الدكتورمحمدعبدالغني
2014-05-20, 09:24 PM
فان كلمتنا في هذه الساعة المباركة تدور حول موضوع بعنوان (أَكْلُ الرِّبَا).
رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ) قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ (الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ،وَق َتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ،وَالت َّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ).
ان المال من أعظم فتن الشهوات، كما قال النبي عليه أتم الصلوات : «إنّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنةً، وفِتْنةُ أُمتي المالُ» ومن الفتنة الربا. والرِّبا في اللغةِ العربيةِ والقواميس المعجمية هو الزيادة والربا في الشريعة هو الزيادة على رأس المال من غير بيع قلت أو كثرت .
الرِّبا محرَّمٌ في جميع الشرائعِ الأرضية والأديانِ السماويَّةِ فصولون الذي وضعَ قانونَ «أَثِينا القَدِيم» نهى عنه، وأَرِسْطُو الفَيْلَسُوف ذمَّ الفائدةَ واعتبرَها كسبًا غير طبيعي . وقال : «أنّ النقدَ لا يُوَلِدُ النّقدَ» وشَبَّهَ النقدَ بدجاجةٍ عاقر لا تبيض.الرومان يقولون: هو كسب غير طبيعي وهو سبب انقسام الشعب إلى طبقتين متعارضتين، طبقة مسحوقة وطبقة ساحقة، وجاء في التوراة المُحرفة في (سِفْرِ تثنيةِ): «لا تقرض أخاك بربًا» وقد حكى القرآن هذا التحريم فقال الله عن اليهود : (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) وجاء في الانجيل : «إنّ الذي يأكلُ الرِّبا إذا ماتَ لا يستحقُ التكفين» وقريش وجد فيها من يحرم الربا رغم جاهليتها كما قال الإمام ابن إسحاق: لما أجمعوا أمرهم على هدم الكعبة وبنائها قام أبو وهب بن عامر فتناول من الكعبة حجراً وقال: "يا معشر قريش لا تدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيباً، لا يدخل فيه مهر بغي ولا بيع ربا." ومنذُ عَقْدَيْنِ من الزَّمنِ تَطَرَّقَ الاقتصادي الفرنسي الحائز على جائزة نُوبِلْ في الاقتصاد «موريس آلي» إلى الأزمة التي يشهدُها الاقتصاد العالمَي ، واقترحَ للخروجِ من الأزمةِ، شرطين، هما: تعديل معدل الفائدة إلى حدود الصِّفْرِ، ومراجعة معدل الضَّريبة إلى ما يُقارب (2%)، وهو ما يتطابق مع إلغاء الرِّبا، ونسبة الزكاة في النظام الإسلامي». فالإغريق واليونان واليهود والنصارى والحكماء كل هؤلاء يحرمون الربا. واليوم يأتي أحدهم ليقول: إنّ الحياة البشرية لا تتقدم بدون الرِّبا، فهو ضروري للنمو الاقتصادي والعمراني. والجواب :خالق البشر اعلم بما يصلح ومن المُحال أن يكون هناك شيءٌ خبيث هو حتميٌ لقيام الحياة ورُقيِّها، وإنما هو سُوء الفهم، والدِّعاية المسمومة الطاغية.
ماليزيا بلد اقترب من تطبيق شرع الله ، فخفض الفوائد إلى واحد بالمئة، فحقق فائضاً نقدياً قريباً من مئة مليار دولار، واصبحت ماليزيا البلد المسلم الأول بالعالم في النمو الاقتصادي ، فكيف لو جعلت الفائدة صفرا لازدهر الاقتصاد أكثر. وهذا مؤدى قول الله (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) .
ان خطورة الربا تكمن في ان المال لا يولده المال وانما المال تولده الاعمال . الإنسان عندما ينمي أمواله بالربا لم يقدم شيئاً للأمة فهو إنسان أناني قدم مالا وربح مالا ولم يستفد منه أحد من البشر ، أما الذي عمل معملاً فانه يحتاج الى موظفين : محاسب سائق عامل استئجار محل وهذا يعني ان المال توزع بين الناس .واذا قام انسان آخر بمعمل آخر طرحت البضائع في السوق وانخفضت الاسعار وصار الناس في رخاء وبحبوحة فاذا قل الصنف كالبطاطا ارتفع السعر واذا كثر الصنف قل السعر وهذا ما يسمى في الاقتصاد بالعلاقة بين السعر والاستهلاك. فالربا يرفع الاسعار ويكثر من البطالة لقلة الاعمال فلو أن إنساناً أسس مشروعاً بقرض ربوي هل يستطيع أن يبيع سلعته بسعر يساوي سعر مشروع أسس من دون قرض ربوي .لا شك فان راس المال يختلف ومن ثم فالسعر يختلف.والربا يشعل الحروب من اربابها بغية سد العجز من خلال الاستيلاء على الثروات للاخرين
نزل تحريم الرِّبا في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً ) ثمَّ في قوله تعالى: ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ (إنّ النّاسَ يُبعثونَ ويُخرجونَ من قُبورهم سِرَاَعًا؛ إلاّ آكِلُ الرِّبا فيريدُ الإسْرَاعَ فيسقطُ، فيصيرُ بمنزلةِ المتخبطِ من الخَبَلِ والجُنُونِ! ولقول رسول الله فمن أَكَلَ الرِّبا؛ بُعِثَ يومَ القيامةِ مجنونًا يَتَخَبَّطُ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ........يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ )
الرِّبا كبيرةٌ من الكبائر الَّتي حذَّر منها رسول الله فقال :(أَلَا وَإِنَّ كُلَّ رِبًا مِنْ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ تحت قَدَمَّي مَوْضُوعٌ وربا الجاهليّةِ موضوعٌ)). و قال : ( الرِّبا ثلاثةٌ وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه ). و قال : ( إذا ظهر الرِّبا و الزِّنا في قريةٍ فقد أحلُّوا بأنفسهم عذاب الله ). و قال : ( درهم رباً يأكله الرجل و هو يعلم أشدُّ عند الله من ستةٍ و ثلاثين زنية ). وعن جابر بن عبدالله: (( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ )) و«اللّعنُ» الطّرْدُ والإبعادُ من رحمةِ اللهِ. وقال:" ليأتين على الناس زمان لا يبقى فيه أحد إلا أكل الربا فإن لم يأكله أصابه من غباره و قال : (ما أَحَدٌ أكَثَرَ من الرِّبا إلاّ كانَ عاقِبةُ أمْرهِ إلى قِلّةٍ). أي: أنه وإن كان زيادة في المال عاجلًا؛ فإنه يؤول إلى نقص. وليس هذا فقط، بل لا يُوَفَّق في عمله، وبيته، وحياته، وصحته وهذا لأنَّ الجزاء من جنس العمل، فإنّ المُرابي قد ظَلم الناسَ، وأخذَ أموالهم على وجه غير شرعي؛ فجوزي بذهاب ماله.
وقد أجمع علماءُ الإسلام سلفاً وخلفاً على تحريم الرِّبا بكلِّ أشكاله و صوره ، عن ابنِ بُكَيْرٍ قالَ: «جَاءَ رجلٌ إلى مالكِ بنِ أنسٍ فقالَ: يا أَبا عبدِ اللهِ، إني رأيتُ رجلًا سكرانًا يتعاقرُ يريدُ أنْ يَأْخُذَ القَمَرَ؛ فقلتُ: امرأتي طالقٌ إنْ كان يدخلُ جوفَ ابن آدمَ أشرُّ من الخمر؟ فقالَ له مالكٌ: إرجع حتى أنظر في مسألتك. فأتاه من الغدِ، فقالَ له: إرجع حتى أنظر في مسألتك. فأتاه مِنَ الغدِ فقالَ لَهُ: امرأتُكَ طالقٌ؛ إني تَصَفَّحْتُ كتابَ اللهِ وسُنَّةَ نَبيِّهِ؛ فلم أَرَ شيئًا أشرّ من الرِّبا؛ لأنّ الله أَذِنَ فيه بالحرب» ونقول : أن أخطر معصية يفعلها الإنسان هي معصية الربا، لأن شارب الخمر يؤذي نفسه، والزاني يؤذي نفسه وهذه التي زنى بها، أما المرابي فيؤذي مجتمعاً بأكمله، يرفع الاسعار ويزيد البطالة ويجمع المال بيد فئة من الناس ويسبب في اشعال الفتن والحروب .
ينقسم الربا إلى نوعــين كبيرين أوضحهما علماء المسلمين، وفصّلوا أحكامهما:
فالأول ربا النسيئة من النسيء وهو التأجيل ويسمى الربا الجلي والربا الحقيقي وربا الديون وربا الجاهلية لانه كان شائعا في الجاهلية وربا القرآن لانه الربا الذي عنته الايات بتحريم الربا . وهذا ما تتعامل به البنوك والمصارف في ايامنا الحاضرة . ومثاله : أقرضت مائة دولار تستردها مائة وعشرين . ومن صوره : اشتريت غسالة بخمسماية دولار الى نهاية الشهر فلم تستطع دفعها فزاد البائع عليك مائة دولار . ومن صوره مبادلة الشك او السند او الصك المؤجل بأقل من قيمته بمعنى دفعت شكا قيمته خمسة آلاف دولار ويستحق الدفع من البنك بعد خمسة اشهر فقام الطرف الآخر بخسم ثلاثماية دولار ومن صوره: أنك اقترضت ستة آلاف دولار من رجل لمدة سنة ثم أديت له المبلغ في موعده وجلبت له هدية فهذا ربا وهذا طبق القاعدة الشهيرة كل قرضٍ جرَ نفعاً فهو ربا . أن يستدين الذهب الفضة من محلات الصاغة للزينة، أو للزواج، أو المناسبات، أو التجارة، وغيرها. أن يشتري الذهب الفضة أقساطًا. أن يعطي الصائغ شيكًا إلى مدّة مؤجلة. أخذ أيّ عملة من محل الصّرافة دينًا.
والثاني ربا الفضل ويسمى ربا البيوع وربا السنة والربا الخفي : أن يحصل مبادلة نوعين من جنس واحد مع الزيادة بينهما ، وجاءت النصوص الحديثية بتحريمه في ستة أشياء، وهي: الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح. وقاس العلماء عليها كل مطعوم من الطعام كالخضار والفواكه والحبوب : نحو ان تبيع نصف كيلو ذهب رديء بنصف كيلو ذهب جيد . وان تبيع صندوق من التمر الجيد بصندوقين من التمر الرديء . وان تبيع مائة بطيخة من الصنف الجيد بمائتي من الصنف الرديء . والشرع أن تبيع الجيد وتقبض ثمنه ثم تبيع الردي ء وتقبض ثمنه ، لا أن تبادل بينهما بالسعر وقد قال النبي: ( الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم؛ إذا كان يدًا بيد ) .وهذا يعني انه اذا بعت مائة بطيخة بمائة شمامة أو أكثر جائز لان الصنفين قد اختلفا وكذلك كيلو قمح رديء بنصف كيلو تمر. وما عدا ذلك فليس ربوياَ كالكتب والأقلام والثياب والأخشاب والسيارات والمعدات ، فهذه ليست ربوية لأنها ليست مطعومة ، وعليه لو بادلت سيارة بسيارتين أو قلماَ بقلمين أو ثوباَ بثوبين فإن هذا جائز ولا بأس به .
كَيْفَ يَخلُصُ مِنَ المالِ الحرامِ؟ يجبُ على مَنْ جمع مالًا من حرامٍ؛ ربًا أو غيره، أنْ يخرجه ولا ينتفع بشيء منه، ويصرفه في في المصالح العامة، كبناء المستوصفات والمستشفيات والمدارس والأسوار والطرقات، أو إصلاحها. أو طباعة ونشر كتب العلم النافع ولا تُعتبر من الزكاة أو الصدقة، بهذا أفتى العلماء. ورحمَ اللهُ نساءَ السَّلَفِ لما كانت إحداهنّ توصي زوجها قبل الخروج من البيت للعمل بقولها: يا هذا! اتَّقِ اللهَ فينا، ولا تُطعمنا إلاّ الحلال؛ فإنا نصبر على الجوع، ولا نصبر على النّار.
رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ) قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ (الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ،وَق َتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ،وَالت َّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ).
ان المال من أعظم فتن الشهوات، كما قال النبي عليه أتم الصلوات : «إنّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنةً، وفِتْنةُ أُمتي المالُ» ومن الفتنة الربا. والرِّبا في اللغةِ العربيةِ والقواميس المعجمية هو الزيادة والربا في الشريعة هو الزيادة على رأس المال من غير بيع قلت أو كثرت .
الرِّبا محرَّمٌ في جميع الشرائعِ الأرضية والأديانِ السماويَّةِ فصولون الذي وضعَ قانونَ «أَثِينا القَدِيم» نهى عنه، وأَرِسْطُو الفَيْلَسُوف ذمَّ الفائدةَ واعتبرَها كسبًا غير طبيعي . وقال : «أنّ النقدَ لا يُوَلِدُ النّقدَ» وشَبَّهَ النقدَ بدجاجةٍ عاقر لا تبيض.الرومان يقولون: هو كسب غير طبيعي وهو سبب انقسام الشعب إلى طبقتين متعارضتين، طبقة مسحوقة وطبقة ساحقة، وجاء في التوراة المُحرفة في (سِفْرِ تثنيةِ): «لا تقرض أخاك بربًا» وقد حكى القرآن هذا التحريم فقال الله عن اليهود : (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) وجاء في الانجيل : «إنّ الذي يأكلُ الرِّبا إذا ماتَ لا يستحقُ التكفين» وقريش وجد فيها من يحرم الربا رغم جاهليتها كما قال الإمام ابن إسحاق: لما أجمعوا أمرهم على هدم الكعبة وبنائها قام أبو وهب بن عامر فتناول من الكعبة حجراً وقال: "يا معشر قريش لا تدخلوا في بنائها من كسبكم إلا طيباً، لا يدخل فيه مهر بغي ولا بيع ربا." ومنذُ عَقْدَيْنِ من الزَّمنِ تَطَرَّقَ الاقتصادي الفرنسي الحائز على جائزة نُوبِلْ في الاقتصاد «موريس آلي» إلى الأزمة التي يشهدُها الاقتصاد العالمَي ، واقترحَ للخروجِ من الأزمةِ، شرطين، هما: تعديل معدل الفائدة إلى حدود الصِّفْرِ، ومراجعة معدل الضَّريبة إلى ما يُقارب (2%)، وهو ما يتطابق مع إلغاء الرِّبا، ونسبة الزكاة في النظام الإسلامي». فالإغريق واليونان واليهود والنصارى والحكماء كل هؤلاء يحرمون الربا. واليوم يأتي أحدهم ليقول: إنّ الحياة البشرية لا تتقدم بدون الرِّبا، فهو ضروري للنمو الاقتصادي والعمراني. والجواب :خالق البشر اعلم بما يصلح ومن المُحال أن يكون هناك شيءٌ خبيث هو حتميٌ لقيام الحياة ورُقيِّها، وإنما هو سُوء الفهم، والدِّعاية المسمومة الطاغية.
ماليزيا بلد اقترب من تطبيق شرع الله ، فخفض الفوائد إلى واحد بالمئة، فحقق فائضاً نقدياً قريباً من مئة مليار دولار، واصبحت ماليزيا البلد المسلم الأول بالعالم في النمو الاقتصادي ، فكيف لو جعلت الفائدة صفرا لازدهر الاقتصاد أكثر. وهذا مؤدى قول الله (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) .
ان خطورة الربا تكمن في ان المال لا يولده المال وانما المال تولده الاعمال . الإنسان عندما ينمي أمواله بالربا لم يقدم شيئاً للأمة فهو إنسان أناني قدم مالا وربح مالا ولم يستفد منه أحد من البشر ، أما الذي عمل معملاً فانه يحتاج الى موظفين : محاسب سائق عامل استئجار محل وهذا يعني ان المال توزع بين الناس .واذا قام انسان آخر بمعمل آخر طرحت البضائع في السوق وانخفضت الاسعار وصار الناس في رخاء وبحبوحة فاذا قل الصنف كالبطاطا ارتفع السعر واذا كثر الصنف قل السعر وهذا ما يسمى في الاقتصاد بالعلاقة بين السعر والاستهلاك. فالربا يرفع الاسعار ويكثر من البطالة لقلة الاعمال فلو أن إنساناً أسس مشروعاً بقرض ربوي هل يستطيع أن يبيع سلعته بسعر يساوي سعر مشروع أسس من دون قرض ربوي .لا شك فان راس المال يختلف ومن ثم فالسعر يختلف.والربا يشعل الحروب من اربابها بغية سد العجز من خلال الاستيلاء على الثروات للاخرين
نزل تحريم الرِّبا في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً ) ثمَّ في قوله تعالى: ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ (إنّ النّاسَ يُبعثونَ ويُخرجونَ من قُبورهم سِرَاَعًا؛ إلاّ آكِلُ الرِّبا فيريدُ الإسْرَاعَ فيسقطُ، فيصيرُ بمنزلةِ المتخبطِ من الخَبَلِ والجُنُونِ! ولقول رسول الله فمن أَكَلَ الرِّبا؛ بُعِثَ يومَ القيامةِ مجنونًا يَتَخَبَّطُ) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ........يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ )
الرِّبا كبيرةٌ من الكبائر الَّتي حذَّر منها رسول الله فقال :(أَلَا وَإِنَّ كُلَّ رِبًا مِنْ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ تحت قَدَمَّي مَوْضُوعٌ وربا الجاهليّةِ موضوعٌ)). و قال : ( الرِّبا ثلاثةٌ وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه ). و قال : ( إذا ظهر الرِّبا و الزِّنا في قريةٍ فقد أحلُّوا بأنفسهم عذاب الله ). و قال : ( درهم رباً يأكله الرجل و هو يعلم أشدُّ عند الله من ستةٍ و ثلاثين زنية ). وعن جابر بن عبدالله: (( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ )) و«اللّعنُ» الطّرْدُ والإبعادُ من رحمةِ اللهِ. وقال:" ليأتين على الناس زمان لا يبقى فيه أحد إلا أكل الربا فإن لم يأكله أصابه من غباره و قال : (ما أَحَدٌ أكَثَرَ من الرِّبا إلاّ كانَ عاقِبةُ أمْرهِ إلى قِلّةٍ). أي: أنه وإن كان زيادة في المال عاجلًا؛ فإنه يؤول إلى نقص. وليس هذا فقط، بل لا يُوَفَّق في عمله، وبيته، وحياته، وصحته وهذا لأنَّ الجزاء من جنس العمل، فإنّ المُرابي قد ظَلم الناسَ، وأخذَ أموالهم على وجه غير شرعي؛ فجوزي بذهاب ماله.
وقد أجمع علماءُ الإسلام سلفاً وخلفاً على تحريم الرِّبا بكلِّ أشكاله و صوره ، عن ابنِ بُكَيْرٍ قالَ: «جَاءَ رجلٌ إلى مالكِ بنِ أنسٍ فقالَ: يا أَبا عبدِ اللهِ، إني رأيتُ رجلًا سكرانًا يتعاقرُ يريدُ أنْ يَأْخُذَ القَمَرَ؛ فقلتُ: امرأتي طالقٌ إنْ كان يدخلُ جوفَ ابن آدمَ أشرُّ من الخمر؟ فقالَ له مالكٌ: إرجع حتى أنظر في مسألتك. فأتاه من الغدِ، فقالَ له: إرجع حتى أنظر في مسألتك. فأتاه مِنَ الغدِ فقالَ لَهُ: امرأتُكَ طالقٌ؛ إني تَصَفَّحْتُ كتابَ اللهِ وسُنَّةَ نَبيِّهِ؛ فلم أَرَ شيئًا أشرّ من الرِّبا؛ لأنّ الله أَذِنَ فيه بالحرب» ونقول : أن أخطر معصية يفعلها الإنسان هي معصية الربا، لأن شارب الخمر يؤذي نفسه، والزاني يؤذي نفسه وهذه التي زنى بها، أما المرابي فيؤذي مجتمعاً بأكمله، يرفع الاسعار ويزيد البطالة ويجمع المال بيد فئة من الناس ويسبب في اشعال الفتن والحروب .
ينقسم الربا إلى نوعــين كبيرين أوضحهما علماء المسلمين، وفصّلوا أحكامهما:
فالأول ربا النسيئة من النسيء وهو التأجيل ويسمى الربا الجلي والربا الحقيقي وربا الديون وربا الجاهلية لانه كان شائعا في الجاهلية وربا القرآن لانه الربا الذي عنته الايات بتحريم الربا . وهذا ما تتعامل به البنوك والمصارف في ايامنا الحاضرة . ومثاله : أقرضت مائة دولار تستردها مائة وعشرين . ومن صوره : اشتريت غسالة بخمسماية دولار الى نهاية الشهر فلم تستطع دفعها فزاد البائع عليك مائة دولار . ومن صوره مبادلة الشك او السند او الصك المؤجل بأقل من قيمته بمعنى دفعت شكا قيمته خمسة آلاف دولار ويستحق الدفع من البنك بعد خمسة اشهر فقام الطرف الآخر بخسم ثلاثماية دولار ومن صوره: أنك اقترضت ستة آلاف دولار من رجل لمدة سنة ثم أديت له المبلغ في موعده وجلبت له هدية فهذا ربا وهذا طبق القاعدة الشهيرة كل قرضٍ جرَ نفعاً فهو ربا . أن يستدين الذهب الفضة من محلات الصاغة للزينة، أو للزواج، أو المناسبات، أو التجارة، وغيرها. أن يشتري الذهب الفضة أقساطًا. أن يعطي الصائغ شيكًا إلى مدّة مؤجلة. أخذ أيّ عملة من محل الصّرافة دينًا.
والثاني ربا الفضل ويسمى ربا البيوع وربا السنة والربا الخفي : أن يحصل مبادلة نوعين من جنس واحد مع الزيادة بينهما ، وجاءت النصوص الحديثية بتحريمه في ستة أشياء، وهي: الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح. وقاس العلماء عليها كل مطعوم من الطعام كالخضار والفواكه والحبوب : نحو ان تبيع نصف كيلو ذهب رديء بنصف كيلو ذهب جيد . وان تبيع صندوق من التمر الجيد بصندوقين من التمر الرديء . وان تبيع مائة بطيخة من الصنف الجيد بمائتي من الصنف الرديء . والشرع أن تبيع الجيد وتقبض ثمنه ثم تبيع الردي ء وتقبض ثمنه ، لا أن تبادل بينهما بالسعر وقد قال النبي: ( الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم؛ إذا كان يدًا بيد ) .وهذا يعني انه اذا بعت مائة بطيخة بمائة شمامة أو أكثر جائز لان الصنفين قد اختلفا وكذلك كيلو قمح رديء بنصف كيلو تمر. وما عدا ذلك فليس ربوياَ كالكتب والأقلام والثياب والأخشاب والسيارات والمعدات ، فهذه ليست ربوية لأنها ليست مطعومة ، وعليه لو بادلت سيارة بسيارتين أو قلماَ بقلمين أو ثوباَ بثوبين فإن هذا جائز ولا بأس به .
كَيْفَ يَخلُصُ مِنَ المالِ الحرامِ؟ يجبُ على مَنْ جمع مالًا من حرامٍ؛ ربًا أو غيره، أنْ يخرجه ولا ينتفع بشيء منه، ويصرفه في في المصالح العامة، كبناء المستوصفات والمستشفيات والمدارس والأسوار والطرقات، أو إصلاحها. أو طباعة ونشر كتب العلم النافع ولا تُعتبر من الزكاة أو الصدقة، بهذا أفتى العلماء. ورحمَ اللهُ نساءَ السَّلَفِ لما كانت إحداهنّ توصي زوجها قبل الخروج من البيت للعمل بقولها: يا هذا! اتَّقِ اللهَ فينا، ولا تُطعمنا إلاّ الحلال؛ فإنا نصبر على الجوع، ولا نصبر على النّار.