مشاهدة النسخة كاملة : القواعد المستخلصة من الشرح الممتع
محمد طه شعبان
2014-04-01, 10:24 AM
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد فهذه بعض القواعد التي استخلصتها من الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين رحمه الله.
أسأل الله تعالى أن ينفع بها.
القاعدة الأولى: ((الاستثناء معيار العُمُوم([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
قال الشيخ رحمه الله: ((يعني: لو أنَّ أحداً استثنى من كلام عام فإِن ما سوى هذه الصُّورة داخل في الحكم؛ وعلى هذا فكلُّ شيء يُباحُ اتِّخاذه إِلا آنيةَ الذَّهب والفضَّة([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
وقال – أيضًا - رحمه الله: ((أي: إِذا جاء شيء عام ثم استُثني منه، فكلُّ الأفراد يتضمَّنه العموم، إلا ما اسْتُثْنِيَ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))))اهـ.
وقال – أيضًا - رحمه الله: ((قول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ، إِلَّا الْمَقْبَرَةَ، وَالْحَمَّامَ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))»، وهذا استثناء، والاستثناء معيار العموم([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))))اهـ.
وقال – أيضًا - رحمه الله: ((كرجل أوقف داره على أولاده فانهدمت الدار، فيجوز أن تباع.
وقوله: «ولا يباع إلا أن تتعطل منافعه» ظاهره أنه لا يباع بأي حال من الأحوال إلا في هذه الصورة؛ لأن من القواعد المقررة (أن الاستثناء معيار العموم) يعني يدل على العموم فيما عدا الصورة المستثناة؛ فعلى هذا لا يباع بأي حال من الأحوال إلا في هذه الحال، وهي إذا تعطلت منافعه([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))))اهـ.
وقال – أيضًا - رحمه الله: ((الاستثناء معيار العموم؛ يعني أنك إذا استثنيت شيئاً دل ذلك على أن الحكم عام فيما عدا المستثنى([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))))اهـ.
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ رحمه الله (1/ 72)، (1/ 330)، (2/ 238)، (11/ 59)، (11/ 87)، (13/ 188).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) (1/ 72).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) (1/ 330).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) أخرجه أحمد (11784)، وأبو داود (492)، والترمذي (317)، وابن ماجه (745)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (2767).
[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) (2/ 238).
[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) (11/ 59).
[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) (13/ 188).
محمد طه شعبان
2014-04-01, 10:40 AM
القاعدة الثانية: ((لا يلزم من التَّحريم النَّجاسة([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
قال الشيخ رحمه الله: ((ولهذا فالسُّمُ حرام، وليس بنجس، والخمر حرام وليس بنجس، على القول الرَّاجح([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ رحمه الله (1/ 86)، (1/ 431).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) (1/ 86).
محمد طه شعبان
2014-04-01, 11:06 AM
القاعدة الثالثة: ((كُلُّ حلال طاهر([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
قال الشيخ رحمه الله: ((السَّمك وغيره من حيوان البحر بدون استثناء، فإن ميتته طاهرة حلال لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96]([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) (1/ 94).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) (1/ 94).
محمد طه شعبان
2014-04-01, 12:10 PM
القاعدة الرابعة: ((كُلُّ نجس حرام([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))قال الشيخ رحمه الله: ((لأن المتنجِّس متأثر بالنجاسة، مختلط بها، فالنجاسة لم تزل فيه، فإذا أكَلْتَهُ أو شَرِبْتَه، فقد باشرت النجاسة، أكلت النجاسة وشربتها؛ ولهذا نقول: المتنجس محرَّم؛ لأنه ليس بطاهر، وإذا كان الشرع يأمرنا بإزالة النجاسة من ظاهر أجسامنا، فكيف نُدخل النجاسة باطن أجسامنا؟!([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) (1/ 94)، (15/ 9).[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) (15/ 9).
محمد طه شعبان
2014-04-01, 09:44 PM
القاعدة الخامسة: ((النَّفي يكون أولًا لنفي الوجود، ثم لنفي الصِّحة، ثم لنفي الكمال([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
قال الشيخ رحمه الله: ((فإِذا جاء نصٌّ في الكتاب أو السُّنَّة فيه نفيٌ لشيء؛ فالأصل أن هذا النفيَ لنفي وجود ذلك الشيء، فإن كان موجودًا فهو نفي الصِّحَّة، ونفيُ الصِّحَّة نفيٌ للوجود الشَّرعي، فإنْ لم يمكن ذلك بأن صحَّت العبادة مع وجود ذلك الشيء، صار النَّفيُ لنفي الكمال لا لنفي الصِّحَّة.
مثالُ نفي الوجود: (لا خالق للكون إلا الله).
مثال نفي الصِّحة: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
ومثال نفي الكمال: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))»([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))اهـ.
وقال أيضًا رحمه الله: ((لأنَّ النَّفْيَ إذا وَقَعَ فله ثلاثُ مراتبٍ:
المرتبةُ الأولى والثانية: أن يكون نفيًا للوجود الحِسِّي، فإنْ لم يمكن فهو نَفْيٌ للوجودِ الشَّرعي، أي: نفيٌ للصِّحَّةِ، فالحديثُ الذي معنا لا يمكن أن يكون نفيًا للوجود؛ لأنَّه مِن الممكن أنْ يصلِّيَ الإِنسانُ خلفَ الصَّفِّ منفردًا، فيكون نفيًا للصِّحَّةُ، والصِّحَّةُ هي الوجودُ الشَّرعيُّ؛ لأنه ليس هناك مانعٌ يمنعُ نَفْيَ الصِّحَّةِ، فهاتان مرتبتان.
المرتبة الثالثة: إذا لم يمكن نَفْيُ الصِّحَّةِ؛ بأن يوجد دليلٌ على صِحَّةِ المنفيِّ فهو نَفْيٌ للكمالِ، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» لأنَّ مَن لا يُحِبُّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسِه لا يكون كافرًا، لكن ينتفي عنه كمالُ الإِيمان فقط([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))))اهـ.
وقال أيضًا رحمه الله: ((فلو قال قائل: لِمَ لا نقول: لا نكاح كامل، ونحمل النفي على نفي الكمال لا على نفي الصحة؟
قلنا: هذا غير صحيح؛ لأنه متى أمكن حمله على نفي الصحة كان هو الواجب؛ لأنه ظاهر اللفظ، ونحن لا نرجع إلى تفسير النفي بنفي الكمال، إلا إذا دل دليل على الصحة، ولأن الأصل في النفي انتفاء الحقيقة واقعًا أو شرعًا([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))))اهـ.
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ رحمه الله: (1/ 158)، (3/ 295)، (4/ 110)، (4/ 270)، (12/ 70)،
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) متفق عليه: أخرجه البخاري (756)، ومسلم (394).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) متفق عليه: أخرجه البخاري (13)، ومسلم (45).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) (1/ 159).
[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) (4/ 270، 271).
[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) (12/ 70).
محمد طه شعبان
2014-04-01, 09:47 PM
القاعدة السادسة: ((قَطْعُ نيَّةِ العبادة بعد فعلها لا يؤثِّر([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ رحمه الله: (1/ 206).
محمد طه شعبان
2014-04-01, 11:15 PM
القاعدة السابعة: ((الشَّكُّ بعد الفعل لا يؤثِّرُ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
قال الشيخ رحمه الله: ((سواء شككتَ في النيَّة، أو في أجزاء العبادة، فلا يؤثِّر إِلا مع اليقين.
فلو أن رجلًا بعد أن صَلَّى الظُّهر قال: لا أدري هل نويتُها ظُهرًا أو عصرًا، شكًّا منه؟ فلا عبرة بهذا الشكِّ ما دام أنَّه داخل على أنها الظُّهر فهي الظُّهر، ولا يؤثِّر الشَّكُّ بعد ذلك، ومما أُنشِدَ في هذا:
والشَّكُّ بعد الفعل لا يؤثِّر * * * وهكذا؛ إِذ الشُّكوكُ تكثُر([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
قلت: لأنه قد يمر زمان على العبادة فينسى المكلف، ويدخله الشك؛ وهذا يكثر؛ فلو اعتُبِرَ الشك بعد الفراغ من العبادة لكان تكليفًا بما لا يطاق.
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ رحمه الله: (1/ 206).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) (1/ 207).
محمد طه شعبان
2014-04-01, 11:16 PM
القاعدة: الثامنة: ((ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
قال الشيخ رحمه الله: ((فلا يزول اليقين بشيءٍ مظنون أو مشكوكٍ فيه([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (1/ 50)، (2/ 28)، (2/ 231)، (13/ 170).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) (2/ 231).
محمد طه شعبان
2014-04-03, 11:10 AM
القاعدة التاسعة: ((ما أتى ولم يُحدَّدْ بالشَّرع فمرجعُه إلى العُرف([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
قال الشيخ رحمه الله: ((العرف مقدم على كل شيء ما لم يناقض الشرع، فإن ناقض الشرع فلا حكم له، فلو فرض أنه شاع في الناس أن بيع المحرم المعيَّن حلال، وهو حرام شرعًا فلا يرجع إلى العرف، فالعرف إذا خالف الشرع يجب إلغاؤه؛ لأن الأمة الإسلامية يجب أن يكون المتعارف بينها ما دل عليه الشرع، فإذا وجد عرف يخالف الشرع وجب تعديله، ولا يجوز أن يحول الشرع إلى العرف.
فإن قال قائل: ألستم تقولون: إن المرجع في النفقة على الزوجة - مثلًا - إلى العرف؟ الجواب: بلى، لكننا لم ننقض القاعدة؛ لأن الله أحالنا في الإنفاق على الزوجة إلى العرف، فإذا عملنا بالعرف في الإنفاق فقد عملنا بالشرع([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
وقال الشيخ رحمه الله: ((فالكثير: بحسب عُرف النَّاس؛ فإن قالوا: هذا كثيرٌ، صار كثيرًا، وإن قالوا: هذا قليلٌ، صار قليلًا([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))))اهـ.
وقال رحمه الله: ((يجب عليه أن يطلب الماء فيما قَرُبَ منه؛ فيبحث هل قُرْبه، أو حَوْله بئر، أو غدير؟ والقُرب ليس له حَدٌّ محدَّد، فيُرْجَع فيه إِلى العُرْف، والعُرْف يختلف باختلاف الأزمنة؛ ففي زمَننا وُجِدَت السيَّارات فالبعيد يكون قريبًا، وفي الماضي كان الموجود الإِبل فالقريب يكون بعيدًا([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))اهـ.
وقال رحمه الله: ((فإذا قال قائل: كيف نرجع إلى العادة في أمرٍ تعبُّدي؟
فالجواب: نعم؛ نرجع إلى العادة؛ لأن الشرع لم يحدِّدْ ذلك.
فلم يقل الشَّارعُ مثلًا: مَنْ تحرَّك في صلاته ثلاث مرَّاتٍ؛ فصلاتُه باطلة، ولم يقل: مَن تحرَّك أربعًا فصلاتُه باطلة، ولم يقل: من تحرَّك اثنتين فصلاتُه باطلة؛ إذًا؛ يُرجع إلى العُرف، فإذا قال النَّاس: هذا عَمَلٌ ينافي الصَّلاة؛ بحيث مَن شاهد هذا الرَّجُل وحركاته؛ يقول: إنه لا يُصلِّي، حينئذٍ يكون مستَكْثَرًا، أما إذا قالوا: هذا يسيرٌ، فإنه لا يضرُّ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))))اهـ.
وقال رحمه الله: ((وعلى ذلك قال الناظم:
وكل ما أتى ولم يحدد *** بالشرع كالحرز فبالعرف احدد
وقول الناظم: (كالحرز) أي حرز الأموال، فمثلًا: أودعتك وديعة، ووضعتها في مكان غير محرز، وسرقت فعليك الضمان، فإذا قال الناس: هذا الرجل مفرط في وضعه المال في هذا المكان، فهذا غير محرز فعليه الضمان، والذي يدلنا على أن المكان محرز أو غير محرز العرف([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))))اهـ.
وقال رحمه الله: ((المال الكثير يُرجَع فيه إلى العرف وإلى أحوال الناس؛ فإذا كانت الدراهم كثيرة فالمال الكثير كثير، وإذا كان الناس عندهم قلة في المال فالقليل يكون كثيرًا، حتى إن بعض الفقهاء يقول: من ملك خمسين درهمًا فهو غني لا تحل له الزكاة، وفي وقتنا الحاضر الخمسون درهمًا لا توجب أن يكون الإنسان غنيًا؛ لأنها يمكن أن تنفد في عشرة أيام، وليس في سنة كاملة.
فالحاصل أن المال الكثير يرجع فيه إلى العرف، فقد يكون القليل كثيرًا في وقت، وقد يكون الكثير قليلًا في وقت آخر([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))))اهـ.
وقال رحمه الله: ((ومعرفة كون الحجر يقتل أو لا يقتل يرجع في ذلك إلى العرف، فمتى قالوا: إن هذا الحجر يقتل لو ضرب به الإنسان ولو في غير مقتل، فيكون القتل بهذا الحجر عمدًا([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8))))اهـ.
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) (1/ 272).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) (11/ 177).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) (1/ 272).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) (1/ 386).
[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) (3/ 351).
[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) (5/ 45).
[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) (11/ 137).
[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) (14/ 11).
محمد طه شعبان
2014-04-05, 11:38 AM
القاعدة العاشرة: ((إِذا رُبط الحُكم بعلَّة لا يمكن أن تزولَ فإن الحكم لا يمكن أن يزولَ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
قال الشيخ رحمه الله: ((لأن الحكم يدور مع عِلَّته؛ في حديث طَلْق عِلَّة لا يمكن أن تزول؛ والعلَّة هي قوله: «إنما هو بَضْعَة منك»، ولا يمكن في يوم من الأيام أن يكون ذكرُ الإِنسان ليس بَضْعَةً منه، فلا يمكن النَّسخ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ (1/ 238).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) (1/ 238).
أبوأحمد المالكي
2014-04-08, 12:04 AM
بارك الله فيك قواعد ذكرها الشيخ فقيه الزمان بديعة وقيمة ومفيدة وضابطة لطالب العلم رحمه الله رحمةواسعةوجزاك الله خيرا
وهناك قواعد أخرى ذكرها الشيخ أدعك تواصل مشكور أخي
محمد طه شعبان
2014-04-09, 03:01 PM
بارك الله فيك قواعد ذكرها الشيخ فقيه الزمان بديعة وقيمة ومفيدة وضابطة لطالب العلم رحمه الله رحمةواسعةوجزاك الله خيرا
وهناك قواعد أخرى ذكرها الشيخ أدعك تواصل مشكور أخي
سنواصل إن شاء الله، جزاكم الله خيرًا
محمد طه شعبان
2014-04-12, 11:49 PM
القاعدة الحادية عشرة: ((النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إِذا أمر بأمرٍ وفعل خلافه، دَلَّ على أن الأمر ليس للوجوب([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
قال الشيخ رحمه الله: ((والغرض من حديث جابر: بيان أن الوُضُوءَ مما مسَّت النَّار ليس بواجب؛ فإِن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان قد أمر بالوُضُوء مما مَسَّت النارُ، وصحَّ عنه الأمر بذلك، فقال جابر: كان آخُر الأمرين تركَ الوُضُوء مما مسَّت النار، والنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إِذا أمر بأمرٍ وفعل خلافه، دَلَّ على أن الأمر ليس للوجوب([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ (1/ 305).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) (305).
محمد طه شعبان
2014-04-13, 12:21 AM
القاعدة الثانية عشرة: ((الحُكْمُ المعلَّق بِسَبَبٍ إِذا تأخَّرَ عن سببه سقط([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
قال الشيخ رحمه الله: ((وصَحَّ عن عبد الله بنِ عُمَر رضي الله عنه أنه كان يَسْجُدُ للتِّلاوة بلا وُضُوء؛ ولا رَيْبَ أنَّ الأفضل أن يتوضَّأ، ولا سيَّما أن القارئ سوف يَتْلُو القرآن، وتِلاوَةُ القرآن يُشْرَعُ لها الوُضُوء، لأنها مِنْ ذِكْرِ الله، وكلُّ ذكر لله يُشرع له الوُضُوء.
أمَّا اشتراط الطَّهارة لِسُجُودِ الشُّكر فَضَعيف؛ لأنَّ سَبَبَهُ تَجدُّد النِّعَمِ، أو تجدُّد اندفاع النِّقَمِ، وهذا قد يَقَعُ للإِنسان وهو مُحْدِث.
فإن قلنا: لا تَسْجُدُ حتّى تَتَوَضَّأ؛ فرُبَّما يطول الفصل، والحُكْمُ المعلَّق بِسَبَبٍ إِذا تأخَّرَ عن سببه سقط، وحينئذٍ إِمّا أن يُقال: اسْجُدْ على غير وُضُوء، أو لا تسجد، لأنه قد لا يَجِدُ الإِنسانُ ماءً يتوضَّأ منه سريعاً ثمَّ يَسْجُد([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ (1/ 327).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) (1/ 327).
محمد طه شعبان
2014-05-05, 01:56 PM
القاعدة الثالثة عشرة: ((إِذا وُجِدَ الاحتمالُ بَطَلَ الاستدلالُ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
قال الشيخ رحمه الله: ((ويَحْرُمُ على المحدِثِ مسُّ المُصْحَفِ والدَّليل على ذلك:
1- قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الواقعة: 77- 80 ].
وجه الدَّلالة: أنَّ الضَّمير في قوله: {لَا يَمَسُّهُ} يعود على القرآن؛ لأن الآيات سِيقت للتَّحدُّث عنه بدليل قوله: {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، والمنزَّل هو هذا القرآن، والمُطَهَّر: هو الذي أتى بالوُضُوء والغُسُل من الجنابة، بدليل قوله: {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ } [المائدة: 6].
وقال داود الظَّاهري وبعض أهل العلم: "لا يحرم على المُحْدِثِ أن يَمَسَّ المصحف".
واستدلُّوا: بأن الأصل براءةُ الذِّمة، فلا نُؤَثِّم عباد الله بفعل شيء لم يَثْبُتْ به النَّص.
وأجابوا عن أدلَّة الجمهور:
أما الآية فلا دلالة فيها، لأن الضَّمير في قوله: {لَا يَمَسُّهُ} يعود إلى «الكتاب المكنون»، والكتاب المكنون يُحْتَمَلُ أن المرادَ به اللوحُ المحفوظ، ويُحْتَملُ أن المرادَ به الكتب التي بأيدي لملائكة؛ فإن الله تعالى قال: {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ } [عبس: 11- 15]، وهذه الآية تفسير لآية الواقعة، فقوله: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ} كقوله: {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ}.
وقوله: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} ، كقوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ }.
والقرآنُ يُفسِّر بعضه بعضًا، ولو كان المراد ما ذَكَرَ الجمهور لقال: «لا يمسُّه إلا المطَّهِّرون» بتشديد الطاء المفتوحة وكسر الهاء المشددة، يعني: المتطهرين، وَفَرْقٌ بين «المطهَّر» اسم مفعول، وبين «المتطهِّر» اسم فاعل، كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِي نَ} [البقرة: 222] .
وقولهم: إن الخبر يأتي بمعنى الطَّلب، هذا صحيح لكن لا يُحْمَلُ الخبر على الطلب إِلا بقرينة، ولا قرينة هنا؛ فيجب أن يبقى الكلام على ظاهره، وتكون الجملة خَبَريَّة، ويكون هذا مؤيِّدًا لما ذكرناه من أن المراد بـ «المطهَّرون» ، الملائكة كما دلَّت على ذلك الآيات في سورة «عبس».
ثم على احتمال تساوي الأمرين، فالقاعدة عند العلماء «إنه إِذا وُجِدَ الاحتمال بَطلَ الاستدلال» فيسقط الاستدلال بهذه الآية، فنرجع إلى براءة الذِّمة([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
وقال الشيخ – أيضًا – رحمه الله – وهو يتكلم في مسألة مس المصحف لغير المتوضئ: ((وأما بالنسبة لحديث عمرو بن حزم: «ألا يمسَّ القرآن إلا طاهر([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))»: فهو ضعيف؛ لأنه مُرسَل، والمرسل من أقسام الضَّعيف، والضَّعيف لا يُحْتَجُّ به في إثبات الأحكام؛ فضلًا عن إِثبات حُكْمٍ يُلْحِقُ بالمسلمين المشَقَّة العظيمة في تكليف عباد الله ألا يقرؤوا كتابه إلا وهم طاهرون، وخاصَّة في أيام البرد.
وإذا فرضنا صِحَّتَهُ بناء على شُهْرَتِهِ فإن كلمةَ «طاهر» تَحْتَمِلُ أن يكونَ طاهرَ القلب من الشِّرك، أو طاهر البَدَنِ من النَّجَاسَة، أو طاهرًا من الحدث الأصغر؛ أو الأكبر، فهذه أربعة احتمالات، والدَّليل إِذا احتمل احتمالين بَطلَ الاستدلال به، فكيف إِذا احتمل أربعة؟([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))اهـ.
([1]) ذكرها الشيخ رحمه الله: (1/ 318)، (1/ 405)، (1/ 443)، (4/ 219)، (15/ 345).
([2]) (1/ 318، 319) باختصار يسير.
([3]) أخرجه الطبراني في «الكبير» (13217)، والدارقطني (1/ 121) ، والبيهقي (1/ 88).
([4]) (1/ 319).
عبد الله عمر المصري
2014-05-27, 04:48 AM
القاعدة العاشرة: ((إِذا رُبط الحُكم بعلَّة لا يمكن أن تزولَ فإن الحكم لا يمكن أن يزولَ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
قال الشيخ رحمه الله: ((لأن الحكم يدور مع عِلَّته؛ في حديث طَلْق عِلَّة لا يمكن أن تزول؛ والعلَّة هي قوله: «إنما هو بَضْعَة منك»، ولا يمكن في يوم من الأيام أن يكون ذكرُ الإِنسان ليس بَضْعَةً منه، فلا يمكن النَّسخ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ (1/ 238).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) (1/ 238).
جزاك الله خيراً
لكن
عندما درست أصول الفقه قرأت في كتاب - لا أذكره للأسف ، أن العلة نوعان :
علة سببية
علة غائية
على ما أذكر لو صح نقلي للاسمين
إحداهما لا ينتفي الحكم بزوال العلة ، والأخرى ينتفي الحكم بزوالها
وبناءً عليه
قد يرتبط الحكم بعلة ولا يزول بزوالها
محمد طه شعبان
2014-09-07, 11:19 AM
جزاك الله خيراً
لكن
عندما درست أصول الفقه قرأت في كتاب - لا أذكره للأسف ، أن العلة نوعان :
علة سببية
علة غائية
على ما أذكر لو صح نقلي للاسمين
إحداهما لا ينتفي الحكم بزوال العلة ، والأخرى ينتفي الحكم بزوالها
وبناءً عليه
قد يرتبط الحكم بعلة ولا يزول بزوالها
العلة الغائية: هي الغاية من إيجاد الشيء، أو ما لأجله وجد الشيء؛ كعلة خلق الخلق؛ لأجل عبادة الله.
أو علة بناء البيت؛ لأجل السكن فيه.
والعلة السببية: فهي التي بسببها وُجد الحكم؛ كتحريم الخمر بسبب الإسكار.
وقد تزول العلة ويبقى الحكم؛ ومثال ذلك: الرَّمَل في الأشواط الثلاثة الأولى في طواف القدوم؛ فقد بقي الحكم - وهو الرمَل - مع زوال العلة؛ وهي علته إظهار القوة والنشاط للكفار.
فقد بقي الحكم هنا تعبديًا.
أبو البراء محمد علاوة
2014-09-07, 11:52 AM
ما شاء الله نقولات طيبة ونافعة
محمد طه شعبان
2014-09-07, 12:14 PM
بارك الله فيكم أبا البراء
محمد طه شعبان
2014-09-07, 01:41 PM
القاعدة: الثامنة: ((ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
قال الشيخ رحمه الله: ((فلا يزول اليقين بشيءٍ مظنون أو مشكوكٍ فيه([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (1/ 50)، (2/ 28)، (2/ 231)، (13/ 170).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) (2/ 231).
وقال الشيخ رحمه الله: ((عندنا أصل أصَّله النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو قوله في الرَّجُل يُخيَّل إِليه أنَّه يجدُ الشَّيء في بطنه في الصَّلاة، فقال: «لا ينصرف حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا».
فلم يوجب النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الوُضُوء إلا على من تيقَّن سبب وجوبه، ولا فرق بين كون سبب الوجوب مشكوكًا فيه من حيث الواقعُ كما في الحديث، أو من حيث الحكمُ الشَّرعي، فإِن كُلًّا فيه شَكٌّ، هذا شكٌّ في الواقع هل حصل النَّاقض أم لم يحصُل، وهذا شكٌّ في الحكم؛ هل يوجبه الشَّرع أم لا؟.
فالحديث: دَلَّ على أن الوُضُوء لا ينتقض إلا باليقين، وهنا لا يقين([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))اهـ.
وقال الشيخ رحمه الله: ((ومن تيقَّن الطَّهارة وشَكَّ في الحدث أَوْ بالعَكْسِ بَنَى على اليقينِ؛ يعني: إِذا تيقَّن أنه طاهر، وشك في الحَدَثِ فإِنه يبني على اليقين، وهذا عام في موجبات الغُسل، أو الوُضُوء.
مثاله: رَجُلٌ توضَّأ لصَلاةِ المغرب، فلما أذَّن العِشَاء وقام ليُصلِّي شَكَّ هل انتقض وضوءُه أم لا؟
فالأصل عدم النَّقضِ فيبني على اليقين وهو أنه متوضِّئ.
مثال آخر: استيقظ رجلٌ فوجد عليه بللًا، ولم يرَ احتلامًا، فشكَّ هل هو منيٌّ أم لا؟ فلا يجب عليه الغسل للشَّكِّ.
ولو رأى عليه أثر المنيِّ وشكَّ هل هو من الليلة البعيدة أم القريبة؟ يجعله من القريبة؛ لأنها مُتيقَّنة، وما قبلها مشكوك فيه.
ودليل ذلك حديث أبي هريرة([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))، وعبد الله بن زيد([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)) رضي الله عنهما في الرَّجُل يجد الشيءَ في بطنه، ويُشْكِلُ عليه: هل خرج منه شيء أم لا؟ فقال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا ينصرف حتى يسمعَ صوتًا، أو يجد ريحًا»، وفي حديث أبي هريرة: «لا يخرج»، أي: من المسجد «حتى يسمعَ صوتًا أو يجدَ ريحًا» مع أن قرينةَ الحَدَثِ موجودةٌ؛ وهي ما في بَطْنِهِ من القرقرة والانتفاخ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))اهـ.
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) (1/ 266).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه مسلم (362).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) متفق عليه: أخرجه البخاري (137)، ومسلم (361).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) (1/ 310، 311).
محمد طه شعبان
2014-09-07, 01:45 PM
القاعدة الرابعة عشرة: ((النَّهْيُ إِذا كان في حديث ضعيف لا يكون للتَّحريم، والأمرُ إِذا كان في حديث ضعيف لا يكون للوُجوب([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
قال الشيخ رحمه الله: ((قوله صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ غَسَّل ميتًا فَلْيَغْتَسِلْ، ومَنْ حَمَلَهُ فليتوضَّأ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
قالوا: وهذا الحديث فيه الأَمْرُ، والأَمْرُ الأصل فيه الوُجوب، لكن لمَّا كان فيه شيء من الضَّعف لم يَنتهضْ للإِلزام به.
وهذا مبنيٌّ على قاعدة وهي: "أنَّ النَّهْيَ إِذا كان في حديث ضعيف لا يكون للتَّحريم، والأمرُ إِذا كان في حديث ضعيف لا يكون للوُجوب"؛ لأنَّ الإِلزام بالمنْعِ أو الفعل يحتاج إلى دليل تَبرأُ به الذِّمة لإِلزام العباد به.
وهذه القاعدة أشار إليها ابنُ مفلح في «النُّكَت على المحرَّر» في باب موقف الإِمام والمأموم([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))؛ ومراده ما لم يكن الضَّعف شديدًا، بل محتَمِلًا للصِّحَّة، فيكون فِعْلُ المأمور وتَرْكُ المنهيِّ من باب الاحتياط، والاحتياط لا يوجب الفعل أو الترك([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))اهـ.
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) (1/ 353، 354).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه أحمد (9862)، وأبو داود (3161)، والترمذي (993)، وابن ماجه (1463).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) انظر : ((النكت على المحرر)) بهامش (المحرر)) (1/ 110).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الشرح الممتع)) (1/ 353، 354).
محمد طه شعبان
2014-09-07, 01:52 PM
القاعدة الخامسة عشرة: ((الحقائق تُحمَل على عُرْفِ النَّاطِقِ بها([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
قال الشيخ رحمه الله: ((حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ، وَهُوَ جُنُبٌ، تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، قَبْلَ أَنْ يَنَامَ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وأمَّا مَنْ حمل هذا على الوُضُوء اللُّغوي، وهو النَّظَافة، فلا عِبْرة به؛ لأن رواية مسلم صريحة في أنَّ المراد به الوُضُوء الشَّرعي.
ولأن القاعدة في أصول الفِقْه: أنَّ الحقائق تُحمَل على عُرْفِ النَّاطِقِ بها؛ فإِذا كان النَّاطِقُ الشَّرع حُمِلَت على الحقيقة الشَّرعيَّة، وإِذا كان من أهل اللُّغة حُمِلت على الحقيقة اللغويَّة، وإِذا كان من أهل العُرْف حُمِلَت على الحقيقة العُرفيَّة.
فمثلًا: «زَيْدٌ قائم» زَيْدٌ في اللغة فاعل؛ لأن الفاعل في اللغة من قام به الفعل، وعند النَّحويِّين مبتدأ؛ لأن الفاعل عندهم: الاسمُ المرفوع المذكور قَبْلَه عامِلُه([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))))اهـ.
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) (1/ 368).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) متفق عليه: أخرجه البخاري (288)، ومسلم (305)، واللفظ له.
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (1/ 368).
محمد طه شعبان
2014-09-07, 11:47 PM
القاعدة السادسة عشرة: ((تعليق المباح على شَرْط يدلُّ على أنَّه لا يُباح إِلا به([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
قال الشيخ رحمه الله: ((يُسْتَحَبُّ للجُنُب إِذا أراد النَّوم أن يتوضَّأ، واستُدلَّ لذلك بحديث عمر رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، أَيَرْقُد أحدُنا وهو جُنُب؟ قال: «نعم، إِذا توضَّأ أحدُكم فلْيَرْقُد وهو جُنُب([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))»، وفي لفظ: «توضَّأ واغسلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))».
وهذا الدَّليل يقتضي الوُجوب؛ لأنَّه قال: «نعم إِذا توضَّأ»، وتعليق المباح على شَرْط يدلُّ على أنَّه لا يُباح إِلا به، وعليه يكون وُضُوء الجُنُب عند النوم واجبًا، وإلى هذا ذهب الظَّاهريَّة وجماعة كثيرة من أهل العِلْمِ، ولكن المشهور عند الفقهاء والأئمَّة المتبوعين أنَّ هذا على سبيل الاستحباب ، واستدلُّوا لذلك بحديث عائشة رضي الله عنها أنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم: كان ينامُ وهو جُنُبٌ من غير أن يمسَّ ماءً([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))))اهـ.
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) (1/ 369).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) متفق عليه: أخرجه البخاري (287)، ومسلم (306).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) البخاري (290)، ومسلم (306).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) أخرجه أحمد (25135)، وأبو داود (228)، وابن ماجه (583)، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (224)..
[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((الشرح الممتع)) (1/ 396).
أبو البراء محمد علاوة
2014-09-08, 11:09 AM
بارك الله فيك ننتظر المزيد .
محمد طه شعبان
2014-09-09, 12:47 PM
بارك الله فيك ننتظر المزيد .
وفيكم بارك الله. نسأل الله التوفيق.
محمد طه شعبان
2014-09-09, 12:49 PM
القاعدة السابعة عشرة: ((إِذا قُيِّد اللفظ العام بما يوافق حُكْم العام، فليس بِقَيد([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
قال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «ويَجبُ التيمُّمُ بتُرابٍ»؛ هذا بيان لما يُتيمَّم به، وقد ذكر المؤلِّفُ له شروطًا:
الأول: كونه ترابًا؛ والتُّراب معروف، وخرج به ما عداه من الرَّمل، والحجارة وما أشبه ذلك.
فإِنْ عَدِم التُّرابَ كما لو كان في بَرٍّ ليس فيه إِلا رَمْل، أو ليس فيه إِلا طِين لكثرة الأمطار فيصلِّي بلا تيمُّم؛ لأنَّه عادِم للماء والتُّراب.
والدَّليل على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «وجُعِلت تربتُها لنا طَهُورًا»، وفي رواية: «وجُعِل التُّراب لي طَهُورًا».
قالوا: هذا يُخصِّص عُموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «وجُعِلتْ لي الأرض مسجدًا وطَهُورًا»؛ لأن الأرض كلمة عامَّة، والتُّراب خاصٌّ، فيُقيَّد العام بالخاص.
ورُدَّ هذا: بأنه إِذا قُيِّد اللفظ العام بما يوافق حُكْم العام، فليس بِقَيد.
وتقرير هذه القاعدة: أنَّ ذكر بعض أفراد العام بحُكم يوافق حُكم العام، لا يقتضي تخصيصه.
مثال ذلك: إِذا قلت: «أكرِم الطَّلَبَة» فهذا عام، فإِذا قلت: «أكرم زيدًا» وهو من الطَّلبة؛ فهذا لا يُخصِّص العام؛ لأنك ذكرت زيدًا بحُكْمٍ يوافق العام.
لكن لو قلت: «لا تُكْرم زيدًا»، وهو من الطَّلبة صار هذا تخصيصًا للعام؛ لأنِّي ذَكرته بِحُكْم يُخالف العام.
ومن ذلك قول بعض العلماء في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «وفي الرِّقَةِ رُبع العُشرِ»: أنه يخصِّص عموم الأدلَّة الدَّالة على وجوب الزكاة في الفضَّة مطلقًا؛ لأنه قال: «وفي الرِّقَة»؛ والرِّقَة: هي السِّكَّة المضروبة.
فيقال: إِنْ سلَّمْنا أنَّ الرِّقَة هي الفِضَّة المضروبة، فذِكْرُ بعض أفراد العام بِحُكْم يوافق العام لا يقتضي تخصيصه.
وهذه القاعدة - أعني أن ذكر أفرادٍ بِحُكْم يوافق العام لا يقتضي التخصيص - إِنَّما هو في غير التقييد بالوصف، أما إِذا كان التَّقييد بالوصف فإِنه يفيد التَّخصيص، كما لو قُلت: «أكرِم الطَّلبة»، ثم قلت: «أكرِم المجتهد من الطَّلبة»، فذِكْر المجتهد هنا يقتضي التَّخصيص؛ لأنَّ التَّقييد بِوَصْف.
ومثل ذلك لو قيل: «في الإِبل صدقة»، ثم قيل: «في الإِبل السَّائمة صدقة»، فالتَّقييد هنا يقتضي التَّخصيص فتأمَّل([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) (1/ 391).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) (1/ 390- 392).
محمد طه شعبان
2014-09-09, 12:51 PM
القاعدة الثامنة عشرة: ((ما كان من باب الغالب فلا مفهوم له، ولا يُخَصُّ به الحكم([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ((وقال بعض الظَّاهريَّة: إِنَّ هذا الحُكم فيما إِذا وَلَغَ الكلب، أما بَوْله ورَوْثه فكسائر النَّجاسات؛ لأنهم لا يَرَوْن القياس.
وجمهور الفقهاء قالوا: إِن رَوْثَهُ، وبوله كوُلُوغه، بل هو أخبث، والنبيُّ صلّى الله عليه وسلّم نَصَّ على الوُلُوغ؛ لأن هذا هو الغالب؛ إِذ إِن الكلب لا يبول ويروث في الأواني غالبًا، بل يَلِغُ فيها فقط، وما كان من باب الغالب فلا مفهوم له، ولا يُخَصُّ به الحكم([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (1/ 417).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) السابق.
قال نجم الدين الطوفي رحمه الله في ((شرح مختصر الروضة)) (2/ 775، 776): ((الْخَارِجُ مَخْرَجَ الْغَالِبِ؛ مَعْنَاهُ أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ الْمُقَيَّدُ بِهَا غَالِبَةً عَلَى الْمَوْصُوفِ؛ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا} [النِّسَاءِ: 35]؛ إِذْ خَوْفُ الشِّقَاقِ غَالِبُ حَالِ الْخَلْعِ، وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَرَبَائِبُكُم اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النِّسَاءِ: 23] ، إِذِ الْغَالِبُ كَوْنُ الرَّبِيبَةِ فِي حِجْرِ الرَّجُلِ تَبَعًا لِأُمِّهَا، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} [الْإِسْرَاءِ: 31]؛ أَيْ: فَقْرٍ وَإِقْتَارٍ، إِذِ الْغَالِبُ أَنَّ قَتْلَ الْوَلَدِ إِنَّمَا يَكُونُ لِضَرُورَةٍ؛ كَضَرُورَةِ الْفَقْرِ وَقِلَّةِ الْمَعَاشِ))اهـ.
محمد طه شعبان
2014-09-09, 01:07 PM
القاعدة التاسعة عشرة: ((عدم السبب المعيَّن لا يقتضي انتفاء المسَبَّب المعين)) أو: ((انتفاء الدَّليل المعيَّن لا يَستلزِم انتفاء المدلول([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ((وذهب أبو حنيفة رحمه الله إِلى أن الشمس تُطَهِّرُ المتنجِّس إِذا زال أثر النَّجاسة بها، وأنَّ عين النَّجاسة إِذا زالت بأيِّ مزيل طَهُر المحلُّ؛ وهذا هو الصَّواب لما يلي:
1- أن النَّجاسةَ عينٌ خبيثة نجاستُها بذاتها، فإِذا زالت عاد الشيء إِلى طهارته.
2- أن إِزالة النَّجاسة ليست من باب المأمور، بل من باب اجتناب المحظور، فإِذا حصل بأيِّ سبب كان ثَبَتَ الحُكم، ولهذا لا يُشترط لإِزالة النّجاسة نيَّة، فلو نزل المطر على الأرض المتنجِّسة وزالت النَّجاسة طَهُرت، ولو توضَّأ إِنسان وقد أصابت ذراعَه نجاسةٌ ثم بعد أن فرغ من الوُضُوء ذكرها فوجدها قد زالت بماءِ الوُضُوء فإِن يده تطهر، إِلا على المذهب؛ لأنهم يشترطون سبع غسلات، والوُضُوء لا يكون بسبع.
والجواب عما استدلَّ به الحنابلة: أنه لا ينكر أن الماء مطهِّر، وأنه أيسر شيء تطُهَّر به الأشياء، لكن إِثبات كونه مطهِّرًا، لا يمنع أن يكون غيره مطهرًا؛ لأن لدينا قاعدة وهي: "أن عدم السبب المعيَّن لا يقتضي انتفاء المسَبَّب المعين"؛ لأن المؤثِّر قد يكون شيئًا آخر؛ وهذا الواقع بالنسبة للنجاسة.
وعبَّر بعضهم عن مضمون هذه القاعدة بقوله: "انتفاء الدَّليل المعيَّن لا يَستلزِم انتفاء المدلول"؛ لأنَّه قد يَثْبُتُ بدليل آخر([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (1/ 425).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) السابق.
محمد طه شعبان
2014-09-09, 03:00 PM
القاعدة العشرون: ((لا ضرورة في دواء([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وبَوْلُ ما يُؤكَلُ لَحْمُهُ، وَرَوْثُه، طاهر؛ كالإِبل، والبقر، والغنم، والأرانب، وما شابه ذلك.
فإن قيل: ما الجواب عن نهي النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم عن الصَّلاة في مَعاطِنِ الإِبل، فإِن هذا يدلُّ على نجاستها.
فالجواب: أنَّ العِلَّة في النَّهي عن الصَّلاة في معاطِن الإِبل ليست هي النَّجاسة؛ ولو كانت العِلَّة النَّجاسة لم يكن هناك فرق بين الإِبل والغنم؛ ولكن العِلَّة شيء آخر.
فقيل: إن هذا الحكم تعبُّدي، يعني: أنه غير معلوم العِلَّة.
وقيل: يُخشَى أنه إِذا صلَّى في مباركها أن تَأْوي إِلى هذا المبرك وهو يصلِّي، فَتُشوِّش عليه صلاته لِكِبَر جسمها، بخلاف الغنم.
وقيل: إنها خُلِقت من الشَّياطين؛ كما ورد بذلك الحديث([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))؛ وليس المعنى أنَّ أصل مادَّتها ذلك؛ ولكن المعنى أنها خُلِقت من الشَّيطنة، وهذا كقوله تعالى: {خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37]؛ وليس المعنى أن مادة الخَلْق من عَجَلٍ؛ لكن هذه طبيعته، كما قال تعالى: {وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولًا} [الإِسراء: 11].
فإن قيل: إِن النبي صلّى الله عليه وسلّم أباح شرب أبوال الإِبل للضَّرورة، والضَّرورات تُبيح المحظورات.
فالجواب من وجوه:
الأول: أن الله لم يجعل شفاء هذه الأُمَّة فيما حَرَّم عليها.
الثاني: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لم يأمرهم بِغَسْل الأواني بعد الانتهاء من استعمالها، إِذ لا ضرورة لبقاء النَّجاسة فيها.
الثالث: القاعدة العامة: «لا ضرورة في دواء»؛ ووجه ذلك: أن الإِنسان قد يُشفَى بدونه، وقد لا يُشفَى به([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وَلَسْت أَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي جَوَازِ التَّدَاوِي بِأَبْوَالِ الْإِبِلِ، كَمَا جَاءَتِ السُّنَّةُ؛ لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَخْرِيجِ مَنَاطِهِ؛ فَقِيلَ: هُوَ أَنَّهَا مُبَاحَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِلتَّدَاوِي وَغَيْرِ التَّدَاوِي.
وَقِيلَ: بَلْ هِيَ مُحَرَّمَةٌ وَإِنَّمَا أَبَاحَهَا لِلتَّدَاوِي.
وَقِيلَ: هِيَ مَعَ ذَلِكَ نَجِسَةٌ. وَالِاسْتِدْلَا لُ بِهَذَا الْوَجْهِ يَحْتَاجُ إلَى رُكْنٍ آخَرَ؛ وَهُوَ أَنَّ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمَا تِ النَّجِسَةِ مُحَرَّمٌ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْأَدِلَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى التَّحْرِيمِ مِثْلُ قَوْلِهِ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} وَ: {كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ} وَ: {إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ} عَامَّةٌ فِي حَالِ التَّدَاوِي وَغَيْرِ التَّدَاوِي، فَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُ، وَخَصَّ الْعُمُومَ؛ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ أَبَاحَهَا لِلضَّرُورَةِ وَالْمُتَدَاوِي مُضْطَرٌّ فَتُبَاحُ لَهُ، أَوْ أَنَّا نَقِيسُ إبَاحَتَهَا لِلْمَرِيضِ عَلَى إبَاحَتِهَا لِلْجَائِعِ بِجَامِعِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا.
قُلْت: لَيْسَ التَّدَاوِي بِضَرُورَةٍ لِوُجُوهِ:
أَحَدُهَا: أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمَرْضَى أَوْ أَكْثَرُ الْمَرْضَى يَشْفُونَ بِلَا تَدَاوٍ؛ لَا سِيَّمَا فِي أَهْلِ الْوَبَرِ وَالْقُرَى وَالسَّاكِنِينَ فِي نَوَاحِي الْأَرْضِ يَشْفِيهِمُ اللَّهُ بِمَا خَلَقَ فِيهِمْ مِنَ الْقُوَى الْمَطْبُوعَةِ فِي أَبْدَانِهِمْ الرَّافِعَةِ لِلْمَرَضِ وَفِيمَا يُيَسِّرُهُ لَهُمْ مِنْ نَوْعِ حَرَكَةٍ وَعَمَلٍ أَوْ دَعْوَةٍ مُسْتَجَابَةٍ أَوْ رُقْيَةٍ نَافِعَةٍ أَوْ قُوَّةٍ لِلْقَلْبِ وَحُسْنِ التَّوَكُّلِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الْكَثِيرَةِ غَيْرِ الدَّوَاءِ، وَأَمَّا الْأَكْلُ فَهُوَ ضَرُورِيٌّ، وَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ أَبْدَانَ الْحَيَوَانِ تَقُومُ إلَّا بِالْغِذَاءِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ يَأْكُلُ لَمَاتَ؛ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ التَّدَاوِي لَيْسَ مِنَ الضَّرُورَةِ فِي شَيْءٍ.
وَثَانِيهَا: أَنَّ الْأَكْلَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَاجِبٌ؛ قَالَ مَسْرُوقٌ: "مَنِ اُضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ فَلَمْ يَأْكُلْ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ"، وَالتَّدَاوِي غَيْرُ وَاجِبٍ وَمَنْ نَازَعَ فِيهِ: خَصَمَتْهُ السُّنَّةُ فِي الْمَرْأَةِ السَّوْدَاءِ الَّتِي خَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ وَبَيْنَ الدُّعَاءِ بِالْعَافِيَةِ. فَاخْتَارَتِ الْبَلَاءَ وَالْجَنَّةَ، وَلَوْ كَانَ رَفْعُ الْمَرَضِ وَاجِبًا لَمْ يَكُنْ لِلتَّخْيِيرِ مَوْضِعٌ كَدَفْعِ الْجُوعِ، وَفِي دُعَائِهِ لِأُبَيٍّ بِالْحُمَّى، وَفِي اخْتِيَارِهِ الْحُمَّى لِأَهْلِ قُبَاءَ، وَفِي دُعَائِهِ بِفَنَاءِ أُمَّتِهِ بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ، وَفِي نَهْيِهِ عَنِ الْفِرَارِ مِنَ الطَّاعُونِ؛ وَخَصَمَهُ حَالُ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ الْمُبْتَلِينَ الصَّابِرِينَ عَلَى الْبَلَاءِ حِينَ لَمْ يَتَعَاطَوْا الْأَسْبَابَ الدَّافِعَةَ لَهُ: مِثْلَ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَغَيْرِهِ، وَخَصَمَهُ حَالُ السَّلَفِ الصَّالِحِ؛ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصَّدِيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ قَالُوا لَهُ: أَلَا نَدْعُوَ لَك الطَّبِيبَ؟ قَالَ: قَدْ رَآنِي قَالُوا: فَمَا قَالُ لَك؟ قَالَ: إنِّي فَعَّالٌ لِمَا أُرِيدَ. وَمِثْلُ هَذَا وَنَحْوِهِ يُرْوَى عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ الْمُخْبِتِ الْمُنِيبِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْكُوفِيِّينَ أَوْ كَأَفْضَلِهِمْ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْخَلِيفَةِ الرَّاشِدِ الْهَادِي الْمَهْدِيِّ وَخَلْقٍ كَثِيرٍ لَا يُحْصُونَ عَدَدًا، وَلَسْت أَعْلَمُ سَالِفًا أَوْجَبَ التداوي، وَإِنَّمَا كَانَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْمَعْرِفَةِ يُفَضِّلُ تَرْكَهُ تَفَضُّلًا وَاخْتِيَارًا لِمَا اخْتَارَ اللَّهُ وَرِضًى بِهِ وَتَسْلِيمًا لَهُ.
وَثَالِثُهَا: أَنَّ الدَّوَاءَ لَا يُسْتَيْقَنُ بَلْ وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ لَا يَظُنُّ دَفْعَهُ لِلْمَرَضِ؛ إذْ لَوِ اطَّرَدَ ذَلِكَ لَمْ يَمُتْ أَحَدٌ، بِخِلَافِ دَفْعِ الطَّعَامِ لِلْمَسْغَبَةِ وَالْمُجَاعَةِ فَإِنَّهُ مُسْتَيْقَنٌ بِحُكْمِ سُنَّةِ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ وَخَلْقِهِ.
وَرَابِعُهَا: أَنَّ الْمَرَضَ يَكُونُ لَهُ أَدْوِيَةٌ شَتَّى فَإِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ بِالْمُحَرَّمِ انْتَقَلَ إلَى الْمُحَلَّلِ، وَمُحَالٌ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ فِي الْحَلَالِ شِفَاءٌ أَوْ دَوَاءٌ، وَاَلَّذِي أَنْزَلَ الدَّاءَ أَنْزَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً إلَّا الْمَوْتَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَدْوِيَةُ الْأَدْوَاءِ فِي الْقِسْمِ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ. وَإِلَى هَذَا الْإِشَارَةُ بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ: «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْهَا»، بِخِلَافِ الْمَسْغَبَةِ فَإِنَّهَا وَإِنْ انْدَفَعَتْ بِأَيِّ طَعَامٍ اتَّفَقَ إلَّا أَنَّ الْخَبِيثَ إنَّمَا يُبَاحُ عِنْدَ فَقْدِ غَيْرِهِ فَإِنْ صَوَّرْتَ مِثْلَ هَذَا فِي الدَّوَاءِ فَتِلْكَ صُورَةٌ نَادِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ أَنْدَرُ مِنَ الْجُوعِ بِكَثِيرِ، وَتَعَيُّنُ الدَّوَاءِ الْمُعَيَّنِ وَعَدَمُ غَيْرِهِ نَادِرٌ، فَلَا يَنْتَقِضُ هَذَا. عَلَى أَنَّ فِي الْأَوْجُهِ السَّالِفَةِ غِنًى. وَخَامِسُهَا: وَفِيهِ فِقْهُ الْبَابِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ خَلْقَهُ مُفْتَقِرِينَ إلَى الطَّعَامِ وَالْغِذَاءِ، لَا تَنْدَفِعُ مَجَاعَتُهُمْ وَمَسْغَبَتُهُم ْ إلَّا بِنَوْعِ الطَّعَامِ وَصِنْفِهِ فَقَدْ هَدَانَا وَعَلَّمَنَا النَّوْعَ الْكَاشِفَ لِلْمَسْغَبَةِ الْمُزِيلَ لِلْمَخْمَصَةِ، وَأَمَّا الْمَرَضُ فَإِنَّهُ يُزِيلُهُ بِأَنْوَاعِ كَثِيرَةٍ مِنَ الْأَسْبَابِ، ظَاهِرَةٍ وَبَاطِنَةٍ رُوحَانِيَّةٍ وَجُسْمَانِيَّة ٍ، فَلَمْ يَتَعَيَّنِ الدَّوَاءُ مُزِيلًا([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))اهـ.
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (1/ 453).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: «تَوَضَّئُوا مِنْهَا» وَسُئِلَ عَنْ لُحُومِ الْغَنَمِ، فَقَالَ: «لَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا»، وَسُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ، فَقَالَ: «لَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ، فَإِنَّهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ»،
وَسُئِلَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، فَقَالَ: «صَلُّوا فِيهَا فَإِنَّهَا بَرَكَةٌ». أخرجه أبو داود (184)، والترمذي(81)، وابن ماجه (494).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) (1/ 450- 453)، بتصرف واختصار.
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((مجموع الفتاوى)) (21/ 562- 565 )، باختصار.
محمد طه شعبان
2014-09-20, 12:58 PM
القاعدة الحادية والعشرون: ((يَثْبُتْ تَبَعًا مَا لا يثبتُ استقلالا([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ((مسألة: هل المحرَّمُ مَسُّ القرآنِ، أو مَسُّ المصحفِ الذي فيه القرآن؟ فيه وَجْهٌ للشَّافعية: أن المحرَّم مسُّ نَفْس الحروفِ دونَ الهوامِش؛ لأنَّ الهوامِش وَرَقٌ، قال تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 21، 22]، والظَّرف غير المظروف.
وقال صلّى الله عليه وسلّم: «لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
وقال الحنابلة: يَحْرُمُ مَسُّ القرآن وما كُتِبَ فيه.
وهذا هو الأحوط؛ لأنه يَثْبُتُ تبعًا ما لا يَثْبُتُ استقلالًا([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))))اهـ.
وقال الشيخ رحمه الله: ((والصُّفْرَةُ، والكُدْرَةُ في زمن العادةِ: حيضٌ.
والصُّفرة: ماءٌ أصفر كماء الجُروح.
والكُدرة: ماءٌ ممزوجٌ بحُمرة، وأحيانًا يُمزَجُ بعروق حمراء كالعَلَقة، فهو كالصَّديد يكون ممتزجًا بمادة بيضاء وبدم.
قوله: «في زمن العادة حيضٌ»؛ أي: في وقتها، وظاهر كلامه أنهما إِن تقدَّما على زمن العادة أو تأخَّرا عنه فليسا بحيض، وهذا أحد الأقوال في المسألة.
والقول الثاني: أنَّهما ليسا بحيض مطلقًا؛ لقول أمِّ عطيَّة: «كُنَّا لا نعدُّ الكُدْرة والصُّفرة شيئًا([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))» رواه البخاري.
ومعنى قولها: «شيئًا» من الحيض، وليس المعنى أنَّه لا يؤثِّر؛ لأنه ينقض الوُضُوء بلا شكٍّ، وظاهر كلامها العموم.
والقول الثَّالث: أنَّهما حيض مطلقًا؛ لأنَّه خارجٌ من الرَّحم ومنتنُ الرِّيح، فحكمه حكم الحيض.
واستُدلَّ لما قاله المؤلِّف:
1- بما رواه أبو داود في حديث أمِّ عطيَّة: «كُنَّا لا نَعُدُّ الصُّفرة والكُدْرَةَ بعد الطُّهرِ شيئًا»؛ فهذا القيد يدلُّ على أنه قبل الطُّهر حيضٌ.
2- أنَّه إِذا كان قبل الطُّهر يثبت له أحكام الحيض تبعًا للحيض؛ إِذ من القواعد الفقهيَّة: «أنه يثبت تَبَعًا ما لا يثبتُ استقلالًا»، أما بعد الطُّهر فقد انفصل، وليس هو الدَّم الذي قال الله فيه: {هُوَ أَذىً} فهو كسائر السَّائلات التي تخرج من فرج المرأة، فلا يكون له حكم الحيض([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))))اهـ.
وقال الشيخ رحمه الله: ((فيجوز أن يُرمى الكفار بالمنجنيق، وفي الوقت الحاضر لا يوجد منجنيق، لكن يوجد ما يقوم مقامه كالطائرات والمدافع والصواريخ وغيرها.
وقال: «ولو قُتِلَ بلا قصد صبي ونحوه» من المعلوم أننا إذا رميناهم بالمنجنيق فإنه سوفَ يُتلف مَنْ مرَّ عليه من مقاتل وشيخ كبير لا يقاتل، وامرأة وصبي، لكن هذا لم يكن قصدًا، وإذا لم يكن قصدًا فلا بأس، أما تعمد قصف الصبيان والنساء ومن لا يقاتل فإن هذا حرام ولا يحل، لكن يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا، وقد رمى الرسول صلّى الله عليه وسلّم: أهل الطائف بالمنجنيق، فالسُّنُّة جاءت به، والقتال قد يحتاج إليه([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))))اهـ.[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (1/ 321)، (1/ 500)، (5/ 17)، (5/ 19)، (6/ 84)، (6/ 317)، (7/ 256)، (8/ 23)، (8/ 154)، (10/ 227)، (10/ 248)، (11/ 20).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه مالك (137)، والدارمي (2312)، وغيرهم، وصححه الألباني في «الإرواء» (122).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) (1/ 321).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) أخرجه البخاري (326).
[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) (1/ 498- 500).
[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) (8/ 23).
محمد طه شعبان
2014-09-21, 02:02 PM
القاعدة الثانية والعشرون: ((العبادات الواردة على وجوه متنوِّعة، ينبغي للإنسان أن يفعلها على هذه الوجوه([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
قال الشيخ رحمه الله: ((كلُّ ما جاءت به السُّنَّة من صفات الأذان فإنه جائز؛ بل الذي ينبغي: أنْ يؤذِّنَ بهذا تارة، وبهذا تارة، إن لم يحصُل تشويش وفتنةٌ.
فعند مالك سبعَ عَشْرةَ جملة، بالتكبير مرتين في أوَّله مع الترجيع؛ وهو أن يقول الشهادتين سِرًّا في نفسه ثم يقولها جهرًا.
وعند الشافعي تسعَ عَشْرَة جملة، بالتكبير في أوَّله أربعًا مع الترجيع.
وكلُّ هذا مما جاءت به السُّنَّة، فإذا أذَّنت بهذا مرَّة وبهذا مرَّة كان أولى؛ والقاعدة: «أن العبادات الواردة على وجوه متنوِّعة، ينبغي للإنسان أن يفعلها على هذه الوجوه»؛ وتنويعها فيه فوائد:
أولًا: حفظ السُّنَّة، ونشر أنواعها بين النَّاس.
ثانيًا: التيسير على المكلَّف، فإن بعضها قد يكون أخفَّ من بعض فيحتاج للعمل.
ثالثًا: حضور القلب، وعدم مَلَله وسآمته.
رابعًا: العمل بالشَّريعة على جميع وجوهها([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
وقال الشيخ رحمه الله: ((والعلماءُ رحمهم الله اختلفوا في العبادات الواردة على وجوهٍ متنوِّعة: هل الأفضل الاقتصار على واحدة منها، أو الأفضل فِعْلُ جميعها في أوقات شتَّى، أو الأفضل أنْ يجمعَ بين ما يمكن جَمْعُه؟
والصَّحيح: القول الثاني الوسط، وهو أن العبادات الواردة على وجوهٍ متنوِّعة تُفعل مرَّة على وجهٍ، ومرَّة على الوجه الآخر([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))))اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فَصْلٌ: الْعِبَادَاتُ الَّتِي جَاءَتْ عَلَى وُجُوهٍ مُتَنَوِّعَةٍ:
قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي مَوَاضِعَ أَنَّ الْعِبَادَاتِ الَّتِي فَعَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْوَاعٍ يُشْرَعُ فِعْلُهَا عَلَى جَمِيعِ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ لَا يُكْرَهُ مِنْهَا شَيْءٌ؛ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْوَاعِ التَّشَهُّدَاتِ وَأَنْوَاعِ الِاسْتِفْتَاحِ وَمِثْلُ الْوِتْرِ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَآخِرَهُ وَمِثْلُ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَالْمُخَافَتَة ِ وَأَنْوَاعِ الْقِرَاءَاتِ الَّتِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا وَالتَّكْبِيرِ فِي الْعِيدِ وَمِثْلُ التَّرْجِيعِ فِي الْأَذَانِ وَتَرْكِهِ وَمِثْلُ إفْرَادِ الْإِقَامَةِ وَتَثْنِيَتِهَا ، ... وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ عَلَى وُجُوهٍ؛ كَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَصَلَاةِ الْخَوْفِ وَالِاسْتِفْتَا حِ فَالْكَلَامُ فِيهِ مِنْ مَقَامَيْنِ:
أَحَدِهِمَا: فِي جَوَازِ تِلْكَ الْوُجُوهِ كُلِّهَا بِلَا كَرَاهَةٍ؛ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ فِي هَذَا كُلِّهِ.
وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَدْ يَكْرَهُ أَوْ يُحَرِّمُ بَعْضَ تِلْكَ الْوُجُوهِ؛ لِظَنِّهِ أَنَّ السُّنَّةَ لَمْ تَأْتِ بِهِ أَوْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ؛ كَمَا كَرِهَ طَائِفَةٌ التَّرْجِيعَ فِي الْأَذَانِ وَقَالُوا: "إنَّمَا قَالَهُ لِأَبِي مَحْذُورَةَ تَلْقِينًا لِلْإِسْلَامِ لَا تَعْلِيمًا لِلْأَذَانِ"، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنَ الْأَذَانِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي فَهِمَهُ أَبُو مَحْذُورَةَ، وَقَدْ عَمِلَ بِذَلِكَ هُوَ وَوَلَدُهُ وَالْمُسْلِمُون َ يُقِرُّونَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِمَكَّةَ وَغَيْرِهَا.
وَكَرِهَ طَائِفَةٌ الْأَذَانَ بِلَا تَرْجِيعٍ، وَهُوَ غَلَطٌ أَيْضًا؛ فَإِنَّ أَذَانَ بِلَالٍ الثَّابِتِ لَيْسَ فِيهِ تَرْجِيعٌ.
وَكَرِهَ طَائِفَةٌ تَرْجِيعَهَا، وَكَرِهَ طَائِفَةٌ صَلَاةَ الْخَوْفِ إلَّا عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَكَرِهَ آخَرُونَ مَا أَمَرَ بِهِ هَؤُلَاءِ.
وَالصَّوَابُ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنَّ كُلَّ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ فَلَا كَرَاهَةَ لِشَيْءِ مِنْهُ؛ بَلْ هُوَ جَائِزٌ وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوَاضِعَ؛ وَالْمَقْصُودُ هُنَا هُوَ: الْمَقَامُ الثَّانِي؛ وَهُوَ أَنَّ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنْوَاعٍ مُتَنَوِّعَةٍ - وَإِنْ قِيلَ: إنَّ بَعْضَ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ أَفْضَلُ - فَالِاقْتِدَاءُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنْ يَفْعَلَ هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً أَفْضَلُ مِنْ لُزُومِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَهَجْرِ الْآخَرِ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (2/ 56)، (2/ 65)، (3/ 29- 30)، (3/ 98)، (3/ 161)، (3/ 216)، (3/ 223).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) (2/ 56، 57).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) (3/ 30).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((مجموع الفتاوى)) (22/ 335- 337).
محمد طه شعبان
2014-12-15, 12:16 PM
القاعدة الثالثة والعشرون: ((ينقلب نَفْلًا ما بان عَدَمُهُ))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((كفائتةٍ لم تَكُنْ، وفرضٍ لَمْ يدخلْ وقتُهُ.
مثال ذلك: إنسان ظَنَّ أنَّ عليه صلاةً فائتةً، فصلَّى، ثم تبيَّن أنَّه قد صلاَّها من قبل؛ فتكون هذه الصلاة نافلة.
ومثال الفرض الذي لَمْ يدخل وقتُهُ: أنْ يصلِّي المغربَ ظنًّا منه أنَّ الشَّمس قد غربت، ثم يتبيَّن أنها لم تغرب، فتكون هذه نافلة، ويُعيدُها فرضًا بعد الغروب))اهـ.([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ (2/ 128).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (2/ 128).
محمد طه شعبان
2014-12-16, 12:35 PM
القاعدة الرابعة والعشرون: ((كُلُّ واجب في العبادة شرطٌ لصحَّتها))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((كلُّ واجب في العبادة شرطٌ لصحَّتها؛ فالقاعدة الشَّرعية: «أنَّ كلَّ واجب في العبادة هو شرط لصحَّتها»؛ فإذا تركه الإنسان عمدًا بطلت هذه العبادة؛ ولهذا لو تركَ الإنسانُ التَّشَهُّدَ الأوَّلَ أو الأخيرَ في الصَّلاة مُتعمِّدًا بطلت صلاتُه، وكذلك بقية الواجبات، لو تركها متعمِّدًا بطلت الصَّلاةُ))اهـ.([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ (2/ 151).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (2/ 151).
محمد طه شعبان
2014-12-16, 12:45 PM
القاعدة الخامسة والعشرون: ((كلُّ معنيين يحتملهما اللفظ القرآنيُّ أو اللفظ النبويُّ، ولا يتنافيان، فإنهما مُرادان باللفظ))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4]، فـ«ثياب» مفعول مُقدَّم لـ«طَهِّر»؛ يعني «طَهِّرْ ثيابك» وهو ظاهر في أنَّ المراد ثياب اللباس.
وقال بعض أهل العلم: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}؛ أي: عَمَلَكَ طهِّرْهُ من الشِّرك؛ لأن العمل لباس كما قال تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26]؛ فيكون المراد تنقيةُ العمل من الشِّرك؛ ولهذا قال بعدها: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 5]؛ فنقول: الآية تحتمل هذا وهذا، ولا يمتنع أن تُحمل على المعنيين؛ لأنهما لا يتنافيان، وكلُّ معنيين يحتملهما اللفظ القرآنيُّ أو اللفظ النبويُّ، ولا يتنافيان فإنهما مُرادان باللفظ))اهـ.([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ (2/ 153).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (2/ 153).
محمد طه شعبان
2014-12-16, 11:15 PM
القاعدة السادسة والعشرون: ((إذا اجتمع مبيح وحاظر غُلِّبَ جانب الحظر))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ودليل هذه القاعدة: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «دَعْ مَا يَرِيْبُكَ إِلَى مَا لَا يَريْبُكَ».
وقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ».([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))
وقال الشيخ رحمه الله: ((وأمَّا كُتُب التَّفسير فيجوز مَسُّها؛ لأنها تُعْتَبر تفسيرًا، والآيات التي فيها أقلُّ من التَّفسير الذي فيها.
ويُسْتَدَلُ لهذا بكتابة النبيِّ صلى الله عليه وسلم الكُتُبَ للكُفَّارِ، وفيها آيات من القرآن، فدلَّ هذا على أن الحُكْمَ للأغلب والأكثر.
أما إِذا تساوى التَّفسير والقُرآن، فإِنَّه إِذا اجتمع مبيحٌ وحاظرٌ ولم يتميَّز أحدُهما بِرُجْحَانٍ، فإِنه يُغلَّب جانب الحظر فيُعْطى الحُكْمُ للقرآن.
وإن كان التَّفسير أكثر ولو بقليل أُعْطِيَ حُكْمَ التَّفسير))اهـ.([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «والبغل منه: نَجِسةٌ»؛ أي: من الحمار الأهليِّ. والبغل: دابَّة تتولَّد من الحمار إِذا نَزَا على الفرس.
وتعليل ذلك: تغليب جانب الحظر؛ لأن هذا البغل خُلِقَ من الفرس والحمار الأهليِّ، على وجه لا يتميَّز به أحدهما عن الآخر؛ فلا يمكن اجتناب الحرام إِلا باجتناب الحلال))اهـ.([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))
وقال الشيخ رحمه الله في معرِض كلامه عن الصيد: ((لو سقط في نار، ورميناه بسهم، فما ندري: هل النار التي قتلته أم السهم؟ فإنه لا يحل؛ لأنه اجتمع عندنا مبيح وحاظر، فيُغلَّب جانب الحظر؛ أي: المنع؛ لأننا لا ندري أيهما الذي حصل به الموت))اهـ.([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))
وقال الشيخ رحمه الله في معرض كلامه عن الصيد أيضًا: ((مثال ذلك: رجل معه كلب صيد ويمشي ولم ينتبه للصيد إلا والكلب يعدو على الصيد، فهو ما أرسله، لكن كيف يَحِل؟ نقول: ازجره، يعني حُثَّه على الصيد، فإن زاد في عدوه في طلبه حلَّ؛ لأن زيادته في العَدْوِ تدل على أنه قصد أن يمسك عليك، فحينئذٍ يحل، وهذه حيلة سهلة.
فإن زجرتُهُ أريد أن يسرع في العَدْوِ، لكنه بقي على ما هو عليه، لم يحل؛ لأن زجري إياه لم يؤثر عليه، وهو إنما انطلق أولًا لنفسه.
لو قال قائل: قد يكون هذا الكلب من كثرة تعليمه أنه تعود هذا، وأنه إنما ذهب بالنيابة عن صاحبه، وهذا ممكنٌ.
لكننا نقول: ويمكن أيضًا أنه إنما أراد أن يأخذ لنفسه، وإذا اجتمع سببان: مبيح وحاظر، غُلب جانب الحظر.
وهذا باعتبار تنزيل هذه المسألة على القواعد، أما باعتبار النص فالمسألة واضحة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أرسلت كلبك» فما دام الكلب هو الذي ذهب، وراح بدون علم مني، ولا أمر مني، فأنا ما صدت في الحقيقة، وإنما الذي صاد الكلب))اهـ.([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ (1/ 323)، (1/ 461)، (2/ 213)، (4/ 366)، (7/ 143)، (15/ 77)، (15/ 110).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (4/ 366).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (1/ 323).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الشرح الممتع)) (1/ 461).
[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((الشرح الممتع)) (15/ 77).
[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((الشرح الممتع)) (15/ 109، 110).
محمد طه شعبان
2015-03-01, 06:06 PM
القاعدة السابعة والعشرون: ((الضَّرورات تُبيح المحظورات))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173].
وقال تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 145].
وقال تعالى: {وَقَدْ فَصَلَّ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119].
مثال القاعدة: لو أشرف شخص على الهلاك جوعًا، فلم يجد إلا ميتة فله أكلها. [1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (1/452).
عبد الله عمر المصري
2015-03-01, 09:20 PM
القاعدة السابعة والعشرون: ((الضَّرورات تُبيح المحظورات))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173].
وقال تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 145].
وقال تعالى: {وَقَدْ فَصَلَّ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119].
مثال القاعدة: لو أشرف شخص على الهلاك جوعًا، فلم يجد إلا ميتة فله أكلها. [1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (1/452).
المشكلة في تطبيق هذه القاعدة وليس في مثالها فكل المتعاملين مع " الموظفين " يدفعون رشاوي للحصول على مصالحهم المشروعة
مثال: استخراج بطاقة
أو استخراج رخصة قيادة
أو توثيق عقد بيع عقار لا تنتقل الملكية بدون هذا التوثيق
ولو ذهبت لإبلاغ الشرطة عن الموظف الفاسد أمين الشرطة لن يعمل لك محضر إلا لو أعطيته رشوة
وكل هذا نتكلم عن " صاحب مصلحة مشروعة " .
محمد طه شعبان
2015-03-01, 10:07 PM
أخانا عبد الله، الأمور واضحة عند الفقهاء، وأما أصحاب الهوى فلا ضابط لهم
عبد الله عمر المصري
2015-03-01, 11:05 PM
أخانا عبد الله، الأمور واضحة عند الفقهاء، وأما أصحاب الهوى فلا ضابط لهم
سيدي الفاضل
أنا لست فقيه ولم أدرس الفقه ولو درسته فلن يكن عندي قدرة على التكييف الفقهي
وقد كتبت في هذا الموضوع قرابة عشرين ورقة فيه ما أفهمه بهذه القضية وعرضته على أحد أساتذة الفقه في قسم الشريعة في كلية الحقوق التي أدرس فيها في جامعة القاهرة فأهملني ولم يرد على ما طلبته منه رغم موافقته وترحيبه في البداية إلا أنه استهزئ بالموضوع لأنه " معروف " و " واضح " كما تقول حضرتك بعد انتظار أكثر من خمسة شهور منذ أن استلم مني الورق
وقد فعلت حضرتك نفس الأمر
فقد حكيت لك الموضوع في رسالة خاصة وطلبت من حضرتك أن أعطيك الورق الذي أعطيته له لتساعدني فرحبت بالفكرة - كما رحّب هو - لكنك في النهاية لم ترد - كما فعل هو - فصارت النتيجة أني :
1) لست من الفقهاء لأعرف
2) لست من أصحاب الهوى - بإذن الله - لأتصرف من دماغي
3) لا أجد أحد يهتم بي ويسمعني كي أستطيع أن أشرح له المشاكل اليومية التي يواجهها الناس ، وإن كان الأمر لا يحتاج شرح عنده وهو يعرفه فأنا أحتاج أن يشرح لي لأفهم لكن للأسف:
أ) أنا لست داخل في النطاق الوظيفي لأي متخصص في الفقه وبالتالي لا أحد عنده وقت لي - بما فيهم حضرتك بعد أن وافقت على استلام الورق وأرسلته لك -
ب) لو حاولت أجعل الدكتوراة - بعد أن أنتهي من الماجستير إن شاء الله - في هذا الموضوع فلن يتم قبوله لأنه
" موضوع متكرر ومعروف ولن آتي فيه بجديد "
ج) لو افترضت أنه تم تسجيل الدكتوراة في هذا الموضوع لأبحث وأجد وأعلم ، فلن أجد مشرف يراعي ويهتم ، لأن كل المشرفين على الرسائل العلمية الآن غالباً لا يهتمون بمن تحت يدهم من الطلاب لأن وقتهم لا يسع الإشراف على الرسائل العلمية للطلاب الذين تحت أيديهم وتحت إشرافهم - وذلك نقلاً عن أحد أساتذي في قسم الشريعة - مما يجعل الرسائل إما يتم شطبها أو أن يسير الطالب في منهج خاطئ فتخرج الرسالة ضعيفة من الناحية العلمية .
هل أدركت الواقع الذي أعيشه . مع العلم أني محامي يومياً أتعامل مع موظفين فإما:
أ) يجب أن أعطيه شيئاً كي يقوم بعمله وإلا ستتعطل المصلحة
ب) يجب أن أعطيه شيئاً لأنه قام بعمله من تلقاء نفسه وإلا لن يقدم لي خدمة - وهي القيام بعمله - مرة أخرى طالما أنه لما قام به من تلقاء نفسه لم أعطه شئ
ومع كل هذا فإن ذهبت وسألت متخصص لا يهتم بالرد على فتواي لأن المسألة " واضحة " و " معروفة " . !!!!!
والسلام
محمد طه شعبان
2015-03-02, 07:45 AM
بارك الله فيكم أخانا الكريم الأستاذ عبد الله عمر المصري.
أولًا: أنا لا أقصدك أنت بقولي: (أصحاب الهوى).
ثانيًا: بالطبع أنَّ أكثر الناس عوام لا يستطيعون التفريق بين الضرورة والحاجة، فهؤلاء يجب عليهم إذا أرادوا فعل شيء أن يسألوا أهل العلم كي يدلوهم على الطريق الصحيح، وكي يبينوا لهم هل هذه ضرورة أم حاجة، وهل يحق له فعل المحرم هنا أم لا.
ولا شك أنَّ الناس هنا يتفاوتون: فمنهم العالم الذي تتضح له جميع الأمور.
ومنهم طالب العلم الذي تتضح له أمور ويشكل عليه بعضها.
ومنهم العامي الذي الذي يجب عليه السؤال في كل مرة، إن لم تكن الأمور واضحة له.
ثالثًا: دفع الرشوة مباح إذا كان لنيل حق لك، لن تستطيع تحصيله إلا بدفع الرشوة، والإثم على الآخذ، لا على الدافع.
عبد الله عمر المصري
2015-03-02, 05:01 PM
ثالثًا: دفع الرشوة مباح إذا كان لنيل حق لك، لن تستطيع تحصيله إلا بدفع الرشوة، والإثم على الآخذ، لا على الدافع.
في كل الأحوال ؟؟
هذا الكلام يعني أن " الإضرار بالغير " ركن في تحريم الرشوة
وهو ما لم يقل به القانون الوضعي الذي اعتبر الراشي مساهم في الجريمة وليس فاعل أصلي لأن علة تجريم فعل الراشي في القانون - والشرع - معاونته للموظف على الإتجار بوظيفته
محمد طه شعبان
2015-10-11, 05:45 PM
القاعدة الثامنة والعشرون:
((المحرَّم لا تبيحه إلا الضرورة))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «ولضرورة»، هذا عائد على الحرير، أي: أو لُبْسه لضرورة، ومن الضَّرورة ألا يكون عنده ثوب غيره، ومن الضَّرورة أيضًا أن يكون عليه ثوب، ولكنه احتاج إلى لُبْسِهِ لدفع البرد، ومن الضَّرورة أيضًا أن يكون عليه ثوب لا يستر عورته لتمزُّقٍ فيه، فكلُّ ما دعت إليه الضَّرورة جاز لُبْسُهُ.
قوله: «أو حِكَّةٍ»، أي: أنه إذا كان فيه حِكَّة جاز لُبْسه، والحكمة: أن الحرير لنعومته ولينه يطفئ الالتهاب من الحِكَّة فلهذا أجازه الشَّارع، فقد رَخَّصَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بنِ عَوف والزُّبير رضي الله عنهما أن يلبسا الحرير من حِكَّة كانت بهما؛ فالحِكَّة إذًا تُبيح لُبْس الحرير.
فإذا قال قائل: لدينا قاعدة شرعية وهي: (أن المحرَّم لا تُبيحه إلا الضَّرورة)، وهنا الحِكَّة هل هي ضرورة؟
فالجواب: أنها قد تكون ضرورة؛ فأحيانًا يُبتلى الإنسان بحِكَّة عظيمة لا تجعله يستقر))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ (2/ 214، 215)، (5/ 72).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (2/ 214، 215).
محمد طه شعبان
2015-10-20, 08:02 AM
القاعدة التاسعة والعشرون:
((ما حُرِّمَ تحريم الوسائل أباحته الحاجة))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ((ولما كان النظر مِنْ أقرب الوسائل إلى المحرم اقتضت الشريعة تحريمه وأباحته في موضع الحاجة؛ وهذا شأن كل ما حرم تحريم الوسائل فإنه يُباح للمصلحة الراجحة؛ كما حرمت الصلاة في أوقات النهي لئلا تكون وسيلة إلى التشبه بالكفار في سجودهم للشمس أبيحت للمصلحة الراجحة كقضاء الفوائت وصلاة الجنازة وفعل ذوات الأسباب على الصحيح))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال العلامة ابن القيم – أيضًا – رحمه الله: ((قال الله تعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} الآية؛ فلما كان غض البصر أصلًا لحفظ الفرج بدأ بذكره، ولما كان تحريمه تحريم الوسائل فيباح للمصلحة الراجحة ويحرم إذا خيف منه الفساد ولم يعارضه مصلحة أرجح مِنْ تلك المفسدة، لم يأمر سبحانه بغضه مطلقًا؛ بل أمر بالغض منه، وأما حفظ الفرج فواجب بكل حال لا يُباح إلا بحقه؛ فلذلك عم الأمر بحفظه))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وقال العلامة ابن القيم – أيضًا – رحمه الله: ((وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يُقرب طِيبًا، أو يُمس به، تناول ذلك الرأسَ والبدنَ والثيابَ، وأما شمه مِنْ غير مَسٍّ فإنما حرمه مَنْ حرمه بالقياس، وإلا فلفظ النهي لا يتناوله بصريحه ولا إجماع معلوم فيه يجب المصير إليه، ولكن تحريمه مِنْ باب تحريم الوسائل؛ فإنَّ شمه يدعو إلى ملامسته في البدن والثياب؛ كما يحرم النظر إلى الأجنبية؛ لأنه وسيلة إلى غيره، وما حرم تحريم الوسائل فإنه يباح للحاجة، أو المصلحة الراجحة، كما يباح النظر إلى الأمة المستامة، والمخطوبة، ومن شهد عليها، أو يعاملها، أو يَطُبُّهَا.
وعلى هذا، فإنما يُمنع المحرم مِنْ قصد شم الطيب للترفه واللذة، فأما إذا وصلت الرائحة إلى أنفه من غير قصد منه، أو شَمَّه قصدًا؛ لاستعلامه عند شرائه، لم يمنع منه، ولم يجب عليه سَدُّ أنفه، فالأول بمنزلة نظر الفجأة، والثاني: بمنزلة نظر المستام والخاطب))اهـ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((الحِكَّة تُبيح لُبْس الحرير؛ فإذا قال قائل: لدينا قاعدة شرعية؛ وهي: أن المحرَّم لا تُبيحه إلا الضَّرورة، وهنا الحِكَّة هل هي ضرورة؟
فالجواب: أنها قد تكون ضرورة، فأحيانًا يُبتلى الإنسان بحِكَّة عظيمة لا تجعله يستقر، وعلى هذا فلا إشكال.
لكن إذا كان لُبْسُه لحاجة فكيف يجوز ولا ضرورة؟ فالجواب: أن تحريم لُبْسِ الحرير من باب تحريم الوسائل؛ وذلك لأن الحريرَ نفسَه من اللباس الطيِّب ولِبَاس الزِّينة، ولكن لما كان مدعاة إلى تنعُّم الرَّجل كتنعُّم المرأة؛ بحيث يكون سببًا للفتنة؛ صار ذلك حرامًا، فتحريمه – إذًا - من باب تحريم الوسائل، وقد ذكر أهلُ العلم أن ما حُرِّمَ تحريم الوسائل أباحته الحاجة، وضربوا لذلك مثلًا بالعَرَايا، وهي بيع الرُّطب بالتَّمر، وبيع الرُّطب بالتَّمر حرام؛ لأن النبيَّ صلّى الله عليه وسلم لما سُئل عن بيع التمر بالرطب، قال: «أينقص الرُّطب إذا يَبسَ؟»، قالوا: نعم، فنهى عن ذلك؛ لأنه رِبَا؛ إذ إن الجهل بالتساوي كالعلم بالتَّفاضل، لكنَّ العَرَايا أُبيحت للحاجة، والحاجة هي أن الإنسانَ الفقيرَ الذي ليس عنده نقودٌ إذا كان عنده تمر، واحتاج إلى التَّفكُّة بالرُّطب، كما يتفكَّهُ النَّاسُ أباح له الشَّارع أن يشتري بالتَّمر رُطبًا على رؤوس النخل، بشرط ألا تزيد على خمسة أوسق، وأن يكون بالخَرْصِ؛ أي: أننا نَخْرِصُ الرُّطب لو كان تمرًا بحيث يساوي التَّمر الذي أبدلناه به.
فهذا شيء من الرِّبا، ولكن أُبيح للحاجة؛ لماذا؟ لأن تحريم رِبَا الفضل من باب تحريم الوسائل، بخلاف رِبَا النسيئة، فإن تحريم رِبَا النسيئة من باب تحريم المقاصد، ولهذا جاء في حديث أسامة بن زيد «لا رِبا إلا في النَّسيئة»، أو: «إنما الرِّبَا في النَّسيئة»، قال أهل العلم: المراد بهذا الرِّبَا الكاملُ المقصودُ، أما رِبَا الفضل فإنه وسيلة))اهـ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ (2/ 215)، (8/ 420).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((روضة المحبين ونزهة المشتاقين)) (95)، طـ دار الكتب العلمية.
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((روضة المحبين ونزهة المشتاقين)) (92).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((زاد المعاد)) (2/ 223)، طـ الرسالة.
[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((الشرح الممتع)) (2/ 215، 216).
عبد الله عمر المصري
2015-10-20, 05:25 PM
أعانك الله على إتمام هذا العمل كما أعانك من قبل الأخ " حازم خنفر " على عمل " الحاشية العثيمينية على زاد المستقنع " ووضع فيها كل ما خالف في ابن العثيمين قول أبي النجا الحجاوي في الزاد وجمع بذلك 1950 مسألة فقهية .
فأسأل الله أن يُوَفِقك لإخراج هذه القواعد في كتاب ، حتى لو كان غير مطبوغ ولكن في شكل pdf محول عن ملف وورد ففيه إن شاء الله فوائد كثيرة.
محمد طه شعبان
2015-10-21, 10:38 AM
أعانك الله على إتمام هذا العمل كما أعانك من قبل الأخ " حازم خنفر " على عمل " الحاشية العثيمينية على زاد المستقنع " ووضع فيها كل ما خالف في ابن العثيمين قول أبي النجا الحجاوي في الزاد وجمع بذلك 1950 مسألة فقهية .
فأسأل الله أن يُوَفِقك لإخراج هذه القواعد في كتاب ، حتى لو كان غير مطبوغ ولكن في شكل pdf محول عن ملف وورد ففيه إن شاء الله فوائد كثيرة.
بارك الله فيك نسأل الله التوفيق والسداد والإعانة.
محمد طه شعبان
2015-11-05, 02:42 PM
القاعدة الثلاثون:
((النجاسة في معدنها لا حكم لها))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((مثال حمل النَّجَاسة: إذا تلطَّخ ثوبُه بنجاسةٍ، فهذا حامل لها في الواقع؛ لأنَّه يَحمِلُ ثوباً نجساً، وإذا جعل النَّجَاسة في قارورة في جيبه، فقد حَمَل نجاسة لا يُعفى عنها، وهذا يقع أحياناً في عصرنا فيما إذا أراد الإنسان أن يحلِّلَ البراز أو البول؛ فحَمَله في قارورة وهو يُصلِّي، فهذا صلاته لا تصحُّ؛ لأنَّه حَمَل نجاسة لا يُعفى عنها.
فإن قال قائل: يَرِدُ عليكم على هذا التقرير ما ثَبَت عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنَّه حَمَل أُمَامة بنت زينب بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يُصلِّي والطِّفلة بطنها مملوء من النَّجَاسات، بل إن شاء أورد عليك أنك أنت تحمل النَّجاسة في بطنك، فما جوابك على هذا؟
أجاب العلماء على ذلك فقالوا: إنَّ النَّجاسة في معدنها لا حُكم لها، فلا تَنْجُسُ إلا بالانفصال، وما في بطن الإنسان لم ينفصل بعد، فلا حُكم له، وهذا الجواب صحيحٌ، ولهذا قال بعض العلماء: إن العَلَقَة في الرَّحم إذا استحالت إلى مُضغة، ثم إلى حيوان طاهر لم يصحَّ أن نقول: إن هذه طَهُرت بالاستحالة، وإن كان المعروف عند الفقهاء رحمهم الله أنهم يستثنون ـ مما يطهر بالاستحالة ـ العَلقَةَ تصير حيواناً طاهرًا، لكن بعض العلماء رَدَّ هذا الاستثناء وقال: إنَّ العَلقَة في معدِنها في الرَّحم ليس لها حُكم، فهي ليست بنجسة، ولا طاهرة، ولا حُكم لها، بناءً على هذه القاعدة، وهو أنَّ الشَّيءَ في معدنه لا حُكم له))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ (2/ 226).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (2/ 225، 226).
محمد طه شعبان
2015-11-07, 07:16 AM
القاعدة الحادية والثلاثون:
((نفي الصِّحَّة يقتضي الفساد))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «ولا تصحُّ الصَّلاةُ في مَقْبَرة»؛ نفيُ الصِّحَّة يقتضي الفساد؛ لأنَّ كلَّ عبادة إما أن تكون صحيحة، وإما أن تكون فاسدة، ولا واسطة بينهما، فهما نقيضان شرعاً، فإذا انتفت الصِّحَّة ثبت الفساد))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ رحمه الله: (2/ 237)، (3/ 80).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (2/ 237).
محمد طه شعبان
2015-11-07, 07:31 AM
القاعدة الثانية والثلاثون:
((النهي يقتضي الفساد))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((بيع رجلين أقبلا إلى المسجد بعد الأذان فتبايعا وهما يمشيان إلى المسجد، فلا يصح بيعهما ما دام وقع بعد الأذان، ولو قبل الخطبة؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9].
وقوله: «لا يصح البيع»؛ إذا قال قائل: ما الدليل على الفساد؟
قلنا الدليل: نهي الله عز وجل؛ لأن قوله {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9]؛ يعني لا تبيعوا، والنهي يقتضي الفساد، هذه القاعدة التي دلت عليها سنة الرسول صلّى الله عليه وسلّم لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد»، وقال: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط»، ولأننا لو صححنا ما نهى عنه الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم لكان في ذلك مضادة لله ورسوله؛ إذ إن النهي يقتضي البُعد عنه وعدم ممارسته، والتصحيح يستلزم ممارسة هذا الشيء ونفاذه، وهذا مضادة لله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.
فإن قال قائل: لم لا تقولون هو حرام ولكنه صحيح، كما قلتم في تلقي الجَلَب؟
فالجواب: الفرق بينهما ظاهر.
أولًا: لأن حديث التلقي قال فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار»، فثبوت الخيار فرع عن صحة العقد، فيكون في الحديث دليل على أن العقد صحيح.
ثانياً: أن النهي عن التلقي ليس نهياً عن العقد لذاته، ولكن نهي عن العقد لحق الغير؛ حيث إنه ربما يكون فيه خديعة للقادم فيشتريه المتلقي بأقل، ولهذا جعل الحق له في إمضاء البيع أو فسخه.
وأما مسألتنا فإن النهي عن البيع بعينه، وما نُهِي عنه بعينه لا يمكن أن نقول: إنه صحيح، سواء في العبادات أو في المعاملات؛ لأن تصحيحنا لما جاء فيه النهي بعينه إمضاء لهذا الشيء الذي نهى الشارع عنه؛ لأن الذي نهى الشارع عنه يريد منا أن نتركه ونتجنبه، فإذا حكمنا بصحته فهذا من باب المضادة لأمر الله سبحانه وتعالى.
وعلى هذا نقول: إن البيع بعد نداء الجمعة الثاني حرام وباطل أيضاً، وعليه فلا يترتب عليه آثار البيع؛ فلا يجوز للمشتري التصرف في المبيع؛ لأنه لم يملكه، ولا للبائع أن يتصرف في الثمن المعين؛ لأنه لم يملكه، وهذه مسألة خطيرة؛ لأن بعض الناس ربما يتبايعون بعد نداء الجمعة الثاني ثم يأخذونه على أنه ملك لهم))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ رحمه الله: (1/ 44)، (7/ 434)، (8/ 189)، (8/ 205)، (9/ 21).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (8/ 189).
محمد طه شعبان
2015-11-07, 09:12 AM
القاعدة الثالثة والثلاثون:
((الأمر بعد الحظر للإباحة))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((فإن قال قائل: قوله: «صَلُّوا في مرابض الغنم» أمرٌ، والأمر للوجوب، فهل هذا يقتضي أن أبحث عن مرابض غنم لأُصَلِّيَ فيها؟
فالجواب: لا؛ فإن الأمر هنا للإباحة؛ لأنه في مقابل النهي عن الصَّلاة في معاطن الإبل، ولهذا قال العلماء إن الأمر بعد الحظر للإباحة، فلما كان يُتوهَّم أنه لما نُهي عن الصَّلاة في أعطان الإبل أنَّه يُنهى كذلك عن الصَّلاة في مرابض الغنم، قال: «صَلُّوا في مرابض الغنم»، كأنه قال: لا تُصلُّوا في أعطان الإبل، ولكم أن تُصلُّوا في مرابض الغنم))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
تنبيه:
اختلف الأصوليون هل الأمر بعد الحظر يفيد الإباحة، أم أنه يرفع النهي السَّابقَ ويعود الحكمُ الشرعيُّ إلَى ما كان قبل النهي فَإِنْ كان مباحًا كان الأمر للإباحة، أو مستحبًّا كان الأمر للستحباب، أو واجبًا كان الأمر للوجوب؟
قلت: والصواب – والله أعلم – هو الثاني؛ وهو أنه يرفع النهي ويعود الحكم إلى ما كان قبل النهي.
قال ابن كثير رحمه الله: ((وقوله: {وإذا حللتم فاصطادوا}؛ أي: إذا فرغتم من إحرامكم وأحللتم منه، فقد أبحنا لكم ما كان محرمًا عليكم في حال الإحرام من الصيد؛ وهذا أمر بعد الحظر، والصحيح الذي يثبت على السبر أنه يَرُدُّ الحكمَ إلى ما كان عليه قبل النهي، فإن كان واجبًا رده واجبًا، وإن كان مستحبًّا فمستحب، أو مباحًا فمباح؛ ومَن قال: إنه على الوجوب، ينتقض عليه بآيات كثيرة، ومن قال: إنه للإباحة، يَرِدُ عليه آيات أخر، والذي ينتظم الأدلة كلها هذا الذي ذكرناه، كما اختاره بعض علماء الأصول، والله أعلم))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وقال الشنقيطي رحمه الله: ((وبهذا تعلم أن التحقيق الذي دل عليه الاستقراء التام في القرآن أن الأمر بالشيء بعد تحريمه يدل على رجوعه إلى ما كان عليه قبل التحريم من إباحة أو وجوب؛ فالصيد قبل الإحرام كان جائزًا فَمُنِعَ للإحرام، ثم أَمَر به بعد الإحلال بقوله: {وإذا حللتم فاصطادوا}، فيرجع لما كان عليه قبل التحريم، وهو الجواز، وقتل المشركين كان واجبًا قبل دخول الأشهر الحرم، فَمُنِع من أجلها، ثم أَمَرَ به بعد انسلاخها في قوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم} الآية، فيرجع لما كان عليه قبل التحريم، وهو الوجوب.
وهذا هو الحق في هذه المسألة الأصولية))اهـ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
قلت: وهو ما رجحه ابن عثيمين رحمه الله في منظومته في أصول الفقه، وفي شرحها.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في ((شرح منظومة الأصول)) (189- 191): ((قول الناظم: والأمرُ بعد النهيِ للحِلِّ*** وفي قولٍ لرفعِ النَّهي خُذْ به تَفِي.
لما ذكر أن الأمر يكون للوجوب ويكون للفور، ذكر الأمر الذي خرج عن هذه القاعدة؛ وهو الأمر الوارد بعد النهي؛ وفي هذا للعلماء قولان : فأكثر الأصوليين يقولون : إن الأمر بعد النهي للإباحة، ولا يعود إلى حكمه الأول الذي هو قبل النهي؛ لأن النهي ورد على الحكم الأول فنسخه، ثم رُفِع النهيُ بعد أن نسخ الحكم الأول، فعاد الأمرُ للإباحة.
وقيل: بل الأمر بعد النهي رفعٌ للنهي، فيُنظر فيما نُهي عنه ويرجع إلى أصله، فإن كان أصله الاستحباب كان مستحبًّا، وإن كان أصله الإباحة كان مباحاً.
قوله: (لرفع النهي): معناه : أنه إذا ورد الأمر بعد النهي فهو رفع، للنهي، وحينئذٍ يعود الحكم إلى ما كان عليه قبل النهي.
قوله: (خذ به تفي): أي: هذا أقرب؛ فنقول: إن الأمر بعد النهي يرفع النهي، ويعيد الحكم إلى ما كان عليه قبل وجود النهي.
فمن ذلك: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 9، 10] فالأمر بالانتشار في الأرض وطلب الرزق للإباحة على القول الأول، وعلى القول الثاني لرفع النهي؛ ومن المعلوم أن طلب الرزق مأمور به لسد حاجة الإنسان وحاجة من يمونه فيكون الأمر بذلك للندب.
ومن ذلك: الإذن للخاطب أن يرى من مخطوبته ما يدعو إلى نكاحها؛ فإنَّ الأصل تحريم نظر الرجل إلى المرأة. فهل الأمر بالنظر في قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إذا خطب أحدكم امرأة فلينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها» للإباحة أو للاستحباب؟ ينبني على الخلاف.
ومن ذلك: قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2]، فهذا ورد بعد النهي عن الصيد في حال الإحرام بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}، إلى قوله: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 1، 2].
فلما رفع النهي عن الاصطياد في حال الإحرام، وذلك بالإحلال، عاد الأمر إلى ما كان عليه من قبل، والاصطياد في الأصل مباح، فيكون للإباحة على القولين لأن الصيد من قسم المباح، ولم يقل أحد إن الإنسان إذا حَلَّ من إحرامه يجب عليه أن يذهب ويأخذ البندقية ويرمي الصيد، بل ولا قال أحد باستحبابه.
وهذا مما يدل على أن قول من قال : إن الأمر بعد النهي للوجوب، ليس له وجه.
وهذا الذي اخترناه في النظم هو الذي اختاره الغزالي رحمه الله في المستصفى))اهـ.
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (2/ 244)، (12/ 19).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (2/ 244).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((تفسير ابن كثير)) (2/ 12).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((أضواء البيان)) (1/ 327).
محمد طه شعبان
2015-11-07, 09:20 AM
القاعدة الرابعة والثلاثون:
((إذا تخلَّف الشرط تخلَّف المشروط))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((لا تصحُّ الصلاة بدون استقبال القِبلة؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من عَمِل عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ»، ولأن استقبال القبلة شرط، والقاعدة: أنه إذا تخلَّف الشرط تخلَّف المشروط، فلا تصحُّ الصَّلاة بدونه لهذه العِلَّة))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (2/ 262)، (4/ 243).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (2/ 262).
محمد طه شعبان
2015-11-07, 09:56 AM
القاعدة الخامسة والثلاثون:
((لا واجبَ مع عَجزٍ، ولا محرَّمَ مع ضَرورة))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((ومن القواعد المقرَّرة عند أهل العلم المأخوذة من نصوص الكتاب والسُّنة: أنه لا واجبَ مع عَجزٍ، ولا محرَّمَ مع ضَرورة.
ومن الأمثلة: حال اشتداد الحرب، فيسقط استقبال القِبْلة، مثل لو كانت الحرب فيها كَرٌّ وفَرٌّ؛ فإنه يسقط عنه استقبال القِبْلة في هذه الحال.
ومنها: لو هرب الإنسان من عدوٍ، أو من سيل، أو من حريق، أو من زلازل، أو ما أشبه ذلك، فإنه يسقط عنه استقبال القِبْلة))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (2/ 263).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (2/ 262).
محمد طه شعبان
2015-11-07, 10:08 AM
القاعدة االسادسة والثلاثون:
((الواجب حَمْلُ النص على ظاهرِه المُتَبَادَر منه، إلا أن يَدلَّ دليلٌ على خلافه))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((وأما قولُهم بأنَّ أَمْرَ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم الرجل الذي صَلَّى منفردًا خلفَ الصَّفِّ أن يعيدَ الصَّلاةَ، قضيةُ عَين .. إلخ. فجوابه: أنَّ الواجبَ حَمْلُ النَّصِّ على ظاهرِه المُتَبَادَر منه، إلا أنْ يَدلَّ دليلٌ على خِلافِهِ؛ والمُتَبَادَر هنا: أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أَمَرَهُ بالإِعادةِ؛ لكونه صَلَّى منفردًا خلفَ الصَّفِّ؛ كما يفيده سياقُ الكلامِ، والأصلُ عدمُ ما سواه))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (4/ 272).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (2/ 271، 272).
محمد طه شعبان
2015-11-08, 08:38 AM
القاعدة السابعة والثلاثون:
((ما وَرَدَ عن الشارع مطلقاً فإنَّه لا يجوز إدخال أيِّ قيدٍ مِن القيود عليه إلا بدليل))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((ومِن المعلومِ أن القاعدة الأصولية: أن ما وَرَدَ عن الشارع مطلقاً فإنَّه لا يجوز إدخال أيِّ قيدٍ مِن القيود عليه إلا بدليل؛ لأنه ليس لنا أن نقيِّد ما أطلقه الشرعُ، وهذه القاعدةُ تفيدك كثيرًا في مسائل؛ منها المسحُ على الخُفَّينِ، فقد أطلقَ الشارعُ المسحَ على الخُفَّينِ، ولم يشترط في الخُفِّ أن يكون مِن نوعٍ معيَّنٍ، ولا أن يكون سليماً مِن عيوبٍ ذكروا أنها مانعة مِن المسحِ كالخَرْق وما أشبهه، فالواجبُ علينا إطلاقُ ما أطلقَه الشرعُ؛ لأننا لسنا الذين نتحكَّمُ بالشرعِ، ولكن الشرعُ هو الذي يَحكمُ فينا، أمَّا أن نُدخِلَ قيودًا على أمْرٍ أطلقه الشرعُ فهذا لا شَكَّ أنه ليس مِن حَقِّنا، فلننظرْ إلى المسألة هنا، فقد قال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّما جُعِلَ الإِمامُ ليؤتمَّ به، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا ركعَ فاركعوا، وإذا سَجَدَ فاسجدوا، وإذا صَلَّى قائماً فصلُّوا قياماً، وإذا صلّى قاعدًا فصلُّوا قعودًا أجمعون»، هل هذه الأحكام التي جعلها الشارعُ في مسارٍ واحدٍ تختلفُ بين إمامِ الحيِّ وغيرِه أو لا؟
فهل نقولُ: إذا كبَّر إمام الحَيِّ فكبِّرْ، وإذا رَكَعَ فاركعْ، وإذا كَبَّرَ غيرُ إمامِ الحَيِّ فأنت بالخيارِ، وإذا رَكَعَ فأنت بالخيارِ؟
الجواب: لا، فالأحكامُ هذه كلُّها عامةٌ لإِمامِ الحَيِّ ولغيرِه، وعلى هذا يتبيَّنُ ضعفُ الشرطِ الأولِ الذي اشترطه المؤلِّفُ، وهو قوله: «إمام الحي»، ونقول: إذا صَلَّى الإِمامُ قاعدًا فنصلِّي قعودًا، سواء كان إمامَ الحَيِّ أم غيره، وقد قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَؤمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤهُمْ لِكِتَابِ اللهِ»، فإذا كان هذا الأقرأُ عاجزًا عن القيام، قلنا: أنت إمامُنا فَصَلِّ بنا، وإذا صَلَّى بنا قاعدًا فإننا نصلِّي خلفَه قُعودًا بأمرِه صلّى الله عليه وسلّم في كونه إمامَنا، وبأمره في كوننا نصلِّي قعودًا))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (4/ 233).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (4/ 233، 234).
محمد طه شعبان
2015-11-08, 11:48 AM
القاعدة الثامنة والثلاثون:
((كما أن الفعل سنة، فالترك مع وجود سبب الفعل سنة))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((ولدينا قاعدة مهمة وهي: كما أن الفعل سنَّة، فالترك مع وجود سبب الفعل سنَّة، مع أنه ترك وليس بفعل.
ولهذا أمثلة؛ منها سُنِّيَّةُ السواك عند دخول المسجد.
فبعض العلماء قال: يُسنُّ له أن يتسوَّك عند دخول المسجد، وبنى ذلك على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك، فقاسوا دخول المسجد على دخول البيت، وقالوا: إذا كان الإِنسان يتسوَّك إذا دخل بيته من أجل أن يقابل أهله بطهارة فم، فكذلك إذا دخل المسجد من أجل أن يناجي ربه بطهارة فم؛ فنقول: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يدخل المسجد ولم يُرْوَ عنه أنه كان إذا دخل المسجد بدأ بالسواك، ولو كان هذا سنَّة لفعله النبي صلّى الله عليه وسلّم، فالسنَّة أن لا يتسوَّك إذا دخل المسجد بناء على أن سبب سواكه دخول المسجد، أما لو كان إذا دخل المسجد سيصلي ركعتين فورًا، وأراد أن يتسوَّك من أجل الصلاة، لا من أجل دخول المسجد فإن هذا مشروع))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (4/ 362).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (4/ 362).
ابراهيم العليوي
2015-11-08, 01:33 PM
[CENTER]
فإذا قال قائل: لدينا قاعدة شرعية وهي: (أن المحرَّم لا تُبيحه إلا الضَّرورة)، وهنا الحِكَّة هل هي ضرورة؟
فالجواب: أنها قد تكون ضرورة؛ فأحيانًا يُبتلى الإنسان بحِكَّة عظيمة لا تجعله يستقر))اهـ.
جزاك الله خيرا شيخنا على ماتكتب وتنقل .
إذن الضرورة لاتعني بالضرورة هو خشية المسلم على نفسه الموت أو تلف أحد أعضاءه فقط .. فأحيانا الحاجة تنزل منزلة الضرورة ولو للشخص نفسه.
فمثلا لو قلنا لايلبس الحرير فهو سيكون في حالة يمكن أن نتصورها من غير أن نعبر عنها ... ويمكن أن نقيس على مثل هكذا حالة من الإنزعاج والأذى
فأحيانا المسلم يحصل له موقف إن لم يرتكب ماهو محرم حصل له أكثر من هذا .. كالخوف مثلا على نفسه أو ماله أو عائلته أو أحد أفراد أسرته
وإن قول ابن مسعود رضي الله عنه ما كلام يدرأ عني سوطين إلا كنت متكلما به .وأكيد هو يقصد ماحرم من الكلام .. وهو رضي الله عنه يعتبر هذا إكراها
فنستفيد من هذا القول في مواقف وأحوال أعظم من السوطين !! يمكن تنزيلها منزلة الضرورة ... والله أعلم
هذا فهمي أعرضه عليك شيخنا المبارك .. وعليك توجيهي وبيان الخطأ إن كان فيه !
محمد طه شعبان
2015-11-08, 02:26 PM
بارك الله فيك أخي الحبيب إبراهيم العليوي.
نعم، نص الأصوليون والفقهاء على أن الحاجة قد تنزل أحيانًا منزلة الضرورة؛ ولا يلزم من الضرورة الموت أو القطع؛ بل المشقة الشديدة تنزل منزلة الضرورة، ولكن الممنوع هو التوسع في ذلك؛ لأن الضرورة هي: ((حَالَةٌ تَطْرأُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِحَيثُ لَوْ لَمْ تُرَاعَ وَقَعَ عَليِه ضَرَرٌ)).
ابراهيم العليوي
2015-11-08, 02:32 PM
بارك الله فيك أخي الحبيب إبراهيم العليوي.
نعم، نص الأصوليون والفقهاء على أن الحاجة قد تنزل أحيانًا منزلة الضرورة؛ ولا يلزم من الضرورة الموت أو القطع؛ بل المشقة الشديدة تنزل منزلة الضرورة، ولكن الممنوع هو التوسع في ذلك؛ لأن الضرورة هي: ((حَالَةٌ تَطْرأُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِحَيثُ لَوْ لَمْ تُرَاعَ وَقَعَ عَليِه ضَرَرٌ)).
جزاك الله خيرا ...
محمد طه شعبان
2015-11-08, 02:32 PM
القاعدة التاسعة والثلاثون:
((إذا جاءنا نص عام، ثم ورد تخصيصه فإنه يتقيد بالصورة التي ورد بها النص فقط))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((وهذه قاعدة مهمة: إذا جاءنا نص عام، ثم ورد تخصيصه فإنه يتقيد ـ أي التخصيص ـ بالصورة التي ورد بها النص فقط.
مثلًا: وردت إباحة الدف في موضعه، فهل يمكن أن يقول قائل: إذًا جميع آلات العزف تباح في مثل هذه المناسبات قياساً على الدف؟
الجواب: لا يصح؛ لأن التخصيص إذا ورد يجب أن يكون في الصورة المعينة التي ورد بها، ولا يمكن أن تقاس بقية المعازف على الدف؛ لأنها أشد تأثيرًا من الدف؛ وذلك لأصواتها ورناتها، والنفوس تطرب بها أكثر مما تطرب بالدف))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (12/ 351).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (12/ 351، 352).
محمد طه شعبان
2015-11-08, 02:33 PM
جزاك الله خيرا ...
وجزاكم مثله أخي الحبيب إبراهيم العليوي
عبد الله عمر المصري
2015-11-08, 04:07 PM
بارك الله فيك أخي الحبيب إبراهيم العليوي.
نعم، نص الأصوليون والفقهاء على أن الحاجة قد تنزل أحيانًا منزلة الضرورة؛ ولا يلزم من الضرورة الموت أو القطع؛ بل المشقة الشديدة تنزل منزلة الضرورة، ولكن الممنوع هو التوسع في ذلك؛ لأن الضرورة هي: ((حَالَةٌ تَطْرأُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِحَيثُ لَوْ لَمْ تُرَاعَ وَقَعَ عَليِه ضَرَرٌ)).
ما هو الضابط الذي يجعلنا يقول " الضرورات تبيح المحظورات وهذه حاجة وليست ضرورة فلا يُباح لها المحظور " ومتى يقال " الضرورات تبيح المحظورات وهذه حاجة والحاجة تنزل منزلة الضرورة ؟ " ؟
إذ أن هاتين القاعدتين يلزم منهما لا محالة أحد أمرين :
إما اختفاء وجه التفرقة بين الضرورة والحاجة وأن كلتاهما واحد
وإما أن التقسيم على التحقيق أربعة مراتب: ضرورة، حاجة تنزل منزلة الضرورة، حاجة لا تنزل منزلة الضرورة، تحسينيات.
فأيهما الصواب ؟
عبد الله عمر المصري
2015-11-08, 04:17 PM
القاعدة التاسعة والثلاثون:
((إذا جاءنا نص عام، ثم ورد تخصيصه فإنه يتقيد بالصورة التي ورد بها النص فقط))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((وهذه قاعدة مهمة: إذا جاءنا نص عام، ثم ورد تخصيصه فإنه يتقيد ـ أي التخصيص ـ بالصورة التي ورد بها النص فقط.
مثلًا: وردت إباحة الدف في موضعه، فهل يمكن أن يقول قائل: إذًا جميع آلات العزف تباح في مثل هذه المناسبات قياساً على الدف؟
الجواب: لا يصح؛ لأن التخصيص إذا ورد يجب أن يكون في الصورة المعينة التي ورد بها، ولا يمكن أن تقاس بقية المعازف على الدف؛ لأنها أشد تأثيرًا من الدف؛ وذلك لأصواتها ورناتها، والنفوس تطرب بها أكثر مما تطرب بالدف))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
اختلف الأصوليين في دلالة العام على استغراق أفراده هل هي دلالة قطعية أم ظنية؟ فاختلفوا في ذلك قبل أن يرد التخصيص فمنهم من قال أن دلالة العام على عموم أفراده قطعية، ومنهم من قال أن دلالة العام على عموم أفراده ظنية، لكنهم اتفقوا أن دلالة العام بعد ورود التخصيص على عمومية أفراده الخارجين عن التخصيص دلالة ظنية.
محمد طه شعبان
2015-11-08, 04:39 PM
ما هو الضابط الذي يجعلنا يقول " الضرورات تبيح المحظورات وهذه حاجة وليست ضرورة فلا يُباح لها المحظور " ومتى يقال " الضرورات تبيح المحظورات وهذه حاجة والحاجة تنزل منزلة الضرورة ؟ " ؟
إذ أن هاتين القاعدتين يلزم منهما لا محالة أحد أمرين :
إما اختفاء وجه التفرقة بين الضرورة والحاجة وأن كلتاهما واحد
وإما أن التقسيم على التحقيق أربعة مراتب: ضرورة، حاجة تنزل منزلة الضرورة، حاجة لا تنزل منزلة الضرورة، تحسينيات.
فأيهما الصواب ؟
نعم، الحاجة أحيانًا تنزل منزلة الضرورة، ومقصد الأصوليين من قولهم: (الضرورات تبيح المحظورات) شمول الحاجة التي تبلغ مبلغ الضرورة؛ مثل المرض الخفيف الذي لا يكون ضرورة ثم يشتد فيصير ضرورة.
محمد طه شعبان
2015-11-08, 05:44 PM
القاعدة الأربعون:
((مَن فعل شيئاً على وَجْهٍ صحيحٍ بمقتضى الدَّليلِ الشَّرعي، فإنَّه لا يمكن إبطالُه إلا بدليلٍ شرعيٍّ))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((ليس هناك شيءٌ تَبطلُ به صلاةُ المأموم ببطلان صلاة الإمام على القول الرَّاجح؛ إلا فيما يقوم فيه الإمامُ مقامَ المأموم، والذي يقوم فيه الإمامُ مقامَ المأموم هو الذي إذا اختلَّ اختلت بسببه صلاةُ المأموم؛ لأنَّ ذلك الفعل من الإمام للإمام وللمأمومين؛ مثل: السُّترة؛ فالسُّترة للإمام سُتْرَة لمن خلفه، فإذا مرَّت امرأة بين الإمام وسُترته بطلت صلاة الإمام وبطلت صلاة المأموم؛ لأنَّ هذه السُّترة مشتركة، ولهذا لا نأمر المأموم أن يتَّخِذَ سُترة، بل لو اتَّخذ سُترة لعُدَّ متنطِّعًا مبتدعًا، فصار انتهاك السُّترة في حَقِّ الإمام انتهاكًا في حَقِّ المأموم، فبطلت صلاة المأموم كما بطلت صلاة الإمام.
وهنا قاعدة مهمَّة وهي: أنَّ من دخل في عبادة فأدَّاها كما أُمِرَ؛ فإننا لا نُبْطِلُها إلا بدليل؛ لأن الأصلَ الصِّحةُ وإبراءُ الذِّمة؛ حتى يقوم دليل البطلان))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ -أيضًا - رحمه الله: ((رَجُلٌ استيقظَ مِن نومِه، فتوضَّأ وذهب يصلِّي إمامًا، وبعد انتهائِه مِن الصَّلاةِ رأى عليه أَثَرَ جنابةٍ، ولكن كان جاهلًا بها، فهنا نقول: المأمومون صلاتُهم صحيحةٌ، أما هو؛ فإنه يعيدُ الصلاةَ، فإنْ عَلِمَ هو أو أحدٌ مِن المأمومينَ في أثناءِ الصَّلاةِ، فالصَّلاةُ باطلةٌ.
والصحيح في هذه المسألة: أنَّ صلاةَ المأمومينَ صحيحةٌ بكُلِّ حالٍ، إلا مَن عَلِمَ أنَّ الإِمامَ مُحدِثٌ.
وذلك لأنهم كانوا جاهلين، فهم معذورون بالجهلِ، وليس بوسعِهم ولا بواجبٍ عليهم أن يسألوا إمامَهم: هل أنت على وُضُوءٍ أم لا؟ وهل عليك جنابةٌ أم لا؟ فإذا كان هذا لا يلزمُهم وصَلَّى بهم وهو يعلم أنه مُحدثٌ، فكيف تَبطلُ صلاتُهم؟!!
وههنا قاعدةٌ مهمَّةٌ جدًّا وهي: «أنَّ مَن فَعَلَ شيئًا على وَجْهٍ صحيحٍ بمقتضى الدَّليلِ الشَّرعي، فإنَّه لا يمكن إبطالُه إلا بدليلٍ شرعيٍّ»؛ لأننا لو أبطلنا ما قامَ الدليلُ على صحَّتِهِ لكان في هذا قولٌ بلا عِلْمٍ على الشرعِ، وإعناةٌ للمكلف ومشقَّةٌ عليه، فهم فعلوا ما أُمِرُوا به مِن الاقتداء بهذا الإِمامِ، وما لم يكلَّفوا به فإنَّه لا يلزمهم حُكمه))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (2/ 324)، (4/ 242).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (2/ 324).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (4/ 242).
محمد طه شعبان
2015-11-08, 07:16 PM
القاعدة الحادية والاربعون:
((ما ثَبَتَ في النَّفْلِ ثَبَتَ في الفرضِ إلا بدليل))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((لو انتقل المنفردُ إلى الإمامة في نَفْل فإن صلاته تصحُّ؛ والدَّليل على ذلك: أن ابن عباس رضي الله عنهما باتَ عند النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلة، فقام النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم من الليل، فقام ابنُ عباس فوقف عن يساره، فأخذَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم برأسِهِ من ورائه فجعله عن يمينه، فانتقل النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم هنا من انفراد إلى إمامة في نَفْل.
وعلى هذا؛ فيكون في انتقال المنفرد من انفراد إلى إمامة في النَّفْلِ نصٌّ عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
والقول الثاني في المسألة: أنه يصحُّ أن ينتقل من انفراد إلى إمامة في الفرض والنَّفْل.
واستدلَّ هؤلاء: بأن ما ثبت في النَّفْل ثبت في الفرض إلا بدليل، وهذا ثابتٌ في النَّفْل فيثبت في الفرض.
والدَّليل على أن ما ثبت في النَّفْل ثبت في الفرض إلا بدليل: أن الصَّحابة رضي الله عنهم الذين رَوَوْا أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يُصلِّي على راحلته في السَّفر حيثما توجَّهت به، قالوا: غير أنه لا يُصلِّي عليها الفريضة، فدلَّ هذا على أنه من المعلوم عندهم أن ما ثَبَتَ في النَّفل ثَبَتَ في الفرض، ولولا ذلك لم يكن لاستثناء الفريضة وجه.
القول الثالث في المسألة: أنه لا يصحُّ أن ينتقل من انفراد إلى إمامة؛ لا في الفرض ولا في النَّفْل، كما لا يصحُّ أن ينتقل من انفراد إلى ائتمام لا في الفرض ولا في النَّفْل، وهذا هو المذهب، فيكون قول المؤلِّف هنا وسطًا بين القولين.
ولكن الصحيح: أنه يصحُّ في الفرض والنَّفْل، أما النَّفْل فقد وَرَدَ به النَّصُّ كما سبق، وأما الفرض فلأن ما ثبت في النَّفْل ثبت في الفرض إلا بدليل))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ – أيضًا – رحمه الله: ((لا يُكره جَمْعُ السُّور في الفرض، كما لا يُكره في النَّفل، يعني: أن يقرأ سورتين فأكثر بعد الفاتحة؛ والدليل: حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أنه صَلَّى مع النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم ذات ليلةٍ فقرأ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم سورة «البقرة» و «النساء»، و «آل عمران»؛ وهذا جمعٌ بين السُّور في النَّفل، وما جاز في النَّفل جاز في الفرض إلا بدليل، وما جاز في الفرض جاز في النَّفْل إلا بدليل، لأن الأصل تساويهما في الحُكم.
والدليل على هذا الأصل: أن الصَّحابة لما حَكَوا صلاةَ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم على راحلته في السَّفر وأنه يُوتر عليها قالوا: «غير أنه لا يُصلِّي عليها المكتوبة»، فلولا أن الفرض يُحذى به حذو النَّفل ما كان للاستثناء فائدة، فلما قالوا: «غير أنه لا يُصلِّي عليها المكتوبة»، علمنا أنهم فهموا أن ما ثَبَتَ في النَّفل؛ ثَبَتَ في الفرض، وإلا لَمَا احتيجَ إلى الاستثناء، وعلى هذا فنقول: إنه لا بأس أن يجمع الإنسانُ في الفَرْضِ بين سورتين فأكثر))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (2/ 257)، (2/ 309)، (2/ 310)، (3/ 73)، (3/ 241، 242)، (3/ 262)، (3/ 288، 289)، (4/ 267)، (4/ 258).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (2/ 309، 310).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (3/ 240، 241).
محمد طه شعبان
2015-11-08, 11:26 PM
القاعدة الثانية والأربعون:
((فِعْلُ النبي صلى الله عليه وسلم المجرد لا يدل على الوجوب))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «أو أفاقَ مِنْ جُنُونٍ، أو إِغماءٍ»، هذا هو الثَّاني والثَّالث من الأغْسال المستحبَّة.
والجنون: زوال العقل، ومنه الصَّرَعُ فإِنَّه نوع من الجُنُون.
والإغماء: التَّغطية، ومنه الغَيْم الذي يُغطِّي السَّماء.
فالإِغماء: تغطية العقل، وليس زواله، وله أسباب متعدِّدة منها: شِدَّة المَرضِ كما حَصَلَ للنبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فإِنه في مَرَضِه أُغْمِيَ عليه ثم أفاق، فقال: أَصَلَّى الناسُ؟ قالوا: لا، وهم ينتظرونك، فأَمَرَ بماء في مِخْضَبٍ ـ وهو شبيه بالصَّحن ـ فاغتَسَلَ؛ فقام لِيَنُوءَ فأُغْمِيَ عليه مرَّة ثانية، فلما أفاق قال: أصلَّى الناسُ؟ قالوا: لا، وهم ينتظرونك»، الحديث.
فهذا دليل على أنَّهُ يُغتسل للإِغماء، وليس على سبيل الوجوب، لأن فِعْلَهُ صلّى الله عليه وسلّم المجرَّد لا يدُلُّ على الوُجوب))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ – أيضًا - رحمه الله:
((مسألة: كيف يقرأُ السُّورة؟
نقول: يقرؤها معربةً مرتَّبةً متواليةً، وينبغي أن يفصِلَ بين آياتِها، ويقفَ عند كلِّ آية، فيقف سبعَ مرَّات، {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *} فيقف {الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ} فيقف {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ *} فيقف {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ *} فيقف {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ *} فيقف {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} فيقف {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} فيقف؛ لأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يُقطِّعُ قراءَتَهُ، فيَقِفُ عند كلِّ آية، وإن لم يقفْ فلا حرجَ؛ لأنَّ وقوفه عند كلِّ آيةٍ على سبيلِ الاستحبابِ، لا على سبيلِ الوجوبِ؛ لأنَّه مِن فِعْلِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم دون أمْرِه، وما فَعَلَه النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم دون أَمْرٍ به مما يُتعبَّد به فهو مِن قبيل المستحبِّ، كما ذُكر ذلك في أصول الفقه: أنَّ الفعلَ المجرَّدَ مما يُتعبَّدُ به يفيد الاستحباب))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وقال الشيخ – أيضًا - رحمه الله:
((والدليل على اشتراط قراءة الآية: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ يوم الجمعة بـ «ق والقرآن المجيد» يخطب بها، ولكن هذا ليس بدليل؛ لأن الفعل المجرد لا يدل على الوجوب.
ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا تشترط لصحة الخطبة قراءة شيء من القرآن متى تضمنت الموعظة المؤثرة في إصلاح القلوب وبيان الأحكام الشرعية، وهذه الرواية الثانية عن أحمد رحمه الله))اهـ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (1/ 329)، (1/ 355)، (1/ 443)، (3/ 66)، (4/ 267)، (5/ 52)، (5/ 54).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (1/ 355).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (3/ 65، 66).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الشرح الممتع)) (5/ 54).
محمد طه شعبان
2015-11-09, 12:44 PM
القاعدة الثالثة والأربعون:
((الفضل المتعلق بذات العبادة أَولى بالمراعاة من الفضل المتعلق بمكانها))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «ويليه الرجال ثم الصبيان ثم النساء»؛ «يليه» أي: يلي الإِمامَ في الصَّفِّ إذا اجتمعَ رجالٌ ونساءٌ صغارٌ أو كبارٌ.
«الرجال» وهم: البالغون؛ لأن وَصْفَ الرَّجُلِ إنما يكون للبالغ، فإذا أرادوا أن يصفُّوا تقدَّمَ الرِّجالُ البالغون ثم الصبيانُ، ثم النساءُ في الخلفِ.
والدَّليلُ قول النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «ليلني منكم أولو الأحلامِ والنُّهى»، وهذا أمْرٌ وأقلُّ أحوالِ الأَمْرِ الاستحبابُ، ولأنَّ المعنى يقتضي أن يتقدَّمَ الرِّجالُ؛ لأنَّ الرِّجَالَ أضبطُ فيما لو حصلَ للإِمامِ سهوٌ أو خطأٌ في آيةٍ، أو احتاجَ إلى أنْ يستخلفَ إذا طرأ عليه عُذرٌ وخرجَ مِن الصَّلاةِ، ثم بعد ذلك الصبيانُ؛ لأنَّ الصبيان ذكورٌ، وقد فضَّل اللهُ الذكورَ على الإِناثِ فهم أقدم مِن النساءِ، ثم بعد ذلك النساءُ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «خيرُ صُفوفِ النِّساءِ آخرُها»، وهذا يدلُّ على أنه ينبغي تأخُّر النساء عن الرِّجالِ، وأما حديث: «أخِّرُوهنَّ مِن حيثُ أخَّرَهُنَّ اللهُ»، فهو ضعيف لا يُحتجُّ به، لكن يُحتجُّ بهذا الحديث: «خيرُ صفوفِ النِّساءِ آخرُها»، ويلزم مِن ذلك أن تتأخَّر صفوفُ النِّساءِ عن صفوفِ الرِّجَالِ، وهذا الترتيب الذي ذكرناه، واستدللنا عليه بالأثر والنظر ما لم يمنع مانعٌ، فإنْ مَنَعَ منه مانعٌ بحيث لو جُمعَ الصبيانُ بعضُهم إلى بعضٍ لحصلَ بذلك لعبٌ وتشويشٌ، فحينئذٍ لا نجمعُ الصبيانَ بعضَهم إلى بعضٍ؛ وذلك لأن الفَضْلَ المتعلِّقَ بذات العبادةِ أَولى بالمراعاةِ مِن الفَضْلِ المتعلِّقِ بمكانِها، وهذه قاعدةٌ فقهيةٌ، ولهذا قال العلماءُ: الرَّمَلُ في طوافِ القُدُومِ أَولى مِن الدُّنُوِ مِن البيت؛ لأنَّ الرَّمَلَ يتعلَّقُ بذاتِ العبادةِ، والدُّنُو مِن البيت يتعلَّقُ بمكانِها، فهنا نقول: لا شَكَّ أنَّ مكان الصبيان خلفَ الرِّجالِ أَولى، لكن إذا كان يحصُلُ به تشويشٌ وإفسادٌ للصَّلاةِ على البالغين؛ وعليهم أنفسِهم، فإنَّ مراعاةَ ذلك أَولى مِن مراعاة فَضْلِ المكان))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (4/ 278).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (4/ 277، 278).
محمد طه شعبان
2015-11-09, 05:03 PM
القاعدة الرابعة والأربعون:
((تقديم الشيء على سببه مُلغى، وتقديم الشيء على شرط وجوبه جائز))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((يجوز إخراج زكاة الفطر قبل العيد بيومين فقط، وقبل اليومين لا يجوز.
ولكن كيف يجوز ذلك وسبب الوجوب - وهو غروب الشمس ليلة العيد - لم يحصل بعد، كما أن لدينا قاعدة فقهية تقول: «إن تقديم الشيء على سببه مُلغى، وتقديم الشيء على شرطه جائز»؟
مثاله: لو قال: والله لا ألبس هذا الثوب، ثم بدا له أن يلبسه فكفر، فهنا قدم التكفير قبل وجود شرطه فهذا جائز، ولو أخرج الكفارة قبل الحلف لم يجزئ لأنه قبل وجود السبب.
وهنا سبب الوجوب، وهو غروب الشمس لم يحصل بعد؟
والجواب: نقول: إن جواز هذا من باب الرخصة؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم فعلوا ذلك؛ فقد كانوا يعطونها للذين يقبلونها قبل العيد بيوم أو يومين، وما دام أن هذه الرخصة جاءت عن الصحابة رضي الله عنهم فهم خير القرون وعملهم متبع، فتكون هذه المسألة مستثناة من القاعدة التي أشرنا إليها))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ – أيضًا – رحمه الله: ((قوله: «ويجوز تعجيل الزكاة لحولين فأقل»؛ الأقل من الحولين هو حول واحد، أي: يجوز للإنسان أن يعجل الزكاة قبل وجوبها، لكن بشرط أن يكون عنده نصاب، فإن لم يكن عنده نصاب، وقال: سأعجل زكاة مالي؛ لأنه سيأتيني مال في المستقبل، فإنه لا يجزئ إخراجه؛ لأنه قدمها على سبب الوجوب، وهو ملك النصاب.
وهذا مبني على قاعدة ذكرها ابن رجب رحمه الله في ((القواعد الفقهية))؛ وهي ((أن تقديم الشيء على سببه ملغى، وعلى شرطه جائز)).
مثال ذلك: رجل عنده (190) درهمًا فقال: أريد أن أزكي عن (200) فلا يصح؛ لأنه لم يكمل النصاب فلم يوجد السبب، وتقديم الشيء على سببه لا يصح.
فإن ملك نصابًا، وقدمها قبل تمام الحول جاز؛ لأنه قدمها بعد السبب وقبل الشرط؛ لأن شرط الوجوب تمام الحول.
ونظير ذلك لو أن شخصًا كفر عن يمين يريد أن يحلفها قبل اليمين ثم حلف وحنث، فالكفارة لا تجزئ؛ لأنها قبل السبب، ولو حلف وكفر قبل أن يحنث أجزأت الكفارة؛ لأنه قدمها بعد السبب وقبل الشرط))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (6/ 169)، (6/ 215).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (6/ 169).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (6/ 214، 215).
محمد طه شعبان
2015-11-09, 06:04 PM
القاعدة الخامسة والأربعون:
((قد تتبعض الأحكام بحسب تفاوت أسبابها))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((إذا قال المالك: آجرتك، قال: بل أعرتني، فالقول قول المالك مع يمينه؛ لأن القاعدة أن الأصل فيمن قبض ملك غيره أنه مضمون عليه؛ ولأن الأصل أن الإنسان لا يسلطك على ملكه إلا بعوض، والتبرع أمر طارئ.
ولكن كيف يكون تقدير الأجرة؟ هل نقول: إذا ادعى المالك أنه أجره إياه كل يوم بعشرة ريالات أن القول قول المالك؟ لا؛ لأن الذي أخذها لم يعترف بالإجارة حتى الآن، نقول: نرجع إلى أجرة المثل؛ لأن الله ذكر في المرأة التي لم يسم لها مهر أنها تُمتع، وبيَّنت السنة أن تمتيعها أن تعطى مهر المثل، كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه؛ فيقال: كم تؤجر هذه العين في مدة أسبوع؟ إذا قالوا: مائة ريال، قلنا: هات مائة ريال، ولكن إذا كانت أجرة المثل أكثر مما ادعى صاحب العين، فالمذهب نعطيه إياها ولو كانت أكثر مما ادعاه، والقول الثاني أننا لا نعطيه إلا ما ادعاه.
ولكن يقبل قول المالك هنا في شيء ولا يقبل في شيء آخر، فيقبل بالنسبة للمدة الماضية ولا يقبل بالنسبة للمدة المستقبلة، لو قال المالك في هذه الصورة: أنا أجرتك إياها لمدة أربعة أيام، وحصل الاختلاف بعد مضي يومين، فنقبل قول المالك فيما مضى من المدة، ولا نقبله فيما يستقبل؛ لأن خصمه ينكره، ويقول: ما أخذتها بأجرة، ولكن بإعارة.
وبهذا نعرف أن الأحكام تتبعض، وهذه قاعدة فقهية؛ بمعنى أنه إذا وُجد ما يثبت أحدها من وجه دون الآخر، حكمنا بالوجه الثابت وتركنا الوجه الذي لم يثبت، وهذه قاعدة مفيدة تنفعك في مسائل عديدة؛ ونظير ذلك رجل ادعى على آخر أنه سرق منه مالًا من بيته وأتى بشاهد على ذلك رجل وامرأتين، فهذه الصورة تضمنت حكمين ضمان المال، وقطع اليد، الحد لا يثبت برجل وامرأتين، وإنما يثبت بشهادة رجلين، والمال يثبت بشهادة رجل وامرأتين، ففي هذه الحال نقول: يضمن السارق المال ولا تقطع يده، فهذه صورة واحدة تضمنت حكمين مختلفين لوجود مقتضي أحدهما دون الآخر، فتتبعض الأحكام))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ عبد المحسن الزامل حفظه الله: ((قد تتبعض الأحكام بحسب تفاوت أسبابها؛ هذه القاعدة لها مسائل كثيرة في أبواب الفقه، ومما يدل عليها ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: اختصم سعد وابن زمعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر، واحتجي منه يا سودة)). رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وأحمد.
فأعمل النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأحكام من جهة النسب وجعله أخاها، وأنه يرثها وترثه، لكن لم يجعله أخاها في المحرمية، ولم يجعله لعتبة أخي سعد لأنه عَاهَرَهَا، ولأن الأمةَ أمة زمعة فالولد للفراش وإن كانت عاهرة مع عتبة وزنت، وهذا الابن يشبه عتبة، ومع هذا لم يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الشبه وأعمل الفراش وقال: ((الولد للفراش))، فأُخذ من هذا الحديث تبعضُ الأحكام، ومنه - أيضًا - البنت من الرضاع تتبعض أحكامها فليست ترث ولا تجب لها النفقة لكنها بنت في التحريم والمحرمية فتحرم على أبيها، وفي المحرمية فهو محرم لها.
وهذا - أيضًا - على قول الجمهور في البنت من الزنا؛ فإنها تحرم على الزاني ولا يجوز أن يتزوجها فتتبعض أحكامها.
ومنه - أيضًا - ما جاء في السرقة، فالسرقة لا تثبت إلا بالإقرار على الخلاف، هل هو بالإقرار مرة أم مرتين؟ وكذلك ثبوتها بشاهدين، فلو أن إنسانًا ادعى أن فلانًا سرق منه وليس عنده إلا شاهدٌ واحدٌ وحلف مع هذا الشاهد، نقول: إن ادعاء السرقة على إنسان ولم يكتمل نصاب الشهادة يثبت المال، وعلى من اتهم بالسرقة تسليم المال لثبوته بالبينة؛ لأن المال يثبت بالشاهد واليمين كما قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشاهد واليمين، أما قطع اليد فلا يثبت إلا بشاهدين، فتتبعض الأحكام.
وكذلك لو ادعى رجل على امرأة أنه خالعها بشيء من المال، وأتى بشاهد وحلف مع الشاهد - والخلع لا يثبت إلا بشاهدين - نقول في هذه الحال يثبت المال وعليها أن تسلم المال وتَبينُ منه امرأته لإقراره.
لكن لو ادعته المرأة - أي ادعت الخلع على الرجل - وليس عندها إلا شاهد وقالت أحلف مع هذا الشاهد، نقول لا يثبت الخلع في هذه الحال؛ لأنها لا تدعي مالًا بل تدعي خلعًا، والخلع لا يثبت إلا بشاهدين، فوجوده كعدمه فلا تَبينُ منه امرأته.
كذلك ما أشار إليه الشارح رحمه الله أن الولد يتبع أباه في النسب ويتبع أمه في الحرية والرق، فلو أن رجلًا تزوج أمة مملوكة فإن أولادها يكونون مملوكين لسيدها هي، فيتبعون أمهم في الرق والحرية، ويتبع في الدين خير أبويه، فلو أن مسلمًا تزوج امرأة من أهل الكتاب فإن الولد يتبع أباه فيكون مسلمًا.
وكذلك في النجاسة وتحريم الأكل، فالمولود بين حيوانين أحدهما طاهر والآخر نجس نحكم بنجاسته، أو أحدهما محرم الأكل والآخر حلال فنحكم بتحريم الأكل؛ فالبغل المولود بين الحمار والفرس نحكم بتحريم أكله أي يتبع شرهما وأخبثهما في النجاسة والتحريم، فإذا كان أحد أبويه نجسًا كان نجسًا، أو كان أحد أبويه محرمًا الأكل كان محرم الأكل))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (6/ 316)، (10/ 134).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (10/ 133، 134).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((شرح القواعد السعدية)) (199- 201).
محمد طه شعبان
2015-11-09, 07:26 PM
القاعدة السادسة والأربعون:
((المكروه يزول عند الحاجة))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «يباح للحاجة» أي: حاجة الزوج، فإذا احتاج فإنه يباح له، مثل أن لا يستطيع الصبر على امرأته، مع أن الله سبحانه وتعالى أشار إلى أن الصبر أولى فقال: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنّ َ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]، وقال صلّى الله عليه وسلّم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر»، لكن أحيانًا لا يتمكن الإنسان من البقاء مع هذه الزوجة، فإذا احتاج فإنه يباح له أن يطلق، والدليل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، ولم يقل: يا أيها النبي لا تطلقوا النساء، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُن َّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } [الأحزاب: 49]، ولأن الذين طلقوا في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يكن ينهاهم عنه، ولو كان حرامًا لمنعهم، ولو كان مكروهًا لاستفصل منهم، ثم عندنا قاعدة فقهية معروفة عند أهل العلم، وهي أن المكروه يزول عند الحاجة))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين - أعلى الله درجته في المهديين -: يقع مشكلة بين بعض المصلين في المساجد حول الدفايات الكهربائية ووضعها أمام المصلين هل هذا حرام أو مكروه يتنزه عنه؟ وهل الصلاة أمام النار محرمة أو مكروهة؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.
فأجاب بقوله: اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في الصلاة إلى النار: فمنهم من كرهها، ومنهم من لم يكرهها، والذين كرهوها عللوا ذلك بمشابهة عباد النار، والمعروف أن عبدة النار يعبدون النار ذات اللهب، أما ما ليس لهب فإن مقتضى التعليل أن لا تكره الصلاة إليها.
ثم إن الناس في حاجة إلى هذه الدفايات في أيام الشتاء للتدفئة؛ فإن جعلوها خلفهم فاتت الفائدة منها أو قلت، وإن جعلوها عن إيمانهم أو شمائلهم لم ينتفع بها إلا القليل منهم وهم الذين يلونها، فلم يبق إلا أن تكون أمامهم ليتم انتفاعهم بها، والقاعدة المعروفة عند أهل العلم أن المكروه تبيحه الحاجة.
ثم إن الدفايات في الغالب لا تكون أمام الإمام وإنما تكون أمام المأمومين وهذا يخفف أمرها، لأن الإمام هو القدوة ولهذا كانت سترته سترة للمأموم. والله أعلم([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وسئل فضيلة الشيخ رحمه الله: هل يُسن حلق شعر البنت عند ولادتها من أجل نشاط الشعر ووفرته؟
فأجاب بقوله: حلق شعرها لا يسن في اليوم السابع كما يسن في حلق رأس الذكر، وأما حلقه للمصلحة التي ذكرت إذا صحت فإن أهل العلم يقولون: إن حلق الأنثى رأسها مكروه، لكن قد يقال: إنه إذا ثبت أن هذا مما يسبب نشاط الشعر ووفرته فإنه لا بأس به؛ لأن المعروف أن المكروه تزيله الحاجة، أو تزيل كراهته الحاجة([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (13/ 9).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (13/ 8، 9).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (12/ 409).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (25/ 244).
محمد طه شعبان
2015-11-10, 11:26 AM
القاعدة السابعة والأربعون:
((كل عقد محرم فإنه لا يصح))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((أراد رحمه الله أن المصحف لا يصح بيعه، والدليل على هذا أثر ونظر.
أما الأثر: فأثر ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «وددت أن الأيدي تقطع ببيعه»، فجعل آخذ ثمنه بمنزلة السارق تقطع يده.
وأما النظر: فيقال: إن كان الإنسان مستغنيًا عنه فبذله واجب، والواجب لا يجوز أخذ العوض عنه، وإن كان غير مستغن عنه فإن بيعه حرام عليه؛ لأنه محتاج له فلا يصح.
وتعليل نظري آخر هو أن في بيعه ابتذالًا له، كما تبتذل السلع، والمصحف يجب أن يحترم ويعظم.
وقال بعض العلماء: إنه يحرم بيعه ويصح، وفي هذا نظر؛ لأنه مخالف للقواعد؛ إذ إن القاعدة أن كل عقد محرم فإنه لا يصح، فهذا القول فيه نظر، فإما أن نقول: يحرم ولا يصح، وإما أن نقول بما عليه جمهور العلماء وعمل المسلمين من أزمنة متطاولة: إنه يجوز، ويصح بيع المصحف.
والصحيح: أنه يجوز بيع المصحف ويصح للأصل، وهو الحل، وما زال عمل المسلمين عليه إلى اليوم، ولو أننا حرمنا بيعه لكان في ذلك مَنعٌ للانتفاع به؛ لأن أكثر الناس يشح أن يبذله لغيره، وإذا كان عنده شيء من الورع وبذله، فإنه يبذله على إغماض، ولو قلنا لكل أحد إذا كنت مستغنيًا عن المصحف، يجب أن تبذله لغيرك لشق على كثير من الناس.
وأما ما ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فلعله كان في وقت يحتاج الناس فيه إلى المصاحف، وأن المصاحف قليلة فيحتاجون إليها، فلو أُبيح البيع في ذلك الوقت لكان الناس يطلبون أثمانًا كثيرة لقلته؛ فلهذا رأى رضي الله عنه ألا يباع))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (8/ 119).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (8/ 118، 119).
محمد طه شعبان
2015-11-10, 12:31 PM
القاعدة الثامنة والأربعون:
((النادر لا حُكْمَ له))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((فإن قلت: إذا لم يجب على الصَّبيِّ صلاة؛ أَفَلَيْسَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم قد أوجبَ على الإنسان أن يأمرَ ابنه أو ابنته بالصَّلاة لسبعٍ، ويضربه عليها لعشر؟ وهل يُضرَبُ الإنسان على شيء لا يجب عليه؟
فالجواب على ذلك أن نقول: إِنَّما أُلزم الوالدُ بأمر أولاده وضربهم؛ لأنَّ هذا من تمام الرِّعاية والقيام بالمسؤولية التي حملها، والأب أهلٌ للمسؤولية، لا لأنَّ الصَّبيَّ تجب عليه الصَّلاة، ولذلك لا يلزمه قضاؤها لو تركها، ولو كان الصَّبيُّ له ستُّ سنوات؛ لكنَّه فَطِنٌ وذكيٌّ، فظاهر الحديث أنَّه لا يأمره؛ لأنَّ الشَّارع حدَّها بالسَّبع؛ لأنَّ الغالب أنه يكون بها التَّمييز، والنَّادر لا حكم له))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «والبقر سنتان، والمعز سنة»؛ فلا يجزئ ما دون ذلك، فلو قال قائل: لو أثنت البعير قبل الخمس والبقرة قبل السنتين، فهل نعتبر الثنية بكونها أثنت أو نعتبر بالسنين؟ نقول هذا شيء نادر، والنادر لا حكم له، وظاهر كلام العلماء رحمهم الله أن العبرة بالسنوات وأن ما تم لها خمس سنين من الإبل فهي ثنية، أو سنتان من البقر فهي ثنية، أو سنة من المعز فهي ثنية، سواء أثنت الثنية أو لا))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((مسألة: إذا قال: أسلمت إليك في هذا البستان فلا يصح ـ أيضًا ـ على المذهب؛ لأنه ليس في الذمة، وهذا البستان قد يثمر وقد لا يثمر، وإذا كان الشارع نهى عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه، فهذا من باب أولى، ولكن يصح أن يسلم في بساتين القرية عامة؛ مثل أن يقول: أسلمت إليك في ثمر هذا البلد؛ لأن بعض البلدان يكون ثمره جيدًا؛ وذلك لأن تخلف الثمر في البلد أمر نادر بعيد، والنادر لا حكم له، بخلاف ما إذا كان في بستان معين فقد يتخلف كثيرًا؛ ولذلك لا يصحِّحونه))اهـ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((الأمة الشابة لا تجوز إعارتها لرجل إلا أن يكون مَحْرَمًا، فلو كان شخص عنده أمة شابة مملوكة ولها أخ فقال أخوها: أعرني أختي؛ لأني سيأتيني ضيوف وأحتاج إلى مساعدة الأهل بها، فهذا يجوز؛ لأنه مَحْرَم ومأمون عليها، أو استعارتها امرأة، يعني إنسان له جارة أتاها ضيوف فطلبت منه أن يعيرها أمته فهذا يجوز؛ لأن المرأة على المرأة مأمونة، هذا الأصل، والنادر لا حكم له، لا في هذا ولا في المَحْرَم، حتى المَحْرَم أحيانًا يغويه الشيطان فيفعل الفاحشة في محارمه لكن الكلام على الأصل الغالب))اهـ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((ما أتلفته البهيمة في النهار يكون الضمان على صاحب الزرع، وليس على صاحب البهيمة ضمان؛ لأن المأمور بالحفظ أصحاب المزارع، إلا أن المؤلف رحمه الله استثنى معنى وجيهًا يؤيد ما نقلناه أخيرًا فقال: «إلا أن ترسل بقرب ما تتلفه عادة»؛ مثال ذلك: رجل يرعى إبله في النهار فأطلقها قرب مزرعة، والمزرعة ليس عليها شبك وليس عليها جدار، فمثل هذا جرت العادة أن البهيمة تذهب وتأكل الزرع كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه»، وهذا الاستثناء الذي ذكره المؤلف وجيه وصحيح، فيرسلها ـ مثلًا ـ على بُعْد خمسة أمتار أو عشرة أمتار، ثم يذهب، ومن المعلوم أنها سوف تذهب إلى الزرع وتأكله، فيكون الضمان هنا على صاحبها ولهذا قال: «إلا أن ترسل بقرب ما تتلفه عادة».
وهذا ـ أيضًا ـ خلاف المذهب، فالمذهب لا ضمان على صاحبها في النهار سواء أرسلها بقرب ما تتلفه عادة أم لم يرسلها، بناء على أن مناط الحكم هو تفريط صاحب الزرع أو عدمه؛ لأن صاحب الزرع هو المأمور بحفظ زرعه في النهار، والأصح المذهب؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قضى بأن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، إلا أن يكون صاحب البهيمة اهتبل فرصة غياب أصحاب المزارع فأرسل بهيمته فهنا يكون الضمان عليه، أو أرسل البهيمة بقرب ما تتلفه عادة كما تقدم فيضمن.
لو قال قائل: إذا انعكس الأمر وصار الناس يحفظون أموالهم في الليل، والمواشي ـ أيضًا ـ تُطلَق في الليل فهل ينعكس الحكم؟
قال بعض العلماء: إنه ينعكس؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، وقال بعض العلماء: لا ينعكس؛ لأن هذه مسألة نادرة، يعني يندر أن تكون المواشي تُرعى في الليل وأن يكون حفظ الأموال في الليل، والنادر لا حكم له))اهـ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((فلو شهد أب لابنه لم تقبل شهادته، أو ابن لأبيه لم تقبل شهادته، أو شهد ولد لأمه لم تقبل شهادته، أو أم لولدها لم تقبل شهادتها، المهم أن هذا مانع، فما الدليل على كونه مانعًا؟
الدليل قوة التهمة؛ لأن الإنسان متهم إذا شهد لأصله، أو شهد لفرعه، فإذا كان متهمًا فإن ذلك يمنع من قبول شهادته لاحتمال أن يكون قد حابى أصوله أو فروعه، فالدليل على أن هذا مانع تعليل، وليس دليلًامن الكتاب والسنة، بل هو قوة التهمة، فإذا علمنا أن التهمة معدومة لكون الأب أو الأم مبرزًا في العدالة لا يمكن أن تلحقه تهمة، فهل نقبل الشهادة أو لا؟ المؤلف يقول: لا نقبل الشهادة حتى لو كان الأب من أعدل عباد الله، أو الابن من أعدل عباد الله؛ لأن كونه في هذه المرتبة من العدالة أمر نادر، والنادر لا حكم له، فالعبرة بالأغلب، والأغلب أن الإنسان تلحقه التهمة فيما إذا شهد لأصوله أو فروعه، ولا سيما في عصرنا الحاضر الذي غلبت فيه العاطفة على جانب العقل والدين عند كثير من الناس))اهـ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (1/ 345)، (2/ 14)، (7/ 426)، (9/ 85)، (10/ 112)، (10/ 213)، (11/ 289)، (13/ 55)، (15/ 436).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (2/ 13، 14).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (7/ 425، 426).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الشرح الممتع)) (9/ 84، 85).
[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((الشرح الممتع)) (10/ 112).
[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((الشرح الممتع)) (10/ 211، 212).
[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) ((الشرح الممتع)) (15/ 436).
محمد طه شعبان
2015-11-10, 12:52 PM
القاعدة التاسعة والأربعون:
((الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «وتَحْرمُ الخُيَلاءُ في ثوبٍ وغيرهِ»، الخُيَلاء: مأخوذة في الأصل من الخَيل، لأن الخَيل تجلب التَّباهي والترفُّع والتَّعالي.
فالخُيَلاء: أن يجدَ الإنسانُ في نفسه شيئًا من التَّعاظُم على الغَير؛ وهذا حرام في الثوب وغيره، فالثوب كالقميص والسَّراويل والإزار، وغير الثوب كالخَاتم، فبعض النَّاس يلبس الخَاتم، ويضع عليه فَصًّا كبيرًا جدًا، وأحيانًا تشعر بأنه يتخايل به؛ كأن يحرِّك أصبعه بالخاتم خيلاء؛ ولهذا قال المؤلِّف: «في ثَوبٍ وغَيْرِه» فأطلق.
فإن قال قائل: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ جَرَّ ثَوبه خُيَلاء لم ينظر الله إليه»، فخَصَّ ذلك بالثوب؟
فالجواب: أنَّ الحكم يدور مع علَّته، وذِكْرُ الثوب مقرونًا بالوصف الذي هو عِلَّة الحكم يكون كالمثال؛ فكان المحرم في الأصل هو الخُيلاء، وذَكَر النبي صلّى الله عليه وسلّم مثالًا مما تكون فيه الخيلاء وهو الثوب، ولهذا قال بعضُ العلماء: إن الخُيَلاء ليست في جَرِّ الثَّوب فقط، بل في كُلِّ هيئة للثَّوب حتى يقول: إن توسيع الأكمام من الخُيَلاء، والمُهِمُّ: أن الخيلاء إنما ذُكِرَت في الحديث بالإزار أو الثوب من باب ضرب المثال))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «والحشرات»؛ الحشرات لا يصح بيعها، والعلة أنه ليس فيها نفع، فبذل المال فيها إضاعة له، وقد نهى صلّى الله عليه وسلّم عن إضاعة المال، وعُلِم من هذا التعليل أنه لو كان فيها نفع جاز بيعها؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، ومن النفع العلق لمص الدم([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))، والديدان لصيد السمك))اهـ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((مسألة: هل يجوز قطع الإصبع الزائدة أو لا؟
الفقهاء يقولون: لا يجوز، ويعللون ذلك بالخطر، ولكن بناء على تقدم الطب الآن فإن الصحيح جواز ذلك؛ لأن هذا إزالة عيب، وليس من باب التجميل، ولو كان من باب التجميل لكان حرامًا، ولهذا لعن النبي صلّى الله عليه وسلّم النامصة والمتنمصة؛ لأنها تزيل شيئًا خلقه الله للتجميل، وأما هذا فيقطع أصبعًا زائدة من باب إزالة العيب، وأنت الآن قدر نفسك قد أصبت بهذا الأمر ألست تحب أن لا يراك الناس؟ بلى ما في ذلك شك، فالصواب أن إزالة الأصبع الزائدة في وقتنا الحاضر جائزة ولا شيء فيها، وهذا نظير ما قال العلماء في البواسير، قالوا: إن قطع البواسير حرام؛ لأنه يمكن أن ينزف الدم حتى يموت، فيكون متسببًا في قتل نفسه، ولكنه في الوقت الحاضر أصبحت هذه العملية عملية بسيطة وليس فيها أي نوع من الخطر، فلكل مقام مقال، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا))اهـ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((وهل يمكن أن يكون عنينًا بالنسبة لزوجة، وليس عنينًا بالنسبة لزوجة أخرى؟
الجواب: الواقع يمكن، لا سيما إذا كان ـ والعياذ بالله ـ مسحورًا؛ لأن هناك سحر عطف وصرف، فقد يكون هو بالنسبة لفلانة لا يستطيع الجماع أبدًا، وبالنسبة للأخرى يستطيع أن يجامع، ففي الأولى: المذهب أنه ليس لها الفسخ؛ لأنه ليس بعنين، فهو قادر على الجماع، والصواب - وهو الراجح عندي - أن لها الفسخ، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، ولو قيل: إن هذه أحق بالفسخ من غيرها؛ لأنها تراه مع ضرتها، يغتسل في اليوم ثلاث مرات، وهي لا يأتيها، فهذا أشد عليها مما لو كان منفردًا بها، فينبغي أن نمكنها من الفسخ رأفة بها ورحمة، ولعل الله أن ييسر لها زوجًا يحصل به الكفاية))اهـ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((والسم أحيانًا يستعمل دواءً، فيوجد أنواع من السموم الخفيفة تخلط مع بعض الأدوية فتستعمل دواءً، فهذه نص العلماء على أنها جائزة، لكن بشرط أن نعلم انتفاء الضرر، فإذا خلطت بعض الأدوية بأشياء سامَّة، لكن على وجهٍ لا ضرر فيه فإنها تُباح؛ لأن لدينا قاعدة فقهية مهمة، وهي أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا؛ فإذا استُعمل السم، أو شيء فيه سم على وجه لا ضرر فيه كان ذلك جائزًا))اهـ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((كل هذه الأحوال التي ذكرها المؤلف مقيسة على قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يقضي أحد بين اثنين وهو غضبان»، إذًا كل حال تعتري القاضي تكون حائلًا بينه وبين تصور القضية، أو انطباق الأحكام الشرعية عليها، فإنه يحرم عليه القضاء فيها حتى يزول هذا السبب؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا))اهـ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (1/ 41)، (1/ 137)، (1/ 283)، (1/ 500)، (2/ 37)، (2/ 197)، (7/ 64)، (8/ 118)، (8/ 313)، (8/ 450)، (9/ 300)، (9/ 378)، (10/ 212)، (11/ 56)، (11/ 326)، (12/ 209)، (12/ 421)، (12/ 443)، (13/ 507)، (13/ 542)، (15/ 13)، (15/ 70)، (15/ 303).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (2/ 197).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) قال في ((لسان العرب)) (10/ 267، 268): ((العلق: دويدة حمراء تكون في الماء تعلق بالبدن وتمص الدم، وهي من أدوية الحلق والأورام الدموية لامتصاصها الدم الغالب على الإنسان))اهـ.
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الشرح الممتع)) (8/ 118).
[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((الشرح الممتع)) (8/ 313).
[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((الشرح الممتع)) (12/ 209).
[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) ((الشرح الممتع)) (15/ 13، 14).
[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) ((الشرح الممتع)) (15/ 303).
محمد طه شعبان
2015-11-10, 01:52 PM
القاعدة الخمسون:
((الاستدامة أقوى من الابتداء))
قال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «ولو كرهت» أي: لو كرهت الزوجةُ الرجعةَ فإنها تثبت لقوله تعالى: { وَبُعُولَتُهُن أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228]، ولم يشترط الله تعالى رضا الزوجة.
فإن قال قائل: ألستم تشترطون في عقد النكاح رضا الزوجة؟
فالجواب: بلى، ولكن ذلك ابتداء عقد، وهذا إعادة مطلقة، فهو استدامة نكاح، وليس ابتداء عقد، والاستدامة أقوى من الابتداء، ولهذا لا يشترط فيها وليٌّ ولا شهود، وهذه قاعدة فقهية ينبغي لطالب العلم أن يفهمها؛ ولهذا إذا تطيب الإنسان قبل إحرامه ثم بقي الطِّيب عليه بعد الإحرام جاز، ولو تطيب بعد الإحرام لا يجوز؛ لأن الاستدامة أقوى من الابتداء، وكذلك لو أراد الإنسان أن يعقد وهو مُحْرم على امرأة حَرُم، ولو راجع امرأته المطلقة وهو محرم جاز؛ لأن الاستدامة أقوى من الابتداء))اهـ.
محمد طه شعبان
2015-11-10, 04:41 PM
القاعدة الحادية والخمسون:
((من شك في وجود شيء أو عدمه فالأصل العدم))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((إذا شك في نية القصر، يعني شك هل نوى القصر أم لم ينوِ؟ فيلزمه الإِتمام، وهذه المسألة غير المسألة الأولى، فالأولى جزم بأنه لم ينوِ، والثانية شك هل نوى أم لا؟ فالمذهب أنه يلزمه الإِتمام، لأن الأصل عدم النية؛ ومن القواعد المقررة: أن من شك في وجود شيء أو عدمه فالأصل العدم، وإذا لم يتيقن أنه نوى القصر لزمه الإِتمام، ووجوب الإِتمام في هذه المسألة أضعف من وجوب الإِتمام في المسألة التي قبلها وهي: إذا جزم بأنه لم ينوِ، فإذا كان القول الصحيح في المسألة الأولى: أنه يقصر كان القول بجواز القصر في هذه المسألة من باب أولى، وعلى هذا فنقول: إذا شك هل نوى القصر أو لم ينوه؟ فإنه يقصر ولا يلزمه الإِتمام، لأن الأصل في صلاة المسافر القصر))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (4/ 372).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (4/ 371، 372).
محمد طه شعبان
2015-11-10, 05:10 PM
القاعدة الثانية والخمسون:
((كل تحديد بمكان أو زمان أو عدد، فإنه لا بد له من دليل))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((عندنا قاعدة مفيدة ((أن كل تحديد بمكان أو زمان أو عدد، فإنه لا بد له من دليل))؛ لأن التحديد يحتاج إلى توقيف.
فمثلًا: الذين حددوا الحيض بأن أقله يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يومًا فلا بد لهم من الدليل، وإلا فلا قبول، والذين حددوا مسافة القصر بيومين لا بد لهم من الدليل، والذين حددوا الإقامة التي تقطع حكم السفر بأربعة أيام لا بد لهم من الدليل، والذين حددوا الفطرة بصاع لا بد لهم من الدليل، والذين حددوا دخول وقت الجمعة بارتفاع الشمس بقيد رمح نقول: أين الدليل؟))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (5/ 31).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (5/ 31).
محمد طه شعبان
2015-11-10, 05:43 PM
القاعدة الثانية والخمسون:
((العرف إذا خالف الشرع يجب إلغاؤه))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((واستفدنا من كلام المؤلف رحمه الله أن العرف مقدم فيما ينطق به الناس، فيحمل على أعرافهم، وهذه هي القاعدة السليمة الصحيحة، وليس في هذه المسألة فقط، بل في جميع المسائل يحمل كلام الناس على ما يعرفونه، وعلى هذا، فإذا قال الرجل: خليت زوجتي، فالصيغة من الصريح؛ لأنه عند الناس «خلى زوجته» كـ «طلق زوجته»، وإن كانت كناية عند الفقهاء، لكن هذا يناقض كلامهم في بعض الأبواب في أنه يُغلَّب العرف حتى في الأيمان.
وإذا قال: «جوزتك» بنتي، بهذا اللفظ، فعند الناس في عرفهم أن جوَّز مثل زوَّج، فعلى هذا ينعقد النكاح بهذا اللفظ، أما لو خطب ابنته منه وقال: أعطيتك، فهذا ليس بعقد ولكنه وعد؛ لأنه لما قال: خطبت، فقال: أعطيتك، يعني وافقتك على خطبتك.
المهم أننا نأخذ من كلام المؤلف هنا أن العرف مقدم على كل شيء ما لم يناقض الشرع، فإن ناقض الشرع فلا حكم له، فلو فرض أنه شاع في الناس أن بيع المحرم المعيَّن حلال، وهو حرام شرعًا فلا يرجع إلى العرف، فالعرف إذا خالف الشرع يجب إلغاؤه؛ لأن الأمة الإسلامية يجب أن يكون المتعارف بينها ما دل عليه الشرع، فإذا وجد عرف يخالف الشرع وجب تعديله، ولا يجوز أن يحول الشرع إلى العرف.
فإن قال قائل: ألستم تقولون: إن المرجع في النفقة على الزوجة ـ مثلًا ـ إلى العرف؟ الجواب: بلى، لكننا لم ننقض القاعدة؛ لأن الله أحالنا في الإنفاق على الزوجة إلى العرف، فإذا عملنا بالعرف في الإنفاق فقد عملنا بالشرع))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (11/ 177).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) (11/ 176، 177).
محمد طه شعبان
2015-11-10, 05:52 PM
القاعدة الثالثة والخمسون:
((الانتقال من معين إلى معين يبطل الأول، ولا ينعقد به الثاني))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((وعُلِمَ من قول المؤلِّف: «انتقل من فرض إلى فرض»، أنَّه إن انتقل من نَفْل إلى نَفْل لم يبطلا، وهذه الصُّورة الثالثة، لكن هذا غير مُراد على إطلاقه؛ لأنَّه إذا انتقل من نَفْل معيَّن إلى نَفْل معيَّن؛ فالحكم كما لو انتقل من فَرْض إلى فَرْض، فلو انتقل – مثلًا - من راتبة العشاء إلى الوِتر، فالرَّاتبة معيَّنة والوِتر معيَّنة، بطل الأول ولم ينعقد الثاني؛ لأن الانتقال من معيَّن إلى معيَّن يُبطل الأول ولا ينعقد به الثَّاني، سواء أكان فريضة أم نافلة.
وإن انتقل من فَرض معيَّن، أو من نَفْل معيَّن إلى نَفْل مطلق؛ صحَّ، وهذه الصُّورة الرابعة، لكن يُشترط في الفرض أن يكون الوقت متَّسعًا.
والتَّعليل: لأن المعيَّن اشتمل على نيَّتين: نيَّة مطلقة، ونيَّة معيَّنة، فإذا أبطل المعيَّنة بقيت المطلقة.
مثال ذلك: دخل يُصلِّي الوِتر ينوي صلاة الوتر، فألغى نيَّة الوِتر فتبقى نيَّة الصلاة.
فالصُّور إذًا أربع:
1 - انتقل من مُطلق إلى مُطلق، فصحيح؛ إن تُصُوِّرَ ذلك.
2 - انتقل من مُعيَّن إلى مُعيَّن، فلا يصحُّ.
3 - انتقل من مُطلق إلى معيَّن، فلا يصحُّ.
4 - انتقل من مُعيَّن إلى مُطلق؛ فصحيحٌ))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (2/ 303)، (5/ 49).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (2/ 303، 304).
محمد طه شعبان
2015-11-10, 06:06 PM
القاعدة الرابعة والخمسون:
((مراعاة الناس في أمر ليس بحرام هو مما جاءت به الشريعة))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله بعدما ذكر الشروط التي ذكرها المؤلف لصحة الجمعة: ((وقال بعض أهل العلم: إن الشرط الأساسي في الخطبة أن تشتمل على الموعظة المرققة للقلوب، المفيدة للحاضرين، وأن الحمد لله، أو الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقراءة آية، كله من كمال الخطبة.
ولكن هذا القول وإن كان له حظ من النظر لا ينبغي للإنسان أن يعمل به إذا كان أهل البلد يرون القول الأول الذي مشى عليه المؤلف؛ لأنه لو ترك هذه الشروط التي ذكرها المؤلف لوقع الناس في حرج، وصار كلٌّ يخرج من الجمعة، وهو يرى أنه لم يُصَلِّ الجمعة، وإذا أتيت بهذه الشروط لم تقع في محرم، ومراعاة الناس في أمر ليس بحرام هو مما جاءت به الشريعة، فقد راعى النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه في الصوم والفطر في رمضان في حال السفر، وراعاهم صلّى الله عليه وسلّم في بناء الكعبة حيث قال لعائشة رضي الله عنها: «لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم»، وهذه القاعدة معروفة في الشرع.
أما إذا راعاهم في المحرم فهذه تسمى مداهنة لا تجوز، وقد قال الله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم]))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (5/ 56).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (5/ 56).
محمد طه شعبان
2015-11-10, 07:09 PM
القاعدة الخامسة والخمسون:
((المشقة تجلب التيسير))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله ((فَصْلٌ: ويعذر بترك جمعة وجماعة مريض، ومدافع أحد الأخبثين.
قوله: «فصل»؛ هذا الفصلُ عَقَدَه المؤلِّفُ لبيان الأعذارِ التي تُسقِطُ الجمعةَ والجماعة، وهو مبنيٌّ على قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185].
ومِن القواعدِ المشهورة: المشقةُ تجلبُ التيسير، ولا شَكَّ أنَّ الجمعةَ أوكد بكثير مِن الجماعة لإجماعِ المسلمين على أنَّها فَرْضُ عَين؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9].
أما الجماعةُ فإنَّه سَبَقَ الخِلافُ فيها، وأنَّ القولَ الرَّاجحَ أنَّها فَرْضُ عَين، لكن آكديتها ليست كآكدية صلاة الجُمُعة، ومع ذلك تسقط هاتان الصَّلاتان للعُذر))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (4/ 310)، (4/ 324).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (4/ 309، 310).
محمد طه شعبان
2015-11-10, 07:25 PM
القاعدة السادسة والخمسون:
((ما كان وضعه بغير حق فرفعه حق))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله ((قوله: «وحرم رفع مصلى مفروش ما لم تحضر الصلاة»، يعني أن رفع المصلى الذي وضعه صاحبه ليصلي عليه ثم انصرف حرام، و «المصلى»: ما يصلى عليه، مثل: السجادة.
وصورة المسألة: رجل وضع سجادته في الصف، وخرج من المسجد فلا يجوز أن ترفع هذا المصلى؛ التعليل: أن هذا المصلى نائب عن صاحبه، قائم مقامه، فكما أنك لا تقيم الرجل من مكانه فتجلس فيه، فكذلك لا ترفع مصلاه.
ومقتضى كلام المؤلف أنه يجوز أن يضع المصلى ويحجز المكان؛ لأنه لو كان وضع المصلى وحجز المكان حرامًا لوجب رفع المصلى، وإنكار المنكر، فلما جعل المؤلف للمصلى حرمة دل ذلك على أن وضعه جائز، وهذا هو المذهب.
ولكن الصحيح في هذه المسألة أن الحجز والخروج من المسجد لا يجوز، وأن للإنسان أن يرفع المصلى المفروش؛ لأن القاعدة: ((ما كان وضعه بغير حق فرفعه حق))، لكن لو خيفت المفسدة برفعه من عداوة أو بغضاء، أو ما أشبه ذلك، فلا يرفع ((لأن درأ المفاسد أولى من جلب المصالح))، وإذا علم الله من نيتك أنه لولا هذا المصلى المفروش لكنت في مكانه، فإن الله قد يثيبك ثواب المتقدمين؛ لأنك إنما تركت هذا المكان المتقدم من أجل العذر))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (5/ 102).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (5/ 101، 102).
محمد طه شعبان
2015-11-11, 10:59 AM
القاعدة السابعة والخمسون:
((درء المفاسد مقدم على جلب المصالح))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله ((قوله: «وحرم رفع مصلى مفروش ما لم تحضر الصلاة»، يعني أن رفع المصلى الذي وضعه صاحبه ليصلي عليه ثم انصرف حرام، و «المصلى»: ما يصلى عليه، مثل: السجادة.
وصورة المسألة: رجل وضع سجادته في الصف، وخرج من المسجد فلا يجوز أن ترفع هذا المصلى؛ التعليل: أن هذا المصلى نائب عن صاحبه، قائم مقامه، فكما أنك لا تقيم الرجل من مكانه فتجلس فيه، فكذلك لا ترفع مصلاه.
ومقتضى كلام المؤلف أنه يجوز أن يضع المصلى ويحجز المكان؛ لأنه لو كان وضع المصلى وحجز المكان حرامًا لوجب رفع المصلى، وإنكار المنكر، فلما جعل المؤلف للمصلى حرمة دل ذلك على أن وضعه جائز، وهذا هو المذهب.
ولكن الصحيح في هذه المسألة أن الحجز والخروج من المسجد لا يجوز، وأن للإنسان أن يرفع المصلى المفروش؛ لأن القاعدة: ((ما كان وضعه بغير حق فرفعه حق))، لكن لو خيفت المفسدة برفعه من عداوة أو بغضاء، أو ما أشبه ذلك، فلا يرفع ((لأن درأ المفاسد أولى من جلب المصالح))، وإذا علم الله من نيتك أنه لولا هذا المصلى المفروش لكنت في مكانه، فإن الله قد يثيبك ثواب المتقدمين؛ لأنك إنما تركت هذا المكان المتقدم من أجل العذر))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله ((بيَّن المؤلف حكم الكتابة فقال: «وتسن مع أمانة العبد وكسبه»؛ أفادنا المؤلف أن الكتابة سنَّة إذا كان العبد أمينًا قادرًا على التكسب، فإن لم يكن أمينًا، بأن كان يخشى من عتقه أن يذهب إلى الكفار، ويكون معهم على المسلمين، أو خشي أنه إذا عتق سعى في الأرض فسادًا، فهنا لا تُسن الكتابة؛ لأنه ليس بأمين، ولأن العتق هنا يفضي إلى شر، ودرء المفاسد أولى من جلب المصالح))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
تقييد قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح:
قال الشيخ رحمه الله: ((وقوله: «وقبيعة السيف»؛ القبيعة ما يكون على رأس مقبض السيف، وهي مثل القبع، فيجوز أن تحلى هذه القبيعة بالفضة؛ لآثار وردت في ذلك بعضها مرفوع وبعضها موقوف؛ ولأن السيف من آلة الحرب، فيتحليته إغاظة للعدو، ولهذا جازت الخيلاء في الحرب، وجاز لباس الحرير في الحرب، وكل شيء يغيظ الكفار فإن الإنسان له فيه أجر، ومفسدة الكبر ولبس الحرير يقابلها مصلحة إغاظة الأعداء، قال الله تعالى: {وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: 120]، وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح: 29]، فدل ذلك على أن إغاظة الكفار مرادة لله عز وجل، وأن فيها أجرًا.
قوله: «وحلية المنطقة»؛ والمنطقة ما يُشد به الوسط، فالعمال في الحرث، والاحتطاب يتخذون مناطق لتشدهم وتقويهم من وجه، وترفع ثيابهم من وجه آخر، فهذه المنطقة يجوز أن تُحلَّى بالفضة؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم فعلوا ذلك، وهذا مما يؤيد ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أن التحلي بالفضة، الأصل فيه الجواز، ما لم يصل إلى حد الإسراف.
وقوله: «ونحوه»؛ أي: نحو ما ذكر.
قال في الروض: «كحلية الجوشن، والخوذة، والخف، والران، وحمائل السيف»؛ لأن هذا يشبه المنطقة، وإذا جاز ذلك في المنطقة فهذه مثلها، كما أن في ذلك إغاظة للكافرين؛ ومن هنا نأخذ أن قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ليست على إطلاقها، بل يكون ذلك عند التساوي أو رجحان المفاسد، أما إذا رجحت المصالح فإنه تغتفر المفاسد بجانب تلك المصالح، ولهذا أجاز الشرع بعض المسائل الربوية من أجل المصلحة، مثل بيع العرايا))اهـ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((وجواز السلم هو القياس الصحيح الموافق للأصول خلافًا لمن قال: إن السلم على خلاف الأصول؛ لأنه بيع معدوم، والواقع أنه ليس بيع معدوم في الحقيقة؛ لأنه بيع موصوف في الذمة، أنا لم أبع عليك شيئًا معدومًا ليس في ملكي حتى يدخل في الجهالة والغرر، هذا موصوف في الذمة، وأيضًا القاعدة: ((أن كل ما ثبت بالشرع ليس مخالفًا للقياس))، بل كل قياس يخالف ما جاء به الشرع فهو قياس باطل، لكنه قد يخفى دخول ذلك في القياس على بعض الناس فيظنه مخالفًا للقياس، فالصواب أن السلم على وفق القياس؛ لأن فيه مصلحة للبائع وللمشتري، أما المشتري فمصلحته أنه يحصل على أكثر، وأما البائع فمصلحته أنه يتعجل له الثمن.
ونقول فيما ادعي أنه على خلاف القياس: إنه على وفق القياس، ونبين ذلك، أو نقول: خالف القياس لمصلحة راجحة، والمحظور الشرعي إذا قابلته مصلحة راجحة أرجح منه أصبح جائزًا بمقتضى تَرَجُّح المصلحة، وإذا كان الشرع يحرم الشيء لأن إثمه أكبر، فإنه يبيح الشيء إذا كانت مصلحته أكبر، ولهذا العبارة المشهورة (درء المفاسد أولى من جلب المصالح) هذه يجب أن تكون مقيدة بما إذا تساوت المفاسد والمصالح، أو غلب جانب المفاسد، وإلا فإنه قد يكون في بعض الأشياء مصلحة ومضرة فترجح المصلحة، فيحلل من أجل هذا الرجحان))اهـ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (5/ 102)، (6/ 115)، (9/ 50)، (10/ 273)، (11/ 337).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (5/ 101، 102).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (11/ 337).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الشرح الممتع)) (6/ 113- 115).
[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((الشرح الممتع)) (9/ 49، 50).
محمد طه شعبان
2015-11-11, 11:10 AM
القاعدة الثامنة والخمسون:
((الشريعة جاءت بتحصيل المصالح، وتقليل المفاسد))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله ((قوله: «وَهُوَ وَاجِبٌ»؛ هذا حكم التأديب، فهو واجب على من له حقُّ التأديب، فقد يكون على الإمام، أو نائبه، أو الحاكم، أو الأب، أو الأم، أو ما أشبه ذلك، فكل من له حق التأديب فالتعزير واجب عليه، والأدلة على وجوب التعزير عامة، وخاصة:
أما الأدلة العامة: فهي أن الشريعة جاءت مبنية على تحصيل المصالح، وتقليل المفاسد، وهذه القاعدة متفق عليها، ومن المعلوم أن في التعزير تحصيلًا للمصالح، وتقليلًا للمفاسد، يقول الله عز وجل مقررًا هذه القاعدة: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50]، ويقول: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين:8]))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (8/ 297)، (9/ 465)، (14/ 308).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (14/ 307، 308).
محمد طه شعبان
2015-11-11, 11:13 AM
القاعدة التاسعة والخمسون:
((كل ما ثبت بالشرع ليس مخالفاً للقياس))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((وجواز السلم هو القياس الصحيح الموافق للأصول خلافًا لمن قال: إن السلم على خلاف الأصول؛ لأنه بيع معدوم، والواقع أنه ليس بيع معدوم في الحقيقة؛ لأنه بيع موصوف في الذمة، أنا لم أبع عليك شيئًا معدومًا ليس في ملكي حتى يدخل في الجهالة والغرر، هذا موصوف في الذمة، وأيضًا القاعدة: ((أن كل ما ثبت بالشرع ليس مخالفًا للقياس))، بل كل قياس يخالف ما جاء به الشرع فهو قياس باطل، لكنه قد يخفى دخول ذلك في القياس على بعض الناس فيظنه مخالفًا للقياس، فالصواب أن السلم على وفق القياس؛ لأن فيه مصلحة للبائع وللمشتري، أما المشتري فمصلحته أنه يحصل على أكثر، وأما البائع فمصلحته أنه يتعجل له الثمن.
ونقول فيما ادعي أنه على خلاف القياس: إنه على وفق القياس، ونبين ذلك، أو نقول: خالف القياس لمصلحة راجحة، والمحظور الشرعي إذا قابلته مصلحة راجحة أرجح منه أصبح جائزًا بمقتضى تَرَجُّح المصلحة، وإذا كان الشرع يحرم الشيء لأن إثمه أكبر، فإنه يبيح الشيء إذا كانت مصلحته أكبر، ولهذا العبارة المشهورة (درء المفاسد أولى من جلب المصالح) هذه يجب أن تكون مقيدة بما إذا تساوت المفاسد والمصالح، أو غلب جانب المفاسد، وإلا فإنه قد يكون في بعض الأشياء مصلحة ومضرة فترجح المصلحة، فيحلل من أجل هذا الرجحان))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (9/ 49).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (9/ 49، 50).
محمد طه شعبان
2015-11-11, 12:08 PM
القاعدة الستون:
((ما لا يتم الواجب إِلا به فهو واجب))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((وظاهر كلام المؤلِّف: هو القول الصَّحيح؛ أنه يجب على الإِمامِ أن يُكبِّر تكبيرًا مسموعًا يَسمعه مَنْ خلفَه:
أولًا: لفعل النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فإنه لو كان الأمر غير واجب لم يكن هناك داعٍ إلى أن يُبلِّغ أبو بكر رضي الله عنه التَّكبيرَ لمَن خلفَ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم.
ثانيًا: لأنَّه لا يتمُّ اقتداء المأمومين بالإِمام إلا بسماع التكبير، وما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب، ولو أن الإِمام إذا قام مِن السُّجودِ لم يرفع صوتَه بالتكبير فمتى يقوم النَّاسُ؟ لا يقومون إلا إذا شرع في الفاتحة وجَهَرَ بها، مع أن جَهْرَه بالفاتحة على سبيل الاستحباب، وليس في كُلِّ صلاة، ولا في كُلِّ ركعة؛ ما عدا الفجر))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((مسألة: لم يفصح المؤلِّف رحمه الله هنا عَمَّا إذا لم يعرف الفاتحةَ هل يلزمه أن يتعلَّمها؟
والجواب: نعم؛ يلزم أن يتعلَّمها؛ لأن قراءتَها واجبةٌ، وما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ؛ كعادم الماء؛ يجب عليه طلبُه وشراؤه للوُضُوء أو الغسل به إنْ كان يُباع؛ لأنَّ ما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ، وليس هذا من باب: ما لا يتمُّ الوجوب إلا به؛ لأن وجوب الفاتحة ثابتٌ، فيلزم أن يتعلَّم هذه السُّورة، فإن ضاق الوقتُ قرأ ما تيسَّرَ من القرآن من سواها؛ لعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «اقرأ ما تيسَّرَ معك من القرآن»، فإن لم يكن معه قرآن فإنه يُسَبِّحُ، فيقول: «سبحان الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، واللَّهُ أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله»، خمس كلمات))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((مؤونة النقل على صاحب المال، لا من الزكاة، فإذا قُدِّر أن الزكاة لا تحمل إلى هذا البلد الذي فيه الفقراء إلا بمؤونة، فلا تخصم المؤونة من الزكاة؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وقد وجب عليه إخراج الزكاة فيجب أن يوصلها إلى مستحقيها))اهـ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((والإشعار مع أنه سوف يتأذى به البعير، ولكن لما كان لمصلحة راجحة سمح فيه كما سمح في وسم الإبل في رقبتها أو في أذنها أو فخذها أو عضدها وما أشبه ذلك، مع أن الوسم كي بالنار، لكن للمصلحة، وأحياناً يجب وسمها إذا كان يتوقف حفظ إبل الصدقة أو خيل الجهاد؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب))اهـ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «ويجب على من يخاف زنًا بتركه»؛ هذا هو الحكم الثاني للنكاح، وهو الوجوب على من يخاف زنًا بتركه؛ وذلك لشدة شهوته، ولتيسر الزنا في بلده؛ لأن الإنسان ربما تشتد به الشهوة ويخشى أن يزني، لكن لا يتيسر له؛ لأن البلد محفوظ، لكن مراده إذا اشتدت شهوته في بلد يتيسر فيه الزنا، أما إذا لم يتيسر فهو وإن اشتدت به الشهوة لا يمكن أن يزني، فإذا خاف الزنا لوجود أسبابه وانتفاء موانعه، صار النكاح في حقه واجبًا دفعًا لهذه المفسدة؛ لأن ترك الزنا واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب))اهـ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((الحضانة تجب لحفظ صغير، ومعتوه، ومجنون؛ فالمعتوه في درجة بين العاقل والمجنون، فالحضانة تجب لهؤلاء الثلاثة، وإنما تجب لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمرنا بأمر أبنائنا بالصلاة لسبع سنين، وضربهم عليها لعشر، وما ذلك إلا لتقويمهم، وإصلاحهم، وتعويدهم على طاعة الله، وإذا كنا مأمورين بذلك فإنا مأمورون بما لا يتم إلا به، والقاعدة المعروفة: «أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»، ولأن تركهم إضاعة لهم، وإلقاء بهم إلى التهلكة، وإذا كان يجب على الإنسان أن يحفظ ماله فوجوب حفظ أولاده من باب أولى))اهـ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((وقوله: «ولا يزاد في التعزير على عشر جلدات»؛ بسوط لا جديد، ولا خَلِق، ولا مدٍّ؛ ولا تجريد، ولا برفع المُعَزِّرُ يده بحيث يتبين الإبط؛ لأنه سيرِدُ السوط على المضروب ورودًا قويًا، وليس المقصود تعذيبه، إنما المقصود تأديبه.
فلو وجدنا رجلًا عند امرأة بات عندها ليلة كاملة، يستمتع بها جميع الاستمتاعات، إلا أنه لم يصل إلى حد الزنا، فيجلد عشر جلدات ولا نزيد!!
والحقيقة أن قولهم: لا يزاد على عشر جلدات لا بد أن يكون له مستند، وإلا لكان معارضًا لقولهم فيما سبق: «وهو التأديب وهو واجب»؛ لأن عشر جلدات في مثل هذا المنكر العظيم الذي لم يصل إلى الحد لا يحصل به تأديب، لكن مستندهم أنه ثبت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله».
قالوا: والحد هنا بمعنى العقوبة؛ لأن الحديث في سياق العقوبات، لأنه قال: «لا يجلد»، وإذا كان في سياق العقوبات وجب أن نحمل الحد على العقوبة، أي: لا يعاقَب أحدٌ جلدًا فوق عشرِ جلدات إلا في حد، والحد أدناه ثمانون، وهو حد القذف، وعلى هذا فلا يجوز أن نزيد على عشر جلدات.
وقال بعض أهل العلم: بل يجوز الزيادة على عشر جلدات، وعشرين، وثلاثين، وأربعين، ومائة، ومائتين، وألف، وألفين، بقدر ما يحصل به التأديب؛ لأن المقصود تقويم الاعوجاج، والتأديب، وإزالة الشر والفساد، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ونحن رأينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عزر بما هو أعظم من عشر جلدات، وإذا كان كذلك فإنه يجب أن يحمل قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إلا في حد من حدود الله» أي: في محرم من محارمه؛ لأن حدود الله تطلق على الواجبات، وعلى المحرمات، وعلى العقوبات، فقوله: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا} [البقرة: 229] هذه الواجبات، وقوله: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا} [البقرة: 187] هذه المحرمات، وتطلق أيضًا على العقوبات المقدرة شرعًا وهو واضح.
وإذا كان التعزير والتأديب، وكان لا يتأدب هذا الفاعل للمعصية إلا بأكثر من عشر جلدات، فحينئذٍ إما أن نقول: لا نزيد، وتكون هذه الجلدات عبثًا؛ لأنها جلدات لا تفيد، والشرع لا يأمر بالعبث، بل لا يأمر إلا بما فيه المصلحة والحكمة، وإذا كان هكذا فإنه يجب أن يحمل كلام الرسول صلّى الله عليه وسلّم على ما فيه المصلحة، وعلى ما له معنى مستقيم، ويحمل الحد في الحديث على الحدود الحُكْمية، التي هي إما ترك واجب، وإما فعل محرم، فيصير المعنى أننا لا نؤدب أحدًا على ترك مروءة مثلًا فوق عشرة أسواط؛ فلو وجدنا رجلًا يأكل في مَجْمع مثل مجمعنا هذا، مجمع علم واحترام، فهذا خلاف المروءة، فنجلده، ولكن لا نزيد على عشر جلدات، أو رجل قال لابنه: اجلس صب القهوة للزوار، فذهب الابن ليلعب وترك الضيوف، فلوالده تأديبه، ولا يزيد عن عشر جلدات، أو رجل كان يأمر ابنه الصغير بالصلاة، وله إحدى عشرة سنة، ولكن الابن يتمرد، فيجلده عشرة أسواط، فإن لم تنفع يزد، وإن لم تنفع يزد؛ لأن هذا ترك واجب، وهو حد من حدود الله، وهذا القول هو الراجح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وجماعة من أهل العلم المحققين، وهو الذي يتعين العمل به))اهـ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((وأفادنا المؤلف أنه ينبغي للإنسان أن يتعلم لغة غيره، مما تدعو الحاجة إلى تعلمه، فالقاضي إذا كان في أمة فيهم أناس كثيرون لغتهم غير عربية، وهو عربي، ينبغي له أن يتعلم لغتهم ليعرف خطابهم بنفسه؛ لأنه مهما كان الإنسان ثقة فلا يمكن أن تكون ثقتك به كثقتك بنفسك.
أما تعلمها بدون حاجة فهو من إضاعة الوقت، كما أنه يترتب عليه الميل إلى أصحاب هذه اللغة، وأما إذا اعتاد التخاطب بها وأغفل اللغة العربية، فهذا إما مكروه، وإما محرم، فتعلم اللغات غير العربية إذا كان لحاجة لا بأس به، وإذا كان لغير حاجة فهو لغو وإضاعة وقت، ويخشى منه محبة أصحاب هذه اللغة، وإذا كان ليستبدل به اللغة العربية، فهذا إما مكروه، وإما محرم.
والأول المباح قد يجب أحيانًا، كما إذا كان تعلم هذه اللغة وسيلة إلى إبلاغهم دين الله؛ فإن التعلم حينئذٍ يكون واجبًا؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب))اهـ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (1/ 61)، (3/ 33)، (3/ 69)، (3/ 395)، (5/ 265)، (6/ 96)، (6/ 214)، (7/ 467)، (9/ 32)، (12/ 8)، (12/ 480)، (13/ 533)، (14/ 316)، (15/ 27)، (15/ 345).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (3/ 33).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (3/ 69، 70).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الشرح الممتع)) (6/ 214).
[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((الشرح الممتع)) (7/ 467).
[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((الشرح الممتع)) (12/ 7، 8).
[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) ((الشرح الممتع)) (13/ 532، 533).
[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) ((الشرح الممتع)) (14/ 315- 317).
[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) ((الشرح الممتع)) (15/ 344، 345).
محمد طه شعبان
2015-11-11, 12:17 PM
القاعدة الحادية والستون:
((ما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((مسألة: هل يجب عليه أن يجمع مالًا لكي يزكي، وهل يجب عليه إذا تم الحول على نصاب من المال، أن يقوم بما يلزم لإخراج الزكاة؟
الجواب: لا يجب عليه جمع المال ليزكيه، ويجب عليه إذا حال الحول على نصاب من المال أن يقوم بما يلزم لإخراج زكاته.
والفرق بينهما أن ما لا يتم الوجوب إلا به فليس بواجب، وأما ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ فتحصيل المال ليزكي تحصيل لوجوب الزكاة وليس بواجب.
ومثله الحج هل نقول: يجب على الإنسان أن يجمع المال ليحج؟ أو نقول: إذا كان عنده مال فليحج؟
الجواب: إذا كان عنده مال فليحج، وأما الأول فلا يجب))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((أما زكاة الفطر عن العبد فإنها تجب على سيده لما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر»، فيكون هذا الحديث مخصصًا لحديث ابن عمر فيما يتعلق بزكاة الفطر عن العبد، ولأن العبد مملوك للسيد لا يملك فوجب عليه تطهيره؛ لأنه لا يمكن أن يملك.
وقال بعض العلماء: تجب على العبد نفسه، ويلزم السيد بتفريغ العبد آخر رمضان ليكتسب ما يؤدي به صدقة الفطر، وهذا ضعيف لما يأتي:
أولًا: أنه صح الحديث في استثناء الرقيق.
ثانيًا: أن من القواعد المقررة أن ما لا يتم الوجوب إلا به فهو غير واجب، فلا يقال للإنسان: اتجر لتجب عليك الزكاة))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (6/ 96)، (6/ 156).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (6/ 96).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (6/ 156).
محمد طه شعبان
2015-11-11, 12:37 PM
القاعدة الثانية والستون:
((كل عبادة مقرونة بسبب إذا زال السبب زالت مشروعيتها))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((إذا لم يُعلم بالكسوف إلا بعد زواله فلا يُقضى؛ لأننا ذكرنا قاعدة مفيدة، وهي ((أن كل عبادة مقرونة بسبب إذا زال السبب زالت مشروعيتها))؛ فالكسوف – مثلًا - إذا تجلت الشمس، أو تجلى القمر، فإنها لا تعاد؛ لأنها مطلوبة لسبب وقد زال.
ويعبر الفقهاء رحمهم الله عن هذه القاعدة بقولهم: سنة فات محلها))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (5/ 190).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (5/ 190).
محمد طه شعبان
2015-11-11, 12:48 PM
القاعدة الثالثة والستون:
((إذا كان أحد العمومين مخصصاً، فإن عمومه يضعف))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((إذا كسفت في آخر النهار، فلا يصلى الكسوف بناء على أنها سُنَّة، وأن ذوات الأسباب لا تفعل في وقت النهي وهذا هو المذهب.
ولكن الصحيح في هذه المسألة: أنه يصلى للكسوف بعد العصر، أي: لو كسفت الشمس بعد العصر فإننا نصلي؛ لعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتم ذلك فصلوا»، فيشمل كل وقت.
فإن قال قائل: عموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاة بعد العصر»، يشمل كل صلاة، فعندنا الآن عمومان، وهما: عموم النهي عن كل صلاة في زمن معين وهو العصر مثلًا، وعموم الأمر بصلاة الكسوف في كل وقت، ومثل هذا يسمى العام والخاص من وجه، فأيهما نقدم عموم النهي أو عموم الأمر؟ إذا قلنا: نقدم عموم الأمر، قيل: بل عموم النهي؛ لأنه أحوط، لأنك تقع في معصية.
وذكر شيخ الإسلام قاعدة قال: ((إذا كان أحد العمومين مُخَصَّصًا، فإن عمومه يضعف))؛ أي: إذا دخله التخصيص صار ضعيفًا، فيقدم عليه العام الذي لم يخصص؛ لأن عمومه محفوظ، وعموم الأول الذي دخله التخصيص غير محفوظ، وهذا الذي قاله صحيح.
بل إن بعض العلماء رحمهم الله قال: إن العام إذا خُصِّص صارت دلالتُهُ على العموم ذاتَ احتمال، فأي فرد من أفراد العموم يستطيع الخصم أن يقول: يحتمل أنه غير مراد، كما خُصِّص في هذه المسألة التي وقع فيها التخصيص.
لكن الراجح: أن العام إذا خُصِّص يبقى عامًا إلا في المسألة التي خُصِّص فيها فقط.
فحديث الأمر بالصلاة عند رؤية الكسوف لم يُخَصَّص، وحديث الصلاة بعد العصر مُخصَّص بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكما نافلة».
فإن الرسول صلّى الله عليه وسلّم ذكر هذا للرجلين اللذين تخلفا عن صلاة الفجر، ولا صلاة بعد صلاة الفجر.
كذلك أيضًا مخصص بركعتي الطواف، فإن الإنسان إذا طاف ولو بعد العصر يُسنُّ أن يصلي ركعتين.
ومخصص بقضاء الفريضة إذا نسيها، فمن نام عن صلاة أو نسيها، وذكرها ولو بعد العصر فإنه يصليها.
فعموم النهي إذًا مخصص بعدة مُخَصِّصَات، فيكون عمومه ضعيفًا، ويُقدَّم حديث الأمر، ومن ثمَّ صار القول الراجح في هذه المسألة: أن كل صلاة لها سبب تصلى حيث وجد سببها، ولو في أوقات النهي، وهي الرواية الثانية عن الإمام أحمد))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (5/ 191).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (5/ 190، 191).
محمد طه شعبان
2015-11-11, 02:38 PM
القاعدة الرابعة والستون:
((عدم النقل، ليس نقًلا للعدم))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «وإسلامُ كافرٍ»، هذا هو الموجِبُ الثَّالث من موجِبَات الغُسْل، وهو إِسلام الكافر، وإذا أسلم الكافر وجب عليه الغُسْل سواء كان أصليًّا، أو مرتدًّا.
فالأصليُّ: من كان من أول حياته على غَيْرِ دِينِ الإِسلام كاليهوديِّ والنَّصْرانيِّ، والبوذيِّ، وما أشبه ذلك.
والمرتدُّ: من كان على دين الإِسلام ثم ارتدَّ عنه ـ نسأل الله السَّلامة ـ كَمَنْ ترك الصَّلاة، أو اعتقد أنَّ لله شريكًا، أو دعا النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أن يُغِيثَه من الشِّدَّة، أو دعا غيره أن يُغِيثه في أمرٍ لا يمكن فيه الغَوْثُ.
والدَّليل على وجوب الغُسْل بذلك:
1 - حديث قَيس بن عاصم أنَّه لمَّا أسلم أَمَره النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أن يغتسل بماءٍ وسِدْر، والأَصْلُ في الأمر الوجوب.
2- أنه طَهَّر باطنه من نَجَسِ الشِّرْك، فَمِنَ الحِكْمَةِ أن يُطَهِّرَ ظاهره بالغُسْلِ.
وقال بعض العلماء: لا يَجِب الغُسْل بذلك، واستدلَّ على ذلك بأنه لم يَرِدْ عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أمر عامٌّ مثل: مَنْ أسلم فَلْيَغْتَسِلْ، كما قال: «من جاء مِنْكُم الجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِل»، وما أكثر الصَّحابة الذين أسلموا، ولم يُنْقَل أنه صلّى الله عليه وسلّم أمرهم بالغُسْلِ أو قال: من أسلم فليغتسل، ولو كان واجبًا لكان مشهورًا لحاجة النَّاس إليه.
وقد نقول: إنَّ القول الأوَّل أقوى، وهو وُجوب الغُسْل، لأنَّ أَمْرَ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم واحدًا مِنَ الأمَّة بحُكْمٍ ليس هناك معنى معقول لتخصيصه به، أمْرٌ للأمة جميعًا، إذ لا معنى لتخصيصه به، وأمْرُه صلّى الله عليه وسلّم لواحد لا يعني عدم أمْرِ غيره به.
وأما عدم النَّقل عن كلِّ واحد من الصَّحابة أنه اغتسل بعد إِسلامه، فنقول: عدم النَّقل، ليس نقلًا للعدم؛ لأنَّ الأصلَ العملُ بما أمر به النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا يلزم أن يُنْقلَ العمل به من كلِّ واحد))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((بعض الحجاج لا يصلون إلى مزدلفة إلا بعد طلوع الفجر، وبعد صلاة الفجر أيضًا؛ حصرهم الزحام، فما الحكم؟
الجواب: على المذهب يجب عليهم دم؛ لأنه فاتهم المبيت بمزدلفة، وهو من الواجبات، والقاعدة عندهم أن من ترك واجبًا فعليه دم.
وقال بعض العلماء: إن هؤلاء أحصروا إكراهًا، فيكون وصولهم إلى المكان بعد زوال الوقت كقضاء الصلاة بعد خروج وقتها للعذر؛ لذلك إذا أحصروا في هذه الحال، ولم يصلوا إلى مزدلفة إلا بعد طلوع الفجر وذهاب وقت الصلاة، فإنهم يكونون كالذين عذروا عن وقت الصلاة حتى خرج وقتها، فيقضونها بعد الوقت، وهذا القول أقرب إلى الصواب؛ فيقال: من حُصِر عن الوصول إليها، ولم يصل إلا بعد طلوع الفجر ومضي قدر الصلاة، أو بعد طلوع الشمس، فإنه يقف ولو قليلًا ثم يستمر؛ وذلك لأنه يشبه الصلاة إذا فاتت لعذر فإنه يقضيها.
ولو قيل أيضًا: بأنه يسقط الوقوف؛ لأنه فات وقته لم يكن بعيدًا، فالراجح أنه لا يلزم بدم؛ لأنه ترك هذا الواجب عجزًا عنه.
الثانية: هل يشرع أن يحيي تلك الليلة بالقراءة والذكر والصلاة أم السُّنَّة النوم؟
الجواب: السُّنَّة النوم؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم اضطجع حتى طلع الصبح.
وهل يصلي الوتر في تلك الليلة؟
الجواب: لم يذكر في حديث جابر ولا غيره فيما نعلم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أوتر تلك الليلة، لكن الأصل أنه كان لا يدع الوتر حضرًا ولا سفرًا، فنقول: إنه يوتر تلك الليلة، وعدم النقل ليس نقلًا للعدم، ولو تركه تلك الليلة لنُقل؛ لأنه لو تركه لكان شرعًا، والشرع لا بد أن يُحفظ ويُنقل، وكذلك يقال في سنة الفجر في مزدلفة، فجابر رضي الله عنه يقول: فصلى الصبح حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ولم يذكر سنة الفجر مع أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان لا يدعها حضرًا ولا سفرًا))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (1/ 341)، (5/ 338)، (7/ 310).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (1/ 341).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (7/ 309، 310).
محمد طه شعبان
2015-11-12, 09:51 AM
القاعدة الخامسة والستون:
((ما فُعِلَ اتفاقاً فليس بدليل))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله في معرض كلامه عن اشتراط العدد في صلاة الجمعة: ((واستدلوا على اشتراط الأربعين بما يلي:
1 ـ قال أحمد: «بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم مصعب بن عمير إلى أهل المدينة، فلما كان يوم الجمعة جمع بهم وكانوا أربعين، وكانت أول جمعة جمعت بالمدينة».
ويجاب: إن صح هذا الأثر فإنه لا يصح الاستدلال به؛ وذلك لأن بلوغهم هذا العدد وقع اتفاقًا لا قصدًا، فلم يقل: إنهم أمروا أن يجمعوا فلما بلغوا أربعين أقاموا جمعة، فلو كان لفظ الحديث هكذا لكان فيه شيء من الاستدلال...))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال – أيضًا - رحمه الله في معرض كلامه عن نفس المسألة: ((القول الثاني: أنه لا بد من اثني عشر رجلًا من أهل الوجوب.
واستدلوا: بحديث جابر السابق([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))، وأجيب: بأن هذا وقع اتفاقًا؛ فلم يكن قصدًا، فربما يبقى أكثر، وربما يبقى أقل، ولا يصح الاستدلال به))اهـ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «إلى شهر»؛ أي: يصلى على الغائب، وعلى القبر إلى نهاية شهر؛ والدليل على ذلك: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «صلى على قبر إلى شهر».
ولكن كون الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على قبر له شهر لا يدل على التحديد؛ لأن هذا فِعْلٌ وقع اتفاقًا ليس مقصودًا، وما فُعِل اتفاقًا فليس بدليل اتفاقًا؛ لأنه لم يُقْصَدْ.
وخلاف الأصحاب في هذه المسألة لا يقدح في هذه القاعدة؛ لأنهم يخالفون في كونه وقع اتفاقًا، ويقولون: بل وقع قصدًا.
والصحيح: أنه يُصلى على الغائب، ولو بعد شهر، ونصلي على القبر أيضًا ولو بعد الشهر.
إلا أن بعض العلماء قيده بقيد حسن قال: بشرط أن يكون هذا المدفون مات في زمن يكون فيه هذا المصلي أهلًا للصلاة.
مثال ذلك: رجل مات قبل عشرين سنة، فخرج إنسان وصلى عليه وله ثلاثون سنة فيصح؛ لأنه عندما مات كان للمصلي عشر سنوات، فهو من أهل الصلاة على الميت.
مثال آخر: رجل مات قبل ثلاثين سنة، فخرج إنسان وله عشرون سنة ليصلي عليه فلا يصح؛ لأن المصلي كان معدومًا عندما مات الرجل، فليس من أهل الصلاة عليه.
ومن ثم لا يشرع لنا نحن أن نصلي على قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم، وما علمنا أن أحدًا من الناس قال: إنه يشرع أن يصلي الإنسان على قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو على قبور الصحابة، لكن يقف ويدعو))اهـ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
وقال الشيخ رحمه الله في معرض كلامه عن مسألة دخول مكة للحاج: ((قوله: «يُسَنُّ من أعلاها»؛ أي: من أعلى مكة من الحجون، وهل هذا سنة مقصودة، أو وقع اتفاقًا؟ بمعنى هل يتعمد الإنسان أن يذهب ليدخل من أعلاها، أو نقول إذا كان طريقه من أعلاها، فالأفضل ألا يعدل عنه إلى مكان آخر؟
ظاهر كلام المؤلف أنه يسن قصد الدخول من أعلاها؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم دخلها من أعلاها.
ولكن الذي يظهر أنه يُسَنُّ إذا كان ذلك أرفق لدخوله؛ ودليل هذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يأمر أن يدخل الناس من أعلاها))اهـ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((فإن قال قائل: هل يُسنُّ أن ينزل الإنسان في أثناء الطريق وفي المكان الذي نزل فيه الرسول صلّى الله عليه وسلّم إن كان سار فيه ويبول ويتوضأ وضوءًا خفيفًا أو لا؟
فالجواب: لا؛ لأن هذا وقع اتفاقًا بمقتضى الطبيعة، والظاهر أنه لو احتاج إلى أن يبول في غير هذا المكان لنزل فيه، ولو لم يحتج لم ينزل.
والدليل على هذا: أنه صلّى الله عليه وسلّم لما وصل إلى مزدلفة ووقف صلى المغرب قبل حط الرحال ثم بعد صلاة المغرب حطوا رحالهم، ثم صلوا العشاء، فهذا دليل على أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم ينزل هناك تعبدًا، ولكن اتفاقًا))اهـ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (5/ 346).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (5/ 37، 38).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) وهو ما جاء في البخاري (936)، ومسلم (863)، عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يخطب قائما يوم الجمعة، فجاءت عِيرٌ من الشام، فانفتل الناس إليها، حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا، فأنزلت هذه الآية التي في الجمعة: {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما} [الجمعة: 11].
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الشرح الممتع)) (5/ 39).
[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((الشرح الممتع)) (5/ 345- 347).
[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((الشرح الممتع)) (7/ 228).
[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) ((الشرح الممتع)) (7/ 303).
محمد طه شعبان
2015-11-12, 10:04 AM
القاعدة السادسة والستون:
((الحديث الذي تثبت به الأحكام لا بد أن يكون صحيحاً صريحاً))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله في معرض كلامه عن اشتراط العدد في صلاة الجمعة: ((قال جابر: «مضت السُّنَّة أن في كل أربعين فما فوق جمعة، وأضحى، وفطرًا»، لكن هذا الحديث لا يصح، وبهذا يتبين أن دليل المؤلف إما صريح غير صحيح مثل حديث جابر، وإما صحيح غير صريح مثل حديث مصعب بن عمير، والحديث الذي تثبت به الأحكام لا بد أن يكون صحيحًا وصريحًا؛ لأن الضعيف ليس بحجة، وكذا الصحيح غير الصريح يكون محتملًا، ومن القواعد المقررة عند العلماء في الاستدلال «أنه إذا وجد الاحتمال سقط الاستدلال»، وعلى هذا فاشتراط الأربعين لإقامة الجمعة غير صحيح؛ لأن ما بُنِي على غير صحيح فليس بصحيح))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (5/ 38).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (5/ 38).
محمد طه شعبان
2015-11-12, 11:28 AM
القاعدة السابعة والستون:
((من نوى الخروج من العبادة فسدت إلا في الحج والعمرة، ومن نوى فعل محظور في العبادة لم تفسد إلا بفعله))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((مسائل: الأولى: إنسان صائم نفلًا، ثم نوى الإفطار، ثم قيل له: كيف تفطر لم يبق من الوقت إلا أقل من نصف اليوم؟ قال: إذًا أنا صائم، هل يكتب له صيام يوم أو من النية الثانية؟
الجواب: من النية الثانية؛ لأنه قطع النية الأولى وصار مفطرًا.
الثانية: إنسان صائم وعزم على أنه إن وجد ماء شربه فهل يفسد صومه؟
الجواب: لا يفسد صومه؛ لأن المحظور في العبادة لا تفسد العبادة به، إلا بفعله ولا تفسد بنية فعله.
وهذه قاعدة مفيدة وهي أن من نوى الخروج من العبادة فسدت إلا في الحج والعمرة، ومن نوى فعل محظور في العبادة لم تفسد إلا بفعله.
ولهذا أمثلة منها ما ذكرناه هنا في مسألة الصوم.
ومنها ما لو كان متحريًّا لكلام من الهاتف فدخل في الصلاة ومن نيته أنه إن كلمه من يتحراه أجابه، فلم يكلمه فصلاته لا تفسد))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (6/ 364).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (6/ 364).
محمد طه شعبان
2015-11-12, 05:34 PM
القاعدة الثامنة والستون:
((الأصل في العبادات المنع))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((الأصل فيما سَكَتَ اللَّهُ عنه الحِلَّ إِلا في العبادات، فالأصل فيها التَّحريم؛ لأن العبادة طريقٌ موصلٌ إلى الله عز وجل، فإذا لم نعلم أن الله وضعه طريقًا إليه حَرُمَ علينا أن نتَّخذه طريقًا، وقد دلَّت الآيات والأحاديث على أن العبادات موقوفةٌ على الشَّرع.
قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]، فدلَّ على أن ما يَدينُ العبد به ربَّه لا بُدَّ أن يكون الله أَذِنَ به.
وقال صلّى الله عليه وسلّم: «إيَّاكم ومحدثات الأمور، فإِن كُلَّ بدعةٍ ضلالة»))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((واستقبال القبلة قد يكون حرامًا كما هنا([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))، وقد يكون واجبًا كما في الصلاة، وقد يكون مكروهًا كما في خطبة الجمعة، فإنه يكره للخطيب أن يستقبل القبلة ويجعل النَّاس وراءه، وقد يكون مستحبًّا كالدُّعاء والوُضُوء حتى قال بعض العلماء: إِن كُلَّ طاعةٍ الأفضلُ فيها استقبالُ القبلة إلا بدليل؛ ولكن في هذا نظر! لأننا إِذا جعلنا هذه قاعدةً، فإِنَّ هذا خلاف المعروف من أنَّ الأصل في العبادات الحظر))اهـ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «ولا يسن عقب صلاة عيد»؛ الضمير يعود على التكبير المقيد؛ لأننا نتكلم عن المقيد، فلو صلى العيد، وقال: أريد أن أكبِّر، قلنا: لا تكبر؛ لأنه إذا سلم الإمام من صلاة العيد قام إلى الخطبة وتفرغ الناس للاستماع والإنصات، ولا يكبرون.
ودليل هذا: أنه لم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولا عن أصحابه أنهم كانوا يكبرون عقب صلاة العيد، وما لم يرد عن الشارع من العبادات، فالأصل فيه المنع؛ لأن العبادة لا بد من العلم بأنها مشروعة))اهـ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (1/ 126)، (9/ 120)، (15/ 378).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (1/ 96، 70).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) أي: كما في استقبال القبلة حال قضاء الحاجة في الخلاء.
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الشرح الممتع)) (1/ 126).
[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((الشرح الممتع)) (5/ 169).
محمد طه شعبان
2015-11-12, 05:35 PM
القاعدة التاسعة والستون:
((الأصل في المعاملات الحل والصحة ما لم يوجد دليل على التحريم والفساد))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((وقولنا: «توثقة دين بعين»؛ يفيد أنه لا بد أن يكون الرهن عينًا؛ لأن الاستيفاء الكامل لا يكون إلا بالعين، فإن كان منافع أو دينًا فإنه لا يصح على كلام الفقهاء.
مثال الرهن بالمنافع، أن يقول: رهنتك منافع هذا البيت، فإنه لا يصح؛ لأنه ليس بعين، بل نقول: ارهن البيت، فإذا قال: البيت وقف لا يمكن بيعه، أنا سأرهنه المنافع، فلا يصح.
مثال الدَّين: أنا أطلب فلانًا بعشرة آلاف ريال، فأمسكته وقلت: أعطني عشرة آلاف ريال، فقال: ما عندي، قلت: أنت تطلب فلانًا بعشرة آلاف ريال، اجعل دينه الذي لك رهنًا لي، فهنا توثقة دين بدين، فلا يصح؛ وذلك لأن الدين الذي في ذمة الآخر لا يجوز بيعه إلا على من هو عليه، فإذا كان كذلك فإنه لا يصح أن يكون رهنًا.
وقيل: بل يصح أن يوثق الدين بالمنافع؛ لأن المقصود التوثقة، وبالدين، ويكون المدين الثاني كأنه ضامن، فيقول: نعم أنا مستعد أن أوفيك ما في ذمتي لفلان إذا لم يوفك.
وهذا هو الصحيح، فقد يكون رجائي لحصولي على الدين من ذمة فلان أقوى من رجائي لحصوله من الأصل؛ فمثلًا باع على فلان هذا الشيء بمئة ألف ريال، وهو معسر، لكن له دين على فلان الموسر فرهنه إياه، فقد استفاد من هذا الرهن أنه إذا حل الأجل ولم يوفه، يذهب إلى فلان وهو موسر فبكل سهولة يعطيه هذا الدين.
وأما المنافع فكذلك أيضًا، فإنه إذا رهنه منفعة هذا البيت فيؤجره ويأخذ الأجرة رهنًا ففيه فائدة، وليس هذا من باب المعاوضة حتى نقول: إن المنفعة مجهولة، بل هو من باب التوثقة؛ لأنه إن حصل على شيء وإلا رجع على الأصل الذي رهنه هذا الشيء، ولأنه يجب أن نفهم قاعدة مفيدة جدًّا وهي: أن الأصل في المعاملات الحل والصحة ما لم يوجد دليل على التحريم والفساد، وهذا من نعمة الله، أن الطريق الموصل إلى الله ـ أي: العبادات ـ الأصل فيها المنع، حتى يقوم دليل على أنها مشروعة، وأما المعاملات بين الناس، فمن رحمة الله وتوسعته على عباده، أن الأصل فيها الإباحة والحل، إلا ما ورد الدليل على منعه، وعلى هذا فنقول: ما المانع من أن نوثق الدين بالدين؟! ما دام ليس فيه ظلم ولا غرر ولا ربًا، فالأصل الصحة))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((مسألة: رهن الثمرة قبل خروجها، والزرع قبل زرعه لا يصح، يؤخذ من قوله: «إلا الثمرة والزرع»، وقبل الخروج الثمرة معدومة، والرهن: توثقةُ دين بعين، وهنا لا عين، وعلى هذا فإذا جاء الفلاح إلى التاجر، وقال: أنا أريد أن أحرث هذه الأرض وأزرعها فأريد أن تقرضني، قال: نعم أنا أقرضك عشرة آلاف ريال، لكن بشرط أن أرهن الزرع الذي سوف تزرعه في هذه الأرض، فإنه لا يصح؛ لأن الزرع الآن ليس موجودًا، فكيف يَرهن شيئًا معدومًا؟! لكن عمل الناس على خلاف ذلك فيرهنون ذلك باعتبار المآل.
فإن قال قائل: لماذا لا نعدل عن رهن الثمرة إلى رهن الشجرة، فالشجرة قائمة، وعن رهن الزرع إلى رهن الأرض، فالأرض قائمة؟
نقول: الأرض قد تكون لغير المستدين، فيكون المستدين مجرد زارع، وكذلك الشجر قد يكون لغير المستدين، فالمستدين فلاح ليس له إلا الثمرة، والشجر لمالك الأرض فلا يمكن، لكن لو أمكن بأن يكون المستدين هو مالك الأصل والفرع، قلنا: لا بأس، ارهن الشجرة وتدخل فيها الثمرة، أو ارهن الأرض ويدخل فيها الزرع، أما ألا يكون له ملك في الأرض، ولا ملك في الشجرة فهذا لا يصح، لكن كما ذكرنا عمل الناس اليوم على خلاف ذلك، فيأتي الفلاح، ويقول للتاجر: أنا أريد أن أحرث في هذه الأرض، وأريد أن تدينني وأرهنك الزرع، فيعطيه ما يطلب.
وإذا تأملت وجدت أنه ليس في الشرع ما يمنع ذلك؛ لأن المعاملات الممنوعة ـ كما قال شيخ الإسلام رحمه الله، وقوله صحيح ـ مبناها على ثلاثة أشياء: الظلم، والغرر، والميسر، فإذا وجدت معاملة تشتمل على واحد من هذه الأمور الثلاثة فاعلم أن الشرع لا يُقرها، وأما ما عدا ذلك مما ينفع الناس، وييسر أحوالهم فاستعن بالله وأفتِ بحله، حتى يتبين لك التحريم، وأنت إذا أفتيت بحل ما لم يتبين تحريمه، فأنت على حق؛ لأن الأصل في المعاملات الحل، ويوم القيامة سوف يسألك الله عز وجل: لماذا حرمت على عبادي ما لم أحرمه؟ فماذا يكون الجواب؟! ليس عندك جواب، لكن لو أحللت لهم شيئًا لا تعلم أنه حرام قلت: يا ربي مشيت على قاعدة شرعية «أن الأصل الإباحة»، وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وليس في كتاب الله بطلان هذا الشرط، والمسلمون على شروطهم، وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].
فالإنسان في هذه المسألة بالذات ينبغي أن يغلِّب جانب الحل؛ لأن تحليل المحرَّم أهون من تحريم الحلال؛ لأن تحليل المحرم في المعاملات مبني على أصل، لكن تحريم الحلال مبني على غير أصل، وفيه تضييق على العباد بدون برهان من الله عز وجل.
وهذه القاعدة ـ إن شاء الله ـ مفيدة، تنفعنا وتنفع غيرنا))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((مسألة: يوجد الآن بيع يتبايعه الناس يكون عنده كومة من الحب، فلو قال لك: بعت عليك واحدة من هذه الكومة بريالين، تخير، فعادة الناس الآن أن البيع صحيح نافذ وأن المشتري إذا أخذ الحبة التي يريدها أجازها البائع أو منع، لكن البائع قد عرف أن أعلى ما يكون من ثمن هذه المجموعة أن يبلغ ريالين، ويعلم أنه غير مغبون فمثل هذا ينبغي أنه يقال بالصحة؛ لأن الناس تعارفوا على هذا البيع ولا يرون فيه جهالة ولا غررًا، والأصل في المبايعات والعقود الحل والصحة، وكذلك بيع شاة من قطيع، يأتي إلى قطيع من الغنم ويقول: اختر ما شئت بمائة ريال، هذه ـ أيضًا ـ جرى بها العرف، وهو إذا اختار فإن البائع يعلم أن أعلى ما يكون بمائة ريال))اهـ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «أو عينًا بما شاء ولم يعين لم يصح»؛ كلام المؤلف فيه نظر.
مثاله: قال: اشتر لي الساعة الفلانية موديل كذا وصفتها كذا وكذا، فقال له: بكم؟ قال: بما تشاء، يقول بأن هذا لا يصح؛ لأنه ربما لا تساوي إلا عشرة، ويقول للبائع: أخذتها بخمسين، فإذا جاء بها إلى الموكل قال: خذ هذه الساعة بخمسين، فقال: هذه لا تساوي إلا عشرة، قال: أنت قلت لي: اشتر بما شئت وأنا شئت أن أشتريها بخمسين، فهنا المؤلف يقول: لا يصح، لكن نحن نعلم علم اليقين أن الموكل لما قال للوكيل: بما شئت، فإنما وَكَلَهُ إلى أمانته، وليس من الأمانة أن يشتري ما يساوي عشرة بخمسين.
ولو عيَّن له عينًا، وقال: اشترها، قال: بكم؟ قال: بما ترى أنه مناسب، فهذا يصح، وقد يقال: إنها داخلة في كلام المؤلف، وأنها لا تصح، وقد يقال: إنها غير داخلة؛ لأنه هنا لم يقيده بالمشيئة المطلقة، وإنما قيده بما يرى أنه مناسب، وهذا نوع من التخصيص فلا يكون كالمشيئة المطلقة.
مثال آخر: قال: اشتر للوفد الذين يحضرون إليَّ أو الضيوف شاةً، فقال: بكم؟ قال: بما ترى أنه مناسب، فهذا جائز؛ لأن هذا وإن كان فيه شيء من الجهالة وربما يشتريها بثمن لم يخطر على بال الموكل، لكن مثل هذا يكون قليلًا، ومما يتسامح الناس فيه عادة، وحقيقة الأمر أن هذه مسائل فردية لكن ينبغي أن نعرف لها ضابطًا.
والضابط في ذلك: «أن كل ما دل عليه العُرف أو القرينة مما يحتمله كلام الموكل، وليس فيه محظور شرعي، فإنه صحيح»؛ وذلك لأن الأصل في المعاملات الحل، فإذا لم تخالف الشرع، ولم تخالف العُرف، ولم تخالف لفظ المتعامِلَيْنِ فإن الأصل فيها الصحة))اهـ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (8/ 236)، (8/ 240)، (8/ 241)، (9/ 97)، (9/ 120)، (9/ 134)، (9/ 183)، (9/ 381)، (9/ 383)، (9/ 399)، (9/ 401)، (9/ 444)، (9/ 445)، (9/ 448)، (15/ 377).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (9/ 118- 120).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (9/ 133، 134).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الشرح الممتع)) (8/ 162).
[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((الشرح الممتع)) (9/ 380، 381).
محمد طه شعبان
2015-11-12, 05:56 PM
القاعدة السبعون:
((الأصل في الأشياء الطهارة))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله في معرض ترجيحه لطهارة الخمر: ((الأصل الطَّهارة حتى يقوم دليل النَّجاسة، ولا دليل هنا، ولا يلزم من التحريم النجاسة؛ بدليل أن السُمَّ حرام وليس بنجس))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله في معرض ترجيحه لطهارة الدم: ((الأصل في الأشياء الطَّهارة حتى يقوم دليل النَّجاسة، ولا نعلم أنَّه صلّى الله عليه وسلّم أمَر بغسل الدَّمِ إِلا دم الحيض، مع كثرة ما يصيب الإِنسان من جروح، ورعاف، وحجامة، وغير ذلك، فلو كان نجسًا لبيَّنه صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنَّ الحاجة تدعو إلى ذلك))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وقال الشيخ رحمه الله في معرض ترجيحه لطهارة المني: ((الأصل في الأشياء الطَّهارة، فَمَن ادَّعى نجاسة شيء فَعَلَيْه الدَّليل))اهـ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (1/ 431)، (1/ 441)، (1/ 454).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (1/ 431).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (1/ 441).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الشرح الممتع)) (1/ 454).
محمد طه شعبان
2015-11-14, 07:11 AM
القاعدة الحادية والسبعون:
((الأصل في الأعمال الإباحة))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((هناك ولائم يجتمع عليها الناس غير وليمة العرس، منها ما هو مباح، ومنها ما هو مكروه، ومنها ما هو محرم، فمن الولائم المحرمة أن يجتمع الناس إلى أهل الميت للعزاء، ويصنع أهل الميت الطعام للمجتمعين، فهذه محرمة لقول جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: ((كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة))، والنياحة كبيرة من الكبائر؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لعن النائحة، ومنها الوليمة على العزف، والغناء، والرقص، فهذه ـ أيضًا ـ حرام، ومنها الوليمة المكروهة، وهي الوليمة الثانية للعرس؛ لأن فيها نوعًا من الإسراف، ووليمة مباحة، وهي سائر الولائم التي تفعل عند حدوث ما يَسُرُّ، فهي من قسم المباح وليس من قسم البدعة، كما ظنه بعض الناس، كالوليمة للختان، فهذه مباحة؛ لأن الأصل في جميع الأعمال غير العبادة الإباحة، حتى يقوم دليل على المنع))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: ((والأصل في الأشياء))؛ جمع شيء؛ فـ«أشياء» كلمة عامة، وقد قيل: إن أعم شيء كلمة شيء؛ لأنها تشمل الموجود والمعدوم، والأعيان والأوصاف والمنافع، والأفعال والمعاملات والعادات، والعَالَم وغير العَالَم، والعاقل وغير العاقل، فكل الأشياء الأصل فيها الحِلُّ.
والفرق بين الأعمال والأعيان : أن العمل فعل الفاعل، والعين خارجة عن فعل الفاعل منفصلة، ونقصد بالعين المعين.
فالأعيان: الأصل فيها الحِلُّ؛ فلو أن شخصين اختلفا في عين من الأعيان، حيوان أو أشجار أو غيرها، هل أكله حلال أو حرام؟ فالأصل الحلُّ؛ فليأكله ما لم يتيقن أنه من المنهي عنه، أو يقم الدليل على تحريمه.
المنافع: الأصل فيها الحلُّ؛ بمعنى: أنه يحل لك أن تنتفع بالأعيان على أي وجه شئت، إلا إذا ورد دليل بالمنع.
فلو قال قائل: أنا أريد أن أركب البقرة وأسافر عليها، لقلنا: الأصل الحِلُّ، مع أن البقرة معدة للحرث والنسل والدر.
والدليل على أن الأصل في الأعيان والمنافع الحلُّ قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] فعمَّم وأكد؛ التعميم في قوله: {مَا فِي الأَرْضِ} «ما» اسم موصول تفيد العموم ثم أكد هذا العموم بقوله: {جَمِيعًا}.
الأعمال: الأصل في كل عمل غير عبادة الحِلُّ، لقوله تعالى : {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119].
نأتي إلى هذا العمل المعيَّن هل قال الله تعالى: إنه حرام أو قاله الرسول صلّى الله عليه وسلّم؟
الجواب: لا، ولو كان حرامًا لفَصَّله؛ لأن الله قال: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ}، فالأصل الحل حتى يقوم دليل على أنه ممنوع.
وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدَّ حدودًا فلا تعتدوها، وحرَّم محارم فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها»، وقال: «وما سكت عنه فهو عفو».
فلو عمل الإنسان عملًا من الأعمال، أو اتخذ إنسانٌ لعبة من اللعب وصار يعملها، وجاءه آخر وقال: حرام عليك هذا، لم يكن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يعمله ولا أصحابه.
فإننا نقول: الأصل الحلُّ حتى يقوم دليل على المنع.
ـ إنسان اتخذ ساعة منبهة من أجل إذا جاء الوقت الذي يريد أن يقوم فيه تنبهه فقال قائل من الناس: لا تفعل، اجعل عندك ديكًا ينبهك للصلاة، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يقوم إذا سمع صوت الصارخ ـ يعني: الديك ـ وأما هذه الساعة فحرام! فماذا نقول له؟
نقول: أين الدليل؟ الأصل الحلُّ: وهل عندك دليل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو أفضل البشر وأحبهم للخير واليسر لو كان عنده مثل هذه الساعة منعها؟ الجواب: لا.
ـ حين ظهر مكبر الصوت في الصلاة والخطبة قام بعض الناس وقال: هذا حرام لا يجوز، لم يكن النبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب بمكبر الصوت ولا يصلّي به.
فنقول لهم: الأصل الحِلُّ؛ ولو كان هذا موجودًا في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم لكان يبيح ذلك، حسب علمنا بشريعته ويسرها وسماحتها.
بل هو أمر العباس عمه في غزوة ثقيف وكان قوي الصوت أن ينادي في القوم، فجعل ينادي: يا أصحاب الشجرة، يا أهل سورة البقرة، فرجع الناس، وأبو طلحة رضي الله عنه في خيبر أمره الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن ينادي: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس، وعبد الله بن زيد بن عبد ربه رضي الله عنه لما رأى الأذان في المنام قال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اذهب فألقه على بلال فإنه أندى صوتًا منك».
ثم إنه ليس بلازم لنا أن نتطلب الأدلة التي فيها طلب الشارع لرفع الصوت، لكن هذا من باب تقوية الحكم، وإلا فالأصل الحلُّ.
المعاملات: وهي من الأشياء، الأصل فيها الحلُّ؛ ودليلها قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]؛ فكل مبايعة فالأصل فيها الحِلُّ، وكذلك بقية العقود، لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]؛ فأمر الله بالوفاء بالعقود على أي وجه عقدت، وبأي معاملة كانت، ما لم يثبت تحريمها.
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج»، وقال: «المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالًا».
فهذا الحديث وإن كان ضعيفًا لكن يؤيده حديث عائشة رضي الله عنها في ((الصحيحين)): «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط»؛ فدل على أن ما كان موافقًا لحكم الله فإنه غير باطل.
العادات: تدخل في الأشياء فالأصل فيها الحلُّ؛ فإذا فعل الناس شيئًا على وجه العادة فإنه لا يُنْكَر عليهم، إلا إذا قام الدليل على أن هذه العادة محرمة فتُمنع.
فمثلًا: إذا اعتاد الناس طرازًا معيَّنًا من البناء، أو طرازًا معيَّنًا من الثياب، فالأصل الحِلُّ، حتى يقوم الدليل على المنع.
والمنع قد يكون بالأوصاف، وقد يكون بالأعيان، فالحرير محرم بعينه، والثوب النازل عن الكعبين محرم بوصفه.
إذًا، الأصل في الأشياء كلها، الأعيان والمنافع والأعمال وغيرها، الأصل فيها أنها حلال لا إثم فيها، وهذا الأصل يفيدُك في أشياء كثيرة وأن من ادعى خلاف الأصل فعليه الدليل.
لو قال قائل: الأصل في الأشياء التحريم، لأن الملك ملك الله عز وجل، ولا يجوز أن نتصرف في ملك الغير إلا بإذنه، فأين الدليل على أن الأصل الحِلُّ؟
فالجواب: صحيح أن الملك ملك الله عز وجل، ولا نتصرف بشيء من ملكه إلا بإذنه سبحانه وتعالى، لكن هو الذي أذن لنا.
قال عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]؛ {مَا} اسم موصول للعموم، وأُكِّد بقوله: {جَمِيعًا}.
وقال عز وجل: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: 13]؛ أي: ذلَّل لنا ما في السماوات والأرض؛ فالشمس مذلَّلة لمصالحنا، والقمر والنجوم والسحاب والرياح كلها مذلَّلة لمصالحنا، ولله الحمد، بإذن الله عز وجل.
وقال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]، فنحن لم نقل: إن الأصل الحل إلا بعد أن علمنا إذن ربنا بذلك))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (12/ 320).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (12/ 319، 320).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((شرح منظومة أصول الفقه)) (99- 102).
محمد طه شعبان
2015-11-14, 08:19 AM
القاعدة الثانية والسبعون:
((الأصل في العبادات منع التوكيل فيها، ويقتصر فيها على ما ورد))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((حق الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم يدخله التوكيل مطلقًا، وقسم لا يدخله مطلقًا، وقسم فيه تفصيل.
القسم الأول: كل العبادات المالية تدخلها النيابة، كتفريق زكاة وصدقة وكفارة.
القسم الثاني: العبادات البدنية لا تصح فيها الوكالة، مثل الصلاة والصيام والوضوء والتيمم وما أشبهها، فهذه عبادة بدنية تتعلق ببدن الإنسان فلا يمكن أن تدخلها النيابة، ولكن لو وكلت شخصًا يستفتي عني فهذا لا بأس به؛ لأن هذا نقل علم يقصد به الإخبار فقط؛ ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم يوكل بعضهم بعضًا في استفتاء النبي صلّى الله عليه وسلّم.
فإن قيل: يرد على هذا قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»؛ فهذا يدل على أن العبادة البدنية يكون فيها نيابة.
فالجواب: أن هذا ليس عن طريق التوكيل، ولكن هذا تشريع من النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهو في الحقيقة أصيل وليس بوكيل؛ ولهذا يصوم الإنسان عن ميته سواء أوصى به أم لم يوصِ به، فالمسألة هنا ليست من باب الوكالة، لكنها من باب القيام مقام الشخص بأمرٍ من الشرع.
القسم الثالث من العبادات: هو الذي يصح فيه التوكيل على التفصيل؛ مثل الحج، فيجوز فيه التوكيل في الفرض للذي لا يستطيع أن يحج، أي أنه عاجز عن الحج عجزًا مستمرًّا، وسيأتي تفصيل ذلك.
المهم أن الأصل في حقوق الله أنه لا يجوز فيها الوكالة؛ لأن حقوق الله المقصود بها إقامة التعبد لله عز وجل، وهذه لا تصح إلا من الإنسان نفسه؛ لأنك لو وكلت غيرك، فهل بفعله تحس بأن إيمانك زاد به؟ الجواب: لا؛ ولذلك كان الأصل في حقوق الله ألا تصح الوكالة فيها، هذا هو الضابط؛ وذلك لأن المقصود بها التعبد لله، وهذا لا يصح فيما إذا قام به غير المكلف.
إذًا لا نجيز الوكالة في شيء من العبادات إلا فيما ورد فيه الشرع، هذا هو الأصل، ولننظر:
أولًا: الصلاة هل ورد التوكيل فيها؟
الجواب: لا، لا فرضها ولا نفلها.
هل ورد قضاؤها عمَّن مات وعليه صلاة؟
الجواب: لا، لم يرد، لا في الفرض ولا في النفل.
إذًا الصلاة لا تصح الوكالة فيها في حالة العجز، ولا في حال القدرة، ولا في الفرض، ولا في النفل.
ثانيًا: الزكاة هل تصح الوكالة فيها؟
الجواب: نعم، تصح الوكالة فيها للعاجز والقادر، يعني يصح أن يوكل القادر شخصًا يؤدي زكاته إلى الفقراء، حتى لو قال: خذ زكاتي من مالي وهو لا يعلم عنها، بأن قال له: أحصِ مالي وخذ زكاته وتصدق بها على الفقراء، فإن ذلك جائز.
والوكالة في الزكاة لها صورتان:
الصورة الأولى: أن يحصي الإنسان ماله ويعرف زكاته، ويأخذها ثم يسلمها إلى الوكيل، وهذا لا إشكال فيه، والثمرة التي تحصل بأداء الزكاة تحصل في هذه الحال؛ لأن الإنسان يشعر الآن بأنه أخرج من محبوباته ما يكره أن يخرج منها، لكن الله يحب ذلك فأخرجها لله.
الصورة الثانية: أن يوكل شخصًا في إحصاء ماله ويقول: أحصِ مالي وأخرج زكاته، وهذا لا شك أنه لا يكون في قلبه، ما كان في قلب الأول؛ لأنه لا يحس بأنه أخرج شيئًا معيَّنًا تتعلق به النفس من ماله المحبوب إليه، لكن مع ذلك تصح الوكالة، وهذا ثابت بالسنة، وإذا ثبت بالسنة فهي الفاصل، فقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يوكل في إخراج الزكاة، ويوكل في حفظها، ويوكل في قبضها صلّى الله عليه وسلّم.
وإذا صحت الوكالة في الزكاة فلا فرق بين أن يعيِّن المدفوع له أو لا يعيِّن، بأن يقول: ادفع زكاتي لفلان أو يقول: ادفعها لمستحق، لكنه إذا عيَّن الجهة فإن الوكيل لا يصرف الزكاة في غيرها، إلا بعد مراجعة الموكل، فلو قال: أعطها فلانًا، فلا يمكن أن يصرفها لغيره إلا بإذن موكله؛ لأن الوكيل محدود تصرفه بما وكل فيه، لكن لو فرض أن صاحب المال قال: أعطِ زكاتي فلانًا، وهو يعلم أن فلانًا لا يستحق، لكنه لم يعلم إلا بعد أن فارقه الموكِّل؛ لأن الموكل إذا كان يعلم أنه ليس بأهل سيقول له فورًا: إنه لا يستحق، ويجب عليه أن يقول: بأنه ليس أهلًا؛ لأن بعض العوام المساكين يقولون: لا تقطع رزقه، فإذا قال لك أعط زكاتي فلانًا فأعطه إياها سواء يستحق أو لا، وهذا غلط وخيانة ولا يجوز، فإذا كنت تعلم أنه لا يستحق قل: يا أخي هذا لا يستحق، فإذا قال: أعطها إياه وإن لم يستحق، فإنك تقول: لا؛ لأني لو فعلت لأعنته على الإثم، حيث وضع الزكاة في غير محلها، أما إذا لم أعلم إلا بعد أن فارقني الموكِّل، أي: أعطاني الموكل مئة ريال وقال: خذ هذه زكاة أعطها فلانًا، وبعد أن فارقني عرفت أن فلانًا لا يستحق، فهنا أوقف العطاء حتى أراجعه وأقول: إن فلانًا لا يستحق، فإذا قال: أعطه ولو كان لا يستحق، أقول: لا، لا أعينك على الإثم.
فإن قال: أعطها إياه تطوعًا، فهنا يصح ويعطيها إياه.
إذًا الزكاة يجوز التوكيل في قبضها وإخراجها للعاجز والقادر؛ لأن السنة وردت به؛ ولأنها في الحقيقة يتعلق بها حق ثالث، وهو المستحق، فمتى وصلت إلى مستحقها من أي جهة كانت فهي في محلها.
ثالثًا: الصوم هل يجوز أن يوكل أحدًا يصوم عنه؟ الجواب: لا، لا فرضًا ولا نفلًا، حتى لو كان عاجزًا عليه كفارة يمين، أو فدية أذى صيام ثلاثة أيام وهو شيخ كبير وله أولاد، فقال لأبنائه: صوموا عني ثلاثة أيام، فلا يجزئ هذا عنه؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وإذا لم يرد فقد قلنا: إن الأصل في العبادات أنه لا يجوز التوكيل فيها؛ لأنه يُفَوِّت المقصود من التعبد لله عز وجل.
إذًا لو أن العاجز وكَّل في الصوم، ما أجزأ إذا كان عجزه لا يرجى زواله، ولو وكل في الإطعام عنه فهذا يجزئ؛ لأن الإطعام يشبه الزكاة فيجزئ.
إذا مات فهل يقضى عنه أو لا يقضى؟ أما النفل فلا يقضى؛ لأنه لم يرد، وما دام أنه لم يرد فالأصل عدم القضاء؛ فلو أن إنسانًا كان من عادته أن يصوم الأيام الثلاثة البيض ولكنه لم يصمها، ثم توفي قبل استكمال الشهر فإنه لا يُصام عنه.
وإذا كان واجبًا فمن العلماء من قال: إنه لا يصام عنه؛ لأنه إذا مات وهو لم يصم صار كالشيخ الكبير والمريض الميؤوس منه، فيطعم من تركته عن كل يوم مسكينًا ولا يصام عنه.
وقال بعض العلماء: يصام عنه صيام الفرض سواء كان واجبًا بأصل الشرع كرمضان والفدية والكفارة، أو كان واجبًا بالنذر، واستدلوا بقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث عائشة رضي الله عنها في ((الصحيحين)): «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»، فقوله: «وعليه صيام»، يشمل الفرض بأصل الشرع أو الفرض بالنذر فهو عام.
وفَصَّل بعض العلماء فقال: إن كان واجبًا بالنذر قُضِيَ عنه، وإن كان واجبًا بأصل الشرع فإنه لا يُقضى عنه.
واستدلوا بأن امرأة أتت النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالت: إن أمها نذرت أن تصوم شهرًا فلم تصم فقال: «صومي عنها»، فأذن لها أن تصوم عنها، والصيام نذر ولا يقاس عليه الواجب بأصل الشرع؛ لأن الأصل في العبادات عدم جواز الوكالة، لكن هذا القول ضعيف.
والصواب القول الثاني أنه يجوز أن يصام عن الميت ما وجب عليه من فرض بأصل الشرع أو فرض بالنذر، والدليل عموم حديث عائشة رضي الله عنها: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»، وما قصة المرأة التي سألت عن النذر إلا فردًا من أفراد هذا العموم، لا يخالفه ولا يقيده، فهي قضية عين وقع فيها أن الميت مات وعليه صوم مفروض، فأذن النبي صلّى الله عليه وسلّم بالصيام عنها، ثم نقول ـ أيضًا ـ: أيهما أكثر أن يموت الإنسان، وعليه صيام من رمضان أو عليه صيام نذر؟
الجواب: الأول لا شك، فمتى يأتي إنسانٌ نَذَرَ أن يصوم ومات قبل أن يصوم؟! فلا يمكن أن نحمل الحديث العام على الصورة النادرة، دون الصورة الشائعة، فهذا في الحقيقة خلل في الاستدلال.
فالصواب أنه يصام عنه إذا مات وعليه صيام، لكن متى يكون عليه الصيام؟
الجواب: إذا أمكنه أن يصوم ولكنه فرط ثم مات، وأما من لم يفرط فإنه لا صيام عليه؛ لأنه إن كان مريضًا مرضًا لا يرجى برؤه ففرضه الإطعام، وإن كان مرضًا يرجى برؤه واستمر به المرض حتى مات، فلا قضاء عليه؛ لأنه لم يدرك أن يقضي، ومثل ذلك إذا حصل حادث ومات الإنسان المخطئ في نفس الحادث في الحال، والمخطئ إذا قتل نفسًا خطأ فيكون عليه إما عتق رقبة، وإما صيام شهرين متتابعين، فإن مات وكان ذا مال يتسع لعتق الرقبة، أُعتق من ماله؛ لأنه دين عليه، وإن كان ليس عنده مال أو لا توجد الرقبة فلا صيام عليه؛ لعدم التمكن من الأداء، فالرجل لم يتمكن من الأداء؛ لأنه مات في الحال، فكيف نلزمه صيام أيام لم يعشها؟! الله تعالى يقول: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وهذا أبلغ، هذا غير ممكن إطلاقًا.
فحكم التوكيل في الصيام لا يصح مطلقًا في حال الحياة لا فرضًا ولا نفلًا، ولا عاجزًا ولا قادرًا.
رابعًا: الحج: الحج كغيره من العبادات؛ والأصل فيه عدم جواز التوكيل؛ لأنه عبادة، والأصل في العبادة أنها مطلوبة من العابد، ولا يقوم غيره مقامه فيها، وحينئذٍ نقول: الحج وردت النيابة فيه عن صنفين من الناس.
الأول: من مات قبل الفريضة فإنه يُحَج عنه؛ لأنه ثبت ذلك بالسنة.
الثاني: من كان عاجزًا عن الفريضة عجزًا لا يُرجى زواله، فهذا جاءت السنة بالحج عنه؛ وعليه فإذا عجز الإنسان عن الحج بعد وجوبه عليه مع قدرته عليه ماليًّا، والعجز لا يرجى زواله كالكبر والمرض الذي لا يرجى برؤه، قلنا: ينوب عنه من يحج عنه؛ لأن ذلك ثبت بالسنة.
لو وكَّل في حج الفريضة وهو قادر فلا يصح، فإذا حج الوكيل فالحج له؛ لأن هذه الوكالة فاسدة، والفاسد وجوده كالعدم.
والنافلة إذا وَكَّلَ فيها شخصٌ مريضٌ مرضًا لا يرجى برؤه، فحج عنه هذا الوكيل، فهذا لا يجوز؛ لأن ذلك إنما ورد في حج الفريضة، وما دمنا قلنا: إن الأصل في العبادات عدم جواز التوكيل فإنه لا يوكل؛ لأن النافلة لم يرد فيها التوكيل، فنقول لهذا: إن كنت قادرًا فحج بنفسك، وإن كنت عاجزًا فلم يوجب الله عليك الحج فلا تحج، ونقول لمن كان قادرًا بنفسه: الصدقة بهذا المال أفضل بكثير من أن توكل من يحج عنك، وإعانة حاج لتأدية فرض الحج بهذه خمسة الآلاف، أفضل من أن يحج عنك نفلًا.
لكن بعض العلماء رحمهم الله توسع في هذا، وقال: إذا كان يجوز له أن يستنيب في الفرض جاز أن يستنيب في النافلة، وعلى هذا فإذا كان عاجزًا عجزًا لا يرجى زواله، فله أن يوكل من يحج عنه، قالوا: لأن طلب الفريضة من الإنسان بدنيًّا أقوى وأشد من طلب النافلة، فإذا جاز التوكيل في الأشد جاز التوكيل في الأخف، لكن هذا التعليل معارض بالتعليل الأول، وهو أن المطالب بالفريضة لا بد أن يأتي بها، إما بنفسه أو بنائبه.
وبعضهم ـ أيضًا ـ توسع وقال: النفل يجوز التوكيل فيه ولو كان قادرًا، وهذا من غرائب العلم؛ لأن هذا لا يصح أثرًا ولا نظرًا، فلا يصح أثرًا؛ لأنه لم يرد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أن أحدًا حج عن أحد نافلة.
وأما نظرًا فلأننا إن قلنا بالقياس على الفريضة، فالفريضة لم ترد إلا في حال العجز عجزًا لا يرجى زواله.
وبعضهم ـ أيضًا ـ توسع توسعًا ثالثًا، وقال: يجوز أن يوكل الإنسان في حج النفل ولو في أثنائه، وعلى هذا إذا ذهب إنسان للعمرة وطاف ووجد مشقة وهي نافلة، وقال لإنسان: يا فلان وكلتك تسعى عني وتحلق عني، جاز على هذا القول، وهذا في الحقيقة من أضعف الأقوال، أن يستنيب شخصًا في إكمال النافلة؛ لأن الحج إذا شرع فيه الإنسان، صار فرضًا واجبًا عليه لا يمكن أن يتحلل منه إلا بإتمامه، أو بالإحصار عنه، أو بالعذر إن اشترط، لقول الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، فالحج من بين سائر الأعمال إذا شَرَعْتَ فيه وهو نفل يلزمك أن تتمه، قال الله تبارك وتعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197]، فجعل الإحرام بالحج فرضًا، وقال تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ}؛ يعني الحُجاج {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29].
وأقرب الأقوال: أن التوكيل في النفل للقادر لا يصح أبدًا، فيقال للقادر: إما أن تحج بنفسك وإما ألا تحج، وأما العاجز ففي إلحاق النفل بالفرض ثِقَل على النفس، فالإنسان لا يجزم بأنه يلحق بالفرض؛ لأن الفرض لازم يطالب به الإنسان، والنفل تطوع ليس بلازم، فإذا أجازت الشريعة التوكيل في الفرض فإنه لا يلزم أن يجوز ذلك في النفل؛ لأن الإنسان من النفل في سعة، والقول بأنه إذا جاز في الفرض جاز في النفل من باب أولى ضعيف، وكون الفرض أشد مطالبة أن يقوم الإنسان فيه ببدنه نقول: هذا صحيح، لكن العبادات الأصل فيها منع التوكيل فيقتصر على ما ورد، ولذلك بعض الناس يوكل في حجج كثيرة، نافلة لأبيه، وأمه، وعمه، وخاله، وما أشبه ذلك، ولكنه جالس من غير عجز، فأين الحج الذي جعله الرسول صلّى الله عليه وسلّم جهادًا حين سألته عائشة رضي الله عنها، قالت: يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ قال: «عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة»؟!
خامسًا: الشهادتان، لا يجوز التوكيل فيهما مطلقاً، فلو قال شخص غير مسلم: يا فلان أنا أريد أن أسلم لكن وكلتك أن تشهد عني، فهذا لا يصح، ولو كانت وثيقة من كاتب عدل فهذا لا يمكن.
فالقاعدة: «أن الأصل في العبادات منع التوكيل فيها»؛ لأن التوكيل فيها يُفَوِّت المقصود من العبادة وهو التذلل لله عز وجل والتعبد له، ويُقتصر فيها على ما ورد))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (9/ 335)، (9/ 343).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (9/ 334- 343).
محمد طه شعبان
2015-11-14, 09:38 AM
القاعدة الثالثة والسبعون:
((الأصل في الشروط الحل والصحة إلا ما قام الدليل على منعه))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((واعلم أن الأصل في جميع الشروط في العقود الصحة حتى يقوم دليل على المنع؛ والدليل على ذلك عموم الأدلة الآمرة بالوفاء بالعقد: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 34]، وكذلك الحديث الذي رُوِيَ عن الرسول صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا»، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «كل شرط ليس فيه كتاب الله فهو باطل وإن كان مئة شرط».
فالحاصل: أن الأصل في الشروط الحل والصحة، سواءً في النكاح، أو في البيع، أو في الإجارة، أو في الرهن، أو في الوقف، وحكم الشروط المشروطة في العقود إذا كانت صحيحة أنه يجب الوفاء بها في النكاح وغيره؛ لعموم قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}؛ فإن الوفاء بالعقد يتضمن الوفاء به وبما تضمنه من شروط وصفات؛ لأنه كله داخل في العقد))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «والحصاد واللقاط على المشتري» الحصاد في الزرع، واللقاط للقثاء ونحوه، والجذاذ للنخل ونحوه، هذا على المشتري؛ لأنه تفريغ ملكه من ملك غيره، فهو المسؤول عنه، لكن لو اشترط المشتري على البائع أن يكون ذلك عليه فصحيح، فلو قال المشتري: أنا اشتريت منك ثمر النخل، لكن ليس عندي من يجذه فأنت أيها الفلاح جُذه لي وأت به، فقال البائع: لا بأس، فالجذاذ عليه بالشرط، وهذا شرط لا يستلزم جهالة ولا غررًا ولا ظلمًا ولا ربًا، والأصل في الشروط الحل والصحة إلا ما قام الدليل على منعه، ولأن غاية ما فيه أنه أضاف إلى البيع ما يصح عقد الأجرة عليه، وهذا جائز ولا حرج فيه))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «وإذا أُجل الصداقُ أو بعضُهُ صح»، أي: إذا أجل الصداق كله أو بعضه صح التأجيل، ولازم ذلك صحة المسمى، وظاهر كلام المؤلف أن هذا جائز؛ وجه ذلك أن الصحة فرع عن الجواز، فكل صحيح جائز، وكل محرم فاسد، فلما قالوا: إنه صحيح، معناه أنه ليس محرمًا؛ لأن المحرم لا يكون صحيحًا، لكن هل هو جائز أو مكروه؟ المذهب أنه جائز، ولا بأس به؛ لأنه كغيره من الأعواض، لقوله تعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ } [النساء: 24]؛ والباء للعوض، فكما أنه يجوز تأجيل الثمن والأجرة، فكذلك يجوز تأجيل الصداق، بل قد سماه الله تعالى أجرًا، {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: 24]، ولقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]؛ فكل عقد بشروطه وصفاته يجب الوفاء به، إلا ما دل الدليل على تحريمه، فالأمر بالوفاء، أمر بالوفاء بأصل العقد، وبما شرط فيه؛ لأن الشروط في العقد وصف في العقد، فإذا لزم الوفاء بالعقد، كان لازمًا أن أوفي بالعقد وما يتضمنه من أوصاف وهي الشروط، والأصل في الشروط الحل، ولقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 34]، وقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل»، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالًا»، وأما التعليل فهو أن الحق لها فإذا رضيت بتأجيله فلها ذلك، وعلى هذا يصح تأجيله وبدون كراهة))اهـ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (9/ 29)، (12/ 163)، (12/ 270)، (12/ 475).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (12/ 163، 164).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (9/ 28، 29).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الشرح الممتع)) (12/ 270، 271).
محمد طه شعبان
2015-11-14, 10:46 AM
القاعدة الرابعة والسبعون:
((ما ترتب على المأذون فليس بمضمون، وما ترتب على غير المأذون فهو مضمون))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «أو زاد على الثلاث» أي: في المضمضة، أو الاستنشاق، فدخل الماء إلى حلقه، فإنه لا يفسد صومه.
وأتى المؤلف بقوله: «زاد على الثلاث»؛ لأن ما قبل الثلاث في المضمضة والاستنشاق مشروع ومأذون فيه، والقاعدة عند العلماء أن ما ترتب على المأذون فليس بمضمون، فإذا تمضمض في الأولى والثانية والثالثة، فوصل الماء إلى حلقه، فإنه لا يفطر بذلك؛ لأنه لم يفعل إلا شيئًا مشروعًا، وهذا ترتب على شيء مشروع فلا يضر.
والزيادة على الثلاث في الوضوء إما محرمة، وإما مكروهة كراهة شديدة لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من زاد على ذلك فقد أساء وتعدى وظلم»؛ فأدنى أحوالها أنها مكروهة، فإذا زاد على الثلاث ووصل الماء إلى حلقه، فإنه لا يفطر لعدم القصد؛ لأنك لو سألت هذا الذي تمضمض أكثر من ثلاث، أتريد أن يصل الماء إلى حلقك؟ لقال: لا))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((والصواب: أن العارية كغيرها من الأمانات؛ لأنها حصلت بيد المستعير على وجه مأذون فيه، وما ترتب على المأذون فليس بمضمون، فيد المستعير يد أمانة، ليست يد خيانة، وإذا كانت يد أمانة فلا ضمان على الأمين، ووجه كونها يد أمانة أن هذه العارية حصلت بيد المستعير بإذن مالكها، فهو الذي سلطه عليها، فكيف نضمنه بكل حال؟!))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «وسراية القود مهدورة»؛ القود أي: القصاص، فلو اقتصصنا من الجاني ثم سَرَت الجناية فإنها هدر، أي: لا شيء فيها؛ لأننا نقول: أنت المعتدي، فلا شيء لك.
وهذا الضابط مبني على قاعدة عند أهل العلم وهي «ما ترتب على المأذون فليس بمضمون»، وهنا القود مأذون فيه، فإذا استقدنا من هذا الرجل، وقطعنا يده ثم سرى القود، فقد ترتب هذا على شيء مأذون فلا يكون مضمونًا، ويُستثنى من هذا الضابط ما إذا اقتص منه في حالٍ يُخشى فيه من السراية، مثل أن يكون في شدة حر، أو في شدة برد، أو إنسان فيه داء السكري، فإن هذا في الغالب لا يبرأ، ويخشى فيه السراية، فإذا كان كذلك، قال أهل العلم: إن السراية في هذه الحال تكون مضمونة؛ لأنها مترتبة على شيء غير مأذون فيه، فإن قلت: هو مأذون فيه في الأصل؟ فالجواب: لكنه في هذه الحال ليس مأذونًا فيه، فيكون عليه الضمان))اهـ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: ((وإِذا أدَّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ، أو سلطانٌ رَعِيَّتَهُ، أو مُعَلِّمٌ صَبِيَّهُ، وَلَمْ يُسْرِفْ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ به))؛ هذا الفصل مبني على قاعدة وهي: «ما ترتب على المأذون فليس بمضمون، وما ترتب على غير المأذون فهو مضمون»، وهي من أحسن قواعد الفقه))اهـ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((وعُلم من قول المؤلف: «من أمر شخصًا مكلفًا» أنه لو أمر غير مكلَّف فعليه الضمان مطلقًا، وهذا هو المشهور من المذهب، لكن ذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا كان المأمور مميزًا ـ أي: يفهم الخطاب ـ له سبع سنوات أو نحوها، وكان هذا الأمر مما جرت به العادة أن يؤمر مثله فإنه لا ضمان.
مثال ذلك: قلت لصبي عمره عشر سنوات: اشترِ لي بهذا الدرهم خبزًا، فذهب الصبي، وقدر الله على هذا الصبي أن انزلق في الطريق ومات، أو حصل حريق في المخبز وتلف به هذا الصبي، فظاهر كلام المؤلف أنك ضامن؛ لأنه غير مكلَّف، ولكن بعض أصحاب الإمام أحمد رحمه الله قالوا: لا ضمان إذا كان ذلك مما جرت به العادة؛ لأنه ما زال الناس منذ عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى يومنا هذا يرسلون المميزين في مثل هذه الأشياء القليلة السهلة، ولا يعدون ذلك عدوانًا، وما ترتب على المأذون فليس بمضمون))اهـ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: ((فإن قُتل فهو شهيد، ويلزمه الدفع عن نفسه وحرمته دون ماله، ومن دخل منزل رجل متلصصا فحكمه كذلك))؛ فإن لم يندفع إلا بالقتل فله ذلك، ولا ضمان عليه، فإن قُتل فهو شهيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن الرجل يأتي إلى الرجل يريد أن يأخذ ماله، فقال: «لا تعطه»، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: «قاتله»، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: «فأنت شهيد»، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: «هو في النار»، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: «قاتله»؛ وعليه فإذا لم يندفع إلا بالقتل فليقاتل، وليس عليه ضمان ولا كفارة.
وأما بناؤه على القواعد فلأنَّ ما ترتب على المأذون ليس بمضمون؛ وأنا مأذون لي أن أدافع عن نفسي))اهـ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «وَمَنْ مَاتَ فِي حَدٍّ فَالحَقُّ قَتَلَهُ» «مَنْ» شرطية، وجواب الشرط «فالحق قتله» وهذه العبارة عبارة أثرية، بمعنى أنها قيلت من زمان سابق، واتبع الناس فيها الأول، والمعنى أنه قُتل بحق، ومن قُتِل بحق فليس بمضمون؛ وقد سبق لنا في الجنايات قاعدة مفيدة في هذا الباب، وهي ما ترتب على المأذون فليس بمضمون))اهـ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (6/ 392)، (6/ 395)، (10/ 123)، (14/ 89)، (14/ 100)، (14/ 106)، (14/ 110)، (14/ 223)، (14/ 386).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (6/ 392، 393).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (10/ 123، 124).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الشرح الممتع)) (14/ 89).
[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((الشرح الممتع)) (14/ 100).
[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((الشرح الممتع)) (14/ 109، 110).
[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) ((الشرح الممتع)) (14/ 385، 386).
[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) ((الشرح الممتع)) (14/ 223).
محمد طه شعبان
2015-11-14, 11:39 AM
القاعدة الخامسة والسبعون:
((الأصل في النساء أنهن كالرجال في الأحكام، كما أن الأصل في الرِّجَال أنهم كالنساء في الأحكام، إلا ما دل الدليل عليه))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «والمرأة مثله» أي: مثل الرَّجل؛ لعدم الدليل على التفريق بين الرَّجُل والمرأة، والأصل في النِّساء أنهن كالرِّجال في الأحكام، كما أن الأصل في الرِّجَال أنهم كالنِّساء في الأحكام.
ولهذا مَنْ قَذَفَ رجلًا ترتَّب عليه حَدُّ القَذْفِ، كما لو قَذَفَ امرأة مع أن آية القذف في النساء قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} [النور: 4 ـ 5]، وقال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم في المُوبِقَات: «وقَذْفُ المُحْصَنَاتِ الغَافلاتِ المؤمناتِ».
فالأصلُ اشتراكُ المكلَّفين مِن الرِّجَال والنِّساء في الأحكام؛ إلا ما قام الدَّليلُ عليه. مثل: الولاية العامة كالإمارة، والقضاء، وما أشبهه، فهي خاصَّة بالرِّجال؛ لكن قد تتولَّى المرأةُ إمارةً محدودة، كما لو سافرت مع نساء وصارت أميرتهنَّ في السَّفر، وكمديرة المدرسة، وما أشبه ذلك))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((والمرأة لا تجافي، بل تضمُّ نفسَها، فإذا سَجَدَتْ تجعل بطنَها على فخذيها، وفخذيها على ساقيها، وإذا ركعتْ تضمُّ يديها.
والدَّليل على ذلك: القواعد العامة في الشريعة، فإن المرأة ينبغي لها السَّتر، وضمُّها نفسها أستر لها مما لو جافت.
هكذا قيل في تعليل المسألة!
والجواب على هذا من وجوه:
أولًا: أن هذه عِلَّة لا يمكن أن تقاوم عمومَ النُّصوص الدَّالة على أن المرأة كالرَّجُل في الأحكام، لا سيما وقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «صَلُّوا كما رأيتموني أصلِّي»؛ فإن هذا الخطاب عامٌّ لجميع الرِّجال والنساء.
ثانيًا: ينتقض فيما لو صَلَّت وحدَها، والغالبُ والمشروعُ للمرأة أن تُصلِّي وحدها في بيتها بدون حضرة الرِّجال، وحينئذٍ لا حاجة إلى الانضمام ما دام لا يشهدها رِجَال.
ثالثًا: أنهم يقولون: إنها ترفع يديها، في مواضع الرَّفْعِ، ورَفْعُ اليدين أقربُ إلى التكشُّف مِن المجافاة، ومع ذلك يقولون: يُسَنُّ لها رَفْعُ اليدين؛ لأن الأصل تساوي الرِّجَال والنِّساء في الأحكام.
فالقول الرَّاجح: أن المرأة تصنعُ كما يصنعُ الرَّجُلُ في كلِّ شيء، فترفَعُ يديها وتجافي، وتمدُّ الظَّهرَ في حال الرُّكوعِ، وترفعُ بطنَها عن الفخذين، والفخذين عن الساقين في حال السُّجود.
قوله: «وتسدل رجليها في جانب يمينها»؛ يعني: أنها تخالف الرَّجل في كيفيَّة الجلوس، فلا تفترش، ولا تتورَّك، ولكن تسدلُ الرِّجْلين بجانب اليمين في الجلوس بين السَّجدتين، وفي التشهُّدين؛ وهذا أيضًا ليس عليه دليل، بل الدليل يدلُّ على أنها تفعل كما يفعل الرَّجل تفترش في الجلوس بين السَّجدتين، وفي التشهُّدِ الأول، وفي التشهُّدِ الأخير في صلاة ليس فيها إلا تشهُّدٌ واحدٌ، وتتورَّك في التشهُّدِ الأخير في الثلاثية والرباعية؛ وعلى هذا تكون المرأةُ مساوية للرَّجُل في كيفية الصلاة))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((وقد جاء في هذا حديث مرفوع، إلا أن في إسناده نظرًا؛ لأن فيه راويًا مجهولًا([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))، ولهذا قال بعض العلماء: إن المرأة تُكَفَّن فيما يُكَفَّن به الرجل، أي: في ثلاثة أثواب يلف بعضها على بعض.
وهذا القول ـ إذا لم يصح الحديث ـ هو الأصح؛ لأن الأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام الشرعية، إلا ما دلَّ الدليلُ عليه، فما دلَّ الدليل على اختصاصه بالحكم دون الآخر، خُصَّ به وإلا فالأصل أنهما سواء.
وعلى هذا فنقول: إنْ ثبت الحديثُ بتكفين المرأة في هذه الأثواب الخمسة فهو كذلك، وإن لم يثبت فالأصل تساوي الرجال والنساء في جميع الأحكام، إلا ما دلَّ عليه الدليل))اهـ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (3/ 217)، (5/ 312).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (3/ 217، 218).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (3/ 218- 220).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) وهو ما روته ليلى الثقفية قالت: «كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان أول ما أعطانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الحقاء، ثم الدرع، ثم الخمار، ثم الملحفة، ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر، قالت: ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند الباب معه كفنها يناولنا ثوبًا ثوبًا». أخرجه الإمام أحمد (6/ 380)، وأبو داود (3157)، والبيهقي (4/ 6) وفي سنده نوح بن حكيم، وهو مجهول. وانظر: «نصب الراية» (2/ 258). هامش ((الشرح الممتع)).
[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((الشرح الممتع)) (5/ 312).
محمد طه شعبان
2015-11-15, 10:29 AM
القاعدة السادسة والسبعون:
((الأصل في فعل الرسول صلى الله عليه وسلم التشريع))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((وهنا سؤال: هل يجوز أن يقرأَ الإِنسانُ بالسُّورةِ في الرَّكعتينِ بمعنى أنْ يكرِّرها مرَّتين؟
الجواب: نعم، ولا بأس بذلك، والدَّليلُ فِعْلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: {إِذَا زُلْزِلَتِ} في الرَّكعتين جميعًا كرَّرها.
لكن؛ قد يقول قائل: لعلَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم نَسِيَ؛ لأنَّ مِن عادته أنه لا يُكرِّر السُّورة.
والجواب عن هذا: أن يُقال: احتمالُ النسيانِ وارد، ولكن احتمال التشريع ـ أي: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كرَّرها تشريعًا للأمة ليبيِّن أن ذلك جائز ـ يُرجَّح على احتمالِ النسيان؛ لأنَّ الأصلَ في فِعْلِ الرسول صلى الله عليه وسلم التشريعُ، وأنه لو كان ناسيًا لَنُبِّهَ عليه، وهذا الأخيرُ ـ أي: أنَّ ذلك مِن باب التشريع ـ أحوطُ وأقربُ إلى الصَّوابِ))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((على أن الذين قالوا بوجوب التسليمتين في الفرض والنَّفل أجابوا عن فِعْلِ الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه قضية عين تحتمل النسيان أو غير ذلك، فلا يقدَّم هذا الفعل على القول الذي قال فيه: «إنَّما كان يكفي أحدُكم أن يقول كذا، وكذا، وذَكَرَ التَّسليمتين»؛ ولكن هذا الاحتمال فيه نظر؛ لأن الأصل في فِعْلِ الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم التشريعُ وعدم النسيان، ولا سيما أنه سلَّم واحدة تلقاء وجهه على خلاف العادة، مما يدلُّ على أنه أرادها قصدًا، لكن كما قلت: الاحتياط أن يُسلِّمَ مرَّتين في الفرض والنَّفل))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (3/ 77)، (3/ 213).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (3/ 77).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (3/ 213).
محمد طه شعبان
2015-11-15, 11:26 AM
القاعدة السابعة والسبعون:
((الأصل في الأمر الوجوب، إلا أن يوجد ما يصرفه عن الوجوب))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((وإذا أسلم الكافر وجب عليه الغُسْل سواء كان أصليًّا، أو مرتدًّا.
فالأصليُّ: من كان من أول حياته على غَيْرِ دِينِ الإِسلام كاليهوديِّ والنَّصْرانيِّ، والبوذيِّ، وما أشبه ذلك.
والمرتدُّ: من كان على دين الإِسلام ثم ارتدَّ عنه ـ نسأل اللهَ السَّلامة ـ كَمَنْ ترك الصَّلاة، أو اعتقد أنَّ لله شريكًا، أو دعا النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أن يُغِيثَه من الشِّدَّة، أو دعا غيره أن يُغِيثه في أمرٍ لا يمكن فيه الغَوْثُ.
والدَّليل على وجوب الغُسْل بذلك:
1 - حديث قَيس بن عاصم أنَّه لمَّا أسلم أَمَره النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أن يغتسل بماءٍ وسِدْر، والأَصْلُ في الأمر الوُجوب.
2 - أنه طَهَّر باطنه من نَجَسِ الشِّرْك، فَمِنَ الحِكْمَةِ أن يُطَهِّرَ ظاهره بالغُسْلِ))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «وموت»؛ هذا هو الموجِب الرابع من موجبَات الغُسْل.
أي: إِذا مات المسلم وجب على المسلمين غَسْلُه، والدَّليل على ذلك: قوله صلّى الله عليه وسلّم فِيمَنْ وَقَصَتْهُ ناقتُه بعرفة: «اغسلوه بماءٍ وسِدْرٍ ... »؛ والأصل في الأَمْرِ الوُجُوب))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((والدَّليل على وجوب الغُسْل من الحيض ما يلي:
1 - حديث فاطمة بنت أبي حُبيش أنها كانت تُستحاض فأمَرها النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أن تجلس عادتها، ثم تغتسل وتُصلِّي؛ والأصل في الأمر الوجوب...))اهـ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «يلزم الزوجين العشرة بالمعروف»؛ «يلزم» بمعنى يجب و «الزوجين» الرجل والمرأة، «العشرة» فاعل يلزم يعني المعاشرة بالمعروف، أي: بما يُعرف شرعًا وعرفًا؛ لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]؛ وهذا أمر، والأصل في الأمر الوجوب؛ وقال: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228].
فأثبت أن عليهن عشرة، فيجب على الزوج والزوجة، كل منهما أن يعاشر الآخر بالمعروف))اهـ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (1/ 138)، (1/ 303)، (1/ 340)، (1/ 342)، (1/ 344)، (1/ 354)، (1/ 372)، (2/ 141)، (3/ 310)، (3/ 395)، (4/ 133)، (4/ 230)، (5/ 114)، (5/ 263)، (5/ 302)، (6/ 306)، (7/ 42)، (7/ 99)، (11/ 338)، (12/ 8)، (12/ 382)، (12/ 454)، (14/ 298)، (14/ 353)، (15/ 92)، (15/ 126).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (1/ 340، 341).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (1/ 342).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الشرح الممتع)) (1/ 344).
[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((الشرح الممتع)) (12/ 382).
محمد طه شعبان
2015-11-15, 12:08 PM
القاعدة الثامنة والسبعون:
((الأصل في النهي التحريم))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((وقوله: «إلى المسجد»؛ أي: لحضورِ صلاةِ الجماعةِ، فإنَّه يُكره له أن يمنَعَها، والكراهةُ في كلام الفقهاءِ كراهةُ التنزيهِ التي يستحقُّ عليها الثوابَ عند التَّرْكِ، ولا يُعاقب عليها عند الفِعْلِ.
والدليلُ: قولُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا تمنعوا إماءَ اللهِ مساجدَ اللهِ»؛ وفيه إشارةٌ إلى توبيخِ المانعِ، لأنَّ الأَمَةَ ليست أَمَتَكَ، والمسجدُ ليس بيتَكَ، بل هو مسجدُ الله، فإذا طلبتْ أَمَةُ اللهِ بيتَ اللهِ فكيف تمنعُها؟ ولأنَّه مَنع مَن لا حَقَّ له عليها في المَنْعِ منه، وهو المسجد.
وقال بعض العلماء: إنَّ هذا الحديث نهيٌ، والأصلُ في النَّهيِ التحريمُ، وعلى هذا؛ فيحرمُ على الوَليِ أنْ يمنعَ المرأةَ إذا أرادت الذِّهابَ إلى المسجدِ لتصلِّي مع المسلمين، وهذا القول هو الصَّحيحُ))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «ويكره»؛ المكروه في اصطلاح الفقهاء هو: الذي يثاب تاركه امتثالًا، ولا يعاقب فاعله، وهو كراهة التنزيه، لا كراهة التحريم.
قوله: «تجصيصه» أي: أن يوضع فوقه جص؛ لأن هذا داخل في تشريفه، وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأبي الهياج الأسدي: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ألا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته.
قوله: «والبناء» عليه؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن ذلك.
والاقتصار على الكراهة في هاتين المسألتين فيه نظر؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن ذلك، أي: عن تجصيصها، وعن البناء عليها، والأصل في النهي التحريم؛ ولأن هذا وسيلة إلى الشرك، فإنه إذا بني عليها عظمت، وفي النهاية ربما تعبد من دون الله؛ لأن الشيطان يَجُرُّ بني آدم، من الصغيرة إلى الكبيرة، ومن الكبيرة إلى الكفر.
فالصحيح: أن تجصيصها والبناء عليها حرام))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «ويحرم على من يضحي أن يأخذ في العشر من شعره أو بشرته شيئًا»؛ الحرام من تركه لله أثيب، وإن فعله استحق العقاب على فعله.
والدليل على ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دخل العشر، وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذن من شعره ولا من بشرته ولا من ظفره شيئًا»؛ والأصل في النهي التحريم.
والحكمة من ذلك أن الله سبحانه وتعالى برحمته لما خص الحجاج بالهدي، وجعل لنسك الحج محرمات ومحظورات، وهذه المحظورات إذا تركها الإنسان لله أثيب عليها، والذين لم يحرموا بحج ولا عمرة شرع لهم أن يضحوا في مقابل الهدي، وشرع لهم أن يتجنبوا الأخذ من الشعور والأظفار والبشرة لأن المُحْرم لا يأخذ من شعره شيئًا، يعني لا يترفه، فهؤلاء ـ أيضًا ـ مثله، وهذا من عدل الله عز وجل وحكمته، كما أن المؤذن يثاب على الأذان، وغير المؤذن يثاب على المتابعة، فشرع له أن يتابع.
وقوله: «يحرم»، هذا أحد القولين في المسألة.
والقول الثاني: أنه يكره وليس بحرام.
ولكن الذي يظهر أن التحريم أقرب؛ لأنه الأصل في النهي لا سيما فيما يظهر فيه التعبد، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أكد النهي بقوله: «فلا يأخذن»، والنون هذه للتوكيد))اهـ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (1/ 124)، (3/ 359)، (4/ 181)، (4/ 201)، (5/ 366)، (7/ 486)، (12/ 22)، (12/ 30)، (15/ 17).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (4/ 201، 202).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (5/ 365، 366).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الشرح الممتع)) (7/ 485، 486).
محمد طه شعبان
2015-11-15, 12:29 PM
القاعدة التاسعة والسبعون:
((الأصل في الأوامر الفورية))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((وقوله: «إخراج الزكاة»؛ أي: من مِلكه إلى مستحقها.
وأنواع الأموال هي: الذهب، والفضة، وعروض التجارة، وسائمة بهيمة الأنعام، والخارج من الأرض.
قوله: «ويجب على الفور»؛ أي: المبادرة.
قوله: «مع إمكانه»؛ أي: مع إمكان الإخراج، والمراد بهذا وجوب المبادرة بالإخراج، لا وجوب الإخراج فإنه معلوم مما سبق.
وقوله: «يجب على الفور»؛ دليله أن الأصل في الأوامر الفورية، والدليل على أن الأصل في الأوامر الفورية ما يلي:
1 ـ قول الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] وقوله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148].
2 ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما أمر الصحابة في حجة الوداع أن يحل من إحرامه من لم يسق الهدي منهم، وتأخروا بعض الشيء رجاء أن ينسخ الأمر غضب النبي صلّى الله عليه وسلّم غضبًا شديدًا».
3 ـ أن الصحابة رضي الله عنهم لما تأخروا في حلق رؤوسهم في غزوة الحديبية؛ ليتحللوا بذلك، غضب لتأخرهم النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، ولو لم يكن الأصل في الأوامر الفورية لم يغضب النبي صلّى الله عليه وسلّم.
4 ـ أن الإنسان لا يدري ما يعرض له، فهو إذا أخر الواجب يكون مخاطرًا، فقد يموت ويبقى الواجب في ذمته، وإبراء الذمة واجب، فهذا دليل نظري أيضًا على أن الواجب يفعل على الفور))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (6/ 186).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (6/ 186، 187).
محمد طه شعبان
2015-11-17, 02:19 PM
القاعدة الثمانون:
((الأصل في مال المسلم أنه محترم))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «وآنية خمر غير محترمة»؛ آنية الخمر إذا كسرها الإنسان فلا ضمان عليه؛ لأن فيها ما لا يُضمن وهو الخمر، فإن الخمر لا يُضمن، حتى لو كان يساوي آلافًا فأتلفه الإنسان فلا ضمان عليه؛ لأنه لا قيمة له شرعًا.
ولو قال قائل: ما شأن الآنية، الآنية تحفظ الخمر وغيره فهي تستعمل في الخمر وغيره؟ نقول: لأنه لما كان الخمر فيها ذهبت حرمتها لذهاب حرمة ما فيها فلا تضمن، ويثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا؛ ويدل لذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حرَّق حانوت الخمار، وهذا أبعد من آنية الخمر.
وقال بعض العلماء: إنه إذا كسر آنية خمر فهو ضامن؛ لأن الآنية محترمة ويمكن إتلاف الخمر دون إتلافها، إلا إذا لم يمكن إتلاف الخمر إلا بإتلافها، بناء على أن الأمر الذي لا يتم الأمر إلا به داخل في الأمر الذي أبيح، وهذا هو الصحيح؛ لأن الأصل في مال المسلم أنه محترم))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (10/ 227).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (10/ 227).
محمد طه شعبان
2015-11-17, 02:36 PM
القاعدة الحادية والثمانون:
((الأصل في العطف المغايرة))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((وقال بعض العلماء: صلاة الله على نبيه صلّى الله عليه وسلّم رحمتُهُ إياه، وهذا فيه نظر؛ لأن الله تعالى فرَّق بين الصلاة والرحمة فقال: {أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157]، والأصل في العطف المغايرة))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((بعض العلماء رحمهم الله قالوا: إن كلَّ شيء وَصَفَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم نفسَه به من الذُّنوبِ فالمراد ذنوبُ أُمَّتِه؛ لا ذنبه هو؛ لأنه هو لا يُذنب، وكلُّ خطيئة أضافها لنفسه فالمراد خطايا أُمَّتِه، ولا شَكَّ أن هذا قول فيه ضعف؛ لأن الله قال: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ} [محمد: 19]؛ فإن العطف يقتضي المغايرة، وليس في ذلك أيُّ قَدْح في أنَّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم يقعُ منه الذنوب الصغيرة، ولكنه لا يُقَرُّ عليها، ثم هو مغفورٌ له، وما أكثر ما يكون الإِنسان منَّا بعد المعصية خيرًا منه قبلها، وفي كثير من الأحيان يخطئ الإِنسان ويقع في معصية، ثم يَجدُ مِن قلبِه انكسارًا بين يدي الله عز وجل وإنابةً إلى الله، وتوبةً إليه حتى إن ذَنْبَه يكون دائمًا بين عينيه يندم عليه ويستغفر، وقد يرى الإِنسانُ نفسَه أنه مطيع، وأنه من أهل الطاعة فيصير عنده من العُجب والغرور وعدم الإِنابة إلى الله ما يفسد عليه أمر دينه، فالله عز وجل حكيم قد يبتلي الإِنسان بالذنب ليُصلح حالَه، كما يبتلي الإِنسانَ بالجوع لتستقيم صحَّته، وهل حصل لآدم الاجتباء إلا بعد المعصية والتوبة منها))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «وإن كرره ببل أو بثم أو بالفاء»؛ إن كرره ببل، فقال: أنت طالق، بل طالق، بل طالق، يقع ثلاثًا؛ لأنه أتى بالعطف، فإن قال: أردت توكيد الأولى بالثانية، قلنا: ما يصح؛ والسبب أن اللفظ ليس بواحد، ولو قال: أردت توكيد الثانية بالثالثة يقبل ويصح؛ لأن اللفظ واحد ومتصل، ولو قال: أردت توكيد الأولى بالثالثة ما يصح لوجود الفصل، واختلاف اللفظ؛ لأن حرف العطف يقتضي أن يكون الثاني غير الأول، كيف تقول: إني أريد التوكيد، وأنت أتيت بحرف العطف؟! لأن معنى التوكيد أن الثاني هو الأول، وحرف العطف يقتضي المغايرة))اهـ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (3/ 51)، (3/ 163)، (5/ 94)، (9/ 300)، (13/ 100).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (5/ 94).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (3/ 51، 52).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الشرح الممتع)) (13/ 100).
محمد طه شعبان
2015-11-18, 02:13 PM
القاعدة الثانية والثمانون:
((الأصل في الأشياء الواقعة من أهلها الصحة والسلامة))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله في معرض كلامه عن ذبيحة الكتابي: ((وهل يجب أن نعلم أنه سمى عليه؟ الجواب: لا، والدليل على هذا ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها: أن قومًا سألوا النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: يا رسول الله إن قومًا يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ قال: «سموا أنتم وكلوا»، قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر، ومن هو حديث عهد بالكفر يُشَك في كونه سمى؛ لأنه لم يعرف أحكام الإسلام ومع ذلك قال: «سموا أنتم وكلوا»، أي: سموا على الأكل لا على الذبح؛ لأنه لا تمكن التسمية؛ ولأن الإنسان لا يُسأل إلا عن فعل نفسه، وفعلكم أنتم هو الأكل فسموا عليه، أما فعل غيركم فليس عليكم منه شيء، وقد ترجم مجد الدين ابن تيمية رحمه الله على هذا الحديث: بأن الفعل إذا صدر من أهله فالأصل فيه الصحة والسلامة، ولو أننا كُلِّفنا أن نبحث عن كيفية الذبح وهل سمى الذابح أم لا؟ للحقنا بذلك حرج شديد لا يُحتمل، حتى المسلم يمكن أنه لم يسم، أو أنه خنق، فكل شيء محتمل، لكن الأصل في الفعل الواقع من أهله السلامة، وبهذا يستريح الإنسان، ويسلم من القلق الذي يحصل فيما لو ذبح الكتابي اليهودي والنصراني الذبيحة وأهدى له، والحمد لله على التيسير، لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (7/ 444)، (7/ 451)، (15/ 84)، (15/ 412).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (7/ 450، 451).
محمد طه شعبان
2015-11-22, 07:52 AM
القاعدة الثالثة والثمانون
((تعليق المباح على شرط يدل على أنه لا يُباح إِلا به))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «ونومٍ»، أي: يُسْتَحَبُّ للجُنُب إِذا أراد النَّوم أن يتوضَّأ؛ واستُدلَّ لذلك بحديث عمر رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، أَيَرْقُد أحدُنا وهو جُنُب؟ قال: «نعم، إِذا توضَّأ أحدُكم فلْيَرْقُد وهو جُنُب»، وفي لفظ: «توضَّأ واغسلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ».
وهذا الدَّليل يقتضي الوُجوب لأنَّه قال: «نعم إِذا توضَّأ»؛ وتعليق المباح على شَرْط يدلُّ على أنَّه لا يُباح إِلا به، وعليه يكون وُضُوء الجُنُب عند النوم واجبًا، وإلى هذا ذهب الظَّاهريَّة وجماعة كثيرة من أهل العِلْمِ، ولكن المشهور عند الفقهاء والأئمَّة المتبوعين أنَّ هذا على سبيل الاستحباب، واستدلُّوا لذلك بحديث عائشة رضي الله عنها أنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان ينامُ وهو جُنُبٌ من غير أن يمسَّ ماءً؛ قالوا: فَتَرْكُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم للوُضُوء في هذه الحال بيان للجَواز، وأن الأمر ليس للوُجوب، وهذه قاعدة صحيحة معتَبَرة، خلافًا لمن قال: إِن فِعْلَه لا يُعارض قولَه، بل يؤخذ بالقول فلا يدلُّ فِعلُه على الجواز))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (1/ 369).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (1/ 369، 370).
محمد طه شعبان
2015-11-22, 05:05 PM
القاعدة الرابعة والثمانون:
((الأصل براءة الذِّمَّة))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((ويَحْرُمُ على المحدِثِ مسُّ المُصْحَفِ والدَّليل على ذلك:
1- قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الواقعة: 77- 80 ].
وجه الدَّلالة: أنَّ الضَّمير في قوله: {لَا يَمَسُّهُ} يعود على القرآن؛ لأن الآيات سِيقت للتَّحدُّث عنه بدليل قوله: {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، والمنزَّل هو هذا القرآن، والمُطَهَّر: هو الذي أتى بالوُضُوء والغُسُل من الجنابة، بدليل قوله: {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ } [المائدة: 6].
وقال داود الظَّاهري وبعض أهل العلم: "لا يحرم على المُحْدِثِ أن يَمَسَّ المصحف".
واستدلُّوا: بأن الأصل براءةُ الذِّمة، فلا نُؤَثِّم عباد الله بفعل شيء لم يَثْبُتْ به النَّص.
وأجابوا عن أدلَّة الجمهور:
أما الآية فلا دلالة فيها، لأن الضَّمير في قوله: {لَا يَمَسُّهُ} يعود إلى «الكتاب المكنون»، والكتاب المكنون يُحْتَمَلُ أن المرادَ به اللوحُ المحفوظ، ويُحْتَملُ أن المرادَ به الكتب التي بأيدي لملائكة؛ فإن الله تعالى قال: {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ } [عبس: 11- 15]، وهذه الآية تفسير لآية الواقعة، فقوله: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ} كقوله: {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ}.
وقوله: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} ، كقوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ }.
والقرآنُ يُفسِّر بعضه بعضًا، ولو كان المراد ما ذَكَرَ الجمهور لقال: «لا يمسُّه إلا المطَّهِّرون» بتشديد الطاء المفتوحة وكسر الهاء المشددة، يعني: المتطهرين، وَفَرْقٌ بين «المطهَّر» اسم مفعول، وبين «المتطهِّر» اسم فاعل، كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِي نَ} [البقرة: 222] .
وقولهم: إن الخبر يأتي بمعنى الطَّلب، هذا صحيح لكن لا يُحْمَلُ الخبر على الطلب إِلا بقرينة، ولا قرينة هنا؛ فيجب أن يبقى الكلام على ظاهره، وتكون الجملة خَبَريَّة، ويكون هذا مؤيِّدًا لما ذكرناه من أن المراد بـ «المطهَّرون»، الملائكة كما دلَّت على ذلك الآيات في سورة «عبس».
ثم على احتمال تساوي الأمرين، فالقاعدة عند العلماء «إنه إِذا وُجِدَ الاحتمال بَطلَ الاستدلال» فيسقط الاستدلال بهذه الآية، فنرجع إلى براءة الذِّمة))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «الرجال»؛ أخرجَ به أيضًا الصبيانَ غيرَ البالغين، وخَرجَ بذلك أيضًا صِنفٌ ثالثٌ وهم الخُناثى، والخُنثى هو: الذي لا يُعلم أذكرٌ هو أم أُنثى، فلا تجب عليهم الجماعةُ؛ وذلك لأن الشَّرطَ فيه غير متيقَّن، والأصلُ براءةُ الذِّمَّةِ وعدمُ شغلِها))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((فاختلف أهل العلم رحمهم الله: هل في العسل الزكاة، أو أَنَّ ما ضربه عمر رضي الله عنه في العسل ليس زكاة، ولكنه اجتهاد لحال مخصوصة؛ لأنه لا يصدق عليه قول الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267]؟
فذهب الأئمة الثلاثة إلى عدم وجوب الزكاة في العسل، واختار هذا صاحب الفروع ابن مفلح رحمه الله من الحنابلة، وهو أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو من أعلم الناس بفقه شيخ الإسلام ابن تيمية؛ حتى إن ابن القيم كان يرجع إليه يسأله عما يقوله الشيخ في المسائل الفقهية.
ووجه هذا القول أنه ليس في القرآن ولا في السنة ما يدل على وجوب ذلك، والأصل براءة الذمة حتى يقوم دليل على الوجوب))اهـ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((ومقتضى كلام المؤلف، أنه لا يشترط أن يكون عالمًا؛ لأنه لم يذكر إلا شرطين: العمد والذكر، فإن كان جاهلًا فإنه يفطر.
والصحيح اشتراط العلم، لدلالة الكتاب والسنة عليه، فتكون شروط المفطرات ثلاثة: العلم، والذكر، والعمد. وضد العلم الجهل، والجهل ينقسم إلى قسمين:
1 ـ جهل بالحكم الشرعي، أي: لا يدري أن هذا حرام.
2 ـ جهل بالحال، أي: لا يدري أنه في حال يحرم عليه الأكل والشرب، وكلاهما عذر.
والدليل لذلك قوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]؛ وإذا انتفت المؤاخذة انتفى ما يترتب عليها، وهذا دليل عام.
وهناك دليل خاص في هذه المسألة للنوعين من الجهل:
أما الجهل بالحكم، فدليله حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه أراد أن يصوم وقرأ قول الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} [البقرة: 187]، فأتى بعقال أسود- حبل تُربط به يد البعير -وأتى بعقال أبيض، وجعلهما تحت وسادته، وجعل يأكل وينظر إلى الخيطين حتى تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود؛ فهذا أخطأ في فهم الآية؛ لأن المراد بها أن الخيط الأبيض بياض النهار، والأسود سواد الليل، فلما جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم أخبره قال له: «إن وسادك لعريض أن وسع الخيط الأبيض والأسود»، ولم يأمره بالقضاء؛ لأنه جاهل لم يقصد مخالفة الله ورسوله، بل رأى أن هذا حكم الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم فعُذِر بهذا.
وأما الجهل بالحال: فقد ثبت في الصحيح عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: «أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم طلعت الشمس»، فأفطروا في النهار بناءً على أن الشمس قد غربت فهم جاهلون، لا بالحكم الشرعي ولكن بالحال، لم يظنوا أن الوقت في النهار، ولم يأمرهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بالقضاء، ولو كان القضاء واجبًا لأمرهم به؛ لأنه من شريعة الله وإذا كان من شريعة كان محفوظًا تنقله الأمة؛ لأنه مما تتوافر الدواعي لنقله، فلما لم يحفظ، ولم ينقل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فالأصل براءة الذمة، وعدم القضاء))اهـ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
قلت: ومن أمثلة القاعدة أيضًا:
إذا ادعى رجل على آخر قرضًا، وأنكر المدعى عليه؛ فالقول للمدَّعى عليه مع اليمين؛ لأن الأصل براءة الذمة، حتى يأتي المدعِي بالبرهان.
وإذا ادعى رجل على آخر إتلاف شيء، وأنكر المدعى عليه؛ فالقول للمدَّعى عليه مع اليمين؛ لأن الأصل براءة الذمة، حتى يأتي المدعِي بالبرهان.
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (1/ 265)، (1/ 317)، (1/ 329)، (2/ 131)، (3/ 277)، (3/ 311)، (4/ 140)، (5/ 6)، (6/ 87)، (6/ 389)، (6/ 403)، (6/ 411)، (7/ 155)، (7/ 184)، (7/ 222)، (7/ 408)، (7/ 416)، (15/ 219).
([2]) (1/ 318، 319) باختصار يسير.
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (4/ 140).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الشرح الممتع)) (6/ 86، 87).
[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((الشرح الممتع)) (6/ 387- 389).
محمد طه شعبان
2015-11-23, 08:22 AM
القاعدة الخامسة والثمانون:
((الأصل في العقود السلامة والصحة حتى يوجد دليل الفساد))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((مسألة: يوجد الآن بيع يتبايعه الناس يكون عنده كومة من الحبوب، فلو قال لك: بعت عليك واحدة من هذه الكومة بريالين، تخير، فعادة الناس الآن أن البيع صحيح نافذ وأن المشتري إذا أخذ الحبة التي يريدها أجازها البائع أو منع، لكن البائع قد عرف أن أعلى ما يكون من ثمن هذه المجموعة أن يبلغ ريالين، ويعلم أنه غير مغبون فمثل هذا ينبغي أنه يقال بالصحة؛ لأن الناس تعارفوا على هذا البيع ولا يرون فيه جهالة ولا غررًا، والأصل في المبايعات والعقود الحل والصحة، وكذلك بيع شاة من قطيع، يأتي إلى قطيع من الغنم ويقول: اختر ما شئت بمائة ريال، هذه ـ أيضًا ـ جرى بها العرف، وهو إذا اختار فإن البائع يعلم أن أعلى ما يكون بمائة ريال))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «ومن شهد بنكاح أو غيره من العقود فلا بد من ذكر شروطه»؛ هذه المسألة تكاد تكون مبنية على ما سبق في الدعوى، حيث ذكر المؤلف أنه إذا ادعى عقدًا فلا بد من ذكر شروطه، وذكرنا هناك الخلاف في المسألة، فهذه تُشبه تلك، فإذا شهد بعقد نكاح، يقول: أنا أشهد أن فلانًا عقد على بنت فلان، فلا بد أن يذكر الشروط، فيقول مثلًا: بولي، وشاهدين، ورضا معتبر، وتعيين، فلو قال: أشهد أن فلانًا عقد لفلان على ابنته فقط، ولم يذكر الشروط فإن الشهادة لا تقبل حتى يبين الشروط.
لماذا؟ قالوا: لأنه قد يشهد بعقد نكاح يظنه صحيحًا، وهو فاسد، وعقد النكاح يحتاط له ولا يتهاون به، فلا بد من ذكر الشروط، كذلك ـ أيضًا ـ البيع، قال: أنا أشهد أن فلانًا باع على فلان بيته، فما تكفي هذه الشهادة، فلا بد أن يذكر جميع شروط البيع وهي سبعة، فإن لم يذكر الشروط السبعة فإن شهادته لا تُقبل، وكذلك ـ أيضًا ـ لو شهد بوقف، بأن فلانًا وقف بيته، فلا بد من ذكر شروط الوقف الخمسة السابقة، فكل عقد لا بد فيه من هذه الشروط.
وهل يشترط ذكر انتفاء الموانع؟ لا يشترط، ففي النكاح ـ مثلًا ـ لا يُشترط أن يقول: وهي ممن تحل له؛ لأن الأصل في العقد الصحة وعدم المانع، كذلك في البيع لا يشترط أن يقول: وأن هذا البيع لم يقع بعد نداء الجمعة الثاني، ولا في مسجد، ولا بيعًا على بيع أخيه، وما أشبه ذلك، ولو أننا قلنا: لا بد للشاهد من ذكر الشروط والموانع، لكانت الشهادة أحيانًا تستوعب مجلدات؛ لأنه لا بد أن يذكر الشروط، وقد تكون كثيرة، والموانع قد تكون كثيرة أيضًا، فإذا قلنا باشتراط هذا وهذا لصَعُبَ على الناس.
وقال بعض أهل العلم: إنه لا يشترط ذكر الشروط، ولكن للمدعى عليه أن يبين إن كان هناك فوات شرط؛ وذلك لأن الأصل في العقود الصحة والسلامة، ويدل لهذا حديث عائشة رضي الله عنها في البخاري: أن قومًا قالوا: يا رسول الله إن قومًا يأتوننا باللحم، لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: «سموا أنتم وكلوا»، فحكم بحل الذبح مع عدم تحقق الشرط وهو التسمية؛ لأن الأصل صحة الفعل، فإن وجد فقد شرط، أو حصل مانع فإن للخصم أن يدعي ذلك وينظر فيه، فلو قال المدعى عليه البيع: إن البيع وقع على وجه مجهول في الثمن، أو المثمن، حينئذٍ نقول: ما نحكم بصحة البيع حتى ننظر في دعوى هذا المدعي أن هناك شرطًا من الشروط لم يتم، كذلك لو ادعى المدعى عليه أن البيع وقع بعد نداء الجمعة الثاني، ما نحكم بالشهادة حتى ننظر في دعوى المدعي، أنه وقع بعد نداء الجمعة الثاني ممن تجب عليه الجمعة، وهذا القول هو الراجح، ويدل لرجحانه حديث عائشة رضي الله عنها الذي أشرنا إليه، والتعليل ـ أيضًا ـ وهو أن الأصل في العقود السلامة والصحة حتى يوجد دليل الفساد، من فوات شرط، أو وجود مانع، وهناك من العقود التي لم تُذكر ففيه عقد الرهن والهبة والإجارة والمساقاة والمزارعة والشركات وغيرها، والمهم أن هذه القاعدة التي أشرنا إليها سارية في جميع العقود))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (9/ 162)، (15/ 407).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (8/ 162).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (15/ 405- 407).
محمد طه شعبان
2015-11-23, 12:41 PM
القاعدة السادسة والثمانون:
((تنعقد العقود بما دل عليها عرفًا))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((ولم يذكر المؤلف صيغة معينة للبيع؛ فدل هذا على أنه ينعقد بما دل عليه، مثل أن يقول: بعتك هذا الشيء، أعطيتك هذا الشيء، ملكتك هذا الشيء، فالمهم أنه ليس هناك لفظ معين للبيع، فأي لفظ يدل عليه فإنه ينعقد به.
وهل هذا شامل لجميع العقود؟
الجواب: فيه خلاف، فمن العلماء من اشترط لبعض العقود ألفاظًا معينة وقال: لا بد من الإتيان بها، كالنكاح مثلًا، قال: لا بد أن يقال: زوَّجتك وهذا يقول: قبلت.
ومنهم من قال: جميع العقود تنعقد بما دل عليه عرفًا، وهذا القول هو الراجح، وهو المتعين، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ لأن المعاملات ليست عبادات يتقيد الإنسان فيها بما ورد، بل هي معاملات بين الناس، فما عدَّه الناس بيعًا فهو بيع، وما عدُّوه رهنًا فهو رهن، وما عدُّوه وقفًا فهو وقف، وما عدُّوه نكاحًا فهو نكاح.
فالصواب: أن جميع العقود ليس لها صيغ معينة، بل تنعقد بما دل عليها، ولا يمكن لإنسان أن يأتي بفارق بين البيع وبين غيره، فإذا قالوا مثلًا: النكاح ذكره الله بلفظ النكاح، قلنا: والبيع ذكره الله بلفظ البيع، فهل تقولون: إنه لا بد أن تقول: بعت؟ يقولون: ليس بشرط، إذًا ينعقد بكل لفظ دل عليه عرفًا بإيجاب، وقبول بعده))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «والسَّلَم والسَّلَف»؛ أي: يصح بألفاظ السلم والسلف مع أن السلف يُطلق أحيانًا على القرض، لكن لما كان العقد على هذا الوجه تعين أن يكون سلمًا لا قرضًا.
والصواب أن جميع العقود تنعقد بما دل عليه اللفظ عرفًا، وأنها لا تتقيد بشيء؛ لأن هذه الأمور لم يرد الشرع بتعيينها وتقييدها، وليست من أمور العبادة التي يتقيد الإنسان فيها باللفظ، ويستثنى من ذلك على المذهب عقد النكاح، فإنه لا يصح إلا بلفظ إنكاح وتزويج، أو قول السيد لأمته: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك، ولكن الصواب ما ذكرناه، وأن جميع العقود تنعقد بكل ما دل عليها من قول أو فعل))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((فتصح الوكالة بكل قول يدل على الإذن، فلو قال رجل: يا فلان خذ هذه السيارة بعها ـ مثلًا ـ فإن الوكالة تصح، وإن لم يقل وكلتك في بيعها؛ لأن قوله: «خذها بعها» يدل على هذا، وإن لم يكن فيه لفظ الوكالة.
فالإيجاب وهو اللفظ الصادر من الموكل وهو التوكيل، لا بد فيه من قول وليس له صيغة معينة شرعًا، وفي هذا الباب نص الفقهاء على أن العقود تنعقد بما دل عليها، وهذا هو القول الراجح المتعين.
أما القبول فهو أوسع، فيصح بكل قول أو فعل يدل عليه))اهـ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «وتنعقد»؛ أي: الهبة.
قوله: «بالإيجاب»؛ وهو اللفظ الصادر من الواهب.
قوله: «والقبول»؛ وهو اللفظ الصادر من الموهوب له، فيقول: وهبتك هذا الكتاب، ويقول الثاني: قبلت، فالأول إيجاب والثاني قبول.
قوله: «والمعاطاة الدالة عليها»؛ أيضًا تنعقد بالمعاطاة، أي بدون أن يتلفظ، بشرط أن تكون هذه المعاطاة دالة على الهبة، مثل أن يكون عند شخص وليمة، فأرسل إليه أخوه شاةً ولم يقل شيئًا، فأخذ الشاة وذبحها وقدمها للضِيفان، فتصح الهبة؛ لأن هذا دال عليها؛ لأن المرسل صديقه وأراد أن يساعده، فأرسل إليه الشاة ولم يقل: هبة؛ لأنه يخشى إذا قال: هبة، أن يكون فيها نوع من المنة، ورجل آخر بيده كتاب فرآه صاحبه، فلما رآه ينظر إليه أعطاه إياه بدون أن يقول: وهبتك، وبدون أن يقول ذاك: قبلت، فهذه المعاطاة الظاهر أنها تدل على الهبة، لا سيما إذا كان الواهب ممن عرف بالكرم، وإلا فقد يقال: إن الأصل بقاء ملكه، ولا تصح هذه الهبة؛ لأنه ربما أعطاه إياه من أجل أن ينظر فيه ويستفيد منه، والدليل على انعقادها بالمعاطاة أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يعطي الصدقات ويعطي من الفيء ولا يقول للمعطى: أعطيت، ولا يقول المعطى: قبلت؛ ولأن جميع العقود تنعقد بما دل عليها))اهـ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: ((ولا يصح ممن يحسن العربية بغير لفظ زوجتُ، أو أنكحتُ)).
قوله: «ولا يصح»؛ الضمير إما أن يعود على النكاح، أو على الإيجاب والقبول.
قوله: «ممن يحسن العربية بغير لفظ زوجت أو أنكحت»؛ فإن كان لا يحسن العربية أتى بأي لفظ يفيد هذا المعنى ويصح، ومعلوم أن الناس يختلفون في اللغة؛ لأنه ليس لهم لفظ إلا هذا، سواء كان باللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية أو الروسية؛ ولهذا اشترط المؤلف «ممن يحسن العربية»، فإن كان يحسن أن يقول: زوجت أو أنكحت وهو غير عربي، ولا يدري ما معنى زوجت أو أنكحت، فإنه يقولها بلغته؛ لأنه لا يتعبد بلفظه، بخلاف القرآن الكريم، فلو أراد أحد أن يتلو القرآن الكريم بلغته ولو بالمعنى المطابق قلنا له:، لا؛ لأن القرآن كلام الله، لا يمكن أن يغير، ولأنه يتعبد بتلاوته.
وقوله: «ممن يحسن العربية بغير لفظ زوجت أو أنكحت»؛ فيقول مثلًا: زوجتك بنتي، أو أنكحتك بنتي، فلو قال: جوزتك بنتي، لا يصح على المذهب؛ لأنه يحسن العربية، فلا بد أن يقول: زوجتك بتقديم الزاي.
ولو قال: ملكتك بنتي لا يصح؛ لأنه لا بد أن يكون بلفظ زوجت أو أنكحت.
وما الدليل على أنه لا يصح إلا بهذين اللفظين؟ ليس هناك دليل، لا في القرآن، ولا في السنة أنه لا يصح النكاح إلا بهذا اللفظ، لكن يقولون: لأنهما اللفظان اللذان ورد بهما القرآن، ففي القرآن الكريم: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} [النساء: 3]، {فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها} [الأحزاب: 37]، فاللفظان اللذان ورد بهما القرآن هما النكاح والزواج، فلا نتعداهما، فنقتصر على الألفاظ الواردة؛ وذلك لعظم خطر النكاح، فهو أعظم العقود خطرًا وأشدها تحريًّا.
ولا شك أن هذا التعليل عليل، بل هو ميت.
القول الثاني: أنه يجوز العقد بكل لفظ يدل عليه عرفًا، والدليل من القرآن ومن السنة.
من القرآن أن الله قال: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} [النساء: 3]، فأطلق النكاح، وعلى هذا فكل ما سمي نكاحًا عرفًا فهو نكاح، ولم يقل: فانكحوا ما طاب لكم من النساء بلفظ الإنكاح أو التزويج، ولا قال: {فانكحوهن بإذن أهلهن} بلفظ الإنكاح أو التزويج، فلما أطلق العقد رجعنا في ذلك إلى العرف.
ولو أننا قلنا: إن التعبير بالمعنى معناه التقيد باللفظ لقلنا أيضًا: البيع لا ينعقد إلا بلفظ البيع؛ لأن الله يقول: {وأحل الله البيع} [البقرة: 275]، وكان كل ما ذكره الله بلفظ، قلنا: لا بد فيه من هذا اللفظ، مع أنهم يقولون: إن البيع ينعقد بما دل عليه عرفًا حتى بالمعاطاة.
ومن السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية رضي الله عنها وجعل عتقها صداقها.
فلما رأوا أن هذا دليل قالوا: تستثنى هذه المسألة، فقالوا: لا بد أن يكون بلفظ الإنكاح أو التزويج، إلا إذا أعتق أمته، وجعل عتقها صداقها.
دليل آخر من السنة: قصة المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ملكتكها بما معك من القرآن»، وهذا نص صريح، فأجابوا عنه بأن أكثر الروايات: «زوجتكها بما معك من القرآن»؛ فيقال: كون الرواة ينقلونه بالمعنى «ملكتكها» دليل على أنه لا فرق بين هذا وهذا، ولو كان هناك فرق ما جاز أن يغيروا اللفظ إلى لفظ يخالفه في المعنى؛ لأن شرط جواز رواية الحديث بالمعنى أن يكون اللفظ البدل لا يخالف اللفظ النبوي في المعنى، فدل هذا على أنه بمعناه، وأنه لا فرق عندهم بين هذا وهذا.
ثم نقول: الدليل النظري القياس على جميع العقود أنها تنعقد بما دل عليها، والله تعالى يقول: {ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة: 1]، فما عده الناس عقدا فهو عقد، وعلى هذا القول يصح أن تقول للرجل: جوزتك بنتي، أو ملكتك بنتي، ولكن لا بد أن تكون دلالة اللفظ العرفي دالة على المعنى الشرعي للنكاح، فلو قال: آجرتك بنتي بألف ريال فلا يصح؛ لأن الأجرة لا تستعمل في النكاح إطلاقًا، لكن لو قال: أجرتك بنتي على صداق قدره ألف ريال هنا يصح العقد؛ لأن فيه ما يدل على أن المراد بالأجرة هنا النكاح، وقد سمى الله تعالى المهر أجرة فقال تعالى: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة} [النساء: 24].
فالقاعدة: أن جميع العقود تنعقد بما دل عليها عرفًا، سواء كانت باللفظ الوارد أو بغير اللفظ الوارد، وسواء كان ذلك في النكاح أو في غير النكاح، هذا هو القول الصحيح، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وكون عقد النكاح له خطر قد يقال: إن هذا أولى بأن ينعقد بكل ما دل عليه؛ لأنه لو أن أحدًا قال: جوزتك بنتي، وقال: قبلت، ودخل بها، وأتت منه بأولاد، أو مات، أو ماتت، فكوننا نقول: لا ينعقد مع العلم بأن الطرفين الولي والزوج كليهما يعلم المراد فيه خطر، فالصواب قطعًا أن ينعقد بكل لفظ دل عليه))اهـ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((ثم بين المؤلف صيغة التولية فقال: «فيقول» أي: الإمام، أو من ينيبه الإمام، كوزير العدل ـ مثلا ـ في زمننا هذا: «وليتك الحكم، أو قلدتك، ونحوه»؛ أي: ما يشبهه مما يدل على التولية، فلو قال مثلًا: نصبتك قاضيًا في المكان الفلاني، انعقدت الولاية، ولو قال: جعلتك حاكمًا في البلد الفلاني، كذلك؛ وذلك لأن العبرة بالمعاني لا بالألفاظ، فالألفاظ جعلت قوالب للمعاني، فكل ما دل على المعنى فهو مما تنعقد به العقود، وليس هناك لفظ يُتعبد به، بحيث لا يجزئ الناس إلا العقد به، حتى النكاح على القول الصحيح، فكل لفظ يدل على العقد فإن العقد ينعقد به))اهـ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (8/ 101، 102)، (8/ 106)، (9/ 55)، (9/ 323)، (11، 69)، (12/ 40)، (15/ 262).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (8/ 101، 102).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (9/ 55).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الشرح الممتع)) (9/ 323).
[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((الشرح الممتع)) (11/ 69).
[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((الشرح الممتع)) (12/ 37- 41).
[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) ((الشرح الممتع)) (15/ 262).
أبو محمد ريان الجزائري
2015-11-23, 01:04 PM
جزاكم الله خيرا مشرفنا الغالي على هذه الددر وجعل سعيكم تام النفع منشورا وأجره مدخرا موفورا
ورحم الله إمام الفقه والفتوى في زماننا ابن عثيمين وأعلى درجته في العلماء الربانيين فكم نحن في حاجة إلى أمثاله وخلفه ممن يهضمون مسائل الفقه ويحسنون التفريع والتمثيل وربطها بالقواعد والأصول بشمولية واعتدال وإنصاف ..لا كما كثر الآثاريون الظاهرية الذين لا صلة لهم بفقه الشريعة ومقاصدها وأصولها الكبار ولا يحسنون إلا الوقوف على ظواهر الآثار بل والاعتساف بالاعتناء بها دون نصوص الكتاب والسنة والإجماع الفقهي والأصول الكلية والقواعد الجامعة والمقاصد النافعة ومحاسن الشريعة الضافية ..والحمد لله على كل حال
محمد طه شعبان
2015-11-23, 04:37 PM
وجزاكم مثله أخانا الحبيب أبا محمد الجزائري، ونسأل الله تعالى أن يرزق الأمة أمثال هؤلاء العلماء العظام.
محمد طه شعبان
2015-11-23, 04:38 PM
القاعدة السابعة والثمانون:
((إذا فُقد الشرط فُقد المشروط))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((وهذه المسألة ـ أعني التسمية على الذبيحة ـ اختلف فيها أهل العلم على ثلاثة أقوال:
الأول: أن التسمية ليست بشرط، وإنما هي مستحبة؛ إن سمَّى فهو أفضل وإن لم يسمِّ فالذبيحة حلال، سواء تعمد ذلك أم لم يتعمده، وسواء كان ذاكرًا أو ناسيًا، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله، واستدل بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله عليه أو لم يذكر».
الثاني: أنها شرط ولا تسقط بأي حال من الأحوال، لا سهوًا ولا جهلًا ولا عمدًا مع الذكر، وهذا مذهب أهل الظاهر، وهو رواية عن الإمام أحمد، وعن الإمام مالك رحمهما الله، واختاره جماعة من السلف، من الصحابة والتابعين وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، واستدل هؤلاء بعموم قوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]، وبأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكُلْ»؛ فَشَرط لحل الأكل التسمية، ومعلوم أنه إذا فُقد الشرط فُقد المشروط، فإذا فُقِدت التسمية فإنه يُفقد الحل، كسائر الشروط، فكل الشروط الثبوتية الوجودية لا تسقط بالسهو ولا بالجهل؛ ولهذا لو أن الإنسان صلَّى وهو ناسٍ أن يتوضأ وجبت عليه إعادة الصلاة، وكذلك لو صلى وهو جاهل أنه أحدث بحيث ظن أن الريح لا تنقض الوضوء، أو أن لحم الإبل لا ينقض الوضوء مثلًا، فعليه الإعادة؛ لأن الشرط لا يصحُّ المشروطُ بدونه، وكما لو ذبحها ولم ينهر الدم ناسيًا أو جاهلًا فإنها لا تحل، فكذلك إذا ترك التسمية؛ لأن الحديث واحد: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل»؛ وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو الصحيح.
الثالث: وهو المذهب، أنه إذا تركها ناسيًا حلت الذبيحة، وإن تركها عامدًا ولو جهلًا لم تحل الذبيحة، ففرقوا بين الجهل والنسيان، ودليل هذا حديث: «ذبيحة المسلم حلال وإن لم يذكر اسم الله عليه إذا لم يتعمَّد»؛ كما في الروض.
فإذا قلت: أنت ذكرت الأدلة على أن التسمية لا تسقط لا بالجهل ولا بالنسيان، فبماذا تجيب عن أدلة القائلين بالسقوط؟
الجواب: أن يقال: أدلة القائلين بالسقوط ضعيفة، لا تقوم بها حجة، وما دامت ضعيفة، فإنها لا يمكن أن تعارض القرآن والسنة، والقرآن والسنة قد دلَّا على أن ذلك شرط، وأنها لا تؤكل الذبيحة إذا لم يذكر اسم الله عليها.
فإن قلت: إن القول الذي رجحته يَرِد عليه أمور:
الأمر الأول: قوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]، وهذا الرجل ناسٍ أو مخطئ يعني جاهلًا، فهو غير مؤاخذ.
فالجواب: أننا نقول بذلك، ونقول: إن هذا الذي نسي أن يسمي لا يؤاخذ، وكذلك الجاهل الذي لم يعلم أن التسمية شرط ولم يسمِّ لا يؤاخذ أيضًا، لكنه لا يلزم من انتفاء المؤاخذة صحة العمل، بدليل أنك لو صليت ناسيًا، وأنت مُحْدِث فلا إثم عليك، ولكن صلاتك لا تصح، ولو تعمَّدت الصلاة وأنت محدث لأثمت، حتى إن أبا حنيفة رحمه الله يقول: من صلَّى محدثًا فهو كافر؛ لأنه قد استهزأ بآيات الله.
فنحن نقول: نعم، نحن لا نؤثِّم هذا الذي نسي أو جهل، لكننا لا نأكل ما لم يُذكر اسم الله عليه؛ لأن الله قال: {وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}؛ ولهذا نقول: لو أكل مما لم يذكر اسم الله عليه ناسيًا أو جاهلًا فليس عليه إثم؛ لقوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}.
وبيان ذلك أن ههنا فعلين: فعل الذابح، وفعل الآكل، فهذا الذابح الذي ذبح ولم يسم ناسيًا، ليس عليه إثم، فإذا جاء الآكل ليأكل قلنا: هذه الذبيحة لم يذكر اسم الله عليها، فلا تأكل؛ لأن الله يقول: {وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}، وأطلق، ولم يقل: إلا أن يكون الذابح ناسيًا؛ لكن لو أن رجلًا أكل من هذه الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها وهو لا يدري أو ناسيًا فلا إثم عليه؛ لقوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}...))ا هـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (15/ 81).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (15/ 80- 83).
محمد طه شعبان
2015-11-23, 04:50 PM
القاعدة الثامنة والثمانون:
((الأصل فيما أتلفت البهيمة عدم الضمان))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((فإن قال قائل: ما هو الأصل فيما أتلفت البهيمة من أجل أن نعرف ما خرج عن هذا الأصل، هل الأصل الضمان أو لا؟
قلنا: الأصل فيما أتلفت البهيمة عدم الضمان، والدليل قوله صلّى الله عليه وسلّم: «العجماء جبار»؛ ما لم يكن عدوان من صاحبها أو تفريط، فإن كان عدوان أو تفريط عومل بما يقتضيه ذلك العدوان والتفريط.
فمثلًا الكلب العقور يحرم اقتناؤه كما تقدم، فإذا أتلف شيئًا خارج منزل صاحبه فعليه الضمان، أما الكلب غير العقور إذا أتلف شيئًا خارج منزل صاحبه، ليس فيه ضمان بناءً على القاعدة أن الأصل فيما أتلفت البهيمة عدم الضمان))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (10/ 213).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (10/ 213).
محمد طه شعبان
2015-11-23, 05:32 PM
القاعدة التاسعة والثمانون:
((الأصل فيمن قبض ملك غيره أنه مضمون عليه))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «وإذا قال: أجَّرتك، قال: بل أعرتني، أو بالعكس عقب العقد قُبل قول مدعي الإعارة»؛ إذا قال المالك: أجَّرتك، يعني فأريد منك أجرة، وذاك يقول: بل أعرتني، فليس عليَّ أجرة، يقول: «عقب العقد»؛ يعني إذا كان هذا الخلاف بعد العقد مباشرة، بأن قال مثلًا: أعرني هذا الكتاب فأعاره إياه، وبعد أن أخذه بخمس دقائق قال: إنك أعرتني، فقال له: بل أجَّرتك، فالقول قول مدَّعي الإعارة مع يمينه، وإذا جعلنا القول قول مدعي الإعارة سَهُلَ الأمر؛ لأننا إذا قلنا للمالك: أنت قولك مرفوض، والقول قول مدعي الإعارة، سيقول المالك: ما دام أنها عارية أعطني إياها؛ أما إذا كان بعد مضي مدة لها أجرة، فيقول المؤلف: «وبعد مضي مدة قول المالك بأجرة المثل»؛ قال المالك: آجرتك، قال: بل أعرتني، فالقول قول المالك مع يمينه؛ لأن القاعدة: أن الأصل فيمن قبض ملك غيره أنه مضمون عليه؛ ولأن الأصل أن الإنسان لا يسلطك على ملكه إلا بعوض، والتبرع أمر طارئ))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (10/ 133)، (10/ 136).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (10/ 132، 133).
محمد طه شعبان
2015-11-23, 05:41 PM
القاعدة التسعون:
((إذا تعارض القولان هل الصفة مقيدة أو كاشفة؟ فالأصل أنها مقيدة))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((وقال بعض العلماء: إن العارية لا تضمن إلا بواحد من أمور ثلاثة:
الأول: أن يتعدى.
الثاني: أن يفرط.
الثالث: أن يشترط الضمان.
أما في مسألة التعدي والتفريط فلأنه بتعديه أو تفريطه زال ائتمانه، فصار غير أمين، وأما فيما إذا شرط أن يضمنه فلقوله صلّى الله عليه وسلّم: «المسلمون على شروطهم»؛ وهذا قد التزم بذلك والحديث عام، وهناك دليل خاص بالموضوع وهو أن النبي صلّى الله عليه وسلّم استعار أدرعًا من صفوان بن أمية رضي الله عنه، فقال له صفوان: أغصبًا يا محمد؟! قال: «بل عارية مضمونة»، كلمة «مضمونة» من قال: إن العارية مضمونة بكل حال، قال: إن «مضمونة» صفة كاشفة ليست مقيدة، والصفة الكاشفة لا يخرج مفهومها عن الحكم، فكأنه قال: عارية، وكل عارية مضمونة، والذين قالوا: لا تضمن إلا بشرط، قالوا: إن الصفة «مضمونة» مقيِّدة وليست كاشفة.
وإذا تعارض القولان هل الصفة مقيدة أو كاشفة؟ فالأصل أنها مقيدة؛ لأن الكاشفة لو حُذفت لاستقام الكلام بدونها، والمقيدة لا يتم الكلام إلا بها، والأصل أن المذكور واجب الذكر، وعليه فتكون الصفة هنا مقيدة وهو الصحيح، فتكون دالة على أن العارية تضمن إن شرط ضمانها وإلا فلا))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (10/ 118).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (10/ 117، 118).
محمد طه شعبان
2015-11-23, 05:51 PM
القاعدة الحادية والتسعون:
((فِعْلُ الرسولِ المُجْمَلُ يفسِّرُه قولُهُ المفصَّلُ))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم لا يزيدُ في رمضانَ ولا غيره على إحدى عَشْرَة رَكْعةً، يُصلِّي أربعًا؛ فلا تسألْ عن حُسْنهنَّ وطُولِهنَّ، ثم يُصلِّي أربعًا؛ فلا تسألْ عن حُسْنهنَّ وطُولِهِنَّ، ثم يُصلِّي ثلاثًا»، وهذه الأربع التي كان يُصلِّيها أولًا؛ ثم ثانيًا؛ يُسلِّمُ فيها من ركعتين؛ كما جاء ذلك مفسَّرًّا عنها رضي الله عنها قالت: «كان النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يُصَلِّي في الليل إِحدى عَشْرَة رَكْعة، يُسلِّمُ من كُلِّ رَكعتين»، وبه نعرف أنَّ القائِلَ بأنَّ هذه الإحدى عَشْرة، تُجمعُ الأربعُ فيها في سَلامٍ واحدٍ، والأربعُ في سَلامٍ واحدٍ لم يُصِبْ، ولعلَّه لم يَطَّلعْ على الحديث الذي صَرَّحتْ فيه بأنَّه يُسلِّمُ من كُلِّ رَكعتينِ.
وعلى فَرَضِ أَنَّ عائشةَ لم تُفصِّلْ؛ فإنَّ قولَ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم: «صلاةُ اللَّيلِ مَثْنَى مَثْنَى»؛ يَحْكم على هذه الأربع بأنَّهُ يُسلَّم فيها مِن كُلِّ رَكعتين؛ لأنَّ فِعْلَ الرَّسولِ المُجْمَلَ يفسِّرُه قولُهُ المفصَّلُ))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (4/ 11).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (4/ 11).
محمد طه شعبان
2015-11-23, 06:55 PM
القاعدة الثانية والتسعون:
((من بنى قوله على سبب تبين أنه لم يوجد فلا حكم لقوله))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((من أفطر قبل أن تغرب الشمس إذا تبين أن الشمس لم تغرب، وجب عليه الإمساك، لأنه أفطر بناءً على سبب، ثم تبين عدمه، وهذا يجرنا إلى مسألة مهمة وهي أن من بنى قوله على سبب تبين أنه لم يوجد فلا حكم لقوله، وهذه لها فروع كثيرة من أهمها:
ما يقع لبعض الناس في الطلاق، يقول لزوجته مثلًا: إن دخلت دار فلان فأنت طالق، بناءً على أنه عنده آلات محرمة مثل المعازف أو غيرها، ثم يتبين أنه ليس عنده شيء من ذلك، فهل إذا دخلت تطلق أو لا؟ الجواب: لا تطلق؛ لأنه مبني على سبب تبين عدمه))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (6/ 389).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (6/ 389، 390).
محمد طه شعبان
2015-11-23, 07:21 PM
القاعدة الثالثة والتسعون:
((النهي إن عاد إلى نفس العبادة فهي باطلة))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((النهي إن عاد إلى نفس العبادة فهي حرام وباطلة.
مثاله: لو صام الإنسان يوم العيد فصومه حرام وباطل؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن صوم يوم العيد، ولو أن المرأة صامت وهي حائض لكان صومها حرامًا باطلًا؛ لأنها منهية عنه؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد»؛ أي: مردود، وما نهى عنه فليس عليه أمر الله ورسوله؛ ولأننا لو صححنا العبادة مع النهي عنها لكان في هذا نوع مضادة لأمر الله تعالى))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ رحمه الله: (6/ 525).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (6/ 525).
محمد طه شعبان
2015-11-23, 07:22 PM
القاعدة الرابعة والتسعون:
((النهي إن عاد إلى قول أو فعل يختص بالعبادة فهي باطلة))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((أن يكون النهي عائدًا إلى قول أو فعل يختص بالعبادة، فهذا يبطل العبادة أيضًا.
مثال ذلك: إذا تكلم في الصلاة، ولو بأمر بمعروف، بطلت صلاته.
مثال آخر: الأكل في الصوم، فإذا أكل الصائم فسد صومه؛ لأن النهي عائد إلى فعل يختص بالعبادة الذي هو الصوم.
ومثال ثالث: إذا جامع وهو محرم، فسد إحرامه، والدليل قوله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197].
وإذا حلق رأسه وهو محرم فالنهي هنا عن فعل يختص بالعبادة لقول الله تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]؛ فهل يفسد الإحرام؛ لأن النهي يعود إلى فعل يختص بالعبادة؟
الجواب: إما أن يوجد دليل يخصص هذه المسألة، وإما أن يفسد الإحرام بالحلق.
فالظاهرية ذهبوا إلى فساد الإحرام، وقالوا: إن فعل المحظورات في الإحرام مفسد للإحرام.
وأما حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه، فجوابه أن الله عز وجل أذن لمن كان مريضًا أو به أذى من رأسه، أن يحلق ويفدي، فهذا مأذون له للعذر، ولا يستوي المعذور وغير المعذور، ولما صار معذورًا صار الحلق في حقه حلالًا ليس حرامًا، فإذا فعله في هذه الحال لم يكن فعل محظورًا.
ثم قالوا: ونحن نخاصمكم بالقياس مع أننا لا نقول به، لكن نلزمكم إياه؛ لأنكم تقولون به، لماذا تقولون إنه إذا جامع فسد إحرامه، فأي فرق بين الجماع وبين سائر المحظورات؟!
لكننا نجيبهم بما جاء في القرآن، فالصيد حرام في الإحرام، وقال الله فيه: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا}؛ أي: غير معذور {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95]، ولم يبطل الله الإحرام، فدل هذا على أن الحج والعمرة لهما أحوال خاصة؛ لقوة لزومهما وثبوتهما، فلا يفسدهما المُحَرَّمُ فيهما إلا ما أجمع العلماء عليه، وهو فيما أعلم الجماع، ثم إنه ـ أي المحظور ـ ينجبر بالبدل، ثم إن العذر في المفسد لا يقتضي رفع البطلان، أرأيت الصائم إذا كان مريضًا وأفطر من أجل المرض أفليس يفسد صومه، مع أنه معذور.
فالظاهرية عند سماع حجتهم ينبهر الإنسان بادي الرأي، لكن عند التأمل نجد أن الفقه مع الذين يتبعون الدليل ظاهره وباطنه، ويحملون النصوص الشرعية بعضها على بعض، حتى تتفق، وهم أهل المعاني والآثار))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ رحمه الله: (6/ 525).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (6/ 525- 527).
محمد طه شعبان
2015-11-23, 07:22 PM
القاعدة الخامسة والتسعون:
((إذا كان النهي عاماً في العبادة وغيرها، فإنه لا يبطلها))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((إذا كان النهي عامًا في العبادة وغيرها، فإنه لا يبطلها.
مثاله: الغيبة للصائم حرام، لكن لا تبطل الصيام؛ لأن التحريم عام.
وكذا لو صلى في أرض مغصوبة، فالصلاة صحيحة؛ لأنه لم يرد النهي عن الصلاة فيها، فلو قال: لا تصلوا في أرض مغصوبة فصلى، قلنا لا تصح؛ لأنه نهي عن الصلاة بذاتها.
وكذلك لو توضأ بماء مغصوب، فالوضوء صحيح؛ لأن التحريم عام، فاستعمال الماء المغصوب في الطهارة، وفي غسل الثوب، وفي الشرب، وفي أي شيء حرام.
ولو صلى وهو محدث لا تصح الصلاة؛ لأن هذا تَرْكُ واجبٍ، ووقوع في المنهي عنه لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاة بغير طهور».
وإذا صلى في المقبرة لا تصح صلاته؛ لأن فيها نهيًا خاصًّا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام».
وإذا صلى إلى قبر أي: جعل القبر قبلته لم تصح صلاته؛ لأن النهي عن نفس الصلاة قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا تصلوا إلى القبور))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ رحمه الله: (6/ 527).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (6/ 527، 528).
محمد طه شعبان
2015-11-23, 09:57 PM
القاعدة السادسة والتسعون:
((كل مدفوع لأذاه فلا حرمة له))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((ولا يحرم على المحرم قتل الصائل أي: لو صال عليك غزال وخفت على نفسك ودافعته، وأبى أن ينصرف فقتلته فلا شيء عليك؛ لأنك دفعته لأذاه، وكل مدفوع لأذاه فلا حرمة له، وكل ما أبيح إتلافه لصوله فإنه يدافع بالأسهل فالأسهل، فإذا أمكن دفعه بغير القتل دفع، وإلا قتل.
ومن فروع هذه القاعدة: لو نزلت شعرة بعينه، أي: نبتت في الجفن من الداخل وصارت تؤذي عينه وأزالها بالمنقاش، وقلنا: بأن تحريم إزالة الشعر على المحرم عام لجميع البدن، فإن ذلك لا شيء فيه، وكذا لو انكسر ظفره وصار يؤذيه كلما مسه شيء آلمه، فقص المنكسر، فلا شيء عليه؛ لأنه دفعه لأذاه))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (7/ 146).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (7/ 146، 147).
محمد طه شعبان
2015-11-24, 08:24 AM
القاعدة السابعة والتسعون:
((من قبض الشيء لحظ نفسه لم يُقبل قوله في الرد، ومن قبضه لحظ مالكه قُبل قوله في الرد، ومن قبضه لحظهما جميعاً لم يقبل قوله في الرد))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((يُقبل قول الراهن في رد الرهن، يعني لو ادعى المرتهن أنه رد الرهن إلى الراهن، وقال الراهن: لم ترده، فالقول قول الراهن؛ لأن الأصل عدم الرد، ولأننا اتفقنا على أنه في يدك واختلفنا في انتقاله عن يدك، والأصل بقاء ما كان على ما كان، والرهن الآن بيد المرتهن.
فإذا قال قائل: ألستم تقولون: إن المودَع إذا ادعى رد الوديعة إلى المودِع قُبِل قوله، فلماذا لا تقبلون قول المرتهن في رد الرهن؟ أي: إنسانٌ أعطى شخصًا وديعة وقال: خذ هذه الساعة أمانة عندك، وبعد مدة جاء صاحب الساعة يطلبها، فقال المودَع: إني قد أعطيتكها، فيقبل قول المودَع، وهذا المرتهن لا نقبل قوله؛ لأن المودَع محسن، والله تعالى يقول: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91]، وكثيرًا ما تحصل مثل هذه الأمور بدون إشهاد، فلو أعطاني ماله، وقال: خذ هذا وديعة عندك، فجاء يطلبه فقلت له: لا أعطيك إياه إلا بشهود، فسيقول أنا أعطيتك إياه بلا شهود، فكيف لا تعطيني إياه إلا بشهود؟! فلما كان العرف يقتضي عدم الإشهاد وكان هذا الرجل محسنًا، لم يكن عليه من سبيل، ولدينا قاعدة: أن من قبض الشيء لحظ نفسه كالمستعير لم يُقبل قوله في الرد، ومن قبضه لحظ مالكه كالمودَع قُبل قوله في الرد، ومن قبضه لحظهما جميعًا مثل الرهن والعين المؤجرة لم يقبل قوله في الرد، كمن قبض الشيء لحظ نفسه؛ تغليبًا لجانب الحماية، وعلى هذا فلا يُقبل قول المستأجر في رد العين المؤجرة إلا ببينة.
أما في التلف فكل من كانت بيده العين بإذن من مالكها أو من الشرع فقوله في التلف مقبول، إلا إذا ادعى التلف بسبب ظاهر، فإنه يلزم بإقامة البينة على هذا الظاهر، ثم يقبل قوله في أن هذا المال تلف من جملة ما تلف، وعليه يقبل قولهما ـ أي: المرتهن والمودع جميعًا ـ يعني لو ادعى المرتهن أن الرهن تلف قبل قوله؛ لأنه أمين، وفي نظم القواعد: كل أمين يَدَّعِي الردَّ قُبِل.
وعلى هذا فنقول: إذا ادعى المرتهن أنه رد الرهن إلى الراهن فإننا لا نقبل قوله، فالقول قول الراهن.
وليعلم أن من كان القول قوله فلا بد من اليمين؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اليمين على من أنكر»اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (9/ 168).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (9/ 67- 69).
محمد طه شعبان
2015-11-24, 09:59 AM
القاعدة الثامنة والتسعون:
((الظاهر إذا قَوِي غُلِّب على الأصل))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «ويقبل قول الراهن في قدر الدين»؛ يعني لما حل الدين أتى الراهن بألف ريال، وقال للمرتهن: هذا دينك أعطني الرهن، فقال: الدين ليس بألف ريال، الدين خمسة آلاف ريال، فقال الراهن: بل هو ألف ريال، يقول المؤلف: «يقبل قول الراهن»، وهذا مقيد بما إذا لم يكن للمرتهن بينة، أما إذا كان للمرتهن بينة، فالقول قول من شهدت له البينة، وهي شهدت للمرتهن فيلزمه في المثال خمسة آلاف.
كذلك ـ أيضًا ـ يقبل قول الراهن مع يمينه، فلا بد أن يحلف؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر»، ونحن الآن عندنا طرفان، الطرف الأول الراهن ينكر أن يلزمه خمسة آلاف.
والطرف الثاني المرتهن يدعي أن له خمسة آلاف.
نطبق على الحديث: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر»، فنقول: القول قول الراهن بيمينه، وأما المرتهن فلا نقبل قوله إلا بالبينة.
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لا فرق بين أن يكون الدَّيْن الذي ادعاه الراهن قريبًا من قيمة الرهن أو بعيدًا.
فلو رهنه سيارة بدَين، ولما حل الدين جاء الراهن إلى المرتهن بمئة ريال، فقال المرتهن: الدين خمسة آلاف ريال، فقال: لا، بل مئة ريال، فهنا عندنا أصل وعندنا ظاهر.
فالأصل عدم ثبوت ما ادعاه المرتهن؛ لأن الراهن ينكره، فيقول: أبدًا لا يلزمني إلا مئة ريال.
والظاهر ثبوت ما ادعاه المرتهن في هذه الصورة؛ إذ لم تجر العادة أن شخصًا يرهن سيارة تساوي خمسين الفًا بمئة ريال، فإذا كان هناك ظاهر وأصل، فكلام المؤلف ظاهره ما ذكرناه من أنه لا فرق بين أن يكون الدين الذي ادعاه الراهن قريبًا من قيمة الرهن أو بعيدًا، لكن إذا أردنا أن نطبقها على قواعد الشريعة، فإننا نقدم الأقوى من الظاهر أو الأصل، ولهذا لو ثبت ببينة أخذنا بما قالت البينة، ولو كان الراهن قد ادعى أقل.
وعلى هذا نقول: إن الظاهر يكذب قول الراهن، فيكون الأصل مع المرتهن.
وفي المسألة قول ثالث: أن القول قول المرتهن مطلقًا لكنه ضعيف، فالقول بأن القول قول الراهن مطلقًا ضعيف، والقول بأنه قول المرتهن مطلقًا ـ أيضًا ـ ضعيف، والصواب في ذلك التفصيل وأن القول قول من يشهد العرف له؛ لأن الظاهر إذا قوي غُلِّب على الأصل، فإذا وجدت قرينة قوية تدل على رجحان من ادعى الظاهر غلب على الأصل كما سبق.
ولكن يبقى النظر إذا ادعى المرتهن أن الدين خمسون ألفًا بناءً على أن قيمة السيارة تساوي خمسين ألفًا، ولكن لما رأى أنه غير مقبول قال: إذًا الدَّين أربعون ألفًا، فهل في هذه الحال نقول: إن رهن سيارة قيمتها خمسون ألفًا، قريب من أن يكون الدين أربعين ألفًا، فنقبل قوله لما رجع، أو نقول: إن هذا الرجل كاذب فلا يقبل قوله؟
الجواب: الظاهر الثاني هو الأولى، وعليه فنقول: يكون الدين ما ادعاه الراهن.
وعلى هذا فالقاعدة: متى ادعى أحدهما ما يخالف الظاهر مخالفة بينة فإننا لا نقبله))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (9/ 166).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (9/ 164- 166).
محمد طه شعبان
2015-11-24, 10:39 AM
القاعدة التاسعة والتسعون:
((كل عقد محرم فإنه لا يترتب عليه آثاره))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((لو استأجر امرأة ليزني بها فالإجارة باطلة وغير صحيحة وحرام؛ لقوله تعالى: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «مهر البغي خبيث»، فلا تبيح الإجارة الزنا، وليست شبهة ـ أيضًا ـ في إسقاط الحد كما زعمه بعض العلماء، فبعض العلماء قال: إذا أراد أن يزني بامرأة وخاف أن يقام عليه الحد فليستأجرها، لكن لا شك أن هذا القول من أبطل الأقوال، ولا تحل المرأة بذلك، وهنا قاعدة يجب أن تعلم وهي: «كل عقد محرم فإنه لا يترتب عليه آثاره»؛ فمثلًا البيع الفاسد لا يملك المشتري السلعةَ ولا البائعُ الثمنَ، وكذلك لو استأجر امرأة يزني بها فإنه لا يستبيح بذلك فرجها؛ لأن الإجارة فاسدة، ولأن الزنا محرم بالنص والإجماع))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (10/ 17).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (10/ 16، 17).
محمد طه شعبان
2015-11-24, 11:09 AM
القاعدة المئة:
((كل عقد يكون متردداً بين الغنم والغرم فهو باطل))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «فلا تصح إجارة الآبق»؛ يعني: العبد الآبق، وهو الذي هرب من سيده، ولا يدري عنه سيده شيئًا، فهذا لا تصح إجارته؛ لأنه غير مقدور على تسليمه، وحينئذٍ إما أن يستطيع المستأجر استلامه وإما أن لا يستطيع، فإن استطاع أن يتسلمه صار غانمًا وإن لم يستطع صار غارمًا؛ لأن العبد الآبق لا يمكن أن تكون أجرته كأجرة العبد الحاضر؛ فسوف تنزل أجرته ويعتبر المستأجر نفسه مخاطرًا، فإذا قدرنا أن هذا العبد يؤجر في اليوم بخمسين ريالًا لو كان حاضرًا، فإذا كان آبقًا سيؤجر في اليوم بخمسة ريالات أو عشرة ريالات، وحينئذٍ إن وجده فهو غانم ـ أي: المستأجر ـ وإن لم يجده فهو غارم، والقاعدة الشرعية: أن كل عقد يكون متردداً بين الغنم والغرم فهو باطل؛ لأنه ميسر، ويدخل ـ أيضًا ـ في ضمن نهيه صلّى الله عليه وسلّم عن بيع الغرر.
قوله: «والشارد»؛ يعني الجمل الشارد، مثل إنسان له جمل شارد هارب، فجاء شخص يستأجره منه، فقال: أنا أريد أن أستأجر منك الجمل شهرًا بكذا وكذا ابتداؤه من اليوم، إما أن أجده اليوم وإما أن لا أجده إلا بعد عشرة أيام وإما أن لا أجده أبدًا، نقول: هذه إجارة فاسدة باطلة؛ وذلك لعدم القدرة على التسليم، والعجز عن التسليم يقتضي أن يكون المستأجر غانمًا أو غارمًا))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (10/ 34).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (10/ 33، 34).
محمد طه شعبان
2015-11-24, 12:18 PM
القاعدة الحادية بعد المئة:
((لا بد من ذكر كل ما يختلف به القصد واستيفاء المنفعة))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((وإن استأجرها لعمل، كدابة لركوب إلى موضع معين؛ أو بقر لحرث، أو دياس زرع، أو من يدله على طريق، اشتُرط معرفة ذلك وضبطه بما لا يختلف.
قوله: «وإن استأجرها»؛ أي: «العين».
قوله: «لعملٍ كدابة لركوب إلى موضع معين، أو بقر لحرث أو دياس زرع، أو من يدله على طريق اشترط معرفة ذلك وضبطه بما لا يختلف»؛ أفادنا المؤلف بهذا أنه يجوز أن تستأجر العين لعمل، يعني يستأجر عينا ليعمل بها، كسيارة ليسافر بها إلى مكة، وكـ «مُوَلِّد» لتوليد كهرباء لمدة معينة، وكـ «محرك» لاستخراج الماء لمدة معينة، وما أشبه ذلك، كل هذا جائز؛ لأنه ليس فيه احتكار على الناس، لكن يقول المؤلف: لا بد على من استأجر الدابة لركوب أن يكون إلى موضع معين معلوم، فإن قال: استأجرت منك هذه الدابة لأطلب عليها ضالتي التي ضاعت مني فالإجارة لا تصح؛ لأنها مجهولة؛ لأننا لا ندري أيجدها قريبًا أم بعيدًا، فلا بد أن يكون إلى موضع معين، إذا قال: استأجرت منك هذا البعير إلى بلد ما، فلا يصح للجهالة، أو استأجرت منك هذا البعير إلى بلد معين لكن صاحب البعير لا يدري أين هذا البلد فلا يصح أيضًا؛ لأنه لا بد من علم المؤجر والمستأجر.
وهل يشترط أن يعلم الطريق أَسَهْلٌ هو أم وَعِرٌ، آمن أم خائف؟ نعم؛ لأنه يختلف به القصد؛ فمثلًا إذا استأجر بعيرًا إلى بلد والطريق آمن ميسر، فليس كما لو استأجرها إلى بلد طريقه خائف وغير ميسر، فبينهما فرق عظيم، فالمهم أنه لا بد أن يعرف كل ما تختلف به الأجرة.
إذا استأجرها لحمل ليس لركوب فلا بد أن يعين المحمول؛ لأنه يختلف؛ مثلًا: هناك فرق بين أن يكون الحمل من القطن أو من الإسفنج وبين أن يكون من الرصاص فأيهما أشد؟ كل منهما أشد من الآخر فالإسفنج يكون كبيرًا فيتعب البعير؛ لأنه سوف يستقبل الهواء، والهواء يعوق البعير ويتعبه، لكنه بالنسبة إلى ظهر البعير أيسر، والرصاص بالنسبة للهواء لا يضره، لكن بالنسبة لثقله على الظهر، ربما يجرحه؛ لذلك لا بد أن يعين نوع المحمول؛ لأن ذلك يختلف.
فصار لا بد أن يعين نوع المحمول والبلد وأن يعرف الطريق، ولو قال: استأجرت منك البعير لركوب رجل عليها إلى المدينة؛ فإنه يحتاج أن يعين الرجل؛ لأن من الركاب من هو خفيف على الدابة، لو تحرك عليها اشتدت به وصارت هملاجة، ومن الناس من لا تهتم به البعير، ثم يوجعها ضربًا وهي لا تمشي، ولهذا فالركاب الذين يعرفون الركوب سواء على الإبل أو على الخيل، يختلفون اختلافًا عظيمًا، وسوف يأتي ـ إن شاء الله ـ في المسابقة أنه لا بد من تعيين الراكب؛ لأن الناس يختلفون.
ثم هناك فرق بين أن يكون الراكب كبير الجسم أو صغير الجسم، إذًا لا بد من تعيين الراكب، والقاعدة: أنه لا بد من ذكر كل ما يختلف به القصد واستيفاء المنفعة؛ ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن بيع الغرر، والإجارة بيع منافع، وعلى هذا فلا بد أن لا يكون في هذه المنفعة شيء من الغرر.
وقوله: «أو بقر لحرث»؛ فيما سبق الحرث يكون على البقر؛ تجتمع عدة بقرات وتسير سيرًا واحدًا، ثم ترجع باتجاه آخر حتى تلين الأرض.
فإذا استأجر البقر للحرث، فلا بد أن تعرف الأرض؛ لاختلافها في الشدة والليونة، وفي الرطوبة واليبوسة، ولا بد أن تعرف المساحة طولًا وعرضًا، حتى يمكن استيفاء المنفعة على وجه معلوم لا نزاع فيه.
وقوله: «أو دياس زرع»؛ الزرع الآن يداس بالآليات، آلات تخلص الحب من جرابه ومن ساقه، لكن فيما سبق يجمع الحب بجرابه وساقه ثم تأتي البقر وتدوسه حتى ينقى الحب، فإذا استأجرها لدياس فلا بد من معرفة القدر أو معرفة الزمن؛ فإن معرفة الزمن تكفي عن معرفة القدر؛ لأن الزمن محدد بالساعات والدياس لا يختلف، غاية ما هنالك أن البقر تدور حتى تدق السنبلة.
لو استأجر بقرًا لسقي، يعني لتغرف الماء من البئر وتسقي به الزرع، فإنه يجوز، لكن لا بد من معرفة الغرب الذي يسقى به؛ لأن الغرب الكبير يشق عليها أكثر، فلا بد من معرفته حتى لا يحصل خلاف.
وقوله: «أو من يدله على طريق»؛ يعني لو استأجر من يدله على طريق فلا بد من معرفة هذا الطريق، ولهذا قال: «اشترط معرفة ذلك وضبطه بما لا يختلف».
فالطرق فيما سبق غير معبدة ويضل الناس فيها كثيرًا ويهلكون كثيرًا فيحتاجون إلى أدلاء، فإذا استأجر من يدله على الطريق كان ذلك جائزًا، وقد وقع هذا للنبي صلى الله عليه وسلم في هجرته من مكة إلى المدينة، حيث استأجر رجلا يقال له: عبد الله بن أريقط وكان جيدًا في الدلالة ماهرًا خِرِّيتًا، وكان مشركا فدلهم على الطريق، فيجوز أن أستأجر شخصًا يدلني على الطريق لكن لا بد من ضبطه بما لا يختلف، فإذا كان البلد له طريقان فلا بد أن أقول: تدلني مع الطريق الفلاني، أُعَيِّنُه؛ لأنه قد يكون الإنسان له غرض في الطريق البعيد ليزور ما فيه من القرى أو ما أشبه ذلك))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (10/ 49).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (10/ 48- 51).
محمد طه شعبان
2015-11-24, 05:22 PM
القاعدة الثانية بعد المئة:
((كل عمل لا يقع إلا قربة فلا يصح عقد الإجارة عليه، وما كان نفعه متعدياً من القرب صح عقد الإجارة عليه))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «ولا تصح على عمل يختص أن يكون فاعله من أهل القربة»؛ هذه العبارة تداولها العلماء رحمهم الله وتلقوها ناشئًا عن سابق، ومعنى هذه العبارة أن كل عمل لا يقع إلا قربة فإنه لا يصح أن يؤخذ عليه أجرة؛ ووجه ذلك أن ما كان لا يقع إلا قربة فإنه لا يجوز للإنسان أن يعتاض عن ثواب الآخرة شيئًا من ثواب الدنيا، قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ *أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *} [هود: 15، 16] فحذَّر الله عز وجل أن يريد الإنسان بعبادته شيئًا من الدنيا، وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ *} [الشورى: 20]؛ فما كان لا يقع إلا قربة فإنه لا يصح أن تؤخذ الأجرة عليه.
مثال ذلك: الصلاة، لو قال رجل لابنه: صلِّ يا بُنيَّ، فقال الابن: لا أصلي إلا كل فرض بعشرة ريالات، ليستحق كل يوم خمسين ريالًا، فاستأجره، على أن يعطيه كل فرض عشرة ريالات فالأجرة هذه لا تصح؛ لأن الصلاة لا تقع إلا قربة.
وكذلك الأذان: لو أن إنسانًا قيل له: أذِّن، فقال: ليس عندي مانع ولكن كل أذان بخمسة ريالات، فإنه لا يصح، ولو قيل لشخص: اقرأ القرآن ليكون ثوابه للميت، فقال: لا بأس، لكن لا أقرأ إلا الجزء بعشرة ريالات، فهذا لا يصح.
فكل شيء لا يقع إلا قربة فإنه لا يصح أن يقع عليه عقد الإجارة؛ والتعليل: لأن هذا عمل يُقصد به ثواب الآخرة ولا ينبغي أن يكون عمل الآخرة يراد به عمل الدنيا، ولهذا قال شيخ الإسلام فيمن حج ليأخذ: ((ليس له في الآخرة من خلاق)) أي: ليس له نصيب، وأما من أخذ ليحج فقال: لا بأس به؛ لأنه استعان بالمال على طاعة الله، والاستعانة بالمال على طاعة الله أمر جائز ولا بأس به.
سئل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل قيل له: أقم بنا في رمضان، يعني صَلِّ بنا القيام، فقال: لا أصلي بكم إلا بكذا وكذا، فقال الإمام أحمد رحمه الله: نعوذ بالله ومن يصلي خلف هذا؟! وهذا من الإمام أحمد يدل على أنه أبطل عبادته وبناءً على بطلان عبادته لا تصح الصلاة خلفه، وقد استعاذ الإمام أحمد رحمه الله من هذا الشرط، ولكن ما يقع قربة بالقصد وينتفع به الغير فلا بأس أن يأخذ الإنسان عليه أجرة من أجل نفع الغير، كالتعليم، إنسان قال لآخر: أريد أن تعلمني باب شروط الصلاة، فقال: ليس عندي مانع، لكن بشرط أن تعطيني أجرة، فنقول: هذا لا بأس به؛ لأن العوض هنا ليس عن التعبد بالعمل ولكن عن انتفاع الغير به.
لو أن شخصًا طُلب منه أن يعلم آخر سورة البقرة فقال: لا أعلمه إلا بأجرة فإنه يجوز؛ لأن هذا للتعليم لا للتلاوة، وفرق بين أن يكون للتعليم الذي يتعدى نفعه للغير وبين التلاوة.
ولو أن إنسانًا قال لمريض: أنا لا أرقيك إلا بأجرة، وهو يريد أن يرقيه بالقرآن، فهذا يجوز؛ ولهذا لما بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم سرية، فنزلوا على قوم ضيوفًا، فأبى القوم أن يضيفوهم، بعث الله على سيدهم عقربًا فلدغته ـ وكانت والله أعلم شديدة ـ فطلبوا من يعالجه، قالوا: لعل هؤلاء القوم فيهم من يرقي، يعنون بذلك الصحابة رضي الله عنهم الذين تنحوا عنهم لمَّا لم يضيفوهم، فجاؤوا إلى الصحابة رضي الله عنهم وقالوا: إن سيدهم قد لُدغ، فهل منكم من راقٍ؟ قالوا: نعم، منا من يرقيه، ولكن لا نرقيه إلا بطائفة من الغنم؛ لأنكم ما أكرمتمونا، ولا ضيفتمونا، فقالوا: لا بأس، فقرأ عليه القارئ، فقام كأنما نشط من عقال بإذن الله، ولم يقرأ عليه إلا سورة الفاتحة فقط، التي يقرأها بعض الناس اليوم ألف مرة ولا يستفيد المريض، فقرأ عليه سورة الفاتحة وبرأ بإذن الله، فأعطوهم الطائفة من الغنم ولكن أشكل عليهم الأمر، فقالوا: لا نأكل حتى نسأل النبي صلّى الله عليه وسلّم فلما قدموا المدينة وأخبروا الرسول صلّى الله عليه وسلّم بهذا قال: «نعم: كلوا واضربوا لي معكم بسهم»، فأفتاهم بالقول وبالفعل من أجل أن تطمئن قلوبهم، وإلا فالفتوى القولية تكفي، وهو صلّى الله عليه وسلّم لا يسأل أحدًا؛ لكنه سأل هذا لمصلحتهم لا لمصلحته هو، فهو ليس بحاجة ولا ضرورة إلى لحمهم، لكنه فعل ذلك لمصلحتهم لتطيب قلوبهم قال: «خذوا واضربوا لي معكم بسهم؛ فإن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله»؛ فدل هذا على أنه لا بأس إذا كانت العبادة ذات نفع متعدٍّ، وأراد الإنسان النفع المتعدي فلا بأس أن يأخذ عليه أجرًا، ولو كانت من جنس الأشياء التي لا تقع إلا قربة؛ لأن هذا القارئ ما قصد التعبد لله بالقراءة بل قصد نفع الغير، إما التعليم أو الاستشفاء أو غير ذلك فهذا لا بأس به.
أشكل على بعض الإخوة المستقيمين ما يأخذه بعض الناس على الأذان والإقامة والتدريس والدعوة، وقالوا: إن هذا نقص وخلل في التوحيد؛ لأن هذا الذي يأخذ المكافأة لا شك أنه يجنح إليها، يعني ليس أخذها وعدمه عنده سواء، وأكثر الناس على هذا، بل ربما بعض الناس يصرِّح يقول: أنا أريد أن أكون إمامًا لأني أريد أن أتزوج، أو لأني تزوجت وأحتاج إلى نفقة.
فيقول بعض الناس: إن هذا شرك؛ لأنه أراد بهذا العمل الصالح الدنيا، فيقال لهؤلاء: هذا الذي تأخذونه ليس أجرة، ولكنه حق تستحقونه من بيت المال، وغاية ما عند الحكومة أن توزع بيت المال على المستحقين؛ فمثلًا: هذا مدرس فله ما يليق بعمله، وهذا مؤذن فله ما يليق بعمله، وهذا إمام فله ما يليق بعمله، وهذا داعية فله ما يليق بعمله، وهكذا، يعني ليس من الحكومة في هذا إلا التوزيع والتنظيم، أما أنت فلك حق، وكل من عمل عملًا متعديًا في المسلمين فله حق من بيت المال على حسب نتيجة هذا العمل وثمرته، وحتى من لم يعمل له حق من بيت المال، كالفقراء واليتامى ومن أشبههم، على كل حال هذه المسألة اشتبهت على بعض المستقيمين ولهذا يسألون عنها كثيرًا، حتى إن بعضهم يكون أهلًا للإمامة تمامًا، قارئًا وفقيهًا ولا يرغب؛ لأنه سوف يعطى مكافأة من بيت المال، فنقول: الحمد الله، أنت الآن لست مستأجرًا ولكنك مستحق لهذا العمل الصالح ونفع المسلمين، فليس عليك أي بأس، فينبغي إذا أورد أحد هذا الإشكال أن يبيَّن له.
بقي علينا الحج، هل يجوز الاستئجار على الحج، مثل أن يستأجر شخصًا ليحج عنه أو لا؟
نقول: أولًا: إذا كان الحج فريضة والمستأجر قادر، فالإجارة لا تصح؛ لأن هذا يجب عليه أن يؤدي الفرض بنفسه؛ لأنه قادر بدنيًا وماليًا، وإذا كان عاجزًا عجزًا لا يرجى زواله وحجه فريضة، قد سبق لنا في الوكالة أنه يجوز أن ينيب عنه، واستدللنا لذلك بحديث الخثعمية التي قالت: إن أبي أدركته فريضة الله على عباده بالحج شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة،أفأحج عنه؟ فأذن لها، فهل تجوز الأجرة على ذلك أو نقول: اتفق مع الذي أراد أن ينيبك، ولا تبحث عن المقدار سواء أعطاك عشرة أو ألفًا؟
أما إذا كان الحج نفلًا فقد سبق لنا في الوكالة ـ أيضًا ـ أنه إن كان مريضًا مرضًا لا يُرجى برؤه، فإنه يمكن أن يقال بالجواز قياسًا على الفريضة، وإن كان صحيح البدن قويًّا، فالذي نرى أنه لا يصح؛ لأن العبادات مطلوب من الإنسان أن يشعر بأنه عابد لله ذليل، لا أن يعطي دراهم لشخص ويحج عنه، هل قال الذي أنابه: لبيك اللهم لبيك؟! لم يقل، هل طاف بالبيت أو سعى بين الصفا والمروة؟! هل وقف بعرفة؟! فأين الحج؟! كيف نقول: إن هذا حاج؟! وكيف نقول: إن له أجر الحج؟!
ولهذا قلنا: إن مثل هذا ينبغي أن يُعِينَ من يؤدي الحج عن نفسه أفضل له من أن يقول: حج عني، على كل حال، في الحال التي يجوز فيها أن يستنيب أحدًا في الحج، هل يجوز أن يعقد عقد إجارة على هذه النيابة أو لا؟ المذهب لا يجوِّزون هذا ويقولون: الإجارة على الحج حرام؛ لأن الحج عبادة بدنية لا تقع إلا قربة، ليس كتعليم الفقه والحديث وما أشبه ذلك، فلا يجوز، وفيه وجه أنه يجوز عقد الإجارة على الحج، وعمل الناس الآن على الثاني ولا يسع الناس إلا هذا، يعني لو قلنا: بأن الإجارة حرام وسددنا باب النيابة نهائيًا، من يُوفَّق فيقول: أنا أريد أن أقضي حاجة أخي وأقوم عنه بالحج وما أعطاني فأنا راضٍ به؟! هذا نادر أن يكون.
وقال بعض العلماء: إن ذلك جائز للحاجة فقط، وأما مع عدم الحاجة فلا يجوز، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وجعل المدار على حاجة المستَأجَر ـ الذي أجر نفسه ـ إن كان محتاجًا جاز أخذ الأجرة، وإلا فلا.
وهل يجوز إعطاء الجائزة عليه؟ نعم يجوز، ولهذا يجوز أن تعطي من يحفظ عشرة أجزاء من القرآن ـ مثلًا ـ كذا وكذا ولا مانع.
والقاعدة: أن كل عمل لا يقع إلا قربة فلا يصح عقد الإجارة عليه، وما كان نفعه متعديًا من القرب صح عقد الإجارة عليه، بشرط أن يكون العاقد لا يريد التعبد لله تعالى بهذه القربة، وإنما يريد نفع الغير الذي استأجره لاستيفاء هذه المنفعة))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (10/ 53)، (10/ 58).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (10/ 52- 58).
محمد طه شعبان
2015-11-25, 12:30 PM
القاعدة الثالثة بعد المئة:
((كل ما أمر الشارع بقتله، أو نهى عن قتله، حرام أكله))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((وهنا قاعدة للحية، والفأرة، وشبهها، ينبغي أن نجعلها بدل قاعدة المؤلف: «الاستخباث»، وهي: أن كل ما أمر الشارع بقتله، أو نهى عن قتله، فهو حرام.
أما ما نهى عن قتله فالأمر فيه ظاهر أنه حرام؛ لأنك لو قتلته وقعت فيما نهى عنه الشارع، وأمَّا ما أمر بقتله فلأنه مؤذٍ معتدٍ.
فالذي أمر بقتله مثل قوله صلّى الله عليه وسلّم: «خمس من الدواب كلهن فواسق، يُقتلن في الحل والحرم: الغراب، والحدأة، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور»، والحية أيضًا أمر بقتلها، والوزغ أمر بقتله.
والذي نهي عن قتله أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصُّرَد، والصرد طائر صغير مثل العصفور، له مِنْقَارٌ أحمر، قال بعضهم: إنه ما يُعرَف عند العامة بالصبري))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (15/ 26).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (15/ 25، 26).
محمد طه شعبان
2015-11-25, 12:55 PM
القاعدة الرابعة بعد المئة:
((الإيثار بالواجب حرام، والإيثار بالمستحب مكروه، والإيثار بالمباح مطلوب، والإيثار بالمحرم حرام))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((وما دمنا في الإيثار فإنه ينبغي أن نتكلم عليه فنقول: الإيثار أقسام هي:
1 ـ الإيثار بالواجب: حرام.
2 ـ الإيثار بالمستحب: مكروه.
3 ـ الإيثار بالمباح: مطلوب.
4 ـ الإيثار بالمحرم: حرام على المؤثِر والمؤثَر.
مثال الإيثار بالواجب: رجل عنده ماء لا يكفي إلا لوضوء رجل واحد، وهو يحتاج إلى وضوء، وصاحبه يحتاج إلى وضوء، فهنا لا يجوز أن يؤثره بالماء ويتيمم هو؛ لأن استعمال الماء واجب عليه وهو قادر، ولا يمكن أن يسقط عن نفسه الواجب من أجل أن يؤثر غيره به.
مثال آخر: لو كان شخص في مفازة، ومعه صاحب له، وأتاهما العدو وسلب ثيابهما ولم يبق إلا ثوب واحد، فهنا لا يجوز أن يؤثر صاحبه به، لكن هذه المسألة ليست كالأولى؛ لأنه من الممكن أن يصلي به أولًا، ثم يعطيه صاحبه.
ومثال الإيثار بالمستحب: الإيثار بالمكان الفاضل كما لو آثر غيره بالصف الأول فهذا غايته أن نقول: إنه مكروه، أو خلاف الأولى.
ومثال الإيثار بالمباح: أن يؤثر شخصًا بطعام يشتهيه وليس مضطرًا إليه، وهذا محمود؛ لأن الله مدح الأنصار رضي الله عنهم بقوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} ))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((إذا اضطر إلى مال الغير، فإن صاحب المال إن كان مضطرًا إليه فهو أحق به.
مثاله: رجل معه خبزة وهو جائع وصاحبه جائع، وليس معه خبز، فالصاحب محتاج إلى عين مال الغير، لكن الغير ـ أيضًا ـ محتاج إليه، ففي هذه الحال لا يحل للصاحب أن يأخذ مال الغير؛ لأن صاحبه أحق به منه، ولكن هل يجوز لصاحبه أن يؤثره أو لا؟
الجواب: المذهب أن الإيثار في هذه الحال لا يجوز، وقد سبق لنا قاعدة في ذلك، وهي أن الإيثار بالواجب غير جائز، ومن أمثلتها في باب التيمم إذا كان الإنسان ليس معه من الماء إلا ما يكفي لطهارته، ومعه آخر يحتاج إلى ماءٍ فلا يعطيه إياه والثاني يتيمَّم؛ لأن هذا إيثار بالواجب، والإيثار بالواجب حرام.
وعلى هذا فإذا كان صاحب الطعام محتاجًا إليه، يعني مضطرًا إليه كضرورة الصاحب فإنه لا يجوز أن يؤثر به الصاحب؛ لأن هذا يجب عليه أن ينقذ نفسه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ابدأ بنفسك»، فلا يجوز أن يؤثر غيره؛ لوجوب إنقاذ نفسه من الهلكة قبل إنقاذ غيره، هذا هو المشهور من المذهب.
وذهب ابن القيم رحمه الله إلى أنه يجوز في هذه الحال أن يؤثر غيره بماله، ولكن المذهب في هذا أصح، وأنه لا يجوز، اللهم إلا إذا اقتضت المصلحة العامة للمسلمين أن يؤثره، فقد نقول: إن هذا لا بأس به، مثل لو كان هذا الصاحب المحتاج رجلًا يُنتفع به في الجهاد في سبيل الله، أو رجلًا عالمًا ينفع الناس بعلمه، وصاحب الماء المالك له، أو صاحب الطعام رجل من عامة المسلمين، فهنا قد نقول: إنه في هذه الحال مراعاة للمصلحة العامة له أن يؤثره، وأما مع عدم المصلحة العامة فلا شك أنه يجب على الإنسان أن يختص بهذا الطعام الذي لا يمكن أن ينقذ به نفسه، وصاحبه.
وإذا كان طعام الإنسان كثيرًا وَوَجَدَ مضطرًا إليه فإنه يجب أن يبذله له وجوبًا.
فالخلاصة: أنه إذا اضطر إلى عين مال الغير، فإن كان الغير مضطرًا إليه فهو أحق به، ولا يؤثر غيره به، وإذا كان غير مضطر إليه وجب أن يبذله لهذا المضطر وجوبًا))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (5/ 100).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (5/ 100، 101).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (15/ 40، 41).
محمد طه شعبان
2015-11-25, 02:13 PM
القاعدة الخامسة بعد المئة:
((لا يلزم من ترك المستحب الوقوع في المكروه))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «ويُكْرَهُ دُخولُهُ بشيء فيه ذِكْرُ الله تعالى»؛ الضمير في قوله: «دُخولُه» يعود إلى «قاضي الحاجة»، ويُحتمل أن يعود إلى «الخلاء».
والمُراد بذكر الله هنا «اسم الله» لا الذِّكر المعروف؛ لأنهم استدلُّوا بحديث أنس رضي الله عنه أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان إِذا دخل الخلاء وضع خَاتَمه؛ لأنه كان منقوشًا فيه: «محمَّدٌ رسولُ الله»، وهذه ليست من الذِّكر المعروف، فيقتضي أن كُلَّ ما فيه اسمُ الله يُكرَه دُخولُ الخلاء به.
والحديث معلول، وفيه مقال كثير؛ ومن صحَّح الحديث أو حسَّنه قال بالكراهة، ومن قال: إِنه لا يصحُّ؛ قال بعدم الكراهة، لكن الأفضل أن لا يدخُلَ.
وفرق بين قولنا: الأفضل، والقول: إِنه مكروه، لأنَّه لا يلزم من ترك الأفضل الوقوع في المكروه))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((وقوله: «سُنَّ له قصر رباعية»؛ أفادنا المؤلف أن القصر سُنَّة، وهذا موضع خلاف، فعلى ما قال المؤلف إن القصر سُنَّة لو أتم لم يأثم، ولا يوصف بأن عمله مكروه؛ لأنه لا يلزم من ترك السُّنَّة الوقوع في المكروه؛ ولهذا لو أن الإِنسان لم يرفع يديه في الصلاة عند الركوع لم يفعل مكروهًا.
وهذه قاعدة: أنه لا يلزم من ترك المستحب الوقوع في المكروه.
وقال بعض أهل العلم: إن الإِتمام مكروه؛ لأن ذلك خلاف هدي النبي صلّى الله عليه وسلّم المستمر الدائم فإن الرسول صلّى الله عليه وسلّم ما أتم أبدًا في سفر وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، وهذا القول اختيار شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو قول قوي، بل لعله أقوى الأقوال))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وقال الشيخ رحمه الله في معرض كلامه عن مسألة الجمع بين الأموات في قبر واحد: ((وذهب بعض أهل العلم إلى كراهة دفن أكثر من اثنين كراهة تنزيه.
وعللوا: بأن مجرد الفعل لا يدل على التحريم: أي: مجرد كون المسلمين يدفنون كل جنازة وحدها لا يدل على تحريم دفن أكثر من واحدة، وإنما يدل على كراهة مخالفة عمل المسلمين.
وذهب آخرون: إلى أن إفراد كل ميت في قبره أفضل، والجمع ليس بمكروه ولا محرم.
ولا يلزم من ترك السُّنَّة والأفضل أن يقع الإنسان في المكروه؛ لأن المكروه منهي عنه حقيقة، وترك الأفضل ليس بمنهي عنه.
ولهذا لو أن الإنسان ترك راتبة الظهر مثلًا لا نقول: إنه فعل مكروهًا، ولو أنه لم يرفع يديه عند الركوع لا نقول: إنه فعل مكروهًا.
والراجح عندي ـ والله أعلم ـ القول الوسط، وهو الكراهة كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، إلا إذا كان الأول قد دفن واستقر في قبره، فإنه أحق به، وحينئذٍ فلا يُدخل عليه ثان، اللهم إلا للضرورة القصوى))اهـ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «وأن يوجهه إلى غير القبلة»؛ يعني يوجه الحيوان إلى غير القبلة، ولكن لو فعل فلا بأس، والذبيحة حلال، ولم يذكر الفقهاء رحمهم الله دليلًا على ذلك، وغاية ما فيه ما ذُكِرَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حين وجَّه أضحيته، قال: «بسم الله والله أكبر»، فقوله: «حين وجه أضحيته»؛ يعني وجَّهها إلى القبلة، وهذا يدل على أن التوجيه سُنَّة، ولا يلزم من ترك السُّنَّة الكراهة كما ذكره أهل العلم؛ لأنه لو لزم من ترك السنة الكراهة، لكان كل إنسان يترك مسنونًا يكون قد فعل مكروهًا، وليس كذلك، وإنما الكراهة حكم إيجابي لا بد له من دليل.
ثم إنه قد يقول قائل: إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم وجَّه أضحيته؛ لأنه ذبح عبادة، وليس ذبح عادة، ومعلوم أن العبادة لها من الخصائص ما ليس للعادة، فلو أن أحدًا قال: أنا أطالبكم بالدليل على استحباب توجيه الذبيحة إلى القبلة إذا لم تكن من الذبائح المشروعة، مثل الأضحية، والهدي، والعقيقة، والنذر لكان له وجه.
لكن نقول: هذا فعل واحد، فمن فرق فيه بين العبادة والعادة فعليه الدليل، وإذا ثبت أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم وجَّهها فليكن هذا هو المشروع، إنما القول بالكراهة يحتاج إلى دليل، ولا أعلم للفقهاء رحمهم الله في هذه المسألة دليلًا))اهـ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (1/ 114)، (4/ 358)، (5/ 368)، (15/ 94).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (1/ 113، 114).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (4/ 358).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الشرح الممتع)) (5/ 368، 369).
[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((الشرح الممتع)) (15/ 94، 95).
محمد طه شعبان
2015-11-25, 02:41 PM
القاعدة السادسة بعد المئة:
((التخيير إذا كان المقصود به التيسير على المكلف فهو تخيير إرادة وتشهٍّ، وإذا كان المقصود به مراعاة المصلحة فهو تخيير مصلحة))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((يخير من لزمته كفارة يمين بين إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو عتق رقبة.
قوله: «يخير»؛ أي: يفعل ما يشاء، أو خير الأمرين، وهل هو تخيير إرادة وتشهٍّ، أو هو تخيير مصلحة؟ فيه تفصيل: إذا كان المقصود به التيسير على المكلف فهو تخيير إرادة وتشه، وإذا كان المقصود به مراعاة المصلحة فهو تخيير مصلحة.
خَيَّر الله عز وجل الحانث في يمينه بين أمور، فهل هو للمصلحة أو للتيسير والتسهيل؟
الجواب: للتيسير والتسهيل؛ بدليل قوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام} الآية، فإذا كان للتيسير والتسهيل فأنا أفعل ما هو أسهل وأيسر لي.
وقال تعالى في فدية الأذى: {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} [البقرة: 196]، فهذا تخيير تشه وإرادة، حتى لو كانت المصلحة في ذبح الشاة فلا يلزمه ذلك، والأمر موكول إليه.
وقوله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض} [المائدة: 33]؛ فهذا التخيير تخيير مصلحة على القول بأن الآية للتخيير، وبعض العلماء يقول: الآية للتنويع، لكن على القول بأنها للتخيير، فهو تخيير مصلحة، يعني يتبع في ذلك ما هو أصلح وأردع.
وإذا قيل لولي اليتيم: أنت بالخيار بين أن تقرض ماله، أو تدفعه مضاربة، أو تحفظه عندك، فالتخيير هنا مصلحة، والدليل قوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} [الأنعام: 152]؛ فالقاعدة أنه إذا خير الإنسان بين شيئين، أو أشياء، فإن كان المقصود بالتخيير التيسير فالتخيير تشه وإرادة، وإذا كان المقصود المصلحة فهو تخيير مصلحة، بناء على قاعدة أن كل من خير بين شيئين وهو متصرف لغيره، فتخييره مصلحة، وليس تخيير تشهٍّ))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (15/ 156).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (15/ 156، 157).
محمد طه شعبان
2015-11-26, 11:45 AM
القاعدة السابعة بعد المئة:
((اليمين تكون في جانب أقوى المُدَّعيين))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((فإذا لم يكن لك بينة وأنكر المدعى عليه نقول: إن لك اليمين على خصمك على صفة جوابه، لا على ما ادعيت؛ فمثلًا إذا قال: أدعي بمئة، وقال الخصم: إنه لا يستحق عليَّ إلا خمسين فكيف يحلف؟ يقول: والله لا يستحق عليَّ إلا خمسين، ولا حاجة إلى أن يقول: والله لا يطلبني مئةً؛ لأنه ما يُلزم باليمين إلا على صفة ما أجاب به، فيُحلَّف على صفة ما أجاب به، والدليل قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر»، والتعليل أن اليمين في الخصومات تكون في جانب أقوى المتداعيين، وهنا لدينا مدعٍ ومدعى عليه، وجانب المدعى عليه أقوى؛ لأن الأصل معه، فالأصل عدم ثبوت ما ادعى به المدعي، إذًا ترجح جانب المدعى عليه لكون الأصل معه، فكانت اليمين في حقه لا في حق المدعي.
وهذه القاعدة لها فروع تؤيدها، فمثلًا: إذا ادعى شخص بشيء على آخر، وأتى بشاهد وحلف مع الشاهد، حُكم له بذلك؛ لأن الشاهد الواحد لا يكفي لكن يقوى جانبه به، فتشرع اليمين في حقه، فإذا حلف حُكم له.
في باب القسامة جانب المدعي أقوى من جانب المدعى عليه.
كذلك ـ أيضًا ـ لو ادعت المرأة بعد أن فارقها زوجها أن الثياب التي في الغرفة لها، وهي ثياب امرأة، وقال الزوج: بل هي لي، فهنا جانب المرأة أقوى، فتأخذ ذلك بيمينها.
ومثله ـ أيضًا ـ رجل أصلع، يركض وراء رجل هارب، وعليه غترة وبيده غترة، والأصلع يقول: هذه غترتي، فالأصلع مدعٍ، فتكون الغترة له بيمينه؛ لأن جانبه أقوى))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «رجلان أو رجل وامرأتان أو رجل ويمين المدعي»؛ ثلاثة أنواع من البَيِّنَاتِ: رجلان، أو رجل وامرأتان، أو رجل ويمين المدعي، والدليل قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُو شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]، أما رجل ويمين المدعي فلحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قضى النبي صلّى الله عليه وسلّم بالشاهد ويمين المدعي، وحكم الرسول صلّى الله عليه وسلّم حكم ودليل؛ لأنه مشرِّع صلّى الله عليه وسلّم.
وهل يُقدَّم الشاهد أو تُقدَّم اليمين؟ يقدم الشاهد فنقول للمدعي: أحضر الشاهد، فإذا شهد نقول: احلف، فلو حلف قبل إحضار الشاهد لم يجزئ، وإنما كان الأمر كذلك؛ لأنه إذا أتى بشاهد فنصاب الشهادة لم يتم، لكن ترجح جانب المدعي بإحضار هذا الشاهد، ولما ترجح جانبه صارت اليمين في جانبه؛ لأن اليمين إنما تشرع في جانب أقوى المتداعيين، ولهذا سبق في القسامة أن اليمين تكون في جانب المدعي؛ لأن معه قرينة ظاهرة تدل على صدقه، فهذه ثلاثة أنواع من البينات كلها تثبت الدعوى في المال.
ولننظر أمثلة المؤلف:
البيع: ادعى شخص أن فلانًا باع عليه سيارته وأنكر فلان أنه باع، نقول للمدعي: هات البينة، وهي رجلان، أو رجل وامرأتان، أو رجل ويمين المدعي، فإن أتى برجلين يشهدان على وقوع البيع يحكم له بذلك، أو أتى برجل وامرأتين يحكم له بذلك.
فإذا قال قائل: كيف تشهد المرأتان؟ كيف تتكلم المرأة عند القاضي؟ فالجواب: تتكلم عند القاضي؛ لأن صوتها ليس بعورة.
فإذا لم يأتِ لا برجلين، ولا برجل وامرأتين، لكن أتى برجل واحد، وقال: ما عندي غير هذا الرجل، نقول: يحتاج هذا الرجل إلى تقوية وهي اليمين، دعه يشهد وأنت تقوي شهادته بيمينك؛ لأن اليمين ـ كما قررنا سابقًا ـ تكون في جانب أقوى المتداعيين، والمدعي الآن جانبه صار أقوى من المنكر؛ لأن المنكر ليس معه إلا الأصل وهو عدم البيع، لكن المدعي صار معه شاهد، والشاهد أقوى من الأصل، فلما قوي جانبه بالشاهد قلنا له: احلف، ولهذا لو حلف قبل إقامة الشاهد ما نفع، فلا بد أن يأتي أولًا بالشاهد ويشهد ثم يحلف.
وسبق لنا منها أمثلة: كرجل هارب بيده غترة وعلى رأسه غترة، وآخر يلحقه يرفع صوته وليس على رأسه شيء، يقول: أعطني غترتي، فهنا الظاهر مع المدعي فيحلف مع القرينة الظاهرة، أو تنازع الرجل والمرأة في أواني البيت، فقال الرجل: الدلال لي، وقالت المرأة: بل هي لي، فالظاهر مع الرجل، فهو صاحب الدلال، لكن لو تنازع في أمر يحتمل أن يكون مما تأتي به النساء، ومما يأتي به الرجال، كالفرش فأحيانًا يحضرها الرجل، وأحيانًا تحضرها المرأة، تحب أن يكون مجلسها أمام النساء جيدًا وطيبًا، فإذا تنازع الرجل والمرأة فيها، فهنا إذا كان يغلب على الظن أنها للمرأة تحلف وتأخذه))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (14/ 389)، (15/ 319)، (15/ 451).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (15/ 318، 319).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (15/ 451- 454).
محمد طه شعبان
2015-11-26, 12:19 PM
القاعدة الثامنة بعد المئة:
((تصرف الوكيل مبني على إذن الموكل))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((وقوله: «ووكيله كهو»؛ عُلِم منه أنه يصح التوكيل في الطلاق وهو كذلك؛ لأن ما جاز أن يصح التوكيل في عقده جاز أن يصح التوكيل في فسخه، ولأنه تصرف لا يتعلق بالشخص نفسه، فليس عملًا بدنيًا لا بد أن يقوم به الشخص نفسه، فيجوز للزوج أن يوكل شخصًا في طلاق زوجته، فيقول له: وكلتك أن تطلق زوجتي، ولكن لا بد أن يعيِّنَها إذا كان له أكثر من زوجة.
ويشترط في الفرع ما يشترط في الأصل؛ فمثلًا لا يملك الوكيل أن يطلق الزوجة وهي حائض، حتى لو علمنا أن زوجها لم يأتها لمدة سنوات؛ لأن الوكيل فرع عن الزوج، والزوج لا يجوز أن يطلق امرأته وهي حائض فكذلك الوكيل، ولهذا قال: «ووكيله كهو»، لكن يختلف عن الزوج في أنه محدد.
(ويُطَلِّقُ وَاحِدَةً وَمَتَى شَاءَ، إِلاَّ أَنْ يُعَيِّنَ لَهُ وَقْتًا وَعَدَدًا).
قوله: «ويطلق واحدة»؛ يعني أنه يتقيد بما قيده به، فإن أطلق فما له إلا واحدة فقط، فلا يُطلِّق أكثر.
مثال ذلك: قال زيد لعمرو: وكلتك في طلاق زوجتي، فذهب الوكيل وقال لها: أنت طالق ثلاثًا فما تطلق؛ لأنه تصرف تصرفًا غير مأذون فيه، ولأنه لم يقل له: طلق ثلاثًا، والوكالة مطلقة، فلا يملك إلا أقل ما يقع عليه اسم الطلاق وهو واحدة.
قوله: «ومتى شاء، إلا أن يعين له وقتًا وعددًا»؛ أي: يطلق متى شاء، اليوم أو غدًا، أو بعد غدٍ أو بعد شهر، أو بعد شهرين، لكن بشرط ألا يكون في حيض أو في طهر جامع فيه الزوج؛ وذلك لأن الزوج لا يملك ذلك وهو الأصل، فالفرع كذلك لا يملك، فيطلق متى شاء إلا إذا قال: لا تطلقها إلا في هذا الشهر، أو أنت وكيلي في طلاق امرأتي في هذا الشهر، فإنه لا يطلق إذا خرج الوقت.
فلو قال: أنت وكيلي في طلاق زوجتي في عشر ذي الحجة، فطَلَّقَها في آخر ذي القعدة، فما يقع؛ لأنه حدد له الوقت، ولو قال: أنت وكيلي في طلاق امرأتي في شهر محرم، فطلقها في شهر ربيع، فما يقع؛ وذلك لأن تصرف الوكيل مبني على إذن الموكل، وإذا كان مبنيًّا على إذن الموكل تقيد بما أذن له فيه؛ وهذه قاعدة مهمة في كل الوكالات، سواء في الطلاق أو النكاح أو البيع أو الشراء أو التأجير أو غير ذلك))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (13/ 32).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (13/ 31، 32).
محمد طه شعبان
2015-11-26, 05:10 PM
القاعدة التاسعة بعد المئة:
((الأصل بقاء ما كان على ما كان))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((يُقبل قول الراهن في رد الرهن؛ يعني لو ادعى المرتهن أنه رد الرهن إلى الراهن، وقال الراهن: لم ترده، فالقول قول الراهن؛ لأن الأصل عدم الرد، ولأننا اتفقنا على أنه في يدك واختلفنا في انتقاله عن يدك، والأصل بقاء ما كان على ما كان، والرهن الآن بيد المرتهن))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((والشك في الطلاق لا عبرة به؛ لأن الأصل بقاء النكاح، ودليل ذلك حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه في الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحًا»؛ فالأصل بقاء طهارته إلا بدليل؛ لأنه كان في الأول متيقنًا للطهارة ثم شك في الحدث، والشك لا يزيل اليقين، وهذا الدليل هو الأصل في هذا الباب.
أما التعليل: فإن الأصل بقاء ما كان على ما كان، وعدم التغير، وأن الأمور باقية على ما هي عليه، ولهذا قال الله عزّ وجل: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 6]؛ لأنك لو لم تشهد لزمك المال؛ لأن الأصل بقاؤه عندك وعدم دفعه، فعندنا أصل من السنة، وقاعدتان فقهيَّتان، وهما: «الأصل بقاء ما كان على ما كان»، فما دام النكاح موجودًا فالأصل بقاؤه، والثانية: «أن اليقين لا يزول إلا بيقين».
بناء على هذا يقول المؤلف: «من شك في طلاق أو شرطه لم يلزمه»؛ شك في طلاق، يعني قال: ما أدري، هل طلقت زوجتي أو لا؟ فلا يلزمه الطلاق، والدليل ما سبق))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (9/ 167)، (9/ 169)، (9/ 170)، (13/ 354)، (15/ 465)، (15/ 466).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (9/ 167).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (13/ 170، 171).
محمد طه شعبان
2015-11-26, 05:25 PM
القاعدة العاشرة بعد المئة:
((لا تتم الأشياء إلا بوجود شروطها وانتفاء موانعها))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله: ((المؤلف رحمه الله لما ذكر شروط صحة البيع ذكر بعد ذلك موانع البيع، وإنما صنع ذلك؛ لأن الأشياء لا تتم إلا باجتماع الشروط وانتفاء الموانع؛ لأنه إذا تمت الشروط ولم تنتف الموانع لم تصح العبادة ولا المعاملة، وكذلك لو عدمت الموانع ولم تتم الشروط لا تصح، أرأيت الرجل يكون أبًا للإنسان أو ابنًا له فإنه يرث؛ ولكن إذا وجد فيه مانع من موانع الإرث لم يرث؛ لأنه لا يتم الشيء إلا بوجود شروطه، وانتفاء موانعه، وهذه القاعدة نافعة في باب الأحكام وفي باب الأخبار))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((وتصح الحوالة بتمام الشروط وانتفاء الموانع؛ لأن كل شيء من عبادة أو معاملة لا يصح إلا باجتماع شروطه وانتفاء موانعه))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((واعلم أن من حكمة الشرع أن جميع العبادات والمعاملات لا بد فيها من شروط؛ لأجل أن تتحد الأمور وتنضبط وتتضح، ولولا هذه الشروط لكانت هذه الأمور فوضى، كُلٌّ يتزوج على ما شاء، وكُلٌّ يبيع على ما شاء، وكُلٌّ يصلي كيف شاء، لكن هذه الشروط التي جعلها الله تعالى في العبادات، وفي المعاملات هي من الحكمة العظيمة البالغة؛ لأجل ضبط الشريعة وضبط العقود، كما أنه لا بد من انتفاء الموانع، ولذلك من القواعد المشهورة: أن الشيء لا يتم إلا بوجود شروطه، وانتفاء موانعه))اهـ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (6/ 14)، (6/ 252)، (8/ 185)، (9/ 216)، (12/ 48).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (8/ 185).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (9/ 215، 216).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الشرح الممتع)) (12/ 48).
محمد طه شعبان
2015-11-26, 06:01 PM
القاعدة الحادية عشرة بعد المئة:
((المنطوق مقدم على المفهوم))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله ((وأما حديث القُلَّتين فقد اختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه؛ فمن قال: إِنه ضعيف فلا معارضة بينه وبين حديث: «إن الماء طَهُور لا ينجِّسه شيء»؛ لأن الضَّعيف لا تقوم به حُجَّة.
وعلى القول بأنه صحيح فيقال: إِن له منطوقًا ومفهومًا؛ فمنطوقه: إذا بلغ الماء قُلتين لم ينجس، وليس هذا على عمومه؛ لأنه يُستثنى منه إِذا تغير بالنَّجاسة فإِنه يكون نجسًا بالإِجماع.
ومفهومه أن ما دون القُلّتين ينجس، فيقال: ينجس إِذا تغيَّر بالنَّجاسة؛ لأن منطوق حديث: «إن الماء طهور لا يُنَجِّسُه شيء» مقدَّم على هذا المفهوم، إِذ إِنَّ المفهوم يصدق بصورة واحدة، وهي هنا صادقة فيما إِذا تغيَّر))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله وهو يتكلم عن شروط التحريم من الرضاع: ((أن يكون الرضاع خمس رضعات فأكثر، هذا هو القول الراجح، لحديث عائشة رضي الله عنها الذي رواه مسلم، «أنه كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات»، فإذا نقص عن خمس فلا أثر له، ولا تقل: ما الفرق بين الرابعة والسادسة مثلًا، أو الخامسة؟ لأن هذا حكم الله عز وجل، فيجب التسليم له، كما أننا لا نقول: لماذا كانت الظهر أربعًا، ولم تكن خمسًا أو ستًّا؟ فهذه مسائل توقيفية.
وقيل: إنه يثبت التحريم بالثلاث لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان»، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ولا المصَّة ولا المصَّتان».
فنقول: إن دلالة حديث عائشة بالمنطوق أن الثلاث لا تحرم، ونحن نقول به؛ لأننا إذا قلنا: إن الأربع لا تحرم، فالثلاث من باب أولى، لكن مفهوم هذا الحديث أن الثلاث تحرم، إلا أن هناك منطوقًا، وهو أن المحرِّم خمس رضعات، والقاعدة عند أهل العلم أن المنطوق مقدم على المفهوم))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((وقال بعض العلماء: المحرم ثلاث رضعات، واستدلوا بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحرم المصَّة ولا المصَّتان»، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان»، قالوا: فمنطوق الحديث أن الثِّنْتَيْنِ لا تؤثر، ومفهوم العدد أن ما زاد عليهما محرِّم، ونحن نرى أن الشارع اعتبر العدد الثلاث في مواضع كثيرة مثل الطلاق، والوضوء ثلاث، وصيام ثلاث من كل شهر، والاستئذان، وغيره، بخلاف الخمس فليس لها أصل.
ولكن الجواب عن هذا أن يقال: دلالة تأثير الثلاث بالمفهوم، ودلالة أن لا يؤثر إلا الخمس بالمنطوق، ودلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم))اهـ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (1/ 42)، (6/ 100)، (12/ 113)، (13/ 430).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (1/ 42).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (12/ 112، 113).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الشرح الممتع)) (13/ 429، 430).
محمد طه شعبان
2015-11-27, 07:12 AM
القاعدة الثانية عشرة بعد المئة:
((الدفع أهون من الرفع))([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))
قال الشيخ رحمه الله ((قوله: «ومتى عَلِمَتِ العيبَ أو حدث به لم يجبرها وليها على الفسخ»؛ الولي يمنع من عقد النكاح، ولا يمنع من استدامته؛ لأن الاستدامة أقوى من الابتداء، يعني له أن يمنعها من أن تتزوج بالمجنون، والمجذوم، والأبرص ابتداءً، لكن لو لم يعلم إلا بعد العقد فليس له أن يرفعه، فلا يجبرها على الفسخ، وهذا فرد من أفراد قاعدة مرت علينا أن الدفع أهون من الرفع، وكذلك لو لم تعلم بالعيب إلا بعد العقد، ووجدت أن الزوج أبرص بعدما تم العقد فإن وليها لا يجبرها على الفسخ، لكن لها الفسخ، وكذلك إذا حدث العيب بعد العقد ـ مثلًا ـ حصل له جَبٌّ، أو جنون، أو جذام، فإن وليها لا يجبرها على الفسخ؛ لأن الحق محض لها، ولأن العقد قد تم ولا يرفع إلا بسبب شرعي، وهذا عندهم، ليس من الأسباب الشرعية))اهـ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «إذا شرطت طلاق ضَرَّتِها»؛ «إذا» شرطية، والجواب في قوله: «صح» فإذا شرطت طلاق ضرتها فإن الشرط صحيح والعقد صحيح.
مثال ذلك: خطب رجل من شخص ابنته، فقال: لا بأس لكن بشرط أن تطلق زوجتك، نقول: هذا الشرط صحيح؛ لأن الزوجة التي شرطت أن يطلق ضرتها لها مقصود في ذلك، وهو أن تنفرد به، وهذا مقصود للنساء بلا شك، وكل يعرف أن النساء يحببن أن ينفرد الزوج بهن، فيكون هذا مقصودًا صحيحًا.
لكن هذا القول ضعيف؛ لأن هذا القياس في مقابلة النص، والنظر في مقابلة الأثر عمًى وليس بنظر؛ لأن كل شيء يخالف النص فهو باطل، يخالف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسأل المرأة طلاق أختها» فأتى بالإخوة التي تستوجب عدم الاعتداء على حقها، ثم علل فقال: «لتكفأ ما في صحفتها»؛ يعني فإن هذا الشرط موجب لقطع رزقها من هذا الزوج الذي ينفق عليها، وهذا أدنى ما يوجبه، وإلا فالرسول صلّى الله عليه وسلّم ذكر الأدنى ليُستدل به على الأعلى، ففراق زوجها لها فراق العشرة، وإن كانت ذات أولاد ففراق أولاد، وتشتتهم، وهذا أعظم، فالرسول صلى الله عليه وسلم نبه بأدنى المفاسد على أعلاها.
فإذا قلنا بجوازه، فمعنى ذلك أننا خالفنا النص، وأبحنا للمرأة أن تشترطه، إذًا هذا الشرط يدخل في الشروط الفاسدة لا في الشروط الصحيحة؛ لمخالفته للنص.
وقولهم: إن لها في ذلك غرضًا مقصودًا، نقول: صحيح لكن فيه اعتداء على غيرها ممن هي أمكن منها بزوجها، فيكون هذا النظر الذي قالوه مقابَلًا بأثر ونظر، فلو تزوجها على هذا الشرط، ثم دخل بها وأمسك الأولى فليس لها أن تطالبه بطلاقها؛ لأن الشرط الفاسد كأن لم يكن.
قوله: «أو أن لا يتسرى أو لا يتزوج عليها»؛ الفرق بين التسري والتزوج، أن التسري الوطء بملك اليمين، والتزوج عقد النكاح، فإذا اشترطت امرأة أن لا يتسرى عليها زوجها، فقبل فإن هذا يجوز؛ لأن حق الأمة لم يوجد بعد، فلم تعتدِ على أحد، أو اشترطت أن لا يتزوج عليها فإن هذا يجوز.
وقال بعض العلماء: إنه لا يجوز؛ لأنه حجر على الزوج فيما أباح الله له، فهو مخالف للقرآن: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]، فيقال في الجواب على ذلك: هي لها غرض في عدم زواجه، ولم تعتدِ على أحد، والزوج هو الذي أسقط حقه، فإذا كان له الحق في أن يتزوج أكثر من واحدة وأسقطه، فما المانع من صحة هذا الشرط؟! ولهذا فالصحيح في هذه المسألة ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله من أن ذلك شرط صحيح.
فإذا قيل: ما الفرق بين هذه المسألة والمسألة الأولى؟
فالجواب: أن الفرق بينهما ظاهر؛ لأنه في الأول الرجل متزوج، وهنا لم يتزوج، فليس في هذه المسألة الأخيرة عدوان على أحد؛ ولهذا يقال: إن الدفع أهون من الرفع، وهي قاعدة معروفة من قواعد الفقه، والاستدامة أقوى من الابتداء، ثم إن الوفاء به ـ أيضًا ـ هو الموافق للمروءة والأخلاق؛ لأنه ليس من كريم الخلق أن تتزوج امرأة على أنك لا تتزوج عليها، ثم إذا أزلت بكارتها وصارت كاسدة بين الناس تذهب وتتزوج عليها!!))اهـ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وقال السيوطي رحمه الله: ((ولهذا الماء المستعمل إذا بلغ قلتين في عَوْده طهورًا، وجهان.
ولو استعمل القلتين ابتداء لم يصر مستعملًا، بلا خلاف.
والفرق أن الكثرة في الابتداء دافعة، وفي الأثناء رافعة؛ والدفع أقوى من الرفع.
ومن ذلك: للزوج منع زوجته من حج الفرض، ولو شرعت فيه بغير إذنه، ففي جواز تحليلها قولان.
ووجود الماء قبل الصلاة للمتيمم، يمنع الدخول فيها، وفي أثنائها لا يبطلها؛ حيث تسقط به.
واختلاف الدين المانع من النكاح يدفعه ابتداء، ولا يرفعه في الأثناء، بل يوقف على انقضاء العدة.
والفسق يمنع انعقاد الإمامة ابتداء، ولو عرض في الأثناء لم ينعزل))اهـ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ: (12/ 167)، (12/ 234).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الشرح الممتع)) (12/ 234، 235).
[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((الشرح الممتع)) (12/ 165- 167).
[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الأشباه والنظائر)) (138).
أبو أيوب الحنبلي
2016-08-03, 03:37 PM
هل بالامكان جمعها في ملف pdf بارك الله فيك ؟
لكي نطبعها و نستفيد منها باذن الله
أبوعبدالله عبدالرحمن
2016-09-09, 10:29 PM
القاعدة الثالثة: ((كُلُّ حلال طاهر([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
قال الشيخ رحمه الله: ((السَّمك وغيره من حيوان البحر بدون استثناء، فإن ميتته طاهرة حلال لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96]([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) (1/ 94).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) (1/ 94).
بارك الله فيكم أبا يوسف وهل يدخل فيه البرمائيات ؟
أبوعبدالله عبدالرحمن
2016-09-09, 11:41 PM
القاعدة السادسة: ((قَطْعُ نيَّةِ العبادة بعد فعلها لا يؤثِّر([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ذكرها الشيخ رحمه الله: (1/ 206).
هل ها عام أبا يوسف في الفرض والنفل ؟
لأن للشيخ قاعدة : سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "فتاوى الصيام" (ص 452) :
عن امرأة كانت صائمة قضاء ، ونزل عندها ضيوف ومن باب المجاملة أفطرت فهل هذا جائز ؟
فأجاب :
هذا القضاء إذا كان قضاء عن واجب كقضاء رمضان ، فإنه لا يجوز لأحد أن يفطر إلا لضرورة ، وأما فطره لنزول الضيف به فإنه حرام ، ولا يجوز ، لأن القاعدة الشرعية : "أن كل من شرع في واجب فإنه يجب عليه إتمامه إلا لعذر شرعي" .
وأما إذا كان قضاء نفل فإنه لا يلزمها أن تتمه ، لأنه ليس بواجب اهـ .
محمد طه شعبان
2016-09-10, 06:37 AM
ولكن هذه قطعتها أثناء فعلها وليس بعد فعلها.
أبوعبدالله عبدالرحمن
2016-09-10, 07:01 AM
لم أفهم
محمد طه شعبان
2016-09-10, 10:19 AM
لم أفهم
المقصود من كلام العلامة ابن عثيمين: أن مَنْ قطع نيته بعد الانتهاء منها، فإنه لا يؤثر عليها.
وأما المثال الذي ذكرته أنت فهذه المرأة قطعت نيتها أثناء العبادة، وليس بعد انقضائها.
أبوعبدالله عبدالرحمن
2016-09-11, 04:19 AM
تمام إذن المراد أن العبادة إذا فرغ منها لم يعد يؤثر فيها قطع النية ( سؤالي هذه بدهية أني أصلي مثلا فإذا فرغت من صلاتي تم الفراغ من العبودية بها فلا تلزم النية حينئذ .
وللتوضيح : هل تستمر النية بعد الفراغ من العبادة ؟ أنا فرغت من صلاة الظهر أين النية التي أقطعها ولا يوجد داعي للنية أصلا فقد فات محلها ؟
أبوعبدالله عبدالرحمن
2016-09-11, 04:19 AM
د/عبد القادر عبدالقادر داودي :
القاعدة الأولى :
الاستثناء معيار العموم يمكن أن يفهم منه أن دخول الاستثناء على لفظ دليل على عموم ذلك اللفظ وأنه يستغرق ما يصلح دخوله فيه من أفراد.
ويدل من جهة ثانية على بقاء العموم في غير المستثنى، وهذا ينبغي أن يكون من جهة الألفاظ لا من جهة الأحكام، فقوله:( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام )يدل على خروج المقبرة والحمام من مسمى المسجد (موضع الصلاة) ويدل على أن لفظ المسجد عام يضم أفرادا كثيرة بدليل جواز الاستثناء منه، ولكن هل يدل على أن كل ما عدا الحمام والمقبرة يصلح للصلاة بحكم العموم؟؟؟ هذا فيه نظر فمن جهة العموم اللفظي نعم، أما من جهة الأحكام فلا لإمكان وجود مخصصات أخرى لفظية أو عرفية أو شرعية .....وقد وجدت هنا كالمجزرة أو المرحاض أو المكان المغصوب وووو وهذه المسألة قريبة في مناطها من قولهم: ذكر بعض أفراد العموم لا يدل على تخصيص الحكم بها. والله أعلم
أبوعبدالله عبدالرحمن
2016-09-11, 04:20 AM
د/ عبد القادر عبدالقادر داودي :
القاعدة الرابعة :
(كل نجس حرام) الحرمة قد تتعلق بالاستعمال كالأكل واللبس، وقد تتعلق بالاستعمال إما أن يتعلق بالآدمي أو غير الآدمي كالحيوان أو الجماد وغيرهما، الآدمي مسلم وغير مسلم.والأمر مختلف في الحكم بين هذه المتعلقات فما يحرم على المسلم استعماله لا يلزم حرمته على غير المسلم -أعني أن يبيعه منه المسلم- وكذلك لا يقال بحرمة النجاسات من الجيف وغيرها إذا كانت لغرض إطعامها الحيوانات غير المأكولة اللحم كالسباع والضواري.....وهكذ ما تعلق بالجماد كاستعمال الزبل والعذرة لغرض تسميد الأرض....
وقد تتعلق بالتملك والاتخاذ لا بالاستعمال وهنا الأمر أوسع إذ قد تتملك شيئا نجسا لا لغرض استعماله أو ملابسته . والله أعلم
أبوعبدالله عبدالرحمن
2016-09-16, 04:22 AM
قلت أبو عبدالله :القاعدة الثانية عشرة:(ب)
كلُّ ذكر لله يُشرع له الوُضُوء.
قال الشيخ رحمه الله: ((وصَحَّ عن عبد الله بنِ عُمَر رضي الله عنه أنه كان يَسْجُدُ للتِّلاوة بلا وُضُوء؛ ولا رَيْبَ أنَّ الأفضل أن يتوضَّأ، ولا سيَّما أن القارئ سوف يَتْلُو القرآن، وتِلاوَةُ القرآن يُشْرَعُ لها الوُضُوء، لأنها مِنْ ذِكْرِ الله، وكلُّ ذكر لله يُشرع له الوُضُوء.
أمَّا اشتراط الطَّهارة لِسُجُودِ الشُّكر فَضَعيف؛ لأنَّ سَبَبَهُ تَجدُّد النِّعَمِ، أو تجدُّد اندفاع النِّقَمِ، وهذا قد يَقَعُ للإِنسان وهو مُحْدِث.
فإن قلنا: لا تَسْجُدُ حتّى تَتَوَضَّأ؛ فرُبَّما يطول الفصل، والحُكْمُ المعلَّق بِسَبَبٍ إِذا تأخَّرَ عن سببه سقط، وحينئذٍ إِمّا أن يُقال: اسْجُدْ على غير وُضُوء، أو لا تسجد، لأنه قد لا يَجِدُ الإِنسانُ ماءً يتوضَّأ منه سريعاً ثمَّ يَسْجُد([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
أبوعبدالله عبدالرحمن
2016-09-17, 04:01 AM
القاعدة الثانية عشرة: ((الحُكْمُ المعلَّق بِسَبَبٍ إِذا تأخَّرَ عن سببه سقط([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
ممكن عدة أمثلة لهذه القاعدة لتتضح أكثر ؟
أبوعبدالله عبدالرحمن
2016-09-20, 12:18 PM
القاعدة الثالثة عشرة: ((إِذا وُجِدَ الاحتمالُ بَطَلَ الاستدلالُ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
قال الشيخ رحمه الله: ((ويَحْرُمُ على المحدِثِ مسُّ المُصْحَفِ والدَّليل على ذلك:
1- قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الواقعة: 77- 80 ].
وجه الدَّلالة: أنَّ الضَّمير في قوله: {لَا يَمَسُّهُ} يعود على القرآن؛ لأن الآيات سِيقت للتَّحدُّث عنه بدليل قوله: {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، والمنزَّل هو هذا القرآن، والمُطَهَّر: هو الذي أتى بالوُضُوء والغُسُل من الجنابة، بدليل قوله: {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ } [المائدة: 6].
وقال داود الظَّاهري وبعض أهل العلم: "لا يحرم على المُحْدِثِ أن يَمَسَّ المصحف".
واستدلُّوا: بأن الأصل براءةُ الذِّمة، فلا نُؤَثِّم عباد الله بفعل شيء لم يَثْبُتْ به النَّص.
وأجابوا عن أدلَّة الجمهور:
أما الآية فلا دلالة فيها، لأن الضَّمير في قوله: {لَا يَمَسُّهُ} يعود إلى «الكتاب المكنون»، والكتاب المكنون يُحْتَمَلُ أن المرادَ به اللوحُ المحفوظ، ويُحْتَملُ أن المرادَ به الكتب التي بأيدي لملائكة؛ فإن الله تعالى قال: {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ } [عبس: 11- 15]، وهذه الآية تفسير لآية الواقعة، فقوله: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ} كقوله: {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ}.
وقوله: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} ، كقوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ }.
والقرآنُ يُفسِّر بعضه بعضًا، ولو كان المراد ما ذَكَرَ الجمهور لقال: «لا يمسُّه إلا المطَّهِّرون» بتشديد الطاء المفتوحة وكسر الهاء المشددة، يعني: المتطهرين، وَفَرْقٌ بين «المطهَّر» اسم مفعول، وبين «المتطهِّر» اسم فاعل، كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِي نَ} [البقرة: 222] .
وقولهم: إن الخبر يأتي بمعنى الطَّلب، هذا صحيح لكن لا يُحْمَلُ الخبر على الطلب إِلا بقرينة، ولا قرينة هنا؛ فيجب أن يبقى الكلام على ظاهره، وتكون الجملة خَبَريَّة، ويكون هذا مؤيِّدًا لما ذكرناه من أن المراد بـ «المطهَّرون» ، الملائكة كما دلَّت على ذلك الآيات في سورة «عبس».
ثم على احتمال تساوي الأمرين، فالقاعدة عند العلماء «إنه إِذا وُجِدَ الاحتمال بَطلَ الاستدلال» فيسقط الاستدلال بهذه الآية، فنرجع إلى براءة الذِّمة([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
وقال الشيخ – أيضًا – رحمه الله – وهو يتكلم في مسألة مس المصحف لغير المتوضئ: ((وأما بالنسبة لحديث عمرو بن حزم: «ألا يمسَّ القرآن إلا طاهر([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))»: فهو ضعيف؛ لأنه مُرسَل، والمرسل من أقسام الضَّعيف، والضَّعيف لا يُحْتَجُّ به في إثبات الأحكام؛ فضلًا عن إِثبات حُكْمٍ يُلْحِقُ بالمسلمين المشَقَّة العظيمة في تكليف عباد الله ألا يقرؤوا كتابه إلا وهم طاهرون، وخاصَّة في أيام البرد.
وإذا فرضنا صِحَّتَهُ بناء على شُهْرَتِهِ فإن كلمةَ «طاهر» تَحْتَمِلُ أن يكونَ طاهرَ القلب من الشِّرك، أو طاهر البَدَنِ من النَّجَاسَة، أو طاهرًا من الحدث الأصغر؛ أو الأكبر، فهذه أربعة احتمالات، والدَّليل إِذا احتمل احتمالين بَطلَ الاستدلال به، فكيف إِذا احتمل أربعة؟([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))اهـ.
([1]) ذكرها الشيخ رحمه الله: (1/ 318)، (1/ 405)، (1/ 443)، (4/ 219)، (15/ 345).
([2]) (1/ 318، 319) باختصار يسير.
([3]) أخرجه الطبراني في «الكبير» (13217)، والدارقطني (1/ 121) ، والبيهقي (1/ 88).
([4]) (1/ 319).
============================== =======
الفتاوى الثلاثية للعثيمين
[ السؤال ] القاعدة (إذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال) هل هي على إطلاقها؟ وهل يجوز لكل أحد أن يبطل الاستدلال بالنصوص لأي احتمال يطرأ على ذهنه؟ بينوا لنا هذا بياناً شافياً.
الجواب: بيناه لك فيما مضى في النونية، وقلنا: الاحتمالات العقلية لا تستعمل في الاستدلالات الشرعية
أبوعبدالله عبدالرحمن
2016-09-23, 02:35 PM
القاعدة السابعة عشرة: ((إِذا قُيِّد اللفظ العام بما يوافق حُكْم العام، فليس بِقَيد([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))
قال الشيخ رحمه الله: ((قوله: «ويَجبُ التيمُّمُ بتُرابٍ»؛ هذا بيان لما يُتيمَّم به، وقد ذكر المؤلِّفُ له شروطًا:
الأول: كونه ترابًا؛ والتُّراب معروف، وخرج به ما عداه من الرَّمل، والحجارة وما أشبه ذلك.
فإِنْ عَدِم التُّرابَ كما لو كان في بَرٍّ ليس فيه إِلا رَمْل، أو ليس فيه إِلا طِين لكثرة الأمطار فيصلِّي بلا تيمُّم؛ لأنَّه عادِم للماء والتُّراب.
والدَّليل على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «وجُعِلت تربتُها لنا طَهُورًا»، وفي رواية: «وجُعِل التُّراب لي طَهُورًا».
قالوا: هذا يُخصِّص عُموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «وجُعِلتْ لي الأرض مسجدًا وطَهُورًا»؛ لأن الأرض كلمة عامَّة، والتُّراب خاصٌّ، فيُقيَّد العام بالخاص.
ورُدَّ هذا: بأنه إِذا قُيِّد اللفظ العام بما يوافق حُكْم العام، فليس بِقَيد.
وتقرير هذه القاعدة: أنَّ ذكر بعض أفراد العام بحُكم يوافق حُكم العام، لا يقتضي تخصيصه.
مثال ذلك: إِذا قلت: «أكرِم الطَّلَبَة» فهذا عام، فإِذا قلت: «أكرم زيدًا» وهو من الطَّلبة؛ فهذا لا يُخصِّص العام؛ لأنك ذكرت زيدًا بحُكْمٍ يوافق العام.
لكن لو قلت: «لا تُكْرم زيدًا»، وهو من الطَّلبة صار هذا تخصيصًا للعام؛ لأنِّي ذَكرته بِحُكْم يُخالف العام.
ومن ذلك قول بعض العلماء في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «وفي الرِّقَةِ رُبع العُشرِ»: أنه يخصِّص عموم الأدلَّة الدَّالة على وجوب الزكاة في الفضَّة مطلقًا؛ لأنه قال: «وفي الرِّقَة»؛ والرِّقَة: هي السِّكَّة المضروبة.
فيقال: إِنْ سلَّمْنا أنَّ الرِّقَة هي الفِضَّة المضروبة، فذِكْرُ بعض أفراد العام بِحُكْم يوافق العام لا يقتضي تخصيصه.
وهذه القاعدة - أعني أن ذكر أفرادٍ بِحُكْم يوافق العام لا يقتضي التخصيص - إِنَّما هو في غير التقييد بالوصف، أما إِذا كان التَّقييد بالوصف فإِنه يفيد التَّخصيص، كما لو قُلت: «أكرِم الطَّلبة»، ثم قلت: «أكرِم المجتهد من الطَّلبة»، فذِكْر المجتهد هنا يقتضي التَّخصيص؛ لأنَّ التَّقييد بِوَصْف.
ومثل ذلك لو قيل: «في الإِبل صدقة»، ثم قيل: «في الإِبل السَّائمة صدقة»، فالتَّقييد هنا يقتضي التَّخصيص فتأمَّل([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) (1/ 391).
[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) (1/ 390- 392).
قلت : فالحاصل من كلام الشيخ رحمه الله :
أنَّ ذكر بعض أفراد العام بحُكم يوافق حُكم العام، لا يقتضي تخصيصه، إلا إِذا كان التَّقييد بالوصف فإِنه يفيد التَّخصيص .
================
وهذا الاستثناء لم يذكره أخونا الفاضل أبويوسف محمد بن طه شعبان
أبو عمر غازي
2016-09-27, 01:49 PM
د/ عبد القادر عبدالقادر داودي :
القاعدة الرابعة :
(كل نجس حرام) الحرمة قد تتعلق بالاستعمال كالأكل واللبس، وقد تتعلق بالاستعمال إما أن يتعلق بالآدمي أو غير الآدمي كالحيوان أو الجماد وغيرهما، الآدمي مسلم وغير مسلم.والأمر مختلف في الحكم بين هذه المتعلقات فما يحرم على المسلم استعماله لا يلزم حرمته على غير المسلم -أعني أن يبيعه منه المسلم- وكذلك لا يقال بحرمة النجاسات من الجيف وغيرها إذا كانت لغرض إطعامها الحيوانات غير المأكولة اللحم كالسباع والضواري.....وهكذ ما تعلق بالجماد كاستعمال الزبل والعذرة لغرض تسميد الأرض....
وقد تتعلق بالتملك والاتخاذ لا بالاستعمال وهنا الأمر أوسع إذ قد تتملك شيئا نجسا لا لغرض استعماله أو ملابسته . والله أعلم
هل الأمثلة التي ذكرها الدكتور حفظه الله تعكر على القاعدة؟ فيجوز بيع النجاسات لغير المسلم، وكذلك لا يقال بحرمة النجاسات من الجيف وغيرها إذا كانت لغرض إطعامها
فلو نأملنا كلام ابن المنذر في "الأوسط" (2/ 291) وما ذكره من أدلة لحتاج كلام الدكتور حفظه الله إلى مراجعة فقد قال ابن المنذر:"ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في فأرة وقعت في سمن: إن كان مائعا فلا تقربوه فغير جائز على ظاهر خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع ذلك وشراؤه والانتفاع به بأي وجه كانت المنفعة باستصباح به أو استعمال في الدباغ، ولا يجوز بيعه من غير المسلمين؛ لأنه حرام قد نجس بوقوع الميتة فيه، ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بطرح موضع الفأرة من السمن الجامد منه، وكان حكم المائع منه في النجاسة حكم ما حول السمن الذي وقعت فيه الفأرة من الجامد منه، دل ذلك على تحريم استعماله، وذلك أنه لا يأمر بطرح ما إلى استعماله والانتفاع به سبيل، وكيف يجوز ذلك، وقد أخبرنا أن الله تعالى ذكره كره لنا إضاعة المال، ولو كان الانتفاع به جائزا ما أمرنا بطرحه، وفي قوله: «فلا تقربوه» بيان ذلك في حديث جابر بن عبد الله، وقد ذكرته فيما مضى لما قيل له: أرأيت يا رسول الله شحوم الميتة فإنه يدهن بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستنفع بها الناس، فقال: «لا» أبين البيان على أن السمن المائع إذا سقطت فيه الفأرة غير جائز الانتفاع به بوجه من الوجوه؛ لأن الذي منع منه النبي صلى الله عليه وسلم في معناه نجس حرام مثله". والله أعلم.
أبوعبدالله عبدالرحمن
2016-10-07, 03:42 AM
بوركت ثم إن الشيخ رحمه الله قرر أن كل نجس حرام والتحريم خاص بالمكلف ولم يفصل في أي شيء هو محرم .
طويلب علم مبتدىء
2017-09-27, 11:57 AM
بارك الله فيكم
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.