلِّ واحد من النَّاس كُلَّ يومٍ ثلاثمائة وستون صدقة، ولكن هذه الصدقة ليست صدقة مال، بل كُل ما يُقَرِّبُ إلى الله؛ لقول النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «فكُلُّ تسبيحةٍ صَدقةٌ، وكُلُّ تحميدةٍ صَدقةٌ، وكُلُّ تهليلةٍ صَدقةٌ، وكُلُّ تكبيرةٍ صَدقةٌ، وأمرٌ بمعروف صَدقةٌ، ونَهيٌ عن مُنكرٍ صَدقةٌ، ويجزىء مِن ذلك ركعتان يركَعُهُما مِن الضُّحى» وبناءً على هذا الحديث نقول: إنه يُسَنُّ أن يُصلِّيهما دائماً؛ لأن أكثر النَّاس لا يستطيعون أن يأتوا بهذه الصَّدقات التي تبلغ ثلاثمائة وستين صدقة.

قوله: «وأقلها» أي: أقلُّ صلاة الضُّحى ركعتان، لأن الرَّكعتين أقلُّ ما يُشرع في الصَّلوات غير الوِتر، فلا يُسَنُّ للإنسان أن يتطوَّع برَكعة، ولا يُشرع له ذلك إلا في الوِتر، ولهذا قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم للرَّجُل الذي دخل وهو يخطب يوم الجُمُعة: «قُمْ فصَلِّ رَكعتين، وتَجَوَّزْ فيهما» ، ولو كان يُشرع شيءٌ أقلُّ من ركعتين؛ لأمره به مِن أجل أنْ يستمع للخُطبة، ولهذا أمره النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أن يتجوَّز في الرَّكعتين.
ودليلُ ذلك أيضاً: حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه حيث قال: أوصاني خليلي صلّى الله عليه وسلّم بثلاثٍ: «صيامُ ثلاثة أيام مِن كُلِّ شهر، وركعتي الضُّحى، وأنْ أوتِرَ قبل أن أنام».
والصَّحيحُ: أنَّ التطوُّع بركعة لا يصحُّ، وإنْ كان بعضُ أهل العلم قال: إنه يصحُّ أنْ يتطوَّعَ بركعة، لكنه قولٌ ضعيف كما سبق.
قوله: «وأكثرها ثمان» أي: أكثر صلاة الضُّحى ثمانِ ركعات بأربع تسليمات.
ودليل ذلك: أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم دخلَ بيتَ أُمِّ هانىء في غزوة الفتح حين دخل مَكة فصَلَّى فيه ثماني ركعات، قالوا: وهذا أعلى ما وَرَدَ. وعلى هذا؛ فلو صَلَّى الإنسانُ عشرَ ركعات بخمس تسليمات؛ صارت التاسعة والعاشرة تطوُّعاً مطلقاً لا مِن صلاة ضُحى.
والصَّحيح : أنه لا حَدَّ لأكثرها؛ لأنَّ عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يُصَلِّي الضُّحى أربعاً، ويزيد ما شاء الله» أخرجه مسلم ، ولم تُقَيِّد، ولو صَلَّى مِن ارتفاع الشَّمس قيدَ رُمْحٍ إلى قبيل الزوَّال أربعين ركعة مثلاً؛ لكان هذا كلّه داخلاً في صلاة الضُّحى، ويُجاب عن حديث أُمِّ هانىء بجوابين:
الجواب الأول : أن كثيراً من أهل العلم قال: إن هذه الصَّلاة ليست صلاة ضُحى، وإنما هي صلاة فتح، واستحبَّ للقائد إذا فتح بلداً أن يُصَلِّي فيه ثمان ركعات شكراً لله عزّ وجل على فتح البلد؛ لأن من نعمة الله عليه أن فتح عليه البلد، وهذه النِّعمة تقتضي الخشوع والذُّل لله والقيام بطاعته، ولهذا لا نعلم أن أحداً فتح بلداً أعظم من مَكَّة، ولا نعلم فاتحاً أعظم من محمَّد صلّى الله عليه وسلّم، ومع ذلك دخل مكَّة ـ حين فتحها ـ وقد طأطأ رأسه عليه الصَّلاة والسَّلام، وهو يقرأ قوله تعالى: {{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِيناً *}} [الفتح] يُرجِّعُ فيها، أي: كأنه يردِّدُ الحرف مرَّتين، وهذا من كمال تواضعه عليه الصَّلاة والسَّلام؛ لأن من أكبر النِّعم أن يفتحَ اللهُ بلدَ أعدائِك على يَدِك قال تعالى: {{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ *} {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ}} [التوبة: 14 ـ 15] وقال تعالى: {{قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا}} [التوبة: 52] وما أحلى العذاب إذا كان بأيدينا لأعدائنا!.
الوجه الثاني : أنَّ الاقتصار على الثَّمان لا يستلزم أنْ لا يزيد عليها؛ لأنَّ هذه قضيةُ عَين، أرأيت لو لم يُصَلِّ إلا ركعتين، هل نقول: لا تزيد على ركعتين؟.
الجواب : لا؛ لأنَّ قضيةَ العين وما وقع مصادفة فإنه لا يُعَدُّ تشريعاً. وهذه قاعدةٌ مفيدةٌ جداً، ولهذا لا يستحبُّ للإنسان إذا دفع مِن «عَرفة» وأتى الشِّعبَ الذي حول مزدلفة؛ أنْ ينزلَ فيبول ويتوضأ وضوءاً خفيفاً، كما فَعَلَ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم، فإنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لما دَفَعَ مِن «عَرفة» في الحَجِّ؛ ووصل إلى الشِّعبِ نَزَلَ فَبَالَ وتوضَّأ وضوءاً خفيفاً لأن هذا وقع مصادفة، فالنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم احتاج أن يبولَ فنزل فبال وتوضَّأ؛ لأجل أن يكون فعلُه للمناسك على طهارة.
وقوله: «أكثرها» مبتدأ. و«ثمان» خبر تعرب إعراب المنقوص بياء مفتوحة في النَّصب منونة...

قوله: «ووقتها من خروج وقت النهي إلى قبيل الزوال» . أي: وقت صلاة الضُّحى، من خروج وقت النَّهي، والمؤلِّف رحمه الله لم يُبيِّنْ وقتَ النَّهي هنا، لكن سيبيِّنَهُ ـ إن شاء الله ـ في آخر الباب.
ووقتُ النَّهي: من طُلوع الشَّمس إلى أن ترتفع قِيد رُمحٍ، أي: بعين الرَّائي، وإلا فإن هذا الارتفاع قِيد رُمحٍ بحسب الواقع أكثر من مساحة الأرض بمئات المرَّات، لكن نحن نراه بالأُفق قِيد رُمحٍ، أي: نحو متر.
وبالدَّقائق المعروفة: حوالي اثنتي عشرة دقيقة، ولنجعله ربع ساعة خمس عشرة دقيقة؛ لأنه أحوط فإذا مضى خمس عشرة دقيقة من طلوع الشَّمس، فإنه يزول وقت النَّهي، ويدخل وقت صلاة الضُّحى.
وقوله: «إلى قبيل وقت الزوال». «قبيل» تصغير قبل، أي: قبل زوال الشَّمس بزمنٍ قليل حوالي عشر دقائق، لأن ما قبيل الزَّوال وقت نهي ينهى عن الصَّلاة فيه، لأنه الوقت الذي تُسْجَرُ فيه جهنَّم، فقد نهى النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أن يُصَلَّى فيه، قال عُقبةُ بنُ عَامر رضي الله عنه: «ثلاثُ ساعاتٍ كان رسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم يَنْهانَا أنْ نُصَلِّيَ فيهنَّ، أو أنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ موتانا: حين تَطْلعُ الشَّمسُ بازغةً حتى ترتفعَ، وحين يقومُ قائمُ الظَّهيرة حتى تميلَ الشَّمسُ، وحين تَضَيَّفُ الشَّمسُ للغُروبِ حتى تَغْرُبَ».
وقائمُ الظَّهيرة يكون قُبيل الزَّوال بنحو عشر دقائق، فإذا كان قُبيل الزوَّال بعشر دقائق دخل وقتُ النَّهي.
إذاً؛ وقتُ صلاة الضُّحى مِن زوال النَّهي في أول النهار إلى وجود النَّهي في وسط النهار.
وفِعْلُها في آخر الوقت أفضل؛ لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «صلاة الأوَّابينَ حين تَرْمَضُ الفِصَالُ» وهذا في «صحيح مسلم».
ومعنى «تَرْمَضُ» أي: تقوم مِن شِدَّة حَرِّ الرَّمضاء، وهذا يكون قُبيل الزَّوال بنحو عشر دقائق.



الشرح الممتع ( 4 / 79 - 88 )

محمد طه شعبان
2014-12-29, 11:27 AM
قوله: (وَإِلَّا شُرِطَ رُؤْيَةُ الْإِمَامِ أَوْ مَنْ وَرَاءَهُ أَيْضًا وَلَوْ فِي بَعْضِهَا): وَإِن لم يجمعهما – أَي: الإِمَام وَالْمَأْمُوم – مَسْجِد؛ بِأَنْ كَانَا خَارِجين أَو أَحدهمَا عَنهُ وَلَو فِي مَسْجِد آخر شُرط فِي حق مَأْمُوم: رُؤْيَةُ الإِمَام أَو رُؤْيَةُ مَنْ وَرَاءه، مِنْ شِبَّاك وَنَحْوه؛ وَلَو كَانَتِ الرُّؤْيَةُ فِي بَعْضِ الصَّلَاة؛ فَإِنْ لَمْ يَرَ الإِمَامَ أَو مَنْ وَرَاءه، لَمْ يَصح اقْتِدَاؤُهُ وَلَو سمع التَّكْبِير.
واستدلوا على ذلك بالأثر والنظر:
فأما الأثر: فقد رُوِي عن عائشة رضي الله عنها، أَنَّ نِسْوَةً صَلَّيْنَ فِي حُجْرَتِهَا، فَقَالَتْ: لَا تُصَلِّينَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ؛ فَإِنَّكُنَّ فِي حِجَابٍ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
وأما النظر: فقالوا: لأنه لا يُمكنه الاقتداء به في الغالب.
قلت: وأُجيب عن الأثر بأنه منكر لا يصح.
وعن النظر بأنه ما دام يسمع التكبير فإنه يمكنه الاقتداء به.
والصحيح – وهو رواية عن أحمد - أن الصلاة مع عدم رؤية الإمام ولا مَنْ وراءه، تصح، ما دام أنه يسمع تكبيرات الإمام سواء سمعها منه مباشرة أو عن طريق الْمُبَلِّغ؛ وذلك لعدم وجود الدليل على بطلان صلاته.
ورجح هذه الرواية: ابن قدامة رحمه الله.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ حَائِلٌ يَمْنَعُ رُؤْيَةَ الْإِمَامِ، أَوْ مَنْ وَرَاءَهُ، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: فِيهِ رِوَايَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ الِائْتِمَامُ بِهِ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِنِسَاءٍ كُنَّ يُصَلِّينَ فِي حُجْرَتِهَا: لَا تُصَلِّينَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، فَإِنَّكُنَّ دُونَهُ فِي حِجَابٍ.
وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي الْغَالِبِ.
وَالثَّانِيَةُ: يَصِحُّ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ يُصَلِّي خَارِجَ الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأَبْوَابُ الْمَسْجِدِ مُغْلَقَةٌ: أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ.
وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يُصَلِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ؟ قَالَ: إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
وَقَالَ فِي الْمِنْبَرِ إذَا قَطَعَ الصَّفَّ: لَا يَضُرُّ.
وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الِاقْتِدَاءُ بِالْإِمَامِ؛ فَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ مُشَاهَدَةٍ، كَالْأَعْمَى، وَلِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ تُرَادُ لِلْعِلْمِ بِحَالِ الْإِمَامِ، وَالْعِلْمُ يَحْصُلُ بِسَمَاعِ التَّكْبِيرِ، فَجَرَى مَجْرَى الرُّؤْيَةِ.
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُومُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَصِحُّ إذَا كَانَا فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا يَصِحُّ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَحَلُّ الْجَمَاعَةِ، وَمَظِنَّةِ الْقُرْبِ، وَلَا يَصِحُّ فِي غَيْرِهِ لِعَدَمِ هَذَا الْمَعْنَى، وَلِخَبَرِ عَائِشَةَ.
وَلَنَا، أَنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزَ أَوْ الْمَانِعَ قَدِ اسْتَوَيَا فِيهِ، فَوَجَبَ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْحُكْمِ.
وَلَا بُدَّ لِمَنْ لَا يُشَاهِدُ أَنْ يَسْمَعَ التَّكْبِيرَ، لِيُمْكِنَهُ الِاقْتِدَاءُ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، لَمْ يَصِحَّ ائْتِمَامُهُ بِهِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
قوله: (وَكُرِهَ عُلُوُّ إِمَامٍ عَلَى مَأْمُومٍ ذِرَاعًا فَأَكْثَرَ): أي: سواء أراد الإمام التعليم أو لمْ يُرِد، كُرِه له العلُوُّ على المأمومين ذراعًا فأكثر.
وطول الذراع: هو ما بين المرفق ورؤوس الأصابع في اليد المتوسطة.
واستدلوا على ذلك بحديث حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ أَمَّ بِالْمَدَائِنِ عَلَى دُكَّانٍ، فَأَخَذَ أَبُو مَسْعُودٍ بِقَمِيصِهِ فَجَبَذَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: بَلَى، قَدْ ذَكَرْتُ حِينَ مَدَدْتَنِي([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وفي لفظ: صَلَّى حُذَيْفَةُ عَلَى دُكَّانٍ وَهُمْ أَسْفَلُ مِنْهُ، قَالَ: فَجَذَبَهُ سَلْمَانُ حَتَّى أَنْزَلَهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لَهُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ أَصْحَابَكَ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ عَلَى الشَّيْءِ وَهُمْ أَسْفَلُ مِنْهُ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: بَلَى قَدْ ذَكَرْتُ حِينَ مَدَدْتَنِي([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
ومفهوم كلام المؤلف رحمه الله أنه إنْ علاهم بأقل من ذراع فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا صُنِع له الْمِنبرُ قَامَ عَلَيْهِ فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ وَرَاءَهُ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ رَفَعَ فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ عَادَ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ آخِرِ صَلَاتِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي، وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))».
قالوا: والظاهر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان على الدرجة السفلى من الْمِنبر؛ لئلا يحتاج إلى عمل كبير في الصعود والنزول؛ فيكون ارتفاعًا يسيرًا، أقل من ذراع؛ فإنْ كان كذلك فلا بأس به، سواء أراد التعليم أو لم يُرد؛ جمعًا بين فعله صلى الله عليه وسلم وبين النهي الوارد.
قلت: والصحيح في الجمع بين أحاديث الباب أن يُقال: إنْ كان العلو لأجل التعليم جاز له العلو حتى يتمكن المأمومون من رؤيته - ولو كان هذا العلو أكثر من ذراع - وذلك لأنه ولو سُلِّم لهم قولهم: (والظاهر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان على الدرجة السفلى من الْمِنبر؛ لئلا يحتاج إلى عمل كبير في الصعود والنزول)؛ فإنه يقال: لَمَّا كان المقصود من ذلك رؤية المأمومين للإمام، فللإمام أنْ يرتفع بقدر ما يراه الْمَأموم، ولو كان أكثر من ذراع؛ وليس هناك دليل على تحديد ذلك بذراع؛ بل يكون بحسب أداء المصلحة المقصودة.
وأما إنْ كان العلُوُّ لغير مصلحة فيُكره مطلقًا ذراعًا أو أقلَّ؛ ما دام يُسَمَّى علوًّا.
قوله: (وَصَلَاتُهُ فِي مِحْرَابٍ يَمْنَعُ مُشَاهَدَتَهُ): أي: ويُكره للإمام الصلاةُ في جوف المحراب؛ لأنه يستتر عن بعض المأمومين، أشبه ما لو كان بينهم وبينه حجاب؛ فإن كان لحاجة؛ كضيق المسجد وكثرة الجمع لَمْ يُكْره.
وعنه: لا يُكره مطلقًا كسجوده فيه([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
تنبيه:
قال المرداوي رحمه الله: ((مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْكَرَاهَةِ: إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ؛ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ؛ كَضِيقِ الْمَسْجِدِ لَمْ يُكْرَهْ، رِوَايَةً وَاحِدَةً.
وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا: إذَا كَانَ الْمِحْرَابُ يَمْنَعُ مُشَاهَدَةَ الْإِمَامِ؛ فَإِنْ كَانَ لَا يَمْنَعُهُ؛ كَالْخَشَبِ وَنَحْوِهِ لَمْ يُكْرَهْ الْوُقُوفُ فِيهِ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))))اهـ.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) منكر: أخرجه البيهقي في ((المعرفة والآثار)) (5849)، من طريق الشافعي، قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن ليث، عن عطاء، عن عائشة، به.
قلت: لَيْثٌ؛ هو ابن أبي سُلَيم، قد ضعفه الأئمة، وقال عنه الحافظ في ((التقريب)): ((صدوق، اختلط جدًّا، ولم يتميز حديثه فترك)).
وإبراهيم بن محمد؛ هو ابن أبي يحيى الأسلمي، قال علي بن المديني عَن يحيى بْن سَعِيد القطان: كذاب.
وَقَال يحيى بْن سَعِيد: سألت مالكًا عَنه: أكان ثقة؟ قال: لا، ولا ثقة في دينه.
وقَال بشر بْن المفضل: سألت فقهاء أهل المدينة عنه، فكلهم يقولون: كذاب أو نحو هذا.
وقال أحمد بْن حنبل: لا يُكتب حديثه، ترك الناس حديثه؛ كان يروي أحاديث منكرة.
وقال أَحمد أيضًا: كان قدريًّا معتزليًّا جهميًّا، كل بلاء فيه.
وقَال البُخارِيُّ: جهمي تركه ابن المبارك والناس؛ كان يرى القدر.

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((المغني)) (2/ 152، 153).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) أخرجه أبو داود (598)، بإسناد حسن.

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) أخرجه ابن أبي شيبة (6524).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) متفق عليه: أخرجه البخاري (917)، ومسلم (544).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((المبدع في شرح المقنع)) (2/ 100).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) ((الإنصاف)) (2/ 298).

محمد طه شعبان
2014-12-29, 11:29 AM
قوله: (وَتَطَوُّعُهُ مَوْضِعَ الْمَكْتُوبَةِ): أي: ويُكره للإمام أن يصلي النافلة في الموضع الذي صلى فيه المكتوبة؛ لئلَّا يُوصل النافلة بالمكتوبة؛ فإنْ لم ينتقل فينبغي أن يفصل بالكلام، ويكفي التسبيح.
ودليل ذلك حديث عَطَاءِ بْنِ أَبِي الْخُوَارِ، أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ، أَرْسَلَهُ إِلَى السَّائِبِ ابْنِ أُخْتِ نَمِرٍ يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ رَآهُ مِنْهُ مُعَاوِيَةُ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: نَعَمْ، صَلَّيْتُ مَعَهُ الْجُمُعَةَ فِي الْمَقْصُورَةِ، فَلَمَّا سَلَّمَ الْإِمَامُ قُمْتُ فِي مَقَامِي، فَصَلَّيْتُ، فَلَمَّا دَخَلَ أَرْسَلَ إِلَيَّ، فَقَالَ: لَا تَعُدْ لِمَا فَعَلْتَ، إِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ، فَلَا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ حَتَّى تَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ: أَنْ لَا تُوصَلَ صَلَاةٌ بِصَلَاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
قوله: (وَإِطَالَتُهُ الِاسْتِقْبَالَ بَعْدَ السَّلَامِ): أي: ويُكره للإمام أنْ يُطيلَ قعودَهُ بعد السَّلام مستقبلَ القِبْلةِ.
ودليل ذلك حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إِلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ: «اللهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
وقوله: ((لَمْ يَقْعُدْ)): أي: لم يقعد مستقبلًا القبلة.
وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلاَةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وللإمام أن ينصرف عن يمينه أو عن شماله؛ كُلُّ هذا سُنَّة.
عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا: كَيْفَ أَنْصَرِفُ إِذَا صَلَّيْتُ؟ عَنْ يَمِينِي، أَوْ عَنْ يَسَارِي؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ.
وفي لفظ: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: لَا يَجْعَلَنَّ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ مِنْ نَفْسِهِ جُزْءًا، لَا يَرَى إِلَّا أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ إِلَّا عَنْ يَمِينِهِ؛ أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْصَرِفُ عَنْ شِمَالِهِ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
قال النووي رحمه الله: ((وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ تَارَةً هَذَا وَتَارَةً هَذَا؛ فَأَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ الْأَكْثَرُ فِيمَا يَعْلَمُهُ؛ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِمَا، وَلَا كَرَاهَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ الَّتِي اقْتَضَاهَا كَلَامُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَلَيْسَتْ بِسَبَبِ أَصْلِ الِانْصِرَافِ عَنِ الْيَمِينِ أَوِ الشِّمَالِ؛ وَإِنَّمَا هِيَ فِي حَقِّ مَنْ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْهُ؛ فَإِنَّ مَنِ اعْتَقَدَ وُجُوبَ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ مُخْطِئٌ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))))اهـ.
قوله: (وَوُقُوفُ مَأْمُومٍ بَيْنَ سَوَارٍ تَقْطَعُ الصُّفُوفَ عُرْفًا): أي: ويُكره وقوف المأموم بين سواري المسجد.
ودليل ذلك حديث قُرَّةَ بْنِ إِيَاسٍ الْمُزَنِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
وَعَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ مَحْمُودٍ، قَالَ: صَلَّيْنَا خَلْفَ أَمِيرٍ مِنَ الأُمَرَاءِ، فَاضْطَرَّنَا النَّاسُ فَصَلَّيْنَا بَيْنَ السَّارِيَتَيْن ِ فَلَمَّا صَلَّيْنَا، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: كُنَّا نَتَّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).
ومفهوم قول المؤلف: (وقوف مأموم بين سوارٍ): أنه لا يُكره ذلك للإمام ولا للمنفرد.
وهو كذلك؛ لأمور ثلاثة:
الأول: أن النهي ورد في حق المأمومين، ولم يرد في حق الإمام ولا المنفرد.
الثاني: أنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاته منفردًا بين الساريتين؛ فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البَيْتَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، وَبِلاَلٌ فَأَطَالَ، ثُمَّ خَرَجَ، وَكُنْتُ أَوَّلَ النَّاسِ دَخَلَ عَلَى أَثَرِهِ، فَسَأَلْتُ بِلاَلًا: أَيْنَ صَلَّى؟ قَالَ: بَيْنَ العَمُودَيْنِ المُقَدَّمَيْنِ ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
الثالث: أن العلة في النهي عن الصلاة بين السواري هي قطع الصفوف؛ ولا صف للإمام ولا للمنفرد.
قوله: (إِلَّا لِحَاجَةٍ فِي الْكُلِّ): أي: ويجوز فعل جميع ما تقدم ذكره من المكروهات عند الحاجه إلى ذلك؛ كأن لا يجد الإمام إلا مكانًا عاليًا فيصلي فيه، وكأن يضيق المسجد فلا يستطيع الإمام الصلاة إلا داخل المحراب، وكأن لا يجد الإمام فرجة بعد الصلاة للخروج منها فيصلي مكانه، وكأن يضيق المسجد بالمصلين فلا يجدون أمكنة إلا بين السواري.
قوله: (وَحُضُورُ مَسْجِدٍ وَجَمَاعَةٍ لِمَنْ رَائِحَتُهُ كَرِيهَةٌ مِنْ بَصَلٍ أَوْ غَيْرِهِ): أي: ويُكره حضور المساجد والجماعات لمن كانت رائحته كريهة من بصل وغيره؛ كَثُومٍ وكراث، أو ما يشربه بعض الناس كالسجائر ونحوها.
وفي رواية عن أحمد أنه يحرم([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10)).
قلت: وهو ظاهر الأحاديث.
فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))».
وفي لفظ لمسلم: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُنْتِنَةِ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الْإِنْسُ».
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ - يَعْنِي الثُّومَ - فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12))».
وَعَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ عَنِ الثُّومِ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكَلَ مَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، فَلَا يَقْرَبَنَّا، وَلَا يُصَلِّي مَعَنَا([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13))».
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، وَلَا يُؤْذِيَنَّا بِرِيحِ الثُّومِ([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14))».
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: لَمْ نَعْدُ أَنْ فُتِحَتْ خَيْبَرُ فَوَقَعْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْبَقْلَةِ: الثُّومِ، وَالنَّاسُ جِيَاعٌ، فَأَكَلْنَا مِنْهَا أَكْلًا شَدِيدًا، ثُمَّ رُحْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ، فَوَجَدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرِّيحَ فَقَالَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ شَيْئًا، فَلَا يَقْرَبَنَّا فِي الْمَسْجِدِ»، فَقَالَ النَّاسُ: حُرِّمَتْ، حُرِّمَتْ، فَبَلَغَ ذَاكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَيْسَ بِي تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لِي، وَلَكِنَّهَا شَجَرَةٌ أَكْرَهُ رِيحَهَا([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15))».
وَعَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: ثُمَّ إِنَّكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أَرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ؛ هَذَا الْبَصَلَ وَالثُّومَ؛ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ، أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ. فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا([16] (http://majles.alukah.net/#_ftn16)).
قلت: فظاهر هذه الأحاديث تحريم حضور المسجد لمن أكل من هذه الشجرات؛ لأن النهي للتحريم، ولأن أذى المسلمين حرام، وهذا فيه أذاهم.
ويلحق بذلك كل من كانت رائحة فمه كريهة لشرب سجائر ونحوها، أو كانت رائحة جسده أو إبطيه كريهة، تعميمًا للعلة التي نص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما من حمل هذا النهي على الكراهة فَلِما رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه، قَالَ: أَكَلْتُ ثُومًا فَأَتَيْتُ مُصَلَّى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ سُبِقْتُ بِرَكْعَةٍ، فَلَمَّا دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِيحَ الثُّومِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ قَالَ: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّا حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهَا» أَوْ «رِيحُهُ» فَلَمَّا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَتُعْطِيَنِّي يَدَكَ، قَالَ: فَأَدْخَلْتُ يَدَهُ فِي كُمِّ قَمِيصِي إِلَى صَدْرِي فَإِذَا أَنَا مَعْصُوبُ الصَّدْرِ، قَالَ: «إِنَّ لَكَ عُذْرًا([17] (http://majles.alukah.net/#_ftn17))».
قلت: والحديث فيه أبو هلال الراسبي، وهو ضعيف، وقد رجح الدارقطني إرساله.
ثم لو صح الحديث – وليس بصحيح - فغايته جواز ذلك لصاحب العذر وليس لكل أحد. والله أعلم.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) أخرجه مسلم (883).
وقد روى أبو داود (616)، وابن ماجه (1428)، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُصَلِّ الْإِمَامُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ حَتَّى يَتَحَوَّلَ». وهو ضعيف للانقطاع بين عطاء الخرساني والمغيرة بن شعبة.

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه مسلم (592).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) متفق عليه: أخرجه البخاري (845)، مسلم (2275).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) أخرجه مسلم (708).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) متفق عليه: أخرجه البخاري (852)، ومسلم (707).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((شرح صحيح مسلم)) (5/ 220).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) أخرجه ابن ماجه (1002)، وابن خزيمة (1567)، وابن حبان (2219)، والحاكم (794)، وصححه، ووافقه الذهبي.

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) أخرجه أحمد (12339)، وأبو داود (673)، والترمذي (229)، وقال: «حَدِيثٌ حَسَنٌ»، والنسائي (821)، وصحح إسناده الألباني في ((صحيح أبي داود)) (3/ 251).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) أخرجه البخاري (504).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) ذكرها في ((المغني)) (9/ 430)، و((الإنصاف)) (2/ 304).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) متفق عليه: أخرجه البخاري (854)، ومسلم (564).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) متفق عليه: أخرجه البخاري (853)، ومسلم (561).

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) متفق عليه: أخرجه البخاري (856)، ومسلم (562).

[14] (http://majles.alukah.net/#_ftnref14))) أخرجه مسلم (563).

[15] (http://majles.alukah.net/#_ftnref15))) أخرجه مسلم (565).

[16] (http://majles.alukah.net/#_ftnref16))) أخرجه مسلم (567).

[17] (http://majles.alukah.net/#_ftnref17))) أخرجه أحمد (18176)، وأبو داود (3826)، وقال الألباني رحمه الله في ((الثمر المستطاب)) (2/ 659): «وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير أبي هلال واسمه محمد بن سليم الراسبي، وهو صدوق فيه لين كما في (التقريب)».
قلت: وأبو هلال ضعفه البخاري. وقال أبو حاتم: يحول منه. وقال النَّسائي: ليس بالقوي.
فلا يرتقي هذا الإسناد لمرتبة الحسن. والله أعلم.
وقد رجح الدارقطني رحمه الله إرساله؛ فقد رُوِي هذا الحديث عن أبي هلال عن أبي بردة مرسلًا، بدون ذكر المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
قال الدارقطني في ((العلل)) (7/ 140): ((وكأنَّ المرسل هو الأقوى)).

محمد طه شعبان
2014-12-29, 11:31 AM
قوله: (وَيُعْذَرُ بِتَرْكِ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ: مَرِيضٌ): فالعذر الأول لترك صلاة الجماعة: هو المرض؛ فالمريض غير القادر على الذهاب إلى المسجد له أن يصلي في بيته، ولا يلزمه الذهاب إلى المسجد؛ لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
ولما مرض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
وَعَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَّا مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ، أَوْ مَرِيضٌ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
قال ابن المنذر رحمه الله: ((وَلَا اخْتِلَافَ أَعْلَمُهُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنِ الْجَمَاعَةِ مِنْ أَجْلِ الْمَرَضِ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)))).
وصلاة الجماعة كغيرها من الواجبات لا تسقط بالمرض الخفيف؛ وإنما تسقط بالمرض الذي يُلْحِق بالمريض مشقة شديدة.
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم يحرصون مع شدة المرض على صلاة الجماعة.
وهذا يدل على أهميتها، والحرص على عدم تركها.
فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَرِضَ قَالَ «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ»، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى فَوَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَخُطَّانِ مِنَ الوَجَعِ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ؛ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
قوله: (وَمُدَافِعُ أَحَدِ الْأَخْبَثَيْنِ ): والعذر الثاني: مدافعة أحد الأخبثين؛ والأخبثان هما البول والبراز.
فإذا حَضَرَتْ صلاةُ الجماعة وكان الشخص في حاجة لدخول الخلاء؛ فله أن يتخلف عن الجماعة.
ودليل ذلك حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَت: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))».
وفي ترك الجماعة لمن كان يدافع الأخبثين ثلاثةُ فوائد:
الفائدة الأولى: الرحمة بهذا الشخص الذي يريد قضاء الحاجة، والرأفة به، وعدم المشقة عليه.
الفائدة الثانية: عدم تعريض هذا الشخص للضرر؛ لأن احتباس هذه الأشياء الخبيثة في بدن الإنسان فيه ضرر شديد عليه.
الفائدة الثالثة: أن لا يصلي الإنسان وهو منشغل البال؛ فيخرج عن المقصود من الصلاة؛ وهو الخشوع لله تعالى.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ((المدافعةَ تقتضي انشغالَ القلبِ عن الصَّلاةِ، وهذا خَلَلٌ في نَفْسِ العبادةِ، وتَرْكُ الجماعةِ خَلَلٌ في أمْرٍ خارجٍ عن العبادة؛ لأنَّ الجماعةَ واجبةٌ للصَّلاةِ، والمحافظةُ على ما يتعلَّقُ بذات العبادةِ أَولى مِن المحافظةِ على ما يتعلَّقُ بأمْرٍ خارجٍ عنها؛ فلهذا نقول: المحافظةُ على أَداءِ الصَّلاةِ بطمأنينة وحضورِ قلبٍ أولى مِن حضورِ الجماعةِ أو الجُمعة([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))))اهـ.
قوله: (وَمَنْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ): العذر الثالث لترك الجماعة: إذا وُضِع الطعام، وهو يحتاج إليه.
ودليل ذلك حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا – المتقدم - قَالَت: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8))».
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ، وَلَا يَعْجَلَنَّ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ». وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ، وَتُقَامُ الصَّلَاةُ، فَلَا يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الإِمَامِ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ، وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))».
وفي لفظ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا قُرِّبَ الْعَشَاءُ، وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))».
قوله: (وَخَائِفٌ ضَيَاعَ مَالِهِ، أَوْ مَوْتَ قَرِيبِهِ، أَوْ ضَرَرًا مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ مُلَازَمَةَ غَرِيمٍ وَلَا وَفَاءَ لَهُ، أَوْ فَوْتَ رُفْقَتِهِ وَنَحْوِهِمْ): هذا هو العذر الرابع لترك صلاة الجماعة؛ وهو: الخوف.
فيُعذر الخائف على ماله من الضياع؛ فإذا كان عند الإنسان مال يَخشى إذا ذَهَبَ عنه أن يُسرقَ، أو معه دابةٌ يَخشى لو ذهبَ للصَّلاةِ أن تنفلتَ الدَّابةُ وتضيع؛ فهو في هذه الحال معذورٌ في تَرْكِ الجُمُعةِ والجَماعةِ؛ لأنَّه لو ذَهَبَ وصَلَّى فإن قلبَه سيكون منشغلًا بهذا المال الذي يَخافُ ضياعه.
وكذلك إذا كان يَخشى مِن فواتِه بأن يكون قد أضاعَ دابَّته، وقيل له: إنَّ دابَّتك في المكان الفلاني؛ وحضرتِ الصَّلاةُ، وخَشيَ إنْ ذهب يُصلِّي الجُمعةَ أو الجماعةَ أنْ تذهبَ الدَّابةُ عن المكان الذي قيل إنَّها فيه، فهذا خائفٌ مِن فواتِه، فله أنْ يتركَ الصَّلاةَ، ويذهب إلى مالِه ليدرِكَه.
ومِن ذلك أيضًا: لو كان يخشى مِن ضَررٍ فيه، كإنسان وَضَعَ الخُبزَ بالتنورِ، فأُقيمت الصَّلاةُ، فإنْ ذهبَ يُصلِّي احترقَ الخبزُ؛ فله أن يَدَعَ صلاةَ الجماعة مِن أجلِ أن لا يفوتَ مالُه بالاحتراق([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)).
ويُعذر مَنْ كان له قريب يخاف موته ولا يحضره؛ وإن كان له من يمرضه؛ لأنه يشق عليه فراقه، فيتشوش خشوعه، أو يأنس به المريض، أو يُلقنه الشهادتين.
ودليل ذلك ما رواه نَافِعٌ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، ذُكِرَ لَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَكَانَ بَدْرِيًّا، مَرِضَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، فَرَكِبَ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ تَعَالَى النَّهَارُ، وَاقْتَرَبَتِ الجُمُعَةُ، وَتَرَكَ الجُمُعَةَ([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13)).
وكذلك يُعذر في ترك الجماعة مَنْ كان خائفًا من سلطان فإِذا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ سُلْطَانٍ؛ مثل أنْ يطلبَه ويبحث عنه أميرٌ ظالمٌ له، وخافَ إن خَرَجَ أن يمسكَه ويحبسَه أو يغرِّمه مالًا أو يؤذيه، أو ما أشبه ذلك، ففي هذه الحال يُعذرُ بتَرْكِ الجُمُعةِ والجماعةِ؛ لأنَّ في ذلك ضررًا عليه؛ أما إذا كان السلطانُ يأخذُه بحقٍّ فليس له أن يتخلَّفَ عن الجماعةِ ولا الجُمُعةِ؛ لأنَّه إذا تخلَّفَ أسقط حقّين: حَقَّ الله في الجماعةِ والجُمُعةِ، والحَقَّ الذي يطلبه به السلطانُ([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14)).
وكذلك يُعذر من خاف ضررًا من مطر ونحوه؛ كريح أو برودة شديدة.
ودليل ذلك حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّهُ أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ المُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ ذَاتُ بَرْدٍ وَمَطَرٍ، يَقُولُ: «أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15))».
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: إِذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، فَلَا تَقُلْ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ، قَالَ: فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَاكَ، فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ ذَا، قَدْ فَعَلَ ذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ([16] (http://majles.alukah.net/#_ftn16)).
وَعَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي، فَإِذَا كَانَتِ الأَمْطَارُ سَالَ الوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ بِهِمْ، وَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَّكَ تَأْتِينِي فَتُصَلِّيَ فِي بَيْتِي، فَأَتَّخِذَهُ مُصَلًّى، قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ... ([17] (http://majles.alukah.net/#_ftn17))».
وإن كان له غريمٌ يطالبُه ويلازِمُه، وليس عنده فلوسٌ، فهذا عُذْرٌ؛ وذلك لما يلحَقَه مِن الأذيَّةِ لملازمةِ الغريمِ له، فإنْ كان معه شيءٌ يستطيع أن يوفي به فليس له الحَقُّ في تَرْكِ الجُمُعةِ والجماعةِ؛ لأنَّه إذا تركهما في هذه الحال أسقطَ حَقَّين: حَقَّ اللهِ في الجماعة والجُمُعةِ، وحَقَّ الآدميِّ في الوفاءِ.
مسألة: إذا كان عليه دينٌ مؤجَّلٌ، لكن غريمه لازَمه فهل له أن يتخلَّفَ؟
الجواب: ينظر؛ فإن كانت السُّلطةُ قويةٌ بحيث لو اشتكاه على السُّلطة لمنعته منه، فهو غيرُ معذورٍ؛ لأنَّ له الحَقُّ أن يُقدِّمَ الشَّكوى إلى السُّلطةِ، أما إذا كانت السُّلطةُ ليست قويةً، أو أنها تحابي الرَّجُلَ فلا تمنعه مِن ملازمةِ غريمه، فهذا عُذرٌ بلا شَكٍّ([18] (http://majles.alukah.net/#_ftn18)).
وكذلك إذا كان يخشى فوات رُفْقته في السفر جاز له ترك الجماعة؛ لِما سيقع عليه من الضرر في حال فوات الرفقة، ولأنه لو صلى في هذه الحالة لانشغل فكره كثيرًا عن الصلاة.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) متفق عليه: أخرجه البخاري (664)، ومسلم (418).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه مسلم (654).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الأوسط)) (4/ 139).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) متفق عليه: تقدم قريبًا.

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) أخرجه مسلم (654).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) أخرجه مسلم (560).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) ((الشرح الممتع)) (4/ 311، 312).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) تقدم.

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) متفق عليه: أخرجه البخاري (673)، ومسلم (559).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) متفق عليه: أخرجه البخاري (5463)، ومسلم (557).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) البخاري (672)، ومسلم (557).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) ((الشرح الممتع)) (4/ 313، 314).

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) أخرجه البخاري (3990).

[14] (http://majles.alukah.net/#_ftnref14))) ((الشرح الممتع)) (4/ 315).

[15] (http://majles.alukah.net/#_ftnref15))) متفق عليه: أخرجه البخاري (666)، ومسلم (697).

[16] (http://majles.alukah.net/#_ftnref16))) متفق عليه: أخرجه البخاري (901)، ومسلم (699).

[17] (http://majles.alukah.net/#_ftnref17))) متفق عليه: أخرجه البخاري (425)، ومسلم (33).

[18] (http://majles.alukah.net/#_ftnref18))) ((الشرح الممتع)) (4/ 315، 316).

محمد طه شعبان
2014-12-29, 11:32 AM
فصل

يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ؛ وَالْأَيْمَنُ أَفْضَلُ، وَكُرِهَ مُسْتَلْقِيًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى جَنْبٍ، وَإِلَّا تَعَيَّنَ.
وَيُومِئُ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ، وَيَجْعَلُهُ أَخْفَضَ؛ فَإِنْ عَجَزَ أَوْمَأَ بِطَرْفِهِ، وَنَوَى بِقَلْبِهِ؛ كَأَسِيرٍ خَائِفٍ؛ فَإِنْ عَجَزَ فَبِقَلْبِهِ، مُسْتَحْضِرًا الْقَوْلَ وَالْفِعْلَ.
وَلَا يَسْقُطُ فِعْلُهَا مَا دَامَ الْعَقْلُ ثَابِتًا.
فَإِنْ طَرَأَ عَجْزٌ أَوْ قُدْرَةٌ فِي أَثْنَائِهَا انْتَقَلَ وَبَنَى.

محمد طه شعبان
2014-12-29, 11:34 AM
قوله: (يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ): ودليل ذلك حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَرَسٍ فَخُدِشَ - أَوْ فَجُحِشَ - شِقُّهُ الأَيْمَنُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى قَاعِدًا، فَصَلَّيْنَا قُعُودًا([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
قال ابن المنذر رحمه الله: ((وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ فَرْضَ مَنْ لَا يُطِيقُ الْقِيَامَ أَنْ يُصَلِّيَ جَالِسًا([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)))).
قوله: (وَالْأَيْمَنُ أَفْضَلُ): أي: والأفضل لمن يصلي على جنبه أن يرقد على شقه الأيمن.
واستدلوا على ذلك بما رُوِي عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه, عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا إِنِ اسْتَطَاعَ, فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى قَاعِدًا, فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَسْجُدَ أَوْمَأَ وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ, فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ, فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ صَلَّى مُسْتَلْقِيًا وَرِجْلَاهُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))».
وهو حديث ضعيف لا يصح.
ولكن يمكن أن يُستدل على ذلك بحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ، فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
فإن لم يكن في الصلاة على جنبه الأيمن مشقة، فالأفضل له أن يصلي عليه.
قوله: (وَكُرِهَ مُسْتَلْقِيًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى جَنْبٍ): أي: وَكُرِه له أن يُصلي مستلقيًا على وجهه ما دام قادرًا على أن يصلي على جنب؛ لأنه خلاف السُّنَّة.
والصحيح – وهو وجه في المذهب – أن الصلاة مستلقيًا لا تصح مع القدرة على الصلاة على جنب؛ لأنه ليس له أن ينتقل من وجه إلى الآخر إلا مع عدم القدرة، كما هو مذكور في الحديث([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
قوله: (وَإِلَّا تَعَيَّنَ): أي: فإن لم يكن قادرًا على الصلاة على جنب تعيَّن عليه الصلاة مستلقيًا؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
ولقول النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))».
قوله: (وَيُومِئُ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ، وَيَجْعَلُهُ أَخْفَضَ؛ فَإِنْ عَجَزَ أَوْمَأَ بِطَرْفِهِ، وَنَوَى بِقَلْبِهِ؛ كَأَسِيرٍ خَائِفٍ؛ فَإِنْ عَجَزَ فَبِقَلْبِهِ، مُسْتَحْضِرًا الْقَوْلَ وَالْفِعْلَ): ودليل ذلك قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
وقول النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ».
قوله: (وَلَا يَسْقُطُ فِعْلُهَا مَا دَامَ الْعَقْلُ ثَابِتًا): أي: أن الصلاة تلزم المريض ولو فَقَدَ الحركة والنطق؛ ما دام أنه لم يفقد عقله.
فالمريض له أربعة أحوال:
الحال الأولى: مريض فاقد للحركة والنطق والعقل.
فهذا تسقط عنه الصلاة بالإجماع.
الحال الثانية: مريض فاقد للحركة والنطق، وليس بفاقد للعقل.
فهذا تلزمه الصلاة بالنية، وعليه جمهور الحنابلة؛ خلافًا لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ حيث أسقط عنه الصلاة([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).
الحال الثالثة: مريض فاقد للحركة فقط.
فهذا تلزمه الصلاة بالأقوال؛ فعليه أنْ يُكبِّر ويقرأ، ثم يُكبِّر وينوي الركوع، ثم يقول أذكار الركوع، ثم يُكَبِّر وينوي الرفع، ثم يقول أذكار الاعتدال من الركوع .. إلى آخر صلاته.
الحال الرابعة: مريض فاقد للنطق فقط.
فهذا تلزمه الصلاة بالأفعال؛ فعليه أنْ ينوي أنَّه في صلاةٍ، وينوي القيامَ القراءةَ، وينوي الركوعَ والاعتدالَ والسجودَ والقعودَ .. إلى آخره.
وهناك حالة خامسة – وقد تقدم ذكر حكمها - وهو المريض القادر على بعض الحركة؛ فهذا يصلي قاعدًا أو على جنبه، بحسب استطاعته.
قوله: (فَإِنْ طَرَأَ عَجْزٌ أَوْ قُدْرَةٌ فِي أَثْنَائِهَا انْتَقَلَ وَبَنَى): أي: إنْ طرأ على المصلي الصحيح عجز أثناء صلاته فمنعه من القيام – مثلًا – فعليه أن ينتقل إلى القعود، ويبني على ما صلَّى، ولا يستأنف الصلاة مرة أخرى.
وعكسه؛ إن طرأ على المريض غير القادر على القيام – مثلًا - قدرةٌ على القيام أثناء صلاته، فيجب عليه القيام، ويبني على ما مضى من صلاته، ولا يستأنف الصلاة مرة أخرى؛ لأن ما مضى من صلاته كان على الوجه الشرعي المطلوب منه؛ فلا يبطل بالقدرة الطارئة بعد أدائه.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) أخرجه البخاري (1117).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1114)، ومسلم (411).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الإجماع)) (ص42)، و((الأوسط)) (4/ 373).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) أخرجه الدارقطني في ((سننه)) (1706)، والبيهقي في ((الصغير)) (589)، وضعفه الألباني في ((الإرواء)) (558).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) متفق عليه: أخرجه البخاري (168)، ومسلم (268).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) انظر: ((الشرح الكبير على متن المقنع)) (2/ 87).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) متفق عليه: أخرجه البخاري (7288)، ومسلم (1337).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) كما في ((مجموع الفتاوى)) (10/ 440).

محمد طه شعبان
2014-12-29, 11:35 AM
فصل

وَيُسَنُّ قَصْرُ الرُّبَاعِيَّةِ فِي سَفَرٍ طَوِيلٍ مُبَاحٍ.
وَيَقْضِي صَلَاةَ سَفَرٍ فِي حَضَرٍ وَعَكْسُهُ تَامَّةً.
وَمَنْ نَوَى إِقَامَةً مُطْلَقَةً بِمَوْقِعٍ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، أَوِ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ أَتَمَّ.
وَإِنْ حُبِسَ ظُلْمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ إِقَامَةً قَصَرَ أَبَدًا.
وَيُبَاحُ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ وِالْعِشَائَيْن ِ بِوَقْتِ إِحْدَاهُمَا، وَلِمَريضٍ وَنَحْوِهِ يَلْحَقُهُ بِتَرْكِهِ مَشَقَّةٌ، وَبَيَنَ الْعِشَائَيْنِ فَقَطْ لِمَطَرٍ وَنَحْوِهِ يَبُلُّ الثَّوْبَ وَتُوجَدُ مَعَهُ مَشَقَّةٌ، وَلِوَحْلٍ وَرِيحٍ شَدِيدَةٍ بَارِدَةٍ، لَا بَارِدَةٍ فَقَطْ، إِلَّا بِلَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ.
وَالْأَفْضَلُ فِعْلُ الأَرْفَقِ مِنْ تَقْدِيمٍ أَوْ تَأْخِيرٍ.
وَكُرِهَ فِعْلُهُ فِي بَيْتِهِ وَنَحْوِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ.
وَيَبْطُلُ جَمْعُ تَقْدِيمٍ بِرَاتِبَةٍ بَيْنَهُمَا، وَتَفْرِيقٍ بِأَكْثَرَ مِنْ وُضُوءٍ خَفِيفٍ وَإِقَامَةٍ.
وَتَجُوزُ صَلَاةُ الْخَوْفِ بِأَيِّ صِفَةٍ صَحَّتْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؛ وَصَحَّتْ مِنْ سِتَّةِ أَوْجُهٍ.
وَسُنَّ فِيهَا حَمْلُ سِلَاحٍ غَيْرِ مُثْقِلٍ.

محمد طه شعبان
2014-12-29, 11:38 AM
قوله: (وَيُسَنُّ قَصْرُ الرُّبَاعِيَّةِ فِي سَفَرٍ).
القصر في اللغة له معنيان: الأول: النقص. والثاني: الحبس.
جاء في ((معجم مقاييس اللغة)): الْقَافُ وَالصَّادُ وَالرَّاءُ أَصْلَانِ صَحِيحَانِ، أَحَدُهُمَا: يَدُلُّ عَلَى أَلَّا يَبْلُغَ الشَّيْءُ مَدَاهُ وَنِهَايَتَهُ. وَالْآخَرُ: عَلَى الْحَبْسِ؛ كما قَالَ تَعَالَى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن: 72]، وَالْأَصْلَانِ مُتَقَارِبَانِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
والقصر في الشرع: رد الصلاة الرباعية إلى ركعتين.
وقد دل على مشروعية قصر الصلاة في السفر الكتاب والسُّنَّة والإجماع.
فأما الكتاب: فقد قال تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101].
وقد بيَّنت السُّنَّة أن هذا ليس مختصًّا بالخوف فقط.
فَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ، إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ، فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
وأما دلالة السُّنَّة على مشروعية القصر: فَعَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، قَالَ: فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا مَعَهُ، حَتَّى جَاءَ رَحْلَهُ، وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ، فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ نَحْوَ حَيْثُ صَلَّى، فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا، فَقَالَ: مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ؟ قُلْتُ: يُسَبِّحُونَ، قَالَ: لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ صَلَاتِي! يَا ابْنَ أَخِي إِنِّي صَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ، وَصَحِبْتُ عُمَرَ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ، ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ، وَقَدْ قَالَ اللهُ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ، قُلْتُ: كَمْ أَقَامَ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: عَشْرًا([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، أَوْ ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ - شُعْبَةُ الشَّاكُّ - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
وقد تواترت الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقصر في أسفاره، حاجًّا، ومعتمرًا، وغازيًا.
وأما الإجماع: فَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ سَافَرَ سَفَرًا تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ فِي حَجٍّ، أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ جِهَادٍ، أَنَّ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ الرَّبَاعِيَّةَ فَيُصَلِّيَهَا رَكْعَتَيْنِ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) انظر: ((مقاييس اللغة)) (5/ 97).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه مسلم (686).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1102)، ومسلم (689).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) أخرجه مسلم (693).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) أخرجه مسلم (691).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((الإجماع)) لابن المنذر (ص 41).

محمد طه شعبان
2014-12-29, 11:39 AM
قوله: (فِي سَفَرٍ طَوِيلٍ): أي: لا يُرخص له القصر في السفر إلا إذا كان السفر طويلًا. وهذا هو الشرط الأول.
والسفر الطويل في المذهب هو أربعة بُرُد، تساوي ستة عشر فرسخًا، وهي ثمانية وأربعون ميلًا هاشميًّا([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))، والميل الهاشمي ستة آلاف ذراع، والذراع أربعة وعشرون أصبعًا معترضة معتدلة([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وإذا حُسِبَتْ بالتقدير الحالي كانت كالآتي: الأصبع يزيد على 2سم بقليل، فيكون الذراع حوالي 50سم، فيكون الميل حوالي 300000سم = 3000م = 3كم × 48= 144كم.
واستدلوا على تقدير مسافة القصر بما ورد عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ كَانَا يُصَلِّيَانِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ.([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)) ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))
قلت: والصحيح – ورجحه ابن قدامة وابن تيمية وابن عثيمين([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)) - عدم صحة التحديد؛ بل كل ما يسمى سفرًا عرفًا، وجب فيه قصر الصلاة؛ وذلك لأن الله تعالى أطلق السفر في كتابه العزيز ولم يحدده بمقدار معين؛ والقاعدة: (أن ما جاء في الشرع ولم يُحدّْ فمرجعه إلى العرف).
وأما الأثر الوارد عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم فلا حجة فيه؛ لأمرين:
الأول: أنه قد ورد في تحديد مسافة القصر خلاف بين الصحابة؛ بل قد ورد عن ابن عمر وابن عباس ما يخالف الأثر المذكور([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))؛ والصحابة إذا اختلفوا فليس قول بعضهم حجة على بعض.
الثاني: أنه مخالف للسُّنَّة؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، أَوْ ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ - شُعْبَةُ الشَّاكُّ - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
قال ابن قدامة رحمه الله: وَلَا أَرَى لِمَا صَارَ إلَيْهِ الْأَئِمَّةُ حُجَّةً؛ لِأَنَّ أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ مُتَعَارِضَةٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَلَا حُجَّةَ فِيهَا مَعَ الِاخْتِلَافِ؛ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، خِلَافُ مَا احْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُنَا.
ثُمَّ لَوْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِمْ حُجَّةٌ مَعَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلِهِ، وَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ أَقْوَالُهُمْ امْتَنَعَ الْمَصِيرُ إلَى التَّقْدِيرِ الَّذِي ذَكَرُوهُ؛ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي رَوَيْنَاهَا، وَلِظَاهِرِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ إبَاحَةُ الْقَصْرِ لِمَنْ ضَرَبَ فِي الْأَرْضِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101]، وَقَدْ سَقَطَ شَرْطُ الْخَوْفِ بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، فَبَقِيَ ظَاهِرُ الْآيَةِ مُتَنَاوِلًا كُلَّ ضَرْبٍ فِي الْأَرْضِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ التَّقْدِيرَ بَابُهُ التَّوْقِيفُ، فَلَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ بِرَأْيٍ مُجَرَّدٍ؛ سِيَّمَا وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ يُرَدُّ إلَيْهِ، وَلَا نَظِيرٌ يُقَاسُ عَلَيْهِ، وَالْحُجَّةُ مَعَ مَنْ أَبَاحَ الْقَصْرَ لِكُلِّ مُسَافِرٍ، إلَّا أَنْ يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((كُلُّ اسْمٍ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ فِي اللُّغَةِ وَلَا فِي الشَّرْعِ فَالْمَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ؛ فَمَا كَانَ سَفَرًا فِي عُرْفِ النَّاسِ فَهُوَ السَّفَرُ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ الشَّارِعُ الْحُكْمَ؛ وَذَلِكَ مِثْلُ سَفَرِ أَهْلِ مَكَّةَ إلَى عَرَفَةَ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسَافَةَ بَرِيدٌ، وَهَذَا سَفَرٌ ثَبَتَ فِيهِ جَوَازُ الْقَصْرِ وَالْجَمْعِ بِالسُّنَّةِ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9))))اهـ.
قوله: (مُبَاحٍ): أي: من شروط الأخذ برخصة القصر أن يكون السفر مباحًا، وجوازه في سفر الطاعة من باب أولى؛ وأما إن سافر لمعصية؛ كالإباق، وقطع الطريق، والتجارة في خمر، لم يقصر، ولم يترخص بشيء من رخص السفر؛ لأنه لا يجوز تعليق الرخص بالمعاصي، لِمَا فيه من الإعانة عليها والدعاية إليها، ولا يَرِد الشرع بذلك([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10)).
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَلِأَنَّ التَّرَخُّصَ شُرِعَ لِلْإِعَانَةِ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَقْصِدِ الْمُبَاحِ، تَوَصُّلًا إلَى الْمَصْلَحَةِ؛ فَلَوْ شُرِعَ هَاهُنَا لَشُرِعَ إعَانَةً عَلَى الْمُحَرَّمِ، تَحْصِيلًا لِلْمَفْسَدَةِ؛ وَالشَّرْعُ مُنَزَّهٌ عَنْ هَذَا، وَالنُّصُوصُ وَرَدَتْ فِي حَقِّ الصَّحَابَةِ، وَكَانَتْ أَسْفَارُهُمْ مُبَاحَةً، فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي مَنْ سَفَرُهُ مُخَالِفٌ لِسَفَرِهِمْ؛ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ النَّصَّيْنِ، وَقِيَاسُ الْمَعْصِيَةِ عَلَى الطَّاعَةِ بَعِيدٌ؛ لِتَضَادِّهِمَا ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))))اهـ.
قلت: والصحيح – ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ ابن عثيمين([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)) رحمهما الله - أن المسافر له قصر الصلاة، ولو كان سفر معصية؛ وذلك لأمرين:
الأول: أن القصر عزيمة، لا رخصة.
الثاني: أن أدلة الباب عامة ولم تُفرق بين سفر الطاعة وسفر المعصية؛ فوجب حملها على عمومها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وَالْحُجَّةُ مَعَ مَنْ جَعَلَ الْقَصْرَ وَالْفِطْرَ مَشْرُوعًا فِي جِنْسِ السَّفَرِ وَلَمْ يَخُصَّ سَفَرًا مِنْ سَفَرٍ؛ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ فَإِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ قَدْ أَطْلَقَا السَّفَرَ قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، كَمَا قَالَ فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} الْآيَةَ، وَكَمَا تَقَدَّمَتِ النُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يَنْقُلْ قَطُّ أَحَدٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَصَّ سَفَرًا مِنْ سَفَرٍ، مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ السَّفَرَ يَكُونُ حَرَامًا وَمُبَاحًا، وَلَوْ كَانَ هَذَا مِمَّا يَخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنَ السَّفَرِ لَكَانَ بَيَانُ هَذَا مِنَ الْوَاجِبَاتِ، وَلَوْ بَيَّنَ ذَلِكَ لَنَقَلَتْهُ الْأُمَّةُ، وَمَا عَلِمْتُ عَنِ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ شَيْئًا([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13))))اهـ.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) قال أبو داود رحمه الله في ((مسائله)) (106، 107): ((سمعتُ أحمدَ، سُئِلَ: فِي كَمْ تَقْصُرُ الصَّلَاةُ؟ قَالَ: فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ؛ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا)).
وقال عبد الله رحمه الله في ((مسائله)) (ص119): ((سَأَلت أبي عَن الصَّلَاة بمنى لمن يُرِيد أن يُقيم للْعُمْرَة يقصر أَوْ يتم؟ قَالَ: لَا يقصر الصَّلَاة إلا فِي أربعة بُرُد؛ وَذَلِكَ ثَمَانِيَة وأربعون ميلًا)).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) انظر: ((الفروع)) لشمس الدين ابن مفلح، ومعه ((تصحيح الفروع)) للمرداوي (3/ 81).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) قال الإمام أحمد رحمه الله في ((مسائل عبد الله)) (ص117): ((يقصر فِي أرْبَع بُرُد؛ والبريد اثْنَا عشر ميلًا، وأربع بُرُد سِتَّة عشر فرسخًا؛ وَكَذَا اتَّفق عَلَيْهِ ابْن عمر وَابْن عَبَّاس فِي أربعة بُرُد)).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) أخرجه ابن المنذر في ((الأوسط)) (2261)، والبيهقي في ((الكبير)) (5397)، وصححه الألباني في ((الإرواء)) (568).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) انظر: ((الشرح الممتع)) (4/ 351)، وسيأتي بعد قليل كلام ابن قدامة وابن تيمية.

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) انظر: ((الأوسط)) لابن المنذر (4/ 346- 350)، فقد روى آثارًا كثيرة عن ابن عمر وابن عباس وعن الصحابة رضي الله عنهم واختلافهم في تحديد مسافة القصر.

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) أخرجه مسلم (691).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وهو أصح حديث ورد في بيان ذلك وأصرحه، وقد حمله مَنْ خالفه على أن المراد به المسافة التي يبتدأ منها القصر لا غاية السفر؛ ولا يخفى بُعْدُ هذا الحمل، مع أن البيهقي ذكر في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد - راويه عن أنس – قال: سألت أنسًا عن قصر الصلاة وكنت أخرج إلى الكوفة، يعني من البصرة فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع؟ فقال أنس فذكر الحديث. فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن الموضع الذي يبتدأ القصر منه))اهـ.

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) ((المغني)) (2/ 190)، مختصرًا.

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) ((مجموع الفتاوى)) (24/ 40، 41).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) ((الكافي)) (1/ 306).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) ((المغني)) (2/ 194).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) ((الشرح الممتع)) (4/ 350).

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) ((مجموع الفتاوى)) (24/ 109).

محمد طه شعبان
2015-01-04, 10:10 PM
قوله: (وَيَقْضِي صَلَاةَ سَفَرٍ فِي حَضَرٍ وَعَكْسُهُ تَامَّةً): أي: إذا نسي صلاة حضر فذكرها في السفر، أو صلاة سفر فذكرها في الحضر، صلى في الحالتين صلاة حضر.
فهذان مسألتان:
المسألة الأولى: نسي صلاة في حضر فذكرها في سفر؛ فهذا عليه صلاة حضر بإجماع أهل العلم، إلا ما نُقل عن الحسن رحمه الله.
قال ابن المنذر رحمه الله: ((أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ اخْتِلَافًا عَلَى أَنَّ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فِي حَضَرٍ فَذَكَرَهَا فِي السَّفَرِ أَنَّ عَلَيْهِ صَلَاةَ الْحَضَرِ لَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ، إِلَّا مَا اخْتُلِفَ فِيهِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)))).
وذلك لحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، أَوْ نَامَ عَنْهَا، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))»؛ أي: يصلي هذه الصلاة كما هي إذا ذكرها.
المسألة الثانية: نسي صلاة في سفر فذكرها في حضر؛ فالمذهب أن عليه صلاة الحضر احتياطًا.
والصحيح – ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله - أن عليه صلاة سفر.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ((مثال ذلك: رجل وصل إلى بلده ثم ذكر أنه لم يصل الظهر في السفر، فيلزمه أن يصلي أربعًا؛ لأنها صلاةٌ وجبت عليه في الحضر فلزمه الإِتمام، ولأن القصر من رخص السفر وقد زال السفر فيلزمه الإِتمام.
هذا هو المذهب، ولكنَّ القول الراجح خلافه، وأنه إذا ذكر صلاة سفر في حضر صلاها قصرًا لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا»؛ أي: فليصلها كما هي. وهذا الرجل ذكر أنه لم يصل الظهر وهي ركعتان في حقه، فلا يلزمه الإِتمام، ونقول كما قلنا في التي قبلها؛ فهذه صلاة وجبت عليه في سفر، وصلاة السفر مقصورة فلا يلزمه إتمامها([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))))اهـ.
قوله: (وَمَنْ نَوَى إِقَامَةً مُطْلَقَةً بِمَوْقِعٍ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، أَوِ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ أَتَمَّ).
فهذه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: مسافر نوى إقامة مطلقة؛ أي: لم يحدها بزمن معين؛ كسفراء الدول مثلًا؛ فهذا عليه إتمامُ الصلاة؛ لزوال السفر المبيح للقصر بنية الإقامة.
المسألة الثانية: من نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام؛ فهذا – أيضًا - عليه إتمام الصلاة.
واستدلوا على ذلك بما ورد في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقام في مكة أربعة أيام، وكان يقصر فيها الصلاة؛ وكان النبي صلى الله عليه وسلم – بلا شك - عازمًا على الإقامة هذه المدة لإتمام فريضة الحج؛ فأما من لم يكن عازمًا فله القصر أبدًا حتى يرجع إلى أهله.
فإن قيل: ولكن هذه المدة وقعت اتفاقًا لا قصدًا؛ بمعنى أن قدومه صلى الله عليه وسلم إلى مكة صادف يوم الرابع، فمكث إلى اليوم السابع، ثم خرج في اليوم الثامن إلى منى؛ ولو اتُّفق له صلى الله عليه وسلم – مثلًا - القدوم يوم الثالث لَقَصَرَ خمسة أيام؛ إذًا هذه المدة لا ينبني عليها حكم.
قالوا: هذا صحيح؛ ولكنَّ الأصل أن المسافر إذا أقام أن إقامته تقطع السفر، ولكن سُمِح في الأيام الأربعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقامها وقَصَرَ، فيبقى ما زاد عليها على الأصل؛ وهو المنع من الترخص، ووجوب الإتمام([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
والصحيح – وهو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله - أن تحديد المدة بأربعة أيام غير صحيح؛ بل للمسافر قصر الصلاة أبدًا حتى ولو نوى إقامة مقيدة؛ كأن ينوي الإقامة حتى ينتهي علاجه، ما دام أنه لم ينو إقامة دائمة أومطلقة؛ فإن نوى الإقامة الدائمة أو المطلقة فليس له القصر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وَأَمَّا مَنْ تَبَيَّنَتْ لَهُ السُّنَّةُ وَعَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَشْرَعْ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا رَكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يُحِدَّ السَّفَرَ بِزَمَانٍ أَوْ بِمَكَانِ، وَلَا حَدَّ الْإِقَامَةَ أَيْضًا بِزَمَنٍ مَحْدُودٍ لَا ثَلَاثَةٍ وَلَا أَرْبَعَةٍ وَلَا اثْنَا عَشَرَ وَلَا خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ؛ كَمَا كَانَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ يَفْعَلُ؛ حَتَّى كَانَ مَسْرُوقٌ قَدْ وَلَّوْهُ وِلَايَةً لَمْ يَكُنْ يَخْتَارُهَا فَأَقَامَ سِنِينَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، وَقَدْ أَقَامَ الْمُسْلِمُونَ بِنَهَاوَنْدَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ، وَكَانُوا يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّ حَاجَتَهُمْ لَا تَنْقَضِي فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَلَا أَكْثَرَ، كَمَا أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ، وَأَقَامُوا بِمَكَّةَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ يُفْطِرُونَ فِي رَمَضَانَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يُقِيمَ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ.
وَإِذَا كَانَ التَّحْدِيدُ لَا أَصْلَ لَهُ فَمَا دَامَ الْمُسَافِرُ مُسَافِرًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَلَوْ أَقَامَ فِي مَكَانٍ شُهُورًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))))اهـ.
المسألة الثالثة: مسافر ائتم بمقيم؛ سواء أدرك جميع الصلاة أو أدرك جزءًا منها؛ فهذا – أيضًا - عليه الإتمام.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُسَافِرَ مَتَى ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ، لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ، سَوَاءٌ أَدْرَكَ جَمِيعَ الصَّلَاةِ أَوْ رَكْعَةً، أَوْ أَقَلَّ. قَالَ الْأَثْرَمُ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْمُسَافِرِ، يَدْخُلُ فِي تَشَهُّدِ الْمُقِيمِينَ؟ قَالَ: يُصَلِّي أَرْبَعًا([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))))اهـ.
قلت: ودليل ذلك حديث مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ: إِنَّا إِذَا كُنَّا مَعَكُمْ صَلَّيْنَا أَرْبَعًا، وَإِذَا رَجَعْنَا إِلَى رِحَالِنَا صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ. قَالَ: تِلْكَ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
وَعَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَعُمَرُ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُثْمَانُ صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ، ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ صَلَّى بَعْدُ أَرْبَعًا، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ صَلَّى أَرْبَعًا، وَإِذَا صَلَّاهَا وَحْدَهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ((الأوسط)) (4/ 368)، و((الإجماع)) (ص42)، وقال في ((الأوسط)) عن قول الحسن: ((وقوله فيمن نسي صلاة في حضر فذكرها في السفر قول شاذ لا نعلم أحدًا قال به)).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) متفق عليه: أخرجه البخاري (597)، ومسلم (684).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (4/ 367).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) انظر: ((الشرح الممتع)) (4/ 373) و(4/ 385).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((مجموع الفتاوى)) (24/ 18).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((المغني)) (2/ 209).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) أخرجه أحمد (1862)، بإسناد حسن.

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) أخرجه مسلم (694).

محمد طه شعبان
2015-01-04, 10:12 PM
قوله: (وَإِنْ حُبِسَ ظُلْمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ إِقَامَةً قَصَرَ أَبَدًا): هنا مسألتان:
المسألة الأولى: مَنْ حُبِس ظلمًا؛ فله القصر أبدًا حتى يرجع إلى بلده.
ومفهوم كلام المؤلف أن مَنْ حُبِس في حق فليس له القصر.
والصحيح أنه يقصر مظلومًا كان أو غير مظلوم؛ لأنه مسافر ولم ينو الإقامة؛ وليس هناك ما يدل على استثناء غير المظلوم؛ إلا أن يكون المؤلف خرجها على مسألة سفر المعصية؛ وقد تقدم أن الصحيح أنه يقصر.
وعدم التفريق بين المظلوم وغير المظلوم هو ظاهر قول ابن قدامة رحمه الله؛ حيث أطلق ولم يُفرق؛ كما سيأتي في كلامه الآتي، وهو ما رجحه العلامة ابن عثيمين رحمه الله([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
المسألة الثانية: مَنْ سافر ولمْ ينو إقامة؛ فهذا له القصر أبدًا حتى يرجع إلى أهله.
فَعَنْ ثُمَامَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ، قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى ابْنِ عُمَرَ، فَقُلْتُ: مَا صَلَاةُ الْمُسَافِرِ؟ قَالَ: رَكْعَتَيْنِ، رَكْعَتَيْنِ، إِلَّا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ ثَلَاثًا، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ كُنَّا بِذِي الْمَجَازِ؟ قَالَ: مَا ذُو الْمَجَازِ؟ قُلْتُ: مَكَانٌ نَجْتَمِعُ فِيهِ، وَنَبِيعُ فِيهِ، وَنَمْكُثُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ، كُنْتُ بِأَذْرَبِيجَان َ - لَا أَدْرِي قَالَ: أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ - فَرَأَيْتُهُمْ يُصَلُّونَهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَإِنْ قَالَ: الْيَوْمَ أَخْرُجُ، وَغَدًا أَخْرُجُ، قَصَرَ، وَإِنْ أَقَامَ شَهْرًا؛ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ؛ أَنَّ مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الْإِقَامَةَ فَلَهُ الْقَصْرُ، وَلَوْ أَقَامَ سِنِينَ، مِثْلُ أَنْ يُقِيمَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ يَرْجُو نَجَاحَهَا، أَوْ لِجِهَادِ عَدُوٍّ، أَوْ حَبَسَهُ سُلْطَانٌ أَوْ مَرَضٌ، وَسَوَاءٌ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ انْقِضَاءُ الْحَاجَةِ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ، أَوْ كَثِيرَةٍ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رحمه الله: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَقْصُرَ مَا لَمْ يُجْمِعْ إقَامَةً، وَإِنْ أَتَى عَلَيْهِ سِنُونَ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ تِسْعَ عَشْرَةَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ جَابِرٌ: أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ. رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَا يُصَلِّي إلَّا رَكْعَتَيْنِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَقَمْنَا مَعَ سَعْدٍ بِعَمَّانَ أَوْ سَلْمَانَ، فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيُصَلِّي أَرْبَعًا([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: نَحْنُ أَعْلَمُ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ.
وَرَوَى سَعِيدٌ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: أَقَمْنَا مَعَ سَعْدٍ بِبَعْضِ قُرَى الشَّامِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً يَقْصُرُهَا سَعْدٌ، وَنُتِمُّهَا. وَقَالَ نَافِعٌ: أَقَامَ ابْنُ عُمَرَ بِأَذْرَبِيجَان َ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ؛ وَقَدْ حَالَ الثَّلْجُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ. وَعَنْ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَقَامَ بِالشَّامِ سَنَتَيْنِ يُصَلِّي صَلَاةَ الْمُسَافِرِ. وَقَالَ أَنَسٌ: أَقَامَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَامَهُرْمُزَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ. وَعَنْ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: أَقَمْتُ مَعَهُ سَنَتَيْنِ بِكَابُلَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، وَلَا يُجْمِعُ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانُوا يُقِيمُونَ بِالرَّيِّ السَّنَةَ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَبِسِجِسْتَانَ السَّنَتَيْنِ، يُجْمِعُونَ وَلَا يَصُومُونَ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))اهـ.
فالمسافر له أربع أحوال:
الحالة الأولى: أن يُسافر وينوي إقامة دائمة: فهذا ليس له القصر بالإجماع؛ بل عليه الإتمام من وقت نية الإقامة.
الحالة الثانية: أن يُسافر وينوي إقامة مطلقة لم يحدها بزمن معين؛ كسفراء الدول مثلًا: فهذا – أيضًا - عليه إتمامُ الصلاة؛ لزوال السفر المبيح للقصر بنية الإقامة.
الحالة الثالثة: أن يُسافر وينوي إقامة مؤقتة بمدة معينة؛ لقضاء حاجة ونحو ذلك: فهذا له القصر على الراجح، كما تقدم.
الحالة الرابعة: أن يُسافر ولا ينوي إقامة: فهذا له القصر أبدًا حتى يرجع إلى أهله.
قوله: (وَيُبَاحُ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرَيْنِ وِالْعِشَائَيْن ِ بِوَقْتِ إِحْدَاهُمَا): أي: سواء كان جمع تقديم؛ بأن صلى الظهر والعصر في وقت الظهر، والمغرب والعشاء في وقت المغرب؛ أو كان جمع تأخير؛ بأن صلى الظهر والعصر في وقت العصر، والمغرب والعشاء في وقت العشاء.
ودليل ذلك حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ، أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ، صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَكِبَ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
وفي لفظ لمسلم: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ: إِذَا عَجِلَ عَلَيْهِ السَّفَرُ، يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إِلَى أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ، فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ، حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ.
وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَكَانَ يَجْمَعُ الصَّلَاةَ؛ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمًا آخَرَ أَخَّرَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ دَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
وفي لفظ عند أحمد([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)): أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ زَيْغِ الشَّمْسِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إِلَى الْعَصْرِ يُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ سَارَ وَكَانَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ عَجَّلَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا مَعَ الْمَغْرِبِ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَجِلَ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما – أيضًا - قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاةِ فِي سَفْرَةٍ سَافَرَهَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. قَالَ سَعِيدٌ: فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10)).

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) كما في ((الشرح الممتع)) (4/ 383).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه أحمد (6424)، بإسناد حسن.

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) روى ابن المنذر في ((الأوسط)) (2240): قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يُوَفِّي فِي السَّفَرِ إِلَّا سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ». قلت: وقد ثبت هذا عن عائشة وعثمان رضي الله عنهما؛ ولكنهما كانا متؤوِّليْنِ.

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((المغني)) (2/ 215).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1111)، ومسلم (704).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) أخرجه مسلم (706).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) (22094).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1109)، ومسلم (703).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1805)، ومسلم (703).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) أخرجه مسلم (705).

محمد طه شعبان
2015-01-04, 10:13 PM
قوله: (وَلِمَريضٍ وَنَحْوِهِ يَلْحَقُهُ بِتَرْكِهِ مَشَقَّةٌ): أي: ويُباح الجمع بين الصلاتين لمريض ونحوه؛ ككبير في السن تلحقه بترك الجمع مشقة.
ودليل ذلك حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ. قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَادَ إِلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ.
وفي لفظ: فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا سَفَرٍ.
وفي لفظ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا، وَثَمَانِيًا، الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
قال ابن قدامة رحمه الله: ((وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ لِمَرَضٍ؛ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هَذَا عِنْدِي رُخْصَةٌ لِلْمَرِيضِ وَالْمُرْضِعِ...
وَالْمَرَضُ الْمُبِيحُ لِلْجَمْعِ هُوَ: مَا يَلْحَقُهُ بِهِ بِتَأْدِيَةِ كُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا مَشَقَّةٌ وَضَعْفٌ. قَالَ الْأَثْرَمُ، قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الْمَرِيضُ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ؟ فَقَالَ: إنِّي لِأَرْجُوَ لَهُ ذَلِكَ إذَا ضَعُفَ، وَكَانَ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى ذَلِكَ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
قوله: (وَبَيَنَ الْعِشَائَيْنِ فَقَطْ لِمَطَرٍ وَنَحْوِهِ يَبُلُّ الثَّوْبَ وَتُوجَدُ مَعَهُ مَشَقَّةٌ): أي: ويباح الجمع بين الصلاتين في المطر؛ ولكن بشرطين:
الشرط الأول: أن يكون الجمع بين المغرب والعشاء، ولا يصح جمع الظهر مع العصر.
قَالَ الْأَثْرَمُ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الْمَطَرِ؟ قَالَ: لَا، مَا سَمِعْتُ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
واستدلوا على ذلك بأن السُّنَّة لم ترد بالجمع لذلك إلا في المغرب والعشاء؛ فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وَعنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: إنَّ مِنَ السُّنَّةِ إذَا كَانَ يَوْمٌ مَطِيرٌ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
قالوا: وَهَذَا يَنْصَرِفُ إلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قلت: والصحيح – وهو قول في المذهب([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)) ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)) والشيخ ابن عثيمين([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)) رحمهما الله– أن الجمع للمطر ونحوه جائز بين الظهر والعصر أيضًا؛ وذلك لأمرين:
الأول: أن الأحاديث المذكورة – لو صحت – فهي لا تنفي الجمع بين الظهر والعصر؛ وإنما تثبت الجمع بين المغرب والعشاء؛ وهذا الإثبات لا يمنع الجمع في غيره؛ ما دامت العلة المطر والمشقة.
الثاني - وهو الأهم-: أن السُّنَّة الصحيحة قد وردت بالجمع بين الظهر والعصر أيضًا.
فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا سَفَرٍ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
الشرط الثاني: أن يكون المطر شديد بحيث يبل الثياب وتوجد معه مشقة؛ وأما المطر الخفيف الذي لا توجد معه مشقة فلا يجوز الجمع فيه.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وَفُهِمَ من قول المؤلف أنه لو لم يلحقه مشقة، فإنه لا يجوز له الجمع؛ وهو كذلك.
فإذا قال قائل: ما مثال المشقة؟ قلنا: المشقة أن يتأثر بالقيام والقعود إذا فرق الصلاتين، أو كان يشق عليه أن يتوضأ لكل صلاة.. والمشقات متعددة.
فحاصل القاعدة فيه: أنه كلما لحق الإِنسان مشقة بترك الجمع جاز له الجمع حضرًا وسفرًا...
فإذا كان هناك مطر يبل الثياب لكثرته وغزارته، فإنه يجوز الجمع بين العشائين، فإن كان مطرًا قليلًا لا يبل الثياب فإن الجمع لا يجوز؛ لأن هذا النوع من المطر لا يلحق المكلف فيه مشقة، بخلاف الذي يبل الثياب، ولا سيما إذا كان في أيام الشتاء، فإنه يلحقه مشقة من جهة البلل، ومشقة أخرى من جهة البرد، ولا سيما إن انضم إلى ذلك ريح فإنها تزداد المشقة.
فإن قيل: ما ضابط البلل؟
فالجواب: هو الذي إذا عصر الثوب تقاطر منه الماء.([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) جميع هذه الألفاظ عند مسلم (705).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((المغني)) (2/ 204، 205).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((المغني)) (2/ 203).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) قال الألباني في ((الإرواء)) (3/ 39): ((ضعيف جدًا، وقد وقفت على إسناده؛ رواه الضياء المقدسي في "المنتقى من مسموعاته بمرو" (ق37/ 2) عن الأنصاري: حدثني محمد بن زريق بن جامع المديني أبو عبد الله بمصر، حدثنا سفيان بن بشر قال: حدثني مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ... الحديث.
قلت: وهذا سند واهٍ جدًّا...))اهـ.

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ذكره ابن قدامة في ((المغني)) (2/ 202)، وقال: رواه الأثرم.
قال الألباني رحمه الله في ((الإرواء)) (3/ 41): ((لم أقف على سنده لأنظر فيه, ولا على من تكلم عليه.
وأبو سلمة بن عبد الرحمن تابعي, وقول التابعي: من السنة كذا. في حكم الموقوف لا المرفوع, بخلاف قول الصحابي ذلك, فإنه في حكم المرفوع))اهـ.
قلت: قال ابن عبد البر رحمه الله في ((التمهيد)) (12/ 212): ((وروى أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: من السنة إذا كان يوم مطير...)) فذكره.
قلت: وعمر بن أبي سلمة ضعيف؛ عَن يحيى بْن سَعِيد: كَانَ شعبة يضعف عُمَر بْنِ أَبي سَلَمَةَ.
وعَن علي بْن المديني: تركه شعبة، وليس بذاك.
وَقَال أَبُو بَكْر بْن أَبي خيثمة، عَنْ يحيى بْن مَعِين: ليس بِهِ بأس.
وَقَال مرة أخرى: ضعيف الحديث.
وَقَال أبو حاتم: هُوَ عندي صالح صدوق فِي الأصل، ليس بذاك القوي يكتب حديثه، ولا يحتج بِهِ، يخالف في بعض الشئ.
وَقَال إِبْرَاهِيم بْن يعقوب الجوزجاني: ليس بقوي في الحديث.
وَقَال النَّسَائي: ليس بالقوي.
وَقَال أَبُو بَكْر بْن خزيمة: لا يحتج بحديثه.

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((المغني)) (2/ 203).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) ((مجموع الفتاوى)) (22/ 30).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) ((الشرح الممتع)) (4/ 392).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) أخرجه مسلم (705).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) ((الشرح الممتع)) (4/ 390، 391) باختصار يسير.

محمد طه شعبان
2015-01-04, 10:14 PM
قوله: (وَلِوَحْلٍ وَرِيحٍ شَدِيدَةٍ بَارِدَةٍ، لَا بَارِدَةٍ فَقَطْ، إِلَّا بِلَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ): أي: ويباح الجمع أيضًا لِوَحْل أو ريح، وإن لم يكن مطرًا؛ قياسًا على المطر بجامع المشقة؛ ولكن بشرطين:
الشرط الأول: أن تكون الريح شديدة.
الشرط الثاني: أن تكون باردة.
فلا بد من اجتماع الصفتين؛ إلا لو كانت ليلة مظلمة، فلا يُشترط البرودة؛ لأن المشقة تحصل بالظلمة.
والصحيح – والله أعلم، وقد رجحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)) – أنه التقييد بهذين الشرطين فقط أو بالظلمة غير صحيح؛ وإنما في كل وقت وبكل شيء يُحدِث للإنسان مشقة؛ كريح شديدة تحمل ترابًا تسبب مشقة للإنسان، وإن لم تكن باردة، ولم تكن ظُلْمَة.
قوله: (وَالْأَفْضَلُ فِعْلُ الأَرْفَقِ مِنْ تَقْدِيمٍ أَوْ تَأْخِيرٍ): أي: لا يقال بأن الأفضل التقديم، أو يقال بأن الأفضل التأخير؛ حيث لم تَرِدْ سنَّةٌ بذلك؛ فيكون الأفضل هو فعل الأرفق بالشخص.
ودليل ذلك حديث معاذ رضي الله عنه عند مسلم، وأحمد، ولفظ أحمد: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ زَيْغِ الشَّمْسِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعَهَا إِلَى الْعَصْرِ يُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا، ثُمَّ سَارَ وَكَانَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ عَجَّلَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا مَعَ الْمَغْرِبِ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
فتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل الأرفق به وبمن معه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وَالْجَمْعُ جَائِزٌ فِي الْوَقْتِ الْمُشْتَرِكِ؛ فَتَارَةً يَجْمَعُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ كَمَا جَمَعَ بِعَرَفَةَ، وَتَارَةً يَجْمَعُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ كَمَا جَمَعَ بمزدلفة وَفِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَتَارَةً يَجْمَعُ فِيمَا بَيْنَهُمَا فِي وَسَطِ الْوَقْتَيْنِ، وَقَدْ يَقَعَانِ مَعًا فِي آخِرِ وَقْتِ الْأُولَى، وَقَدْ يَقَعَانِ مَعًا فِي أَوَّلِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ، وَقَدْ تَقَعُ هَذِهِ فِي هَذَا وَهَذِهِ فِي هَذَا؛ وَكُلُّ هَذَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْوَقْتَ عِنْدَ الْحَاجَةِ مُشْتَرَكٌ، وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّوَسُّطُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))))اهـ.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله - أيضًا – في معرض رده على من فضَّل جمع التأخير على جمع التقديم: ((لَيْسَ جَمْعُ التَّأْخِيرِ بِأَوْلَى مِنْ جَمْعِ التَّقْدِيمِ؛ بَلْ ذَاكَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ ؛ فَقَدْ يَكُونُ هَذَا أَفْضَلَ وَقَدْ يَكُونُ هَذَا أَفْضَلَ. وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ الْمَنْصُوصِ عَنْهُ وَغَيْرِهِ، وَمَنْ أَطْلَقَ مِنْ أَصْحَابِهِ الْقَوْلَ بِتَفْضِيلِ أَحَدِهِمَا مُطْلَقًا فَقَدْ أَخْطَأَ عَلَى مَذْهَبِهِ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))اهـ.
قوله: (وَكُرِهَ فِعْلُهُ فِي بَيْتِهِ وَنَحْوِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ): أي: ويُكره الجمع بين الصلاتين إن كان سيصلي في بيته لمطر ونحوه؛ لأنه لا مشقة عليه – حينئذ - في فعل الصلاة في وقتها؛ إلا إن كانت هناك ضرورة؛ كمرض تحصل معه مشقة لو فرق ولم يجمع.
وظاهر كلام المؤلف أنه يجوز له الجمع مع الكراهة.
والصحيح – وهو وجه في المذهب – أن الجمع إنما يكون لجماعة المسجد، وأما من صلي في بيته أو في عمله لأجل المطر ونحوه فليس له الجمع، ولا تصح صلاته؛ ما لم تكن هناك ضرورة كمرض ونحوه.
قال ابن قدامة رحمه الله: ((هَلْ يَجُوزُ الْجَمْعُ لِمُنْفَرِدٍ، أَوْ مَنْ كَانَ طَرِيقُهُ إلَى الْمَسْجِدِ فِي ظِلَالٍ يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَطَرِ إلَيْهِ، أَوْ مَنْ كَانَ مُقَامُهُ فِي الْمَسْجِدِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ إذَا وُجِدَ اسْتَوَى فِيهِ حَالُ وُجُودِ الْمَشَقَّةِ وَعَدَمِهَا؛ كَالسَّفَرِ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ الْعَامَّةَ إذَا وُجِدَتْ أَثْبَتَتِ الْحُكْمَ فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ حَاجَةٌ، كَالسَّلَمِ، وَإِبَاحَةِ اقْتِنَاءِ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِمَا، وَلِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ فِي الْمَطَرِ، وَلَيْسَ بَيْنَ حُجْرَتِهِ وَالْمَسْجِدِ شَيْءٌ.
وَالثَّانِي: الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ لِأَجْلِ الْمَشَقَّةِ، فَيَخْتَصُّ بِمَنْ تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ، دُونَ مَنْ لَا تَلْحَقُهُ؛ كَالرُّخْصَةِ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، يَخْتَصُّ بِمَنْ تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ، دُونَ مَنْ لَا تَلْحَقُهُ، كَمَنْ فِي الْجَامِعِ وَالْقَرِيبِ مِنْهُ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))))اهـ.
قلت: فأما قياسهم جمع الصلاة على إباحة السَّلَمِ وإباحة اقتناء كلب الصيد والماشية لمن ليس في حاجة إلى ذلك، فقياس غير صحيح؛ وذلك لأن الشرع الحنيف قد أباح هذه الأشياء إباحة مطلقة؛ فكل من تعامل بالسَّلَمِ فمعاملته صحيحة - وإن لم يكن في حاجة إليه – لأن الشرع لم يقيده بالحاجة أو الضرورة. وكذلك كل من أراد الصيد أو كانت عنده ماشية، فله اقتناء كلب لذلك – وإن لم يكن في حاجة للصيد، أو في اقتناء الماشية – لأن نصوص الشرع أباحته إباحة مطلقة، ولم تقيده بالحاجة أو الضرورة.
وأما الجمع بين الصلاتين فلا يقاس على هذا لأمور ثلاثة:
الأمر الأول: أن الجمع لأجل المطر قد أُبيح لضرورة رفع المشقة عن الناس، وعدم إحراجهم؛ فلا يباح إلا مع المشقة.
الأمر الثاني: أن السُّنَّة قد جاءت بالجمع لجماعة المسجد، ولم تأت بالجمع لمن يصلون في البيوت.
الأمر الثالث: أن هناك نصوص آمرة بأداء الصلاة في وقتها؛ فلا بد من الأخذ بها؛ لأنها الأصل، وما عداها يحتاج إلى دليل، ولا دليل هنا.
فتبين أن قياس جمع الصلاة في المطر على السًّلًم واقتناء كلب الصيد والماشية، قياس غير صحيح؛ لأن هذا قد أُبيح إباحة مطلقة، وهذا لم تأت نصوص بإباحته إلا في صورة معينة وعلة معينة؛ فإذا انتفت الصورة وانتفت العلة فلا بد من الرجوع للأصل.
وأما قولهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المطر وليس بين حجرته وبين المسجد شيء؛ فهذا دليل على ما ذكرناه مِن أنَّ الجمع إنما يكون لمن يصلي مع جماعة المسجد؛ وإن لم تقع عليه مشقة؛ وهنا يصلح أن يُستعمل قولُهم: ((الْحَاجَةُ الْعَامَّةُ إذَا وُجِدَتْ أَثْبَتَتِ الْحُكْمَ فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ حَاجَةٌ)).

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ((الشرح الممتع)) (4/ 392).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) تقدم قريبًا.

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((مجموع الفتاوى)) (24/ 56).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((مجموع الفتاوى)) (24/ 57، 58).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((المغني)) (2/ 204).

محمد طه شعبان
2015-01-04, 10:15 PM
قوله: (وَيَبْطُلُ جَمْعُ تَقْدِيمٍ بِرَاتِبَةٍ بَيْنَهُمَا، وَتَفْرِيقٍ بِأَكْثَرَ مِنْ وُضُوءٍ خَفِيفٍ وَإِقَامَةٍ): أي: ويبطل جمع التقديم إذا فَرَّق بين الصلاتين بصلاة نافلة راتبة، أو ما دون الراتبة؛ لأنه فَرَّقَ بينهما بصلاة فبطل الجمع؛ كما لو صلى بينهما غيرها؛ وكذلك لو فَرَّقَ بينهما بوقت كثير؛ سواء كان التفريق لنوم أو سهو أو شغل أو قصد أو غير ذلك؛ لأن معنى الجمع المتابعة أو المقارنة، والشرط لا يثبت المشروط بدونه، وإن كان يسيرًا لم يُمْنع؛ لأنه لا يمكن التحرز منه.
وقدَّروا الوقت القليل بمقدار الوضوء والإقامة؛ ورجح ابن قدامة رحمه الله أن مرجع الوقت القليل والكثير إلى العرف؛ لأن ما لم يَرِدِ الشرعُ بتقديره فلا سبيل إلى تقديره، والمرجع فيه إلى العرف([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
ومفهوم كلام المؤلف أن الجمع في وقت الثانية لا يضر فيه التفريق ولو كان كثيرًا.
ووجه تفريقهم بين الجمع في وقت الأولى والجمع في وقت الثانية: أنه لَمَّا كان التفريق بين الصلاتين يُبطِل الجمع؛ فإنه إنْ فَرَّقَ بينهما في وقت الأولى كانت الصلاة الثانية في غير وقتها فتبطل؛ وأما لو فَرَّقَ بينهما في وقت الثانية كانت الأولى مؤداة على وجه صحيح قبل التفريق، ولَمَّا فرَّقَ كانت الصلاة الثانية في وقتها أيضًا فَلَمْ تَبْطُل.
والصحيح – وهو قول عن أحمد، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – أنه لو فَرَّق بين الصلاتين فإن صلاته لا تبطل؛ سواء كان الجمع في وقت الأولى أو الثانية، وسواء كان الفصل بينهما قليلًا أو كثيرًا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((مِنْ كَلَامِهِ – أي: أحمد- مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ عِنْدَهُ هُوَ الْجَمْعُ فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى؛ كَالْجَمْعِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ إذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَالْعِشَاءَ فِي آخِرِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ - حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ - جَازَ ذَلِكَ، وَقَدْ نَصَّ أَيْضًا عَلَى نَظِيرِ هَذَا فَقَالَ: ((إذَا صَلَّى إحْدَى صَلَاتَيِ الْجَمْعِ فِي بَيْتِهِ وَالْأُخْرَى فِي الْمَسْجِدِ فَلَا بَأْسَ))، وَهَذَا نَصٌّ مِنْهُ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ هُوَ جَمْعٌ فِي الْوَقْتِ، لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الْمُوَاصَلَةُ، وَقَدْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ عَلَى قُرْبِ الْفَصْلِ؛ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ... وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ الْمُوَالَاةُ بِحَالٍ؛ لَا فِي وَقْتِ الْأُولَى وَلَا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ وَلِأَنَّ مُرَاعَاةَ ذَلِكَ يُسْقِطُ مَقْصُودَ الرُّخْصَةِ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
قوله: (وَتَجُوزُ صَلَاةُ الْخَوْفِ): أي: الصلاة التي تُصلى عند لقاء العدو، أو بحضرته؛ فيخاف كلا الفريقين من الأخر.
وصلاة الخوف مشروعة بالكتاب والسنة([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
فأما الكتاب: فقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُم ْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُم ْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 102].
وأما السُّنَّةُ: فستأتي الأحاديث معنا عند ذكر صفتها.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ((المغني)) (2/ 206).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((مجموع الفتاوى)) (24/ 52- 54).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) وهناك إجماع على مشروعيتا، إلا خلافًا شاذًّا حُكي في كتب الفقه عن أبي يوسف؛ حيث قال بأنها خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم. والمزني؛ حيث قال بأنها منسوخة.

محمد طه شعبان
2015-01-04, 10:21 PM
قوله: (بِأَيِّ صِفَةٍ صَحَّتْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم): أي: تجوز صلاة الخوف بأي صفة يختارها الأمام مِنَ الصفات التي صلاها بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قَالَ أَحْمَدُ رحمه الله: كُلُّ حَدِيثٍ يُرْوَى فِي أَبْوَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فَالْعَمَلُ بِهِ جَائِزٌ.
وَقَالَ: سِتَّةُ أَوْجُهٍ أَوْ سَبْعَةٌ يُرْوَى فِيهَا، كُلُّهَا جَائِزٌ.
وَقَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: تَقُولُ بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا كُلُّ حَدِيثٍ فِي مَوْضِعِهِ، أَوْ تَخْتَارُ وَاحِدًا مِنْهَا؟ قَالَ: أَنَا أَقُولُ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهَا كُلَّهَا فَحَسَنٌ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
قلت: والصحيح أن كل صفة جائزة حسب الحال الذي عليه الجيشان؛ فيتحرَّى المسلمون – بحسب الحال - ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ((المغني)) (2/ 306).

محمد طه شعبان
2015-01-04, 10:22 PM
قوله: (وَصَحَّتْ مِنْ سِتَّةِ أَوْجُهٍ): أي: ستة صفات، وإليك بيانها:
الصفة الأولى: إذا كان العدو في ظهر المسلمين.
ففي هذه الحالة يقسم قائدُ الجيش جَيْشَه إلى طائفتين، طائفة تصلِّي معه، وطائفة أمام العدو؛ لئلا يباغته العدوُّ، فيصلِّي بالطائفة الأولى ركعة، ثم إذا قام الإمام إلى الثانية نووا الانفراد وأتموا لأنفسهم، والإِمام لا يزال قائمًا، ثم إذا أتموا لأنفسهم ذهبوا ووقفوا مكان الطائفة الثانية أمام العدو، وجاءت الطائفة الثانية ودخلت مع الإِمام في الركعة الثانية، وفي هذه الحال يطيل الإِمام الركعة الثانية أكثر من الأولى؛ لتدركه الطائفة الثانية، فتدخل الطائفة الثانية مع الإِمام فيصلِّي بهم الركعة التي بقيت، ثم يجلس للتشهد، فإذا جلس للتشهد قامت هذه الطائفة من السجود وأكملت الركعة التي بقيت وأدركت الإِمام في التشهد فيسلم بهم([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
قال تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُم ْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُم ْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 102].
وَعَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْفِ، فَصَفَّهُمْ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ، فَصَلَّى بِالَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ خَلْفَهُمْ رَكْعَةً، ثُمَّ تَقَدَّمُوا وَتَأَخَّرَ الَّذِينَ كَانُوا قُدَّامَهُمْ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ قَعَدَ حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ تَخَلَّفُوا رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وفي لفظ: عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَمَّنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَاةَ الْخَوْفِ: أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ وَطَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وفي لفظ للبخاري: عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: يَقُومُ الإِمَامُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَهُ، وَطَائِفَةٌ مِنْ قِبَلِ العَدُوِّ، وُجُوهُهُمْ إِلَى العَدُوِّ، فَيُصَلِّي بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ يَقُومُونَ فَيَرْكَعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، وَيَسْجُدُونَ سَجْدَتَيْنِ فِي مَكَانِهِمْ، ثُمَّ يَذْهَبُ هَؤُلَاءِ إِلَى مَقَامِ أُولَئِكَ، فَيَرْكَعُ بِهِمْ رَكْعَةً، فَلَهُ ثِنْتَانِ، ثُمَّ يَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ سَجْدَتَيْنِ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، فَكَبَّرَ وَكَبَّرُوا مَعَهُ، وَرَكَعَ وَرَكَعَ نَاسٌ مِنْهُمْ مَعَهُ، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدُوا مَعَهُ، ثُمَّ قَامَ لِلثَّانِيَةِ، فَقَامَ الَّذِينَ سَجَدُوا وَحَرَسُوا إِخْوَانَهُمْ وَأَتَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى، فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا مَعَهُ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِي صَلَاةٍ، وَلَكِنْ يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
الصفة الثانية: وهي أيضًا إذا كان العدوُّ في ظهر المسلمين.
فيصلي الإمام بطائفة من الجيش ركعة، والطائفة الأخرى قائمة في ظهرهم تجاه العدو، ثم تنصرف الطائفة التي صلت معه الركعة - ولا تُسَلِّم- وتقوم تجاه العدو، وتأتي الطائفة الأخرى فتصلي معه ركعة، ثم يُسَلِّم الإمامُ، وتقضي هذه الطائفة الأخيرة الركعة التي عليها، ثم تُسَلِّم، وتذهب لتحرس مكان الطائفة الأولى، ثم تأتي الطائفة الأولى فتقضي الركعة([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْن ِ رَكْعَةً، وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مُوَاجِهَةُ الْعَدُوِّ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَقَامُوا فِي مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ، وَجَاءَ أُولَئِكَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً، وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
وفي لفظ للبخاري: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما، كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الخَوْفِ قَالَ: يَتَقَدَّمُ الإِمَامُ وَطَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُصَلِّي بِهِمُ الإِمَامُ رَكْعَةً، وَتَكُونُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ العَدُوِّ لَمْ يُصَلُّوا، فَإِذَا صَلَّى الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً، اسْتَأْخَرُوا مَكَانَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا، وَلاَ يُسَلِّمُونَ، وَيَتَقَدَّمُ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُصَلُّونَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ يَنْصَرِفُ الإِمَامُ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَيَقُومُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْن ِ فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً بَعْدَ أَنْ يَنْصَرِفَ الإِمَامُ، فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْن ِ قَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَقَامُوا صَفَّيْنِ، فَقَامَ صَفٌّ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَصَفٌّ مُسْتَقْبِلَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالصَّفِّ الَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ قَامُوا فَذَهَبُوا، فَقَامُوا مَقَامَ أُولَئِكَ مُسْتَقْبِلِي الْعَدُوِّ، وَجَاءَ أُولَئِكَ فَقَامُوا مَقَامَهُمْ، فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَامُوا فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمُوا، ثُمَّ ذَهَبُوا فَقَامُوا مَقَامَ أُولَئِكَ مُسْتَقْبِلِي الْعَدُوِّ، وَرَجَعَ أُولَئِكَ إِلَى مَقَامِهِمْ، فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمُوا([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
الصفة الثالثة: هي مثل الصفة السابقة؛ ولكن في هذه الصفة لا يقضون الركعة الثانية.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِذِي قَرَدٍ، وَصَفَّ النَّاسُ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ، صَفًّا خَلْفَهُ وَصَفًّا مُوَازِيَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّذِينَ خَلْفَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ انْصَرَفَ هَؤُلَاءِ إِلَى مَكَانِ هَؤُلَاءِ، وَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً وَلَمْ يَقْضُوا([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10)).
وَعَنْ مُخْمِلِ بْنِ دِمَاثٍ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: فَسَأَلَ النَّاسَ: مَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ صَلَاةَ الْخَوْفِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَ: فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا، صَلَّى بِطَائِفَةٍ مِنَ الْقَوْمِ رَكْعَةً، وَطَائِفَةٌ مُوَاجِهَةَ الْعَدُوِّ، ثُمَّ ذَهَبَ هَؤُلَاءِ، فَقَامُوا مَقَامَ أَصْحَابِهِمْ مُوَاجِهُو الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ فَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَانِ، وَلِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةٌ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11)).
الصفة الرابعة: إذا كان العدو أمام المسلمين، في جهة القبلة.
ففي هذه الحالة يصف الإمامُ الجيشَ صفين، ويبتدئ بهم الصلاة جميعًا، ويركع بهم جميعًا، ويرفع بهم جميعًا؛ فإذا سجد سجد معه الصف الأول فقط ويبقى الصف الثاني قائمًا يحرس، فإذا قام قام معه الصف الأول ثم سجد الصف المؤخر، فإذا قاموا تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، ثم صلَّى بهم الركعة الثانية، فيقوم بهم جميعًا، ويركع بهم جميعًا، فإذا سجد سجد معه الصف المقدم الذي كان في الركعة الأولى هو المؤخر، فإذا جلس للتشهد سجد الصف المؤخر، فإذا جلسوا للتشهد سلم الإِمام بهم جميعًا([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)).
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما، قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَصَفَّنَا صَفَّيْنِ، صَفٌّ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَكَعَ، وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ، وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السُّجُودَ، وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ، وَقَامُوا، ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ، وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ، ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نُحُورِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السُّجُودَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ، فَسَجَدُوا، ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13)).
الصفة الخامسة: أن يقسم الإمام الجيش طائفتين، فيصلي بكل طائفة صلاة منفردة.
وصورتها: أن يقسم الإمام الجيش طائفتين، فيصلي بطائفة منهم ركعتين، وطائفة تقوم على حراستهم، ثم ينصرف الإمام والذين يصلون، ثم تأتي الطائفة الأخرى التي لم تصلِّ، فيصلي بهم الإمام ركعتين، وتنصرف الأولى للحراسة، فيكون الإمام قد صلى أربعًا، وكل طائفة صلَّت ركعتين.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْن ِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14)).
وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي خَوْفٍ الظُّهْرَ، فَصَفَّ بَعْضُهُمْ خَلْفَهُ، وَبَعْضُهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَانْطَلَقَ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ، فَوَقَفُوا مَوْقِفَ أَصْحَابِهِمْ، ثُمَّ جَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّوْا خَلْفَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعًا، وَلِأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15)).
الصفة السادسة: وهي حال المسايفة؛ إذا اختلط الجيشان، واشتد الخوف؛ فيصلون في هذه الحالة فرادى رجالًا أو ركبانًا، مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها.
قال ابن قدامة رحمه الله: «أَمَّا إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ، وَالْتَحَمَ الْقِتَالُ، فَلَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا كَيْفَمَا أَمْكَنَهُمْ؛ رِجَالًا وَرُكْبَانًا، إلَى الْقِبْلَةِ إنْ أَمْكَنَهُمْ، وَإِلَى غَيْرِهَا إنْ لَمْ يُمْكِنْهُمْ، يُومِئُونَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ، وَيَجْعَلُونَ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ، وَيَتَقَدَّمُون َ وَيَتَأَخَّرُون َ، وَيَضْرِبُونَ وَيَطْعَنُونَ، وَيَكُرُّونَ وَيَفِرُّونَ، وَلَا يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا([16] (http://majles.alukah.net/#_ftn16))»اهـ.
ودليل هذه الصفة قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}[البقرة: 239].
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ، صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ أَوْ رُكْبَانًا، مُسْتَقْبِلِي القِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَ ا.
قَالَ مَالِكٌ: قَالَ نَافِعٌ: لَا أُرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([17] (http://majles.alukah.net/#_ftn17)).

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) انظر: «الشرح الممتع» (4/ 408، 409).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) متفق عليه: أخرجه البخاري (4131)، ومسلم (841).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) البخاري (4129)، ومسلم (842).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) البخاري (4131).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) أخرجه البخاري (944).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) انظر: «فتح الباري» (2/ 430)، و «نيل الأوطار» (3/ 378).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) متفق عليه: أخرجه البخاري (942)، ومسلم (839).
قال ابن حجر رحمه الله في «فتح الباري» (2/ 431): «وظاهره أنهم أتموا لأنفسهم في حالة واحدة ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب؛ وهو الراجح من حيث المعنى؛ وإلا فيستلزم تضييع الحراسة المطلوبة، وإفراد الإمام وحده، ويرجحه ما رواه أبو داود من حديث بن مسعود...»، وذكر حديث ابن مسعود الآتي.

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) البخاري (4535).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) أخرجه أحمد (3561)، وأبو داود (1239).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) أخرجه النسائي (1533)، وصححه الألباني في «صحيح سن النسائي» (1/ 496).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) أخرجه أحمد (23352)، وأبو داود (1246)، والنسائي (1529)، وصححه الألباني في «الإرواء» (3/ 44).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) انظر: «الشرح الممتع» (4/ 411).

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) أخرجه مسلم (841).

[14] (http://majles.alukah.net/#_ftnref14))) أخرجه مسلم (843).

[15] (http://majles.alukah.net/#_ftnref15))) أخرجه أحمد (20408)، وأبو داود (1248)، والنسائي (1551)، وصححه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (1/ 342).

[16] (http://majles.alukah.net/#_ftnref16))) «المغني» (2/ 309).

[17] (http://majles.alukah.net/#_ftnref17))) متفق عليه: أخرجه البخاري (4535)، ومسلم (839).

محمد طه شعبان
2015-01-04, 10:22 PM
قوله: (وَسُنَّ فِيهَا حَمْلُ سِلَاحٍ غَيْرِ مُثْقِلٍ): أي: يُسنُّ في صلاة الخوف حمل سلاح؛ كي يدافعون به عن أنفسهم؛ كما قال تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُم ْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُم ْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً} [النساء: 102]؛ ولكن يكون السلاح خفيفًا حتى لا يشغلهم عن الصلاة.
وقد رجح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن حمل السلاح واجب؛ حيث قال رحمه الله: ((والصحيح أن حمل السلاح واجب؛ لأن الله أمر به فقال: {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102]، ولأن ترك حمل السلاح خطر على المسلمين، وما كان خطرًا على المسلمين فالواجب تلافيه والحذر منه([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))اهـ.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ((الشرح الممتع)) (4/ 413، 414).

أم علي طويلبة علم
2016-08-15, 07:47 PM
‏اختبروا معلوماتكم بسجود السهو


http://www.alagr.com/wp/?page_id=34

أم علي طويلبة علم
2019-03-05, 07:46 AM
والصحيح – وهو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله - أن تحديد المدة بأربعة أيام غير صحيح؛ بل للمسافر قصر الصلاة أبدًا حتى ولو نوى إقامة مقيدة؛ كأن ينوي الإقامة حتى ينتهي علاجه، ما دام أنه لم ينو إقامة دائمة أومطلقة؛ فإن نوى الإقامة الدائمة أو المطلقة فليس له القصر.


وهل له الجمع أيضا؟

محمد طه شعبان
2019-03-05, 08:34 AM
وهل له الجمع أيضا؟

نعم، له الجمع؛ فهو مسافر، وله جميع رخص السفر.

أم علي طويلبة علم
2019-03-06, 08:23 AM
بارك الله فيكم

أم علي طويلبة علم
2021-10-12, 08:24 AM
للرفع