المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تذليل العقبات بإعراب الورقات



الصفحات : [1] 2

د:ابراهيم الشناوى
2014-01-26, 11:59 PM
CENTER]بسم الله الرحمن الرحيم[/CENTER]إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.أما بعدفقد عزمت مستعينا بالله على البدء في إعراب متن الورقات لإمام الحرمين أبي المعالي الجويني – - والتحشية عليه بما تيسر، وهو كتاب قال فيه شارحوه: " كتاب صغر حجمه، وكثر علمه، وعظم نفعه، وظهرت بركته"[1] وكان هذا تلبية لرغبة بعض الإخوة في ذلك، وقد كنت قدَّرْتُ في نفسي أن أكتفي بإعراب المتن وأن أترك الشرح للشراح؛ حيث أن هذا هو المطلوب فكتبت شيئا على هذا التقدير، وفي أثناء ذلك كنت أرجع إلى الشروح والحواشي: لألتقط من فوائدها، وأغتنم من فرائدها؛ كما كنت أصنع من قبل ذلك حين صنعت النسخة المصححة من المتن؛ فرأيت أن أقيد شيئا من هذه الفوائد والدرر، وأنثرها بين ما أكتبه، وإن أدى ذلك إلى طول الشرح وخلط الأصول بالنحو.فإن قلت: الاختصار أفضل.قلت: الاختصار كثير والحصول عليه يسير، ولو كان كل من يكتب يكتب اختصارا، لكان تَكرارا، لا يختلف إلا بالسياق أو العباره، فدعني أصنع لك حاشية لا كالحواشي، أعيذها بالله من كل واشية وواشي.
هذا، ومن منهجي في العمل:1- أن أكتب الفقرة المراد شرحها من المتن باللون الأحمر الثقيل.2- ثم أبدأ بإعرابها كلمة كلمة، وأضع كلَّ كلمةٍ في أول السطر بين قوسين وأميزها بالخط الأحمر الثقيل وبوضع خط تحتها، ثم أعربها في أول مرة إعرابا تفصيليا حتي لو كان إعرابها واضحا، فأقول مثلا: (مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره)، وهكذا، فإذا تكرر مثل هذا قلت: (مبتدأ) ولا أزيد إلا أن يكون الإعراب تقديريا أو محليا أو فيه إشكال فأنص عليه.3- لا أعني بالإعراب التفصيلي ذكرَ كل وجوه الإعراب المحتملة، بل لا أعني بها إلا ما سبق وانظر التالي.4- قد تحتمل الكلمة وجهين أو أكثر من وجوه الإعراب فاعلم أنه ليس من شَرطي ذكرها كلها، بل لا أذكر إلا ما حضرني منها، فإن اتفق لك وجه لم أذكره فاعلم أني لم أذكره لإحدى ثلاث:الأولى- أني أجهله.الثانية- أني تركته عمدا لعدم تيقني منه.الثالثة- أني تركته مخافة التشويش على القارئ، إلا في البسملة؛ فإن العلماء قد كفَوْني أمرها؛ فأنا فيها تابع لا غير ويقتصر عملي على توضيح ما قالوه بما يناسب المقام.5- بعد الإعراب أذكر المعنى على وجه الاختصار.6- أشرع بعد ذلك في فقرة عنوانها: [قال صاحبي] وفيها أذكر: الفوائد المستخرجة، والزوائد المستنبطة، وأُورِدُ فيها من الإشكالات التي قد تعترض الطالب؛ فتسبب سوء الفهم أو عدمه، بطريق الحوار بيني وبين صاحبي حتي يزول الإشكال والإيراد، ويتضح المعنى المراد.واعلم أن الإشكال المذكور قد يكون على عبارة المصنف وقد يكون على ما يذكره المُحَشِّي، وقد يكون في النحو وقد يكون في الأصول، وقد أطيل في النحو عن الأصول لا سيما إذا كانت عبارة المتن مما لا تحتاج إلى بيان؛ لأن المتن قد خُدِمَ في جانب الأصول بما لا مزيد عليه ولا كذلك في باب الإعراب والنحو؛ فلهذا قد أترك بعض الفقرات دون الإطالة في بيانها من جهة الأصول، بل لا تكون الإطالة إلا من جهة النحو؛ فلا وجه لمعترض بعد ذلك أن يقول: المتن حَالِ[2] والشرح خالي. والله الموفق.وقبل الشروع في المقصود :حمل نسختين مصححتين من متن الورقات من هنا:http://majles.alukah.net/t125348/وهذا أوان الشروع في المقصود بعون الملك المعبود________________ _________ _______________[1] قرة العين شرح ورقات إمام الحرمين للحطاب المالكى 2 بهامش حاشية السوسي على قرة العين ط. المطبعة التونسية[2] حال: من الْحِلْيَةِ يقال: حليت المرأة وهي حال وحالية.

أبوعاصم أحمد بلحة
2014-01-27, 12:07 PM
أعانكم الله وسدد خطاكم.

د:ابراهيم الشناوى
2014-01-28, 08:19 PM
قال المصنف http://majles.alukah.net/imgcache/2014/10/256.jpg http://majles.alukah.net/imgcache/2014/10/2.jpg:

http://majles.alukah.net/imgcache/2014/05/8.jpg
(الباء):حرف جر مبنى على الكسر لا محل له من الإعراب.
(اسم): مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة الظاهرة وهو (ظرف لغو) متعلق بمحذوف فعل مؤخر مناسب للمقام فعندما تريد أن تقرأ تقدِّر: باسم الله أقرأ، وعندما تريد أن تتوضأ تقدر: باسم الله أتوضأ، وعندما تريد أن تذبح تقدر: باسم الله أذبح[1]، وهكذا. و(اسم) مضاف
(الله): مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة
(الرحمن الرحيم): صفتان مشبهتان أو أن (الرحمن) عَلَمٌ و(الرحيم) صفة مشبهة، فعلى أن (الرحمن) صفة مشبهة يجوز فيهما تسعة أوجه هى:
1- جرهما على أنهما نعتان للفظ الجلالة.
2- رفعهما أى القطع إلى الرفع على الخبرية لمبتدإ محذوف والتقدير: هو الرحمن الرحيم، فـ(هو) مبتدأ و(الرحمن) خبر و(الرحيم) خبر ثان، أو هو الرحمن هو الرحيم، فـ (هو الرحمن) جملة من مبتدأ وخبر ومثلها (هو الرحيم) وجملة القطع (هو الرحمن الرحيم أو هو الرحمن هو الرحيم) لا محل لها من الإعراب استئنافية.
3- نصبهما أى القطع إلى النصب على المفعولية لفعل محذوف وجوبا والتقدير: أمدح الرحمنَ الرحيمَ أو أمدح الرحمنَ أمدح الرحيمَ، والجملة الفعلية استئنافية لا محل لها من الإعراب.
4- جر الأول (الرحمن) على التبعية - نعت لـ (الله) - مع رفع الثانى (الرحيم) أى القطع إلى الرفع والتقدير: هو الرحيمُ.
5- جر الأول (الرحمن) على التبعية - نعت لـ (الله) - مع نصب الثانى (الرحيم) أى القطع إلى النصب والتقدير: أمدح الرحيمَ.
6- رفع الأول (الرحمن) أى القطع إلى الرفع على أنه خبر لمبتدإ محذوف والتقدير (هو الرحمن) مع نصب الثانى (الرحيم) أى القطع إلى النصب على أنه مفعول به لفعل محذوف وجوبا والتقدير: (أمدح الرحيم)
7- نصب الأول (الرحمن) مع رفع الثانى (الرحيم) عكس الوجه السابق والتوجيه يعرف مما تقدم
8- رفع الأول (الرحمن) على القطع إلى الرفع على الخبرية كما تقدم مع جر الثانى (الرحيم) على التبعية أى على أنه نعت للفظ الجلالة.
9- نصب الأول (الرحمن) على القطع إلى النصب على المفعولية مع جر الثانى (الرحيم) على التبعية أى على أنه نعت للفظ الجلالة
وهذان الوجهان الأخيران ضعيفان لأن الإتباع بعد القطع لا يجوز إلا على قول ضعيف.
وأما الوجه الثانى وهو أن (الرحمن) اسمٌ عَلَمٌ، فلا يصح جعل (الرحمن) نعتا للفظ الجلالة لأن العَلَم يوصف لكن لا يوصف به أى لا يقع صفة لغيره، و(الرحمن) على هذا الوجه بدل من لفظ الجلالة أو عطف بيان ويجوز على هذا الوجه ما يأتى:
10- (الرحمن) بدل من لفظ الجلالة أو عطف بيان مجرور مثله و(الرحيم) نعت لـ (الرحمن) مجرور مثله ولا يجوز جعله نعتا للفظ الجلالة لئلا يتقدم البدل أو عطف البيان على النعت، والتوابع إذا اجتمعت تقدم النعت على غيره.
11- (الرحمن) بدل أو عطف بيان مجرور و(الرحيم) مرفوع على الخبرية أى القطع إلى الرفع على أنه خبر لمبتدإ محذوف والتقدير: هو الرحيم
12- (الرحمن) بدل أو عطف بيان مجرور و(الرحيم) منصوب أى القطع إلى النصب على أنه مفعول به لفعل محذوف وجوبا والتقدير: أمدح الرحيم

[قال صاحبي]

قال صاحبى: لماذا قدرت متعلَّق (بسم) فعلا[2] ؟
قلت: لأن الأصل فى العمل للأفعال.
قال: ولماذا قدرته مؤخرا مع أن الأصل أن يُقَدَّرَ مقدما كسائر العوامل مع معمولاتها كما قال ابن هشام[3].
قلت: الأصل فى المتعلَّق أن يقدر مقدما إذا كان اسما، أما إذا كان فعلا فيلزم تقديره مؤخرا لأن الخبر إذا كان فعلا لا يتقدم على المبتدإ.
قال: فما فائدة تقديره مؤخرا ؟
قلت: لفائدتين :
الأولى - التبرك بالبداءة باسم الله سبحانه وhttp://majles.alukah.net/imgcache/2014/10/2.jpg.
الثانية - إفادة الحصر؛ لأن تقديم المتعلق يفيد الحصر[4].
قال: ولِمَ جعلته خاصا مناسبا للمقام ولم تقدره كونا عاما ؟
قلت: لسببين :
الأول- أن تقديره كونا عاما إنما يناسب من جعل المتعلق اسما فيكون التقدير عنده: (ابتدائي كائن بسم الله الرحمن الرحيم)
الثاني- أن تقديره مناسبا للمقام أفضل من تقديره كونا عاما لأنه أدلُّ على المراد فلو قلت مثلا – عندما تريد أن تقرأ كتابا -: ابتدائي كائن بسم الله ما يُدرَى بماذا تبتدئ ؟ لكن بسم الله أقرأ يكون أدل على المراد الذى ابتُدِئ به.
قال: فقولك: "مؤخر" عن أى شئ تأخر ؟
قلت: الاحتمالات هنا أربعة: أن يكون مؤخرا عن (اسم) فقط، أو عن (بسم الله) فقط، أو عن (بسم الله الرحمن) فقط، أو عن (بسم الله الرحمن الرحيم) أى عن البسملة بتمامها
أما كونه مؤخرا عن (اسم) فقط فيقع بين لفظ (اسم) ولفظ الجلالة (الله) فيكون التقدير هكذا: (بسم أبتدئ الله الرحمن الرحيم)، فهذا ممنوع للزوم الفصل بين المتضايفين[5] بما لا يجوز به الفصل بينهما.
وأما كونه مؤخرا عن (بسم الله) فقط أو (بسم الله الرحمن) فقط فهذان وجهان مرجوحان للزوم الفصل عليهما بين التابع والمتبوع بأجنبى والراجح منعه.
قال: ما (التابع والمتبوع)؟
قلت: المتبوع هنا لفظ الجلالة (الله)، والتابع لفظ (الرحمن) ولفظ (الرحيم) لأنهما نعتان لاسم الجلالة، والنعت من التوابع كما تعلم، فيكون التقدير فى الأول: (بسم الله أبتدئُ الرحمنِ الرحيمِ)، وفى الثانى: (بسم الله الرحمن أبتدئ الرحيمِ).
ولم يبق إلا أنه مؤخر عن البسملة بتمامها وليس فيه شئ من هذه المحظورات فيكون التقدير: (بسم الله الرحمن الرحيم أبتدئ أو أقرأ الخ)[6].
قال: فجعْلُ المحذوف (فعلا) هنا هو تقدير البصريين، والجملة فعلية على هذا التقدير.
قلت: لا، نعم[7].
قال متعجبا: وما (لا، نعم) ؟
قلت: (لا) للأول، و(نعم) للثانى.
فسكتَ كأنه لم يفهم.
قلت: أما الأول فقولك: "جَعْلُ المحذوف فعلا هو تقدير البصريين" فأجبتك عليه بـ (لا) أى ليس هذا تقدير البصريين بل هو تقدير الكوفيين.
وأما الثانى فقولك: "الجملة فعلية على هذا التقدير" فأجبتك عليه بـ (نعم)

--------------------------------------------------------------------------------
[1] الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين 1/ 7 ط. دار ابن الجوزى.

[2] قال ابن هشام: "والحق عندى أنه لا يترجح تقديره اسما ولا فعلا بل بحسب المعنى كما سأبينه" ا.هـ مغنى اللبيب عن كتب الأعاريب مع حاشية الأمير 2/ 82 ط. دار إحياء الكتب العربية، ومغنى اللبيب تحقيق د. عبد اللطبف الخطيب 5/ 337. ثم بينه بيانا شافيا فاطلبه هناك.

[3] مغنى اللبيب 5/ 350 ت. د. عبد اللطيف الخطيب

[4] الشرح الممتع 1/ 7.

[5] المضاف لفظ (اسم) والمضاف إليه لفظ الجلالة.

[6] الرسالة الكبرى فى البسملة للصبان 55 ت. فواز أحمد زمرلى وحبيب يحي المير ط. دار الكتاب العربى بتصرف وتوضيح كثير

[7] سأتعمد فى بعض الأحيان خلط الجِدِّ ببعض الهزل تنشيطا للقارئ، وكسرًا لحِدَّة العِلْمَيْن وصعوبتهما – أعنى النحو والأصول – وترويحا للنفس وإذهابا للملل وإيصالا للمعلومة بطريق غريب وأسلوب مختلف فلعله أن يكون أمكن لها فى النفس.

د:ابراهيم الشناوى
2014-01-29, 10:01 PM
قال: ذكرت أن (بسم) ظرف لغو فما معناه ؟
قلت: الجار والمجرور أو المجرور وحده لا بد له من متعلَّق هو العامل فيه فإن كان هذا العامل خاصا كالأكل والشرب والقراءة والكتابة الخ فهو (ظرفٌ لغوٌ)، وإن كان عاما كالاستقرار سُمِّىَ (ظرفا مُسْتَقَرَّا) بفتح القاف، فإن قدرت هنا: (بسم الله أكتب أو أؤلف) فالعامل[1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1) خاص فيسمى المجرور هنا (ظرفا لغوا) وإنما سُمِّىَ (لَغْوًا) لأنهم أَلْغَوْهُ حيث لم يجعلوه متحملا ضميرا.
وإن جعلته عامًّا كان التقدير: (ابتدائى كائنٌ بسم الله الرحمن الرحيم) فيكون (بسم) متعلق بـ (كائن) وهو عام فيسمى الظرف هنا (ظرفا مستقَرًّا) سمى بذلك لاستقرار الضمير فيه بعد حذف عامله فهو فى الأصل (مستقَر فيه) فحذفت صلته اختصارا، أو سمى بذلك لأن عامله (الاستقرار) المحذوف والتعليل الأول اختيار الدمامينى، والثانى اختيار الشمنى تبعا للرضى[2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2).
قال: قد جوَّزْتَ فى (الرحمن) كونه عطف بيان وهذا لا يصح لأن لفظ الجلالة (الله) أعرف المعارف فلا يحتاج إلى تبيين.
قلت: بهذا اعترض السهيلى فى (نتائج الفكر)[3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3) وجوابه: أن عطف البيان قد يكون لمجرد المدح كما ذكره الزمخشرى فى {الْبَيْتِ الْحَرَامِ} من قوله تعالى: {جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة: 97][4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4).
قال: فهلا ذكرت لى شيئا مما يخص البسملة مما يتعلق بأصول الفقه
قلت: اعلم أن الأحكام التكليفية خمسة: الواجب والمندوب والمباح والمكروه والحرام والبسملة تعتريها هذه الأحكام الخمسة فتكون:
1- واجبة: فى الصلاة لأنها آية من الفاتحة عندنا (الشافعية).
2- مندوبة: فى كل أمر ذى بال أى: حال بحيث يُهْتَمُّ به شرعا.
3- مكروهة: تكره على المكروه لذاته كالنظر إلى فرج زوجته.
4- حرام: تَحْرُمُ على المحرم لذاته كشرب الخمر.
5- الإباحة: قيل: إنها تباح فى المباحات التى لا شرف فيها كنقل متاع من مكان لآخر[5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5).
قال: حسنا، فأخبرنى ألست ترى أن البداءة فى قولنا: (بسم الله) بلفظ: (باسم) لا بلفظ الجلالة: (الله) وكان ينبغى أن تكون البداءة به ؟
قلت: ليس الأمر على ما زعمت.
قال: وكيف ذلك ؟
قلت: اعلم أن كل حكم ورد على لفظ (اسم) فهو فى الحقيقة على مدلوله إلا بقرينة.
قال: لم أفهم شيئا.
قلت: إذا قلت: (ذكرت اسم زيد) فليس معناه أنك ذكرتَ لفظ (اسم) بل لفظ (زيد)؛ لأنه مدلول (اسم زيد)؛ إذ مدلوله اللفظ الدال عليه وهو لفظ (زيد)
قال: فلِمَ لا يقال: بالله أبتدئ أو أكتب الخ فتكون البداءة بلفظ الجلالة دون الوقوع في الإشكال السابق ؟
قلت: لا إشكال بعد الذى ذكرته لك
قال: نعم لا إشكال، ولكن ما ذكرته أمر خفى لا يعلمه الكثير فيظل الأمر عند من لا يعلمه على الإشكال السابق: وهو أن البدء ليس بلفظ الجلالة بل بلفظ اسم، أما لو قيل من أول الأمر: بالله أبتدئ أو ابتدائى لم يكن فيه هذا الإشكال.
قلت: بل فيه إشكال أكبر.
قال: وما هو ؟
قلت: لو قيل: (بالله ابتدائى أو أبتدئ) لم يُعْرَفْ هل يريد بقوله (بالله) القَسَم بالله على فعله الذى يبتدؤه؟ أو أنه يتلفظ بلفظ الجلالة متبركا به ومستعينا، فيوقع فى لَبْسٍ هل الباء فى قوله: (بالله) للقَسَم أو للاستعانة؟ فكان المجئ بلفظ (اسم) فيه حل هذا الإشكال مع ما ذكرته سابقا من أن كل حكم ورد على لفظ (اسم) يكون على مدلوله إلا بقرينة
قال: فالمجئ بلفظ (اسم) هنا للفرق بين اليمين والتَّيَمُّنِ.
قلت: نعم، أحسنت، وفيه نكتة أخرى.
قال: وما هى؟
قلت: جئ بلفظ (اسم) هنا ليدل على أن التبرك والاستعانة بجميع أسمائه تعالى.
قال: وكيف ذلك ؟
قلت: لفظ (اسم) مفرد مضاف فيعم جميع أسمائه تعالى.
قال: مِنْ أين لك أن المفرد المضاف يَعُمُّ ؟
قلت: أخذه العلماء من مثل قوله تعالى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} فـ {كِتَاب} لفظ مفرد وهو مضاف إلى الضمير {نَا} والمراد جميع الكتب التي أحصيت فيها أعمالهم.
ومنه قوله تعالى: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ} وفى قراءة {وكتابه} بالإفراد والشاهد فى قراءة الإفراد حيث أضاف (كِتَاب) وهو لفظ مفرد إلى ضمير الغائب (الهاء) فأفاد العموم فصار معناه: (وصدقت بجميع كتبه) بدليل القراءة الأخرى {وَكُتُبِهِ}.
قال: أنْظِرْنى ولا تعجلنى، ألست تعلم قوله صلى الله عليه وسلم : "صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ". ؟[صحيح رواه مسلم وغيره]
قلت: بلى
قال: فقوله: " مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ " مفرد مضاف وهو لا يعم.
قلت: ولِمَ ؟
قال: لأن المراد بـ (مسجد الكعبة) المسجد الحرام فقط.
قلت: من أين لك أن المراد بـ (مسجد الكعبة) المسجد الحرام فقط ؟
قال: فهل الكعبة فى مسجد آخر غيره ؟!
قلت: هذا الذى قلتَه إنما جاءك بسبب سوء الفهم.
قال: وكيف ذلك ؟
قلت: اعلم أن (الكعبة) تطلق ويراد بها مكة كما قال تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] فالمراد – والله أعلم بمراده – دخول منطقة الحرم لا أن الهَدْىَ يدخل المسجد الحرام حتى يبلغ الكعبة.
قال: سَلَّمْنَا أن (الكعبة) تطلق ويراد بها مكة فكان ماذا ؟
قلت: كان ما يأتى: وهو أن قوله صلى الله عليه وسلم :" مسجد الكعبة " صار معناه (مسجد مكة) فـ (مسجد) مفرد مضاف إلى كلمة (مكة) ولما كان المفرد المضاف يعم أخذ العلماء منه أن مساجد مكة كلها التى بداخل الحرم تكون الصلاة فيها بمائة ألف صلاة.
قال: فهذه فائدة أصولية أخرى وهى أن المفرد المضاف يعم
قلت: نعم.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1) العامل هو: أكتب أو أؤلف

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2) إعراب الآجرومية للشيخ خالد الأزهرى المسمى (بشرى طلاب العربية بإعراب الآجرومية) 22 ت. عبد الرحمن بن عبد القادر ط. دار ابن حزم.

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3) نتائج الفكر للسهيلى 42 ت. عادل عبد الموجود وعلى معوض ط. دار الكتب العلمية

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4) الرسالة الكبرى فى البسملة للصبان 121.

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5) حاشية البيجورى على شرح ابن قاسم على متن أبى شجاع 1/ 6 ط. دار الطباعة العامرة ببولاق- مصر.

د:ابراهيم الشناوى
2014-01-30, 09:11 PM
قال صاحبي: أرأيت قوله: "بسم الله الرحمن الرحيم هذه ورقات الخ" لماذا ترك الحمدلة والتَّصْلِيَةَ ؟
قلت: التصلية ؟!
قال: نعم، أعني: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
قلت: أَوَ تعني التصليةُ ذلك ؟
قال: نعم.
قلت: وكيف ذلك ؟
قال: ألست تعلم أن (فَعَّل) المضعف العين المعتل اللام مصدره (تَفْعِلَة) مثل: زَكَّى تزكية، وروَّى تروية، وورَّى تورية وما لا يحصر ومثله: صَلَّى تصلية ؟
قلت: هذا جائز من حيث اللغة وإن منعه بعض أئمتها مثل الفيروزأبادي فى القاموس المحيط، والجوهري في الصحاح فإنهما قالا: "صلى صلاة ولا يقال صلى تصلية".
قال: قد رد ذلك صاحب تاج العروس فقال: "وذلك كله باطل يرده القياس والسماع".
قلت: قال الشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله - :"مَنَعَهُ شرعاً: السعدُ في التلويح وأبو عبد الله الخطاب أول شرح المختصر، وبالغ عن الكتاني: أن استعماله يكون كفراً)) انتهى. وأبطل ذلك الزبيدي فيما ذكره أعلاه.
وفي ((الجاسوس)) : (قال ابن الإمام الخفاجي: قال في ((شفاء الغليل)) مانصه: في شرح الألفية للأبناسي: التصلية: الإحراق بالنار، ولا يكون من الصلاة على النبي (ص) كما توهم، وسئل علم الدِّين الكتاني المالكي: هل يُقال في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -: تصلية؟ فقال: لم تَفُهْ به العربُ، ومن زعم ذلك فليس بمصيب، وصرح به في القاموس. ثم تعقَّبه بما ذكره الزبيدي) اهـ
قلت [بكرأبو زيد]: لم يكن هذا في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - من هَدْيِ السلف، والتحوط في جانبه - صلى الله عليه وسلم -: أصون، ولاسيما في المشترك لمعنيين متضادين. والله أعلم
فطريق السلامة، والمحبة والأجر والتوقير والكرامة لنبي هذه الأُمة هو الصلاة والسلام عليه - صلى الله عليه وسلم - عند ذكره امتثالاً لأمر الله سبحانه، وهدي نبيه - صلى الله عليه وسلم"[1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)
قال: فأخبرني لِمَ ترك الحمدلة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ؟
قلت: حاصل الجواب عن ذلك أحد أمور ثلاثة :
الأول – أنه حمد بلسانه.
الثاني – أن المراد بالحمد معناه لغة وهو الثناء وهو حاصل بالبسملة فهي تشتمل على الثناء لإفادتها الاستعانة بأسمائه تعالى على وجه الحصر، لا أن لفظ الحمد أو التشهد متعيَّن[2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2).
الثالث – أن المراد ذكر الله وهو حاصل بالبسملة[3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3).
قال: فهذا جوابك عن ترك الحمدلة فما جوابك عن البقية ؟
قلت: ليس جوابي بل جواب العلماء.
قال: لا بأس، فما جوابهم عن البقية ؟
قلت: هو ما سبق أي أنه أتى بها لفظا[4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4).
قال: أأأ
فبادرته قائلا: كفى ما سبق في البسملة لكي نبدأ في الكتاب.
قال: حسنا، لا بأس، كفى ما سبق.




[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1) معجم المناهي اللفظية/ بكر أبو زيد/ 187- 188 / ط. دار العاصمة.

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2) في شرح ابن إمام الكاملية (لأن لفظ الحمد الخ) وهو تصحيف مفسد للمعنى

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3) حاشية السوسي على قرة العين 5 ط. التونسية، وشرح ابن إمام الكاملية 86 ت. عمر غني سعود العاني ط. دار عمار، وغاية المأمول في شرح ورقات الأصول للرملي 65 ت. عثمان يوسف حاجي أحمد ط. مؤسسة الرسالة

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4) الشرح الكبير على الورقات لابن قاسم العبادى 11 ت. محمد حسن محمد حسن إسماعيل ط. دار الكتب العلمية

د:ابراهيم الشناوى
2014-02-05, 07:46 PM
قال المصنف رحمه الله تعالى :
" هَذِهِ وَرَقَاتٌ تَشْتَمِلُ عَلَى مَعْرِفَةِ فُصُولٍ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ."

(هذه): (هَا) حرف تنبيه مبنى على السكون لا محل له من الإعراب.
(ذِهِ) اسم إشارة مبنى على الكسر فى محل رفع مبتدأ.
والإشارة إلى ما فى الذهن إن كانت الخطبة قبل التأليف، أو إلى ما كتبه فعلا (فى الخارج) إن كانت بعد التأليف.
(وَرَقَاتٌ): خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
(تَشْتَمِلُ): فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هى يعود على (ورقات) أو (هذه) والجملة من الفعل والفاعل يجوز أن تكون :
- فى محل رفع صفة لـ (ورقات ) أى هذه ورقاتٌ مشتملةٌ؛ وعلى هذا فالضمير يعود إلى (ورقات) لربط الصفة بالموصوف.
- أو فى محل رفع خبر ثان أى هذه المشار إليها مشتملة؛ وعليه فالضمير يعود إلى (هذه) لربط المبتدإ بالخبر، واختار الحطاب المالكى هذا الوجه فى (قرة العين ص9) حيث شرح قوله: "هذه ورقات" ثم لما وصل إلى قوله: "تشتمل" أعاد المبتدأ فقال: "وهذه الورقات (تشتمل على فصول) ...". فعلق عليه الشيخ السوسي فى حاشيته بقوله: "كأنه إنما أعاد المبتدأ[1] (http://feqhweb.com/vb/#_ftn1) ليفيد اختيار إعراب (تشتمل) خبرا ثانيا، لا صفة لـ (ورقات) وإلا لقال: والورقات[2] (http://feqhweb.com/vb/#_ftn2)تشتمل الخ وكأن اختيار إعرابه خبرا لإفادته الحكم على المبتدإ (بالاشتمال) بطريق القصد لأهميته لا بطريق التبع، تأمل."[3] (http://feqhweb.com/vb/#_ftn3)
وهو مقتضى صنيع ابن قاوان وابن إمام الكاملية أيضا حيث قالا: "(تشتمل) هذه الورقات (على...)"[4] (http://feqhweb.com/vb/#_ftn4)؛ فأشارا إلى أن الفاعل المستتر يعود على اسم الإشارة (هذه) كما هو ظاهر، بل هذا تصريح وليس إشارة فقط فقولهم: "(تشتمل) هذه" معناه أنك لو أظهرت الفاعل المستتر لكان هو اسم الإشارة (هذه) أو ما يعود عليها، وهذا ظاهر جدا إن شاء الله تعالى.
- أوْ لا محل لها من الإعراب استئنافية، ذكره الدمياطى فى حاشيته على شرح المحلى[5] (http://feqhweb.com/vb/#_ftn5)، والعبادى فى الشرح الكبير[6] (http://feqhweb.com/vb/#_ftn6).
عَلَى: حرف جر مبنى على السكون لا محل له من الإعراب.
معرفة: اسم مجرور بـ (على) وعلامة جره الكسرة الظاهرة، والجار والمجرور متعلق بـ (تشتمل)، و(معرفة) مضاف.
فصول: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
والفصول: جمع (فصل) وهو اسم لطائفة من المسائل. وسمى كل نوع فصلا لانفصاله عن غيره بمخالفته له.
والكتب تقسم –غالبا- إلى أبواب والأبواب إلى فصول والفصول إلى مسائل. وهذا أمر اصطلاحى أغلبى فربما وجدت الكتب والأبواب دون الفصول، أو الفصول دونهما، أو غير ذلك ولكن ما سبق هو الغالب.
مِنْ: حرف جر مبنى على السكون لا محل له من الإعراب.
أُصُولِ: اسم مجرور بـ (من) وعلامة جره الكسرة الظاهرة، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لـ (فصول) أى تشتمل على فصول كائنة من أصول الفقه، و(أصول) مضاف
الْفِقْهِ: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة.
المعنى: كل ما فى الأمر ورقات قليلة العدد كثيرة الفوائد تحتوى على عدة فصول من علم أصول الفقه.

[1] (http://feqhweb.com/vb/#_ftnref1) الذى هو اسم الإشارة (هذه)

[2] (http://feqhweb.com/vb/#_ftnref2) أى بدون اسم الإشارة (هذه)

[3] (http://feqhweb.com/vb/#_ftnref3) حاشية الشيخ محمد بن حسين الهدة السوسي على قرة العين شرح ورقات إمام الحرمين للحطاب المالكى: ص9، ط. المطبعة التونسية.

[4] (http://feqhweb.com/vb/#_ftnref4) التحقيقات فى شرح الورقات لابن قاوان ص86 ت. الشريف سعد بن عبد الله الشريف ط. دار النفائس، وشرح الورقات لابن إمام الكاملية ص86 ت. عمر غنى سعود العانى ط. دار عمار.

[5] (http://feqhweb.com/vb/#_ftnref5) حاشية الدمياطى على شرح الجلال المحلى على الورقات ص3، ط. المطبعة الميمنية.

[6] (http://feqhweb.com/vb/#_ftnref6) الشرح الكبير على الورقات لابن قاسم العبادى ص15/ ت. محمد حسن محمد حسن إسماعيل/ دار الكتب العلمية.

د:ابراهيم الشناوى
2014-02-11, 09:53 PM
[قال صاحبي]
قال صاحبي: أليس يزعم النحاة أن (هذه) اسم إشارة للمفردة المؤنثة؟
قلت: بلى[1] (http://feqhweb.com/vb/#_ftn1).
قال: أليست المطابقة لازمة بين المشار إليه واسم الإشارة؟
قلت: المطابقة لها أحوال.
قال: كيف أشار للجمع (ورقات) بـ (هذه) التى للمفردة المؤنثة؟ أليس الصواب أن يقول: هؤلاء ورقات ؟
قلت: المطابقة لها أحوال كما أخبرتك وقد جرى الاستعمال العربى على أن المشار إليه إذا كان جمعَ مؤنثٍ سالما لما لا يعقل فيجوز أن يشار إليه باسم الإشارة الذى للمفردة المؤنثة فتقول: (هذه ورقات، وهذه شجرات الخ)، كما يجوز أن يشار إليه باسم الإشارة الذى للجمع فتقول: (هؤلاء ورقات، وهؤلاء شجرات الخ) ولكن الأول أفضل إذا كان المشار إليه لا يعقل كما تقدم، وأما إذا كان المشارُ إليه جمعَ مؤنث سالما للعاقل فالعكس هو الصحيح أعنى أن الأفضل أن تأتى باسم الإشارة الذى للجمع فتقول: (هؤلاء الطالبات مجتهدات) فهذا أفضل من استعمال اسم الإشارة الذى للمفردة المؤنثة حيث تقول: (هذه الطالبات مجتهدات) مع صحته، وللمزيد راجع النحو الوافى (1/ 263) وما بعدها.
قال صاحبي: قد فهت ذلك، فحدثنى الآن عن قوله: (ورقات).
قلت: عن أى شيء تسأل ؟
قال: يقول الشراح: إن معنى قوله: "هذه ورقات"؛ أنها ورقات قليلة، والقلة مستفادة من قوله: "ورقات" لأنه جمعُ مؤنثٍ سالمٌ.
قلت: اعلم أن الاسم ينقسم إلى:
- مفرد: وهو ما دل على شئ واحد.
- ومثنى وهو ما دل على شيئين.
- وجَمْعٍ: وهو ما دل على ثلاثة فأكثر، وينقسم الجَمْعُ إلى قسمين:
أحدهما: جمع قلة: وهو ما دل على ثلاثة إلى عشرة، وهو جمع التكسير الذى يأتى على الأوزان الأربعة المعروفة المذكورة فى قول ابن مالك:
أَفْعِلَةٌ أَفْعُلٌ ثم فِعْلَة * * * ثُمَّتَ أَفْعَالٌ جموع قلة
ومنه جمعى السلامة (المذكر السالم والمؤنث السالم) بشرط ألا يقترنا بـ (أل) التى للاستغراق وألا يضافا إلى ما يدل على الكثرة وإلا انصرفا إلى الكثرة نحو: {إِنَّ الْمُسْلِمينَ وَالْمُسْلِمَات ِ}، وكون جمعى السلامة من جموع القلة هو مذهب الخليل وسيبويه[2] (http://feqhweb.com/vb/#_ftn2) وابن السراج وغيرهم، وذهب بعضهم إلى أنهما من جموع الكثرة، وذهب بعضهم إلى أنهما من المشترك بين القلة والكثرة وإليه ذهب ابن خروف ورجحه الفيومى فى المصباح المنير[3] (http://feqhweb.com/vb/#_ftn3).
ثانيهما: جمع كثرة: وهو ما دل على أحد عشر فصاعدا، وله أوزان كثيرة مذكورة فى كتب الصرف مفصلة.
واعلم أنهم يدخلون بعضها على بعض للتوسع كما يقول سيبويه[4] (http://feqhweb.com/vb/#_ftn4)؛ فيعبرون عن الكثرة بجمع القلة وعن القلة بجمع الكثرة.
وعلى هذا فاستعمال جمعى السلامة فيما زاد على العشرة مجاز على مذهب سيبويه، وحقيقة على مذهب غيره.
قال صاحبي: فأراد المصنف – رحمه الله تعالى – بقوله: "ورقات" الإشارة إلى قلتها.
قلت: نعم، أراد ذلك.
قال: ولِمَ ؟
قلت: لفوائد ذكرها الشراح منها :
- أن فى الإشارة إلى قِلَّتِها تسهيلا على الطالب.
- وتنشيطا له لحفظها.
- وترغيبا فى طلبها.
قال: هذا يقتضى أن هذه الفوائد للطالب لم تحصل له إلا من التعبير عن الكتاب بما يفيد قِلَّتَهُ، وهذا لا يظهر إلا لو كان الكتاب كثيرا فى نفس الأمر، فإذا عبر عنه وهو كثير بما يفيد قلته أفاد ما ذُكِرَ ونشِط الطالب لتعاطيه، وأما هذا الكتاب فهو قليل فى نفس الأمر؛ فهو يفيد هذه الفوائد من ذاته.
قلت: وهل فى كلام المصنف ما يفيد حصر هذه الفوائد فى التعبير بما ذُكِر أعنى قوله: "ورقات" ؟
قال: لا.
قلت: فغاية ما فى الأمر أن التعبير بجمع القلة المفيدِ لما مَرَّ لا ينافى أن يكون غيرُه أيضا مفيدًا مثلَ هذه الفوائد: كما ذكرتَ أنت أنه يفيدها بذاته[5] (http://feqhweb.com/vb/#_ftn5).
قال: حسنا.
ثم قال: قد ذكرتَ أن جمع السلامة من جموع القلة وأنه ربما استعمل فى الكثرة توسعا.
قلت: نعم.
قال: فهلا عبَّر بغيره مما هو نَصٌّ فى القلة
قلت: مثل ماذا ؟
قال: مثل أن يقول: (هذه مقدمة) أو (هذه رسالة) إذ المفهوم عرفا من هذا اللفظِ هو القلة.
قلت: قال العبادى: " لكن لا يفهم منه القلة المعتبرة فى جمع السلامة المرادة هنا وهى عدم مجاوزة العَشَرَةِ؛ لأن القلة المفهومةَ بما ذُكِرَ عرفيةٌ صادقة مع مجاوزة العشرة والعشرين"[6] (http://feqhweb.com/vb/#_ftn6).

[1] (http://feqhweb.com/vb/#_ftnref1) (بلى): حرف جواب يثبت به ما بعد النفى تقول: (ما جاء زيد) فيقول المجيب: (بلى) أى قد جاء ولهذا يصح أن تأتى بالخبر المثبت بعد (بلى) فتقول: (بلى قد جاء) فإن قلت فى جواب النفى (نعم) كان اعترافا بالنفى وصح أن تأتى بالنفى بعده كقوله: (ما جاء زيد) فتقول: (نعم ما جاء) انظر حروف الجواب واستعمالاتها ص32/ د. على النابى/ دار الكتاب الحديث.

[2] (http://feqhweb.com/vb/#_ftnref2) الكتاب 3/ 490- 492/ هارون/ الخانجى.

[3] (http://feqhweb.com/vb/#_ftnref3) المصباح المنير فى غريب الشرح الكبير للفيومى 695/ ت. عبد العظيم الشناوى/ ط. دار المعارف.

[4] (http://feqhweb.com/vb/#_ftnref4) الكتاب 3/ 492/ هارون.

[5] (http://feqhweb.com/vb/#_ftnref5) حاشية السوسي على قرة العين ص7.

[6] (http://feqhweb.com/vb/#_ftnref6) الشرح الكبير ص15.

د:ابراهيم الشناوى
2014-02-18, 07:49 PM
قال المصنف رحمه الله تعالى: "وَذَلِكَ مُؤَلَّفٌ مِنْ جُزْأَيْنِ مُفْرَدَيْنِ أّحَدُهُمَا الْأُصُولُ وَالْآخَرُ الْفِقْهُ."

(و): الواو للاستئناف البيانى: وهو الواقع فى جواب سؤال مقدر كأن قائلا قال له: قد ذكرتَ أن هذه الورقات تشتمل على أصول الفقه فما أصول الفقه ؟ فقال: وذلك مؤلف... الخ
(ذلك): (ذا) اسم إشارة مبنى على السكون عند البصريين لأن ألف (ذا) عندهم أصل، وعلى الفتح عند الكوفيين والسهيلى لأن ألف (ذا) عندهم زائدة، وعلى كلٍّ فهو فى محل رفع مبتدأ، و(اللام) حرف دال على بُعْدِ المشار إليه إما تحقيقا وإما تنزيلا مبنى على الكسر لا محل له من الإعراب، و(الكاف) حرف خطاب مبنى على الفتح لا محل له من الإعراب.
والإشارة إلى (لفظ أصول الفقه)
(مُؤَلَّفٌ): خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
(مِنْ): حرف جر مبنى على السكون لا محل له من الإعراب.
(جُزْأَيْنِ): اسم مجرور بـ (مِنْ) وعلامة جره الياء لأنه مثنى، والجار والمجرور متعلق بـ "مؤلف".
(مُفْرَدَيْنِ): نعت لـ (جزأين) ونعت المجرور مجرور، وعلامة جره الياء لأنه مثنى.
والمراد بالمفرد هنا: المقابل للمركب، ليس المقابل للمثنى والجمع فتنبه
(أَحَدُهُمَا): (أحد) مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، وهو مضاف و(الهاء) ضمير مبنى على الضم فى محل جر مضاف إليه و(الميم) حرف عماد مبنى على الفتح لا محل له من الإعراب و(الألف) علامة التثنية حرف مبنى على السكون لا محل له من الإعراب
(الأصول): خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة
(وَ): حرف عطف
(الآخر): إما أن تجعله معطوفا على (أحد) من (أحدهما) فيكون من عطف المفردات أو تجعله مبتدأ وما بعده خبرا فيكون من عطف الجمل وهو على كلا التقديرين مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة
(الفقه): معطوف على (الأصول) إن جعلته من عطف المفردات، وخبر لـ (الآخر) إن جعلته من عطف الجمل وعلى كل فهو مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.
المعنى: (أصول الفقه) باعتباره مركبا إضافيا مُكَوَّنٌ من كلمتين مفردتين غير مركبتين إحداهما مضافة للأخرى فالأُولى (الأصول) وهى المضاف والأخرى (الفقه) وهى المضاف إليه.

د:ابراهيم الشناوى
2014-02-20, 07:40 PM
قال المصنف رحمه الله تعالى: "فَالْأَصْلُ: مَا يُبْنَي عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَالْفَرْعُ: مَا يُبْنَي عَلَى غَيْرِهِ."
(فالأصل): الفاء فاء الفصيحة، وضابطها: أن تقع فى جواب شرط مقدر فكأنه قال هنا: إذا أردت أن تعرف ما الأصل فالأصل ما يبنى الخ، و(الأصل) مبتدأ.
(ما): نكرة موصوفة بمعنى شئ والمراد شئ محسوس أو معقول، وهى اسم مبنى على السكون فى محل رفع خبر
(يُبْنَى): فعل مضارع مبنى للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر
(عليه): جار ومجرور متعلقان بـ (يبنى)
(غيره): (غير) نائب فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة وهو مضاف و(الهاء) مضاف إليه ضمير مبنى على الضم فى محل جر.
والجملة من الفعل ونائب فاعله وما تعلق بهما فى محل رفع صفة لـ (ما)
(والفرْعُ ما يُبْنَى على غيره): يعرف إعرابه مما سبق.
المعنى: لما ذكر أن (أصول الفقه) مؤلف من جزأين هما (أصول) و(فقه) شرع فى بيان حقيقة كل جزء منهما لتعرف حقيقة المؤلَّفِ منهما التى هى المقصودة بالذات فعرَّف (الأصل) بأنه ما يبنى عليه غيره، ثم عرَّف الفرع استطرادا وإلا فإنه ليس مما هنا.
ونازع بعضهم فى أن تعريف الفرع هنا استطرادٌ بأن المقصود مدح هذا الفن (أي: أصول الفقه) بتفرع الفقه الذى هو من أشرف العلوم عليه بل غاية المدح حيث وصفه بأنه مَنْشَأٌ للأحكام الشرعية حتى كأنها تتولد عنه وهذا مناسب للمقصود فليس استطرادا[1]؛ إذ (الاستطراد): هو ذكر الشئ فى غير محله.
واعلم أن المصنف عَرَّفَ (الأصل) هنا لغة لا شرعا.
وأما شرعا فإنه - أي: الأصل - يطلق على عدة معانٍ منها:
- الدليل: كقولنا: الأصل فى هذه المسألة الكتاب والسنة
- القاعدة المستمرة: كقولنا: إباحة الميتة على خلاف الأصل
- المقيس عليه: وهذا فى باب القياس حيث إن الأصل أحد أركانه
- الراجح: يقال: الأصل فى الكلام الحقيقة

______________________________ ________________
[1] انظر حاشية السوسي على قرة العين ص13.

د:ابراهيم الشناوى
2014-02-24, 07:57 PM
قال المصنف رحمه الله تعالى: " وَالْفِقْهُ: مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي طَرِيقُهَا الِاجْتِهَادُ."
(و): الواو للاستئناف البيانى كما مر بيانه
(الفقه): مبتدأ
(معرفة): خبر، وهو مضاف
(الأحكام): مضاف إليه
(الشرعية): نعت لـ (الأحكام) ونعت المجرور مجرور
(التى): نعت لـ (معرفة) مبنى على السكون فى محل رفع، أى المعرفة التى طريقها الاجتهاد، أو نعت لـ (الأحكام) أى الأحكام التى طريقها الاجتهاد
(طريقها): (طريق) مبتدأ، وهو مضاف و(ها) ضمير مبنى على السكون فى محل جر مضاف إليه
(الاجتهاد): خبر، والجملة من المبتدإ والخبر وما تعلق بهما لا محل لها من الإعراب صلة الموصول
والاجتهاد: هو بذل الوسع فى بلوغ الغرض
المعنى: هذا تعريف (الفقه) الذى هو الجزء الثانى من (أصول الفقه) باعتباره مركبا إضافيا.
واعلم أن المصنف عَرَّفَ الفقه هنا شرعا لا لغة.
وأما لغة: فقيل: الفهم مطلقا، وقيل: لِمَا دَقَّ فلا يقال: فقهت أن السماء فوقنا.
ويقال: (فَقِهَ) كـ (فَهِمَ) وزنا ومعنى.
و(فَقَهَ) كـ (فَتَحَ): إذا سبق غيره فى الفقه.
و(فَقُهَ): إذا صار الفقه له سجية.
والمراد بـ (المعرفة) هنا العلم الذى هو بمعنى الظن وليس العلم اليقينى الذى هو الإدراك الجازم المطابق، وأطلقت (المعرفة) التى هى بمعنى العلم على الظن لأن المراد بذلك ظن المجتهد الذى هو لقوته قريب من العلم.

د:ابراهيم الشناوى
2014-02-28, 07:26 PM
[قال صاحبي]
قال: قد ذكرت أن المشار إليه بـ (ذلك): (لفظ أصول الفقه)
قلت: نعم
قال: وذكرت أن (أصول الفقه) فى قوله: "فصول من أصول الفقه" المراد به (علم أصول الفقه)
قلت: نعم
قال: فهل بينهما فرق ؟ أو هما متساويان ؟ يعنى: هل (علم أصول الفقه) = (لفظ أصول الفقه) ولكنك أردت التنوع فى الأسلوب؟
قلت: بل بينهما فرق أراده المصنف.
قال: وما هو ؟
قلت: أراد بـ (أصول الفقه) فى قوله: "فصول من أصول الفقه" معناه الذي هو (العِلْم المخصوص)، وأراد بقوله: "وذلك" الإشارة إلى (لفظ أصول الفقه) الذى تقدم فى الكلام دون معناه المراد هناك.
قال: قد ذكرت ذلك سابقا فما الدليل عليه ؟
قلت: وجود القرينة
قال: وما هى ؟
قلت: أما فى الأول فالقرينة (مِنْ) التى للتبعيض، وأما فى الثانى فالإخبار عنه بـ (مؤلف)
قال: لم أفهم شيئا فهلا زدت الأمر توضيحا
قلت: قوله:"فصول مِنْ أصول الفقه" (مِنْ) فيه للتبعيض كما أخبرتك و(الفصول) إنما تكون بعضا من العلم لا بعضا من اللفظ؛ لأن اللفظ (أصول الفقه) ليس فيه لفظ (فصول) فتعين أن يكون المراد من قوله: "أصول الفقه" هنا معناه الذي هو (علم أصول الفقه).
قال: نعم، فهمت هذا.
قلت: وأما الثانى وهو أن الإشارة لِلَّفْظِ: (أصول الفقه) وليس لِلْمعنى: (علم أصول الفقه) فلأنه أخبر عنه بأنه (مؤلَّف) والتأليف – كالتركيب - من خواص الألفاظ ألا ترى أن المتكلم إنما يؤلف ألفاظا ويُرَكِّبُها تركيبا خاصا لتدل على المعانى التى يريدها.
قال: نعم، فهمت هذا أيضا، وعلى هذا يكون فى كلام المصنف (استخدام) لأنه ذكر (أصول الفقه) بمعنى الفن ثم أعاد اسم الإشارة عليه بمعنى اللفظ
قلت: نعم، أحسنت
قال: أنت قلت فيما سبق:"بل بينهما فرق أراده المصنف" وهذا يعنى أنك تزعم أن المصنف أراد هذا (الاستخدام)
قلت: نعم أراده
قال: فما الدليل على ذلك ؟
قلت: انظر إلى قوله: "فصول من أصول الفقه وذلك". المشار إليه هنا هو قوله: "أصول الفقه" أليس كذلك؟
قال: بلى
قلت: فهل هو قريب من قوله: "ذلك" أو بعيد ؟
قال: قريب بل هو أقرب مذكور
قلت: فلِمَ عَدَلَ المصنف – رحمه الله تعالى – عن استعمال اسم الإشارة الذى للقريب (هذا) واستعمل الذى للبعيد (ذلك)
قال: لا أدرى، وقد كنت أنوى السؤال عنه
قلت: إنما خالف الظاهر فى ذلك ليدل على بُعْدِ المشار إليه وهو (لفظ أصول الفقه) حيث أن المذكور القريب المراد منه معناه وهو (علم أصول الفقه) فكأن المشارَ إليه الذى أراده غيرُ مذكور مطلقا فكان بعيدا.
قال: يا لهذا المصنف من إمام ! رحمه الله رحمة واسعة.
قلت: آمين.

د:ابراهيم الشناوى
2014-03-06, 07:32 PM
قال: فحدثنى عن فاء الفصيحة
قلت: قد أخبرتك بضابطها فيما سبق وهو أن تقع فى جواب شرط مقدر.
قال: زدني.
قلت: وقيل: هي ما أفصحت عن مقدر أعم من أن يكون شرطا أو غيره نحو: {فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ} أى فضرب فانفجرت.
قال: زدني.
قلت: ويقال لها فاء الفضيحة بالضاد المعجمة.
فنظر إلىَّ متعجبا
فقلت: ليس هذا قولى وإنما هو قول العلماء.
فقال: إيهِ(1).
قلت: كفاك هذا.
فأطرق محزونا، وتفكر قليلا ثم أراد أن يجابهنى بمثل ما جبهته به.
فقال: لقد أخطأتَ فى تقدير الشرط.
قلت: وكيف ذلك ؟!
قال: ألست قلت: " فكأنه قال هنا: إذا أردت أن تعرف ما الأصل فالأصل ما يبنى الخ ".
قلت: بلى
قال: ألا تعلم أن الذى يحذف مع فعله من أدوات الشرط هو (إِنْ) وليس (إذا) كما قدرته أنت ؟ فكان ينبغى لك أن تقول: (إن أردت أن تعرف الخ)
قلت: فى كلام الرضى ما يؤخذ منه صلاحية تقدير إذا وعليه يتخرج كلامى وكلام غيرى.
قال: فلِمَ عَدَلْتَ عن (إِنْ) وهى متفق عليها إلى (إذا) وفيها هذا الإشكال السابق؟
قلت: أنا فيه متبع لغيرى من العلماء
قال: فلِمَ عدلوا ؟
قلت: تقدير (إذا) أولى من تقدير (إِنْ) لأن (إذا) للتحقق والوقوع، و(إِنْ) للشك: وهو الموهوم؛ فلذا عبر فى جانب الحسنة بـ (إذا) فى قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ} [الأعراف: 131]؛ فإن الحسنة محققة وواقعة، والسيئة لما كانت موهومة عبرفى جانبها بـ (إن) كما فى قوله تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ } [الأعراف: 131]
قال ابن عرفة: أتي في الحسنة بـ (إذا) وعرَّفها وجعل فعلها ماضيا بلفظ: {جَاءَ}، وأتى في السيئة بـ (إِنْ) وذكره ونكَّرها وجعل فعلها مستقبلا، فقال تعالى (وَإِنْ تُصِبْهُمْ) إشارة إلى أنهم لَا يعتبرون إلا الحسنة الثابتة المحققة وأنهم يتطيرون بأدنى سيئة وأقلها ولو لم تكن محققة.
فصمتَ.
فقلت له: لا تحزن، سأجيبك عن فاء الفضيحة.
فتبسم مسرورا.
فقلت: يقال لها: (فاء الفضيحة) لأنها فضحت وأظهرت ما كان مخفيا فى الكلام.
فقال: جزاك الله خيرا
قلت: وجزاك


______________________________
(1) (إيهِ): اسم فعل أمر مبني على الكسر لا محل له من الإعراب ومعناه زدني من هذا الحديث المُعَيَّنِ الذي تتحدث فيه، وأما (إيهٍ) بالتنوين فمعناه: زدني من أي حديث سواء هذا الذى تتحدث فيه أو غيره، وهذا التنوين الداخل عليه يسمى تنوين التنكير وفائدته بيان الفرق بين المعرفة والنكرة فى الأسماء المبنية فما دخله التنوين منها كان نكرة وما لم يدخله كان معرفة.

د:ابراهيم الشناوى
2014-03-08, 08:10 PM
قال صاحبي: المصنفُ – رحمه الله - عرَّف (أصول الفقه) باعتباره مركبا إضافيا فعرف (الأصول) أولا ثم عرف (الفقه) ثانيا.
قلت: نعم
قال: هل لاحظت شيئا فى تعريفيه
قلت: لا
قال: ألا ترى أنه عرف الجزء الأول (أصول) من حيث اللغة، والجزء الثانى (الفقه) من حيث الاصطلاح ؟
قلت: بلى، قد فعل
قال: فهلا عرفهما جميعا من حيث اللغة أو الشرع
قلت: قد علمتَ أن المصنف من العلماء المعتبرين فى هذه العلوم وأنه لم يكن ليلقى بالكلام اعتباطا أو جزافا ولو كان كذلك لما اعتنى العلماء بهذه الورقات كل هذه العناية ما بين شارح ومُحَشّ وناظم ومنهم المسهب فى شرحه ومنهم المقتصر على فك العبارة ومنهم بين ذلك
قال: نعم، ولكن هذا لا يمنع من وجود عثرات وهفوات له ولغيره، فى هذا الكتاب وفى غيره، أبى الله أن يتم إلا كتابه
قلت: أخشى أن تكون كلمة حق أريد بها باطل
قال: وكيف ذلك ؟
قلت: إذا أحسنا الظن بأنفسنا وأسأناه بعلمائنا وكلما وقفنا على شئ لم نفهمه قلنا: أخطأ فلان، ونحن لا نقدس الأشخاص، وليس أحد فوق النقد ... وما إلى ذلك فلن يسلم لنا علم ولن ننتفع بعالم، والقصد من هذا أن أبين لك أن من الخطإ التعجلَ بتخطئة الأستاذ فإن خطأ شيخك أولى من صواب نفسك حتى يتم أمرُك ويشتد عودك وعندها افعل ما بدا لك.
قال: قد أكثرت علىّ فى هذا الأمر فأخبرنى عما سألتك عنه: ألم يكن الأَوْلَى والأحسن أن يسير المصنف على طريقة واحدة وهو يُعَرِّفُ جُزْأَىْ مُرَكَّبٍ واحدٍ بأن يُعَرِّفَهُما جميعا من حيث اللغة أو من حيث الشرع، لا أن يُعَرِّف أحدهما لغة والآخر شرعا ؟! وكأنك لا تعرف جوابا عن هذا فلهذا عَدَلْتَ عن الجواب إلى ما ذكرتَ.
قلت: إنك لجرئ، ولكنى سأخبرك بالسر فى ذلك، وهو أنه أراد المبالغة فى مدح هذا الفن.
قال: وكيف ذلك ؟
قلت: فِعْلُه هذا فيه تصريح بأن الفقه (بالمعنى الاصطلاحي) الذى هو من أفضل العلوم الشرعية (مبنيٌّ) على (علم أصول الفقه) فهذه مزية عظيمة لهذا الفن.
وزيادة فى الإيضاح أقول:
= لو حذفت (أصول) ووضعت مرادفه اللغوى (أساس)
= وحذفت (الفقه) ووضعت مرادفه الشرعى الذى أراده المصنف (علم الفقه) لكان معنى هذا المركب: (أساس علم الفقه) وهذا ما أراده المصنف بفعله.
أما لو فسرهما جميعا بالمعنى الشرعى:
= فحذفنا (الأصول) ووضعنا مرادفه الشرعى:(الدليل)
= وحذفنا (الفقه) ووضعنا مرادفه الشرعى:(علم الفقه)
لكان معنى هذا المركب:(دليل علم الفقه) وهذا غير مراد هنا(1) كما أنه يُفَوِّتُ التصريح بالبناء الذى هو المعنى اللغوى لـ(لأصل)، والذى فيه المبالغة فى مدح هذا الفن (أصول الفقه) فتأمل.
ولو فسرهما جميعا بالمعنى اللغوى:
= فحذفنا (الأصول) ووضعنا مرادفه اللغوى: (البناء)
= وحذفنا (الفقه) ووضعنا مرادفه اللغوى: (الفهم) صار معنى المركب:(أساس الفهم) فهذا يفيد البناء إلا أنه ليس بناء خصوص الفقه الاصطلاحى الذى هو من أشرف العلوم الشرعية فتأمل.
قال صاحبي: يا له من إمام ! لله دره!
ثم قال: قد ذكرت أنه يقال: "(فَقِهَ) كـ "(فَهِمَ)"
قلت: نعم
قال: فـ (فَهِمَ) مصدره (الفَهْم) بفتح الفاء وهو قياس مصدر الثلاثى المتعدى فكان ينبغى أن يكون مصدر (فَقِهَ) (الفَقْه) بفتح الفاء أيضا
قلت: نعم، ما ذكرتَه هو القياس فيكون (الفِقْهُ) بالكسر مصدرا سماعيا


_____________________
(1) قال ابن قاوان: " وليست (الأصول) بمعنى الأدلة وإلا لاحتجنا إلى نقله إلى معرفة القواعد المذكورة ثم احتجنا إلى التعريفين له أحدهما من جهة الإضافة والآخر من جهة العَلَمِيَّة. (التحقيقات فى شرح الورقات ص89/ ابن قاوان ت. الشريف سعد/ دار النفائس)

د:ابراهيم الشناوى
2014-03-18, 07:44 PM
قال صاحبي: كأنى لم أفهم تعريفه للفقه جيدا فهلا زدته توضيحا
قلت: الكلام واضح فسل عما أشكل عليك.
قال: لا بأس، المصنف يقول: "والفقه معرفة الأحكام الشرعية" فما هى هذه الأحكام؟
قلت: الأحكام جمع حُكْم وهو فى اللغة: المنع وفى الاصطلاح: (خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع). ومراد المصنف بالأحكام هنا الأحكام السبعة التى سيذكرها بعد هذه الفقرة مباشرة وهى الواجب والمندوب الخ
قال: فلم قيدها بالشرعية؟
قلت: ليخرج ما سواها من الأحكام مثل:
- الأحكام النحوية: كقولهم: الفاعل مرفوع والمفعول منصوب ونحو ذلك
- والأحكام العقلية مثل: الواحد نصف الاثنين والكل أكبر من الجزء.
- والأحكام الحسية مثل: النار محرقة
- والأحكام العرفية أو العادية مثل قولنا: (وجود سيارة الأمير عند الباب تدل على وجود الأمير)، ومثل: معرفة نزول الطَّلِّ فى الليلة الشاتية إذا كان الجو صحوا، فهذا حكم عادى.
قال: فأنت جعلت قوله: "التى طريقها الاجتهاد" صفة لـ "معرفة" أو لـ "الأحكام" فهل ثمت فرق بينهما؟
قلت: يقال بينهما فرق وذلك أنك لو جعلتها صفة لـ "معرفة" صار المعنى: الفقه هو المعرفة التى طريقها الاجتهاد، فكل معرفة ليس طريقها الاجتهاد لاتسمى فقها: فمعرفة المقلد ليست فقها؛ لأنها ليست عن طريق الاجتهاد، وكذلك معرفة الأحكام القطعية: كوجوب الصلاة والصوم وكون الصوم فى شهر رمضان ونحو ذلك لا يسمى فقها، وكذلك معرفة الأحكام الاعتقادية التى طريقها النص كالعلم بصفات الله عز وجل، والعلم بيوم القيامة والبعث والجزاء والصراط وغير ذلك من الغيبيات التى لا تعرف إلا عن طريق النقل وليس الاجتهاد.
= وإن جعلت قوله: "التى طريقها الاجتهاد" صفة للأحكام كان المعنى: الأحكام التى طريقها الاجتهاد فتخرج الأحكام القطعية أيضا كما سبق لكن لا يخرج علم المقلد؛ لأن الحكم الشرعى هنا يحتاج فى الوصول إليه أولا إلى اجتهاد وهذا قد وقع من المجتهد فلما وصل إليه المجتهد وعَرَفه أخذه عنه المقلد دون اجتهاد فصار كل من المجتهد والمقلد عارفا بالحكم الذى يتطلب اجتهادا للوصول إليه لكن المجتهد عرفه عن طريق الاجتهاد وأما المقلد فعرفه تقليدا وهذه المعرفة غير مؤثرة فسواء عرفت الحكم اجتهادا أو تقليدا فهذا لا يؤثر فى إطلاق اسم الفقه على هذا الحكم فالنظر إنما هو للحكم هل يحتاج إلى اجتهاد فيسمى فقها أو لا يحتاج فلا يسمى بذلك
قال: ما نوع (أل) الداخلة على (الأحكام)؟
قلت: استغراقية
قال: لو كان هذا صحيحا لتعذر وجود فقيه واحد لأن المعنى يكون حينئذ: معرفة جميع الأحكام ولخرج مَنْ سُئِل عن مسألة فقال لا أدرى: كالإمام مالك الذى سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال فى اثنتين وثلاثين وقيل: فى ستة وثلاثين منها: "لا أدرى".
قلت: المراد بمعرفة جميع الأحكام وجود المَلَكة والتهيؤ لمعرفتها بمعاودة النظر فالفقيه إن كان عارفا بالمسألة فهو فقيه بالفعل وإن لم يكن عارفا بها فهو فقيه بالقوة القريبة أى بوجود الملكة والاستعداد والقوة على معرفتها

د:ابراهيم الشناوى
2014-03-21, 07:34 PM
قال المصنف - رحمه الله تعالى - : "وَالْأَحْكَامُ سَبْعَةٌ: الْوَاجِبُ، وَالْمَنْدُوبُ، وَالْمُبَاحُ، وَالْمَحْظُورُ، وَالْمَكْرُوهُ، وَالصَّحِيحُ، وَالْبَاطِلُ."
(و): الواو للاستئناف النحوى، ومعناه: وقوعه أول كلام بعد تقدم جملة مفيدة من غير ارتباطه بها لفظا سواء كان جوابا لسؤال مقدر أو لا.
وفائدته: تزيين اللفظ وتحسينه
(الأحكام): مبتدأ
(سبعة): خبر
(الواجب):
- بدل من (سبعة) بدل بعض من كل أو بدل مفصل من مجمل فإن قيل: بدل البعض يشترط اشتماله على ضمير يعود على المبدل منه فالجواب: أن محل ذلك إذا لم تستوف الأجزاء فإن استوفيت كما هنا فلا يحتاج إليه أو أن الضمير مقدر تقديره: (منها الواجب).
- أو خبر لمبتدإ محذوف والتقدير مثلا: (أحدها الواجب).
(وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُبَاحُ، وَالْمَحْظُورُ، وَالْمَكْرُوهُ، وَالصَّحِيحُ، وَالْبَاطِلُ):
كلها معطوفة على (الواجب)

د:ابراهيم الشناوى
2014-03-28, 07:42 PM
[قال صاحبي]
قال صاحبي: ما معنى الواو هنا؟
قلت: مطلق الجمع
قال: ما معنى الجمع المطلق هذا؟
قلت: أنا لم أقل "الجمع المطلق" وإنما قلت: " مطلق الجمع".
قال: فهل بينهما فرق؟
قلت: نعم
قال: وما هو؟
قلت: أما (مطلق الجمع) فالمراد به الجمع لا بقيد، يعنى غير مقيد بشئ، وأما (الجمع المطلق) ففيه إيهام تقييد الجمع بالإطلاق، والغرض نفى التقييد؛ ولهذا قال ابن هشام فى المغنى:"وقول بعضهم: (إن معناها: الجمع المطلق) غير سديد"[1]، وقال ابن الحاجب فى المختصر: "الواو للجمع المطلق". فعلق عليه التاج السبكى بقوله: "لو قال: مطلق الجمع لكان أَسَدَّ "[2].
قال صاحبي: تقول: إن المراد بـ (مطلق الجمع) الجمعُ لا بقيد.
قلت: نعم.
قال: فما مثال القيد؟
قلت: مثاله: التقييد بالمعية، والترتيبِ، وعكسه.
قال: فاضرب لى مثالا على هذا.
قلت: مثل قولك: (جاء زيد وعمرو) :
- فإن جعلت الواو للجمع بقيد المعية فالمعنى: اشترك زيد وعمرو فى المجئ وكان مجيئهما معا.
- وإن جعلت الواو للجمع بقيد الترتيب فالمعنى: اشترك زيد وعمرو فى المجئ وكان مجئ زيد قبل مجئ عمرو.
- وإن جعلت الواو للجمع بقيد عكس الترتيب فالمعنى: اشترك زيد وعمرو فى المجئ وكان مجئ زيد بعد مجئ عمرو.
قال: فقولهم: (الجمع المطلق) و(مطلق الجمع) كقول الفقهاء: (الماء المطلق) و(مطلق الماء)
قلت: نعم
قال: فهذا الكلام متفق عليه بين أهل اللغة؟
قلت: لا.
قال: فلعله الصوابُ في المسألة.
قلت: لا، بل الصواب خلافه – كما فى حواشى المغنى[3]- وهو أنه لا فرق بين قولهم – أعنى أهل اللغة -: (الجمع المطلق) و(مطلق الجمع) وأما تفرقة الفقهاء فاصطلاح خاص بهم.
قال: فهل يفيد هذا شيئا فيما نحن فيه؟
قلت: نعم، فاعلم:
أولا - أن المشهور من مذهب الشافعى أن الواو للترتيب[4]، ونُقِلَ هذا أيضا عن بعض أهل اللغة مثل: قُطْرُب، والرَّبَعى، والفراء، وثعلب، وأبى عمر الزاهد غلام ثعلب، وهشام الضرير، وأبى جعفر الدينورى[5]. وقيل: عن الإمام الشافعى أيضا وهو غير صحيح[6].
وذهبت الحنفية إلى أنها للمعية[7].
ولكن الصحيح المنقول عن أئمة اللغة: أنها لمطلق الجمع.
ثانيا – لو كانت الواو للترتيب فقلت: (جاء زيد وعمرو بعده) كان قولك: (بعده) تكريرا؛ للعلم بِالْبَعْدِيَّة َ من الواو.
ولو قلت: (جاء زيد وعمرو قبله) كان غير صحيح؛ للتناقض وذلك أن الواو – على هذا القول – تفيد الترتيب فتفيد تأخُّرَ مجئ عمرو، وقولك: (قبله) يفيد تقدمه فيتناقضا، ولكن لا تكرير ولا تناقض فلا ترتيب.
قال: قد استطردت فى هذه المسألة فهل لها فائدة ؟
قلت: لو قال لزوجته: (إن دخلتِ الدار وكلمتِ زيدا فأنت طالق) فلو كَلَّمَتْ زيدًا أولا ثم دخلت الدار ثانيا طُلِّقَتْ على مذهب من قال: إنها لمطلق الجمع، ولم تُطَلَّقْ على مذهب من قال بالترتيب لأن فعلها وقع على عكس الترتيب.


[1] مغنى اللبيب 4/ 353 ت. عبد اللطيف الخطيب
[2] رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب لتاج الدين السبكى 1/ 431 ت. على معوض وعادل عبد الموجود ط. عالم الكتب
[3] انظر مثلا حاشية الأمير على المغنى 2/31 ط. الحلبى، وحاشية الدسوقى على المغنى 2/ 22 ط. دار الطباعة، وحاشية الشمنى على المغنى 2/ 104 ط. المطبعة البهية بمصر
[4] انظر البرهان لإمام الحرمين (1/ 181 ت. عبد العظيم الديب).
[5] مغنى اللبيب 4/ 354، والجنى الدانى فى حروف المعانى للمرادى 158- 159 ت.قباوة وفاضل ط. دار الكتب العلمية
[6] ممن نسب هذا للإمام الشافعى ابنُ هشام فى المغني (4/ 354/ الخطيب)، وابن الخباز كما فى الجنى الدانى 159، وممن نفى هذه النسبة للشافعى التاج السبكى فى رفع الحاجب 1/ 438 قال فى مسألة من قال لغير المدخول بها: (أنت طالق وطالق وطالق): " وقد لاح بهذا أنه لا حجة لمن زعم أن الشافعى يقول: (الواو) للترتيب بهذه المسألة ... وتعلقوا أيضا بإيجاب الشافعى الترتيب فى الوضوء من آية الوضوء والشافعى لم يأخذ ذلك من الواو بل من جهة أن العبادة كلها مترتبة كالصلاة والحج، والوضوء منها، والواو لا تنفى الترتيب. وقال الأستاذ أبو منصور البغدادى: معاذ الله أن يصح عن الشافعى أنها للترتيب وإنما هى عنده لمطلق الجمع". ا.هـ
[7] البرهان لإمام الحرمين (1/ 181 / الديب)، والجنى الدانى 160، ومغني اللبيب (4/ 355 / الخطيب).

د:ابراهيم الشناوى
2014-04-18, 07:36 PM
قال: ذكرتَ أن المعطوفات كلها فى قوله: "والمندوب والمباح الخ" معطوفة على الأول (الواجب)
قلت: نعم، إذا تعددت المعطوفات وكان العطف بالواو كانت كلها معطوفة على الأول لأصالته، ومن النحاة من قال: على القريب لقربه، ولم يذهب أحد منهم إلى العطف على المتوسط لذهاب العلتين المذكورتين.
قال: ذكرت أن الواو هنا لمطلق الجمع
قلت: نعم.
قال: أحب أن ألخص ما فهمته عنها.
قلت: هاتِ.
قال: الواو لمطلق الجمع من غير ترتيب:
= فتعطف الشئ على مُصاحِبه: كقوله تعالى: {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} [العنكبوت:15]، فالنجاة حصلت لنوح وأصحاب السفينة معا.
= وتعطف الشئَ على سابقه: كقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ} [الحديد: 26]، فعطفت (إبراهيم) على (نوح) وهو سابق متقدم فى الزمان عليه.
= وتعطف الشئ على لاحقه كقوله تعالى: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ} [الشورى: 3]، فعطفت {الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ} على ضمير المخاطب (الكاف) فى {إِلَيْكَ} والخطاب له صلى الله عليه وسلم وهو لاحق لهم متأخر عنهم.
وقد اجتمع هذان فى قوله تعالى: {وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب: 7] فنوح ومَنْ بعده سابقون على النبى صلى الله عليه وسلم ومعطوفون عليه فهو من عطف الشئ على لاحقه، وإبراهيم ومَنْ بعده كل واحد منهم متأخر عن سابقه فهو من عطف الشئ على سابقه.
قلت: أحسنت
قال: ماذا لو قلنا: إنها خرجت هنا عن هذا المعنى (مطلق الجمع) واستعملت بمعنى (أو) للتقسيم؛ إذ المذكور فى قوله: "الواجب والمندوب والمباح الخ" أقسامٌ لقوله: "الأحكام سبعة".
قلت: ذهب صاحب القاموس المحيط إلى ما تقول فقال: "وقد تخرج الواو عن إفادة (مطلق الجمع)، وذلك على أوجُهٍ: أحدها: أن تكون بمعنى (أو)، وذلك على ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون بمعناها فى التقسيم، نحوُ: الكلمة: اسمٌ وفعلٌ وحرفٌ"[1].
قال: قد أسعدتنى بهذا النقل عن صاحب القاموس وبهذا يكون كلامى صوابا؛ فالواو فى قول المصنف: "الواجب والمندوب والمباح..." إلى قوله: "والباطل" هى الواو التى فى قولهم: "الكلمة: اسم وفعل وحرف".
قلت: نعم، مثلها.
قال: فالواو هنا للتقسيم وبمعنى (أو)
قلت: كونها للتقسيم صحيح، وأما كونها خرجت عن (مطلق الجمع) وصارت بمعنى (أو) فخطأ.
فتعجب، وقال: ألم تنقل هذا عن صاحب القاموس المحيط؟!
قلت: بلى، ولكنى نقلته هنا لأنقل رد العلماء عليه.
فلم يَنْبِسْ بِبِنْتِ شَفَة.
فاستطردت قائلا: أجاب العلماء على ذلك[2]، فمنهم:
- ابن أم قاسم المرادى قال: " وأجاز بعضهم أن تكون الواو فى قولهم: "الكلمة: اسم، وفعل، وحرف" بمعنى (أو) لأنه قد يقال: اسم أو فعل أو حرف. قلت: العكس أقرب؛ لأن استعمال الواو فى ذلك هو الأكثر. قال ابن مالك: " استعمال الواو فيما هو تقسيم أجود من استعمال (أو)"[3] ا.هـ
- وابن هشامفى المغنى قال: " والصواب أنها فى ذلك[4] على معناها الأصلى[5]؛ إذ الأنواع[6] مجتمعة فى الدخول تحت الجنس[7] ولو كانت (أو) هى الأصل فى التقسيم لكان استعمالها فيه أكثر من استعمال الواو"[8].
- وزيني زادهفى (الفوائد الشافية على إعراب الكافية) المشهور (بمعرب الكافية) فقد نقل كلام ابن هشام السابق واعتمده[9].
قال صاحبي: فإذا كانت الواو على معناها الأصلى (مطلق الجمع) لزم أن يكون الحكم هنا فى قوله: "الأحكام سبعة" هو مجموع ما ذكر من: الواجب والمندوب والمباح والمحظور والمكروه والصحيح والباطل.
قلت: هذا ليس بلازم وقد نقلت لك آنفا قول ابن مالك: "استعمال الواو فيما هو تقسيم أجود من استعمال (أو)"
قال: ألم تقل: (الواو هنا لمطلق الجمع) ؟
قلت: بلى
قال: وأنت الآن تقول: (الواو للتقسيم) فبأى قولَيْكَ آخذ.
قلت: كون الواو للتقسيم ولمطلق الجمع جائز فلا يتنافيان وسأوضح لك قولهم: (الواو لمطلق الجمع) وقولهم: (الواو للتقسيم) حتى يتبين لك الأمر جدا.
أما قولهم: (الواو لمطلق الجمع) فإنهم لم يريدوا بذلك أن المعطوف والمعطوف عليه يجتمعان فى حال واحدة فيكون الحكم هو اجتماع الواجب والمندوب الخ وإنما يريدون أن المعطوف والمعطوف عليه يجتمعان فى :
- كونهما محكوما عليهما نحو: جاء زيد وعمرو، فزيد وعمرو محكوم عليهما بالمجئ.
- أو كونهما حكمين على شئ واحد نحو: زيد قائم وقاعد، فقائم وقاعد حكمين على شئ واحد هو زيد.
- أو فى حصول مضمونهما نحو: قام زيد وقعد عمرو، فاشترك المتعاطفان فى حصول مضمونهما وهو حصول قيام زيد فى الأول وحصول قعود عمرو فى الثانى.
وأما قولهم: (الواو للتقسيم) فكما سبق من قول ابن مالك: "استعمال الواو فيما هو تقسيم أجود من استعمال (أو)".


_____________________________
[1] القاموس المحيط مع تاج العروس 40/ 519 ط. المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب- الكويت
[2] أعنى أنهم أجابوا على من قال: إن الواو بمعنى (أو) للتقسيم، لا أعنى أنهم أجابوا على صاحب القاموس المحيط وإلا فصاحب الجنى الدانى قد توفى سنة 749هـ وابن هشام توفى سنة 761هـ وأما الفيروزآبادى صاحب القاموس المحيط فقد ولد سنة 729هـ وتوفى سنة 817هـ فعمره يوم توفى ابن أم قاسم عشرون عاما ويوم توفى ابن هشام نحو الثلاثين فالظاهر أن جوابهم ليس عليه فتأمل
[3] الجنى الدانى 166- 167.
[4] أى فى قولهم: " الكلمة اسم وفعل وحرف ".
[5] وهو مطلق الجمع
[6] التى هى الاسم والفعل والحرف
[7] وهو الكلمة
[8] مغنى اللبيب 4/ 369 / الخطيب.
[9] معرب الكافية لزينى زاده ص14.

د:ابراهيم الشناوى
2014-05-02, 10:30 PM
قال صاحبي: يقولون: إن قول المصنف:"الأحكام سبعة: الواجب، والمندوب الخ" من تقسيم الكلى إلى جزئياته لا إلى أجزائه فما معنى هذا؟
قلت: اعلم أن التقسيم إما أن يكون :
- تقسيم الكلى إلى أجزائه وذلك إذا كانت ماهية المقسوم لا توجد إلا بوجود جميع أجزائه، ولا يصح إطلاق اسم المقسوم على كل واحد من أقسامه: كما فى قولك: (الخبز: دقيق وماء)، فالمقسوم الكلى: الخبز، وأجزاؤه: الخبز والماء، فإذا لم يوجد الدقيق لم يوجد الخبز؛ لأن الباقى ماءٌ فقط، وإذا لم يوجد الماء لم يوجد الخبز؛ لأن الباقى دقيق فقط؛ فلابد لوجود الخبز من اجتماع أجزائه.
ولا يصح إطلاق اسم المقسوم على كل واحد من أجزائه فلا يقال: الدقيق خبز[1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)، ولا الماء خبز، وهذا بخلاف التقسيم الآتى.
- تقسيم الكلى إلى جزئياته وذلك إذا كانت ماهية المقسوم قد توجد من جميع أجزائه وقد توجد من بعضها، ويصح إطلاق اسم المقسوم على كل واحد من أقسامه بأن يجعل كل قسم من الأقسام مبتدأ والمقسوم الكلى خبرا له كما فى قولك: (الحيوان: إنسان وفرس وبقر)، فماهية الحيوان توجد بوجود هذه الأنواع مجتمعة ومفترقة ويصح الإخبار بالمقسوم الكلى (الحيوان) عن كل واحد منها فيصح أن يقال: الإنسان حيوان، والفرس حيوان، والبقر حيوان.
إذا علمت ما سبق علمت أن قول المصنف:"الأحكام سبعة: الواجب، والمندوب الخ" من تقسيم الكلى إلى جزئياته لا إلى أجزائه ودليله أنه يصح الإخبار به عن كل واحد منها فيصح أن تقول: الواجبُ حكمٌ والباطلُ حكمٌ الخ فاندفع بهذا ما قيل: من أن العطف بواو الجمع يقتضى أن يكون الحكم مجموع السبعة.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1) هكذا قلت وضربت هذا المثال من عندى للتقريب بدلا من قولهم: "السكنجبين خل وعسل وماء" فلما وصلت إلى قولى: "فلا يقال الدقيق خبز" ذكرتُ حديثَ تربة الجنة وفيه أنه يجوز التعبير عن الخبز بالدرمك وهو الدقيق الحوارى الخالص البياض، وسأذكر لفظ الحديث هنا ليُتَأَمَّل وهو:
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ نَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ لأُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ (ص) هَلْ يَعْلَمُ نَبِيُّكُمْ كَمْ عَدَدُ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ ؟ قَالُوا: لاَ نَدْرِى حَتَّى نَسْأَلَ نَبِيَّنَا. فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ (ص) فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ غُلِبَ أَصْحَابُكَ الْيَوْمَ. قَالَ: « وَبِمَ غُلِبُوا ؟ » قَالَ: سَأَلَهُمْ يَهُودُ هَلْ يَعْلَمُ نَبِيُّكُمْ كَمْ عَدَدُ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ قَالَ: « فَمَا قَالُوا ؟ » قَالَ: قَالُوا: لاَ نَدْرِى حَتَّى نَسْأَلَ نَبِيَّنَا. قَالَ: « أَفَغُلِبَ قَوْمٌ سُئِلُوا عَمَّا لاَ يَعْلَمُونَ فَقَالُوا: لاَ نَعْلَمُ حَتَّى نَسْأَلَ نَبِيَّنَا، لَكِنَّهُمْ قَدْ سَأَلُوا نَبِيَّهُمْ فَقَالُوا: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً. عَلَىَّ بِأَعْدَاءِ اللَّهِ إِنِّى سَائِلُهُمْ عَنْ تُرْبَةِ الْجَنَّةِ وَهِىَ الدَّرْمَكُ[1] » فَلَمَّا جَاءُوا قَالُوا يَا أَبَا الْقَاسِمِ كَمْ عَدَدُ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ ؟ قَالَ: « هَكَذَا وَهَكَذَا » فِى مَرَّةٍ عَشْرَةٌ وَفِى مَرَّةٍ تِسْعٌ. قَالُوا نَعَمْ. قَالَ لَهُمُ النَّبِىُّ (ص): « مَا تُرْبَةُ الْجَنَّةِ ؟ » قَالَ: فَسَكَتُوا هُنَيْهَةً ثُمَّ قَالُوا: خُبْزَةٌ يَا أَبَا الْقَاسِمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): « الْخُبْزُ مِنَ الدَّرْمَكِ ».
يحتمل التحسين: رواه الترمذى (3327) وقال: غريب إنما نعرفه من هذا الوجه من حديث مجالد، وأحمد (14889) والبزار فى مسنده كما ذكره ابن كثير فى التفسير: 8 / 150، ومجالد هذا هو ابن سعيد الهمدانى. قال فيه الحافظ فى التقريب ( 6478) ليس بالقوى وقد تغير فى آخر عمره كأبى أسامة وغيره فلا يعتد بحديثه وليس هذا الحديث كذلك فإنه من رواية سفيان عنه . وأيضاً فهذا الحديث من رواية مجالد عن الشعبى عن جابر وقد قال ابن عدى: " له عن الشعبى عن جابر أحاديث صالحة ". وانظر تهذيب التهذيب: 5 / 371 – 372 رقم (7545)

د:ابراهيم الشناوى
2014-05-16, 08:34 PM
قال صاحبي: أليست (الأحكام) فى قوله :"الأحكام سبعة" هى التى فى قوله: "الفقه معرفة الأحكام" ؟
فسكتُّ.
قال: أليس المقام مقام إضمار فكان عليه أن يقول: (هى سبعة)
قلت: أظهر فى مقام الإضمار إيضاحا للمبتدئ المقصود بالكتاب.
وفيه نكتة أخرى: وهى أنه لم يذكر بحسب الظاهر نفس الأحكام بل متعلقاتها وذلك أن الأحكام التي تتعلق بخطاب الشرع هى: الإيجاب والندب والإباحة والحظر والكراهة والصحة والبطلان، وما ذكره متعلقات الأحكام بالنظر إلى فعل العبد: (الواجب والمندوب والمباح الخ).
فالحكم في الأول هو: (الإيجاب)، ومتعلق الحكم الذي هو فعل العبد هو: (الواجب)
والحكم في الثاني هو: (الندب)، ومتعلق الحكم الذي هو فعل العبد هو: (المندوب)
والحكم في الثالث: (الإباحة) ومتعلق الحكم: (المباح)
والحكم في الرابع: (الحظر) ومتعلق الحكم (المحظور)
والحكم في الخامس: (الكراهة) ومتعلق الحكم (المكروه)
والحكم في السادس: (الصحة) ومتعلق الحكم (الصحيح)
والحكم في السابع (البطلان) ومتعلق الحكم (الباطل)
إذا علمت ما سبق علمت أن المصنف لم يذكر نفس الأحكام بل متعلقاتها فمن دقائق المصنف –رحمه الله- أنه أتى هنا بالظاهر (الأحكام) المناسب لمغايرته فى الظاهر لما سبق بخلاف المضمر (هى).
يعني أنه لو أتى بالمضمر فقال: (هي سبعة) فإن مرجع الضمير (هي) سيكون هو (الأحكام) المذكورة في قوله: "الفقه معرفة الأحكام" وهذه الأحكام المتعلقة بخطاب الشارع وهي كما سبق (الإيجاب والندب والإباحة والحظر والكراهة والصحة والبطلان) ولكنه لم يذكر هذه الأحكام بل ذكر متعلقاتها بالنظر إلى فعل العبد (الواجب والمندوب والمباح والمحظور والمكروه والصحيح والباطل) فظهر بذلك أنه خالف في الظاهر بين (الأحكام) في قوله: "الفقه معرفة الأحكام" وبين (الأحكام) في قوله: "الأحكام سبعة" ولما كانت هذه المخالفة مما لا تخفى على مثل هذا الإمام وكان من الجائز أن يعترض بعضهم ممن هو دون هذا الإمام في العلم بكثير عليه فيقول: (إنه ذكر متعلق الأحكام لا نفس الأحكام فإعادة المصنف الضمير على نفس الأحكام فيه تَجَوُّزٌ منه) فلهذا أظهر في موضع الإضمار ليدفع مثل هذا الاعتراض
قال صاحبي: ياله من إمام لله دره.
ثم قال: يقولون: إذا أعيدت المعرفة بلفظها كانت نفس الأولى
قلت: هذه قاعدة أكثرية
قال: لهذه القاعدة بقية لا أذكرها فهلا أكملتها لى مع الأمثلة
قلت: القاعدة أن :
- النكرة إذا أعيدت معرفة كانت عين الأولى: كما فى قوله تعالى: { كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 15، 16]؛ فالرسول الثانى هو الأول.
- المعرفة إذا أعيدت معرفة كانت عين الأولى: كقولك: جاءنى الرجلُ فأكرمتُ الرجلَ، فالرجل الثانى هو عين الأول.
- النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى: مثل: جاءنى رجلٌ فأكرمتُ رجلا، فالرجل الثانى غير الأول.
- المعرفة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى: مثل: جاءنى الرجل فأكرمت رجلا، يعنى رجلا آخر.
وكما ذكرت لك فهذه قاعدة أغلبية وإلا فقد أوردوا على إعادة النكرة نكرة قولَه تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] فإن كلمة (إله) نكرة أعيدت نكرة فيقتضى أن يكون الإله الثانى غير الأول فيلزم تعدد الإله، ويجاب بأن القاعدة أغلبية صادقة إذا لم يمنعها مانع كما هنا.
ويَرِدُ على إعادة النكرة معرفة قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] فمقتضى القاعدة أن الثانى عين الأول، مع أنه غيره؛ لأن الأول صلح بين الزوجين والثانى أعم، والجواب أن القاعدة أكثرية كما سبق[1].
___________________________
[1] انظر مغنى اللبيب (6/ 562- 570 / الخطيب)، وحاشية الشيخ عبد الله بن الشيخ العشماوى على الآجرومية/ 4/ ط. المكتبة التجارية

د:ابراهيم الشناوى
2014-05-31, 10:55 PM
قلت لصاحبي: لماذا سألت عن هذه القاعدة (إعادة المعرفة بلفظها)؟
فاضطرب وكأنه نسي لماذا ذكرها
قلت له: سبحان الله! أتسأل سؤالا ثم لا تدري لماذا تسأله؟
قال متلجلجا: بَــ بَــ بل أعرف
قلت له: على رِسْلِكَ
قال: نعم تذكرتُ
قلت: هيه
فابتلع ريقه بصعوبة ثم قال: أردت أن أقول إن المصنف رحمه الله قال: "الفقه معرفة الأحكام ...الخ" ثم قال: "الأحكام سبعة" فقوله "الأحكام" معرفة أعادها بلفظها فكان مقتضى القاعدة أن تكون عين الأولى ولكنها ليست كذلك
قلت له: أحسنت، فهل علمت الجواب؟
قال: نعم، وهو أن القاعدة أكثرية صادقة إذا لم يمنعها مانع
قلت له: أحسنت

د:ابراهيم الشناوى
2014-06-06, 07:48 PM
قال المصنف - رحمه الله تعالى - :
" فَالْوَاجِبُ: مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ.
وَالْمَنْدُوبُ: مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ.
وَالْمُبَاحُ: مَا لَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ، وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ.
وَالْمَحْظُورُ: مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ، وَيُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ.
وَالْمَكْرُوهُ: مَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ، وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ.
وَالصَّحِيحُ: مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النُّفُوذُ، وَيُعْتَدُّ بِهِ.
وَالْبَاطِلُ: مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النُّفُوذُ، وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ."

______________________________ ____


(فالواجب): الفاء فاء الفصيحة، (الواجب) مبتدأ
(ما): إما أن تكون:
- نكرة موصوفة بمعنى شئ، أيْ: شئ من قول أو فعل أو نية أو عزم أو اعتقاد أو غير ذلك؛ ضرورةَ تناول الواجب جميع ذلك.
- أو معرفة موصولة بمعنى الذى أى الفعل الشامل لجميع ما سبق من قول أو فعل أو نية الخ قال ابن قاسم: "وهو أنسب بقوله الآتى: (على فعله)"[1].
- وعلى كل فهى اسم مبنى على السكون فى محل رفع خبر
(يثاب): فعل مضارع مبنى للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، ونائب الفاعل مستتر جوازا تقديره هو يعود على المكلف المفهوم من الكلام، والجملة من الفعل ونائب الفاعل وما تعلق بهما فى محل رفع صفة لـ (ما) إن جعلتها نكرة موصوفة، أو لا محل لها من الإعراب صلة الموصول (ما) إن جعلتها اسما موصولا.
(على): حرف جر مبنى على السكون لا محل له من الإعراب.
(فعله): (فعل) اسم مجرور بـ (على) وعلامة جره الكسرة الظاهرة، والجار والمجرور متعلق بـ (يثاب)، و(فعل) مضاف و(الهاء) ضمير مبنى على الكسر فى محل جر مضاف إليه.
(و): حرف عطف
(يعاقب على تركه): مثل (يثاب على فعله) وهى معطوفة عليها ولذا فهى إما فى محل رفع أو لا محل لها.
(والمندوب): أصله (المندوب إليه) ثم تُوُسِّعَ بحذف حرف الجر (إلى) فاستكن الضمير (الهاء)[2]، وفى المصباح المنير: "والأصل (المندوب إليه) لكن حذفت الصلة منه لفهم المعنى"[3].
وقوله: "والمندوب ... إلى قوله: والباطل ما لا يتعلق به النفوذ ولا يعتد به." إعرابه كله مثل إعراب (الواجب ما يثاب الخ) غير أن فى بعضها زيادة (لا) النافية، وقوله: "يَتَعَلَّقُ" فعل مضارع مبنى للفاعل وليس للمجهول كالباقى.
______________________________ _
[1] الشرح الكبير لابن قاسم العبادي: 44.
[2] انظر الشرح الكبير لابن قاسم العبادي 53، وحاشية الدمياطى على شرح المحلى على الورقات/ 4 / ط. المطبعة الميمنية، ونهاية السول فى شرح منهاج الأصول للإسنوى 1/ 77 ت. محمد بخيت المطيعى ط. عالم الكتب، وأصول الفقه للعلامة محمد أبو النور زهير 1/ 50 ط. المكتبة الأزهرية
[3] المصباح المنير فى غريب الشرح الكبير 2/ 597 ت. عبد العظيم الشناوى ط. دار المعارف، والتحبير شرح التحرير لعلاء الدين المرداوى 2/ 978 ت. عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين ط. مكتبة الرشد بالرياض

د:ابراهيم الشناوى
2014-06-10, 08:05 PM
[قال صاحبي]
قال صاحبي: أين نائب الفاعل فى قوله: "يُعْتَدُّ بِهِ".
قلت: أجب أنت
قال: (بِهِ)
قلت: تعنى أن النائب عن الفاعل هو الجار والمجرور معا فيكونان فى موضع رفع.
قال: نعم، هو ذا.
قلت: لم يذهب أحدإلى هذا.
قال: بل ذهب إليه بعضهم.
فصمتُّ ونظرتُ إليه متشوفًا متشوقًا.
قال: أمَا وقد نظرتَ إلىَّ مُشْرَئِبًّا فاعلم أن فحول العلماء قد ذهبوا إليه منهم ابن مالك فى التسهيل[1] وابن هشام فى القطر حيث قال:"فإن لم يكن فى الكلام مفعول به ناب الظرف، أو الجار والمجرور، أو المصدر الخ"[2]، وفى الشذور حيث قال فى قوله تعالى:{وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا} [الأنعام: 70] :"{يُؤْخَذْ} فعل مضارع مبنى لما لم يُسَمَّ فاعله وهو خالٍ من ضمير مستتر فيه، و{مِنْهَا} جار ومجرور فى موضع رفع: أى لا يكن أخذٌ منها ولو قُدِّر ما هو المتبادر من أن فى يؤخذ ضميرا مستترا هو القائم مقام الفاعل، و{مِنْهَا} فى موضع نصب لم يستقم..."[3].
قلت: فلماذا تنقل شيئا وتترك آخر؟
قال: وما ذاك ؟
قلت: نقلت ما نقلت عن ابن هشام فى شرح القطر وغفلت أو تغافلت عن قوله فى المتن:"فإن لم يوجد (أى المفعول به) فما اخْتَصَّ وتصرف من ظرفٍ أو مجرور أو مصدر"[4]، فصريح كلامه أن النائب هو المجرور وحده وِفاقا للجمهور؛ ولهذا قال الفاكهى:"ظاهر كلامه أن النائب هو المجرور فقط"[5].
وأما فى الشذور فقال فى المتن:"وإن فُقِد (أى المفعول به) فالمصدر نحو...أو الظرف نحو... أو المجرور نحو:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} ومنه:{لَا يُؤْخَذ مِنْهَا}"[6]، ثم قال فى الشرح:"والمجرور كقوله تعالى: {وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا} [الأنعام: 70]"[7].
وأما ابن مالك فقال فى متن التسهيل:"فينوب عنه جاريا مجراه فى كل ما له: مفعول به، أو جار ومجرور، أومصدر الخ"[8].فاعتذر عنه ناظر الجيش قائلا:"الحق أن النائب عن الفاعل فى نحو: (مُرَّ بِزَيْدٍ) إنما هو المجرور، والحرف وصَّل معنى الفعل الذى هو المرور إليه، كما تقول فى نحو: (مررت بزيد) أن الذى فى محل النصب إنما هو المجرور والباء موصلة العامل إليه، ولكن المصنف تجوز فجعل النيابة للجار والمجرور معا، ولا شك أنهما فى الصورة هما القائمان مقام الفاعل فكان ذلك هو الحامل له على التجوز، وليس هذا الأمر مما يخفى على أضعف الناظرين فى كلام النحاة فما ظنك بالمصنف صاحب النظر العالى رحمه الله تعالى"[9].
قال: فنائب الفاعل هنا ضمير مستتر.
قلت: فما تقديره
قال: هو
قلت: على أى شئ يعود
فصمتَ ثم قال: لا أدرى.
قلت: ذهب ابن دُرُستويه والسهيلى وتلميذه أبو على الرُّندى إلى أن النائب ضمير عائد على المصدر المفهوم من الفعل[10] والتقدير: (يُعْتَدُّ هُوَ) أى الاعتداد، وهذا المذهب مردود بأن العرب تصرح فى مثل هذا المثال بالمصدر المنصوب نحو: (سِيرَ بزيدٍ سَيْرًا) و(يُعْتَدُّ بالخلاف اعْتِدَادًا) فلو كان النائب هو الضمير العائد على المصدر المفهوم من الفعل لجعلوا المصدر نائبا فى حالة تصريحهم به فكانوا يقولون: (سِيرَ بزيْدٍ سَيْرٌ) و(يُعْتَدُّ بِالْخِلَافِ اعْتِدَادٌ) ولكنهم لم يفعلوا فدلَّ على أنهم لا يجعلون المصدر وبالتالى الضمير العائد عليه نائبا.
قال: فما تقول أنت ؟
قلت: أقول بقول الجمهور
قال: وما هو ؟
قلت: قالوا: النائب عن الفاعل هنا المجرورُ وحده.
قال: قد أكثرت علىَّ فلخص لى ما سبق.
قلت: قول المصنف: "يُعْتَدُّ بِهِ" (يُعْتَدُّ) فعل مضارع مبنى للمجهول ونائب الفاعل فيه مذاهب:
- مذهب الجمهور أنه المجرور وحده (الهاء فى قوله : "بِهِ")
- مذهب الفراء أنه حرف الجر وحده
- مذهب السهيلى ومن معه أن النائب ضمير عائد على المصدر المفهوم من الفعل
______________________________ ____
[1] شرح التسهيل لابن مالك 2/ 126 ت. عبد الرحمن السيد ومحمد بدوى المختون ط. هجر
[2] شرح قطر الندى لابن هشام 189- 190 ت. محمد محى الدين عبد الحميد ط. المكتبة التجارية
[3] شرح شذور الذهب لابن هشام 194 ت. محمد محى الدين عبد الحميد ط. دار الطلائع.
[4] شرح قطر الندى 187.
[5] مجيب الندا إلى قطر الندى للفاكهى بهامش حاشية يس 2/ 80 ط. المطبعة الوهبية بمصر
[6] شرح شذور الذهب 190- 191.
[7] شرح شذور الذهب 194.
[8] شرح التسهيل لابن مالك 2/ 124.
[9] تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد لناظر الجيش 4/ 1620 ت. على محمد فاخر وآخرون ط. دار السلام.
[10] انظر همع الهوامع للسيوطى 2/268 ت. عبد العال سالم مَكرَم ط. مؤسسة الرسالة، والتصريح بمضمون التوضيح للشيخ خالد الأزهرى 1/422- 423 ت. محمد باسل عيون السود ط. دار الكتب العلمية

د:ابراهيم الشناوى
2014-06-15, 12:11 AM
قال صاحبي
قال: أليست الأحكام خمسة ؟
قلت: الأحكام التكليفية خمسة هي: الواجب والمندوب والمباح والمحظور والمكروه.
قال: فلم زاد الصحيح والباطل؟
قلت: الصحيح والباطل من الأحكام الوضعية ومنها: كون الشئ سببا فى كذا أو شرطا له أو مانعا منه.
قال: أأأ، ثم حُصِرَ فلم يستطع التكلم، وكأنه أراد أن يسأل سؤالا عن قول المصنف:"الأحكام سبعة" ثم لم يحسن التعبير عنه.
فقلت: المصنف أراد الأحكام الشرعية وهى تشمل التكليفية والوضعية، وقال بعضهم: الأحكام تسعة فزاد الرخصة والعزيمة، ولكن المصنف لم يتعرض لهما لأنهما مندرجتان فيما سبق: فالرخصة[1] قد تكون من قسم الواجب مثل: أكل الميتة فى المخمصة[2]، وفد تكون من قسم المندوب مثل: قصر الصلاة الرباعية فى السفر، وقد تكون من قسم المباح: كالمسح على الخفين. وأما العزيمة (وهى الحكم الذى شُرِعَ ابتداءًا) فتتنوع إلى أنواع الحكم التكليفى: من وجوب وندب وحظر وكراهة وإباحة، ولا تطلق عند المحققين إلا إذا قابلتها رخصة؛ فلهذا لم يتعرض لهما فى هذا الكتاب[3].
قال: فالأحكام على كل حال أكثر من سبعة وقد ذكرت أنت السبب والشرط والمانع فلماذا تركها المصنف.
قلت: لعله تركها تخفيفا على المبتدئ فإنه يمكنه أن يتصور حقيقة الواجب والمندوب إلى آخر الأحكام السبعة ولكن ربما شق عليه تصورُ ما تركه من السبب والشرط والمانع.
قال: ربما، ولكن هل يشق عليه ما ذكرتَ ويسهل عليه تصور القياس والاستصحاب والنص والظاهر والمؤول الخ
قلت: هذه أبواب يتكون من مجموعها أصول الفقه فلو تركها لترك هذا الفن جملة، وأى شئ يكتبه فى هذا الفن إذا ترك ما ذكرتَ ! أما ما تركه من الأحكام فالظاهر أنه اقتصر على جملة من الأحكام بحيث إذا تصورها المبتدئ استطاع أن يتدرج إلى ما فوقها وسهلت عليه لأنها من جنس ما ذكره، أما لو ترك مباحث الألفاظ أو القياس أو الاستصحاب فكيف يترقى الطالب لهذا العلم فى هذه الأبواب؟ فلابد إذن من ذكر جملة صالحة من هذه الأبواب يتعرف بها الطالب على ما فى هذه الأبواب من حيث الجملة فيعرف أسماءها ومعناها وشيئا مما يخصها، فإذا فعل ذلك وأراد الترقى بعد ذلك تمكن من استكمال ما فاته من هذه الأبواب حتى يصل إلى دقائقها.
قال: فلم آثر هذه السبعة ؟
قلت: آثرها لشهرتها.
قال: ربما.
قلت: ويمكن أيضا تأويل كلامه بأن مراده أن هذه السبعة من جملة الأحكام، لكن قال ابن قاسم: "ثم رأيت كلامه فى البرهان ظاهرا فى منافاة هذا التأويل دالا على إرادة الحصر فى هذه السبعة؛ لأنه قال ما نصه: (فإن قيل: فما الفقه ؟ قلنا هو فى اصطلاح علماء الشريعة: العلم بأحكام التكاليف[4]) انتهى"[5].
قال: هل كلام إمام الحرمين يدل على إرادة الحصر فى هذه السبعة كما قال ابن قاسم العبادي؟
قلت: الله أعلم.
قال: لا يظهر لى ذلك.
قلت: ولِمَ ؟
قال: لأنه لم يذكر فى (البرهان) إلا الأحكام التكليفية الخمسة: الواجب والمندوب والمباح والمكروه والمحظور.
قلت: إذا كان كلامُك صحيحا فمعناه أنه (أي إمام الحرمين) يرى أن الأحكام الوضعية ترجع إلى الأحكام التكليفية.
قال: نعم، أظن ذلك.

____________________

[1] الرخصة فى اللغة التيسير والتسهيل، واصطلاحا: الحكم الثابت بدليل، على خلاف دليل آخر، لعذر.
[2] للشيخ محمد بخيت المطيعى إفادات حسنة جدا فى هذا الأمر فاطلبه فى حاشيته المسماة (سلم الوصول لشرح نهاية السول) أى نهاية السول للإسنوى شرح منهاج الوصول للبيضاوى 1/ 121.
[3] قال الشيخ محمد أبو زهرة – فى باب الرخصة والعزيمة-: "هذا باب يتبع الحكم التكليفى لأن من مقتضاه أن ينتقل ما هو موضع النهى إلى مباح، أو ما هو مطلوب على وجه الحتم واللزوم إلى جائز الترك فى أمد معلوم، فهو باب بين الانتقال من حكم تكليفى إلى آخر". أصول الفقه/ أبو زهرة 50 ط. دار الفكر العربى.وقال الدكتور عبد الكريم زيدان: "العزيمة والرخصة من أقسام الحكم التكليفى؛ لأن الأول اسم لما طلبه الشارع أو أباحه على وجه العموم، والرخصة: اسم لما أباحه الشارع عند الضرورة تخفيفا عن المكلفين ودفعا للحرج عنهم، والطلب والإباحة من أقسام الحكم التكليفى، وذهب البعض إلى أن العزيمة والرخصة من أقسام الحكم الوضعى ... ولكن ما ذهب إليه الأولون هو الأظهر وهذا ما جرينا عليه" ا.هـ بتصرف الوجيز فى أصول الفقه/ د. عبد الكريم زيدان 50 ط. مؤسسة قرطبة.
[4] هكذا فى الشرح الكبير 37، والذى فى البرهان 1/ 85: (التكليف) بالإفراد.
[5] الشرح الكبير لابن قاسم العبادي 37.

د:ابراهيم الشناوى
2014-06-18, 08:47 PM
فاستطردت قائلا: الأحكام الشرعية تنقسم إلى:
- أحكام تكليفية وهى الخمسة السابقة: الإيجاب والندب الخ.
- وأحكام وضعية والمراد بها: جعل الشئ سببا أو شرطا أو مانعا أو وصفُهُ بالصحة أو الفساد أو البطلان.
قال فى قرة العين: "الأحكام الشرعية خمسة: هى الإيجاب والندب والإباحة والكراهة والتحريم" فعلق عليه الشيخ السوسي فى حاشيته بقوله: "كان عليه أن يقول الأحكام التكليفية خمسة؛ لأن الأحكام الوضعية شرعية قطعا وهى زائدة على الخمسة هكذا ظهر لى أولا، ثم رأيت أن الحصر فى الخمسة صحيح ولا ترد الأحكام الوضعية؛ لرجوعها إليها بناءًا على رد خطاب الوضع إلى خطاب التكليف... كما هو طريقة[1] لبعضهم"[2].
إذا عرفت هذا، فينبغى أن تعرف شيئا عن هذه الأحكام الوضعية
قال: هات.
قلت: اعلم أن:
- السبب: هو ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته، مثل: دلوك الشمس سبب لوجوب صلاة الظهر، ودخول رمضان سبب لوجوب الصيام، والسفر سبب لإباحة الفطر، والقتل العمد سبب لوجوب القصاص، وغير ذلك.
= فإن ظهرت مناسبة السبب لشرعية الحكم فهو (العلة والسبب) وبعضهم يقول: (العلة) فقط: كعقد البيع الدال على الرضا بنقل الملكية.
= وإن لم تظهر مناسبته للحكم كدلوك الشمس لصلاة الظهر فهو (السبب) فقط.
- والشرط: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته. مثل: الطهارة شرط لصحة الصلاة؛ فيلزم من عدم الطهارة عدم صحة الصلاة، لكن لا يلزم من وجود الطهارة وجود الصلاة أو عدمها أو صحتها؛ فقد تفسد الصلاة لفقد شرط آخر.
- والمانع: ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه عدم ولا وجود لذاته. مثل: الأُبُوَّةُ مانعةٌ من القصاص فى القتل العمد إذا كان القاتل أبا للمقتول، وكالعِدَّةِ فإنها مانعة من صحة نكاح المرأة إذا وقع العقد أثناءها.
- والصحيح: عرفه المصنف.
- والباطل: عرفه المصنف أيضا.
قال: فما معنى النفوذ والاعتداد ؟
قلت: النفوذ: هو البلوغ إلى المقصود نحو: حِلّ الانتفاع فى البيع الصحيح، وحِلّ الاستمتاع فى النكاح الصحيح.
و(يعتد به) أى: يُعْتَبَرُ شرعا بأن أتى بالشئ على الوجه المراد للشارع مستوفيا شروطه وأركانه خاليا عن الموانع، كقولك: هذه الصلاة صحيحة مُعْتَدٌّ بها شرعا.
قال: فهل قولنا: (نافذ) و(معتد به) معناهما واحد ؟
قلت: لا، فالنفوذ فى العقود والاعتداد فى العبادات، فمثلا يقال: هذه الصلاة مُعْتَدٌّ بها، ولا يقال: نافذة. ويقال: هذا العقد نافذ، ولا يقال: مُعْتَدٌّ به[3]، وقيل: هما بمعنى واحد[4].
قال: أفهم من هذا أن الفعل إذا كان من العبادات وقيل فيه: صحيح مُعْتَدٌّ به، فالمراد أن المكلف لا يطالَب بأداء الفعل مرة أخرى، وإذا كان الفعل من المعاملات وقيل فيه: صحيح نافذ، فالمراد أنه تترتب عليه آثاره.
قلت: نعم، هو ذا.
قال: والباطل عكس ذلك.
قلت: نعم.
قال: ولكنى لا أفهم جيدا معنى قولهم:" تترتب عليه آثاره"، فما هى هذه الآثار؟
قلت: أثر المعاملة: ما شُرِعَتْ له، فالبيع شُرِعَ لِنَقْلِ الملكية، فنَقْلُ الملكية أثره، والإجارة شرعت لاستيفاء المنفعة لأحد المتعاقدين واستحقاق الأجر للآخر، فهذا أثرها[5].
وأما فى العبادات: فتترتب الآثار من ثواب الله – عز وجل – وسقوط الطلب بها بحيث لا يؤمر بالعبادة مرة أخرى، وتبرأ ذمته بفعلها، فالصلاة المكتملة بشروطها وأركانهاوواجبات ها صحيحة[6].
__________________


[1] فى المطبوعة: (طريقهم) وهو تصحيف والصواب ما أثبته.
[2] حاشية الشيخ الهدة السوسي على قرة العين شرح ورقات إمام الحرمين للحطاب المالكى 18 ط. المطبعة التونسية.
[3] شرح نظم الورقات للعَمريطى لابن عثيمين 35 ط. دار ابن الجوزى
[4] قرة العين بشرح ورقات إمام الحرمين بهامش حاشية السوسي 19 ط. المطبعة التونسية. وفيه أيضا أن " العقد فى الاصطلاح يوصف بالنفوذ والاعتداد، والعبادة توصف بالاعتداد فقط " فتأمل
[5] أصول الفقه الإسلامى/ وهبة الزحيلى/ 104 / ط. دار الفكر
[6] شرح الورقات للشيخ عبد الكريم الخضير 2/ 20، 3/2 من الشاملة بتصرف.

د:ابراهيم الشناوى
2014-06-21, 10:48 PM
قال صاحبي: فهل الباطل والفاسد معناهما واحد ؟
قلت: الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) على أنهما مترادفان فيقولون: مبطلات الصلاة، ومفسدات الصوم، ونواقض الوضوء[1]، ولا يفرقون بينهما إلا فى مواضع قليلة[2].
وأما الحنفية والهادوية ففرقوا بينهما فقالوا:
- الباطل: ما لم يُشْرَعْ بأصله ولا بوصفه.
مثاله فى المعاملات:
= بيع الميتة بالدم فإنهما غير قابلين للبيع[3].
= وبيع الملاقيح[4] وهى: الأجنة فى بطون الأمهات، فإن هذا البيع غير مشروع باعتبار أصله لفقدان ركن من أركانه هو (المعقود عليه)[5]، قال الإسنوى: "بيع الحمل وحده غير مشروع ألبتة وليس امتناعه لأمر عارض"[6]، وكذا من حيث الوصف؛ لأن انتفاء الذات مستلزم لانتفاء الصفات، ولأن من شرائط صحة العقد: القدرة على التسليم والقبض، وهى منتفية فيه[7].
ومثال الباطل فى العبادات: صوم الحائض وصلاتها؛ فإن صومها وصلاتها غير مشروعين، ويوجبان الإثم[8].
- الفاسد: ما شُرِعَ بأصله دون وصفه.
مثاله فى المعاملات: بيع الدرهم بالدرهمين، فإن بيع الدراهم مشروع باعتبار ذاته ولكنه غير مشروع باعتبار ما اشتمل عليه من الوصف: وهو زيادة أحد العوضين على الآخر بلا مقابل.
ومثال الفاسد فى العبادات: صوم يوم النحر، فإن الصوم مشروع باعتبار أصله، ولكنه غير مشروع باعتبار كونه يوم النحر.
قال: فما معنى (أصله) و (وصفه)
قلت: أأ
فقاطعنى قبل أن أنطق بشئ قائلا: اختصر من فضلك.
قلت: المراد من (الوصف): الشرائط، ومن (الأصل): الأركان[9].
______________________________ __________________
[1] شرح نظم الورقات لابن عثيمين 38 بتصرف.
[2] أشهر هذه المواضع موضعان:
أحدهما- فى الحج
والآخر- فى النكاح
فراجعهما فى شرح نظم الورقات لابن عثيمين 38.
وثمت مواضع أخرى ذكرها التاج السبكى فى رفع الحاجب 2/ 19 وما بعدها.
[3] رفع الحاجب 2/ 19.
[4] جمع (ملقوحة) من لُقِحَت الناقة – بالبناء للمجهول – إذا أحبلت بالولد.
[5] أصول الفقه/ أبو النور زهير/ 1/ 63- 64.
[6] نهاية السول فى شرح منهاج الأصول للإسنوى مع سلم الوصول للمطيعى 1/ 101 ط. عالم الكتب.
[7] السراج الوهاج فى شرح المنهاج للجاربردى 1/ 117 ت. أكرم بن محمد اوزيقان ط. دار المعراج الدولية.
[8] أصول الفقه/ أبو النور زهير/ 1/ 64.
[9] السراج الوهاج 1/ 117.

د:ابراهيم الشناوى
2014-06-28, 05:24 PM
قال: بقيت مسألة هامة وهى قوله فى تعريف الواجب: "ويعاقب على تركه".فهذا معناه لزوم العقاب لكل من ترك واجبا ومن المعلوم أن هذا ليس بلازم، فيمكن أن يفعلَ العبدُ الكبيرةَ ويتركَ الواجبَ ثم يعفو الله عنه فلا يعاقبه.
قلت: نعم، وهذه المسألة تسمى – عند أهل السنة والجماعة – (مسألة الوعد والوعيد) ومَفَادُها: أن الله إِنْ وَعَدَ لا يُخلف وعدَه، وإِنْ أوعد فقد يخلف وعيده من باب فضله وكرمه[1].
قال: فكيف تُوَجِّهُ قولَه: "ويعاقب على تركه" ؟
قلت: حاصل ما أجاب به الشراح عن ذلك أن المراد من قوله: "ويعاقب على تركه" أن يوجد العقاب فى الجملة، لا أن المراد: أن كل تارك يعاقب على تركه[2]، فيُكْتَفَى فى صدق العقاب على الترك وجودُهُ لواحد من العصاة مع العفو عن غيره، أو يقال: المراد بقوله: "ويعاقب على تركه" أى: يترتب العقاب على تركه كما عبر بذلك غير واحد وذلك لا ينافى العفو عنه[3].
والأحسن فى التعريف أن يقال: (ما تُوُعِّدَ بالعقاب على تركه)
قال: ..
فقاطعته أيضا قبل أن يتكلم قائلا له: بقيت مسائل أخرى ومناقشات يمكنك أن تطلبها من مظانها، فلا يمكن أن نذكر هنا كل شئ، وإلا لَمَا انتهينا مما نحن فيه.
____________________________


[1] التحقيقات والتنقيحات السلفيات على متن الورقات/ مشهور حسن آل سلمان/ 53.
[2] حاشية السوسي على قرة العين 20.
[3] قرة العين فى شرح ورقات إمام الحرمين 20.

د:ابراهيم الشناوى
2014-07-12, 08:46 PM
قال المصنف رحمه الله:
وَالْفِقْهُ أَخَصُّ مِنَ الْعِلْمِ.
وَالْعِلْمُ: مَعْرِفَةُ الْمَعْلُومِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ فِي الْوَاقِعِ.
وَالْجَهْلُ: تَصَوُّرُ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ فِي الْوَاقِعِ.
______________________________ ________
(و): الواو للاستئناف النحوى
(الفقه): مبتدأ.
والمراد به الفقه بالمعنى الاصطلاحى.
(أخص): خبر، وفيه ضمير مستتر يعود على الفقه
(من العلم): الجار والمجرور متعلق بـ (أخص)
(و): استئنافية، أو عاطفة
(العلم): مبتدأ
(معرفة): خبر، ومضاف
(المعلوم): مضاف إليه
(على): حرف جر مبني على السكون لامحل له من الإعراب
(ما): يجوز كونها :
= نكرة موصوفة أى: على وصف ووجه هو به.
= أو معرفة موصولة بمعنى الذى أى: على الوجه والوصف الذى هو به .
= وعلى كل فـ (ما) اسم مبنى على السكون فى محل جر بـ (على) والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من (المعلوم) أى معرفة المعلوم حالة كونه كائنا على ما هو به .
(هو): مبتدأ
(به): الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر، والتقدير: ملتبس به أى: بذلك الوجه.
(فى الواقع): الجار والمجرور متعلق بالمحذوف الذى تعلق به قوله: "به" السابق وتقدير الكلام: على الوجه الذى هو (أى ما من شأنه أن يعلم) ملتبس به (أى بذلك الوجه) فى الواقع .
والجملة من المبتدإ والخبر وما تعلق بهما فى محل جر صفة لـ (ما) إن جعلتها نكرة موصوفة، أو لا محل لها من الإعراب صلة لـ (ما) إن جعلتها معرفة موصولة.
(و): استئنافية أو عاطفة
(الجهل): مبتدأ
(تصور): خبر، ومضاف
(الشئ): مضاف إليه
(على خلاف): الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من (الشئ)؛ أي تصور الشيء حالة كونه كائنا على خلاف، و(خلاف) مضاف
(ما): اسم مبنى على السكون فى محل جر مضاف إليه وهى إما نكرة موصوفة أو معرفة موصولة كما تقدم
(هو به فى الواقع): إعرابه يعرف مما تقدم

د:ابراهيم الشناوى
2014-08-01, 10:56 PM
[قال صاحبي]
قال صاحبي: قد عَرَّفْتَ الاستئناف النحوى فيما سبق بأن معناه: وقوعه أول كلام بعد تقدم جملة مفيدة من غير ارتباطه بها لفظا.
قلت: نعم
قال: أرأيت وقوعه أول كلام من غير أن يتقدم عليه شئ؟
فقلت له: أنى لكَ هذه الفصاحة ؟!
قال: أَجِبْنِي.
قلت: هذا شئ غير موجود فى كلام العرب، ولم يقع فى كلام أهل الأدب[1].
قال: ذكرتَ أن الواو فى قوله: "والعلم معرفة المعلوم" استئنافية أو عاطفة.
قلت: نعم.
قال: فما الجامع بين المعطوفين إن جعلتها عاطفة؟
قلت: الجامع بينهما البيان، أى: التعريف لبيان مفهوم الشئ.
قال: لا يجوز أن تكون الواو هنا للعطف.
قلت: ولِمَ ؟
قال: لأن العطف من التوابع.
قلت: وما ذاك ؟
قال: أليس التابع هو: الاسم المشارك لما قبله فى إعرابه مطلقا، أو : كل ثانٍ بإعراب سابقه من جهة واحدة ؟
قلت: بلى، وأى شئ فى هذا ؟
قال: فيه عدم صدق التابع على ما هنا لعدم الإعراب فى كِلا المعطوفين.
قلت: التعريف المذكور ليس لمطلق التوابع بل لتوابع الاسم، ولو سلمنا بأنه لمطلق التوابع فهو باعتبار الأصل الأغلب، وأجاب الشُّمُنِّى على هذا بأن المراد به التابع اللغوى لا الاصطلاحى الذى لا بد أن يكون لمتبوعه محل من الإعراب، أو أن إطلاق التابع عليه مجاز علاقته المشابهة.
قال: فما فائدة العطف فيما لا محل له من الإعراب؟
قلت: فائدته التشريك والجمع بين مضمونَىِ الجملتين فى التحقق بحسب نفس الأمر.
قال: لا نسلم بذلك؛ فإن اجتماعهما واشتراكهما فى ذلك التحقق معلوم بدون الواو؛ لدلالة الجملتين على تحقق مضمونيهما فى الواقع فيجتمعان فيه قطعا.
فسكتُّ.
قال: كأنك لم تفهم شيئا، فلو شئتَ أن أوضحَه لك بمثال فعلتُ.
قلت: قد شئتُ ذلك.
قال: لو قلت: (زيد قائم وعمرو قاعد)لم تكن الواو فيه عاطفة لأنك قد علمت تحقق مضمونَيِ الجملتين فى الواقع أي:(قيام زيد وقعود عمرو) بدون العطف فكان الصواب أن الواو هنا ليست للعطف بل للاستئناف أو زائدة لتزيين اللفظ.
قلت: كأنى بك تحسب أنك قد أتيتَ بالأَبْلَقِ العَقوقِ أو بَيْضِ الأنوق[2]، فاسمع جواب ما ذكرت.
قال: هاتِ.
قلت: ما ذكرتَه من دلالة الجملتين على تحقق مضمونيهما فى الواقع إنما هو بدلالة عقلية، وهى ربما لم تكن مقصودة، ولكن بالعطف تعين القصد إلى بيان الاجتماع بينهما.
قال: ولِمَ تعين ذلك بالعطف ؟
قلت: لأن العطف يدل على الجمع دلالة وضعية أى أنه موضوع لذلك، فبهذا تتقوى الدلالة العقلية التى ذكرتَها بالدلالة الوضعية للعطف، ويندفع أيضا توهم الإضراب عن الجملة الأولى بالثانية.
______________________________ ________
[1] معرب الكافية 13.
[2] الأبلق: الذَّكَرُ من الخيل، والعَقوق الأنثى الحَامِل؛ فلا يقال: الأبلق العقوق لأن الذَّكَرَ لا يكون حاملا، وهو مثل يضرب للشئ المحال، والعرب كانت تسمى الوفاء (الأبلق العقوق) لعزة وجوده، والأنوق: الرخمة وهى نوع من الطير تبيض فى أعالى الجبال فلا يوصل إلى بيضها، يضرب للشئ البعيد المنال. وزعموا أن رجلا أتى معاوية رضى الله عنه فقال له: زوجنى هندا (يعنى أم معاوية) فقال: لا أَرَبَ لها فى زوج، قال: فوَلِّني كذا، فأنشد معاوية:
طلب الأبلق العقوق فلما *** لم يَجِدْه أراد بيض الأنوق
يعنى: طلب أمرا محالا فلما أعجزه طلب أمرا بعيدا لا يناله.

د:ابراهيم الشناوى
2014-08-25, 07:58 PM
قال صاحبى: دع هذا وأخبرنى لِمَ كان الفقه أخص من العلم كما ذكر المصنف؟
قلت: لأن الفقه هو: معرفة الأحكام الشرعية فقط، بخلاف العلم فإنه يطلق على العلم بالفقه والنحو والحديث وغيرها فكان الفقه نوعا منها ولهذا يقال: (كل فقه علم) ولا يقال: (كل علم فقه)[1].
قال: فقد عرَّف العِلْمَ هنا، لكن ذكر فى البرهان أنه لا يُحَدُّ نظرا لعسر حَدِّهِ وإنما يُعرف بالتقسيم والمثال[2].
قلت: اختلف العلماء فى العلم هل له حَدٌّ أو لا؟ فالأكثرون على أن له حدا، وبعضهم ذهب إلى أنه لا يُحَدُّ، فجرى المصنف هنا على رأى الأكثرين؛ لأن تعريف الشئ يجعله أقرب للتصور فى النفس وهذا يناسب المبتدئ المقصود بهذا الكتاب فهو يريد أن يبين له بعض التعريفات التى تدور فى اصطلاح الأصوليين حتى يستطيع تصورها فإذا ما شب عن الطوق أمكنه أن يناقش المسألة بعد تصورها، أما لو تجاوز مرحلة البداية من غير أن يتصور بعض هذه المسائل ثم أراد أن يناقش مسألة العلم مثلا هل له حد أو لا؟ فإنه لا يدرى ما هو العلم بل يشعر به شعورا مبهما لا يكاد يصل إلى درجة التصور، فكيف يقال له: العلم لا يُحَدُّ؟ فكان المناسب هنا وهو يخاطب المبتدئ أن يجرى على رأى الأكثرين فى تعريفه لِمَا سبق وأما فى البرهان فإنه يجرى على ما وقع عليه اختياره لأنه لا يلاحظ هناك (فى البرهان) ما يلاحظه هنا (فى الورقات) وهو مخاطبة المبتدئ الذى يريد أن يقرب له بعض المصطلحات فتأمل.
قال: فقد عرَّف العلم بأنه: "معرفة المعلوم على ما هو به فى الواقع" وهذا غير واضح معناه لى، فما هى المعرفة؟ وما هو المعلوم؟ وما قوله:"على ما هو به" ؟ وما هو (الواقع) ؟
قلت: المراد بالمعرفة: الإدراك
قال: وما الإدراك ؟
قلت: هو: وصول النفْس إلى المعنى بتمامه من نسبة أو غيرها.
قال: لماذا توضح الشئ بما هو أعقد منه فى كل مرة
قلت: ما ذكره الشيخ هنا يسمى مقدمة منطقية وما سيذكره بعدها من الحقيقة والمجاز وغيرهما من أبواب اللغة يسمى مقدمة لغوية فلا علينا لو تجاوزناهما سريعا فإنه لا يصلح التفصيل فيهما للمبتدئ
قال: قد كان يمكن هذا لو فعلته أولا، أمَا وقد عرَّفت المعرفة بما هو أعقد منها وهو الإدراك ثم عرَّفت الإدراك بما سبق ثم تريد أن تتركنى هاهنا من غير أن تبين لى معنى هذا الكلام فلا
قلت: فيكفيك توضيح ما سبق بمثال ثم نتجاوزه
قال: حتى أرى.
قلت: المراد من قوله:"العلم: معرفة المعلوم على ما هو به فى الواقع" أن تَعْرِفَ الشئ على حقيقته الصحيحة التى هو عليها فى الواقع وتتصوره على ما هو عليه، فلو تصورت الشئ على ما هو عليه فالذى حصَّلتَه يسمى علما، يعنى: إذا اعتقدت وعرفت أن صلاة الفجر مثلا ركعتان، فما تصورته علمٌ.
واعلم أن ها هنا إشكالات كثيرة ومباحث طويلة أكثرها يتعلق بالمنطق فلا نطيل بذكرها.
______________________________ ___
[1] الأنجم الزاهرات 97.
[2] البرهان 1/ 115- 123. وقد ذكر ص119 تعريف العلم كما ذكره هنا ونسبه للقاضى أبى بكر الباقلانى ورده كما رد غيره.

د:ابراهيم الشناوى
2014-09-05, 07:50 PM
وأما الجهل فقد عرَّفه بقوله : "وَالْجَهْلُ: تَصَوُّرُ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ فِي الْوَاقِعِ" كأن تعتقد أن صلاة الفجر ثلاث ركعات، وكأن تظن أن هذا الشخص رجلا وهو امرأة.
قال: أسمع كثيرا قولهم: هذا جهل مُرَكَّبٌ فما معناه ؟
قلت: قد كنت أنوى تركه لما سبق، أمَا وقد ذكرته فاعلم أن الجهل ينقسم إلى: بسيط ومركب، ولكن على تعريف المصنف يخرج الجهل البسيط، وأما المشهور فى هذا فهو أن الجهل ينقسم إلى قسمين:
1- جهل بسيط: وهو عدم الإدراك بالكلية
2- جهل مركب: وهو إدراك الشئ على خلاف ما هو عليه
مثال ذلك: لو سَأَلْنَا رجلا: متى كانت غزوة بدر ؟
فقال: لاأدرى
فهذا جهل بسيط
وسألنا آخر فقال: فى السنة العاشرة.
فهذا جهل مركب؛ لأنه أدرك الشئ على خلاف ما هو عليه؛ إذ إنها كانت فى السنة الثانية للهجرة
قال: فلماذا كان الأول بسيطا ؟
قلت: لأنه جهلُ واحدٍ لا يعلم شيئا
قال: ولماذا كان الآخر مركبا ؟
قلت: لأنه جهل بالواقع وجهل بالحال، فهذا المتكلم جاهل بحاله يحسب أنه على علم وليس على علم فلهذا كان مركبا من جهلين: لا يدرى، ولا يدرى أنه لا يدرى.
قال: وأيهما أقبح الجهل البسيط أم المركب ؟
قلت: المركب لا شك أنه أقبح.
قال: فهذا يذكرنى بقصة توما الحكيم
قلت: وما هى ؟
قال: يُذْكَرُ أن رجلا يُسَمَّى (توما) يزعم أنه حكيم يتعاطى الحكمة، لكنه يفتى بغير علم، من جملة ما يفتى به يقول: تصدقوا ببناتكم على مَنْ لم يتزوج يظن أن هذا خير، وفى هذا يقول الشاعر:

ومَنْ نال العلوم بغير شيخ ** يَضِلُّ عن الصراط المستقيمِ
وتلتبس العلومُ عليه حتى ** يكون أضلَّ من توما الحكيم
تصدق بالبنات على رجال ** يريد بذاك جناتِ النعيم
قلت: صدق الشاعر، ما كان أضل توما الحكيم.
قال: وكان له حمارٌ قيل فيه:

قال حمارُ الحكيمِ توما ** لو أنصفَ الدهرُ كنتُ أَرْكَبْ
لأننى جاهل بسيط ** وصاحبى جاهلٌ مُرَكَّب
(انظر شرح نظم الورقات لابن عثيمين 44- 45)
قلت له: أحسنت
قال: ما أحسن قول المصنف فى تعريف العلم: "معرفة" وفى تعريف الجهل: "تصور"؛ إذ الجهل ليس بمعرفة وإنما هو حصول شئ فى الذهن، والخطأ إنما هو فى حكم العقل فمثلا إذا رأى شبحا من بعيد فظنه إنسانا وحصل فى ذهنِهِ صورة إنسان وكان الواقع أنه فرس، فتلك الصورة التى حصلت فى ذهنه صورة إنسان وإدراك له، والخطأ ليس فيها إنما هو فى الحكم بأن هذه الصورة للشبح المرئى، فالصورة التى تصورها مطابقة (لذوي الصِّوَرِ) وعدم المطابقة فى أحكام العقل المقارنة لها. (انظر شرح الورقات لابن إمام الكاملية 99)
قلت: ما شاء الله، أحسنت.

د:ابراهيم الشناوى
2014-09-14, 09:33 PM
قال المصنف رحمه الله تعالى:
وَالْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ: مَا لَمْ يَقَعْ عَنْ نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ: كَالْعِلْمِ الْوَاقِعِ بِإِحْدَى الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ الظَّاهِرَةِ، وَهِيَ: السَّمْعُ، وَالْبَصَرُ، وَالشَّمُّ، وَالذَّوْقُ، وَاللَّمْسُ؛ أَوْ بِالتَّوَاتُرِ.
وَأَمَّا الْعِلْمُ الْمُكْتَسَبُ: فَهُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَى النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَا لِ.
______________________________ ______
(وَ): استئنافية أو عاطفة
(الْعِلْمُ): مبتدأ
(الضَّرُورِيُّ): صفة للعلم وصفة المرفوع مرفوعة.
(مَا): معرفة تامة خاصة بمعنى (العلم) أى: الضروريُّ عِلْمٌ لم يقع الخ وهى اسم مبنى على السكون فى محل رفع خبر.
(لَمْ): حرف نفى وجزم وقلب
(يَقَعْ): فعل مضارع مجزوم بـ (لم) والفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود على (ما) والجملة فى محل رفع نعت لـ (ما).
(عَنْ نَظَرٍ): الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من فاعل (يقع) والتقدير: (ما لم يقع ناشئا عن نظر)
(وَاسْتِدْلَالٍ) : معطوف على (نظر)
(كَالْعِلْمِ): الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدإ محذوف والتقدير: (وذلك كائن كالعلم) فـ (ذلك) مبتدأ و(كائن) خبر وهو الذى تعلق به (كالعلم)
(الْوَاقِعِ): نعت لـ (العلم) مجرور مثله.
(بِإِحْدَى): الباء حرف جر مبني على الكسر لا محل له من الإعراب و(إحدى) مجرور بالباء وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر، والظرف متعلق بمحذوف نعت لـ (العلم).
ولا يجوز أن يكون (ظرفًا لغوًا) متعلقا بـ (العلم) فإنه يكون هو المعلوم فى هذه الحالة كما صرح بذلك ابن قاسم العبادي والشيخ الهدة السوسي1.
ولم يشر أحد من الشراح إلى جواز كونه (ظرفا لغوا) متعلقا بـ (الواقع) والذى يظهر لى جوازه فتأمل والله أعلم.
و(إحدى) مضاف.
(الْحَوَاسِّ): مضاف إليه، وهى جمع (حاسَّة) بمعنى القوة الحساسة.
(الْخَمْسِ): نعت للحواس.
(الظَّاهِرَةِ): نعت ثان للحواس.
_________________________
1- الشرح الكبير لابن قاسم العبادي 86، وحاشية السوسي على قرة العين للحطاب 31.

د:ابراهيم الشناوى
2014-09-21, 04:33 PM
(وَ): الواو للاستئناف البيانى فكأن قائلا قال له: وما الحواس الخمس الظاهرة فقال: وهى السمع الخ
(هِيَ): مبتدأ، ضمير مبنى على الفتح فى محل رفع
(السَّمْعُ): وما عطف عليه خبر
(وَالْبَصَرُ، وَالشَّمُّ، وَالذَّوْقُ، وَاللَّمْسُ):كل واحد منها معطوف على (السمع) والمعطوف على المرفوع مرفوع.
(أَوْ): حرف عطف
(بِالتَّوَاتُرِ) : الجار والمجرور معطوف على (بإحدى) من قوله: "كالعلم الواقع بإحدى الحواس"
(وَ): عاطفة
(أَمَّا): حرف تفصيل وتوكيد فيه معنى الشرط، لكنه لم يُرِدْ به هنا شيئا من ذلك بل هو حرف زائد.
(الْعِلْمُ): مبتدأ
(الْمُكْتَسَبُ): نعت لـ (العلم)
(فَـ): واقعة فى جواب (أمَّا) وتسمى (فاء الجزاء)
(هُوَ): مبتدأ
(الْمَوْقُوفُ): خبر، والجملة من المبتدإ والخبر وما تعلق بهما فى محل رفع خبر (العلم)
(عَلَى النَّظَرِ): الجار والمجرور متعلق بـ (الموقوف)
(وَالِاسْتِدْلَ لِ): معطوف على (النظر)

د:ابراهيم الشناوى
2014-09-27, 10:37 PM
فَـ): واقعة فى جواب (أمَّا) وتسمى (فاء الجزاء)(هُوَ): مبتدأ(الْمَوْقُ فُ): خبر، والجملة من المبتدإ والخبر وما تعلق بهما فى محل رفع خبر (العلم)لعل الأولى هنا أن نقول: الخبر محذوف للعلم به والتقدير: (وأما العلم المكتسب فنقول هو الموقوف ... الخ) (فالقول) المحذوف هو الخبر، وجملة (هو الموقوف ... الخ) في محل نصب مقول القول، وذلك لأن حذف القول من الكلام كثير مطردوالله أعلمالمعنى: العلم الحادث وهو علم المخلوق ينقسم إلى قسمين: علم ضروري وعلم مكتسب: فالعلم الضروري: ما لايمكن للإنسان دفعه عن نفسه ولا يمكنه إنكاره: كالعلم الحاصل بالسمع أو البصر وباقى الحواس الخمس الظاهرة مثال ذلك: = أن تكون مضطرا إلى التصديق بأن الذى أمامك فلان من الناس= ومنه أن تسمع صوت صهيل فرس فتعلم أنه صوته = أو تمس جسما فتعلم أنه ناعم أو خشن= أو تشم رائحة فتعلم أنها طيبة أو كريهة = أو تذوق طعاما فتعلم أنه حلو أو حامض وهكذا. ومن أمثلة العلم الضرورى: العلم المستفاد بالتواتر بمعنى إخبار جماعة كبيرة من الناس يستحيل تواطؤهم على الكذب وذلك مثل أن يعلم مَنْ لم يذهب إلى مصر أن هناك بلدا تسمى مصر وإن لم يرها. ومن العلوم الضرورية العلم الحاصل ببديهة العقل : كالعلم بأن الكل أعظم من الجزء وأن النفى والإثبات لا يجتمعان.وأما العلم المكتسب ويسمى (النظرى) أيضا: فهو الذى يحتاج إلى نظر وتأمل وإقامة دليل وذلك مثل: معرفة كثير من أحكام الفقه نحو: المذى نجس، وطواف الوداع واجب وغير ذلك. ومثل: الرياضيات والكيمياء والطب وغيرها من العلوم فمثلا معرفة أن مجموع زوايا المثلث مائة وثمانون درجة هذه حقيقة صحيحة لكنها غير معلومة لكل الناس ولا تحصل بالاضطرار بل لابد لمعرفتها إلى شئ من النظر.

د:ابراهيم الشناوى
2014-10-16, 10:52 PM
لعل الأولى هنا أن نقول: الخبر محذوف للعلم به والتقدير: (وأما العلم المكتسب فنقول هو الموقوف ... الخ) (فالقول) المحذوف هو الخبر، وجملة (هو الموقوف ... الخ) في محل نصب مقول القول، وذلك لأن حذف القول من الكلام كثير مطردوالله أعلمسألني أحد الإخوة الكرام عن وجه الأولوية فيما سبق فلما أعدتُ النظر في هذا الاستدراك لم أجد وجها للأولوية المزعومة بل رأيتُ أن الأَوْلَى هو الإعراب الأول: وهو أن الجملة من المبتدإ والخبر في محل رفع خبر، وأما أن الخبر قولٌ محذوف والجملة مقول القول فهذا فيه تكلف في هذا الموضع ثم رجعت إلى ما كتبته في هذا الموضع وإلى سؤالات صاحبي فلم أجد هذا الاستدراك فيه بل محله في موضع آخر وذلك عند قوله :"فأما أقسام الكلام فأقل ما يتركب منه الكلام اسمان ...الخ". فالفاء في قوله :"فأقل" داخلة على قول محذوف كما صرح بذلك ابن قاسم العبادي في الشرح الكبير، ووجه ذلك أنك لو جعلت (أقسام الكلام) مبتدأ، و(أقل ما يتركب منه الكلام اسمان) خبر لم يكن شيئا فإن صورته هكذا: (أقسام الكلام أقل ما يتركب منه الكلام اسمان) فالخبر أجنبي عن المبتدإ فلهذا كان الخبرُ في هذا الموضع قولا محذوفا وجملة (أقل ما يتركب منه الكلام اسمان) مقول القولفهذا موضع قد اشتبه عليَّ فأعربته أولا على الجادة ثم استدركته خطأً ثم كان هذا الاستدراك الثاني ناسخا للاستدراك الأول ومُثَبِّتٌ للإعراب الأول فلزم التنبيه على ذلك إبراءً للذمةوالله ولي التوفيق

د:ابراهيم الشناوى
2014-10-28, 08:50 PM
[قال صاحبى]
قال صاحبى: لماذا قلتَ: (السمعُ) وما عطف عليه خبر؟
قلت: لأن المبتدأ (هي) مصدوقه جمع لأنه يعود على (الحواس الخمس) وهي جمع، و(السمع) مفرد ولابد من التطابق بين المبتدإ والخبر فلهذا قلت: السمع وما عطف عليه خبر
قال: ذكرتَ: أن (ما) فى قوله: "ما لم يقع" معرفة تامة خاصة بمعنى (العِلْم).
قلت: نعم.
قال: ولم تذكر جواز كونها نكرة موصوفة فلعلك غفلت عن هذا
قلت: لا، لم أغفل عنه لكنْ لا يصح أن تكون (ما) هنا نكرة موصوفة كما ذكرتَ.
قال: ولِمَ ؟
قلت: لأنها حينئذ تقدر بكلمة (شئ) فيكون التقدير: (العلم الضروريُّ شئٌ لم يقع عن نظر واستدلال)
قال: وأي شئ فى ذلك ؟
قلت: فيه أن التعريف يكون غير مانع؛ لأنه يتناول الظن والتقليد فى الجملة ولا يسمى واحدا منهما علما مع أنه يَصْدُقُ على كل منهما: (شئ لم يقع عن نظر واستدلال)، فالصواب أن (ما) هنا معرفة تامة بمعنى (العلم).
قال: حسنا، ولكن لِمَ لَمْ تجعلها معرفة ناقصة؟
قلت: هذا ضعيف أيضا أن تكون (ما) هنا معرفة ناقصة موصولة بمعنى (الذى) لأنها حينئذ تكون نعتا لـ (الضرورى)
قال: وماذا في هذا أيضا؟
قلت: فيه أن التقدير يكون حينئذ: (العلم الضرورى: العلم الذى لم يقع الخ) فحذف المنعوت (العلم) وأقام النعت - (ما) بمعنى الذى - مقامه وهذا لا يجوز، أو ضعيف
قال: ولِمَ ؟
قلت: لأن (ما) بمعنى (الذى) لا تكون نعتا للمعارف بخلاف (الذى) فإنه يكون نعتا للمعارف كما نص على ذلك أبو حيان[1].
قال: لماذا قلت: إن (أَمَّا) فى قوله: "وأما العلم المكتسب الخ" حرف زائد، ولم ترض أن يكون حرف تفصيل وتوكيد وشرط؟
قلت: أما التفصيل فلم يُرِدْهُ هنا وإلا لذَكَرَهُ فى بداية الموضع الذى بدأ التفصيل فيه وهو قوله:"والعلم الضرورى ... الخ"، والتفصيل غالب حال (أما) كما فى المغنى، وليس بلازم لها كما فى الدسوقى[2].
وأما التأكيد فغير مراد أيضا لأنه فى مقام ذِكْرِ حَدٍّ وتعريفٍ لشئ ولا يستدعى هذا المقامُ تأكيدا، فتأمل.
وليس حرف شرط أيضا كما ذكر المحققون بل فيه معنى الشرط للزوم الفاء فى جوابه.
بقى أنه زائد وهو الظاهر
قال: فما سبب زيادته هنا ؟
قلت: سبب زيادته هنا نفى توهم عطف قوله:"] "والعلم المكتسب[/u]" على قوله:"العلم الواقع بإحدى الحواس" إذِ الصحيح أنه معطوف على قوله: "العلم الضرورى" لأنه قسَّمَ العلم إلى قسمين: ضرورى ومكتسب فلما ذَكَرَ العلم الضرورى وطال الفصل زاد (أمَّا) لبيان أنه بصدد الحديث عن القسم الثانى من أقسام العلم، فتأمل،
والله أعلم.
______________________________ _____
[1] البحر المحيط 4/ 80- 81 ت. عادل عبد الموجود وآخرون ط. دار الكتب العلمية، و (ما) فى القرآن الكريم دراسة نحوية /14/ عبد الجبار فتحى زيدان ط. مكتبة الجيل العربى
[2] حاشية الدسوقى على مغنى اللبيب 1/ 81 ط. دار الطباعة.

د:ابراهيم الشناوى
2014-11-08, 09:50 PM
قال: أرأيت قولَه: "كالعلم الواقع بإحدى الحواس الخ" أليس قوله: "الواقع" حشوا؟
قلت: ولِمَ ؟
قال:: ألست قد ذكرتَ قبلُ أن بناء المتون على الاختصار ؟
قلت: بلى.
قال:: فلو قال هنا: "العلم الضرورى ما لم يقع عن نظر واستدلال كالعلم بإحدى الحواس الخمس" كان أوجز، أليس كذلك ؟
قلت: نعم، ليس كذلك.
قال:: ولِمَ ؟
قلت: : قد قَدَرْتَ على الجواب، فأخبرنى: لماذا حذفت قوله: "الظاهرة" فلم تقل: "الحواس الخمس الظاهرة" وقد ذكرتَ التعريفَ كله وكان يمكنك ذكر موضع السؤال فقط؟
قال:: وقد لاحظت ذلك ؟
قلت: : نعم، لاحظته.
قال:حذفتها لأنها حشو أيضا، ولا فائدة من الوصف بها؛ لأن المصنف بيَّن الحواس بقوله الآتى: "وهى السمع الخ" فلم يتناول كلامه الحواس الباطنة ليحتاج إلى إخراجها بهذا الوصف.
قلت: قد كنت أعلم أنك تظن ذلك فاسمع جواب ما ذكرت.
قال:هات.
قلت: : أما لفظ (الواقع) فإنه زاده لئلا يُتَوَهَّمَ أن المعلوم هو قوله: "بإحدى" فيكون قوله: "كالعلم بإحدى الحواس" محتملا أن يكون معناه: أن يكون عند الشخص علم ومعرفة بإحدى هذه الحواس، يعني أنه يعرف إحدى هذه الحواس ومقابل ذلك أنه يجهل هذه الحواس فلا يعرفها، وليس هذا المراد بل المراد أن هذه الحواس هي الآلة التي يحصل العلم بواسطتها.
وأما قوله: "الظاهرة" فقد احترز به عن الحواس الخمس الباطنة التى يثبتها الفلاسفة، ففائدة النص على (الظاهرة) التنبيه على أن ثمت حواس أخرى باطنة لمن لا يعرفها وأما من يعرفها فإنه يخبره أن هذه الحواس الباطنة ليست مما يشمله التعريف، فنبَّهَ واحترز بقوله: "الظاهرة" ومنع من الالتباس وسوء الفهم بقوله: "الواقع".
قال:: ياله من إمام ! لله درُّه ! ما كنت أحسبه بهذه الدقة فى هذا الكتاب من كثرة ما قرأت من تعقبات عليه
قلت: : رحمه الله.
قال:: فالحواس الخمس الظاهرة هى التى ذكرها بقوله: "وهى السمع والبصر الخ"
قلت: : نعم
قال:فما هى الحواس الخمس الأخرى الباطنة
قلت: هذا كلام يذكره الحكماء والفلاسفة ولا فائدة فيه
قال:فأخبرنى وأوجز فقد تشوفت إلى معرفتها.
قلت: لا بأس، الحواس الخمس الباطنة هى :
الأولى- الحس المشترك: وهى القوة التى ترتسم فيها صور الجزئيات المحسوسة بالحواس الخمس الظاهرة.
الثانية- الخيال: وهى القوة التى تحفظ الصور المرتسمة فى (الحس المشترك) فهى كالخزانة له.
الثالثة- الواهمة: وهى القوة التى تدرك بها المعانى الجزئية كالعداوة التى تدركها الشاة من الذئب والمحبة التى تدركها الشاة من أمها.
الرابعة – الحافظة: وهى القوة التى تدرِك المعانى التى يدركها الوهم كالخزانة لهم.
الخامسة – المُتَخَيِّلَة: وهى القوة المتصرفة فى الصور التى تأخذها من الحس المشترك والمعانى التى تأخذها من الوهم بالتركيب والتفريق، وتسمى المفكِّرة[1].
قال: أما أنت فجزاك الله خيرا، وأما أنا فلم أفهم شيئا.
فضحكتُ وقلت قد أخبرتك أنها لا فائدة لها
______________________________
[1] الشرح الكبير لابن قاسم العبادي 87، وحاشية السوسي على قرة العين 37- 38 وفي الأخير زيادة إيضاح.

د:ابراهيم الشناوى
2014-11-25, 09:18 PM
قال صاحبي: لماذا مثل المصنف للعلم الضرورى بالعلم المدرك بالحواس وترك الذى ببديهة العقل ؟
قلت: لأن العلم الواقع بالحواس محل خلاف فأراد أن ينص عليه وأما الذى ببديهة العقل فمتفق عليه، وقد أشار بقوله: "كالعلم الواقع بإحدى الحواس الخمس" إلى أن العلم الضرورى غير منحصر فيما ذكره[1].
فأراد أن يتكلم فأشرت إليه أن اسكت.
ثم استطردت قائلا: ذهب الشيخ أبى الحسن الأشعرى إلى أن ما يدرك بالحواس يسمى علما، وذهب الجمهور إلى أن الإحساس غير العلم؛ لأنا إذا علمنا شيئا علما تاما ثم رأيناه وجدنا بين الحالتين فرقا ضروريا.
فأجاب الشيخ عنه: بأن هذا لا يمنع كونه نوعا من العلم مخالفا لسائر أنواعه[2].
قال: فلماذا انقسم العلم إلى ضرورى ومكتسب ؟
قلت: لأنه لو كان الكل ضروريا لما احتجنا إلى تحصيله، ولو كان كسبيا لدار وتسلسل[3].[4]
قال: يقولون: العلم ينقسم إلى تصور وتصديق.
قلت: نعم، وذلك أن إدراك الشئ إن خلا عن الحكم عليه بنفى أو إثبات فتصوُّر وإلا فتصديق[5].
قال: لو زدت الأمر بيانا
قلت: التصور: هو إدراك معنى المفرد من غير تعرض لإثبات شئ له ولا لنفيه عنه: كإدراك معنى اللذة والألم، ومعنى الإنسان ومعنى الكاتب ومعنى الشجر ونحو ذلك.
فإدراك كل مفرد مما ذكرنا ونحوِهِ – أى فهم المعنى المراد من ذلك المفرد – من غير تعرض لإثبات شئ له ولا لنفيه عنه يسمى (تصورا).
والتصديق: إثبات أمر لأمر بالفعل أو نفيه عنه بالفعل، وهو الإسناد الخبرى عند البلاغيين ، والجملة الاسمية أو الفعلية عند النحويين، نحو: (الكاتب إنسان) فإدراك معنى الإنسان فقط تصور ومعنى الكاتب فقط تصور، وإدراك كون الإنسان كاتبا بالفعل أو ليس كاتبا بالفعل تصديق[6].
______________________________ ______________
[1] غاية المأمول فى شرح ورقات الأصول 100 للشهاب الرملى ت. عثمان يوسف حاجى ط. مؤسسة الرسالة.
[2] شرح الورقات لابن إمام الكاملية 100، وغاية المأمول 99.
[3] الدور هو: توقف الشئ على ما يتوقف عليه وهو نوعان: الدور المصرح: وهو ما كان توقفه بمرتبة واحدة كأن يتوقف (أ) على (ب) وبالعكس، والدور المضمر: وهو ما كان توقفه بمراتب كأن يتوقف (أ) على (ب) و(ب) على (ج) وهكذا.
وأما التسلسل فهو ترتيب الأمور بطريقة غير متناهية، أو هو: أن يستند وجود الممكن إلى علة مؤثرة فيه، وتستند هذه العلة إلى علة مؤثرة فيها، وهى إلى علة ثالثة مؤثرة فيها وهكذا تسلسلا مع العلل دون نهاية.
[4] شرح الورقات لابن إمام الكاملية 101، وغاية المأمول 100.
[5] غاية المأمول 101.
[6] آداب البحث والمناظرة 1/ 11- 12 محمد الأمين الشنقيطى ت. سعود العريفى ط. دار عالم الفوائد، وشرح الفوزان على الورقات هامش رقم (1) ص27.

د:ابراهيم الشناوى
2014-12-05, 10:52 PM
قال المصنف رحمه الله تعالى

وَالنَّظَرُ: هُوَ الْفِكْرُ فِي حَالِ الْمَنْظُورِ فِيهِ.
وَالِاسْتِدْلَا لُ: طَلَبُ الدَّلِيلِ.
وَالدَّلِيلُ: هُوَ الْمُرْشِدُ إِلَى الْمَطْلُوبِ.
وَالظَّنُّ: تَجْوِيزُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَظْهَرُ مِنَ الْآخَرِ.
وَالشَّكُّ: تَجْوِيزُ أَمْرَيْنِ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ.
_________________
(وَ): للاستئناف البيانى فإنه لما عرَّف العلم المكتسبَ: بأنه الموقوف على النظر والاستدلال، فكأن قائلا قال له: وما النظر والاستدلال؟ فقال: والنظر كذا والاستدلال كذا.
(النَّظَرُ): مبتدأ
(هُوَ): ضمير فصل على الأصح لا محل له من الإعراب
(الْفِكْرُ): خبر
(فِي حَالِ): الجار والمجرور متعلق بـ الخبر (الفكر) أو بمحذوف حال منه أى: (النظر: هو الفكر حالة كونه كائنا فى حال الخ) وقوله: "حال" مضاف
(الْمَنْظُورِ): مضاف إليه
(فِيهِ): متعلق بـ (المنظور)
(وَ): عاطفة
(الِاسْتِدْلَال ): مبتدأ
(طَلَبُ): خبر، وهو مضاف
(الدَّلِيلِ): مضاف إليه
(وَ): للاستئناف البياني
(الدَّلِيلُ هُوَ الْمُرْشِدُ إِلَى الْمَطْلُوبِ): مثل (والنظر هو الفكر الخ)
(وَ): للاستئناف النحوى
(الظَّنُّ): مبتدأ
(تَجْوِيزُ): خبر، وهو مضاف
(أَمْرَيْنِ): مضاف إليه مجرور وعلامة جره الياء لأنه مثنى، وأصل الكلام على تقدير مضاف محذوف أى: (تجويز وقوع أمرين)، أو على تقدير مضافين وجارٍّ والتقدير: (تجويز وقوعِ كلٍّ من أمرين) وهذا الأخير هو الذى ذكره ابن قاسم فى الشرح الكبير[2] واقتصر عليه لشموله، فتأمل.
(أَحَدُهُمَا): (أحدُ): مبتدأ، وأصله مضاف إليه أى: (وقوع أحدِهما) كما قدره ابن قاسم[3] فحذف المضاف (وقوع) وأقام المضاف إليه (أحد) مقامه، وقضيته: أنه بدل من (أمرين) بدل بعض من كل لأن التقدير قبل الحذف (تجويز وقوع أمرين وقوع أحدهما الخ) فتأمل، و(أحد) مضاف والهاء ضمير مبنى على الضم فى محل جر مضاف إليه والميم حرف عماد والألف علامة التثنية
(أَظْهَرُ): خبر إن كان ما قبله (أحد) مبتدأ
أو نعت لـ (أحد) إن جعلته بدلا. وفيه ضمير مستتر وجوبا هو فاعله.
(مِنَ الْآخَرِ): متعلق بـ (أظهر)، وأصله أيضا (أظهر من وقوع الآخر) فحدث فيه ما سبق من حذف المضاف الخ، والجملة من المبتدإ والخبر وما تعلق بهما فى محل جر نعت لـ (أمرين)، إن جعلت (أحدهما أظهر) مبتدأ وخبرا) وإلا فهما تابعان كما سبق
(وَالشَّكُّ تَجْوِيزُ أَمْرَيْنِ): يعرف إعرابه مما سبق
(لَا): نافية للجنس
(مَزِيَّةَ): اسم (لا) مبنى على الفتح لا محل له من الإعراب والخبر محذوف والتقدير: لا مزية موجودة.
(لِأَحَدِهِمَا): الجار والمجرور متعلق بـ (مزية) و(أحد) مضاف والضمير مضاف إليه كما تقدم
(عَلَى الْآخَرِ): متعلق بالخبر أيضا
______________________________ ______________________________ ___
[1] الشرح الكبير 104.
[2] الشرح الكبير 104.

د:ابراهيم الشناوى
2014-12-19, 10:28 PM
[قال صاحبى]
قال: ذكرتَ أن (هو) ضمير فصل على الأصح لا محل له من الإعراب، فما تفسير ذلك ؟
قلت: يقولون: (ضمير الفصل) حرف، وتسميته ضميرا مجاز نظرا للصورة.
وقيل: هو اسم وسمى به لأنه يفصل بين الخبر والتابع أى يميز بينهما؛ إذ لو قيل: (النظر الفكر) لتوهم أن (الفكر) تابع لا خبرا.
واعلم أنه يشترط:


فيما قبل ضمير الفصل:

1- أن يكون مبتدأ ولو فى الأصل نحو: كان زيد هو القائم فـ (زيد) مبتدأ في الأصل يعني قبل دخول الناسخ. و(النظر) في قول المصنف: "النظر هو الفكر" مبتدأ
2- وأن يكون معرفة كما فى هذا المثال فـ (زيد) معرفة لأنه علم، و(النظر) في قول المصنف معرفة لأنه محلى بـ (أل)
وأجاز بعضهم كونه نكرة نحو: كان رجل هو القائم،


ويشترط فيما بعده:

1- كونه خبرا ولو فى الأصل فـ (القائم) في المثال السابق (كان زيد هو القائم) خبر في الأصل قبل دخول الناسخ ثم صار خبرا له، و(الفكر) في كلام المصنف خبر
2- وكونه معرفة أو كالمعرفة فى أنه لا يقبل (أل) نحو: {تَجِدُوهُ عِندَ اللهَ هُوَ خَيْرًا}

ويشترط في ضمير الفصل نفسِه :

1- أن يكون بصيغة المرفوع فيمتنع: زيد إياه الفاضل، على أن يكون (إياه) ضميرَ فصل
2- وأن يطابق ما قبله فلا يجوز: كنتُ هو الفاضل، بل تقول: (زيد كان هو الفاضل)

قال: قولك : "على الأصح" ؟ وقولك: "لا محل له من الإعراب" ؟
قلت: أما قولى: "على الأصح" فمقابله أنه – أي ضمير الفصل - (مبتدأ، أو تأكيد) على القول الضعيف من جواز تأكيد الظاهر بالمضمر وإنما كان كونه فصلا أصح لإفادته تقوية النسبة.
وأما قولى: "لا محل له من الإعراب" فهذا باتفاق على القول بحرفيته.
وأما على القول باسميته فقيل:

1- لا محل له كأسماء الأفعال.
2- وقيل: له محل بحسب ما قبله.
3- وقيل: بحسب ما بعده.

ففى نحو: (زيد هو القائم) محله رفع باتفاقهما (لأن ما قبله (زيد) وما بعده (القائم) مرفوعان)
وفى نحو: (كان زيد هو القائم) محله رفع على أولهما (زيد اسم كان مرفوع) ونصب على ثانيهما (القائم خبر كان منصوب)
وفى نحو: (إن زيدا هو القائم) بالعكس فتأمل.
______________________________ ______________________________ ____

قال: أليس (النظر) طلبٌ (والاستدلال) كذلك ؟
قلت: بلى
قال: فلو اكتفى بأحد اللفظين كفَى.
قلت: لعله جمع بينهما زيادة فى الإيضاح،
على أن تعريفه لهما يشير إلى أن النظر أعم من الاستدلال
قال: وكيف ذلك ؟
قلت: النظر يكون فى التصور والتصديق، والاستدلال مخصوص بالتصديق. فلهذا عرَّفَ النظر بأنه: (الفكر فى حال المنظور فيه)
والفكر قد يكون فى حال الشئ مع الحكم عليه بأمر ما فهذا هو الاستدلال، كقولنا: (الربا حرام) و(المتعة حرام) فهذه عقود علم تحريمها بالفكر والاستدلال وحكم عليها.
وقد يكون الفكر من جهةِ تصوُّرٍ مَّا ولا يحكم عليه وذلك لعدم الاستدلال فكان الفكر أعم والاستدلال أخص لوجوده فى أحد الفكرين[1].
قال: بَيِّن لى هذه التعريفات السابقة ولو أوجزت كان أحسن.
قلت: سأحاول، ولكن الإيجاز مع الإيضاح صعب فاعلم :
أولا- أن النظر: على ضربين:

1- النظر بالعين: وهو إدراك المنظور بالبصر
2- والنظر بالقلب: وهو التفكير فى حال المنظور فيه

والفكر: هو حركة النفس فى المعقولات قصدا،

فإن كانت حركتها عن غير قصد واختيار سميت (حَدْسًا).
قال: فما هى المعقولات ؟
قلت: هى المقابلة للمحسوسات وقد علمت أن المحسوسات: كل ما يدرك هو وأجزاؤه بإحدى الحواس الخمس الظاهرة،
فالمعقولات: كل ما لا يدرك هو ولا أجزاؤه بإحدى الحواس الخمس.
قال: نعم، أكمل
قلت: حركة النفس فى المحسوسات تسمى تخييلا
والفكر إن كان لطلب علم أو ظن يسمى نظرا وإلا فلا.
قال: مثل ماذا ؟
قلت: كأكثر حديث النفس فإن أكثره لا يكون لطلب علم أو ظن ولهذا لا يسمى (نظرا)

ولا يحصل (العلم) عن طريق النظر إلا بثلاثة شروط:

1- أن يكون الناظر كامل الآلة (يعنى آلة الاجتهاد)
2- أن يكون نظره فى دليل لا فى شبهة
3- أن يستوفى الدليل لشروطه فيقدم ما يجب تقديمه ويؤخر ما يجب تأخيره وهكذا.

قوله: "الدليل: هو المرشد إلى المطلوب" اعلم أن المرشد فى اللغة له معنيان:
أحدهما- الناصب لما به الإرشاد (حقيقة)
ثانيهما- ما به الإرشاد (مجازا)
مثل العلامات التى يضعها الناس لمعرفة الطرق والاتجاهات فتجد مثلا علامة مكتوب عليها (طريق مكة) أو (المدينة) ونحو ذلك فهذه العلامة يطلق عليها (دليل) و(مرشد) لأنها تدل السائر فى الطريق وترشده إلى المطلوب إذا كان مطلوبه الذهاب إلى مكة أو المدينة مثلا، ولكن إطلاق (الدليل) و(المرشد) على ما به الإرشاد إطلاق مجازى، وأما الناصب لهذه العلامات فيطلق عليه (الدليل) و(المرشد) حقيقة.
قال: فأراد الحقيقة أو المجاز فى التعريف.
قلت: المجاز
قال: ولِمَ ؟
قلت: لتعليل الشراح قوله: "الدليل هو المرشد إلى المطلوب" بقولهم: "لأنه علامة عليه" [2].
قال: فهذا معناه أنه قد أدخل المجاز فى التعريف وهو لا يجوز.
قلت: أجاب الدمياطى: بأن تعريف الدليل بما ذُكِرَ عقب تعريف الاستدلال بطلب الدليل قرينة على إرادة معنى (المرشد) المجازى إذ هو المناسب لمعنى الاستدلال المذكور[3].
قال: قوله – فى تعريف الظن -: "أحدهما أظهر من الآخر" يفيد أن كلا منهما ظاهر لكن أحدهما أظهر.
قلت: نعم.
قال: فاضرب لى مثالا
قلت: إذا ترددت فى نزول المطر وعدمه ثم رجحت نزوله بقرينة أنك رأيت الرياح قد هبت وأن الجو قد صار غيما بعد أن كان صحوا فهذا التردد فى ثبوت نزول المطر ونفيه لا يسمى علما لأن العلم هو القطع بالشئ والجزم به على وفق ما هو عليه، لكنه قد يسمى (ظنا أو وهما أو شكا) فإن كان التردد مع رجحان الثبوت فهو (الظن) أى أن الطرف الراجح يسمى (ظنا) ومقابله وهو الطرف المرجوح يسمى (وهما)، فإن كان التردد فى النزول وعدمه على السواء فهو الشك.
قال: فما معنى قوله: "لا مزية لأحدهما على الآخر"
قلت: أى ليس مع أحدهما قرينة تميزه وتجعلك تقدمه على الاحتمال الآخر وإنما يتساوى الاحتمالان عندك.
______________________________ ____
[1] التحقيقات فى شرح الورقات لابن قاوان 137، والأنجم الزاهرات 102 بتصرف.
[2] انظر مثلا شرح الورقات للمحلى 84 ت. حسام الدين عفانة، وشرح ابن إمام الكاملية 102.
[3] حاشية الدمياطى على شرح الورقات للمحلى 6.

د:ابراهيم الشناوى
2014-12-28, 07:06 PM
قال المصنف رحمه الله تعالى:
وَأُصُولُ الْفِقْهِ: طُرُقُهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ، وَكَيْفِيَّةُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا.
______________________________ _________________
(وَ): للاستئناف النحوى
(أُصُولُ): مبتدأ، ومضاف
(الْفِقْهِ): مضاف إليه
(طُرُقُهُ): خبر، و(طرق) مضاف والهاء ضمير مبنى على الضم فى محل جر مضاف إليه
(عَلَى سَبِيلِ): متعلق بمحذوف حال من (طرق) أي طرقه حالة كونها كائنة على سبيل الإجمال، و(سبيل) مضاف
(الْإِجْمَالِ): مضاف إليه
(وَ): عاطفة
(كَيْفِيَّةُ): معطوفة على (طرق) و(كيفية) مضاف
(الِاسْتِدْلَال ): مضاف إليه
(بِهَا): الجار والمجرور متعلق بـ (الاستدلال)
______________________________ _______________

المعنى:
عرَّف المصنف فيما سبق (أصول الفقه) باعتبار مفردَيْهِ فعرَّف (الأصل) وعرَّف (الفقه) ولم يذكر النسبة بينهما، ثم ذكرها هنا لما عرَّف (أصول الفقه) باعتباره لقبا لهذا الفن.
ومِثْلُ ذلك قولنا: (غلام زيد) فإذا تصورت (الغلام) فقط ثم تصورت (زيدا) فقط ثم علمت أن (زيدا) قد مَلَكَ (الغلامَ) فهذه نسبة تفيد إضافة (الغلام) إلى (زيد) فكذا من عَرَف (الأصل) فقط و(الفقه) فقط فلن يعلم معنى التركيب حتى يشرح له النسبة بينهما وهو ما ذكره المصنف هنا.
وقوله: "طُرُقُهُ" أى طرق الفقه وهى الجهات التى يمكن بها إدراكه، وهى الأدلة.
وإنما عبر بـ(الطرق) دون (الأدلة) ؛ لأن (الدليل) فى عرف بعض الأصوليين خاص بما يفيد العلم، فلا يطلقون اسم (الدليل) إلا على الطريق القطعى كالاستدلال (بالكتاب والسنة المتواترة والإجماع)، وأما الطريق الظنى كالاستدلال بالقياس وغيره فيسمونه (أمارة)، فلهذا عبر (بالطرق) لأنها صالحة لإفادة العلم أو الظن[1].
والمراد بـ (طرق الفقه الإجمالية) أدلته الإجمالية وهى القواعد العامة التى يحتاج إليها الفقيه مثل:
1- الأمر للوجوب
2- النهى للتحريم
3- الإجماع حجة
ونحو ذلك من المسائل الكلية التى تبحث فى أصول الفقه.
أما الأدلة التفصيلية فلا تذكر فى أصول الفقه إلا على سبيل التمثيل والإيضاح مثل قوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ}
وكالإجماع على أن بنت الابن تأخذ السدس مع بنت الصلب حيث لا معصب لهما[2] فهذه مسائل جزئية لا كلية تذكر فى الأصول للتوضيح والتمثيل فقط.
وقوله: "وكيفية الاستدلال بها" إشارة إلى حال المجتهد وهو أنه مع معرفة الطرق الكلية لابد له من معرفة كيفية الاستدلال بها كحمل المطلق على المقيد وتقديم الخاص على العام والناسخ على المنسوخ والمجمل على المبين ونحو ذلك[3].
______________________________ ______________________
[1] الشرح الوسيط على الورقات 32 عبد الحميد الجهنى ط. دار الصميعى، وتهذيب شرح الورقات 18 لعياض بن نامى السلمى، بتصرف.
[2] شرح الورقات لعبد الله الفوزان 30 بتصرف.
[3] الشرح الوسيط على الورقات 32.

د:ابراهيم الشناوى
2015-01-04, 09:32 PM
قال المصنف رحمه الله تعالى:
وَأَبْوَابُ أُصُولِ الْفِقْهِ: أَقْسَامُ الْكَلَامِ، وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، وَالْعَامُّ وَالْخَاصُّ، وَالْمُجْمَلُ وَالْمُبَيَّنُ، وَالظَّاهِرُ وَالْمُؤَوَّلُ، وَالْأَفْعَالُ، وَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ، وَالْإِجْمَاعُ، وَالْأَخْبَارُ، وَالْقِيَاسُ، وَالْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ، وَتَرْتِيبُ الْأَدِلَّةِ، وَصِفَةُ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِ ي، وَأَحْكَامُ الْمُجْتَهِدِين َ.
______________________________ ______________________
(وَ): للاستئناف النحوى
(أَبْوَابُ): مبتدأ، ومضاف
(أُصُولِ): مضاف إليه، وهو مضاف أيضا
(الْفِقْهِ): مضاف إليه
(أَقْسَامُ): خبر، ومضاف
(الْكَلَامِ): مضاف إليه
(وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، وَالْعَامُّ وَالْخَاصُّ، وَالْمُجْمَلُ وَالْمُبَيَّنُ، وَالظَّاهِرُ وَالْمُؤَوَّلُ، وَالْأَفْعَالُ، وَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ، وَالْإِجْمَاعُ، وَالْأَخْبَارُ، وَالْقِيَاسُ، وَالْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ، وَتَرْتِيبُ الْأَدِلَّةِ، وَصِفَةُ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِ ي، وَأَحْكَامُ الْمُجْتَهِدِين َ): كل واحد منها معطوف على (أقسام الكلام)

د:ابراهيم الشناوى
2015-01-20, 10:03 PM
(( أقسام الكلام من حيث التركيب ))

قال المصنف رحمه الله تعالى:

فَأَمَّا أَقْسَامُ الْكَلَامِ: فَأَقَلُّ مَا يَتَرَكَّبُ مِنْهُ الْكَلَامُ:

اسْمَانِ، أَوِ اسْمٌ وَفِعْلٌ، أَوْ فِعْلٌ وَحَرْفٌ، أَوِ اسْمٌ وَحَرْفٌ.
______________________________ ______
(فَـ): فاء الفصيحة
(أَمَّا): حرف تفصيل وتوكيد فيه معنى الشرط
(أَقْسَامُ): مبتدأ، وهو مضاف
(الْكَلَامِ): مضاف إليه
(فَـ): فاء الجزاء واقعة فى جواب (أما).
والخبر محذوف والتقدير: (فنقول: أقل ما يتركب الخ) وحذف القول من الكلام كثير مطرد، ولكن أين الرابط هنا بين المبتدأ والخبر على هذا التقدير؟ الظاهر أن الرابط هو إعادة المبتدإ بلفظه وذلك لفظ (الكلام) ففي المبتدإ (أقسام الكلام) وفي الخبر (يتركب منه الكلام) فليتأمل والله أعلم
(أَقَلُّ): مبتدأ، وهو مضاف
(مَا): مضاف إليه وهى معرفة تامة بمعنى (اللفظ)
(يَتَرَكَّبُ): فعل مضارع
(مِنْهُ): ظرف لغو متعلق بـ (يتركب)، والضمير (الهاء) يعود على (ما)
(الْكَلَامُ): فاعل، والجملة من الفعل والفاعل وما تعلق بهما فى محل جر صفة لـ (ما) والرابط الضمير (الهاء) في (مِنْهُ)
(اسْمَانِ): خبر المبتدإ (أقل) والجملة من المبتدإ والخبر وما تعلق بهما في محل نصب مقول القول المحذوف الذي هو الخبر
(أَوِ): عاطفة، تفيد التقسيم
(اسْمٌ): معطوف على (اسمان)
(وَفِعْلٌ): معطوف على (اسم)
(أَوْ): عاطفة، تفيد التقسيم
(فِعْلٌ): معطوف على (اسم)
(وَحَرْفٌ): معطوف على (فعل)
(أَوِ اسْمٌ وَحَرْفٌ): يعرف إعرابه مما سبق

د:ابراهيم الشناوى
2015-01-30, 10:21 PM
المعنى: واضح وهو أن أقل ما يتألف منه الكلام- بحيث يكون مفيدا فائدة تامة يحسن السكوت عليها - ما يأتى:
أ- اسمان وصوره أربعة:

1- مبتدأ وخبر نحو: زيد كاتب
2- مبتدأ وفاعل سد مسد الخبر نحو: أقائم الزيدان
3- مبتدأ ونائب فاعل سد مسد الخبر نحو: أمضروب الزيدان
4- اسم فعل وفاعله نحو: هيهات العقيقُ.
ب- اسم وفعل وله صورتان:

1- فعل وفاعل نحو: كتب زيد.
2- فعل ونائب فاعل نحو: سُرِقَ المتاعُ.
ج- فعل وحرف مثل: (ما قام) من قولك: "زيد ما قام" وهذا أثبته بعضهم ولم يَعُــدَّ الضمير فى (قام) الراجع إلى (زيد) كلمةً لعدم ظهوره وتبعهم المصنف لقصد التسهيل على المبتدى فإن الملفوظات أقرب للفهم من المعقولات كما فى حاشية السوسي[1]، لكن الجمهور على عده كلمة.
ح- اسم وحرف وهذا فى النداء خاصة نحو: (يا زيد) وأكثر النحاة[2] قالوا: إنما كان (يا زيد) كلاما لأن تقديره: (أدعو زيدا أو أنادى) وكل ما فى الأمر أن حرف النداء ناب عن الفعل (أدعو أو أنادى).

----------------------------
[1] حاشية السوسي على قرة العين 54.

[2] بعض النحاة ذهب إلى ما ذهب إليه المصنف هنا وهو أن (يا زيد) مركب من اسم وحرف وممن ذهب إلى هذا الإمام عبد القاهر الجرجانى. انظر شرح الورقات لابن الفركاح 117، والأنجم الزاهرات 108.

د:ابراهيم الشناوى
2015-02-05, 10:17 PM
وصوره أربعةالصواب: (وصوره أربعٌ) بإسقاط التاء كما نبه على ذلك أحد الإخوة جزاه الله خيرا

د:ابراهيم الشناوى
2015-02-13, 04:41 PM
أقسام الكلام من حيث المدلول


قال المصنف رحمه الله تعالى


وَالْكَلَامُ يَنْقَسِمُ إِلَى: أَمْرٍ وَنَهْيٍ، وَخَبَرٍ وَاسْتِخْبَارٍ.
وَيَنْقَسِمُ أَيْضًا إِلَى: تَمَنٍّ، وَعَرْضٍ، وَقَسَمٍ.
______________________________ ____
(وَ): استئنافية (نحوى)
(الْكَلَامُ): مبتدأ
(يَنْقَسِمُ): فعل مضارع وفاعله مستتر فيه جوازا تقديره (هو) يعود على (الكلام) والجملة من الفعل والفاعل فى محل رفع خبر.
والجملة من المبتدإ والخبر وما تعلق بهما لا محل لها من الإعراب استئنافية
(إِلَى أَمْرٍ): ظرف لغو متعلق بـ (ينقسم)
(وَنَهْيٍ): معطوف على (أمر)
(وَخَبَرٍ): معطوف على (أمر)
(وَاسْتِخْبَارٍ) : معطوف على (أمر)
(وَ): عاطفة
(يَنْقَسِمُ): فعل مضارع وفاعله يعود على (الكلام) والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع معطوفة على جملة الخبر (ينقسم إلى أمر ...الخ)
(أَيْضًا): مصدر (آضَ أيضا): إذا رجع، أى رجع إلى تقسيم الكلام، فهو مفعول مطلق لفعل محذوف وجوبا تقديره (آض).
(إِلَى تَمَنٍّ): ظرف لغو متعلق بـ (ينقسم)
(وَعَرْضٍ، وَقَسَمٍ): معطوفان على (تمن)

د:ابراهيم الشناوى
2015-02-21, 07:07 PM
المعنى: ينقسم الكلام إلى :
1- أمر: وهو ما يدل على طلب الفعل مثل: (قم)
2- ونهى: وهو ما يدل على طلب الترك مثل: (لا تقم)
3- وخبر: وهو ما يحتمل الصدق والكذب مثل: (جاء زيد)
4- واستخبار: وهو الاستفهام مثل: (هل جاء زيد؟) فيقال فى جوابه: نعم، أو لا.
5- وإلى تمن: وهو طلب ما لا طمع فيه مثل: (ليت الشباب يعود)، أو طلب ما فيه عسر كقول الفقير: (ليت لى مالًا فأحج)
6- وعَرْضٍ – بسكون الراء – : وهو الطلب برفق نحو: ألَا تنزل عندنا
7- وقَسَمٍ: وهو الحلف نحو: والله لأفعلن كذا

د:ابراهيم الشناوى
2015-02-28, 10:06 PM
أقسام الكلام من حيث الاستعمال


قال المصنف رحمه الله تعالى:


"وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ يَنْقَسِمُ إِلَى: حَقِيقَةٍ، وَمَجَازٍ.


تعريف الحقيقة


فَالْحَقِيقَةُ: مَا بَقِيَ فِي الِاسْتِعْمَالِ عَلَى مَوْضُوعِهِ، وَقِيلَ: مَا اسْتُعْمِلَ فِيمَا اصْطُلِحَ عَلَيْهِ مِنَ المُخَاطَبَةَ.


تعريف المجاز


وَالْمَجَازُ: مَا تُجُوِّزَ بِهِ عَنْ مَوْضُوعِهِ.
______________________________ ___________


(وَ): عاطفة أو استئنافية ( استئناف نحوى).
(مِنْ وَجْهٍ): ظرف لغو متعلق بـ (ينقسم)
(آخَرَ): نعت لـ (وجه) مجرور وعلامة جره الفتحة لأنه ممنوع من الصرف للوصفية ووزن الفعل.
(يَنْقَسِمُ): فعل مضارع والفاعل مستتر جوازا تقديره هو يعود على الكلام، والجملة من الفعل والفاعل وما تعلق بهما لا محل لها من الإعراب إما معطوفة على قوله: "والكلام ينقسم إلى أمر ..." إن جعلت الواو عاطفة أو لا محل لها أيضا استئنافية إن جعلت الواو استئنافية
(إِلَى حَقِيقَةٍ): ظرف لغو متعلق بـ (ينقسم)
(وَمَجَازٍ): معطوف على (حقيقة)
(فَـ): فاء الفصيحة أى إذا أردت أن تعرف ماهى الحقيقة فالحقيقة
(الْحَقِيقَةُ): مبتدأ، وهى (فعيلة) من الحق الذى هو ضد الباطل، بمعنى (فاعل) من (حَقَّ الشئُ) إذا ثبت[1]، أو بمعنى (مفعول) من (حقَّقْتُ الشئَ) إذا أثبتُّهُ[2]، نُقِلَ إلى الكلمة الثابتة[3] أو المثبَتَة[4] فى مكانهاالأصلى[5]، والتاء فيها للنقل من الوصفية إلى الاسمية، وقيل للتأنيث[6].
(مَا): معرفة تامة بمعنى (لفظ) وهى اسم مبنى على السكون فى محل رفع خبر
(بَقِيَ): فعل ماض مبنى على الفتح لا محل له من الإعراب والفاعل مستتر جوازا يعود على (ما)
(فِي الِاسْتِعْمَالِ ): ظرف لغو متعلق بـ (بقى)، والكلام على حذف مضاف أى: (ما بقى فى حال الاستعمال)
(عَلَى مَوْضُوعِهِ): ظرف لغو أيضا متعلق بـ (بقى)، و(موضوع) مضاف و(الهاء) ضمير مبنى على الكسر فى محل جر مضاف إليه.
______________________________ _____________________


[1] فيكون فعله لازما، ومنه قوله تعالى: {حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ}
[2] فيكون فعله متعديا
[3] إذا جعلت (الحقيقة) فعيلة بمعنى فاعل
[4] إذا جعلت (الحقيقة) فعيلة بمعنى مفعول
[5] يريد بـ (مكانها الأصلى): معناها الأصلى.
[6] الإيضاح فى علوم البلاغة للخطيب القزوينى 275 ط. دار الكتب العلمية، والشرح الكبير لابن قاسم العبادي 132، وحاشية السوسي على قرة العين 57 وفيهما زيادة بسط وتفصيل، وغاية المرام فى شرح مقدمة الإمام لأبى العباس التلمسانى1/ 391- 392 ت. محند أوإدير مشنان ط. دار التراث ودار ابن حزم.

د:ابراهيم الشناوى
2015-03-14, 10:09 PM
(وَ): عاطفة
(قِيلَ): فعل ماض مبنى للمجهول
(مَا): مبتدأ، وهى معرفة بمعنى (اللفظ)
(اسْتُعْمِلَ): فعل ماض مبنى للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا يعود على (ما) والجملة من الفعل ونائب الفاعل فى محل رفع خبر (ما)، وجملة (ما استعمل) من المبتدإ والخبر فى محل رفع نائب فاعل لـ (قيل)، وجملة (قيل ما الخ) لا محل لها من الإعراب معطوفة على جملة (الحقيقة ما الخ) وفيه عطف الجملة الفعلية على الاسمية وهو جائز على الصحيح خلافا لمن منعه.
(فِيمَا): الجار والمجرور متعلق بـ (استُعمِل)، و(ما) بمعنى (معنى) أى (لفظ استُعْمِلَ فى معنى)
(اصْطُلِحَ): فعل ماض مبنى للمجهول
(عَلَيْهِ): نائب فاعل لـ (اصطلح) أى (لفظ استعمل فى معنى اصطلح عليه أي: اصطلح على أن المعنى لذلك اللفظ) والجملة من الفعل ونائب الفاعل فى محل جر صفة لـ (ما)
(مِنَ المُخَاطَبَةَ): متعلق بـ (اصطلح) أى اصطُلح عليه اصطلاحا صادرا من المخاطِبة – بكسر الطاء – أى الجماعة المخاطِبة بأن وَضَعَتْ هذا اللفظ إزاء هذا المعنى، أو بفتح الطاء (المخاطَبة) بمعنى التخاطب.
(وَ): عاطفة
(الْمَجَازُ): مبتدأ
(مَا): خبر وهى بمعنى (لفظ)
(تُجُوِّزَ): فعل ماض مبنى للمجهول ويجوز قراءته بالبناء للمعلوم أى تَجَوَّزَ المتجوِّز.
(بِهِ): ظرف لغو متعلق بـ (تَجَوَّز) إن جعلته مبنيا للفاعل، وإلا فنائب فاعل والجملة فى محل رفع صفة لـ (ما)
(عَنْ مَوْضُوعِهِ): متعلق بـ (تجوز) و(موضوع) مضاف والهاء مضاف إليه.

د:ابراهيم الشناوى
2015-03-23, 10:24 PM
المعنى:

ينقسم الكلام أيضا إلى حقيقة ومجاز عرَّفَهما المصنف وذكر للحقيقة تعريفين :
الأول – ما بقى فى الاستعمال على موضوعه، وذلك مثل كلمة (أسد) الموضوعة للحيوان المفترس:
= فإذا قلت: رأيت أسدًا، تريد رأيت الحيوان المفترس المسمى بهذا الاسم فقد استعملت الكلمة (أسد) فيما وضعت له وهذه هى الحقيقة.
= أما إذا قلت: (رأيت أسدا) تريد به رجلا شجاعا فقد استعملت الكلمة (أسد) فى غير ما وضعت له فى اللغة أي: تجوزت وتعديت بها عن المعنى الذي وضعت له فى اللغة وهذا هو المجاز،
ويشترط فيه أن يكون التّعَدِّي صحيحا بأن يكون لعلاقة(1) مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلى(2).
و(الحقيقة) بالمعنى السابق لا تشمل إلا الحقيقة اللغوية فقط، وأما الحقيقة الشرعية والحقيقة العرفية فلا تشملهما مع أنه سيذكرهما بعدها مباشرة، وهذا هو اختياره أعنى: أن الحقيقة تنقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة الآتية (اللغوية والشرعية والعرفية) ولهذا ذكر تعريفا آخر للحقيقة يشمل الأقسام الثلاثة وهو الآتي:
الثاني- أن الحقيقة: "ما استعمل فيما اصطلح عليه من المخاطبة" أى لفظ استعمل فى معنى اصطُلِحَ عليه من الجماعة المخاطِبة أو فى اصطلاح التخاطب، وذلك مثل: كلمة (الصلاة): فأهل اللغة يستعملونها بمعنى الدعاء، وأهل الشرع يستعملونها بمعنى الأقوال والأفعال المفتتحة بالتكبير والمختتمة بالتسليم،
فإذا استعمل أهل الشرع الصلاة بهذا المعنى المصطلح عليه بينهم فهو حقيقة شرعية
أما إن استعملوها بمعنى الدعاء فهو مجاز؛ لأنه غير مصطلح عليه بينهم
وأهل اللغة بالعكس من ذلك،
ومثال الحقيقة العرفية استعمال لفظ (دابة) فى الفرس أو فى ذوات الأربع وهو فى اللغة لكل ما يدب على الأرض.


______________________________ _________________
1- إن كانت العلاقة المشابهة سمى المجاز (استعارة) وإن كانت غير المشابهة سمى المجاز (مجازا مرسلا)، انظر التلخيص فى علوم البلاغة للخطيب القزوينى 295 شرح عبد الرحمن البرقوقى ط. دار الفكر العربى
2- حاشية السوسي على قرة العين 61.

د:ابراهيم الشناوى
2015-03-29, 01:27 AM
فَالْحَقِيقَةُ: مَا بَقِيَ فِي الِاسْتِعْمَالِ عَلَى مَوْضُوعِهِ، وَقِيلَ: مَا اسْتُعْمِلَ فِيمَا اصْطُلِحَ عَلَيْهِ مِنَ المُخَاطَبَةَ.

(وَ): عاطفة

(قِيلَ): فعل ماض مبنى للمجهول
(مَا): مبتدأ، وهى معرفة بمعنى (اللفظ)
(اسْتُعْمِلَ): فعل ماض مبنى للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا يعود على (ما) والجملة من الفعل ونائب الفاعل فى محل رفع خبر (ما)، وجملة (ما استعمل) من المبتدإ والخبر فى محل رفع نائب فاعل لـ (قيل)، وجملة (قيل ما الخ) لا محل لها من الإعراب معطوفة على جملة (الحقيقة ما الخ) وفيه عطف الجملة الفعلية على الاسمية وهو جائز على الصحيح خلافا لمن منعه.
الصواب أن (ما) في قوله: "ما استُعْمِل" خبر لمبتدإ محذوف والتقدير: وقيل: هي (أي الحقيقة) ما استعمل ...الخ، وجملة (ما استعمل) في محل رفع نائب فاعل لـ (قيل) وبهذا تكون جملة (هي ما استعمل ...الخ) موافقة لجملة (الحقيقة ما بقي ...الخ) يعني أن الجملتين اسميتين ولا يلزم عليه عطف الفعلية على الاسمية كما في الإعراب الأول
وهذا قد نَبَّهَ عليه أحد الإخوة جزاه الله خيرا وهو الصواب إن شاء الله
والله أعلم

د:ابراهيم الشناوى
2015-04-04, 11:07 PM
[قال صاحبى]
قال: ذكرتَ أن (عليه) نائب فاعل لـ (اصطُلِحَ)، و(به) نائب فاعل لـ (تُجُوِّزَ) فكيف ينوب المجرور عن الفاعل ؟
قلت: ينوب المجرور عن الفاعل بشرطين:
الأول – أن يكون المجرورُ مختصا وذلك بأن يكون معرفة كما هنا فالضمير فى (عليه) و(به) معرفة فتحقق الشرط الأول
الثانى – أن يكون حرفُ الجر غير ملازم لطريقة واحدة مثل: مذ ومنذ الملازمتين لجر الزمان، وحروف القسم الملازمتين لجر المقسم به، وما هنا (على) و(الباء) كذلك فتحقق الشرط الثانى مع عدم وجود مفعول به فى الكلام ينوب عن الفاعل.
قال: ذكر المصنف للحقيقة تعريفين فهلا اكتفى بأحدهما لاسيما الثانى لأنه أشملهما
قلت: الثانى أشملهما كما ذكرت وهو اختياره كما تقدم، لكن الأول يناسب المبتدئ لسهولته.
قال: وذكر للمجاز تعريف واحد وكان ينبغى أن يذكر له تعريفين كما ذكر لـ (الحقيقة) تعريفين؟
قلت: نعم ينبغى أن يكون للمجاز تعريفين مقابلين للتعريفين المذكورين للحقيقة هكذا:
أ*- الحقيقة: اللفظ المستعمل فيما وضع له
ب*- المجاز: اللفظ المستعمل فى غير ما وضع له
ت*- الحقيقة: اللفظ المستعمل فيما اصطُلِحَ عليه من المخاطِبَة
ث*- المجاز: اللفظ المستعمل فى غير ما اصطُلِحَ عليه من المخاطِبَة
قال: فلم اقتصر على أحد التعريفين للمجاز ؟
قلت: اقتصر على ذلك – كما قال الماردينى – اكتفاءا بما قَدَّمَ فى تعريف الحقيقة؛ لأن المجاز مقابل للحقيقة[1].
قال: ما معنى (المجاز) ؟ وما معنى:"تُجُوِّزَ به عن موضوعه" ؟
قلت: المجاز معناه الجواز والانتقال، مأخوذ من جاز المكانَ يجوزه، ثم نقل إلى (الكلمة الجائزة) أى التى تعدت مكانها الأصلى أى معناها الحقيقى أو (الكلمة المجوز بها) على معنى أنهما جازوا بها وعدوها مكانها الأصلى فـ (المجاز) مصدر بمعنى اسم الفاعل أو اسم المفعول[2]، واستظهر الخطيب القزوينى أنه فى الأصل اسم مكان نقل من اسم المكان إلى الكلمة من قولهم: (جعلت كذا مجازا لحاجتى) أي: طريقا لها؛ لأن الكلمة جُعِلَتْ طريقا لفهم معناها الذى نقلت إليه[3]؛ فمعنى (تُجُوِّزَ به): تُعُدِّيَ به، و(عن موضوعه) أي عن المعنى الذي وضع له هذا اللفظ فى اللغة.
قال: فما معنى الاصطلاح ؟
قلت: هو اتفاق طائفة من الناس على استعمال كلمة فى معنى معيَّنٍ خاص بهم كما سبق مثاله بكلمة (الصلاة) عند أهل اللغة وعند أهل الشرع
قال: فما هو الوضع فى قولهم: (تُجُوِّزَ به عن موضوعه) وقولهم: (وُضِعَ له) ونحوهما ؟
قلت:الوضع: جَعْلُ اللفظ بإزاء المعنى
قال: هل تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز عامّ ؟
قلت: ماذا تعنى بقولك :"عامٌّ " ؟
قال: أعنى هل كل كلمة لها معنى حقيقى وآخر مجازى ؟
قلت: لا
قال: فأيهما أكثر الحقيقة أم المجاز ؟
قلت:الحقيقة.
قال: فهل كل حقيقة لها مجاز ؟
قلت: لا
قال: فهل كل مجاز له حقيقة ؟
قلت: فيه خلاف، قيل: إن المجاز يستلزم سبق الحقيقة وقيل: لا[4].
وقال الإمام الغزالى: "واعلم أن كل مجاز فله حقيقة وليس من ضرورة كل حقيقة أن يكون لها مجاز"[5].
قال: فهل كل الأسماء صالحة لدخول المجاز فيها ؟
قلت: إلا ضربان من الأسماء فلا يدخلهما المجاز :
الأول – أسماء الأعلام نحو: زيد وعمرو لأنها أسماء وُضِعَتْ للفَرْقِ بين الذوات لا للفَرْقِ بين الصفات
الثانى – الأسماء التى لا أعم منها مثل: (المعلوم) و(المجهول) و(المدلول) و(المذكور)[6].
______________________________ ___________
[1] الأنجم الزاهرات للماردينى 111 ت. د. عبد الكريم النملة. ط. مكتبة الرشد بالرياض
[2] حاشية السوسي على قرة العين 61، وأسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجانى 351- 352 ت. أبو فهر محمود محمد شاكر ط. دار المدنى بجدة.
[3] الإيضاح فى علوم البلاغة للقزوينى 275- 276، وحاشية السوسي على قرة العين 61.
[4] رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب للتاج السبكى 1/ 382 وما بعدها ت. عادل عبد الموجود وعلى معوض ط. عالم الكتب
[5] المستصفى للإمام الغزالى 3/ 34 ت. د. حمزة بن زهير حافظ
[6] المستصفى 3/ 34- 35.

د:ابراهيم الشناوى
2015-04-11, 09:44 PM
أقسام الحقيقة
وَالْحَقِيقَةُ: إِمَّا لُغَوِيَّةٌ، وَإِمَّا شَرْعِيَّةٌ، وَإِمَّا عُرْفِيَّةٌ.
______________________________ ____
(وَ): للاستئناف البيانى فكأن سائلا قال له: وما أقسام الحقيقة فقال: والحقيقة إما لغوية الخ
(الْحَقِيقَةُ): مبتدأ
(إِمَّا): حرف تفصيل، و(إما) الأولى هذه غير عاطفة باتفاق
(لُغَوِيَّةٌ):خب
(وَإِمَّا): عاطفة، لكن هل العطف هنا بالواو أو (بإما) فيه خلاف بين العلماء فمنهم من ذهب إلى أن (إما) عاطفة وممن ذهب إلى هذا: سيبويه والمالقى فى رصف المبانى والصيمرى والجزولى والمرادى، ومنهم من ذهب إلى أنها غير عاطفة ومنهم: الفارسى وابن كيسان وابن بَرْهان وابن مالك والرمانى وابن درستويه وابن عصفور وابن السراج والجرجانى ويونس وهؤلاء ذهبوا إلى أن العطف بالواو[1].
والمختار أن العطف هنا بالواو وأن (إما) غير عاطفة وهى حرف تفصيل كالأولى
(شَرْعِيَّةٌ): معطوفة على (لغوية)
(وَإِمَّا عُرْفِيَّةٌ): مثل (وإما شرعية)
______________________________ __
[1] انظر مغنى اللبيب/ عبد اللطيف الخطيب 1/ 382- 383 هامش رقم4.

د:ابراهيم الشناوى
2015-04-18, 10:59 PM
المعنى:
تنقسم الحقيقة إلى ثلاثة أقسام :
1- حقيقة لغوية: وهى اللفظ المستعمل فيما وضع له فى اللغة مثل: الصيام فهو فى اللغة الإمساك، والصلاة فهى فى اللغة الدعاء
2- حقيقة شرعية: وهى اللفظ المستعمل فيما وضع له فى الشرع كالصلاة فهى فى الشرع أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم، وكالصيام فهو فى الشرع: إمساك عن المفطرات من طلوع الشمس إلى غروبها
3- حقيقة عرفية: وهى اللفظ المستعمل فيما وضع له فى العرف، وهى نوعان:
أ- عرفية عامة: وعرَّفوا (العرف العام) بأنه: لفظ لا يتعين ناقله أي: لا يكون ناقله جماعة مخصوصة كأهل النحو وأهل الفقه وأهل الطب ونحو ذلك ومثاله: لفظ (الدابة) فهى فى العرف العام تستعمل بمعنى ذات الأربع ولكنها فى وضع اللغة لكل ما يدب على الأرض
ب- عرفية خاصة: وعرفوا (العرف الخاص): بأنه لفظ يتعين ناقله أى أن يكون بين جماعة خاصة كأهل النحو ومثاله: لفظ (الفاعل) عند النحاة للاسم المرفوع بالفعل وهو فى اللغة لمن صدر منه الفعل
تنبيه: إذا أطلق العرف فالمراد به العرف العام

د:ابراهيم الشناوى
2015-04-27, 10:56 PM
أقسام المجاز
قال المصنف رحمه الله تعالى:


وَالْمَجَازُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ: بِزِيَادَةٍ، أَوْ نُقْصَانٍ، أَوْ نَقْلٍ، أَوِ اسْتِعَارَةٍ.
______________________________ ________________
(وَ): للاستئناف البيانى أو عاطفة
(الْمَجَازُ): مبتدأ
(إِمَّا): حرف تفصيل
(أَنْ): حرف مصدرى ونصب
(يَكُونَ): فعل مضارع من كان التامة بمعنى (يوجد) منصوب بـ (أنْ) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره (هو) يعود على (المجاز).
وجملة (يكون) من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول الحرفي (أَنْ).
و(أَنْ) وما دخلت عليه فى تأويل مصدر خبر للمبتدإ (المجاز).
والجملة من المبتدإ والخبر لا محل لها من الإعراب استئنافية إن جعلت الواو استئنافية أو معطوفة على جملة (والحقيقة إما لغوية الخ) إن جعلتها عاطفة
(بِزِيَادَةٍ): متعلق بـ (يكون)
(أَوْ): عاطفة وتفيد التقسيم
(نُقْصَانٍ): معطوف على (زيادة) والمعطوف على المجرور مجرور
(أَوْ نَقْلٍ): معطوف على (نقصان)
(أَوِ اسْتِعَارَةٍ): معطوف على (نقل)

د:ابراهيم الشناوى
2015-05-02, 10:46 PM
قال المصنف رحمه الله تعالى :


فَالْمَجَازُ بِالزِّيَادَةِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشوري: 11]. وَالْمَجَازُ بِالنُّقْصَانِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]. وَالْمَجَازُ بِالنَّقْلِ: كَالْغَائِطِ فِيمَا يَخْرُجُ مِنَ الْإِنْسَانِ. وَالْمَجَازُبِا لِاسْتِعَارَةِ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} [الكهف: 77].
______________________________ ______________________________ _
(فَـ): فاء الفصيحة
(الْمَجَازُ): مبتدأ
(بِالزِّيَادَةِ) : متعلق بمحذوف صفة لـ (المجاز) والتقدير: فالمجاز الكائن بالزيادة مثل الخ ويصح أن يكون المتعلَّقُ حالا على رأي سيبويه خلافا للجمهور والتقدير: فالمجاز حالة كونه كائنا بالزيادة
(مِثْلُ): خبر، والجملة من المبتدإ والخبر وما تعلق بهما لا محل لها من الإعراب ابتداية، و(مثل) مضاف
(قَوْلِهِ): (قول) مضاف إليه، و (قول) مضاف أيضا و(الهاء) ضمير الغائب مبني على الكسر في محل جر مضاف إليه.
(تَعَالَى): فعل ماض مبنى على فتح مقدر على آخره (الألف) منع من ظهوره التعذر، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره (هو)، أي تعالى الله عن النقائص.
والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب استئنافية.
({لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}): (ليس): فعل ماض من أخوات كان، (كمثله): (الكاف) صلة – أي زائدة – و(مثل) خبر ليس مقدم منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد و(مثل) مضاف و(الهاء) ضمير مبني على الكسر في محل جر مضاف إليه، (شئ): اسم ليس مؤخر.


(وَالْمَجَازُ بِالنُّقْصَانِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى): يعرف إعرابه مما تقدم، والجملة لا محل لها من الإعراب معطوفة على جملة (المجاز بالزيادة الخ)
({وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}): (الواو): عاطفة، (اسأل): فعل أمر مبني على السكون والفاعل مستتر وجوبا تقديره أنت، (القرية): مفعول به وقيل: الكلام على حذف مضاف والتقدير: أهل القرية، والجملة في محل نصب معطوفة على جملة {إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ} التي هي في محل نصب مقول القول في قوله:{فَقُولُواْ إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ}


(وَالْمَجَازُ بِالنَّقْلِ): مبتدأ، ونعت للمبتدإ أو حال منه كما تقدم.
(كَالْغَائِطِ): متعلق بمحذوف خبر والجملة لا محل لها من الإعراب معطوفة على جملة (المجازُ بالزيادة مثلُ ...) و(أل) فيه للعهد والمراد به الفضلة المخصوصة التى تخرج من دبر الإنسان.
(فِيمَا): الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من (الغائط) أى حالة كون لفظ الغائط مستعملا فيما يخرج الخ
(يَخْرُجُ): الجملة من الفعل والفاعل فى محل جر صفة لـ (ما)
(مِنَ الْإِنْسَانِ): متعلق بـ (يخرج) وأصل الكلام على تقدير مضاف أى (يخرج من دبر الإنسان) فإنه لا يطلق على ما يخرج من الإنسان مطلقا


(وَالْمَجَازُ بِالِاسْتِعَارَ ةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى): إعرابه كما تقدم
({جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ}): (جدارا): مفعول به فعله {فَوَجَدَا}، (يريد): فعل مضارع وفاعله مستتر جوازا تقديره هو يعود على (جدارا)، (أن): حرف مصدري ونصب، (ينقض): فعل مضارع منصوب بأن وفاعله مستتر يعود على (جدارا)
وجملة (ينقض) من الفعل والفاعل لا محل لها صلة (أن)
و(أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول به لـ (يريد)
وجملة (يريد أن ينقض) في محل نصب نعت لـ (جدارا)

د:ابراهيم الشناوى
2015-05-09, 09:18 PM
المعنى: لما ذكر أنواع الحقيقة بعد تعريفها ذكر هنا أنواع المجاز بعد تعريفه وكلامه هنا عن المجاز غير محرر ومحل بحثه – على كل حال – في علم البيان لا الأصول، فذكر للمجاز أربعة أنواع :
الأول- مجاز بالزيادة: وهو أن تزاد لفظة في الكلام بحيث لو حذفت لصح الكلام بدونها مثل قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فلو قيل في غير القرآن: (ليس مثلَه شئٌ) لصح الكلام بدونها، وجه الزيادة: أن الكاف لو لم تكن زائدة لكانت بمعنى (مثل) وهذا باطل لما يلزم عليه من إثبات المثل لله تعالى إذ يصير المعنى: (ليس مثلَ مثلِه شئٌ) فالمنفي هو مثل المثل فيكون المثل ثابتا وهو باطل لأنه لو ثبت لكان له مثل وهو الله تعالى؛ فلهذا قالوا: الكاف زائدة لتوكيد نفي المثل، وفي الآية كلام آخر.
الثاني- مجاز بالنقص: وهو أن تحذف لفظة من الكلام بحيث لو لم تُقَدَّرْ لَمَا صح الكلامُ بدونها مثل قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} فالكلام على تقدير مضاف– كما قال العلماء – والتقدير: واسأل أهل القرية، ووجه المجاز في هذا النقص أنك لو أجريت الكلام على ظاهره لكان معناه اسأل القرية نفسها وهي لا تُسأَل فصار معناه: اسأل أهل القرية.
الثالث- المجاز بالنقل: وهو أن تنقل لفظة عن معناها الأصلي إلى معنى آخر، مثل: كلمة (الغائط): فهو فى اللغة يطلق على المكان المنخفض بين مرتفعين، وكان الذى يقضى حاجته يقصد ذلك كثيرا طلبا للستر ثم نقل إلى الخارج المذكور من دبر الإنسان.
الرابع- المجاز بالاستعارة: وهي استعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة بين المعنى المنقول عنه والمعنى المستعمل فيه مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي، مثل قوله تعالى: {جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} شبه (مَيْلَ الجدار إلى السقوط) بـ (إرادة السقوط) التي هي من صفات الحي بجامع (القرب من الفعل في كل) ثم استعير اللفظ الدال على المشبه به (إرادة السقوط) للمشبه (ميله إلى السقوط) ثم اشتق منه (يريد) بمعنى (يميل) على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية[1].
______________________________ ______
[1] حاشية الدمياطي على شرح المحلي 9، وشرح الورقات للفوزان 38، وتفسير التحرير والتنوير 16/ 8 ط. الدار التونسية، وتلخيص البيان في مجازات القرآن للشريف الرضي 166- 167 ت. د. علي محمود مقلد ط. دار مكتبة الحياة

د:ابراهيم الشناوى
2015-05-16, 10:31 PM
[قال صاحبي]
قال: قلتَ إنَّ (أَنْ) والفعل (يكون) فى قوله: "إما أن يكون بزيادة" في تأويل مصدر خبر، فما معنى (في تأويل مصدر) ؟
قلت: يعني أن كلمة (أَنْ) إذا دخلت على الفعل المضارع فإنه يُجْعل في تأويل المصدر باعتبار الأحكام اللفظية: كصحة دخول حرف الجر عليه وعطف المفرد عليه، لا أن يُجعل في تأويله باعتبار المعنى بأن يقصد به المعنى المصدري.
قال: وقلتَ: إن (جملة (يكون) من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول الحرفي (أَنْ). فهل (أَنْ) من الموصولات مثل (الذي) وتحتاج إلى صلة وعائد؟
قلت: الموصول نوعان: موصول اسمي: كـ (الذي) و(مَنْ) وهو الذي يحتاج إلى صلة وعائد، وموصول حرفي: وهو كل حرف يؤول مع صلته بمصدر وهذا يحتاج إلى صلة لكن لا يحتاج إلى عائد: مثل: (أَنْ)، وصلتُها هي الفعل المتصرف الذي تدخل عليه ماضيا كان أو مضارعا أو أمرا.

د:ابراهيم الشناوى
2015-05-23, 10:42 PM
الأمـــــــــــ ـــــــــــر

قال المصنف رحمه الله

وَالْأَمْرُ: اسْتِدْعَاءُ الْفِعْلِ بِالْقَوْلِ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ.
______________________________ ___________________
اعلم أن باب الأمر والنهي من الأبواب المهمة في أصول الفقه؛ لأن مدار التكليف على الأوامر والنواهي.
قال السرخسي: "فأحق ما يبدأ به في البيان الأمر والنهي لأن معظم الابتلاء بهما، وبمعرفتهما تتم معرفة الأحكام ويتميز الحلال من الحرام"[1].
(وَ): إما استئنافية، وإما عاطفة على (أقسام الكلام) في قوله: (فأما أقسام الكلام فأقل)؛ لأنه لما ذكر أبواب أصول الفقه إجمالا عطف (الأمر) وما بعده على (أقسام الكلام) فقال: "وأبواب أصول الفقه: أقسام الكلام والأمر والنهي الخ".
(الْأَمْرُ): مبتدأ
(اسْتِدْعَاءُ): خبر، وهو مضاف.
(الْفِعْلِ): مضاف إليه.
(بِالْقَوْلِ): متعلق بـ (استدعاء) أو بمحذوف حال منه والتقدير: (الأمر: استدعاء الفعل حال كون ذلك الاستدعاء كائنا بالقول أو مدلولا عليه بالقول)
(مِمَّنْ): مركبة من كلمتين الأولى (مِنْ) بكسر الميم وهي حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب، والثانية (مَنْ) بفتح الميم اسم موصول بمعنى الذي مبني على السكون في محل جر بـ (مِنْ) الأولى، ثم أدغمت (نون) الأولى في (ميم) الثانية فصارت (مِمَّن)، والجار والمجرور متعلق بما تعلق به قوله: "بالقول" أي بـ (استدعاء) أو بمحذوف حال منه.
(هُوَ): ضمير مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ.
(دُونَهُ): (دون) ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة وهو متعلق بمحذوف خبر المبتدأ (هو)، و(دون) مضاف و(الهاء) ضمير مبني على الضم في محل جر مضاف إليه، والجملة من المبتدإ والخبر لا محل لها من الإعراب صلة الموصول (مَنْ) وضمير الغائب في (دونه) هو العائد.
(عَلَى سَبِيلِ): متعلق بـ (استدعاء)، و(سبيل) مضاف
(الْوُجُوبِ): مضاف إليه
______________________________ __
[1] أصول السرخسي 1/ 11 ت. أبو الوفا الأفغاني ط. دار الكتب العلمية، وشرح الورقات لعبد الله الفوزان 40.

د:ابراهيم الشناوى
2015-05-30, 09:48 PM
المعنى:
هذا تعريف الأمر عند المصنف،
قوله: "استدعاء الفعل" معناه طلب الفعل، خرج به النهي فإنه طلب الترك، وقوله: "بالقول" خرج به الطلب بغير القول كالطلب بالإشارة أو الكتابة وقوله: "ممن هو دونه" خرج به الطلب من المساوي فإنه يسمى (التماسا)، وطلب الأدنى من الأعلى فيسمى (دعاء)، وقوله: "على سبيل الوجوب" أي على سبيل الحتم خرج به ما لم يكن على سبيل الحتم والوجوب بأن جُوِّزَ التركُ فإنه ليس بأمر على ظاهر كلام المصنف فيكون المندوب على هذا ليس بأمر وإليه ذهب أبو بكر الرازي والكرخي، لكن المحققين على خلافه وهو أن المندوب مأمور به[1].
______________________________ ________
[1] حاشية الدمياطي على المحلي 9.

د:ابراهيم الشناوى
2015-06-02, 09:50 PM
تنبيه
سأحاول سلوك طريق وسط إن شاء الله تعالى فيما سيأتي بحيث لا أذكر كل الفوائد المتعلقة بالباب أو الفقرة بل أذكر فائدة أو فائدتين أو ما لابد منه، على أن لا أُخِلَّ بشئ من مقصود المتن بقدر ما يُيَسِّرُهُ الله تعالى لي، وذلك حتى أستطيع أن أنتهي من هذا الشرح الذي أسأل الله تعالى أن ينفع به كما نفع بأصوله، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم وألا يكون لغيره فيه نصيب



[قال صاحبي]
قال: إذا كانت السين للطلب وطبقنا هذا على كلمة (استدعاء) في قوله: "الأمر استدعاء القول بالفعل الخ" لكان المعنى: (الأمر طلب دعاء الفعل بالقول) وهذا لا معنى له.
قلت: قد سبق في شرح التعريف أن (الاستدعاء) معناه الطلب.
قال: لا بأس، أليس (الوجوب): هو طلب الفعل طلبا جازما ؟
قلت: بلى
قال: فلو جعلت (استدعاء) بمعنى الطلب لكان تكرارا.
قلت: ولِمَ ؟
قال: لأنك لو حذفت (الوجوب) ووضعت مكانه معناه وهو: (طلب الفعل طلبا جازما) لصار المعنى: (الأمر طلب الفعل بالقول على سبيل طلب الفعل طلبا جازما)
قلت: السين هنا للتأكيد وليست للطلب كما قال العلماء[1]
أو أن المراد بـ (سبيل الوجوب) صفة الوجوب اللازمة له والثابتة له وهي (الجزم) فيكون المعنى: (الأمر: طلب الفعل على صفة الجزم) فتأمل.
______________________________ ____________________
[1] الشرح الكبير للعبادي 165، وحاشية السوسي على قرة العين 74.

د:ابراهيم الشناوى
2015-06-06, 09:51 PM
قال المصنف رحمه الله تعالى:
وَصِيغَتُهُ: افْعَلْ.
وَهِيَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالتَّجَرُّدِ عَنِ الْقَرِينَةِ تُحْمَلُ عَلَيْهِ، إلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ النَّدْبُ أَوِ الْإِبَاحَةُ- فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ.
______________________________ ______________________________ ________
(وَ): إما عاطفة على قوله: "والأمر استدعاء الخ" أو للاستئناف النحوي.
(صِيغَتُهُ): (صيغة) مبتدأ، ومضاف و(الهاء) ضمير الغائب العائد إلى الأمر مضاف إليه
(افْعَلْ): مقصود لفظها مبنية على الحكاية في محل رفع خبر.
(وَ): عاطفة على (صيغته).
(هِيَ): مبتدأ.
(عِنْدَ): ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو متعلق بقوله: "تُحْمَل" الآتي، و(عند) مضاف.
(الْإِطْلَاقِ): مضاف إليه.
(وَالتَّجَرُّدِ) : معطوف على (الإطلاق) وهو عطف تفسير[1] يعني: أنه فسر (الإطلاق) بـ (التجرد عن القرينة).
(عَنِ الْقَرِينَةِ): متعلق بمحذوف حال من (التجرد)
(تُحْمَلُ): فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، ونائب الفاعل مستتر جوازا تقديره (هي) يعود على (صيغته) والجملة من الفعل ونائب الفاعل في محل رفع خبر.
(عَلَيْهِ): متعلق بـ (تُحْمَل).
(إلَّا): أداة استثناء.
(مَا): معرفة ناقصة (أي اسم موصول) بمعنى (التي)، أو معرفة تامة بمعنى (الصيغة) وعلى كل فهي اسم مبني على السكون في محل نصب على الاستثناء
(دَلَّ): فعل ماض.
(الدَّلِيلُ): فاعل والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها صلة (ما) إن جعلتها موصولة أو في محل نصب صفة لـ (ما) إن جعلتها معرفة تامة.
(عَلَى): حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
(أَنَّ): حرف توكيد ونصب
(الْمُرَادَ): اسم (أنَّ) منصوب
(مِنْهُ): متعلق بـ (المراد)
(النَّدْبُ): خبر (أنَّ) مرفوع، وجملة (أنَّ) واسمها وخبرها في تأويل مصدر مجرور بـ (على) والتقدير: (إلا ما دل الدليل على كون المراد منه الندب) والجار والمجرور (على كون) متعلق بـ (دلَّ).
(أَوِ): عاطفة
(الْإِبَاحَةُ): معطوف على (الندب) والمعطوف على المرفوعِ مرفوعٌ.
(فَيُحْمَلُ): (الفاء) للسببية، و(يحمل) فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، والفاعل مستتر جوازا تقديره هو يعود على (ما) أي: فيحمل ما دل الدليل الخ.
(عَلَيْهِ): الجار والمجرور متعلق بـ (يحمل).
______________________________ ________
[1] وقيل من عطف الأخص وقيل من عطف الأعم ولا طائل تحت ذلك فيكفي فيه ما تقدم أعلاه.

د:ابراهيم الشناوى
2015-06-10, 10:58 PM
المعنى:


صيغةُ الأمر .. (افعل)، ومثلها كل ما يدل على الأمر بصيغته
فإذا دلت الكلمة على الأمر بصيغتها :
ولم توجد قرينة صارفة عن ذلك .. فإن الكلمة تحمل على الأمر
أما إن وجدت قرينة صارفة عن إرادة الأمر .. فإن الصيغة الدالة على الأمر تحمل على غير الأمر كالندب أو الإباحة.
= مثال صيغة الأمر المطلقة المجردة عن القرينة: قوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ} فإن صيغة {أَقِيمُواْ} محمولة على الوجوب لإطلاقها وتجردها عن القرينة.
= ومثال صيغة الأمر المحمولة على الندب لوجود القرينة الدالة على إرادته منها: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] فكلمة {فَكَاتِبُوهُمْ} صيغة أمر ولكن ليس المراد بها الأمر، بل الندب؛ لوجود القرينة الصارفة عن الأمر وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُلزِم الصحابة بعتق مَنْ تحت أيديهم من الأرقاء، ولم يُلزِمهم بمكاتبتهم.
= ومثال صيغة الأمر المحمولة على الإباحة لوجود الدليل والقرينة الصارفة: قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُواْ} [المائدة: 2] يعني: إذا حللتم من إحرامكم فاصطادوا، فكلمة (اصطادوا) صيغة أمر ولم يقل أحد إن المراد بها هنا الأمر، بل قالوا: إنها للإباحة، والقرينة الصارفة عن الوجوب أنه أمر جاء بعد حظر، والقاعدة أن: (الأمر بعد الحظر يفيد الإباحة) لأنه بمثابة الإذن فكانوا ممنوعين من الصيد حال الإحرام ثم أذن لهم بعد ذلك فأفاد الإذن والإباحة لا الوجوب.

د:ابراهيم الشناوى
2015-06-13, 06:04 PM
[قال صاحبي]


قال: لماذا اقتصر المصنف على صيغة (افعل) ؟
قلت: لأنها أشهر الصيغ الدالة على الأمر وأكثرها دورانا في الكلام.
قال: إذا كانت صيغة الأمر هي (افْعَلْ) وما كان على زِنَتِهَا لَمْ يشمل هذا نحو: (اضْرِبْ، وأَكْرِمْ، واستخرِجْ، و(وَلْيَطَّوَّف واْ)، و(لِيُنْفِقْ) ... الخ)
قلت: ليس المراد بـ (افْعَلْ) هذا اللفظ بخصوصه أو هذا الوزن بخصوصه بل المراد كون اللفظ دالا على الأمر بوضعه.
قال: نعم، فهمتُ هذا.
قلت: فهمتَ ماذا؟
قال: فهمتُ أن مراد المصنف بقوله: "وَصِيغَتُهُ افْعَلْ" كونُ اللفظ دالا على الأمر بهيئته وبِنْيَتِهِ وليس المراد خصوص لفظ (افعل) ولا وزنه، أليس كذلك؟
قلت: نعم، ليس كذلك.
قال: ولِمَ ؟
قلت: لأني لم أذكر في كلامي (هيئةً) ولا (بِنْيَةً).
قال: وإِنْ [1]، وماذا في هذا ؟ غاية ما فيه أني ذكرتُ كلامك بمعناه، أم تحسب أن كلامك لا يمكن التعبير عنه بمعناه؟!
قلت: بل يمكن التعبير عنه بأحسن منه لفظا ومعنى، ولكنك لم تفهم شرحي لكلام المصنف على وجهه الصحيح فعبرتَ عنه بغير معناه.
قال: تقول: (شرحي) ! وأنت تعلم أنه ليس شرحك بل شرح العلماء.
فسكتُّ لأن ما يقوله لا أستطيع أن أجحده.
فاستطرد قائلا: وهل هناك فرق بين ما ذكرتُه أنا وما ذكرتَه أنت ؟
قلت: نعم، بينهما فرق كبير.
قال: وما هو ؟
قلت: هل تعرف معنى (هيئة الكلمة) و(بِنْيَتِها) اللتين ذكرتهما؟
فسكتَ.
قلت: (الهيئة): هي الكيفية العارضة للكلمة باعتبار الحركات والسكنات وتقديم بعض الحروف على بعض، يعني أن المراد بالهيئة هو ما يسمى في مصطلح النحاة (أمرا) دون (المضارع المقرون باللام) فإن دلالته على الأمر باللام وليس بهيئته كما هو ظاهر.
وأما (بِنْيَةُ الكلمة): فهي مادتها يعني حروفها. وظاهرٌ أن الأمر لا يدل بها وإلا لدل الماضي والمضارع المجرد من اللام عليه لوجود المادة في ذلك [2].
قال: لماذا تحمل صيغة الأمر عند الإطلاق وعدم القرينة على الأمر دون الندب أو الإباحة؟
قلت: لأنها حقيقة في الأمر مجاز في غيره من الندب وغيره على الصحيح واللفظ إذا أطلق حمل على معناه الحقيقي نحو: {أَقِيمُواْ الصَّلَاةَ} فالصيغة فيه محمولة على الوجوب لإطلاقها وتجردها عن القرينة الصارفة عن الوجوب [3].

_________________________
[1] أي: وإن لم تذكره في كلامك فهو صحيح، فحذف ما يفهم من الكلام
[2] حاشية السوسي على قرة العين 77.
[3] السابق

د:ابراهيم الشناوى
2015-07-28, 10:43 PM
قال صاحبي
قال: اذكر لي بعض الصيغ الدالة على الأمر فإن المصنف لم يذكر إلا واحدة.
قلت: الصيغ التي تدل على الأمر كثيرة يذكرها بعض العلماء في مبحث الأمر والنهي وبعضهم في مبحث الواجب لأنها الصيغ التي تدل على إفادة الوجوب وعلى كل فهي كثيرة أهمها ما يأتي:
1-صيغة (افْعَلْ) وفروعها (افْعَلِي، افْعَلَا، افْعَلُوا، افْعَلْنَ) وما كان على هذا الوزن نحو: اضْرِبْ، اقْرأْ، اذْهَبْ.
2- صيغ فِعْلِ الأمرِ الأخرى ومنها ما هو مبدوء بالهمزة ولكنها مضمومة نحو: (اُكْتُبْ)، ومنها ما هو مبدوء بالتاء نحو: (تَذَكَّرْ).
3- المضارعُ المجزومِ بلامِ الأمرِ
مثال: قوله تعالى: {فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء: 9]
4- اسمِ فعلِ الأمر
مثال: قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } [المائدة: 105]
5- المصدر النَّائب عن فعلِ الأمرِ
مثال:قوله تعالى: { فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ } [محمد:4].
6- صيغةُ (أَمَرَ) وما يتصرَّفُ عنها
أمثلة:قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى } [النحل:90]
= وقوله: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } [النساء: 58]
=وقوله صلى الله عليه وسلم: (( وأنا آمركمْ بخمسٍ اللهُ أمرني بهنَّ: السَّمعِ والطَّاعةِ، والجهادِ، والهجرةِ، والجماعةِ )) ، (جزءٌ من حديثٍ صحيحٍ أخرجه التِّرمذِيُّ وغيرهُ).
7- صيغة (كَتَبَ) و (كُتِبَ)
أمثلة: قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة:216]
= وقوله صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ الله كتبَ الإحسانَ على كلِّ شيءٍ، فإذا قتلتُمْ فأحسنُوا القِتْلَةَ، وإذا ذبحتُم فأحسنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أحدُكمْ شفْرَتَهُ فليُرِحْ ذبِيحتَهُ)) [أخرجه مسلمٌ من حديثِ شدَّاد بنِ أوسٍ].
8- صيغةُ (فَرَضَ) وما يتصرَّفُ عنها
أمثلة: قوله تعالى: { سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا } [النور:1] أي: أوجبنا العمل بها.
= وعن عبدالله بن عباسٍ رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمَّا بعثَ معاذً إلى اليمنِ قال: (( إنكَ تقدُمُ على قومٍ أهلِ كتابٍ، فليكُن أوَّل ما تدعوهمْ إليهِ عبادَةُ الله عزَّوجلَّ، فإذا عرفُوا الله فأخبرهم أنَّ الله فرض عليهمْ خمسَ صلواتٍ في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا فأخبرْهُم أنَّ الله قد فرض عليهم زكاةً تُؤخذُ من أغنيائهم فترَدُّ على فُقرائهِم، فإن أطاعُوا بها فخذْ منهمْ وتوقَّ كرائمَ أموالهِم )) [متفق عليه].
9- صيغة (لهُ عليك فِعلُ كذا)
أمثلة: قوله تعالى:{ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } [آل عمران:97]
= وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حقِّ الرَّجل على امرأته: (( ولكم عليهنَّ أن لا يوطئنَ فُرشَكُمْ أحدًا تكرهُونهُ، فإنْ فعلنَ ذلكَ فاضْرِبُوهنَّ ضربًا غير مُبرِّحٍ )) [أخرجه مسلمٌ من حديث جابربن عبدِالله]
= ومنه قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:234]
10- صيغةُ الخبر الَّتي فيها تنزيل المطلوب منزلةَ التَّامِّ الحاصل تأكيدًا للأمر به
مثال: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234].
11- ما ورد فيه ترتيبُ المؤاخذة على تركِ الامتثالِ
أمثلة: قوله تعالى: { فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } [البقرة: 279]
= وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من لا يرحمُ لا يُرحمُ )) [متفقٌ عليه من حديث جريرِ بن عبدالله وأبي هريرة].
12- وصفُ تركِ الامتثالِ بالمخالفةِ
أمثلة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (( شرُّ الطَّعامِ طعامُ الوليمةِ، يُدعى لها الأغنياءُ ويُتركُ الفقراءُ، ومن تركَ الدَّعوةَ فقد عصَى اللهَ ورسولَه)) [متفق عليه]
= وقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11]
13- ما رُتِّب على تركه عدمُ الاعتدادِ بالعملِ
أمثلة:قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا صلاةَ لمن لم يقرأْ بفاتحةِ الكتابِ)) [متفقٌ عليه من حديث عُبادة بنِ الصَّامت ]
= وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( لا نكاحَ إلاَّ بوليٍّ )) [حديث صحيحٌ أخرجه أصحابُ السُّننِ وغيرهُمْ ].

د:ابراهيم الشناوى
2015-08-06, 09:53 PM
قال: أشكل علىَّ قولُه: "إلا ما دلَّ الدليلُ".
قلت: أيُّ شئ أشكل عليك في قوله هذا ؟
قال: أين المستثنى وأين المستثنى منه ؟ وهل الاستثناء متصل أو منفصل ؟ لقد حاولت استخراج ذلك فلم أستطع.
قلت:الاستثناء هنا منقطع، وبيانُه: أنه استثنى (الصيغة المقرونة بالقرينة) من (الصيغة المجردة منها)، وظاهر أن (الصيغة المقرونة) ليست داخلة في (الصيغة المجردة) فالاستثناء على هذا منقطع، فهو كقولك: (قام القومُ إلا حمارا) فالحمار ليس من جنس القوم؛ فلهذا يقال له استثناء منقطع.
قال: ذكرتَ أن الأمر بعد الحظر يفيد الإباحة وليس هذا بصحيح
قلت:بل صحيح، وكأنك تعني أنه ليس شاملا.
قال: نعم.
قلت: الصحيح أن الأمر بعد الحظر يُرَدُّ إلى ما كان عليه قبل النهي؛ فإن كان واجبا رَدَّهُ واجبا وإن كان مستحبا فمستحب أو مباحا فمباح، وفي الآية الأمر بالاصطياد بعد النهي عنه حال الإحرام وقد كان مباحا قبل النهي فلهذا رجع بعد الحظر إلى الإباحة.
قال: فما مثال الأمر الذي رجع إلى الوجوب بعد الحظر ؟
قلت: مثاله: حديثُ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ، إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَيْسَ بِحَيْضٍ، فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلاَةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي» قَالَ: وَقَالَ أَبِي: «ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاَةٍ، حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الوَقْتُ»1.
فهنا حظر وهو ترك الصلاة وقت الحيضة وأمر بالصلاة بعد إدبارها والصلاة قبل امتناعها بالحيض كانت واجبة فبعد زوال الحظر رجع الأمر إلى الوجوب لا إلى الإباحة، والله أعلم.
______________________________ ________
1- صحيح متفق عليه من حديث عائشة: رواه البخاري (228، 306، 320، 325، 331) ومسلم (333)

د:ابراهيم الشناوى
2015-08-14, 09:45 PM
من مسائل الأمر

قال المصنف رحمه الله تعالى:

وَلَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ عَلَى الصَّحِيحِ، إِلَّا إِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى قَصْدِ التَّكْرَارِ، وَلَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ.
______________________________ ____________________________
(وَ): عاطفة على (الأمر) أي: الأمر كذا وصيغته كذا ولا يقتضي كذا. ويجوز أن تكون استئنافية.
(لَا): نافية
(يَقْتَضِي): فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها الثقل، والفاعل مستتر جوازا تقديره (هو) يعود على (الأمر)


(التَّكْرَارَ): مفعول به
(عَلَى الصَّحِيحِ): متعلق بـ (يقتضي)، وأصل الكلام على حذف مضاف والتقدير: (على القول الصحيح).
والجملة من الفعل والفاعل والمفعول وما تعلق بها معطوفة على جملة (الأمر استدعاء) إن جعلت الواو استئنافية، وفيه عطف الفعلية على الاسمية وهو جائز. أو استئنافية إن جعلت الواو استئنافية.
(إِلَّا): أداة استثناء
(إِذَا): ظرف لما يستقبل من الزمان متضمن معنى الشرط
(دَلَّ): فعل ماض مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.
(الدَّلِيلُ): فاعل، والجملة في محل جر بإضافة (إذا) إليها.
(عَلَى قَصْدِ): متعلق بـ (دَلَّ)، و(قصد) مضاف.
(التَّكْرَارِ): مضاف إليه.
(وَلَا يَقْتَضِي الْفَوْرَ): يعرف إعرابه مما تقدم
ٍ

د:ابراهيم الشناوى
2015-08-21, 10:24 PM
المعنى:
ذكر المصنف هنا مسألتين من مسائل الأمر :
المسألة الأولى – أن الأمر المطلق (غير المقيد) لا يقتضي (التكرار) يعني: لا يقتضي أن تَفْعَلَهُ مَرَّةً بعد أخرى، وفي بعض النسخ (ولا المَرَّةَ) يعني: ولا يقتضي فعلَ المأمور به مرة واحدة، إلا إذا دل الدليل على قصد التكرار على القول الصحيح.
وقوله: "على الصحيح"، مُقَابِلُهُ أن من العلماء من قال: (إن الأمر المطلق يقتضي التكرار) وهو قول مرجوح عند المصنف.
مثال هذه المسألة: قراءة الفاتحة في الصلاة مأمور بها فلو كنت في صلاة سرية وأنت مأموم وقرأت الفاتحة وبقي عندك وقت هل تكرر قراءة الفاتحة؟ الجواب: لا؛ لأن الأمر لا يقتضي التكرار.
أما إذا دل الدليل على قصد التكرار فإنا نحمله عليه للدليل وليس للأمر.

أمثلة على ذلك:
1- الأمر بالإيمان بالله
2- الأمر بتقوى الله، فالإنسان مطالب بهذه الاعتقادات دائما كلما كان مدركا، والقرينة: أن هذه الاعتقادات لو خلا منها القلب لحل مكانها نقيضها؛ فلو خلا القلب من الإيمان لحل مكانه الكفر، فالإنسان مطالب بأن يبقى على إيمانه وعلى تقواه وعلى مراقبته لله عز وجل ما دام ذاكرا مدرِكًا.
3- الصلوات الخمس: فهي تتكرر كل يوم، والقرينة النصوصُ التي وردت في وجوب تكرارها: كما في قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: "فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة"
4- تعليق الأمر على سبب فإذا تكرر السبب تكرر الوجوب: كالزنى سبب لوجوب الحد فمن زنى مرة فإنه يُحَدُّ، فإن زنى مرة ثانية فإنه يُحَدُّ مرة ثانية، وإن ثالثة فثالثة وهكذا.
المسألة الثانية – أن الأمر المطلق لا يقتضي الفور، أي: المبادرة إلى الفعل في أول وقت يتمكن فيه من الفعل.
واعلم أن بعض الأوامر تحتاج إلى وقت واستعداد حتى يتمكن الإنسان من فعلها: كالحج مثلا، فإذا بلغ الإنسان وعلم بوجوب الحج عليه وأراد أن يُؤَدِّيَهُ فلم يتمكن من ذلك فلا شئ عليه لأن الحج على المستطيع، وأما إن كان متمكنا من الفعل فأخره بدون عذر فهل يأثم بالتأخير أو لا؟ اختلف العلماء في ذلك لاختلافهم في مسألة الأمر المطلق هل يقتضي الفور أو لا؟
فمَنْ ذهب إلى أنه يقتضي الفور قال: يأثم بالتأخير.
ومَنْ ذهب إلى أنه لا يقتضي الفور كالمصنف وأكثر الشافعية قال: لا يأثم بالتأخير لكن لو مات قبل أن يحج مع استطاعته فإنه يأثم.
مثال آخر: الكفارات والنذور: فإذا وجبت كفارةٌ على إنسان، أو نذر أن يفعل شيئا (ولم يقيدْهُ بوقت ولا مكان) كأن ينذر أن يصليَ مائةَ ركعةٍ لله (دون أن يقيدها بأن تكون في شهر كذا أو ليلا أو نهارا أو في مكان كذا ...الخ)هل يلزمه المبادرة ويأثم بالتأخير أو لا؟ هذا أيضا مبني على مسألة اقتضاء الأمر للفور: فمَنْ ذهب إلى أن الأمر يقتضي الفور قال: يأثم بالتأخير، ومن ذهب إلى أنه لا يقتضي الفور قال: لا يأثم.
والله أعلم

د:ابراهيم الشناوى
2015-08-28, 10:10 PM
[قال صاحبي]
قال: بيِّن لي الاستثناء في قوله: "إلا إذا دل الدليل" هل هو متصل أو منقطع ؟
قلت: أرى أن الاستثناء يصعب عليك كثيرا وهو باب صعب يحتاج إلى دربة فسأبينه لك؛ فاعلم أنه استثنى (التكرار حيث دل الدليل على قصده) من (الأمر المطلق الذي لا يقتضي التكرار) وظاهر أن (التكرار) ليس من جنس (الأمر) فالاستثناء هنا ...
فبادرني قائلا: الاستثناء هنا منقطع لأن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه
فضحكت وقلت له: أحسنت.
قال: أين الدليلُ على أن الأمر يقتضي الوجوب ؟ فأنا أحسب أن في هذا تعسفا.
قلت: ولِمَ ؟
قال: لأني أجد كثيرا من الأوامر الشرعية لا تقتضي الوجوب.
قلت: أنا لم أقل: إن الأمر يقتضي الوجوب.
قال: الآن ترجع عما قلتَ، بل قلتَه وكتبتَه، ورجوعُكَ هذا دليل على ما ظهر لي وهو أن الأمر لا يقتضي الوجوب، و...
قلت: حسبك، أنَّى يُذْهَبُ بك؟ لقد قلتُ لك: إني لم أقل: إن الأمر يقتضي الوجوب.
قال: فما قلتَ ؟
قلت: ما قلتُه هو: أن الأمر المطلق يقتضي الوجوب، وفَرْقٌ بيْن (الأمر) و(الأمر المطلق): فالأول يشمل:
(1)- الأمر المطلق الذي يفيد الوجوب
(2)- والأمر المقيد المقترن بقرينة تصرفه عن الوجوب
فتدبر ولا تعجل.
قال: فقد قلتَ: الأمر لا يقتضي التكرار ولا المرة، فكيف ذلك؟! هذا معناه أنه لا يقتضي شيئا!
قلت: ليس الأمر على ما فهمتَ بل المراد أن الأمر لا يدل على خصوص واحد منهما فلا يحمل على التكرار ولا على المرة، وإنما هو لطلب الماهية، ولكن المرة ضرورية؛ إذ لا يوجد تحصيلُ (المأمورِ به) بأقل منها؛ فتجب المَرَّة والأصل براءة الذمة مما زاد عليها.

د:ابراهيم الشناوى
2015-09-04, 09:09 PM
ما لا يتم الواجب إلا به

وَالْأَمْرُ بِإِيجَادِ الْفِعْلِ أَمْرٌ بِهِ، وَبِمَا لَا يَتِمُّ الْفِعْلُ إلَّا بِهِ: كَالْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ أَمْرٌ بِالطَّهَارَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَيهَا. وَإِذَا فُعِلَ يَخْرُجُ الْمَأْمُورُ عَنِ الْعُهْدَةِ.

______________________________ ___________
(وَ): استئنافية
(الْأَمْرُ): مبتدأ
(بِإِيجَادِ): متعلق بـ (الأمر) أو بمحذوف صفة له أي (الأمر الكائن بإيجاد الفعل) أو حال منه أي: (الأمر في حال كونه ثابتا بإيجاد الفعل).
و(إيجاد) مضاف
(الْفِعْلِ): مضاف إليه.
(أَمْرٌ): خبر
(بِهِ): متعلق بالخبر (أمر)
(وَ): عاطفة
(بِمَا): معطوف على (به)، و(ما) هنا موصولة بمعنى الذي.
(لَا): نافية
(يَتِمُّ): فعل مضارع مرفوع
(الْفِعْلُ): فاعل
(إلَّا): أداة حصر
(بِهِ): متعلق بـ (يَتِمّ) والجملة من الفعل والفاعل وما تعلق بهما لا محل لها من الإعراب صلة الموصول والعائد هو الضمير في (به).
(كَالْأَمْرِ): متعلق بمحذوف خبر لمبتدإ محذوف والتقدير: (وذلك كائن كالأمر) فـ (ذلك) مبتدأ و(كائن) خبر و(كالأمر) متعلق بالخبر
ويصح أن تكون الكافُ اسما بمعنى (مِثْل) وتكون في محل رفع خبر لمبتدإ محذوف أي: (وذلك مثلُ) وهي (أي الكاف) مضاف والجملة بعدها مضاف إليه، وعلى هذا يقرأ (الأمر) من قوله: "كالأمر بالصلاة" بالرفع لأنه يكون مبتدأ، خبره (أَمْرٌ بالطهارة) ويكون معنى الجميع: (وذلك مثلُ هذه الجملةِ: الأمرُ بالصلاةِ أمْرٌ بالطهارةِ ...الخ) وهذا وجْهٌ حسنٌ إن لم يكن أحسن فتأمله
(بِالصَّلَاةِ): متعلق بـ (الأمر) أو بمحذوف صفة له أي: (كالأمر الكائن بالصلاة) أو حال منه أي (الأمر في حال كونه ثابتا بالصلاة).
(أَمْرٌ): خبر لمبتدإ محذوف والتقدير: (فهو أمر)
(بِالطَّهَارَةِ) : مثل (بالصلاة)
(الْمُؤَدِّيَةِ) : نعت لـ (الطهارة) ونعت المجرور مجرور
(إِلَيهَا): متعلق بـ (المؤدية)
(وَ): استئنافية
(إِذَا): ظرف لما يستقبل من الزمان
(فُعِلَ): فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح لا محل له من الإعراب ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود على (الفعل المأمور به) المفهوم من السياق، أي: وإذا فَعَلَ المكلفُ الفعلَ المأمورَ به على الوجه المطلوب منه شرعا فإنه يخرج عن العهدة، والجملة من الفعل ونائب الفاعل في محل جر بإضافة (إذا) إليها.
(يَخْرُجُ): فعل مضارع مرفوع لأنه جواب شرط غير جازم
(الْمَأْمُورُ): فاعل وأصله صفة لموصوف محذوف والتقدير (يخرج الشخص المأمور)، والجملة لا محل لها من الإعراب جواب الشرط
(عَنِ الْعُهْدَةِ): متعلق بـ (يخرج)

د:ابراهيم الشناوى
2015-09-11, 09:29 PM
المعنى:
ما لا يَتِمُّ الأمر إلا به فهو مأمور به
وإذا فَعَلَ المكلفُ الفعلَ المأمور به على الوجه الصحيح فإنه – أي الشخص المأمور – يخرج عن العهدة أي: يخرج عن المطالبة بالفعل مرة أخرى.
مثال: قوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ}:
= فالصلاة مأمور بها
= ولا تتم الصلاة إلا بالطهارة
= وما لايتم (المأمورُ به) إلا به فهو مأمور به أي أن الطهارة مأمور بها لتتم الصلاة على الوجه الصحيح المأمور به،
فالمكلف إذا أدى الصلاة بشروطها وأركانها لم يطالَب بإعادتها مرة أخرى
أما إذا لم يؤدها على الوجه المأمور به كأن ترك شيئا من أركانها أو شروطها التي لا تتم الصلاة إلا بها لم يخرج عن العهدة بل يطالب بإعادتها مرة أخرى.

د:ابراهيم الشناوى
2015-09-18, 09:29 PM
[قال صاحبي]
قال: هل قاعدة (ما لا يتم المأمور إلا به فهو مأمور به) مثل قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) ؟
قلت: ليست مثلَها
قال: فما الفرق بينهما ؟
قلت: لا فرق
فنظر إليَّ متعجبا
فقلت: هما سواء، لا فرق بينهما، فهذه القاعدة هي نفسها الأخرى، ولكن بعض العلماء يذكرها بلفظ: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) وهو الغالب، وبعضهم يذكرها بلفظ: (ما لا يتم المأمورُ به إلا به فهو مأمور به)
قال: فهلا شرحت لي هذه القاعدة مع ضرب بعض الأمثلة
قلت: اعلم أن ما يتوقَّفُ عليه الإتيانُ بالواجبِ، وهوَ مقدِّمتُهُ الَّتي ينبنِي عليها تحصلُهُ، يرجعُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ:
[1] ما لا يدخُلُ تحتَ قُدرةِ العبدِ.
مثلُ: زوالِ الشَّمسِ لوجوبِ صلاةِ الظُّهرِ، فهذهِ مقدِّمةٌ لا تَتِمُّ صلاةُ الظُّهرِ إلاَّ بها لكنَّها ليستْ تحتَ قُدرَةِ المُكلَّفِ.
فهذا القِسمُ لا يندرجُ تحتَ المسألةِ المذكورةِ.
[2] ما يدخُلُ تحتَ قُدرةِ المكلَّفِ لكنَّهُ غيرُ مأمورٍ بتحصِيلِهِ.
مثلُ: بُلوغِ النِّصابِ لوجوبِ الزَّكاةِ، والاستطاعَةِ لوُجوبِ الحجِّ، فإنَّه تحتَ قُدرتِه أن يجمعَ النِّصابَ، وأن يكتسِب لِيُحقِّق الاستِطاعةَ للحجِّ، لكنَّ ذلكَ لا يجبُ عليهِ.
فهذا لا يدخلُ أيضًا تحتَ المسألةِ المذكورَةِ.
[3]ما يدخُل تحتَ قُدرَةِ المكلَّفِ وهو مأمورٌ بتحصِيلِهِ.
مثلُ: الطَّهارةِ للصَّلاَةِ، والسَّعيِ للجُمُعَةِ، فهذا يجبُ عليهِ الإتيانُ بهِ، وهو المقصودُ بالقاعدَةِ.
ومن هذا التقسيمِ يُلاحظُ أنَّ هذهِ المسألةَ ليستْ قاعدَةً لإثباتِ وُجوبِ ما لم يرِدْ بِوُجوبهِ دليلٌ، إنما هي مسألةٌ قُسِّمتْ عليهَا مقدِّماتُ الوَاجبِ، أمَّا أن يُقالَ: تثبُتُ بها واجباتٌ لا دليلَ عليها إلاَّ هذه الجُملةِ فهذا ما لا وجودَ لهُ على التَّحقيقِ.
قال: أرأيت قوله: "وإذا فُعِلَ خرج المأمور عن العهدة" فهذا يعني أن غايةَ العبادة امتثالُ الأمر؛ فمَنْ ظن الطهارة وصلَّى ثم بان محدِثا صحتْ صلاتُهُ وخرج عن العهدة؛ لأنه امتثل الأمر بإتيانه بالصلاة.
قلت: الأمرُ أن يأتي بالصلاة مكتملة الشروط والأركان وهنا لم يأت بشروطها، فالصلاة لا تسمى صلاة بدون طهارة؛ ولهذا لم يخرج عن العهدة.
قال: فقد قال الأصوليون في هذه الصورة: صلاته صحيحة
قلت: وقع الخلاف بين الأصوليين والفقهاءِ هنا ولكنه خلاف لفظي:
- فقال الأصوليون: غاية العبادة امتثال الأمر
- وقال الفقهاء: غاية العبادة سقوطها عن المكلف، يعني امتثال الأمر على وجه يندفع به القضاء.
فزاد الفقهاء عن الأصوليين: اندفاع القضاء
قال: فقد زعمتَ أن الخلاف بينهما لفظيٌّ فكيف ذلك؟ والأصوليون يقولون في هذه الصورة: صلاته صحيحة، والفقهاء يقولون: صلاته غير صحيحة!
قلت: كلٌّ من الأصوليين والفقهاء يقولون بوجوب إعادة الصلاة في هذه الصورة وأمثالِها ولكن الخلاف في وصف هذه الصلاة قبل الإعادة فالأصوليون يقولون: صلاته صحيحة لامتثاله الأمر ولكن تجب عليه الإعادة لوجود خلل في بعض الشروط.
والفقهاء يقولون: صلاته غير صحيحة لوجوب القضاء عليه وأما امتثاله الأمرَ بأداء الصلاة فإنه لم يكن على وجه يندفع به القضاء.
فظهر بهذا أن الخلاف بين الفريقين إنما هو في وصف العبادة قبل الإعادة وهذا خلاف لفظي غير مؤثر لاتفاقهما على وجوب الإعادة، فتأمل.

د:ابراهيم الشناوى
2015-09-23, 02:23 PM
قال المصنف رحمه الله تعالى
[الَّذِي يَدْخُلُ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَمَا لَا يَدْخُلُ]
يَدْخُلُ فِي خِطَابِ اللهِ تَعَالَى الْمُؤْمِنُونَ.
وَالسَّاهِي وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ غَيْرُ دَاخِلِينَ فِي الْخِطَابِ.
______________________________ ________
(الَّذِي): اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر لمبتدإ محذوف على تقدير مضاف وأصل الكلام: (هذا باب الذي يدخل في الأمر ... الخ)، ويجوز كونه مبتدأ والخبر محذوف على تقدير مضاف أيضا والتقدير: (باب الذي يدخل في الأمر الخ هذا موضعه)
(يَدْخُلُ): فعل مضارع مرفوع، والفاعل مستتر جوازا تقديره هو يعود على (الذي) وهو العائد، والجملة من الفعل والفاعل وما تعلق بهما لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.
(فِي الْأَمْرِ): متعلق بـ (يدخل)
(وَالنَّهْيِ): معطوف على الأمر
(وَ): عاطفة
(مَا): اسم موصول مبني على السكون في محل رفع معطوف على (الذي)
(لَا): نافية حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب
(يَدْخُلُ): فعل مضارع مرفوع، والفاعل مستتر جوازا تقديره هو يعود على (ما) وهو العائد والجملة لا محل لها من الإعراب صلة (ما)، وحُذِفَ الجار والمجرور لدلالة ما قبله عليه أي: (وما لا يدخل فيهما أي في الأمر والنهي)


(يَدْخُلُ): فعل مضارع مرفوع
(فِي خِطَابِ): متعلق بـ (يدخل) و(خطاب) مضاف
(اللهِ): اسم الجلالة مضاف إليه
(تَعَالَى): فعل ماض مبني على فتح مقدر على آخره منع من ظهوره التعذر، والفاعل مستتر جوازا تقديره هو يعود على اسم الجلالة والمفعول به محذوف للعلم به والتقدير (تعالى الله عن النقائص) والجملة لا محل لها من الإعراب استئنافية.
(الْمُؤْمِنُونَ) : فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم


(وَ): استئنافية
(السَّاهِي): مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها الثقل
(وَ): عاطفة
(الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ): معطوفان على الساهي
(غَيْرُ): خبر مرفوع، و(غير) مضاف
(دَاخِلِينَ): مضاف إليه مجرور وعلامة جره الياء لأنه جمع مذكر سالم
(فِي الْخِطَابِ): متعلق بـ (داخلين)
وجملة (الساهي .. غيرُ ..) لا محل لها من الإعراب استئنافية

د:ابراهيم الشناوى
2015-09-26, 07:52 PM
المعنى:
ذَكَرَ المصنف هنا ترجمةً (عنوانا) لهذا الباب بقوله: "الذي يدخل ... وما لا يدخل"
والمراد بـ (خطاب الله): الخطاب التكليفي المتضمن لطلب الفعل أو الترك كقوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ} [البقرة: 43] وقوله: {وَلَا تَقْرَبُواْ الزِّنَا} [الإسراء: 32]
و(الساهي): مأخوذ من السهو وهو نسيان الشيء والغفلة عنه وذهاب القلب إلى غيره.
فمعنى الترجمة (العنوان):باب بيان من يتناوله خطاب التكليف ومَنْ لا يتناوله، والقصد بيان المكلف من غيره.
ثم بيَّنَ ذلك بقوله: "يدخل في خطاب الله المؤمنون" أي أن كل المؤمنين يدخلون في خطاب الله تعالى التكليفي ثم استثنى من المؤمنين بعض الأصناف التي لا تدخل في خطاب الأمر والنهي وهم ثلاثة أصناف:
(1- الساهي)
(2- الصبي)
(3- المجنون)،
فمقابل المجنون (العاقل)، ومقابل الصبي (البالغ)، ومقابل الساهي (الذاكر المنتبه)
فصار حَدُّ المكلف: المسلم البالغ العاقل المنتبه،
فأما غير المسلم فيأتي في الفصل الآتي
وأما الصبي والمجنون فهما غيرُ مكلَّفَيْنِ بالنص وهو قوله صلى الله عليه وسلم : "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ, وعن المبتلى حتى يبرأ (وفى رواية: وعن المجنون (وفى لفظ: المعتوه) حتى يعقل أو يفيق) وعن الصبى حتى يكبر. (وفى رواية: حتى يحتلم) "1.
وأما السهو والنسيان فمن عوارض الأهلية فالساهي حال سهوه غير مطالَبٍ بأمر ولا نهي فإذا انتبه صار مُكَلَّفا مخاطَبا
______________________________ _________________________
1-صحيح: رواه أبو داود (4398) والسياق له والنسائى (2/100) وله الرواية الثانية , والدارمى (2/171) وله الرواية الثالثة وابن ماجه (2041) وابن حبان (1496) وابن الجارود فى " المنتقى " (ص 77) والحاكم (2/59) وأحمد (6/100 ـ 101 , 101 , 144) وأبو يعلى (ق 208/1) عن حماد بن سلمة عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عنها مرفوعا، كذا ذكره الإمام الألباني في إرواء الغليل (297).

د:ابراهيم الشناوى
2015-10-03, 07:01 PM
[قال صاحبي]
قال: لماذا قال في الترجمة: (الذي يدخل ... وما لا يدخل) فاستعمل (ما) التي لغير العاقل وأطلقها على المكلَّف العاقل؟
قلت: الجواب عليه من وجوه:
أحدها – أنه نَزَّلَهُ منزلة غير العاقل ليوافق صفات غير العاقل المذكورة (المجنون).
ثانيها- التنبيه على أن مَنْ لم يدخل في خطاب التكليف فليس في حكم ذوي العقول.
ثالثها – أن (ما) واقعة على صفات مَنْ يعقل كالنساء في قوله تعالى: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَآءِ} [النساء: 3] فقيل: (ما) هنا واقعة على النوع أي: فانكحوا النوع الطيب من النساء، وكذا ما هنا فيكون المعنى: والنوع الذي لا يدخل في الأمر والنهي.
رابعها – أن (ما) تستعمل في العاقل قليلا وهذا منه.
قال: لو وضع المصنف هذا الباب بعد باب النهي كان أحسن
قلت: نعم، أظن ذلك؛ لأن هذا الباب يتعلق بالبابين (الأمر والنهي) جميعا، فلو وضعه بعدهما كان أنسب
قال: لماذا عبر بجمع الذكور في قوله: "يدخل ... المؤمنون" ولم يقل: (والمؤمنات)؟
قلت: فما تقول أنت ؟
قال: أقول: عاملهن معاملة غير العقلاء لنقصان عقلهن
قلت: أحسنت .. لو قلت: لا أدري.
قال: ولِمَ ؟ أَلَسْنَ ناقصات عقل ودين؟
قلت: بلى، فكان ماذا؟
قال: لا أدري
قلت: لو قلتها من البداية لأرحتنا؛ إذ على قولك تصير النساء غير مكلفات
قال: فلماذا ترك ذكرهنَّ وهن مكلفات كالرجال ؟
قلت: الجواب عنه من وجوه:
الأول – أنه من باب التغليب فاقتصر على ذكر أشرف النوعين
الثاني – أنه على ظاهره، وأحال حكم الإناث على المقايسة أي أنهن يدخلن في الخطاب بطريق القياس والتبع[1].
الثالث – أن يقدّر موصوفا شاملا للذكور والإناث أي: الأشخاص المؤمنون[2].
قال: ألم تزعم أن الصبي والمجنونَ غيرُ مكلفَيْنِ؟
قلت: بلى
قال: ألا تعلم أن الزكاة واجبة في ماليهما، وكذا أروش الجنايات وقِيَم المُتْلَفات؟
قلت: بلى
قال: أليس هذا تناقضا؟
قلت: نعم، ليس تناقضا
قال:ولِمَ ؟
قلت: لانفكاك الجهة
قال: كيف ذلك ؟
قلت: ما هنا خطاب تكليف، وما هناك خطاب وضع
قال: تزعم أنك تُذَلِّلُ العقبات، والواقع أنك تُكَثِّرُها، فهلَّا حَلَلْتَ هذا التناقض الذي ذكرتُه لك بأبسط من هذا

قلت: أفعل إن شاء الله ولكن في اللقاء القادم
______________________________ _________
[1] الشرح الكبير على الورقات لابن قاسم: 192.
[2] حاشية السوسي على قرة العين: 84- 85.

د:ابراهيم الشناوى
2015-10-10, 08:21 PM
قلت: قد ذكرت لك آنفا أن المراد بـ (خطاب الله) هنا هو (خطاب التكليف) المتضمن لطلب الفعل أو الترك
قال: نعم
قلت: وأما (خطاب الوضع) فقد سبق وهو جعل الشيء سببا لشيء أو شرطا له أو مانعا منه ... الخ.
فمن جهة التكليف: (الأمر والنهي) لا يؤمران بالزكاة ولا بقيمة المتلفات ونحو ذلك، وإنما المأمور بذلك وليهما.
وأما من جهة (خطاب الوضع) فاعلم:
أولا - أنه لا يشترط فيه التكليف بالبلوغ والعقل
ثانيا - أن الشارع قد ربط الأحكام بأسبابها أي: وضع أسبابا تقتضي أحكاما تترتب عليها تحقيقا للعدل في خلقه ورعاية لمصالح العباد، فمتى وُجِدَ السببُ وُجِدَ الحكم، فإذا وُجِدَ النصابُ وجبت الزكاةُ سواء كان النصاب لبالغ أو لصبي، لعاقل أو لغير عاقل، وكذا إذا وجد الإتلاف وجب الضمان إذا لم يرض صاحب الحق بإسقاط حقه[1].
قال: فما تقول في قوله صلى الله عليه وسلم : "مُرُوا أولادكم بالصلاة وهم أبناءُ سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناءُ عشر سنين؛ وفرِّقوا بينهم في المضاجع." أليس هذا أمرا للصبي؟
قلت: نعم، ليس أمرا للصبي
قال: ولِمَ ؟ أليس لفظ (مُرُوا) من ألفاظ الأمر كما سبق في بحث (صيغة الأمر)؟
قلت: بلى، هو من ألفاظ الأمر
قال: فمَهْ ؟
قلت: هل لفظ (مُرُوا) مُوَجَّهٌ للصبيان (الأولاد)؟
فسكت ونظر لأعلى متأملا كأنه كان غافلا عن هذه الحقيقة ثم قال وهو في هذه الحال: لا، ليس اللفظ موجها للأولاد بل لأولياء أمورهم.
قلت: أحسنت، وقد قال العراقي في طرح التثريب: "الصبيان ليسوا محلا للتكليف فلا يأمرهم الشارع بشيء، وإنما يأمرهم الأولياءُ بذلك على طريق التمرين كسائر ما يُرَبُّونَهُم عليه"[2].
قال: دعنا من الصبي والمجنون وأخبرني عن الساهي؛ أليس سجود السهو مشروعا له؟
قلت: بلى
قال: أليس إن أتلف شيئا حال سهوه ضمنه؟
قلت: بلى
قال: فهذا تكليف له
قلت: لا، ليس هذا تكليفا للساهي بل أمر له بعد ذهاب السهو عنه بتدارك ما فاته أو جبر ما أتلفه[3].
قال: كأني عرفت شرط التكليف مما سبق
قلت: وما هو؟
قال: شرط التكليف: فهمُ الخطاب وقوة حمله
قلت له: أحسنت؛ فقد قال العلماء: الساهي والمجنون لا يفهمان، والصبي ليس له الطاقة[4].
قال: وأزيدك هنا أن الساهي يدخل فيه: الناسي والمخطئ والنائم.
قلت: أحسنت
قال: وأزيدك أيضا أن بعض العلماء ذهب إلى أن الصبي ليس كالمجنون؛ فالصبي يمكن أن يتوجه إليه خطاب الندب والكراهة، فما يفعله من الأمور الواجبة على البالغين يسمى في حقه ندبا ويثاب عليه، وما يكون من المحرمات والمكروهات يكون بمثابة المكروه في حقه يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله.
قلت: ما شاء الله، أحسنت.
______________________________ ____________________
[1] شرح الفوزان 50.
[2] طرح التثريب في شرح التقريب: 7/ 87 ط. دار إحياء التراث العربي
[3] شرح الورقات لابن الفركاح: 149، والتحقيقات لابن قاوان: 206.
[4] التحقيقات لابن قاوان: 205.

د:ابراهيم الشناوى
2015-10-16, 07:00 PM
[الكفار مخاطبون بفروع الشريعة]
قال المصنف

وَالْكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرَائِعِ، وَبِمَا لَا تَصِحُّ إِلَّا بِهِ: وَهُوَ الْإِسْلَامُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 42 - 43]
______________________________ __________
(وَ): استئنافية
(الْكُفَّارُ): مبتدأ
(مُخَاطَبُونَ): خبر مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم
(بِفُرُوعِ): متعلق بـ (مخاطبون)، و(فروع) مضاف
(الشَّرَائِعِ): مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة
(وَ): عاطفة
(بِمَا): الباء حرف جر مبني على الكسر لا محل له من الإعراب، و(ما) اسم موصول بمعنى الذي مبني على السكون في محل جر، والجار والمجرور معطوف على (بفروع)
(لَا): نافية
(تَصِحُّ): فعل مضارع مرفوع، والفاعل مستتر تقديره هي يعود على (فروع الشرائع)
(إِلَّا): أداة حصر
(بِهِ): الجار والمجرور متعلق بـ (تصح)
(وَ): للاستئناف البياني فكأن سائلا سأله: وما الذي لا تصح إلا به؟ فقال: وهو الإسلام.
(هُوَ): مبتدأ
(الْإِسْلَامُ): خبر
(لِقَوْلِهِ): (اللام): حرف جر مبني على الكسر لا محل له من الإعراب، (قول): مجرور باللام وعلامة جره الكسرة، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدإ محذوف والتقدير: وذلك كائن لقوله، و(قول) مضاف و(الهاء) ضمير مبني على الكسر في محل جر مضاف إليه
(تَعَالَى): فعل ماض مبني على فتح مقدر على آخره منع من ظهوره التعذر، والفاعل مستتر تقديره هو يعود على اسم الجلالة وإن لم يجر له ذكر في الكلام لكنه معلوم من السياق.
والجملة استئنافية لا محل لها من الإعراب
{مَا}: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ
{سَلَكَكُمْ}: (سلك): فعل ماض مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، والفاعل ضمير مستتر جوازا يعود على (ما)، و(الكاف) ضمير مبني على الضم في محل نصب مفعول به، و(الميم) علامة جمع الذكور حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب، وجملة (سلككم) من الفعل والفاعل وما تعلق بهما في محل رفع خبر (ما)
{فِي}: حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب
{سَقَرَ}: اسم مجرور بـ (في) وعلامة جره الفتحة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث، والجار والمجرور متعلق بالفعل {سَلَكَ} من {سَلَكَكُمْ}.
{قَالُوا}: (قال) فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة، و(الواو) ضمير مبني على السكون في محل رفع فاعل
{لَمْ}: حرف نفي وجزم وقلب
{نَكُ}: فعل مضارع من (كان)الناقصة مجزوم بـ (لم) وعلامة جزمه السكون الظاهر على آخره وهو النون المحذوفة تخفيفا لكثرة الاستعمال والأصل (نَكُونْ) فالتقى ساكنان: (الواو والنون) فحذفت الواو لأنها حرف علة فصار (نَكُنْ) ثم حذفت النون تخفيفا لكثرة الاستعمال فصار (نَكُ)، واسمها ضمير مستتر وجوبا تقديره (نحن).
{مِنَ الْمُصَلِّينَ}: الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر (نَكُ)
وجملة {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} في محل نصب مقول القول

رضا الحملاوي
2015-10-16, 07:04 PM
جزاكم الله خيرا شيخنا

د:ابراهيم الشناوى
2015-10-23, 06:27 PM
وجزاكم الله خيرا

د:ابراهيم الشناوى
2015-10-23, 07:07 PM
المعنى:
= اتفق العلماء على أن الكفار:
1- مخاطبون بأصل الإسلام وهو الإيمان.
2- ومخاطبون بالمعاملات كالبيع والشراء والإجارة والرهن ونحوها
3- ومخاطبون بالعقوبات كالحدود والقصاص.
قال أبو إسحاق الإسفراييني: "لا خلاف أن خطاب الزواجر من الزنا والقذف يتوجه على الكفار كما يتوجه على المسلمين."،
وقال السرخسي: "لا خلاف في أنهم مخاطبون بالإيمان والعقوبات والمعاملات في الدنيا والآخرة."[1]


= وأما فروع الشريعة (والمراد بها: الأحكام العملية من الأوامر: كالصلاة والزكاة، والنواهي: كالزنا وشرب الخمر) فقد اختلفوا فيها على مذاهب:


الأول- أنهم مخاطبون بفروع الشرائع كما ذكره المصنف وهو مذهب الشافعي وأصح الروايتين عن أحمد ومذهب المالكية وبعض الحنفية كأبي بكر الرازي ومذهب أهل الحديث وأكثر المعتزلة وهو الصحيح[2]،
لكن هذا الخطاب مشروط بالإسلام فهم مخاطبون بالفروع وبما لا تتم إلا به وهو الإسلام.


الثاني- أنهم ليسوا مكلفين بالفروع وبه قال جمهور الحنفية وهو رواية عن أحمد وإليه ذهب الشيخ أبو حامد الاسفراييني من الشافعية وعبد الجبار من المعتزلة، وابن خويز منداد المالكي، وقال الإبياري: إنه ظاهر مذهب مالك.


الثالث- أنهم مكلفون بالنواهي دون الأوامر واحتجوا بأن الكافر يتصور منه الانتهاء عن المنهيات في حالة الكفر بخلاف العبادات فعلم أنهم لم يكونوا مخاطبين بها.


الرابع- أنهم مكلفون بالأوامر فقط دون النواهي قال الزركشي: "ولعله انقلب مما قبله ويرده الإجماع السابق على تكليفهم بالنواهي".


الخامس- أن المرتد مكلف دون الكافر الأصلي.


السادس- أنهم مكلفون بما عدا الجهاد، أما الجهاد فلا؛ لامتناع قتالهم أنفسهم


السابع- التوقف حكاه الشيخ أبو حامد الاسفراييني عن الأشعري، وحكاه سليم الرازي عن بعض الأشعرية


الثامن- وهو وجه خرَّجه الزركشي من تصرفات الأصحاب في الفروع وهو التفصيل بين الحربي وغيره فالحربي غير مكلف بالفروع وأما غيره فمكلف بها[3]
______________________________ _____________
[1] إتحاف ذوي البصائر بشرح روضة الناظر 2/ 146 د. عبد الكريم النملة ط. دار العاصمة، والبحر المحيط للزركشي 400 ت. عبد القادر عبدالله العاني ط. وزارة الأوقاف بالكويت
[2] التحقيقات والتنقيحات السلفيات لمشهور حسن آل سلمان 154- 155.
[3] البحر المحيط للزركشي 398- 403.

د:ابراهيم الشناوى
2015-10-27, 09:08 PM
[قال صاحبي]
قال: لماذا وَقَعَ الإجماعُ على أن الكفار مخاطبون بالإسلام دون الفروع؟
قلت: لأن الإسلام يُخْرِجُ من الكفر الموجبِ للخلود في النار ولا كذلك الفروع.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم بُعِثَ إلى الناس كافة ليدعوَهم إلى الإيمان، فلو لم يكونوا مخاطَبين بالإسلام لم يكن للرسالة فائدة وكان إرسال الرسل عبثا.
ولأن مناط التكليف - وهو البلوغ والعقل - متحقق فيهم.
قال: هل يثاب الكافر لو صلَّى أو زكَّى أو فعل غير ذلك من فروع الإسلام؟
قلت: لا
قال: فما فائدة خطابهم بهذه الفروع ؟
قلت: لكى يعذبوا في الآخرة على تركها كما يعذبون على ترك الإيمان.
قال:أفهم من هذا أن فائدة خطابهم بها أخرويةٌ فقط
قلت: يقال هذا، ولكن الصحيح أن ثمت فوائد دنيوية أيضا مترتبة على خطابهم بالفروع منها:
1- تنفيذُ طلاقِ الكافرِ وعتقِه وظهارِه، وإلزامُه الكفارة.
2- ومنها: إذا قتل الحربيُّ مسلمًا ففي وجوب القَوَد أو الديةِ خلافٌ مبنيٌّ على الاختلاف في خطابهم بالفروع
3- ومنها: هل يجوز تمكينُ الكافرِ الجنبِ من دخول المسجد أوْ لا؟ فيه خلاف كذلك مبني على هذه المسألة
4- ومنها: تحريم ثمن الخمر عليهم كما نص عليه الشافعي
5- ومنها: أنهم هل يُقْطَعون في السرقة ويقتلون في الحرابة حدًّا أم غير حد؟ فمن ذهب إلى أنهم غير مكلفين بالفروع قال: إنهم يقطعون في السرقة ويقتلون في الحرابة من باب الدَّفْعِ فهو تعزيرٌ لا حدٌّ؛ لأن الحدود كفارات لأهلها وليست هذه كفارات
6- ومنها: إذا دخل الكافرُ مكةَ فأسلم وأحرم فهل عليه دمٌ لِتَرْكِ الميقات أو لا؟
قال الشافعي: عليه دم؛ لأنه مخاطَب بالفروع، فبَعْدَ الإسلام يستأنف الفرائض من يوم أسلم غير أنه لا يؤمر بإعادة ما فرَّطَ فيه في الشرك منها.
وقال محمد بن الحسن: ليس عليه دم لترك الميقات؛ لأنه لم يكن عليه؛ حيث إنه غير مخاطب بالفروع
7- ومنها: هل يحل للمسلم أن يطأ زوجته النصرانيةَ إذا خرجتْ من الحيض قبل أن تغتسل ويمضي عليها وقت صلاة؟ فيه خلاف مبني على هذه المسألة:
فمن قال: (إنهم مخاطبون بالفروع) قال: يجب أن تغتسل أوَّلًا
ومن قال: (إنهم غير مخاطبين بالفروع) قال: لا يجب أن تغتسل لأنها غير مأمورة بذلك
قال: لقد تفكرت فلم أجدْ إلا أن الكافر ليس أهلا للعبادة؛ لأنه لا يثاب، فلمَّا لم يكن من أهل الثواب لم يكن من أهل الخطاب.
قلت: نُكْمِلُ في اللقاء القادم

د:ابراهيم الشناوى
2015-11-07, 07:11 PM
قلت: كيف قلتَ؟
قال: قلتُ: لقد تفكرت فلم أجد إلا أن الكافر ليس أهلا للعبادة؛ لأنه لا يثاب، فلمَّا لم يكن من أهل الثواب لم يكن من أهل الخطاب.
قلت:فهذا استعمال للعقل مع ورود النص، ورَدٌّ للنص بالعقل.
قال: فأين النص على هذه المسألة؟
قلت: ما ذكره المصنف الإمام وهو قوله تعالى: {إِلَّا أَصْحَابَ اليَميِنِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَآئِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا اليَقِينُ} [المدثر: 39 – 47]
فسكتَ، ثم قال: آنت أعلمُ أم أبو حنيفة ؟
فعلمت ما سيقوله ففاجئته بقولي: أنا
فنظر إلي بحِدَّةٍ وانتفخت أوداجه وهو يكظم غيظه
فقلت له: هَوِّنْ عليك؛ فلم أكمل كلامي بعد
قال: وهل بقي بعد قولك هذا كلام، لقد فضلت نفسك على أبي حنيفة رحمه الله فماذا تقول بعد هذا؟!
فأردت الإمعان في استثارته فقلت: أنا لم أقل إلا الحق
فازداد غيظا وأراد أن يفتك بي ثم أعرض بوجهه عني ونهض ليتركني
فقلت له: على رِسْلِكَ فأنا لم أنتهِ مما أردت قَوْلَهُ
فقال وهو معرض عني: قل ما تشاء وأوجز فإني على عجل
قلت: أنا لا أساوي قلامة ظفر من أبي حنيفة رحمه الله
فالتفت إلىَّ متهللا قائلا: وهل هذا هو ما أردت أن تقوله حين قلتَ: أنا
قلت: نعم، هذا هو
قال: فإذا أقررت بهذا فهل عرفتَ هذا الدليل ولم يعرفه أبو حنيفة
قلت: بهذا ضل المتعصبون من المقلدة، فمهما جئتهم بنص من كتاب أو سنة أو استدلال صحيح من قياس أو أثر ونحو ذلك إلا أجابوا بمثل ما أجبت به مستنكرين أن يذهب هذا الدليل عن إمامهم ويعلمه مَنْ هو دونه فجعلوا إمامهم لا يجوز أن يخفى عليه دليل ولا أن يذهب عنه تعليل.
وقد كان صاحبي رجلا منصفا غير متعصب فقال لي: أكملْ.
فقلت: إن أحببت أن أزيدك أدلة أخرى فعلت.
قال: نعم، أحب ذلك
قلت:

من الأدلة على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة منها:
1- آيات سورة المدثر السابقة، وجه الدلالة منها: أنهم ذكروا أن من سبب العذاب أنهم لم يُصَلُّوا في الدنيا ولم يُزَكُّوا (وهو المراد بإطعام المسكين والله أعلم) وكونهم كانوا يخوضون مع الخائضين.
2- أنه تعالى ذم قوم شعيب بالكفر ونقص المكيال
3- وذم قوم لوط بالكفر وإتيان الذكور
4- وذم عادا قوم هود بالكفر وشدة البطش
5- قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] فـ (أل) في {النَّاسِ} للاستغراق فتشمل المؤمن والكافر
6- قوله تعالى:{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِين َ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 1 – 5]
الضمير في {أُمِرُواْ} يعود على (أهل الكتاب والمشركين) فإذًا هم مأمورون
7- قوله تعالى:{وَالَّذِي نَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان: 68، 69]
فسبب مضاعفة العذاب الأمور الثلاثة: الكفر والقتل والزنا
8- قوله تعالى:{كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ. وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى} [القيامة: 26 - 33]
فذم الكفار على ترك الصدقة وعلى ترك الصلاة فدل على أنهم مخاطبون بهما
9- قوله تعالى:{وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } [فصلت: 6، 7] فتوعد الله المشركين بالويل لكفرهم ولأنهم لا يؤتون الزكاة
10- قوله تعالى:{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} [النحل: 88] فَرَتَّبَ اللهُ عز وجل زيادةَ العذابِ على الكفر وعلى الصد عن سبيل الله.
قال: هذه أدلة ظاهرة على هذه المسألة تبين رجحان مذهب الجمهور فيها وهو أن الكفار مخاطبون بالفروع ولكن...

د:ابراهيم الشناوى
2015-11-11, 07:15 PM
قلت: لكن ماذا ؟
قال: لكني أجد الأصحاب (الشافعية) يذكرون في كتب الأصول أن الكفار مخاطبون بالفروع، فإذا نظرت في كتب الفقه وجدتهم يقولون: إن الصلاة والزكاة والصيام والحج لا تجب على الكافر الأصلي، فكيف نوفق بين ذلك؟
قلت:...
فبادرني قائلا: وأخرى وهي أنهم كيف يكلفون بما لو فعلوه لما صح منهم؟ أليس هذا تكليفَ ما لا يطاق؟
فسكتُّ.
فقال: أجبني فإني قد تحيرت في أمري
قلت: إنما أنتظر فراغك مما عندك
قال: قد فرغت فأجبني
قلت:أما قولك: كيف يكلفون بما لو فعلوه لما صح منهم؟ وأنه تكليفٌ بما لا يطاق. فالذي أوقعك في هذا الإشكال أنك لم تنظر إلا إلى نصف المسألة وتركت نصفها الآخر ولو أنعمت النظر لما وقعت فيما وقعت فيه
قال: وكيف ذلك ؟
قلت: لأنك لم تنظر إلا إلى قولهم: (الكفار مخاطبون بالفروع)
قال: أليست هذه هي المسألة ؟
قلت:بلى ولكن لها تتمة
قال: وما هي ؟
قلت: هي قول المصنف: "وبما لا تصح إلا به وهو الإسلام."
فسكتَ.
قلت: أليس قد مر علينا قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)؟
قال: بلى
قلت:فالصلاة والزكاة والصيام والحج و...الخ كلها :

واجبة على الكافر

ولا تصح منه إلا بشرط تقدم الإسلام على الإتيان بهذه الفرائض،
فكما أن المُحْدِثَ مخاطَب بـ :

الصلاة

وبما لا تصح الصلاة إلا به وهي الطهارة،
فلو صلى وهو محدِث لم تصح صلاتُه وهو مع ذلك مخاطَب بها وبالطهارة؛ لأن الصلاة لا تصح إلا بها فهو مخاطَب بالأمرين جميعا
فكذلك الكافر مخاطب بالفروع وبما لا تصح إلا به وهو الإسلام فهو مخاطب بالأمرين جميعا: كالمحدِث، فلو صلى أو زكى أو صام ... الخ وهو كافر لم تصح منه لأنه مأمور بتقديم ما لا تصح هذه الفروع إلا به وهو الإسلام، فلو لم يُسْلِمْ لم تصح صلاتُه ولا زكاته ولا صومه ... الخ كالمُحدِث لو صلى محدِثا لم تصح صلاته وبقي مطالَبا بها وبتقديم ما لا تصح إلا به
قال: قد فهمت هذه جيدا،
وبقي السؤال الأول وهو اختلاف طريقة الأصحاب في كتب الأصول عن كتب الفروع؟
قلت: جوابه ما تقدم وهو أنهم مكلفون بالفروع وبتقديم الأصل الذي لا تصح الفروع إلا به وهو الإسلام،
فإذا مضى زمن يمكن فيه تحصيل الأصل والفرع ولم يفعلوا أثموا عليهما جميعا: كالمحدث على ترك الصلاة
قال الزركشي بعد أن ذكر هذا الجواب: "وهذا نافع في الجمع بين إطلاق أصحابنا:

- في (الأصول): التكليف،

-وفي الفروع: أن الصلاة والزكاة والصيام والحج لا تجب على الكافر الأصلي
ولم يزل هذا الإشكال يدور في النفس"[1].
______________________________ ___
[1] البحر المحيط للزركشي: 1/ 404.

د:ابراهيم الشناوى
2015-11-21, 06:54 PM
[الأمر بالشيء نهي عن ضده والعكس صحيح]

وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ.
_____________________________
(وَ): استئنافية
(الْأَمْرُ): مبتدأ
(بِالشَّيْءِ): متعلق بـ (الأمر)
(نَهْيٌ): خبر
(عَنْ ضِدِّهِ): متعلق بـ (نهْي)، و(ضِدّ) مضاف والهاء مضاف إليه
(وَالنَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ): يعرف إعرابه مما تقدم



المعنى:
هذه قاعدة من القواعد الأصولية الهامة التي يعمل بها الفقهاء ويبنون عليها كثيرا من فروعهم الفقهية ومعناها: أن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن جميع أضداده، وأن النهي عن الشيء يستلزم الأمر بواحد من أضداده.

د:ابراهيم الشناوى
2015-11-28, 07:03 PM
[قال صاحبي]
قال: ما معني هذه القاعدة ؟
قلت: هو ما سبق: أن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده
قال: ففسر لي قولك: الأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده، والنهي عن الشيء أمر بواحد من أضداده.
قلت: مثال الشق الأول من القاعدة وهو (الأمر): أننا مأمورون بالقيام في الصلاة لقوله تعالى: {وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] وقوله صلى الله عليه وسلم : "صَلِّ قائِمًا فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب". فهنا أمر بـ (القيام)، و(القيام) له أضداد من: القعود والركوع والسجود والاضطجاع، فإذا ترك الإنسان القيام لغير عذر وصَلَّى قاعدا أو مضطجعا أو راكعا أو ساجدا دون قيام لم تصح صلاته؛ لأن الأمر بالقيام يستلزم النهي عن جميع أضداده.
وأما الشق الثاني من القاعدة وهو: (أن النهي عن الشيء أمر بواحد من أضداده) فمثاله قوله صلى الله عليه وسلم : "لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط". فالإنسان إذا جعل القبلة عن يمينه أثناء قضاء الحاجة فقد اجتنب النهي، وإذا جعلها عن يساره فقد اجتنب النهي أيضا
قال: لماذا كان النهي عن الشيء أمر بضد واحد؟
قلت: لأنك لو تلبست بأي ضد من أضداد النهي انشغلت عن المنهي عنه ولم تكن متلبسا به ولا عاملا به، كما سبق في مثال النهي عن استقبال القبلة عند قضاء الحاجة فلو جعلت القبلة عن يمينك لم تكن مستقبلا لها ولو جعلتها عن يسارك لم تكن مستقبلا لها.
قال: هل أفهم من هذه القاعدة أن الأمر بالشيء هو عين النهي عن ضده؟
قلت: لا.
قال: ظاهر القاعدة يدل على ذلك فلماذا تنفيه؟
قلت: هل صيغة (افعل) هي نفسها (لا تفعل)؟
فنظر إلىَّ ولم ينطق بشيء.
قلت: هل قولك: (قُمْ) هو نفسه قولك: (لا تقعد).
فتفكَّرَ قليلا وهو ينظر إلىَّ ثم قال: لا.
قلت: إذن فالأمرُ بالشيء ليس عينَ النهي عن ضده.
قال: نعم، ليس عينَه، ولكن لماذا أجدهم كثيرا في كتب الأصول يقولون: الأمر بالشيء هو عين النهي عن ضده؟
قلت: اعلم أن كون (الأمر بالشيء هو عين النهي عن ضده) من المسائل التي فيها النارُ تحت الرماد.
قال: ولِمَ ؟
قلت: لأنها مبنية على زعم باطل، والمبني على باطل لا شك أنه باطل.
قال: وكيف ذلك ؟
قلت: اعلم (أولا) أن هذه المسألة فيها ثلاثة مذاهب:
الأول – أن الأمر بالشيء هو عين النهي عن ضده وهذا قول جمهور المتكلمين.
الثاني – أن الأمر بالشيء ليس عين النهي عن ضده ولكنه يستلزمه، وهذا أظهر الأقوال؛ لأن قولك: اسكن، يستلزم النهي عن الحركة؛ لأن المأمور به (السكون) لا يمكن وجوده مع التلبس بضده (الحركة)؛ لاستحالة الجمع بين الضدين.
وهذا قول أكثر أصحاب مالك، وإليه رجع القاضي الباقلاني في آخر مصنفاته وكان يقول بالقول الأول.
الثالث – أنه ليس عينه ولا يتضمنه، وهو قول المعتزلة والإبياري من المالكية، وإمام الحرمين والغزالي من الشافعية
قال: قلتَ: إن هذه المسألة من المسائل التي فيها النار تحت الرماد ولم تبين ذلك.
قلت: لو تركتَني بينتُ.
قال: فبيِّن كيف ذلك.
قلت: قال الشيخ الشنقيطي – رحمه الله -[1]: " الذي يظهر والله أعلم أن قولَ المتكلمين ومَنْ وافقهم من الأصوليين: (أن الأمر بالشيء هو عين النهي عن ضده) مبنيٌّ على زعمهم الفاسد: أن (الأمر قسمان: نفسي ولفظي) وأن (الأمر النفسي: هو المعنى القائمُ بالذات المجرَّدُ عن الصيغة)
هل فهمت الآن.
قال: لا.
قلت: إنهم يجردون (الأمر) عن الصيغة وينظرون إلى المعنى القائم بالنفس فقولك: (اسكن) معناه الذي في النفس: ترْكُ الحركة، وقولك: (لا تتحرك) معناه الذي في النفس: ترك الحركة.
فالمعنى القائمُ بالنفس واحد
قال: يااااااه، أتعني أنهم يبنون هذا على مسألة عقدية وهي معتقدهم في صفة الكلام بأنه الكلام النفسي؟
قلت:نعم، ولكني لم أقل ذلك من عندي بل نقلته عن الشيخ الشنقيطي رحمه الله
قال: فهلا نقلتَ لي بعض كلامه هنا
قلت:حسنا، سأنقل لك بعض كلامه فبعد أن ذكر ما سبق قال: "ويوضح ذلك: اشتراطهم في كون (الأمر نهيا عن الضد) أن يكون الأمر نفسيا، يعنون الخطاب النفسي المجرد عن الصيغة، وجزم ببناء هذه المسألة على الكلام النفسي صاحب (الضياء اللامع) وغيره، وقد أشار المؤلف إلى هذا بقوله: " من حيث المعنى، وأما الصيغة فلا" ولم ينتبه لأن هذا من المسائل التي فيها النار تحت الرماد؛ لأن أصل هذا الكلام مبنيٌّ على زعم باطل وهو أن كلام الله مجرد المعنى القائم بالذات المجرد عن الحروف والألفاظ لأن هذا القول الباطل يقتضي أن ألفاظ كلمات القرآن بحروفها لم يتكلم بها ربُّ السماوات والأرض، وبطلان ذلك واضح"[2]ا.هـ
______________________________ ________
[1] مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر 37 للشيخ محمد الأمين الشنقيطي ط. دار عالم الفوائد
[2] مذكرة أصول الفقه 37.

د:ابراهيم الشناوى
2015-12-05, 06:42 PM
قال: إذن فهذه مسألة عَقَدِيَّة ولا دخل لها في أصول الفقه
قلت: بل لها دخل وينبني عليها أحكام كثيرة
قال: فاضرب لي مثالا واحدا أقيس عليه
قلت: لو قال الرجل لامرأته: (إِنْ خالفْتِ نهيِي فأنت طالق)
ثم قال لها: (قومي)، فقعدت.
وبينا أنا أضرب هذا المثال لصاحبي إذا بي أجدُهُ منتبها جدا وإذا به يقول: نعم، ماذا يكون لو حدث هذا؟
قلت: تُطَلَّقُ ولا تُطَلَّقُ وعلى الراجح تُطَلَّق.
قال: ما هذا؟
قلت: هذا جواب ما ذكرتَ
قال: وكيف ذلك ؟ لم أفهم شيئا، فلو زدته بيانا
قلت: نعم، وقرة عين، بيانه كالآتي:
= أنها تُطَلَّقُ على المذهب الأول القائل بأن: (الأمر بالشيء هو عين النهي عن ضده)
= ولا تُطَلَّقَ على المذهب الثالث القائل بأن: (الأمر بالشيء ليس عين النهي عن ضده ولا يستلزمه)
= تُطَلَّقُ على الراجح على المذهب الثاني القائل بأن: (الأمر بالشيء ليس عين النهي عن ضده ولكنه يستلزمه) وإنما قلنا: على الراجح؛ لأنه يتفرع على الخلاف في (لازم القول) هل هو قول أو لا؟ والراجح: أنه قول إذا التزمه قائله، ما عدا كلام الله سبحانه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فلازمه حق مطلقا[1].
______________________________ ______
[1] الشرح الوسيط على الورقات 60 عبد الحميد الرفاعي.

د:ابراهيم الشناوى
2015-12-12, 08:13 PM
النهي

قال المصنف رحمه الله



وَالنَّهْيُ: اسْتِدْعَاءُ التَّرْكِ بِالْقَوْلِ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ
______________________________ ___________
(وَ): استئنافية
(النَّهْيُ): مبتدأ
(اسْتِدْعَاءُ): خبر، والاستدعاء معناه: الطلب، أي: طلب الترك
وهو مضاف
(التَّرْكِ): مضاف إليه
(بِالْقَوْلِ): متعلق بمحذوف حال من (استدعاء) أي: حالة كون ذلك الاستدعاء كائنا أو مدلولا عليه بالقول
(مِمَّنْ): مكونة من كلمتين: (مِنْ): حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب، (مَنْ): اسم موصول بمعنى الذي مبني على السكون في محل جر، والجار والمجرور متعلق بـ (استدعاء)
(هُوَ): مبتدأ
(دُونَهُ): (دون) ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو متعلق بمحذوف خبر، و(دون) مضاف و(الهاء) ضمير مبني على الضم في محل جر مضاف إليه، والجملة من المبتدإ والخبر وما تعلق بهما لا محل لها من الإعراب صلة الموصول (مَنْ)
(عَلَى سَبِيلِ): الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من الخبر (استدعاء) أي: حالة كون الاستدعاء على سبيل الوجوب، و(سبيل) مضاف
(الْوُجُوبِ): مضاف إليه

د:ابراهيم الشناوى
2015-12-19, 07:11 PM
المعنى:
هذا تعريف النهي وهو: طلب الترك بالقول ممن هو دونه (أي دون الطالب) على سبيل الحتم والإلزام.
مثال: قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27]
فهذا طلبُ تركٍ، وهو الخيانة.
والطلب حاصل بواسطة القول.
والمطلوب منه (العبد) أقل رتبة من الطالب؛ إذِ الطالبُ هوالله سبحانه.
والطلب حصل على سبيل الإلزام.
النتيجة: أن هذا الطلب يسمى نهيا[1].
_______________________
[1] شرح الورقات لخالد باحميد الأنصارى 39- 40 ط. دار الاعتصام

د:ابراهيم الشناوى
2015-12-25, 11:03 PM
[قال صاحبي]
قال: أرى أن تعريف النهي مشابه لتعريف الأمر
قلت: نعم، ولكن بينهما فرق
قال: وما هو ؟
قلت:الأمر طلب فعل، والنهي طلب ترك
فنظر إليَّ متعجبا كأنه لم يعجبه ما أقول وذلك لظهور هذا الفرق جدا.
فقلت له: والأمر بعد الحظر يرجع إلى ما كان عليه قبل النهي: واجبا أو مندوبا أو مباحا كما سبق، وأما النهي بعد الأمر فليس كذلك بل هو للتحريم فقط ولا يعتبر تقدم الوجوب قرينة دالة على الإباحة، بل الإجماع منقول على أن النهي بعد الوجوب للحظر والتحريم[1].
قال: إذا كان تعريف النهي مشابها لتعريف الأمر فلماذا لم يَذكر في باب النهي من المباحث مثل ما ذكره في باب الأمر مثل الصيغة وغيرها؟
قلت: كأن المصنف يريد أن يشير بذلك إلى أن مباحث النهي هي نفسها مباحث الأمر فمثلا:
= (صيغة الأمر): (افْعَلْ) فيُفْهَم من ذلك
أن (صيغة النهي): (لا تفعلْ).
= (صيغة الأمر): تُحْمَلُ على (الوجوب) في الأصل فيفهم
أن (صيغة النهي): تُحْمَلُ على (التحريم) في الأصل أي: إذا خلت من القرينة كما سبق في الأمر.
= الأمر (لا يقتضي الفور ولا التكرار) فيفهم
أن النهي (يقتضي الفور والدوام)
وهكذا[2].
قال: فقوله في التعريف: "على سبيل الوجوب" معناه وجوب الترك
قلت: نعم.
قال: وذكر هذا القيد لإخراج (الكراهة) لأنها ليست على سبيل وجوب الترك
قلت له: نعم، أحسنت.
قال:ولكني لا أدري كيف أفرق بين الكراهة والتحريم إذا كانت الصيغة واحدة.
______________________________ __________________
[1] فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت 1/ 426، ومقدمة محقق كتاب ( تحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد) 162.
[2] شرح الورقات لخالد الأنصاري 40.

د:ابراهيم الشناوى
2016-01-01, 08:42 PM
قلت: سبحان الله، لقد ذكرتَ أنت هذا الآن وهو: إن كان على سبيل وجوب الترك أو لا؟
قال: أنا أعلم هذا، ولكني أسأل: كيف أعرف أن صيغة النهي هذه المراد منها وجوب الترك أو أنها ليست على سبيل وجوب الترك.
قلت: بالدليل والقرينة كما سبق في مباحث الأمر.
قال: فاضرب لي مثالا على الكراهة أو مثالين.
قلت: مثال الكراهة:
= أنه صلى الله عليه وسلم قد نهى عن المشي بنعلٍ واحدة فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَمْشِ أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، لِيُحْفِهِمَا جَمِيعًا، أَوْ لِيُنْعِلْهُمَا جَمِيعًا»[1]،
فحمل العلماء هذا النهيَ على الكراهة فمن ذلك مثلا قول ابن حبان بعد أن روى هذا الحديث: "قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «احْفِهِمَا جَمِيعًا، أَوِ انْعَلْهُمَا جَمِيعًا» أَمْرُ نَدْبٍ وَإِرْشَادٍ، قَصَدَ بِهِمَا الزَّجْرَ عَنِ الْمَشْيِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ خُفٍّ واحدة"[2].


= مثال آخر: أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ، وَإِذَا أَتَى الخَلاَءَ فَلاَ يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَلاَ يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ»[3]
فحمل كثير من العلماء النهي عن مس الذكر باليمين على الكراهة لا التحريم.
قال صاحبي: لم أفهم أيضا لماذا حملوا النهي في الحديثين على الكراهة دون التحريم؟
قلت: لأنه في باب الآداب، والعلماء يعتبرون أن النواهي والأوامر إذا قصد بها التجمل وحسن الأدب فالأمر يحمل على الندب، والنهي يحمل على الكراهة ولا يحملان على الوجوب والتحريم[4].
وأيضا فقد قال صلى الله عليه وسلم لطلق بن على حين سأله عن مس ذكره: "إنما هو بضعة منك."[5]
______________________________ ____________________
[1] صحيح: رواه البخاري (5856) ومسلم (2097)
[2] التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان للألباني 8/ 82.
[3] صحيح رواه البخاري (153، 154، 5630)، ومسلم (267)
[4] تهذيب شروح الورقات 37 عياض بن نامي السلمي.
[5] حسن أو صحيح كما قال الحافظ في الفتح (1/ 306) ت. عبد القادر شيبة الحمد.

د:ابراهيم الشناوى
2016-01-08, 10:20 PM
قال المصنف:

وَيَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
_____________________
(وَ): استئنافية
(يَدُلُّ): فعل مضارع مرفوع، والفاعل مستتر تقديره هو يعود على (النهي)
(عَلَى فَسَادِ): متعلق بـ (يدل)، و(فساد) مضاف
(الْمَنْهِيِّ): مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة
(عَنْهُ): متعلق بـ (المنهي)



المعنى:
النهي يقتضي الفساد

د:ابراهيم الشناوى
2016-01-15, 11:20 PM
[قال صاحبي]


قال: يقولون هذه المسألة من مسائل الأصول العظيمة حتى أفردها بعضهم بتأليف مستقل
قلت: نعم هي كذلك، ومن أجمعها كتاب الحافظ العلائي واسم كتابه (تحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد)
قال: فقد أوجزتَ جدا في ذكر المعنى ؟!
قلت: نعم فعلتُ؛ لِأُبَيِّنُهَا هنا على وجهها
قال:فهات
قلت: قد علمت أن الحكم الشرعي ينقسم إلى حكم تكليفي وحكم وضعي
قال: نعم
قلت: والنهي يقتضي حكما شرعيا بالنسبة إلى كل واحد منهما
قال: كيف ذلك؟
قلت: مقتضى النهي التكليفي: (التحريم) على الراجح وقد يقتضي (الكراهة)؛ فمن ثَمَّ يقال: (النهي يقتضي التحريم)
ومقتضى النهي الوضعي: (الفساد)؛ فلذا يقال: (النهي يقتضي الفساد)
قال: أحسنت، ولكنك لم تُفَصِّلْ هذه المسألة
قلت: نعم، وهاك هو:
هل تعلم ما هو عين الشيء؟ وما ركنه؟ وما شرطه؟ وما وصفه الملازم؟ وما وصفه المنفرد؟ وما هو الفساد؟
قال: وما علاقة هذا بما نحن فيه؟
قلت: ما سبق هو طريق فهم هذه المسألة الصعبة
قال: فما عين الشيء؟
قلت: ذاتُـــه
قال:يا سلَام! أتحسبني أجهل هذا؟! أم تحسبُ أن هذا يحتاج إلى سؤال؟
قلت: إن لم يَـحْتَجْ إلى سؤال فربما يحتاج إلى مثال
قال: نعم، ربما يحتاج لمثال، المثال مهم للتوضيح، لا بأس بالمثال، فكيف توضح عين الشيء بالمثال؟
قلت: اعلم أن النهي إذا كان عن الشيء غير مقيدٍ بصفة فهو النهي عن (عين الشيء) أو (ذات الشيء)
مثاله: قول لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ} [لقمان: 13] فهذا نهيٌ عن الشرك عينِه، ومنه قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُواْ الزِّنَا} [الإسراء: 32] فهذا نهي عن الزنا نفسِه غير مقيد بوصف آخر.
قال: قد علمت هذا، فأخبرني ما ركنُ الشيء؟
قلت: ركن الشيء هو جزءُ ماهيته
قال: فما معنى ماهية الشيء؟

د:ابراهيم الشناوى
2016-01-22, 10:20 PM
قلت: ماهية الشيء: ما يصلح جوابا لسؤال (ما هو؟)
قال: مثل ماذا؟
قلت: مثل أن يسألك سائل: (ما هو البيع)؟ فتجيبه بأن البيع عبارة عن:

- بائع معه سلعة يبيعها
- ومشترٍ يريد أن يشتريَ هذه السلعة
- وصيغةٍ يقول المشترى للبائع: بعني هذه السلعة فيقول البائع: بعتك مثلا،
- وثمن للسلعة
فهذا هو البيع وما ذكرتُهُ هنا هو أركانه. فإذا جاء نهي عن ركن من أركان هذا البيع دل على فساد هذا البيع فمثلا لو كانت السلعة كلبا أو خنزيرا أو ميتة أو دما أو وثنًا أونحو ذلك فَسَدَ البيع لأنه قد تَوَجَّهَ النهيُ إلى ركن البيع فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وأجرة البغِيِّ وحُلوان الكاهنِ، فإذا أراد إنسان أن يبيع كلبا قلنا له لا يجوز بيعَ الكلب، فإن قال: فما دليلكم على هذا؟ قلنا: ما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، وهذا النهي نهيٌ عن ركن الشيء والنهي يقتضي الفساد فدل على أن هذا البيع فاسد
قال: فهمت هذه أيضا، فما شرط الشيء؟
قلت: سبق بيانه وأنه ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته كالوضوء فإن عدمه يلزم منه عدم الصلاة وأما وجوده فلا يلزم منه وجود الصلاة أو عدمها لذاته بل وجود الصلاة يلزم بدخول وقتها لا بالوضوء.
قال: فما وصف الشيء الملازم ووصفه غير الملازم أو وصفه المنفصل؟
قلت: الوصف الملازم هو: الذي لا ينفك عن الشيء.
والوصف المنفصل هو: الذي يتصف به الشيء في وقت دون وقت.
قال: فما مثال ذلك؟
قلت: مثاله قولك: زيد طويل فالطول وصف ملازم لا يكون في وقت دون وقت فلا يكون طويلا في النهار قصيرا في الليل، ولا طويلا في الصيف قصيرا في الشتاء وهكذا، فهذا وصف ملازم.
وأما الوصف غير الملازم (المنفصل) فهو ما يَعْرِضُ للشيء في وقت دون وقت وذلك كقولك: رأيت رجلا ضاحكا، فالضحك وصف غير ملازم فلا يمكن أن يوجد إنسان ضاحك في الليل والنهار وأثناء نومه ويقظته وفي حله وترحاله وفي صلاته وخارجها وهذا ظاهر والله أعلم
وأما الفساد والبطلان فقد مضى بيانهما وأن الفساد في العبادة معناه عدم الاعتداد بها وعدم براءة الذمة ووجوب القضاء، وفي العقود عدم النفوذ وعدم ترتب آثاره عليه من نقل ملكية ونحوها.
إذا علمت ما سبق عرفت هذه المسألة على وجهها فاعلم أن النهي يقتضي الفساد إذا توجه إلى:

= ذات الشيء (عينِه)
= أو ركنِه
= أو شرطِهِ
= أو وصفِهِ الملازم
أما إذا توجه النهيُ إلى وصفِ الشيء غير الملازم فإنه لا يقتضي الفساد.
لكن العلماء عند تطبيق هذه القاعدة يختلفون في الوصف هل هو وصف ملازم أو منفصل؟ كالصلاة في الأرض المغصوبة مثلا فالحنابلة يقولون: إن هذا وصف ملازم لأنه يشغل هذه الأرض المغصوبة بالقيام والركوع والسجود ... الخ فهذا وصف ملازم لا ينفك فالصلاة عندهم باطلة لأن النهي يقتضي الفساد إذا كان لوصف الشيء الملازم، وأما الشافعية فإنهم يقولون: إن هذا وصف منفصل فإن الصلاة شيء والأرض المغصوبة شيء آخر خارج عن ماهية الصلاة فالصلاة صحيحة تسقط عنه الفرض وتبرأ بها ذمته لكنه غير مثاب عليها.
قلت: ومما يدل على أن هذا وصف منفصل تَصَوُّرُ أن هذه الأرض المغصوبة بجوار أرضه التي يملكها ملكا شرعيا فأوقع بعض الصلاة في المغصوبة ثم خطا خطوة واحدة فأصبح في أرضه الشرعية فأوقع فيها باقي الصلاة فهنا قد انفصل الوصف (الصلاة في الأرض المغصوبة) في صلاة واحدة فهذا يدل على أن هذا الوصف وصف منفصل غير ملازم، والله أعلم.

د:ابراهيم الشناوى
2016-01-30, 12:14 AM
قال المصنف:

وَتَرِدُ صِيغَةُ الْأَمْرِ وَالْمُرَادُ بِهِ: الْإِبَاحَةُ، أَوِالتَّهْدِيد ُ، أَوِالتَّسْوِيَ ةُ، أَوِالتَّكْوِين ُ
______________________________ _____
(وَ): استئنافية
(تَرِدُ): فعل مضارع مرفوع
(صِيغَةُ): فاعل، ومضاف
(الْأَمْرِ): مضاف إليه
(وَ): واو الحال
(الْمُرَادُ): مبتدأ
(بِهِ): الجار والمجرور متعلق بـ (المراد)
(الْإِبَاحَةُ): خبر، والجملة من المبتدإ والخبر وما تعلق بهما في محل نصب حال من (الأمر) أي ترد صيغة الأمر في هذه الحال أي مرادا به الإباحة أو ...الخ
(أَوِ): عاطفة
(التَّهْدِيدُ): معطوف على الإباحة
(أَوِ): عاطفة
(التَّسْوِيَةُ): معطوف على التهديد
(أَوِ): عاطفة
(التَّكْوِينُ): معطوف على التسوية

د:ابراهيم الشناوى
2016-02-12, 10:01 PM
المعنى:
تأتي صيغة الأمر: (افعل وما شابهها) لغير الوجوب فقد يراد بها الإباحة أو التهديد أو غير ذلك
______________________________ _________________

قال صاحبي
قال: على أي شيء يعود الضمير في قوله: (والمراد به الإباحة...الخ)؟
قلت: على الأمر في قوله: (وترد صيغة الأمر)
قال: أليس الأمر هو الطلب؟
قلت: بلى، طلبُ الفعل بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب
قال: والطلب بالقول يعني الصيغة؟
قلت: نعم
قال: فالطلب شيء والصيغة التي تدل عليه شيء آخر؟
قلت: نعم
قال: فالذي يُعقل أن الصيغة هي التي يمكن أن يراد بها المعاني المذكورة: (الإباحة والتهديد ...الخ) وأما نفس الطلب (الأمر) فلا يعقل أن يراد به ذلك
قلت: ولِمَ ؟
قال:لأن هذه المعاني المذكورة ليس فيها طلب
قلت: نعم، أحسنت
قال: فكان الصواب أن يقول: (وترد صيغة الأمر والمراد بها) حتى يعود الضمير على (الصيغة) لا على (الأمر)
قلت: لو قال ذلك لكان جائزا
قال: فقوله (والمراد به) خطأ، والصواب (والمراد بها)
قلت: لقد قلتُ لك فيما سبق: إن خطأ شيخك أولى من صواب نفسك، فانظر أولا في توجيه كلام الإمام هل تجد له وجها صحيحا وإلا فقل: لعل له وجها وأنت جهول.
قال: فما توجيهه؟

د:ابراهيم الشناوى
2016-02-19, 09:10 PM
قلت: يحتمل ثلاثة أوجه:
الأول - أن في الكلام استخداما
الثاني - أن الإضافة في قوله: (صيغة الأمر) بيانية
الثالث - أن الضمير يعود على (صيغة) وإن كان مذكرا
فنظر إليَّ نظر المستفهم الذي طرق سمعَهُ كلامٌ غريب لا يعرف معناه وقال: ماذا؟
قلت له: جوابه ما سمعت، أي أن توجيه كلام الإمام هو ما سمعتَ.
قال: لم أفهم شيئا
قلت له: إذا لم تعرف معنى (الاستخدام) و(الإضافة البيانية) فكيف تعترض على الإمام وتُخَطِّؤه؟!
فأطرق خجلا ثمقال: ففسِّرْ لي ما سبق
قلت له: حتى تعتذر
قال: أنا آسف
فضحكتُ ثم قلت: لا أريدك أن تعتذر لي بل للإمام
فقال: أنا آسف يا إمام
فازددت ضحكا على ضحك حتى كدت أستلقي على ظهري ثم قلت له: يا هذا وهل الإمام بيننا حتى تُوَجِّهَ الخطاب إليه؟!
فقال: لقد حيرتني فماذا تريد؟
قلت: أريدك أن تعتذر للإمام
قال: كيف؟
قلت: هذه التي أردتُ، لو قلتَها أولا لأرحتنا
قال: فكيف تريدني أن أعتذر لهذا الإمام وهو ميتٌ؟
قلت: أن تدعوَ الله له بالرحمة والمغفرة
قال: هكذا ينبغي أن نفعل بعلمائنا، فرحمه الله وغفر له
قلت: أما الاستخدام في الاصطلاح: فهو أن يؤتى بلفظ له معنيان فأكثر مرادا به أحد معانيه، ثم يؤتى بضمير مرادا به المعنى الآخر، (وفيه كلام آخر)
قال:مثل ماذا ؟
قلت: مثل قول معاوية بن مالك:

إذا نزل السماءُ بأرض قومٍ *** رعيناه وإن كانوا غضابا
أراد بـ (السماء) المطر، وبالضمير الراجع عليه من (رعيناه) النبت؛ إذ إنهم لا يرعون المطر وإنما يرعون النبات.
وما هنا كذلك تقدم لفظ (الأمر) بمعنى الطلب في قوله: (وترد صيغة الأمر) ثم أعاد عليه الضمير بمعنى الصيغة في قوله: (والمراد به الإباحة ...الخ) فهذا من باب (الاستخدام) كما تقدم
قال:ولكن الأمر ليس من معانيه (الصيغة)
قلت: وهل (السماء) من معانيها النبات؟! وإنما المراد أن (الأمر) يستخدم أحيانا مرادًا به الصيغة لأنها تدل عليه
قال: فهذا الاستخدام فماذا عن (الإضافة البيانية)
قلت: ضابطها: أن يصح الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف فإذا قلت: (سوق زيد) لم تكن الإضافة بيانية إذ لا يصح أن تقول: (السوق زيد) أو (السوق هو زيد) فتجعل المضاف إليه خبرا عن المضاف، أما إذا قلت: (دين الإسلام) مثلا فيصح أن تقول: (دين هو الإسلام) فتخبر عن المضاف بالمضاف إليه فلهذا نقول الإضافة في (دين الإسلام) بيانية وكذلك ما هنا (صيغة الأمر) يصح أن تقول: (صيغة هي الأمر) فتجعل المضاف إليه (الأمر) خبرا عن المضاف (صيغة) والمعنى صحيح على ذلك.
قال: فقد ذكرت أن الضمير في (به) وهو مذكر يجوز أن يعود على (صيغة) وهي مؤنث، فكيف ذلك؟
قلت: يجوز ذلك لجواز تذكير المضاف (صيغة) لتذكير المضاف إليه (الأمر) أي أن المضاف يجوز أن يكتسب التذكير من المضاف إليه.
قال: فهل تعرف العرب ذلك؟
قلت: نعم، قال الشاعر:

رُؤْيَةُ الْفِكْرِ ما يَؤُولُ لَهُ الْأَمْرُ *** مُعِينٌ عَلَى اجْتِنَابِ التَّوَانِي
المعنى: رؤية الفكر عواقبَ الأمور ومصائرَها كل ذلك يعين على العمل ويصرف عن الكسل.
الشاهد: أن لفظ (مُعِين) مذكر وقد وقع خبرا للمبتدإ (رؤية) وهي مؤنث، والذي سهَّل ذلك هو إضافة (رؤية) إلى اسم مذكر هو (الفكر) فاكتسب منه التذكير
قلت: ولكن هذا النوع قليل في كلامهم وعكسه (أي اكتساب المضاف التأنيث من المضاف إليه) أكثر منه، والله أعلم.

د:ابراهيم الشناوى
2016-02-26, 11:14 PM
قال: فما معاني صِيَغِ الأمر؟ مع التمثيل والتوضيح إن استلزم الأمر.
قلت: معاني صيغ الأمر:
1= الإيجاب: وقد تقدم، ومثاله قوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ وآتُواْ الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]
2= الندب: تقدم أيضا، ومثاله قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33]
3= الإباحة: تقدمت أيضا، ومثالها قوله تعالى: {كُلُواْ مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: 168] وقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ} [المائدة: 2] وقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُواْ فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: 10] وكقولك: جالس الحسن أو ابن سيرين
قال صاحبي: أليس هذا التركيب: (جالس الحسن أو ابن سيرين) موضوع للتخيير؟
قلت: بلى، ولكنه هنا للإباحة
قال: فما الفرق بين الإباحة والتخيير ؟
قلت: في التخيير لا يجوز الجمع بين الأمرين؛ فلا يجوز الجمعُ بين مجالسة الحسن وابن سيرين، بل أنت مخير بين أن تجالس هذا أو ذاك.
وأما في الإباحة فيجوز لك الجمع كما يجوز لك الإفراد يعني يجوز لك أن تجالس أحدهما كما يجوز لك أن تجمع بين مجالسة كليهما[1].
ولأن الأسلوب لغير الأمر فيجوز لك ألا تجالس أحدهما سواء في التخيير أو الإباحة.
قال: أليس قد ذَكَرَ مجيءَ صيغةِ الأمر للإباحة فيما مضى؟
قلت: بلى
قال: فلماذا أعاده هنا؟ ألا يُعَدُّ هذا تكرار؟
قلت: لا، ليس تكرارا.
قال: ولِمَ ؟
قلت: لأنه ذكره هناك على سبيل الاستثناء ولبيان أن الصيغة تستخدم حقيقة في الوجوب ولا تخرج عنه إلا بدليل، وهنا بَيَّن محله وما استعملت فيه الصيغة من المعاني المجازية التي لابد في الحمل على كل منها من علاقة وقرينة[2].
4= الإرشاد: كقوله تعالى: {وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282]
قال صاحبي: لماذا لم يكن الأمر هنا للوجوب وقد رُوِيَ عن الضحاك أنه هنا للوجوب؛ فأوجب الإشهاد على البيع؟
قلت: ذكر ابن العربي: أنه للندب وأن هذا قول الكافة إلا الضحاك[3].
قال: فقد حكى القرطبيُّ الوجوبَ عن أبي موسى الأشعري وابن عمر والضحاك وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد ومجاهد وداود بن علي وابنه أبي بكر، قال –أي الإمام القرطبي-: (ومن أشدهم في ذلك عطاء؛ قال: أشهد إذا بِعْتَ وإذا اشتريتَ؛ بدرهمٍ أو نصفِ درهمٍ أو ثلثِ درهم أو أقل من ذلك فإن الله عز وجل يقول: {وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ}، وعن إبراهيم قال: أشهد إذا بعت وإذا اشتريت ولو دَسْتَجَةَ[4] بَقْلٍ، وممن كان يذهب إلى هذا ويرجحه الطبري)[5].
قلت: فالذي صرفه عن الوجوب فعل النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن العربي: (فقد باع النبي صلى الله عليه وسلم وكَتَبَ ... وقد باع ولم يُشْهِدْ، واشترى ورهن درعه عند يهودي ولم يُشْهِدْ، ولو كان الإشهاد أمرا واجبا لوجب مع الرهن لخوف المنازعة)[6].
قال: فإذا لم يكن الأمر هنا للوجوب فهو للندب، وأنت ذكرتَ أنه للإرشاد من باب التَّفَنُّنَ في الكلام أليس كذلك؟
قلت: نعم، ليس كذلك؛ إِذْ لو أردتُ ذلك لَمَا ذكرتُ الندب قبل الإرشاد.
قال: نعم نعم، تريد أن تقول: إن الندب ليس هو الإرشاد بل بينهما فرق؟
قلت: نعم، هو ذا.
قال: فما الفرق بين الإرشاد والندب؟ ومَنْ من العلماء فرَّق بينهما؟
______________________________ _____________________________
[1] شروح التلخيص (مواهب الفتاح) 2/ 313.
[2] غاية المأمول في شرح ورقات الأصول للرملي 143، والشرح الكبير على الورقات لابن قاسم العبادي 224 ، وشرح الورقات لعبد الله الفوزان 55.
[3] أحكام القرآن لابن العربي 1/ 342 ت. محمد عبد القادر عطا ط. دار الكتب العلمية
[4] دستجة: حزمة، مُعَرَّب
[5] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 4/ 459 ت. التركي ط. مؤسسة الرسالة
[6] أحكام القرآن لابن العربي 1/ 342.

د:ابراهيم الشناوى
2016-03-04, 09:34 PM
قلت: فرَّق بينهما القفال الشاشي وغيره بفروق منها:
1- أن المندوب مطلوبٌ لِمنافع الآخرة، والإرشاد لمنافع الدنيا.
2- أن المندوب فيه الثواب وأما الإرشاد فلا ثواب فيه[1].
5= الأدب وبعضهم يسميه التأديب: نحو قوله تعالى: {وَلَا تَنسَوُواْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] ومنه الأمر بالاستنجاء باليسار، وأكل الإنسان مما يليه، والنهي عن أن يقرن بين التمرتين وغير ذلك مما هو في باب الأدب فلا يحمل على الوجوب بل على الأدب.
قال صاحبي: فما الفرق بين الأدب والندب؟
قلت: الأدب أو التأديب أخص من الندب فإن التأديب يختص بإصلاح الأخلاق فكل تأديب ندب من غير عكس.
6= الوعد: مثاله قوله تعالى: {وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30]
7= الوعيد ويسمى التهديد: مثاله قوله تعالى: {فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]
قال صاحبي: فما الذي صرف الأمر هنا عن الوجوب؟
قلت:القرينة
قال: وما هي؟
قلت: القرينة هنا:
1- قوله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا} [الكهف: 29]
2- وأيضا فالله سبحانه لا يرضى بالكفر ولا يأمر به كما قال:{وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7] وقال: {أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 80]
قال متحمسا: هل أذكر مثالا على التهديد والوعيد؟
قلت: لا
فكأنما ضُرِبَ القاضية، فغشيتْهُ غاشية وامتقع لونه واكفهر وجهه
فقلت له: هَوِّن عليك فإني أريد التعجل للانتهاء من الكتاب
ولكنه ظل ممتقعا مكفهرا
فقلت له: فإذا أبيت إلا أن تذكر مثالا فافعل ولكن بشرط أن تُبَيِّنَ القرينة
فانتظر قليلا ليهدأ روعه ثم قال: أفعلُ إن شاء الله
قلت:هاتِ
قال: مثاله أيضا قوله تعالى: {اعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40]
قلت: أين القرينة ؟
قال: قوله تعالى بعدها مباشرة: {إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت: 40] وقوله: {قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} [إبراهيم: 30]
قلت:أحسنتَ
ثم قلت: هل شعرت أن بعضهم فَرَّقَ بين التهديد والوعيد؟
قال: لا، فما الفرق بينهما؟
قلت: مَنْ فَرَّقَ بينهما قال: التهديد أبلغ من الوعيد فمثال التهديد قوله تعالى: {فَاعْبُدواْ مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ} [الزمر: 15] وقوله لإبليس: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم} [الإسراء: 64]
8= الامتنان وسماه المصنف (الجويني): الإنعام، مثاله قوله تعالى: {كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]
قال صاحبي: أليس الامتنان بمعنى الإباحة؟
قلت: بلى، ولكن بينهما فرق
قال: فما الفرق بينهما ؟
قلت: الفرق بينهما :
1- أن الإباحة مجرد إذن أما الامتنان فلابد من اقترانه بذكر احتياج الخلق إليه وعدم قدرتهم عليه كما في هذه الآية أن الله تعالى هو الذي رزقهم
2- أن الامتنان المراد منه تذكير النعمة
9= الإنذار: كقوله تعالى: {قُلْ تَمَتَّعُواْ} [إبراهيم: 30] وقوله: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُوا ْ} [الحجر: 3]
قال صاحبي: فما الفرق بينه وبين التهديد ؟
قلت: الفرق بينهما:
1- أن الإنذار يجب أن يكون مقرونا بالوعيد كالآية، وأما التهديد فلا يجب فيه ذلك بل قد يُقْرَنُ به وربما لا يقرن به
2- أن الفعل المهدد عليه يكون ظاهره التحريم والبطلان، وفي الإنذار قد يكون كذلك وربما لا يكون
______________________________ _______
[1] البحر المحيط 2/ 357، وغاية المأمول في شرح ورقات الأصول للرملي 142 ت. عثمان يوسف حاجي ط. مؤسسة الرسالة

د:ابراهيم الشناوى
2016-03-11, 10:31 PM
10= الإكرام:

كقوله تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46]

11= التكوين:

وهو الإيجاد عن العدم بسرعة كقوله: {كُن فَيَكُونُ} [البقرة 117، آل عمران 47، 59، الأنعام 73، النحل 40، مريم 35، يس 82، غافر 68]
قال صاحبي: فما العلاقة بين الأمر والتكوين؟
قلت: العلاقة بينهما المشابهة وهي تحتم الوقوع في كل

12= السخرية:

كقوله تعالى: {كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65]

13= الإهانة:

كقوله تعالى: { ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49]
قال صاحبي: ما الفرق بين الإهانة والتسخير؟
قلت: أنا لم أذكر التسخير
قال: ألم تذكر السخرية ؟
قلت: بلى، السخرية وليس التسخير
قال: فقد وقع في عبارة بعضهم التسخير مريدا به السخرية
قلت: نعم، ولكن الصواب السخرية وليس التسخير
قال: فما الفرق بينهما ؟
قلت: السخرية: الهزء كقوله تعالى: {إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} [هود: 38] وأما التسخير فهو نعمة وإكرام كقوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} [إبراهيم: 32، 33][1] (http://www.feqhweb.com/vb/#_ftn1)
قال: نعم، فهمت هذا، فأجبني عما سألتك عنه ؟
قلت: وما هو ؟
قال: الفرق بين السخرية والإهانة
قلت: السخرية عبارة عن تكوينهم على جهة التبديل لمن جعلناهم على هذه الصفة {كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65] يعني أنهم كانوا على صفة (الإنسانية) فبدلهم إلى صفة أخرى (قردة خاسئين)
وأما الإهانة فعبارة عن تعجيزهم فيما يقدرون عليه، كقوله تعالى: {قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} [الإسراء: 50] أي: أنتم أحقر من ذلك[2] (http://www.feqhweb.com/vb/#_ftn2)، ومن المعلوم أن المخاطبين ليس في قدرتهم قلب الأعيان ولا كان النبي صلى الله عليه وسلم ممن يخترع ويسخر؛ فعُلِمَ أن الأمر هنا محمول على التعجيز والإهانة أي إنكم لو كنتم حجارة أو حديدا لم تمنعوا من جريان قضاء الله عليكم
وأيضا فعندما يذكر لفظ يدل على الإكرام ويكون المراد ضده فعندئذ يكون هذا الأمر للإهانة[3] (http://www.feqhweb.com/vb/#_ftn3)
قال: فما الفرق بين السخرية والتكوين ؟
قلت: التكوين: سرعة الوجود عن العدم، وليس فيه انتقال عن حالة إلى حالة
وأما السخرية: ففيها الانتقال إلى حالة ممتهنة؛ إذ هي لغة الذلة والامتهان

14= التعجيز:
كقوله: {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِن مِّثْلِهِ} [البقرة: 23] وقوله: {فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ} [الطور: 34] وقوله تعالى: {قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} [الإسراء: 50]
قال صاحبي: فما الفرق بين التعجيز والسخرية ؟
قلت: السخرية نوع من التكوين، فإذا قيل: {كُونُواْ قِرَدَةً} فمعناه انقلبوا إليها
وأما التعجيز فإلزامهم بالانقلاب ليظهر عجزهم لا لينقلبوا كما سبق بيانه في قوله تعالى: {قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} [الإسراء: 50]
قال: قوله تعالى: {قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} [الإسراء: 50] ليس من باب التعجيز
قلت: ولِمَ ؟
قال: لأن معنى الآية هنا: كونوا بالتوهم والتقدير كذا وكذا
قلت: هيه
قال: وأما التعجيز فيكون حيث يقتضي بالأمر فعل ما لا يقدر عليه المخاطب كقوله تعالى: {قُلْ فَادْرَءُواْ عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ} [آل عمران: 168]
قلت: رده ابن عطية في تفسيره بمثل ذلك فالله أعلم وإن كان يمكن أن يقال: إن الجميع من باب التعجيز ثم يكون مع التعجيز السخرية أو الإهانة أو التحدي ونحو ذلك فليُتَأمل والله أعلم

[1] (http://www.feqhweb.com/vb/#_ftnref1) البحر المحيط 2/ 359.

[2] (http://www.feqhweb.com/vb/#_ftnref2) البحر المحيط 2/ 359.

[3] (http://www.feqhweb.com/vb/#_ftnref3) التحقيقات والتنقيحات لمشهور حسن آل سلمان 166.

د:ابراهيم الشناوى
2016-03-18, 11:12 PM
وأما الإهانة فعبارة عن تعجيزهم فيما يقدرون عليه، كقوله تعالى: {قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} [الإسراء: 50]نبَّه أحد الإخوة الفضلاء أن الصواب
فيما لا يقدرون عليه بزيادة (لا) النافية،
قلت: وهو الصواب -إن شاء الله- إذْ هو موافق لما بعد ذلك من قولهم: "ومن المعلوم أن المخاطبين ليس في قدرتهم قلب الأعيان ...الخ" فنرجو من الإخوة المشرفين تصويبه في موضعه.

د:ابراهيم الشناوى
2016-03-18, 11:39 PM
15-التسوية بين الشيئين:
وذلك في المجموع المركب من (افعلْ أو لا تفعل) كقوله تعالى: {اصْبِرُواْ أَوْ لَا تَصْبِرُواْ} [الطور: 16]
قال صاحبي: هذا يعني أن صيغة (افعل) وحدها لا تقتضي التسوية.
قلت: نعم
قال: فلماذا ذكروها هنا ؟
قلت: لأن المراد استعمالها (أي صيغة افعل) حيث يراد التسوية بالكلام الذي هي فيه.
قال: فما الفرق بين التسوية والإباحة ؟
قلت: الفرق باعتبار حال المخاطَب:
ففي الإباحة: كأن المخاطَب توهم أن الفعل محظور عليه فأذن له في الفعل مع عدم الحرج في الترك
وفي التسوية: كأنه توهم أن أحد الطرفين من الفعل والترك أنفع له فرفع ذلك وسوَّى بينهما[1].

16= الاحتياط:

كقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم من النوم فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا" بدليل قوله: "فإنه لا يدري أين باتت يده" أي فلعل يده لاقت نجاسة من بدنه لا يعلمها فيغسلها قبل إدخالها لئلا يفسد الماء.

17= الدعاء أو المسألة:
وهو الطلب من الأدنى للأعلى؛ كقوله تعالى: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف: 89] وقولهم: كن بخير، وعش سعيدا.

18= الالتماس:
وهو الطلب من النظير والمساوي: كقولك لنظيرك: افعل هذا.

19= التمني:
والمستعمل فيه صيغة (افعل) مع (أَلَا) لا صيغة (افعل) وحدها فيَرِدُ عليه ما ورد على التسوية مما استشكله صاحبي، ومثال التمني قوله:

***ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي***

20= الاحتقار:
كقوله تعالى: {أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ} [يونس: 80] يعني أن السحر وإن عظم شأنه فهو حقير في مقابلة ما يأتي به موسى عليه السلام.

21= الاعتبار والتنبيه:
كقوله تعالى: {قُلْ سِيرُواْ فِي الْأَرْضِ فَانظُرُواْ} [النمل:69]

22= التحسير والتلهيف:
كقوله تعالى: {قُلْ مُوتُواْ بِغَيظِكُمْ} [آل عمران: 19]

23= التصبير:
كقوله تعالى: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطارق: 17]

24= الخبر:
كقوله تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا} [التوبة: 82] أي: سيضحكون وسيبكون.

وعكسه:
أي ذكر الخبر مرادا به الأمر كقوله تعالى: {وَالْوالِدَاتِ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} [البقرة: 233] أي: لترضع الوالدات أولادهن
قال صاحبي: فأيهما أبلغ: ذِكْرُ الأمر مرادا به الخبر، أم ذِكْرُ الخبر مرادا به الأمر؟
قلت: كل موضع يُنظَرُ فيه على حسبه، ولكن على جهة العموم فذكر الخبر مرادا به الأمر أبلغ من عكسه
قال: ولِمَ ؟
__________________________
[1] حاشية الشيخ الهدة السوسي على قرة العين على الورقات 93.

د:ابراهيم الشناوى
2016-03-25, 09:33 PM
قال بعض الأساتذة الفضلاء: أين الأمر هنا



16= الاحتياط:
كقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم من النوم فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا" بدليل قوله: "فإنه لا يدري أين باتت يده" أي فلعل يده لاقت نجاسة من بدنه لا يعلمها فيغسلها قبل إدخالها لئلا يفسد الماء.
قلت: هذه ملاحظة دقيقة صحيحة ولكن هكذا ذكره الزركشي في البحر المحيط (2/ 360) ونَسَبَهُ للقفال فنقلته عنه كما ذكره، ولعل مراده الرواية الأخرى ولفظها: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه ، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده". وهي رواية مالك في الموطأ ولم تختلف الرواية عنه كما ذكر ابن عبد البر في التمهيد.
والله أعلم

د:ابراهيم الشناوى
2016-03-25, 10:10 PM
قال: لَمْ تجِبْني على ما سألتُك عنه؟
قلت: وما هو؟
قال: ولِمَ ؟
قلت: لِذَا !
قال: ما هذا ؟
قلت: بل أنت ما هذا ؟
قال: لا تهزأ بي يا هذا
قلت: لستُ هازئًا، ولكني ما أدري ما تقول
قال: فتريدُ أن أعيد عليك السؤال مرة أخرى ؟
قلت: هذا ما أريد
قال: سألتُكَ أيُّ الأمرَيْنِ أبلغُ: ذِكْرُ الخبرِ مرادًا به الأمر أم ذِكْرُ الأمرِ مرادًا به الخبر؟ فأجَبْتَ بأن ذِكْرَ الخبر مرادًا به الأمر أبلغُ على وجه العموم، وإن كان قد يتخلف في بعض المواضع لقيام القرينة على أنه غير مراد، فسألتك: ولِمَ كان ذِكْرُ الخبر مرادا به الأمر أبلغ مِنْ عكسه؟ وهذا ما أريد الجواب عنه.
قلت: نعم نعم، ولِمَ ؟
فنظَرَ إليَّ نظرَ مَنْ يريد أن يفتك بخصمه
فقلتُ له: هَوِّنْ عليك؛ فأنا أعني أني تذكرتُ (ولِمَ)، ولا أقصدُ إعادة السؤالِ عليك
قال: فأجِبْنِي فقد كدتَ تصيبُني بشلَل
فضحكتُ وقلت: لأن الناطق بالخبر مريدا به الأمر كأنه نزل المأمور به منزلة الواقع
______________________________ ____________________

26= التحكيم والتفويض:
كقوله تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ} [طه: 72] وسماه بعضهم: التسليم، وبعضهم الاستبسال، قال: أعلموه أنهم قد استعدوا له بالصبر وأنهم غير تاركين لدينهم.

27= التعجب
كقوله تعالى: {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} [الكهف: 26]

28= التكذيب:
كقوله تعالى: {قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93]

29= المشورة:
كقوله تعالى: {فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات: 102]

30= قرب المنزلة:
كقوله تعالى: {ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ} [الأعراف: 49]

31= التحذير والإخبار عما يؤول إليه الأمر:
كقوله تعالى: {تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} [هود: 65]

32= إرادة الامتثال:
كقولك عند العطش: اسقني ماء

33= إرادة الامتثال لأمر آخر؛
كقوله صلى الله عليه وسلم: "كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل"

34= التخيير:
كقوله تعالى: {فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42]
قال: لماذا اكتفى المصنف بأربعة معانٍ تخرج لها صيغة الأمر عن الوجوب مع أنك ذكرت أكثر من ثلاثين معنى؟!
قلت: ...

د:ابراهيم الشناوى
2016-04-01, 07:53 PM
قلت: اكتفى المصنف بالمعاني الرئيسية التي يمكن أن تَرِدَ لها الصيغة
قال: ذكرت معانيَ كثيرة تَرِدُ لها صيغة الأمر بمعنى غير الإيجاب فهل في هذا فائدة للفقيه؟
قلت: نعم، بالطبع يفيده.
قال: فما فائدته ؟
قلت: فائدته للفقيه تنزيل ما لم يُحْمَلْ من الأوامر على الإيجاب على وجه من الأمور المغايرة للإيجاب[1].
قال: فهل تأتي صيغة النهي لمعان متعددة كصيغة الأمر؟
قلت: أجل.
قال: فما معانيها
قلت: تأتي صيغة النهي لمعانٍ منها:
1= التحريم وقد سبق، مثاله قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُواْ الزِّنَا} [الإسراء: 32]
2= الكراهة وقد تقدم أيضا، مثاله قوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [البقرة: 267]
3= الإرشاد: كقوله تعالى: {لَا تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:101]
قال: لماذا كان النهي هنا للإرشاد؟
قلت: لأن المراد: أن الدلالة على الأحوط ترك ذلك
قال: ما قلته فيه نظر والصواب أن النهي هنا للتحريم
قلت: بل الأظهر عندي أأأ
فقاطعني قائلا: (عندك)؟! ومَنْ أنت حتى يكون عندك (عند)؟
قلت: ماذا لقيتُ مِن صاحبٍ سليطِ اللسان!
قال: وهل قلت إلا صوابا ؟
قلت: ألا يمكن أن تَعرِض صوابك بطريقة أمثل من هذي.
قال: وكيف ذلك ؟
قلت: لا عليك، فاسمع جواب مسألتك
قال: هاتِ
قلت: قال العلماء: الأظهر الأول (أي كون النهي للإرشاد)؛ لأن الأشياء التي يَسأل عنها السائلُ لا يَعْرِفُ حين السؤالِ هل تؤدي إلى محذور أو لا؟ ولا تحريم إلا بالتحقق[2].
4= الدعاء: كقوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أّخْطَأْنَا} [البقرة: 286]
5= بيان العاقبة: كقوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]
6= التقليل والاحتقار: كقوله تعالى: {لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ} [الحجر: 88] أي: فهو قليل حقير بخلاف ما عند الله
7= اليأس: كقوله تعالى: {لَا تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 66]
8= الخبر: مَثَّلَهُ بعضهم بقوله تعالى: {لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن: 33] ولكن بقليل من التأمل نجد أن قوله: {تَنفُذُونَ} فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون ولو كان مجزوما لحذفت النون فقيل: (لا تنفذوا) فهذا خبر وليس نهيا[3].
9= للتسلية: كقوله تعالى: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} [النحل: 137]
10= للتهديد: كقولك لمن لا يمتثل أمرك: (لا تمتثل أمري)
11= الالتماس: كقولك لنظيرك: (لا تفعل هذا)
12= إباحة الترك: كالنهي بعد الإيجاب على قول من قال: (إن النهي بعد الإيجاب للإباحة) ولكن الراجح خلافه
13= للتصبر: كقوله تعالى: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} [التوبة: 40]
14= للتسوية: كقوله تعالى: {فَاصْبِرُواْ أَوْ لَا تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ} [الطور: 16]
15= للتحذير: كقوله تعالى: {وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].
______________________________ _____________
[1] شرح الورقات لابن الفركاح 160.
[2] شرح الكوكب المنير للفتوحي 3/ 81 ت. محمد الزحيلي ونزيه حماد ط. مكتبة العبيكان
[3] قال الفتوحي في الكوكب المنير 3/ 81 : "ليس للخبر مثال صحيح ومثله بعضهم بقوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ } [الواقعة: 79] وهذا المثال إنما هو للخبر بمعنى النهي لا للنهي بمعنى الخبر" ا.هـ

د:ابراهيم الشناوى
2016-04-10, 11:09 PM
العامُّ والخاصُّ

قال المصنف

وَأَمَّا الْعَامُّ: فَهُوَ مَا عَمَّ شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا، مِنْ قَوْلِكَ: عَمَّمْتُ زَيْدًا وَعَمْرًا بِالْعَطَاءِ، وَعَمَّمْتُ جَمِيعَ النَّاسِ بِالْعَطَاءِ
______________________________ _____________________
مبحث دلالات الألفاظ من أهم مباحث أصول الفقه ومنه (العامّ والخاصّ) فمن الألفاظ:
- ما لا يدل إلا على فرد معين
- ومنها ما يدل على فرد غير معين
- ومنها ما يدل على أفراد لا حصر لها
فينبغي على الأصولي والفقيه وكل مَنْ يريد أن يستنبط الأحكام الشرعية من أدلتها أن يُعْنَى بدراسته جيدا، فإذا عرفت أن جُلَّ الأحكام الثابتة في الكتاب إنما ثبتت بنصوص عامة وأن أغلب هذه النصوص العامة قد استُثْنِيَتْ حتى صار من قواعدهم: أنه (ما من عامٍّ إلا وقد خُصِّصَ)(1)، (2) عرفت أهمية هذا الباب.
وقد تقدم باب الأمر والنهي وفصلنا القول فيه حسب ما اقتضاه المقام ثم انتقل المصنف إلى هذا الباب (باب العامّ والخاصّ) لنعرف متعلَّق الأمر والنهي، فكل من الأمر والنهي إما أن يتعلق بعامّ وإما أن يتعلق بخاصّ وبدأ بالكلام على العامّ فذكر تعريفه وألفاظه وهل غير العامّ يدل على العموم؟ وذكر في الخاصّ تعريفه وتعريف التخصيص وأقسام التخصيص وأنواع كل قسم.
______________________________ _____________
(وَ): عاطفة، أو استئنافية
(أَمَّا): حرف تفصيل وتوكيد فيه معنى الشرط
(الْعَامُّ): مبتدأ، وهو من جملة الجواب كما سبق في نظائره.
(فَـ): فاء الجزاء واقعة في جواب (أما) وهي مزحلقة عن مكانها، وأصل دخولها على المبتدإ (العامّ) فزُحْلِقَتْ إلى جملة الخبر للفصل بينها وبين أما، وأصل الكلام (ومهما يكن من شيء فالعامُّ هو ...) فحذف الشرط وفعله ونابت عنهما (أمَّا) فصار (وأما فالعامُّ هو ...) فزحلقت الفاء من المبتدإ إلى الخبر لِضَرْبٍ مِنْ إصلاح اللفظ.
(هُوَ): مبتدأ
(مَا): خبر، وهي معرفة تامة خاصة بمعنى (اللفظ) بدليل قوله الآتي: "والعموم من صفات النطق"
وجملة (هو ما ..) من المبتدإ والخبر وما تعلق بهما في محل رفع خبر المبتدإ (العامُّ)
وجملة (العامّ هو ما ..) من المبتدإ والخبر جواب (أمّا) على مذهب سيبويه وأَحَدِ قولَيِ الفارسي، أو جواب (مهما) على قوله الآخر، أو جوابهما معا على مذهب الأخفش كما تقدم
وجملة (أما العامُّ فهو ..) لا محل لها من الإعراب معطوفة على قوله: "فأما أقسام الكلام" أي: فأما أقسام الكلام فكذا، والأمر كذا والنهي كذا وأما العامُّ فكذا... الخ، أو استئنافية
(عَمَّ): فعل ماض مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود على (ما) والجملة صفة لـ (ما)
(شَيْئَيْنِ): مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه مثنى
(فَـ): عاطفة
(صَاعِدًا): حال حُذِفَ عاملها وصاحبها والتقدير: (فذهب المدلول صاعدا) أي مرتفعا إلى أكثر من اثنين، فعاملها (ذهب) وصاحبها (المدلول)
(مِنْ): حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب
(قَوْلِكَ): (قول) اسم مجرور بـ (مِنْ) وعلامة جره الكسرة الظاهرة والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدإ محذوف والتقدير: (وهو مأخوذ من قولك عممت زيدا... الخ) فـ (هو) مبتدأ و(مأخوذ) خبر وهو الذي تعلق به الظرف
و(قول) مضاف والكاف ضمير مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه
(عَمَّمْتُ): (عمَّم) فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل، والأصح أنه مبني على فتح مقدر، والتاء ضمير مبني على الضم في محل رفع فاعل
(زَيْدًا): مفعول به
(وَ): عاطفة
(عَمْرًا): معطوف على (زيدا)
(بِالْعَطَاءِ): متعلق بـ (عممت)
(وَ): عاطفة
(عَمَّمْتُ): فعل وفاعل
(جَمِيعَ): مفعول به، وهو مضاف
(النَّاسِ): مضاف إليه
(بِالْعَطَاءِ): متعلق بـ (عمَّمْتُ)
______________________________ ____________
(1) التحقيقات والتنقيحات السلفيات على متن الورقات 169 مشهور حسن آل سلمان، وشرح الورقات لعبد الله الفوزان 56.
(2) ينسب إلى ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: " ليس في القرآن عامّ إلا مخصَّص إلا قوله تعالى: {وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282]" فهذا كلام مشهور على أنه أثر من الآثار ونُسِب إلى ابن عباس رضي الله عنهما ولكن لا يصح ذلك كما ذكره الشيخ مشهور في (التحقيقات والتنقيحات) 196، وقال أيضا في تعليقه على الموافقات 3/ 309: "لم أظفر به وهو من كلام الأصوليين وليس بمُسَلَّمٍ لهم" ونقل عن ابن تيمية تضعيفه في كلام جيد فراجعه انظر التحقيقات والتنقيحات السلفيات ص197.

د:ابراهيم الشناوى
2016-04-22, 09:41 PM
المعنى:
ذكر المصنف هنا تعريف (العامّ) فذكر أنه: ما عمّ أي شمل شيئين فصاعدا كقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] فلفظ {المؤمنون} عامٌّ لأنه يدل على أكثر من اثنين،
وقوله: "فصاعدا" هو معنى قول الشراح: (من غير حصر) والمراد بهما إخراج ألفاظ العدد مثل: ثلاثة ومائة وأَلْف، فإنها تدل على أكثر من اثنين لكن ليس (فصاعدا) ولا من غير حصر.
فالفرق بين ألفاظ العدد والعامّ أن كلا منهما يدل على الكثرة لكن أسماء العدد تدل على كثرة محصورة بعدد معين فـ (أَلْف) مثلا اسم عدد يدل على كثرة لكنها كثرة محصورة في هذا العدد لا تتجاوزه.
أما العامّ فإنه للاستغراق والشمول فلفظ {المؤمنون} في الآية يشمل كل مؤمن فليس خاصا بمؤمن دون مؤمن بل كل من صَدَقَ عليه وصف الإيمان فهو داخل في هذا اللفظ {المؤمنون} من غير حصر
ثم ذكر المصنف :

- مثالا للعامِّ الذي يشمل شيئين وهو: "عمَّمْتُ زيدا وعمرا بالعطاء"
- ومثالا للعام الذي يتناول جميع الجنس وهو: "عمَّمْتُ جميع الناس بالعطاء".

د:ابراهيم الشناوى
2016-04-29, 10:11 PM
(قال صاحبي)
قال: لماذا سمي (العامّ) بهذا الاسم ؟
قلت: لأنه يدل على الكثرة؛ فأصل العموم في اللغة الكثرة يقال: عَمَّ الجرادُ البلادَ أي: كَثُرَ.
واللفظ العامُّ لما كثرت الأفراد التي يدل عليها سُمي عامًّا، وهذا معنى قوله: "مِنْ قوله: عممت زيدا وعمرا بالعطاء وعممت جميع الناس بالعطاء"[1].
قال: ما نوع (أل) في قوله: "العامّ"؟
قلت: للعهد الذكري
قال: تعني أن (العامَّ) تقدم ذكره في الكلام
قلت: نعم
قال: فأين ذلك؟
قلت: في قوله: "وأبواب أصول الفقه: أقسام الكلام، والأمر والنهي، والعامُّ والخاصُّ، والمجمل والمبين ...الخ"
قال: لماذا تضع الشدة دائما على (العامّ)؟
قلت: لأنه هكذا ينبغي أن يقرأ
قال: أليس (العامُّ) مأخوذًا من قولهم (عَمَّهُمُ الأمرُ يَعُمُّهُم) أي شملهم فهو (عامٌّ)؟
قلت: بلى
قال: فهو مصدر للفعل (عَمّ)
قلت: لا
قال: ولِمَ ؟ أليس المشهور في كتب الصرفيين أن المصدر يأتي ثالثا في تصريف الفعل؟ و(عامّ) هنا قد جاء ثالثا: (عمَّهم يعمُّهم فهو عامٌّ)
فضحكت وقلت:
= لِمَا يأتي
= بلى
= لا، بل هذه من كِيسِك
فأطرق قليلا ثم نظر إليَّ شزرا، ثم لأعلى، وأصغى لِيتًا ورفع لِيتًا[2] ثم نظر لأسفل ثم يمينا فشمالا كفعل المتحيِّر ثم قال: ما هذا؟ ماذا تقول؟
قلت: هذه أجوبة سؤالاتك
قال: أين هذه الأجوبة ؟
قلت: أما قولك: "ولِمَ ؟" فجوابه: لِمَا يأتي
وأما قولك: "أليس المشهور في كتب الصرفيين أن المصدر يأتي ثالثا في تصريف الفعل؟" فجوابه: بلى
وأما قولك: "و(عامّ) هنا قد جاء ثالثا: (عمَّهم يعمُّهم فهو عامٌّ)" فجوابه: لا، بل هذه من كيسك
فسكتَ
فقلت: اعلم أن الفعل (عَمّ) مضعف أصله (عَمَمَ)، وبابه (نَصَرَ) ثم أدغمت الميم الأولى في الثانية فصار (عَمَّ)
قال: لماذا أدغمت الميم الأولى في الثانية مع أن الأولى متحركة؟
قلت: لأنهم أرادوا التخفيف
قال: تخفيف ماذا ؟
قلت: تخفيف تكرار الحرف (عَمَمَ) فالحرف المكرر هنا هو الميم وفي تكراره نوع ثقل فأرادوا المبالغة في التخفيف فسكَّنوا الحرف الأول من المِثلِين ثم أدغموه في الثاني منهما فبالإدغام صار الحرفان كالحرف الواحد فيخف على اللسان.
قال:ما هما المِثلان ؟
قلت: الحرف إذا تكرر سُمِّيَ هو ومكرره مثليْن كالميمين هنا.
قال: تعني بقولك: "أرادوا التخفيف" أنهم تارة يقولون (عَمَّ) وتارة يقولون (عمَمَ)
قلت: أأأ
فبادرني قائلا: نعم هذا ما تقصده، بدليل قولهم: "العَمَمُ" أي العامَّةُ
قلت: لا، أنا ما قصدت هذا؛ لأن الإدغام في (عَمَّ) واجب فلا تراهم أبدا يقولون: (عَمَمَ الأمرُ) بفك الإدغام.
قال: ألم يقولوا: (العَمَمُ) ؟
قلت: بلى، فـ (العَمَمُ) اسم جنس بمعنى العامَّةُ، والإدغام فيه ممتنع.
قال: فَهُمْ لا يقولون (عَمَمَ الأمرُ) بفك الإدغام أبدا
قلت: نعم
قال: ولِمَ ؟
قلت: لأن الإدغام هنا واجب
فأطرق هنيهة ثم قال:واجب ؟!
قلت: نعم، واجب.
قال: وهو ما زال متعجبا: تعني أن من قال: (عَمَّ الأمرُ) استحق الثواب ومن قال: (عَمَمَ الأمرُ) استحق العقاب؟!
فضحكت وسكتُّ
قال: ألم تذكر فيما سبق أن الواجب: ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه
فازددت ضحكا حتى بكت عيناي من كثرة الضحك، فحاولت أن أُنَهْنِهَ نفسي أو أَكُفَّها عن هذا الضحك الشديد فإنه مما لا ينبغي لطالب العلم
فإذا به يقول: لماذا تضحك هكذا ألم تزعم مرارا أن العلوم متداخلة وكل علم تتعلمه يفيدك في فهم غيره من العلوم
فلم أستفق إلا وأنا مستلقٍ على ظهري من كثرة الضحك.
______________________________ ____________
[1] شرح الورقات لابن الفركاح 162.
[2] (أصغى): أي أَمَـالَ ، و(لِيتًا) - بكسر اللام وآخره مثناه فوقية – هو صفحة العنق أي جانبه، وفي الحديث: "ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا" [صحيح: رواه مسلم (2940)]

ابوخزيمةالمصرى
2016-05-03, 12:03 AM
ماشاء الله جهد مشكور د/ إبراهيم شكر الله لك صنيعك وجعله في ميزانك .

د:ابراهيم الشناوى
2016-05-03, 11:13 PM
آمين
وجزاك الله خيرا
ولا تحرمنا من دعائك

د:ابراهيم الشناوى
2016-05-06, 10:42 PM
حتى إذا انتهيت مما أنا فيه
قلت له: العلوم متداخلة لكن ليس بهذه الطريقة بل معنى ذلك أنك قد تقرأ في الأصول مثلا في شرح تعريفٍ مَّا أن هذه الكلمة (جنس) وهذه الأخرى (فصل) وهكذا فهنا يفيدك علم المنطق في فهم معاني هذه المصطلحات، فهذا هو التداخل بين العلوم لا أن تأخذ مصطلحات علم فتطبقها في علم آخر ثم تقول العلوم متداخلة.
فسكتَ خجلا
فأكملت قائلا: إذا تحققت ذلك عرفت أن الواجب عند الأصوليين ليس هو الواجب عند الصرفيين كما أن الفاعل عند النحاة ليس هو الفاعل عند الفقهاء وهكذا
قال: نعم، فهمت هذا
قلت: أنسيتنا ما كنا فيه
قال: كنت تقول: الإدغام في (عَمَمَ) واجب
قلت: نعم
قال: هل الوجوب الصرفي هنا لأن الحرف هو الميم أم باقي الحروف مثله؟
قلت: بل باقي الحروف مثله إلا الألِف فالقاعدة: أنه إذا اجتمع مِثْلانِ في كلمة واحدة وكانا متحركيْنِ مثل (عَمَمَ – رَدَدَ ) ولم يكونا في أول الكلمة وجب تسكين الأول ثم إدغامه في الثاني فيصير في المثالين السابقين (عمّ – ردّ) وجوبا
أما إن وقع المثلان في كلمتين كالراءين في قولك: (شهـــــر رمضان) أو وقعا في أول الكلمة كالدالين في نحو: (دَدَن) وهو: اللهو، امتنع الإدغام.
قال: نعم، فهمت هذا، ولكني لم أفهم كيف يكون الإدغام واجبا في (عَمَّ) وممتنعا في (العَمَمِ)؟!
قلت: أما كونه واجبا في قولهم: (عَمَّ الأمرُ) فقد حدثتُكَ عنه آنفا، وقد زعمتَ أنك فهمتَهُ.
قال: نعم.
قلت: وأما كونه ممتنعا في (العَمَمِ) بمعنى (العامَّة) فلأنه اسم على وزن (فَعَل) بفتحتين كـ (طَلَل) وهذا يمتنع فيه الإدغام؛ فإن المثلين إذا وقعا متحركين معا وجب إدغامهما بأحد عشر شرطا راجعها في مظانها[1] ومنها كما قَدَّمْتُ لك: ألا يكونا في اسم على وزن (فَعَل) بفتح الفاء والعين، فإن وقعا في اسم هذه صفته امتنع الإدغام نحو (طَلَل) وكذا (العَمَم) بمعنى العامَّة
قال: نعم، فهمت هذا أيضا
قلت: الحمد لله
قال: بقي الجواب عن قولي: أليس المشهور في كتب الصرفيين أن المصدر يأتي ثالثا في تصريف الفعل (عمَّهم يعُمُّهم فهو عامٌّ)؟
قلت: نعم، بقي الجواب عن هذه، وتصريفُها هكذا: (عَمَّهُمُ الأمرُ يعُمُّهُمْ عُمُومًا) أي شملهم، فهو (عامٌّ)
قال: فـ (عامّ) لم يأت ثالثا في تصريف الفعل؟
قلت: نعم.
قال: إذن فهو ليس مصدرا للفعل (عَمَّ)؟
قلت: نعم
قال: فما هو إذن ؟
قلت: اسم فاعل
ثم قال:قلتَ: "(ما) هنا معرفة تامة خاصة بمعنى (اللفظ) بدليل قوله الآتي: "والعموم من صفات النطق". فلو وضحتَ أكثر
قلت: المصنف ذكر فيما يأتي أن العموم (=العام) من صفات (النطق) أي (المنطوق به وهو اللفظ)، حيث قال: "والعموم من صفات النطق ولا تجوز دعوى العموم في غيره من الفعل وما يجري مجراه". فلهذا فسرتُ (ما) في قوله: "والعامُّ (ما) عم شيئين فصاعدا ... الخ" بـ (اللفظ)
قال: نعم، فهمت هذا أيضا
ثم قال: المصنف ذكر أن العامَّ هو: "ما عَمَّ شيئينِ فصاعدا"
قلت: نعم
قال: فهذا التعريف يَصْدُقُ على لفظ (كثير)، ويصدق أيضا على (جموع الكثرة) ولا عموم فيها بل هي من باب الخاصّ نحو: (رجال)، فإذا قلت: (عندي رجال) فإنه لا يتناول كل رجل؛ لأن (رجال) نكرة في سياق الإثبات فلا تعُمّ.
قلت: نعم، ما ذكرتَه صحيح، ولكن هذا التعريف مناسب جدا للمبتديء المقصود بهذا الكتاب، هذه واحدة[2].
وأخرى: أن هذا الاعتراض إنما يتجه إذا ثبت أن المصنف يقول إن جموع الكثرة من باب الخاصّ، لكن لَعَلَّه يرى قول من يقول: إنها واسطة بين العامّ والخاصّ وهذا هو ظاهر تعريفه للعامِّ والخاصِّ فتأمل[3].
ثم اعلم أن النكرة في سياق الإثبات قد تَعُمّ أيضا.
______________________________ ______________________
[1] انظر شذا العرف في فن الصرف للحملاوي 224- 225 ط. دار الكيان بالرياض، وشروح الشافية فانظر منها مثلا المناهل الصافية إلى كشف معاني الشافية للطف الله بن محمد الغياث 2/ 323 وما بعدها، تحقيق د. عبد الرحمن محمد شاهين الناشر مكتبة الشباب
[2] قال الشيخ عبد الحميد بن خليوي الرفاعي: "هذا هو تعريف العامّ وهو تعريف سهل يناسب المبتدئ لكن الأصوليين عفا الله عنهم عندهم تدقيق زائد على التعريفات فلا يكاد يسلم عندهم تعريف من النقض والاعتراض وهذا راجع إلى التأثر بعلم المنطق. والمناطقة قد أدخلوا هذه التدقيقات والمماحكات في غالب العلوم ولم تكن هذه طريقة السلف في التفقه في الدين ..." ثم قال: "وتعريفه للعامّ ينسجم تماما مع هذا الخط النافع للمبتدئ في هذا العلم الجليل فليقتصر عليه" ا.هـ الشرح الوسيط على الورقات 68 ط. دار الصميعي
[3] حاشية السوسي على قرة العين 102 بتصرف يسير.

د:ابراهيم الشناوى
2016-05-13, 11:36 PM
قال المصنف:

وَأَلْفَاظُهُ أَرْبَعَةٌ:
- الِاسْمُ الْوَاحِدُ الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ.
- وَاسْمُ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ.
- وَالْأَسْمَاءُ الْمُبْهَمَةُ: كَـ (مَنْ) فِيمَنْ يَعْقِلُ، وَ (مَا) فِيمَا لَا يَعْقِلُ، وَ (أَيُّ) فِي الْجَمِيعِ، وَ (أَيْنَ) فِي الْمَكَانِ، وَ (مَتَى) فِي الزَّمَانِ، وَ (مَا) فِي الِاسْتِفْهَامِ وَالْجَزَاءِ وَغَيْرِهِ، وَ (لَا) فِي النَّكِرَاتِ.
______________________________ _________
(وَ): استئنافية
(أَلْفَاظُهُ): (ألفاظ) مبتدأ، ومضاف، و(الهاء) ضمير الغائب مبني على الضم في محل جر مضاف إليه
(أَرْبَعَةٌ): خبر
(الِاسْمُ): بدل من (أربعة) بدل بعض من كل أو بدل مفصل من مجمل وبدل المرفوع مرفوع،
أو خبر لمبتدإ محذوف والتقدير: أحدها الاسم،
أو مبتدأ والخبر محذوف أي: الاسم أحدها.
(الْوَاحِدُ): نعت لـ (الاسم)
(الْمُعَرَّفُ): نعت ثان لـ (الاسم)
(بـِ): حرف جر
(الْأَلِفِ): اسم مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة الظاهرة والجار والمجرور متعلقان بـ (الـمُعَرَّف)
(وَ): حرف عطف
(اللَّامِ): معطوف على (الألف)
(وَ): عاطفة
(اسْمُ): معطوف على (الاسم الواحد)، و(اسم) مضاف
(الْجَمْعِ): مضاف إليه
(الْمُعَرَّفُ): نعت لـ (اسم)
(بِاللَّامِ): الجار والمجرور متعلق بـ (المُعَرَّف)
(وَ): عاطفة
(الْأَسْمَاءُ): معطوف على (الاسم الواحد)
(الْمُبْهَمَةُ): نعت لـ (الأسماء)
(كَـ): جرف جر
(مَنْ): مقصود لفظه، اسم مبني على الحكاية في محل جر بالكاف.
والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدإ محذوف والتقدير: وذلك كائن كـ (مَنْ)،
أو أن الجار والمجرور متعلق بمحذوف نعت ثان لـ (الألفاظ) والتقدير: (الألفاظ المبهمة الكائنة كمَنْ) ولعل هذا الوجه الثاني أولى من الأول لقلة التقدير
(فِيمَنْ): (في) حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب، و(مَنْ) اسم موصول بمعنى الذي مبني على السكون في محل جر بـ (في) والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من (مَنْ)
(يَعْقِلُ): فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر تقديره (هو) يعود على (مَنْ) من قوله: (فِيمَنْ)
والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول (مَنْ)
(وَ (مَا) فِيمَا لَا يَعْقِلُ): (لا) مِنْ قوله (لا يعقل) نافية وإعراب الباقي كما سبق
(وَ(أَيُّ) فِي الْجَمِيعِ، وَ(أَيْنَ) فِي الْمَكَانِ، وَ(مَتَى) فِي الزَّمَانِ، وَ(مَا) فِي الِاسْتِفْهَامِ ): إعرابه كما سبق، يعني أن (أيّ) و(أين)، و(متى)، و(ما) ألفاظ مقصود لفظها مبنية على الحكاية معطوفة على (مَنْ)
(وَ): عاطفة
(الْجَزَاءِ): معطوف على (الاستفهام)
(وَ): عاطفة
(غَيْرِهِ): معطوف على الاستفهام والجزاء بتقدير (المذكور) و(غير) مضاف والهاء ضمير الغائب مبني على الكسر في محل جر مضاف إليه، وهو يعود على (المذكور) المفهوم من الكلام أي: وغير المذكور.
(وَ(لَا) فِي النَّكِرَاتِ): إعرابه كما سبق

د:ابراهيم الشناوى
2016-05-20, 10:11 PM
المعنى:


كما أن للواجب صيغة هي (افْعَلْ) وللنهي صيغة هي (لا تَفْعَلْ) فكذا العامُّ له صيغة ويدل على هذه الصيغة ألفاظٌ تسمى (ألفاظ العامّ) وقد حصرها المصنف في أربعة ألفاظ:


الأول: الاسم المفرد المُعَرَّف بـ (أل) الجنسية وليس العهدية نحو قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ والسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] فـ {السَّارِق} اسم مفرد معرَّف بـ (أل) الجنسية فيَعُمُّ أي: وكلُّ سارق وكل سارقة فاقطعوا أيديهما


الثاني: الجمع المُعَرَّف بـ (أل) الجنسية أيضا كقوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } [آل عمران: 28] فـ (المؤمنون) و(الكافرين) جمع معرف بـ (أل) الجنسية فَيَعُمّ.


الثالث: الأسماء المبهمة: أي: التي أُبهِمَ المراد بها فلا يظهر معناها إلا في غيرها، وقال الشيرازي في شرح اللمع: "هي التي يسميها النحويون الأسماء الناقصة التي لا تتم إلا بصِلاتٍ ورواجع"[1] وهي سبعة أنواع:


1- (مَنْ) فيمن يَعْلَم: وهذه قد تكون موصولة أو شرطية أو استفهامية فـ:



أ*- (مَنْ) الموصولة
كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]
فكلمة (مَنْ) هنا اسم موصول فتعم.


ب*- و(مَنْ) الشرطية
كقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } [الزلزلة: 7]


ت*- و(مَنْ) الاستفهامية
كقوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: 245]


2- (ما) فيما لا يعقل: يعني إذا كانت اسما، وهذه تكون أيضا موصولة وشرطية واستفهامية فـ:



أ- (ما) الموصولة كقوله تعالى: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة: 284]


ب- و(ما) الشرطية كقوله تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ} [البقرة: 197]


ت- و(ما) الاستفهامية كقوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى} [طه: 17]



3- (أيّ) في الجميع: أي فيمن يعلم وفيمن لا يعلم نحو: (أيّ عبدٍ جاءني من عبيدي فهو حرٌّ) فأيهم جاء عتق، ونحو: (أيّ الأشياء أردتَ أعطيتك) فهذا عامٌّ في جميع ما يملك.


4- (أين) في المكان: وهذه تكون شرطية واستفهامية فـ :

أ*- (أين) الشرطية كقوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النساء: 78]
ب*- و(أين) الاستفهامية كقوله تعالى: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ } [التكوير: 26]


5- (متى) في الزمان: كقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس: 48]، و[الأنبياء: 38]، و[النمل: 71]، و[سبأ: 29]، و[يس: 48]، و[الملك: 25]


6- (ما) في الاستفهام والجزاء وغير ذلك: يعني أن (ما) تفيد العموم إذا كان مرادا بها الاستفهام أو الجزاء أي الشرط وغيرهما مما تَرِدُ فيه (ما) بشرط أن تكون اسما لا حرفا، وقد تقدمت أمثلة ذلك


7- (لا) في النكرات وهذه يعبر عنها العلماء بقولهم: (النكرة في سياق النفي تفيد العموم) ومثل النفي ما شابهه وهو النهي والاستفهام والشرط:

- النكرة في سياق النفي نحو: (لا إله إلا الله)
فكلمة (إله) نكرة في سياق النفي فتعم كل إله
- النكرة في سياق النهي نحو: (لا تأكل لحما)
فكلمة (لحما) نكرة في سياق النهي فتعم كل لحم
سواء كان لحم بقر أو غنم أو لحم طير أو غير ذلك
وتعم أيضا السمك فإن الله سماه لحما طريا فيدخل في النهي
- النكرة في سياق الشرط نحو: (مَنْ يفعلْ خيرا يُجْزَ به)
فكلمة (خيرا) نكرة في سياق الشرط فيعم كل ما يفعله المرء من الخير مهما صغر
ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْقٍ، أو إماطة الأذى عن الطريق وغير ذلك.
______________________________ ______________________________ ___


[1] شرح اللمع في أصول الفقه للشيرازي 1/ 306 ت. عبد المجيد تركي ط. دار الغرب الإسلامي، والمراد بـ (الرواجع) الضمائر التي تعود على الأسماء المبهمة فتبين المراد بها من حيث الإفراد والتذكير والعقل وفروعها

د:ابراهيم الشناوى
2016-05-27, 09:44 PM
[قال صاحبي]
قال: ما معنى أن العامّ له صيغة ؟
قلت: يعنى أن هذه الصيغة التي للعامّ تكون حقيقة فيه مجازا في غيره.
فعند قراءتك نصًّا ما ووجدت إحدى ألفاظ العموم عَرَفْتَ دلالةَ هذه اللفظة على المعنى الذي تدل عليه وأنها تشمل جميع أفراده، ولا يقال إنها تدل على معنى خاص إلا بقرينة.
وهذا يفيدك عند التعارض أو المناظرة ونحو ذلك؛ إذ يمكنك الترجيح بأن هذه الصيغة من صيغ العموم وأنها حقيقة فيه والحقيقة مقدمة على المجاز
قال: قلتَ في قوله: "وألفاظه أربعة الاسم الواحد ...الخ": (الاسم) بدل من (أربعة) بدل بعض من كل.
قلت: نعم
قال: كيف يصح ذلك وهو (أي الاسم) لا يشتمل على ضمير يعود على المبدل منه (أربعة)؟
قلت: اشتراط الضمير في بدل (بعض من كل) غالب لا لازم، قال الكفراوي: الجواب أن محل ذلك إذا لم تُسْتَوْفَ الأجزاء فإن استوفيت كما هنا فلا يحتاج إليه، أو أن الضمير مقدر تقديره الاسم منها(1).
قال: على أي شيء يعود الضمير في (ألفاظه) من قوله : "وألفاظه أربعة".
قلت: يعود على العموم المفهوم من العامّ. أو يعود على (العامّ).
قال: فما نوع الإضافة في قوله :( ألفاظه) ؟
قلت: الإضافة هنا بيانية
قال: ما معناها ؟
قلت: قد تقدم معناها
قال: فأعده عليّ من فضلك فقد نسيته
قلت:لا بأس، سأنقل لك ما تقدم وهو كالآتي:
ضابطها: أن يصح الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف
فإذا قلت: (سوق زيد) لم تكن الإضافة بيانية إذ لا يصح أن تقول: (السوق زيد) أو (السوق هو زيد) فتجعل المضاف إليه خبرا عن المضاف
أما إذا قلت: (دين الإسلام) مثلا فيصح أن تقول: (دين هو الإسلام) فتخبر عن المضاف بالمضاف إليه فلهذا نقول الإضافة في (دين الإسلام) بيانية
قلت: وأزيدك هنا شيئا على ما سبق
قال: هيه
قلت: الجمهور على أنه إن صلح تقدير الإضافة بـ (مِنْ) فالإضافة بيانية وإلا فلامية
فإذا قلت: (سوق زيد) جاز أن تقدرها لامية فتقول: سوقٌ لزيد؛ فالإضافة لامية
أما إذا قلت: (ثوبُ حريرٍ) فالإضافة بيانية لأنها تُقَدَّرُ بـ (مِنْ) فتقول: (ثوب من حرير) وهنا يجوز أن تقول: (ألفاظٌ مِنَ العامِّ) فتكون بيانية كما ذكر الدمياطي في حاشيته
ويجوز أن تقدر (ألفاظٌ للعامّ) فتكون الإضافة لامية، وهذا أولى مما ذكره الدمياطي، فتأمل.
______________________________ ___________
(1) شرح الكفراوي على الآجرومية مع حاشية إسماعيل الحامدي (10)

د:ابراهيم الشناوى
2016-06-03, 10:45 PM
قال: أَعْلَمُ أن (الألف واللام) تنقسم إلى مُعَرِّفة وعهدية وجنسية فما الفرق بينها؟
قلت: مَنْ أعلمك هذا ؟
قال: أنا أعلمه
قلت له: فاعلم أن (أل) تنقسم إلى زائدة ومُعَرِّفة، وتنقسم (أل) المُعَرِّفة إلى عهدية وجنسية
قال: تعني أن (الألف واللام) المُعَرِّفة ليست قسيمة للعهدية والجنسة
قلت: نعم
قال: فما الفرق بين (الألف واللام) المُعَرِّفة العهدية و(الألف واللام) المُعَرِّفة الجنسية؟
قلت: الحديث عن (أل) العهدية والاستغراقية من وجهين:

الأول – (أل) العهدية، وهذه تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- (أل) للعهد الذِّكْرِي: وذلك إذا كان ما دخلت عليه (أل) قد تقدم ذكره في الكلام نحو: (اشتريت فرسا ثم بعتُ الفرس)


2- (أل) للعهد الذهني: وذلك إذا كان ما دخلت عليه (أل) معهودا ذهنا فينصرف الفكر إليه بمجرد النطق به نحو (جاء القاضي) إذا كان بينك وبين مخاطَبِكَ عهد في قاضٍ خاص


3- (أل) للعهد الحضوري: وذلك إذا كان ما دخلت عليه ( أل) حاضرا نحو: (خذ الكتاب) أي هذا الكتاب الحاضر، و(اركب الفرس) أي هذا الفرس الحاضر، و(جئت اليوم) أي هذا اليوم الحاضر الذي نحن فيه.
وقد أدرج كثير من النحاة هذا النوع (أي العهد الحضوري) في (العهد الذهني)



الثاني – (أل) الجنسية، وهذه نوعان:
1- (أل) لبيان الحقيقة والماهية: وهي التي تبين حقيقة الجنس وماهيته بقطع النظر عن أفراده نحو: (الرجل أفضل من المرأة) أي جنس الرجل أفضل من جنس المرأة،
وهذه لا يصح حلول لفظ (كل) محلها فلا يصح أن تقول: (كل رجل أفضل من كل امرأة)
2- (أل) للاستغراق: وهي المرادة هنا ولها علامات منها:
- أن يصح حلول لفظ (كل) محلها كقوله تعالى: {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28] فيصح أن تقول في غير القرآن: وخلق كل إنسان ضعيفا.


- أن يصح الاستثناء منها كقوله تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر: 1 - 3] فـ (أل) في {الْإِنسَان} للاستغراق للاستثناء منها {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا}


- أن يصح وصفها بالجمع كقوله تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ } [النور: 31] فـ (أل) في (الطِّفْل) للاستغراق لوصفها بجمعٍ (الذين)


قال: لماذا اقتصرت على (الألف واللام) الجنسية دون العهدية؟
قلت: اقتصرتُ على (أل) الجنسية لأنها تفيد الشمول والاستغراق كما سبق وأما العهدية فلا تفيد ذلك
قال: بل (الألف واللام) العهدية تفيد الشمول والاستغراق أيضا
قلت متعجبا: وكيف ذلك ؟
قال: قد قَدَرْتَ على الجواب فأخبرني لماذا تقول (أل) ولا تقول (الألف والام)؟
قلت: للقاعدة وهي: (أن ما كان على حرف واحد يعبر عنه باسمه (كالباء واللام والكاف ...الخ) وما كان على حروف يعبر عنه بمسماه كـ: (قد) و(إذ) و(أل) فلماذا تعبر عن (قد) بمسماها (قد) ولا تقول (القاف والدال)، ثم تخالف القاعدة عند (أل) فتعبر عنها باسمها (الألف واللام) ولا تعبر عنها بمسماها (أل)
قال: فالصواب أن نقول: (أل) لا أن نقول (الألف واللام)
قلت: نعم
ثم سكتُّ منتظرا أن يتكلم هو، وسكتَ هو منتظرا أن أتكلم أنا، ثم تكلــمنا سويا قائــلَيْنِ: لماذا لا تتكلم؟
ثم سكــتنا معا، ثم تكلــمنا معا قائــلَيْنِ: تكلمْ أنت
فأشرتُ له أن كُفَّ عن الكلام
فسكتَ
فقلتُ له: تكلمْ أنت
قال: ليس عندي شيء أتحدث عنه الآن فتكلمْ أنت
قلت: سبحان الله! ألم تقل: (قد قَدَرْتَ على الجواب فأخبرني ...) وها أنا ذا قد أخبرتك بما سألتَ عنه وبقي عليك أن تذكر الجواب
قال: جواب ماذا ؟
فضحكت وقلتُ له: لا بد للطالب الجادّ أن يكون متيقظا
قال: فأنا متيقظ منذ ساعتين أو أكثر
قلتُ: يا أخي لا أقصد مستيقظا بل متيقظا يعني على الطالب الجادّ أن يكون منتبها واعيا حريصا على العلم وأن يُقْبِلَ على الدرس بقلبه وعقله وجوارحه حتى يستفيد مما يسمعه ويقرأه.
أما إذا كان الطالب متيقظا بالمعنى الذي فهمتَه أو كان غير حريص على الفائدة أو كان مشتت الذهن مشغولا بأعراض الدنيا فأنَّى يستفيد من العلم شيئا هيهات هيهات، إنك لو أعطيتَ العلمَ كلَّكَ أعطاك بعضه، فكيف إذا أعطيتَهُ بعضَكَ؟! فكيف إذا أعطيتَه بعضَك وأنت مشتت الذهن مشغولا؟!
قال: لقد أَنَّبْتَني وأَنْبَهْتَني، فما كان سؤالك؟
قلتُ: ذكرتُ لك أن اللام الجنسية تفيد الشمول والاستغراق دون العهدية، فاعترضتَ بأن العهدية تفيد الشمول والاستغراق أيضا فكيف ذلك؟
قال: ألستَ تقرأُ القرآن ؟
قلتُ: بلى
قال: ألست تقرأ قوله تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [ص: 71 - 73]
قلتُ: بلى، فكان ماذا ؟
قال: جاء لفظ الملائكة في موضعين:
الأول - قوله تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ } و(أل) فيه للعهد الذهني
والثاني – قوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} و(أل) فيه للعهد الذكري، أليس كذلك؟
قلتُ: بلى
قال: و(الملائكة) جمع ملَك فهو جمع دخلت عليه (أل) العهدية وهو عامٌّ يشمل جميع الملائكة من غير استثناء
قلتُ: نعم
قال: فهذا يدل على أن (أل) العهدية تدل على الشمول والاستغراق كالجنسية
فقلتُ: آآآآآآآآآآآآآآآ آآه، كأنك فهمت هذا من الآية
قال: لماذاتقول آآآآآآآآآآآآآآآ آآآه متوجعا
قلت: نعم، متوجعٌ من فهمك، فهل فهمت هذا من الآية؟
قال: نعم، فالآية صريحة في الدلالة عليه
قلتُ: لا، ليست صريحة في الدلالة على ما تريد من إفادة (أل) العهدية معنى الشمول والاستغراق، وقد أحسنت إذْ نَبَّهْتَني لهذا؛ فهذا موضع قد يلتبس على بعضهم.
قال: فما تقول في هذا وما جوابك عن هذه الآية وأمثالها مما فيه دلالة على أن (أل) العهدية تدل على الشمول والاستغراق
قلتُ: الجواب ببساطة أن المعرف بـ (أل) العهدية يكون عمومه وخصوصه بحسب المعهود:
= فإن كان المعهود عامًّا كان اللفظُ المعرَّفُ بـ (أل) العهدية عامّا كالآية التي ذكرْتَها.
= وإن كان المعهود خاصًّا كان اللفظُ المُعَرَّفُ بـ (أل) العهدية خاصًّا: كقوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا} [المزمل: 15، 16] فـ (أل) في {الرسول} من قوله تعالى: { فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} للعهد الذِّكْري ولفظ (الرسول) مفرد مُعَرَّفٌ بـ (أل) العهدية ولا يدل إلا على واحد فقط
ومنه قوله تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} [النور: 35] فـ {الْمِصْبَاحُ} في الآية مفرد دخلت عليه (أل) العهدية ولا يشمل كل مصباح بل مصباح واحد وهو المذكور سابقا الذي هو في المشكاة، وكذلك قوله: {الزُّجَاجَةُ}
قال: نعم، ظهر الفَرْقُ الآن جَلِيًّا فجزاك الله خيرا
قلتُ: وجزاك
______________________________ _________
[1] انظر حاشية الشيخ عبد الله العشماوي على الآجرومية (5) ط. المكتبة التجارية الكبرى.

د:ابراهيم الشناوى
2016-06-11, 12:10 AM
قال: لماذا اقتصر من الجموع على (اسم الجمع) ؟
قلت: كأنك فهمت من قوله: "واسم الجمع" أنه عنى (اسم الجمع) المصطلح عليه عند النحويين
قال: نعم
قلت: فقد تعجَّلْتَ كعادتك
قال: ولِمَ ؟
قلت: لأنه لم يُرِدْ بقوله: "واسم الجمع" هذا المعنى الذي ذهبت إليه وهو المعنى المصطَلَحُ عليه عند النحويين
قال: فأراد ماذا ؟
قلت: أراد بقوله "اسم الجمع" المعنى اللغوي أي: الاسمَ الدال على الجمع لا المعنى المصطلح عليه عند النحويين ولهذا فقوله: "اسم الجمع" يشمل: الجمع (المذكر السالم والمؤنت السالم والتكسير) واسم الجمع واسم الجنس الجمعي (وهو ما يفرق بينه وبين واحده بالتاء غالبا) كبقر وتمر وشجر وثمر.
قال: أليس جمعي السلامة من جموع القلة ؟
قلت: بلى
قال: وأنت تزعم هنا أنهما من ألفاظ العموم
قلت: لا منافاة
قال: كيف ذلك ؟
قلت: أجيب على ذلك بأجوبة منها:
1- أن كلام النحاة في الجمع المُنَكَّر ، يعني غير المُعَرَّفِ بـ (أل) أو الإضافة نحو: (مسلمين ومسلمات)، وأما كلام الأصوليين ففي الجمع المُعَرَّف نحو (المسلمين والمسلمات) و(مسلمو الهند ومسلمات السند)
2- ومنها أنه لا مانع من أن يكون أصل وضعها للقلة وغلب استعمالها في العموم لعرف أو شرع فنظر النحاة إلى أصل الوضع والأصوليون إلى غلبة الاستعمال[1] فلا منافاة
قال: نعم، لا منافاة
ثم قال: ولكن ألا ترى أن عَدَّ الذي والتي ونحوهما من ألفاظ العموم مخالف لما ذكره النحاة أن الموصول من المعارف
قلت: ولِمَ ؟
قال: لأن المَعْرِفَةَ هي ما وضع لشيء بعينه فلا عموم فيه.
قلت: نعم ما ذكرتَهُ صحيح
قال: فما الجواب عن ذلك
قلت: جوابه أن الموصول له جهتان:
الأولى – الاستعمال في معين باعتبار العهد وهو الذي اعتبره النحاة
الثانية – الاستعمال في غير معين من كل ما يصلح وهو الذي اعتبره الأصوليون
فمثلا حينما أقول: (أَكْرِمِ الذي يأتيك والتي تأتيك) فالمعنى أكرم كل آتٍ وكل آتية لك. ففسر الموصول هنا بالنكرة لأنه الموافق للغرض المراد من عموم الأفراد[2].
ولكن هذا قد استشكله ابن قاسم في حاشيته على جمع الجوامع فقال: "قضيته أنه لا خلاف بين الفريقين (أي النحويين والأصوليين) في إثبات كل من المعنيين ويخالفه تضعيف القول الأول بالاشتراك الآتي فلعل الأصوليين قام عندهم دليل العموم فقط فرجحوه، والنحويين قام عندهم دليل الخصوص فقالوا به"[3].
قال: كأن تقييده المُعَرَّف باللام بـ (الاسم الواحد) و(اسم الجمع) لإخراج المثنى؟
قلت: لا، ليس لإخراج المثنى فإنه مثلهما في الحكم كما صرح به القرافي في شرح المحصول ونقله عنه ابن قاسم العبادي في الشرح الكبير فقال: ولو حُمِلَ (اسم الجمع) في كلامه على ما دل على متعدد شمل المثنى[4].


قال: زعمت أن اللام المـُعَرِّفَةَ للمفرد والجمع هي اللام الجنسية
قلت: نعم
قال: تعني بذلك أن اللام الجنسية إذا دخلت على اسم (مفرد أو جمع) أفاد العموم
قلت: نعم
قال: وزعمت أن اللام العهدية بخلاف ذلك يعني إذا دخلت على اسم (مفرد أو جمع) لم يدلَّ على العموم
قلت: ليس الأمر على إطلاقه
قال: فكيف هو ؟
______________________________ _______________
[1] غاية المأمول للرملي 153.
[2] شرح الكوكب الساطع للسيوطي 1/ 447 ط. مكتبة الإيمان، تحقيق محمد إبراهيم الحفناوي، وهو الذي ذكر الإشكال وجوابه وأشار إلى كتابه (إتحاف الأنام بتخصيص العام) ص36- 37.
[3] الآيات البينات 2/ 276 لابن قاسم العبادي (ذكر ابن قاسم في المقدمة اسم الحاشية كاملا فقال: سميته (الآيات البينات على اندفاع أو فساد ما وقفت عليه مما أورد على جمع الجوامع وشرحه للمحقق المحلي من الاعتراضات) ا.هـ
[4] الشرح الكبير على الورقات: 232.

د:ابراهيم الشناوى
2016-06-17, 05:57 PM
قلت: أما اللام الجنسية فتفيد العموم كما علمت
وأما اللام العهدية فبحسب ما تدخل عليه
______________________________ ___________
قال: يتعبني كثيرا معرفة الفرق بين المطلق والعامّ فما الفرق بينهما؟ ولو ذكرت على ذلك مثالا أو مثالين للتوضيح لكان أفضل
قلت: نعم، وقرةُ عين، لك ما يَسُرُّكَ إن شاء الله
فاعلم أن كلا من المطلق والعامّ يدل على العموم لكن عموم المطلق (بدليٌّ تناوبيٌّ) وأما العامُّ فعمومه شموليٌّ استغراقيٌّ
فنظر إليَّ وسكتَ
فقلت: لا تَعْجَلْ حتى تسمع المثال فتعلم معنى هذا الكلام
فظهرت البشاشة على وجهه وهز رأسه موافقا
فقلت: المثال الأول لبيان الفرق بين المطلق والعامّ:
رجل معه عشرة دنانير (1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9، 10) لو قلنا له: (أنفق دينارا) فلو أخذ أيَّ دينارٍ من هذه الدنانير فأنفقه برأت ذمته.
فكلمة (دينار) مطلقة وفيها عموم وهذا العموم من حيث دخول كل دينار من هذه الدنانير العشرة في لفظ (دينار) فلو أخذ الدينار رقم (1) فأنفقه أجزأه وكذا لو أخذ الدينار رقم (6) مثلا أو رقم (10) أو أي واحد منها من (1- 10) فأنفقه أجزأه ولا فرق بينها، فهذا معنى الإطلاق ومعنى العموم الذي فيه فكل ما يطلق عليه دينار يدخل تحت هذا اللفظ (دينار) لكنه لا يشمل الدنانير جميعا دفعة واحدة بل واحد منها فقط سواء كان هذا أو ذاك رقم (1) أو رقم (9) أو أي رقم آخر وهذا معنى (العموم البدليّ أو التناوبيّ) للمطلق
أما لو قال: (أنفق ما معك) فـ (ما) هنا اسم موصول وهو من ألفاظ العموم كما سبق فالمعنى: (أنفق الدنانير التي معك) فلو أنفق الدنانير من (1- 10) برأت ذمته أما لو أنفق من (1- 9) وأبقى منها واحدا لم تبرأ ذمته ولم يكن ممتثلا للأمر، فهذا معنى أن العامّ عمومُه شموليٌّ استغراقيٌّ[1].
______________________________ ___________________
قال: لماذا قال: " الأسماء المبهمة" ؟
قلت: فكيف يقول ؟
قال: يقول: الألفاظ المبهمة مثلا
قلت: اشترط الأسماء هنا ليخرج الحروف مثل (ما) النافية، و(ما) الزائدة ونحو ذلك فالحرف لا يَعُمُّ أبدا، وكذا الفعل فإنه من قبيل المطلق.
قال: لماذا قلت: (مَنْ فيمن يعلم) ولم تقل: (مَنْ فيمن يعقل) كما قال المصنف
قلت: لا بأس بما ذكره المصنف فإن النحاة لا يقولون إلا: (مَنْ فيمن يعقل) ولكن الأحسن أن نقول: (مَنْ فيمن يَعْلَمُ) لأن (مَنْ) تطلق على الله تعالى؛ كقوله تعالى: {وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} [الحجر: 20]، وهو سبحانه يوصف بالعلم ولا يوصف بالعقل.
قال: نعم، أحسنت، هذه فائدة حسنة، ولكن هل ذكرها أحد من العلماء
قلت: نعم، فقد أخبرتك أنني ناقل عنهم رضي الله عنهم[2]
______________________________ __________________
قال: هل المراد بقوله: "وألفاظه أربعة" الحصر؟ أو أن مراد المصنف ضرب بعض أمثلة على ألفاظ العامّ فقط للتنبيه بها على غيرها؟ وأن الاقتصار على هذه الأربعة من باب التيسير على المبتديء؟
قلت: الظاهر - والله أعلم - أنه أراد الحصر في هذه الأربعة
قال: ولِمَ ؟ وقد ذكر الشراح أنه لم يُرِدْ الحصر
قلت: لأن الإخبار باسم العدد في معرض البيان يفيد الحصر.
وأيضا فقد حصرها في هذه الألفاظ الأربعة الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في (اللمع) وهو معاصر للمؤلف وألفاظ الورقات هي ألفاظ اللمع إلا أن الورقات مختصر جدا واللمع متوسط
______________________________ ___________
قال: كيف تضبط (أيّ) في قوله: " وأيّ في الجميع "؟


______________________________ _______________
[1] انظر التحقيقات والتنقيحات السلفيات على متن الورقات 174 مشهور آل سلمان، بتصرف وتوضيح كثير
[2] انظر مثلا غاية المأمول للشهاب الرملي 155- 156، والبحر المحيط 3/ 62.

د:ابراهيم الشناوى
2016-06-24, 09:05 PM
قلت: تضبط بالضم، وهل فيها إشكال؟
قال: نعم، فقد ضبطها بعضهم بالضم مع التنوين وبعضهم بالضم بدون تنوين وبعضهم بالشدة عارية عن الحركة كأنها أشكلت عليه فتركها.
قلت: فـ (أيّ) اسم معربٌ كباقي الأسماء المعربة فالوجه أن تكون منونة، كما أنها إذا كانت منصوبة قلت: (أيًّا) وأما باقي الأسماء المصاحبة لها هنا (مَنْ، ما، أين، متى، لا) فهي أسماء مبنية.
قال: هلا ذكرت لي ألفاظ العموم التي ذكرها المصنف وغيرها على سبيل الاختصار
قلت: أحصى العلماء ألفاظ العموم التي في معنى الجمع فذكروا منها:
1- الاسم المفرد المعرف بـ (أل) وقد سبق ومنه قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] فـ (سارق) و(سارقة) كل منهما اسم مفرد نكرة دخلت عليه (أَلْ) فصار اسمًا مفردًا مُعَرَّفًا بـ (أل)؛ فيَعُمّ كل سارقة وسارقة.

2- الاسم المفرد المضاف نحو: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] فـ (اسم) لفظ مفرد مضاف فيعم فيكون المعنى: أبتديء بكل اسم لله.

3- الجمع المُعَرَّف بـ (أل) وقد سبق أيضا ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات ِ وَالْمُؤْمِنِين َ وَالْمُؤْمِنَات ِ} [الأحزاب: 35]

4- الجمع المضاف كقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } [النساء: 11] فـ (أولاد) جمع مضاف إلى الضمير (كم) فيعم.

5- ألفاظ الشرط كقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وقوله: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا} [النساء: 127] ومن ألفاظ الشرط التي لم يذكرها الماتن (حيثما وكيفما وإذا الشرطية ومهما وأنى وأيان وإذما)

6- الأسماء الموصولة (وأما الحروف الموصولة فليست للعموم اتفاقا[1]): كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] وقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] وقوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: 3، 4]
وإنما تكون (الذي) للعموم إذا كانت جنسية كالآيات السابقة ولا شك أن العموم في هذا ونحوه مستفاد من الصيغة أما العهدية فلا؛ كقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ } [غافر: 38] وقوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا } [المجادلة: 1]

7- (كم) الاستفهامية لا الخبرية فقد عُدَّتْ في صيغ العموم لأن الاستفهام بها سائغ في جميع مراتب الأعداد لا يختص بعدد معين فإذا قيل: كم مالُك؟ حسُن الجواب بأي عدد.

8- النكرة في سياق النفي أو النهي أو الشرط كما سبق:

- فالنكرة في سياق النفي كقوله صلى الله عليه وسلم: " لا وصية لوارث "
[صحيح رواه أحمد وأبو داود والترمذى وحسنه، وصححه الألباني في إرواء الغليل (1655)]
- والنكرة في سياق النهي كقوله تعالى: {لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} [الحجرات: 11]
- والنكرة في سياق الشرط كقوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]

9- النكرة الموصوفة بوصف عامٍّ كقوله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة: 221] فـ (عبد) نكرة موصوفة بوصف عامّ في موضعين (مؤمن) و(مشرك) فتعم فيهما.

10- ما سُبِقَ بلفظ (كُلّ) كقوله تعالى: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ } [الطور: 21][2] وكذلك إذا وقعت (كُلّ) تابعة مؤكِّدة نحو: (جاء القومُ كلُّهم) لكن العموم في مثل هذا مستفاد من الصيغة المؤكَّدَةِ (القوم) وأما (كُلّ) فقد جاءت للتنصيص على الأفراد وعدم احتمال التخصيص[3].

11- مثل (كل) لفظ (جميع) وما تصرف منه كـ (أجمع وأجمعون) ولكن (كل) تضاف إلى النكرة والمعرفة وأما (جميع) فلا تضاف إلا إلى معرفة نحو: (جميع المسلمين)

12- كلمة (سائر) إن كانت من (سُور المدينة) وهو المحيط بها، أما إن كانت مأخوذة من (السُّؤْر) وهو بقية الشيء فلا تعم، ومن استعمالها في العموم قولك في الدعاء: (اللهم اغفر لي ولسائر المسلمين) تريد تعميمهم

(13- 16) (معشر، - و(معاشر) وعامة، وكافة، وقاطبة) :

- فـ معشر
كقوله تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا} [الرحمن: 33]
- وكافة، كقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُم ْ كَافَّةً} [التوبة: 36]
- و(معاشر) كقوله صلى الله عليه وسلم: «نحن معاشر الأنبياء [أشد الناس] ابتلاء [ثم] الأمثل فالأمثل»
[صحيح الجامع (992) والصحيحة (1/ 225)]
- و(قاطبة) كقول عائشة رضي الله عنها: "لَمَّا قُبِضَ - تَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم - ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ قَاطِبَةً"
قال: فهل النكرة تكون دائما نَصًّا في العموم؟
قلت: لا، ولكنها
______________________________ _________________
[1] البحر المحيط 3/ 83.
[2] أصول الفقه لأبي زهرة 157 ط. دار الفكر العربي
[3] البحر المحيط 3/ 70 ط. وزارة الأوقاف بالكويت

د:ابراهيم الشناوى
2016-07-01, 08:41 PM
قال: ولكنها ماذا ؟
قلت: ولكنها قسمان:
أحدهما: أن تكون نصا في العموم، وذلك في حالات منها:
1- إذا كانت صادقة على القليل والكثير كـ (شيء)
2- إذا كانت مختصة بالنفي أو شبهه نحو:

- (دَيَّار) أي أحد تقول: ما بالدار دَيَّارٌ، أي ما فيها أحد
- ومنها (عَرِيب بالعين المهملة[1])
قال في اللسان: "ما بالدار عَرِيبٌ ومُعْرِبٌ أي أحد
الذكر والأنثى فيه سواء، ولا يقال في غير النفي"
- ومنها (أحد) إذا لم تُقَدّرْ همزته بدلا من واو "واحد"
فإن قدرت همزة (أحد) بدلا من واو (واحد) وقعت في الإثبات:
كقوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]
فهذه الألفاظ (دَيَّار – عَريب – أحد بشرطها السابق) لا تستعمل في الإثبات فلا يصح مثلا أن تقول: (في الدار دَيَّارٌ) بل لا تستعمل إلا في النفي وهي تفيد العموم نصا
3- إن اقترنت النكرة بـ (مِنْ) الزائدة نحو: ما فيها من رجل
4- إن وقعت النكرة بعد (لا) النافية للجنس
ثانيهما: أن تكون ظاهرة في العموم: وهي ما عدا ما سبق(2)

قال: فهذا حكم النكرة بعد النفي، فما حكمها بعد الإثبات؟
قلت: الأصل أن النكرة في الإثبات لا تعم كقولك: (جاءني رجل) فهذا لا يعني أنه قد جاءك كل رجل بل رجل واحد فقط، ولكنها قد تعم في بعض الأحوال.
قال: مثل ماذا ؟
قلت: النكرة في الإثبات قد تعم في أحوال منها:
1- أن تقع النكرة في سياق الامتنان كقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] فقوله تعالى: {مَاءً} نكرة في سياق الإثبات فالأصل أنها لا تعم فلا يعني هذا أن كل ماء نزل من السماء فهو طهور لكن لما كان الكلام في سياق الامتنان صارت النكرة {مَاءً} عامة فدلت على أن كل ماء نزل من السماء طهور
2- أن تقع النكرة في سياق الاستفهام الإنكاري (وهو شبيه بالنفي) كقوله تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] وقوله تعالى: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} [مريم: 98]
3- أن تقع النكرة في سياق الشرط كقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} [التوبة: 6] فكلمة {أَحَدٌ} نكرة في سياق الشرط فتعم كل أحد من المشركين

قال: أرأيت الفعلَ نكرةٌ هو أو معرفة ؟
قلت: الفعل نكرة
قال: ولِمَ ؟
قلت: لأنه يُنْحَلُ من مصدر وزَمَنٍ عند النحويين وبعض البلاغيين، وإلى مصدر وزَمَنٍ ونِسْبَةٍ عند بعض البلاغيين فالمصدر كامن في مفهومه إجماعا والمصدر نكرة فيصير من صيغ العموم إذا وقع في سياق النفي وشبهه[3].
______________________________ ___________________
[1] وقع في الشرح الكبير لابن قاسم (غريب) بالغين المعجمة وهو خطأ
[2] الشرح الكبير 239.
[3] الشرح الوسيط على الورقات 80، وأضواء البيان 1/ 460. بتصرف

د:ابراهيم الشناوى
2016-07-08, 10:56 PM
قال المصنف:
وَالْعُمُومُ مِنْ صِفَاتِ النُّطْقِ، وَلَا تَجُوزُ دَعْوَى الْعُمُومِ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْفِعْلِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ.
______________________________ ______________________
(وَ): استئنافية
(الْعُمُومُ): مبتدأ
(مِنْ صِفَاتِ): متعلق بمحذوف خبر، و(صفات) مضاف
(النُّطْقِ): مضاف إليه
(وَ): استئنافية
(لَا): نافية
(تَجُوزُ): فعل مضارع
(دَعْوَى): فاعل مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر، و(دعوى) مضاف
(الْعُمُومِ): مضاف إليه
(فِي): حرف جر
(غَيْرِهِ): (غير) مجرور بـ (في) وعلامة جره الكسرة، والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من (دعوى) أي في حال كون هذه الدعوى في غير العموم، و(غير) مضاف والضمير (الهاء) مضاف إليه مبني على الكسر في محل جر
(مِنَ الْفِعْلِ): متعلق بمحذوف حال من (غير) أي حالة كون هذا الـ(غير) كائنا من الفعل وما يجري مجراه
(وَ): عاطفة
(مَا): اسم موصول معطوف على (الفعل) من قوله: "مِنَ الْفِعْلِ" والمراد بـ (ما) (القول) أي والقول الذي يجري مجرى الفعل[1].
(يَجْرِي): فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره منع من ظهورها الثقل، والفاعل مستتر جوازا تقديره هو يعود على (ما).
(مَجْرَاهُ): (مَجْرَى) مفعول به منصوب وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر، ومَجْرَى مضاف والضمير (الهاء) مضاف إليه ضمير مبني على الضم في محل جر، والجملة من الفعل والفاعل وما تعلق بهما لا محل لها من الإعراب صلة الموصول (ما)
______________________________ ____________
[1] حاشية السوسي 99.

د:ابراهيم الشناوى
2016-07-16, 01:49 AM
قال صاحبي
قال: أي نوع من أنواع الأفعال لا تصح دعوى العموم فيه؟
قلت: لا أفهم ما تريد فهلا وضحت أكثر
قال: أسألك هل الفعل الماضي هو الذي لا تصح دعوى العموم فيه أو الفعل المضارع أو فعل الأمر؟
قلت له: يا هذا أمَا تعقل ؟!
قال: ولِمَ ؟ إن كنتَ لا تدري فقل: لا أدري، أو كنت تدري فأجب ولا تزد.
قلت: حسنا، فاعلم أن كلامنا هنا ليس عن الفعل عند النحاة وإنما الفعل الذي يفعله النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى داخل الكعبة)[1] فالصلاةُ فعلٌ فلا يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى كل أنواع الصلاة من الفرائض والنوافل في الكعبة بل يقال إنه صلى صلاة واحدة فقط[2].
قال: آآآآآآآآآآه كأن الأمر التبس عليَّ.
قلت: لا عليك، فاسأل عما التبس عليك.
قال: قبل أن أسأل عن شيء أخبرني عن الفعل عند النحاة هل يدخل هذا الباب أوْ لا؟
قلت: الفعل إذا وقع في سياق الإثبات فهو من باب المطلق وإن وقع في سياق النفي وشبهه (النهي والشرط) أفاد العموم لأن الفعل نكرة كما سبق والنكرة في سياق النفي تعم
قال: لماذا لا تصح دعوى العموم في الأفعال؟
قلت: لأن الأفعال تقع على صفة واحدة فإن عُرِفَتْ تلك الصفة اختص الحكم بها وإن لم تعرف صِفَتُهُ صار مجملا مما عُرِفَتْ صفته[3].
______________________________ ______________________________ __
قال: ما معنى قول المصنف: " وما يجري مجراه " ؟
قلت: يعني وما يجري مجرى الفعل
قال: نعم أفهم هذا ولكن ما الذي يجري مجرى الفعل؟
قلت: المفهوم بنوعيه (الموافقة والمخالفة)، ووقائع الأعيان مثل حديث: "قضى بشاهد ويمين"[4]
فقال: ألم تقل في الإعراب أن (ما) واقعة على القول أي: والقول الذي يجري مجرى الفعل؟
قلت: بلى
قال: وأنت الآن تقول: المراد به المفهوم ووقائع الأعيان
قلت: نعم
فسكتَ كأنه لا يفهم
قلت: كأنك ظننت التعارض بينهما
قال: نعم، وليس هو بظن بل يقين
قلت: وما يدريك؟
فسكت
فقلت: اعلم أن الحدث قد يكون فعلا وقد يكون قولا: فأما الفعل فذكره في قوله: "ولا تصح دعوى العموم في الفعل" ولم يبق إلا القول فأشار إليه بقوله: "وما يجري مجراه"
فقال مستنكرا: أليس العموم من صفات القول؟!
قلت: بلى
قال: فكيف تقول: إن العموم من صفات القول، ثم تقول: لا تصح دعوى العموم في القول؟! أليس هذا عجيبا؟
قلت: نعم، ليس عجيبا إلا لمن ظن التعارض كما ظننت
قال: وهذه عجيبة أخرى
قلت: وما هي؟
قال: قولك: (نعم) فوافقتني في تعجبي حين قلت لك (أليس هذا عجيبا؟)
ثم نفيتَ هذه الموافقة بقولك: (ليس عجيبا) ولولا أنني منتبه لما تقول لَمَا نبَّهْتُكَ لهذا الخطإ الفاحش ولتركتُك في غيِّكَ سادرا تقول ما تشاء كما تشاء
فقلت متحسرا: ما أعظم انتباهك! وما أشَدَّه! ليتك تركتني في غيِّي سادرا، أَبَعْدَ أن كدنا نتجاوز نصف الكتاب ما زلت لا تعرف الفرق بين (بلى) و(نعم) في الجواب!! وقد كنت بيَّنْتُ لك هذا قديما، فلا أدري أنسيتَه؟ أم لم تُثْبِتْهُ حين ذكرناه أولا؟ أم في تضاعيف الكتاب؟ أم ماذا؟
فسكتَ وقد عَلَتْهُ الرحضاءُ
فقلت: قد كنت ذكرت لك الفرق بين (بلى) و(نعم) في الجواب أول الكتاب في إحدى الحواشي وهذا نصه: " (بلى): حرف جواب يثبت به ما بعد النفى تقول: (ما جاء زيد) فيقول المجيب: (بلى) أى قد جاء ولهذا يصح أن تأتى بالخبر المثبت بعد (بلى) فتقول: (بلى قد جاء) فإن قلت فى جواب النفى (نعم) كان اعترافا بالنفى وصح أن تأتى بالنفى بعده كقوله: (ما جاء زيد) فتقول: (نعم ما جاء) انظر حروف الجواب واستعمالاتها ص32/ د. على النابى/ دار الكتاب الحديث." ا.ه
قال: فبين لي كيف تزيل هذا التعارض الظاهر البَيِّنَ الواضحَ بين قولك: "العموم من صفات القول" وقولك: "لا تصح دعوى العموم في القول"؟
قلت له: هَوِّن على نفسك واسمع أولا ثم انظر فيما سمعت ثم اعترض بعد ذلك -إن شئت- إن ظهر لك خطأٌ مَّا، أما أن تعترض قبل أن تنظر فهذا من العجلة المذمومة التي يجب أن ينأى عنها طالب العلم.
قال: فها أنا ذا مُصْغٍ إليك فهاتِ
قلت: قد علمت أن العموم من صفات النطق (القول)
قال: نعم
قلت: وعلمت أنه لا تصح دعوى العموم في الفعل
قال: نعم
قلت: ولم يبق إلا ما يجري مجرى الفعل
قال: نعم
قلت: فالذي يجري مجرى الفعل هو القول لا مطلقا بل في بعض أحواله
قال: ففي أي أحواله يجري مجري الفعل؟
______________________________ ________________
[1] صحيح رواه البخاري (397) ومسلم (1329)
[2] شرح الورقات لخالد بن عبد الله باحميد الأنصاري 48.
[3] اللمع للشيرازي 73، والشرح الكبير 243.
[4] الشرح الوسيط على الورقات 80.

د:ابراهيم الشناوى
2016-07-22, 10:56 PM
قلت: القول الذي يجري مجرى الفعل هو الذي يشبه الفعل في كونه إنما يقع على وصف معين
قال: مثل ماذا؟
قلت: مثل القضايا العينية: كما روي أنه صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة للجار فـ ...
فقاطعني قائلا: هذا حكاية لفعل النبي صلى الله عليه وسلم فكيف تجعله قولا جاريا مجرى الفعل؟!
قلت: لقد قلت لك: استمع أولا ثم انظر فيما استمعت إليه ثانيا ثم إن وجدت خطأ بعد ذلك فاعترض، وأقول (وجدتَ خطأ) لا (ظننت وجوده) أفكلما مرَّ على سمعك ما لا تعرفه اعترضت عليه قبل أن تَتَبَيَّنَهُ!! فدع عنك هذا حتى ننتهي مما نحن فيه
فسكتَ
فقلت: كيف تكون حكايةُ الصحابيِّ لقضائه صلى الله عليه وسلم بالشفعة للجار حكايةً لفعلٍ؟! فهل فَعَلَ النبي صلى الله عليه وسلم شفعةً لجارٍ؟! فإن كان فعلها فكيف يكون هذا الفعل؟! إن كنت تظن أن هذا حكاية لفعل فافعل أنت الآن شفعةً لجارٍ أو لغيره وأَرِنا كيف يكون هذا الفعل؟!
فسكتَ
قلت: قد أردتُ أن أوضح لك أن المراد بالقول هنا ما يشمل المفهوم بنوعيه ووقائع الأعيان ومثلت لك بحديث أنه صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة للجوار[1] فهذه الواقعة مثَّلَ بها الأصوليون بأنها واقعة عين لا تجوز دعوى العموم فيها، قالوا: لأنه يجوز أن يكون قضى بالشفعة للجار بصيغة يختص بها فظن الراوي العموم باجتهاده فأتى بما يدل على العموم، قالوا: والاحتجاج بالمحكي لا بالحكاية، والعموم في الحكاية لا في المحكي[2].
قال: فكأن قوله: " وما يجري مجراه " يشمل ما يعبر به بعضهم بقوله: "حكاية الصحابي لفعل النبي صلى الله عليه وسلم"
قلت: نعم، يشمله
قال: فهذا معناه أن الصحابي إذا قال: (فعل النبي صلى الله عليه وسلم كذا، أو كان يفعل كذا) لا يفيد العموم
قلت: أما قوله: (فَعَلَ كذا) فلا يفيد العموم
وأما قوله: (كان يفعل كذا) فإنه يدل على التكرار لأن (كان) مع الفعل المضارع قد تستعمل للتكرار كما في حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين هاتين الصلاتين في السفر. يعني المغرب والعشاء[3].
قال: سَلَّمْنَا أن (كان) هنا تفيد التكرار فهذا لا يدل على العموم أيضا لأن كل مرة من مرات التكرار لا عموم فيها فالمجموع من هذه المرات المتكررة لا عموم فيه لأن المركب مما لا عموم فيه غير عامّ
قلت: لا نسلم أن المركب مما لا عموم فيه غير عامّ، فإذا كان عندنا جمع مكونٌ من أفراد كل فرد منها غير عامٍّ فهذا لا يلزم منه عدم عموم الجمع
قال: هيه
قلت: الشأن في العامِّ أن تكون آحاده لا عموم فيها، وإنما العموم يكون في المجموع باعتبار صدقه بتلك الأفراد، فمثلا {المُتَّقِينَ} في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 4، 7] لفظ عامّ آحاده تتكون من:
محمد المتقي + زيد المتقي + عمرو المتقي ووو ... الخ = المتقين
فكل واحد من هذه الأفراد لا عموم فيه لكن مجموعهم (المتقين) عامٌّ فثبت أن المركب مما لا عموم فيه يكون عامًّا وهذا هو المطلوب
قال: ولكن لفظ (الجار) في حديث : "قضى بالشفعة للجار" لفظ عامّ لأنه مفرد معرف بـ (أل) فيعم كل جارٍ
قلت: هذا محتمل ويحتمل أيضا أن تكون (أل) فيه للعهد الذهني فيكون المراد جارًا معينا قضى له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في قضية معينة وهذا هو ما أراده الأصوليون من تمثيلهم بهذه الرواية بأنها واقعة عين، يعني أنه لا يجوز أن يقاس على هذا الجار المعين المحكوم له بالشفعة في هذه القضية المعينة غيرَهُ من الجيران بجامع الجِوار في كل فيكون المعنى: كل جار مقضيٌّ له بالشفعة؛ لاحتمال خصوصيةٍ في هذا الجار ربما لا توجد في غيره ككونه شريكا للبائع[4] مثلا، وأيضا فإن الشأن في القضاء أن يكون في واقعة معينة.
على أنه يحتمل أيضا عدم الخصوصية، وإذا تعارض الاحتمال ولا مرجح لم يمكن إثبات العموم بالتوهم[5]. واعلم أن هنا أمرين:
أحدهما – الفعل وما جرى مجراه
الثاني – حكاية الصحابي حالا بلفظ ظاهره العموم كما في هذا الحديث: "قضى بالشفعة للجار" وكما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر)[6]. والأول هو مراد المصنف، وعليه فتمثيل الشراح له بهذين المثالين ونحوهما إنما هو بالنظر لنفس الفعل ونفس القضاء مع قطع النظر عن حكايته بلفظ ظاهره العموم.
قال: فهل الثاني الذي هو (حكاية الصحابي حالا بلفظ ظاهره العموم) يفيد العموم أو لا؟
قلت: هذا مختلف فيه:
- فالأكثرون على أنه لا يفيد العموم لاحتمال أنه نهَى عن غرر خاص، وقضَى بشفعة خاصة فتوهم الراوي أنها للعموم باجتهاده أو سمع صيغة ففهم أنها للعموم فروى العموم لذلك. وكما سبق فالاحتجاج بالمحكي لا بالحكاية والعموم في الحكاية لا المحكي
- والأقلون على أنه يفيد العموم وإليه ذهب ابن الحاجب وتبعه العلامة العضد محتجين بأن الراوي عارف باللغة وبالمعنى فالظاهر أنه لا ينقل العموم إلا بعد ظهوره.
وأجيب عن هذا بأجوبة حاصلها: أن هذا هو ما ظهر للراوي وقد يكون موافقا لما في نفس الأمر وقد يكون مخالفا له فإذا احتمل مخالفته لما في الواقع سقط الاحتجاج بكونه يفيد العموم[7].
______________________________ __________________________
[1] حسن لغيره: رواه أحمد (923)، وابن أبي شيبة (7/ 163- 164) وهو لفظه
[2] حاشية السوسي 99- 100.
[3] صحيح: رواه البخاري (1110)
[4] حاشية السوسي 100.
[5] الشرح الكبير 245.
[6] صحيح رواه مسلم 1513.
[7] الشرح الكبير 246- 247 بتصرف كثير.

د:ابراهيم الشناوى
2016-07-29, 11:34 PM
الخاص والتخصيص
وَالْخَاصُّ يُقَابِلُ الْعَامَّ. وَالتَّخْصِيصُ: تَمْيِيزُ بَعْضِ الْجُمْلَةِ.
______________________________ ______________________
(وَ): عاطفة على قوله: (فأما أقسام الكلام)
(الْخَاصُّ): مبتدأ
(يُقَابِلُ): فعل مضارع، والفاعل مستتر جوازا تقديره (هو) يعود على (الخاصّ)
(الْعَامَّ): مفعول به، والجملة من الفعل والفاعل وما تعلق بهما في محل رفع خبر، والجملة من المبتدإ والخبر لا محل لها من الإعراب معطوفة على جملة (فأما أقسام الكلام فأقل ما يتركب ... الخ)
(وَ): عاطفة
(التَّخْصِيصُ): مبتدأ
(تَمْيِيزُ): خبر، ومضاف
(بَعْضِ): مضاف إليه، وهو مضاف
(الْجُمْلَةِ): مضاف إليه، والجملة من المبتدإ والخبر وما تعلق بهما لا محل لها من الإعراب معطوفة على جملة (الخاص يقابل العام)

د:ابراهيم الشناوى
2016-08-06, 03:42 PM
المعنى:
لم يُعَرِّفْ المصنفُ (الخاصَّ) وإنما جعله مقابلا للعامِّ فهذا معناه أنه إذا قيل في تعريف (العامِّ): أنه ما عمَّ شيئين فصاعدا، قيل في تعريف (الخاصِّ): هو ما لا يعم شيئين فصاعدا[1]؛ لأن المقابل يكون بإدخال النفي على المقابل[2]
فـ (العامّ): (ما عَمَّ ...الخ)
و(الخاصّ): (ما لا يعم... الخ)
والمراد: أن الخاصّ هو: اللفظ الذي يخص شيئا واحدا أو ما دل على معين أو محصور.
مثال ذلك: الأعلامُ: كمحمد وزيد ومكة، فالعَلَمُ لفظٌ يخص شيئا واحدا وهو المسمى به[3].
وأما (التخصيص) فهو في
اللغة: التمييز، تقول: خَصَّصْتُ فلانا أي: خَصَصْتُهُ من بين أقرانه يعني: مَيَّزْتُهُ بشيء
واصطلاحا: تمييز بعض الجملة، أي إخراج بعض ما دلت عليه الجملة، يعني أن الجملة في ظاهرها تدل على العموم، و(التخصيص) أخرج بعض هذا الظاهر
مثال ذلك: قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] فهذا عامٌّ في كل مشرك لكن خرج منه المعاهَدون[4] فلا يجوز قتلهم بدليل قوله تعالى: { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]
_________________________ _________________________
[1] الأنجم الزاهرات 145.
[2] غاية المرام في شرح مقدمة الإمام 1/ 503.
[3] شرح الورقات لخالد باحميد الأنصاري 49، وتهذيب شرح الورقات 47.
[4] المعاهَدون هم أهل الذمة الذين عقد معهم عقد العهد والأمان وهم الذين يؤدون الجزية من المشركين، وتقرأ بفتح الهاء – على المشهور – فيكون معناها: الذين عاهدهم المسلمون، وبكسر الهاء أي الذين عاهدوا المسلمين

د:ابراهيم الشناوى
2016-08-12, 10:04 PM
قال صاحبي
قال: ما المراد بـ (الجملة) في قوله: "التخصيص: تمييز بعض الجملة"
قلت: المراد به: (العامُّ والأعداد)
قال: لماذا قلت: "العامّ والأعداد" ؟ أليست الأعدادُ من العامِّ ؟!
قلت: نعم، الأعداد ليست من العامِّ
قال: فهي إذن من الخاصِّ
قلت: نعم، الأعداد من الخاصِّ
قال: كيف ذلك ؟ يعني إذا قلت: مائة أو ألفا أو ألفَ ألفٍ فهذا يكون من باب الخاصّ لا العامّ؟
قلت: نعم، هو ذلك
قال: كيف ذلك ؟ هل يعقلُ أن تكون الـ (ألف ألف) من باب الخاصِ ؟
قلت: نعم، يُعقلُ هذا ولا شيء فيه فكل ما كان محصورا فهو من باب الخاصّ
قال: فَبَيِّنْ لي بعض ما يدخل في (الخاصِّ) ؟
قلت: يدخل في الخاصّ أشياء منها :

1- اللفظ الموضوع للدلالة على معنى واحد على سبيل الانفراد:
كأسماء الأعلام مثل: زيد
2- ما كان موضوعا للنوع مثل: (رجل وفرس) نكرتين
3- ما كان موضوعا لكثير لكنه محصور: كأسماء الأعداد[1].
4- المثنى: كامرأتين ورجلين
5- جموع التكسير فإذا قلت: (عندي رجال) لم يعم كل الرجال
بل بعضهم فقط،
لكن جموع التكسير مختلف فيها
فبعضهم يجعلها من باب (الخاص)
وبعضهم يقول إنها (واسطة بين العامّ والخاصّ)[2]
قال: إذن نرجع إلى ما كنا فيه
قلت: وما هو ؟
قال: ذكرتَ أن المراد بـ (الجملة) : (العامّ والأعداد)
قلت: نعم
قال: فلِمَ لا يكون مراده (العامّ) فقط دون (الأعداد) التي هي من باب الخاصِّ ؟ إذ كيف يدخلُ الخاصَّ التخصيصُ؟
______________________________ _________________
[1] غاية المرام في شرح مقدمة الإمام 1/ 504 حاشية رقم (1)
[2] حاشية السوسي على قرة العين 101- 102، والشرح الكبير لابن قاسم 252.

د:ابراهيم الشناوى
2016-08-20, 12:15 AM
قلت: إنما كان مراده (الأعداد) أيضا؛ لأنه سيتكلم على الاستثناء فيما سيأتي، والاستثناء يدخل في الأعداد كما في قولك: له عليَّ مائةٌ إلا عشرة، فمن هذه الجهة دخل التخصيص في الأعداد وهي من باب الخاصِّ كما عرفتَ.
قال: فهل هذا هو الخصوص النسبي ؟
قلت: لا، بل الأعداد من باب الخاص المطلق، والله أعلم.
قال: فما هو الخصوص المطلق ؟
قلت: الخصوص على نوعين :
أحدهما – خصوص مطلق: وهو الخصوص من جميع الجهات فلا يكون عامًّا من أي جهة من جهاته كما في الخصوص النسبي وذلك كالأعلام مثل: زيد فهذا خاص بمسماه الذي هو زيد وحينئذ فهو يقابل العامّ من كل الوجوه.
ثانيهما – خصوص نسبي: وهو العامُّ من جهةٍ والخاصٌّ من جهة أخرى فليس هو خاصًّا من جميع جهاته كما في (الخاصّ المطلق) بل هو عامٌّ من وجه خاصٌّ من وجهٍ آخر.
قال: قد مثَّلْتَ للخاصّ المطلق، فما مثال الخاصّ النسبي
قلت: مثل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267] فـ (ما) في قوله: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} موصولة فتفيد العموم وهذا ظاهره أن الزكاة تجب في كل ما يخرج من الأرض من النباتات، ولكن باستقراء النصوص علمنا أن هذا غير مراد بل هو مخصوص بقوله صلى الله عليه وسلم : "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة"[1] فكلمة (ما) هنا أيضا موصولة في قوله: (فيما دون) فتفيد العموم؛ فكل ما كان دون خمسة أوسق فليس فيه صدقة فهذا النص عامٌّ في عدم وجوب الزكاة في أي نوع من النباتات خرج من الأرض ولم يبلغ خمسة أوسق فهو عامٌّ من هذه الجهة ولكنك إذا قابلته بالعموم الذي في الآية تبين لك أن هذا خاص بالنسبة له فالعموم في الآية مطلقٌ فيما دون خمسة أوسق وفيما فوقها وخصَّ الحديث ما دون خمسة أوسق بعدم وجوب الزكاة فيه فكان خاصًّا من هذا الوجه وهذا هو الخصوص النسبي[2]، والله أعلم
قال: أرأيت قوله: " تمييز بعض الجملة " ؟
قلت: بلى
قال: أرأيت لو قال: تمييز كل الجملة ؟
قلت له: أنى لك هذه الفصاحة !
قال: ما تقول فيه ؟
قلت: تمييز الجملة بتمامها يسمى (نسخا) وسيأتي، يعني إذا ميزت بعض الجملة فهو (تخصيص العموم) وإذا ميزت كل الجملة فهو نسخ
______________________________ __________________
[1] صحيح متفق عليه: البخاري (1405) ومسلم (979) من حديث أبي سعيد
[2] شرح الورقات د. سعد الشثري 106- 107 بتصرف وتوضيح كثير، وانظر أيضا غاية المرام في شرح مقدمة الإمام 1/ 503.

د:ابراهيم الشناوى
2016-08-26, 09:50 PM
قال المصنف رحمه الله تعالى:

وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى: مُتَّصِلٍ، وَمُنْفَصِلٍ؛ فَالْمُتَّصِلُ: الِاسْتِثْنَاءُ ، وَالشَّرْطُ، وَالتَّقْيِيدُ بِالصِّفَةِ.
______________________________ ________________________
(وَ): استئنافية
(هُوَ): ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ، يعود على (التخصيص) بمعنى المُخَصِّص.
(يَنْقَسِمُ): فعل مضارع، والفاعل مستتر جوازا يعود على المبتدأ (هو) الذي يعود على التخصيص والجملة من الفعل والفاعل وما تعلق بهما في محل رفع خبر
(إِلَى): حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب
(مُتَّصِلٍ): اسم مجرور بـ (إلى) وعلامة جره الكسرة، والجار والمجرور متعلق بـ (ينقسم)
(وَمُنْفَصِلٍ): معطوف على (متصل)
(فَـ): فاء الفصيحة
(الْمُتَّصِلُ): مبتدأ
(الِاسْتِثْنَاء) : خبر
(وَ): عاطفة
(الشَّرْطُ): معطوف على (الاستثناء)
(وَالتَّقْيِيدُ) : معطوف على (الاستثناء)
(بِالصِّفَةِ): متعلق بـ (التقييد) أو بمحذوف حال منه أي التقييد في حال كونه بالصفة لا بغيرها كالتقييد بالإضافة مثلا.

د:ابراهيم الشناوى
2016-09-02, 10:27 PM
المعنى:
ذَكَرَ هنا قسمَيِ التخصيص وأنواع كل قسم، فالتخصيص ينقسم إلى متصل ومنفصل:
فالمتصل: أن يجتمع المخصِّص والعامّ في نص واحد نحو: (حضر الطلابُ إلا زيدا) فقولك: (حضر الطلابُ) عامٌّ، وقولك: (إلا زيدا) مخصِّصٌ وقد اجتمعا في نص واحد فهذا يسمى تخصيصا متصلا.
ثم ذكر للتخصيص المتصل ثلاثة أنواع هي: الاستثناء والشرط والتقييد بالصفة.
والمنفصل: أن لا يجتمع المخصِّص والعامّ في نص واحد بل يكون كل واحد منهما في نص مستقل كما تقدم من تخصيص قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} [البقرة: 267] بقوله صلى الله عليه وسلم : "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة"[1]
______________________________ ____________________
[1] صحيح متفق عليه: البخاري (1405) ومسلم (979) من حديث أبي سعيد

د:ابراهيم الشناوى
2016-10-21, 10:32 PM
قال صاحبي
قال: ذكرتَ أن الفاء في قوله: "فالمتصل الاستثناء" فاء الفصيحة
قلت: نعم
قال: ماذا لو قلنا إنها فاء التفريع؟
قلت: فاءُ ماذا ؟
قال: فاء التفريع
قلت: وما فاء التفريع ؟
قال متلعثما:هِـ هِـ هِـ هي التي تُفَرِّعُ على ما قبلها
فضحكت وقلت: تُفَرِّعُ ماذا؟
قال مُتَتَعْتِعًا: عَ عَ عَ على ما قبلها
قلت: وكيف ذلك ؟
فازداد تلعثمه وقال: ككككككك
قلت له: على رِسْلِكَ
فسكتَ
ثم قلت له: دعك من شرحها ولكن من أين أتيت بها ؟
قال: قرأتُ عنها
قلت: في أي المراجع قرأتَ عنها ؟
فسكتَ
فتركته قليلا ثم قلت له: لعلك هدأت الآن قليلا فأخبرني عن فاء التفريع هذه
قال: ألم يقل المصنف: "وهو ينقسم إلى متصل ومنفصل فالمتصل الاستثناء ...الخ"
قلت: بلى
قال:فهو قد أجمل في قوله: (إلى متصل ومنفصل) ثم فصَّلَ هذا الإجمال بقوله: "فالمتصل الاستثناء ... الخ" فهذا هو التفريع ولهذا يقال لها الفاءُ التفريعية
قلت: قد أوضحتَ مرادك الآن ولكن اعلم أنه لا يوجد في اللغة شيء يقال له: (الفاء التفريعية)
قال: فما هذه الفاءُ إذن ؟
قلت: فاءُ الفصيحة كما سبق
قال: دع هذا وأخبرني؛ ذكرت أن الضمير (هو) في قوله: "وهو ينقسم إلى متصل ...الخ" يعود على التخصيص بمعنى المُخَصِّص.
قلت: نعم
قال: فما هو (المُخَصِّص) ؟
قلت: (المُخَصِّص) هو: الدليل الذي حصل به الإخراج من (العامّ) فإن (العامَّ) إذا دخله التخصيص سُمِّيَ (العامّ المخصوص، أو المُخَصَّص – بزنة اسم المفعول-) والدليل الذي حصل به التخصيص يسمى (مُخَصِّصًا – بزنة اسم الفاعل-) وهذا هو المراد عند الأصوليين
وقد يطلق (المُخَصِّص) على فاعل التخصيص وهو الشارع .
مثال ذلك: قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] فهذا عامٌّ في كل مشرك كما سبق لكنه (عامٌّ مخصوصٌ أو مُخَصَّص) لِخُروجِ المعاهَدون منه فلا يجوز قتلهم بدليل قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] وهذا هو المُخَصِّص
قال: أرأيت قوله: "التقييد بالصفة" ما المراد بالصفة المقيِّدة ؟
قلت: الصفة المقيِّدة هي ما أفاد معنى في الموصوف من نعت وحال وعطف بيان وغيرها
قال: فهل بقي شيء آخر غير ما ذكرتَ ؟!
قلت: نعم، بقي الصفة الكاشفة
قال: الصفةُ الكاشفة !!
قلت: نعم
قال: وما هي ؟ كأني لم أسمع بها من قبل.

د:ابراهيم الشناوى
2016-10-27, 09:15 PM
قلت: اعلم أن الصفة قد تكون :

أ*- صفة مقيِّدة مؤسِّسة :
وهي ما ذكرناها آنفا

ب*- صفة كاشفة:
وهي التي تدل على أن الوصف الذي تدل عليه وصفٌ لازم، مطابق للواقع، ولم يؤتَ بها في الكلام للاحتراز، وليست مؤثرة في الحكم بمعنى أنك لو حذفتها لم يتغير الحكم، وليس للصفة الكاشفة مفهوم مخالفة بل هي من موانع اعتبار مفهوم المخالفة
قال: فاضرب لي بعض الأمثلة على الصفة الكاشفة فإني ما زلت لا أفهمها
قلت: هذه أمثلة على الصفة الكاشفة :
1- قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} [البقرة: 21] فقوله: {الَّذِي خَلَقَكُمْ} صفة كاشفة؛ إذ ليس المعنى اعبدوا ربكم الذي خلقكم وأما ربكم الذي لم يخلقكم فلا تعبدوه فيكون هناك رَبَّان: رب خالق ورب غير خالق.
2- قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [البقرة: 61] فقوله: {بِغَيْرِ الْحَقِّ} صفة كاشفة لا مفهوم لها؛ إذ ليس هناك قتل للنبيين بحق وقتل لهم بغير حق بل قتل النبيين لا يكون إلا بغير حق.
3- قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: 33] فقوله: {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} صفة كاشفة لا مفهوم لها؛ إذ لو كانت مؤسِّسَةٌ لكان لها مفهوم فيكون المعنى: لا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا أما إذا لم يردن تحصنا فأكرهوهن على البغاء.
4- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِيءٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا أَحَدُ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ"[1] فقوله: "يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ" صفة كاشفة؛ إذ لا يكون الإنسان مسلما إلا بهذه الشهادة
قال: قد حدثتني عن الصفة الكاشفة حتى كدت أنسى الصفة المقيِّدة فحدثني عنها قليلا
قلت: لا بأس، الصفة المقيِّدة هي التي تفيد معنى في الموصوف ويكون لها مفهوم وتكون مؤثرة في الحكم يعني لو حذفتها تغير الحكم.
قال: فاضرب لي مثالا عليها
قلت: أمثلتها كثيرة ويكفي أحدها
قال: هيه
قلت: كأن تقول: (أَكْرِمْ بني تميم الفقهاءَ) فقولك (الفقهاء) صفة مقيدة جاءت للاحتراز فخرج بها غير الفقهاء ولو حذفتها لتغير الحكم إذ يكون الحكم: إكرام بني تميم كلهم
قال: نعم قد فهمت هذا، ولكن هل ثمت فرْق لو قلت: (أكرم فقهاء بني تميم) يعني بتقديم الصفة
قلت: لا، ليس هناك فرقٌ في الصفة المقيِّدة بين المتأخرة نحو: (أكرم بني تميم الفقهاء) أو المتقدمة نحو: (أكرم فقهاء بني تميم)
قال: أرأيت المتوسطة بين موصوفين؟
قلت: المتوسطة مثل: (أكرم بني تميم الفقهاء وبني سليم) وهذه فيها تردد والمختار أنها تتعلق بكل منهما يعني: أكرم بني تميم الفقهاء وبني سليم الفقهاء[2].
______________________________ ______________
[1] صحيح: رواه الستة وأحمد
[2] الشرح الكبير 259 بتصرف وتوضيح

د:ابراهيم الشناوى
2016-11-09, 03:01 PM
(1) الاستثناء
قال المصنف رحمه الله تعالى


وَالِاسْتِثْنَا ءُ: إِخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ لَدَخَلَ فِي الْكَلَامِ.
- وَإِنَّمَا يَصِحُّ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى مِنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْءٌ.
- وَمِنْ شَرْطِهِ: أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْكَلَامِ.
وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الْمُسْتَثْنَى عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَيَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْجِنْسِ وَمِنْ غَيْرِهِ.
______________________________ ________________________
(وَ): للاستئناف البياني فإنه لما قال: "فالمتصل: الاستثناء، والشرط، والتقييد بالصفة" فكأن سائلا سأله: (وما الاستثناء؟ والشرط؟ والتقييد بالصفة؟) فقال: (والاستثناء كذا والشرط كذا والمقيد بالصفة كذا)
(الِاسْتِثْنَاء ): مبتدأ
(إِخْرَاجُ): خبر، وهو مضاف
(مَا): مضاف إليه مبني على السكون في محل جر
(لَوْلَاهُ): (لولا) حرف جر يجر الضمير خاصة، والهاء ضمير متصل نائب عن الضمير المنفصل إذ الأصل (لولا هو) مبني على الضم في محل رفع مبتدأ يعود على (إخراج)، والخبر محذوف وجوبا أي: لولاه موجودٌ
(لَدَخَلَ): اللام واقعة في جواب (لولا)، و(دخل) فعل ماض والفاعل مستتر جوازا تقديره (هو) يعود على ما يعود عليه الضمير في (لولاه) وهو (إخراج)، والجملة من الفعل والفاعل وما تعلق بهما لا محل لها من الإعراب جواب شرط غير جازم هو (لولا)
(فِي الْكَلَامِ): متعلق بـ (دخل)

د:ابراهيم الشناوى
2016-11-18, 08:43 PM
(وَ): للاستئناف النحوي
(إِنَّمَا): أداة حصر
(يَصِحُّ): فعل مضارع والفاعل مستتر جوازا تقديره هو يعود على الاستثناء
(بِشَرْطِ): متعلق بـ (يصح)، و(شرط) مضاف
(أَنْ): حرف مصدري ونصب
(يَبْقَى): فعل مضارع منصوب بـ (أن) وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر، و(أنْ) والفعل (يبقى) في تأويل مصدر تقديره (بقاء)، وهذا المصدر في محل جر مضاف إليه، والمضاف هو كلمة (شرط) من قوله: (بشرط أن يبقى) كما تقدم
(مِنَ): حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب وحُرِّكَ بالفتح لالتقاء الساكنين
(الْمُسْتَثْنَى) : اسم مجرور بـ (مِنْ) وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر والجار والمجرور متعلق بـ (يبقى).
(مِنْهُ): متعلق بـ (المستثنى)
(شَيْءٌ): فاعل للفعل (يبقى) وجملة (يبقى شيء) لا محل لها من الإعراب صلة الحرف الموصول (أن)
(وَ): استئنافية
(مِنْ شَرْطِهِ): الجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره (كائن أو مستقر) خبر مقدم
(أَنْ): حرف مصدري ونصب
(يَكُونَ): فعل مضارع من (كان) الناقصة منصوب بـ (أن) وعلامة نصبه الفتحة، واسم (يكون) ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود على (الاستثناء) من قوله: "والاستثناء إخراج ما لولاه ..." وليس المراد (الاستثناء) بهذا المعنى (أي: إخراج ما لولاه ...الخ) بل المراد الاستثناء بمعنى الصيغة أي مجموع (إلا) مثلا مع ما بعدها ففيه استخدام، كما نَبَّهَ عليه ابن قاسم[1].
و(أَنْ) والفعل في تأويل مصدر في محل رفع مبتدأ مؤخر والتقدير: وكون الاستثناء متصلا بالكلام كائن من شروطه
(مُتَّصِلًا): خبر (يكون)، وجملة (يكون متصلا) لا محل لها من الإعراب صلة (أَنْ)
(بِالْكَلَامِ): متعلق بـ (الكلام)
______________________________ _____________
[1] الشرح الكبير على الورقات 263.

د:ابراهيم الشناوى
2016-11-19, 09:39 PM
(لَدَخَلَ): اللام واقعة في جواب (لولا)، و(دخل) فعل ماض والفاعل مستتر جوازا تقديره (هو) يعود على ما يعود عليه الضمير في (لولاه) وهو (إخراج)،نبهني بعض الإخوة للخطأ الواقع هنا، فالصواب أن:
- الضمير البارز في (لولاه) يعود على (إخراج)
- الضمير المستتر في (دخل) يعود على (ما)




(بِالْكَلَامِ): متعلق بـ (الكلام)نبهني بعض الإخوة إلى السهو الواقع هنا
والصواب:
(بِالْكَلَامِ): متعلق بـ (متصلا)
والله أعلم

د:ابراهيم الشناوى
2016-11-25, 08:31 PM
(وَ): للاستئناف النحوي
(يَجُوزُ): فعل مضارع مرفوع
(تَقْدِيمُ): فاعل، ومضاف
(الْمُسْتَثْنَى) : مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة المقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر
(عَلَى): حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب
(الْمُسْتَثْنَى) : اسم مجرور بـ (على) وعلامة جره الكسرة المقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر والجار والمجرور متعلق بـ (تقديم)، أو بمحذوف حال من (تقديم) أي: ويجوز تقديم المستثنى حالة كون التقديم كائنا على المستثنى منه
(مِنْهُ): متعلق بـ (المستثنى)
(وَ): استئنافية أيضا أو عاطفة
(يَجُوزُ): فعل مضارع
( الِاسْتِثْنَاءُ ): فاعل
(مِنَ الْجِنْسِ): متعلق بمحذوف حال من (الاستثناء) أي ويجوز الاستثناء حالة كونه من الجنس
(وَ): عاطفة
(مِنْ غَيْرِهِ): الجار والمجرور معطوف على (من الجنس)، و(غير) مضاف والضمير (الهاء) مبني على الكسر في محل جر مضاف إليه

د:ابراهيم الشناوى
2016-12-09, 10:09 PM
المعنى:
عَرَّف المصنف الاستثناء بأنه: (إخراج ما لولاه لدخل في الكلام)
يعني إخراج شيء بـ إلا أو إحدى أخواتها
ولولا هذا الإخراج لدخل هذا الشيء في الكلام
نحو: (حضر الطلاب إلا زيدا)

- فقد أخرج (زيدا) من الحكم وهو (حضور الطلاب)
- وهذا الإخراج بـ (إلا)
- ولولا هذا الإخراج لدخل زيد في الكلام
فلو قلت: (حضر الطلاب) لشمل كل الطلاب ومنهم زيد فلما أردت أن تُخرِجَ أحدهم استعملت أداة الاستثناء (إلا).
ثم ذكر لصحة الاستثناء شرطين :
أحدهما– أن يبقى من المستثنى منه شيء نحو: (له عليَّ عشرة إلا ثلاثة)

- فالمستثنى منه (عشرة)
- بقي منه شيء وهو (سبعة) فتحقق الشرط الأول،
ولو قلت: (له عليَّ عشرة إلا عشرة) لم يصح الاستثناء لأنه لم يبق من المستثنى منه شيء.
ثانيهما– أن يكون الاستثناء متصلا بالكلام يعني ليس بينهما فاصل زمني
فلو قلت: (له عليَّ عشرة)
ثم بعد يوم قلت: (إلا ثلاثة) لم يصح على رأي المصنف والجمهور
ثم ذكر من الأشياء التي تجوز في الاستثناء أمران أيضا :
أحدهما – أنه يجوز تقديم المستثنى على المستثنى منه
ففي نحو: (ما قام أحدٌ إلا زيدٌ) يجوز أن تقول: (ما قام إلا زيدًا أحدٌ) بتقديم المستثنى (زيد) على المستثنى منه (أحد)
ثانيهما – يجوز الاستثناء من الجنس ومن غيره
يعني: يجوز أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه نحو: (جاء القومُ إلا زيدا) فالمستثنى (زيد) من جنس المستثنى منه (القوم)،
كما يجوز أيضا الاستثناء من غير الجنس بأن يكون المستثنى من غير جنس المستثنى منه نحو: (جاء القوم إلا حمارا) فالمستثنى (حمارا) ليس من جنس المستثنى منه (القوم)

د:ابراهيم الشناوى
2016-12-16, 08:03 PM
قال صاحبي

قال: ذكرت أن الضمير في (لولاه) متصل نائب عن المنفصل
وأن لولا حرف جر

فلو وضحتَ أكثر
قلت: (لولا) حرف امتناع لوجود؛
فإذا قلت (لولا زيد لأكرمتك)

فمعناه أنه امتنع إكرامي لك لوجود زيد
و(لولا) حرف شرط غير جازم كما تعلم
ويليها جملة اسمية فجملة فعلية كما في المثال السابق.
أما إذا وليها ضمير فحقُّه أن يكون ضمير رفع كقوله تعالى: "وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ" [سبأ: 31]
فقال: "لَوْلَا أَنتُمْ" ولم يقل: لولاكم
قال: فهذا معناه أن المصنف قد لحن في قوله: "لولاه" وكان ينبغي أن يقول: (لولا هو)
قلت: هكذا زعم المبرد فقال: "والذي أقوله: إن هذا خطأ لا يصلح إلا أن تقول: لولا أنت، قال الله عز وجل: "لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ" [سبأ: 31] ومن خالفَنا فهو لابد يزعم أن الذي قلناه أجود ويدّعي الوجه الآخر فيجيزه على بُعْدٍ"[1].
قال: فالمصنف لحن هنا
قلت: لا
قال: ولِمَ ؟ ألم تنقل ذلك عن المبرد آنفا ؟
قلت: بلى، ولكن السماع قد ورد بخلاف ما زعمه المبرد وإن كان قليلا
فقد سُمِعَ (لولاك ولولاه ولولاي)
ولهذا رد العلماء قول المبرد حتى قال الفارسي: (إنكار المبرد له هذيانٌ)
قال: وزعمتَ أن (لولا) حرف جر، فلماذا لم تجر (زيد) في قولهم: (لولا زيدٌ لأكرمتك)؟
قلت: (لولا) حرف جر يجر الضمير خاصة، كما اختصت (حتى) و(الكاف) بجر الظاهر فقط
قال: ذكرتَ أنَّ (أنْ) والفعل (يبقى) في تأويل مصدر
قلت: نعم
قال: فما معنى تأويلهما بمصدر ؟
قلت: معناه أنهما يؤولان بمصدر تقديره (بقاء)
قال: أفهم هذا، وما سألت عن هذا
قلت: فعن أي شيء تسأل ؟
قال: لعل سؤالي هو: لماذا تُقَدَّرُ (أنْ) وما بعدها بمصدر ؟
قلت: لأن (أَنْ) حرف مصدري
قال: ليس هذا مرادي أيضا
قلت: فما مرادك ؟
قال: أريد أن أسأل عن شيء ولا أستطيع التعبير عنه
قلت: فكأن سؤالك هو الأول يعني: ما معنى أن (أَنْ) والفعل في تأويل مصدر؟
قال: نعم
قلت: معناه أن (أَنْ) إذا دخلت على الفعل المضارع فإنهما يُجْعَلان فى تأويل مصدر باعتبار الأحكام اللفظية: كصحة دخول حرف الجر عليه وعطف المفرد عليه
فنظر إليَّ مسرورا وكأنه أراد المزيد
فقلت له:وأيضا فإنهم ذكروا أن المصدر الصريح لا يجوز أن يقع خبرا عن جثة، بخلاف المؤول به فإنه يجوز
قال: فما الفرق بينهما ؟

_________________________ _____________
[1] مغني اللبيب ت. الخطيب 3/ 450 حاشية (6) حيث نقل كلام المبرد من الكامل ص1278.

د:ابراهيم الشناوى
2016-12-23, 09:24 PM
قلت: المصدر لم يجز أن يقع خبرا عن جثة لعدم دلالته بصيغته على فاعل وزمان
بخلاف الفعل المقدر به فإنه لكونه دالا على الفاعل والزمان يجوز الإخبار به عن الجثة
وبهذا يظهر الفرق بين المصدر والفعل المؤول به
وإن ذَكَرَ بعض أصحاب الحواشي بُعْدَ الفرقِ بينهما حتى قال بعضهم: لولا القائل السيد الشريف لرددته[1]،
فاحفظ هذه فإنها من الحُور المقصورات.
قال: فلماذا ذكرت أن جملة (يبقى شيء): لا محل لها من الإعراب صلة الحرف الموصول (أَنْ)
قلت: لأن (أَنْ) موصول حرفي وهو يحتاج إلى صلة كالموصول الاسمي
وجملة الصلة لا محل لها من الإعراب كما قال ابن هشام: "الجملة السادسة (أي من الجمل التي لا محل لها من الإعراب): الواقعة صلة لاسم أو حرف فالأول نحو: (جاء الذي قام أبوه) فـ (الذي) في موضع رفع والصلة لا محل لها ... والثاني نحو: (أعجبني أن قمت) أو (ما قمت) إذا قلنا بحرفية (ما) المصدرية وفي هذا النوع يقال: الموصول وصلته في موضع كذا لأن الموصول حرف فلا إعراب له لا لفظا ولا محلا [2].
قال: إذا كان الموصول الاسمي والحرفي يحتاجان إلى صلة فما الفرق بينهما؟
قلت: الفرق أن الموصول الاسمي يحتاج إلى عائد بخلاف الموصول الحرفي
قال: فهل هناك موصول حرفي غير (أَنْ) المصدرية؟
قلت: نعم، الموصول الحرفي عند الجمهور ثلاثة: (أَنَّ) المفتوحة، و(أَنْ)، و(ما) المصدريتان


قال: إن موضوع الاستثناء من المواضيع الصعبة وفيه مصطلحات كثيرة فلو ذكرتَ لي أهم مصطلحاته التي تدور فيه.
قلت: نعم، فالاستثناء من أهم المخصِّصات وله أحكام كثيرة حتى إنه قد أفرد بالتأليف ومن أهم المؤلفات فيه كتاب (الاستغناء في أحكام الاستثناء) للقرافي؛ فلهذا سأحاول تبسيطه بذكر أهم مصطلحاته التي تتردد فيه وتبيينها بالأمثلة.
فاعلم أن المصطلحات التي ينبغي معرفتها هنا على سبيل الإجمال هي:
(1) الاستثناء: وهو إخراج شيء بـ (إلا) أو (إحدى أخواتها) مما كان داخلا في الحكم السابق عليها
مثل: (حضر الطلاب إلا زيدا)

- فالحكم هنا هو: (حضور الطلاب)
- ثم أخرجنا (زيدا) من هذا الحكم أي أنه لم يحضر،
- واستعملنا لهذا الإخراج أداة الاستثناء (إلا)
(2) المستثنى منه: هو الاسم العام الذي يكون منه الإخراج باعتبار الحكم المنسوب له، وعادة يكون مذكورا قبل (إلا) وشاملا للمستثنى،
وهو في المثال السابق (الطلاب)

- فهو اسم عام شمل كل الطلاب
- وهو الذي أخرجنا منه (زيدا) باعتبار الحكم المنسوب له الذي هو (الحضور)
- وهو مذكور قبل (إلا) كما هي العادة في مثل هذا التركيب،
- وهو أيضا شامل للمستثنى الذي هو (زيد) فـ (زيد) أحد الطلاب
(3) المستثنى: هو الاسم المذكور بعد (إلا) مخالفا في الحكم لما قبلها
وهو في المثال السابق (زيد)

- فهو مذكور بعد (إلا)
- ومخالف لما قبلها (الطلاب) في (الحكم) الذي هو (الحضور)
(4) أداة الاستثناء: هي (إلا) أو إحدى أخواتها
(5) الكلام التام: هو الذي ذُكِرَ فيه المستثنى منه
فالمثال السابق (حضر الطلاب إلا زيدا) كلام تام لأنه ذكر فيه المستثنى منه (الطلاب
(6) الكلام الموجب: هو الكلام المثبَت الذي لم يتقدم عليه نفي أو شبهه؛ (النهي والاستفهام)
فالمثال السابق (حضر الطلاب إلا زيدا) استثناء موجب لأنه مثبت.
(7) الكلام غير الموجب: هو ما سُبِقَتْ جملتُه بنفي أو شبهِهِ، وشبه النفي (النهي والاستفهام)

أ*- فالنفي: نحو: (ما حضر الطلاب إلا زيدا)
ب*- والنهي كقوله تعالى: {وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} [هود: 81]
ت*- والاستفهام نحو: هل تأخر أحدٌ إلا زيدا.
(8) الاستثناء المتصل: ما كان فيه (المستثنى) من نوع (المستثنى منه) مثل:

- سقيتُ الأشجارَ إلا شجرةً،
- وقام القوم إلا زيدا.
(9) الاستثناء المنقطع: ما لم يكن فيه (المستثنى) من نوع (المستثنى منه) مثل:

- قام القوم إلا حمارا،
- ومنه قوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ} [ص: 73- 74، والحجر: 30، 31]
فإن إبليس ليس من جنس الملائكة في أصح قولي العلماء.
(10) الاستثناء المُفَرَّغ أو الناقص: هو ما لم يذكر فيه المستثنى منه ولابد أن يكون الكلام غير موجب
مثل: (ما حضر إلا زيد)
فأصل الكلام (ما حضر أحدٌ إلا زيد)

فحذف المستثنى منه (أحد)

- فصار الاستثناء ناقصا
لنقصان أحد أركانه؛ (المستثنى منه)

- وصار مفرغا لتفرغ ما قبل (إلا) للعمل فيما بعدها.


قال: تذكرتُ الآن كلمة يكثر ورودها في باب الاستثناء
قلت: وما هي؟
قال: قولهم: (الاستثناء معيار العموم).
قلت: نعم
قال: فما معناها؟
______________________________ ________________________
[1] معرب الكافية 15.
[2] مغني اللبيب – ت. الخطيب: 5/ 158.

د:ابراهيم الشناوى
2016-12-30, 03:31 PM
قلت: يريدون أن اللفظ إذا صح أن يستثنى منه فهذا يدل على أنه عامٌّ
قال: مثل ماذا؟
قلت: مثل قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُواْ} فقد استثنى (الَّذِينَ آمَنُواْ) من لفظ (الْإِنسَانَ) فدل على أن لفظ الإنسان عامٌّ.
قال: أرأيت قوله: "ويجوز تقديم المستثنى على المستثنى منه" ما فائدتها في الأصول؟
قلت: الظاهر أنها لا فائدة لها وإنما هي من علم النحو
قال: فلماذا ذكرها هنا؟
قلت: الكلام يجر بعضه بعضا.
قال: هل يجوز الاستثناء من أسماء الأعداد نحو: (له عندي عشرة إلا ثلاثة)؟
قلت: نعم، يجوز ذلك
قال: كيف ذلك؟
فضحكت وقلت: بأن تقول: (له عندي عشرة إلا ثلاثة)
قال: لست أمزح حقا! وسأعيد سؤالي بطريقة ثانية
قلت: هاتِ
قال: أليست أسماء الأعداد نصوصا؟
قلت: ما معنى (نصوصا)؟
قال: جمع (نص) وهو الذي لا يجوز أن يراد به غير مسماه، ويقابله (الظاهر) وهو الذي يجوز أن يراد به غير مسماه لعلاقة بينهما.
قلت: نعم، نعم، فهمت مرادك، تريد أن تقول إن أسماء الأعداد (كالعشرة) مثلا (نصوصٌ) وليست (ظواهر) يعني لا يدخلها المجاز.
قال: نعم، هو ذاك
قلت: أكْمِلْ
قال: فلو قلت: (له عندي عشرة إلا سبعة) فقد استعملت لفظ (عشرة) وأردت به (ثلاثة) وهذا مجاز، والمجاز لا يجوز دخوله في أسماء الأعداد لأنها من باب (النص) لا (الظاهر)
قلت: يالها مِنْ شبهة! إنها حقا شبهة قوية وقد وقعت للأستاذ الشَّلَوْبِين قبلك
قال: كيف تزعم أنها شبهة وقد ذكرت أنها وقعت لمثل الأستاذ الشلوبين؟
قلت: هي شبهة وإن وقعت للأستاذ الشلوبين
قال: فما جوابها؟

د:ابراهيم الشناوى
2017-01-17, 02:02 AM
قلت: قوله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] فقد وقع الاستثناء من الألْفِ وهي اسم عدد.
فسكتَ
قلت: وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا"[1]. فقد وقع الاستثناء من المائة وهي اسم عدد.
قال: فكيف يدخل المجاز في النصوص؟
قلت: لا نُسَلِّمُ أن أسماء الأعداد من النصوص بناءً على ما وجد فيها من المجاز
قال: بل هي نصوص ولعلك لا تجد جوابا فعدلت إلى ما ذكرتَ من كونها ليست نصوصا
قلت: سلمنا بأنها نصوص جدلا فالجواب أن معنى قولهم: (النص لا يدخله المجاز) أنه لا يجوز أن نطلق اللفظ بمفرده على غير مسماه كأن تقول: (رأيت عشرة) وأنت تريد ثمانية مثلا، كما تقول في (الظاهر): رأيت أسدا، وأنت تريد رجلا شجاعا، فهذا هو الممتنع في الأعداد وغيرها مما نقول إنه (نص)
أما مع ألفاظ الاستثناء (إلا وأخواتها) فلا يمتنع ذلك في (نص) ولا غيره
قال: فقد كنت تقول إن أسماء الأعداد ليست من (النصوص) بناء على ما وجد فيها من المجاز
قلت: نعم
قال: مجاز مثل ماذا؟
قلت: مثل قوله تعالى: {إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] فقد قال المفسرون إن المراد بالسبعين العدد الكثير من غير اعتبار بخصوص السبعين
ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة: 32] فقد قال المفسرون أيضا إن المراد كثرة عدد طولها من غير مراعاة لخصوص السبعين، فإذا قطع النظر عن خصوص السبعين فقد دخلها المجاز
وقد دخل التأكيد في أسماء العدد أيضا كما في قوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] والتأكيد إنما يدخل في الكلام لإبعاد المجاز، ولولا قبول اللفظ للمجاز لما قال {كَامِلَةٌ}
ومن دخول المجاز في أسماء العدد أيضا قولهم: (جئت إليك مائة مرة ما وجدتك) وقولهم: (سألتك ألف مرة ما وافقتني) والمراد بالمائة والألف العدد الكثير لا خصوصهما وهذا حَسَنٌ عُرْفًا فوجب أن يكون حَسَنٌ لغة؛ لأن الأصل عدم النقل والتغيير
وقال القرافي رحمه الله: (وإذا جَوَّزْنا دخول المجاز في أسماء العدد اندفعت شبهته – أي الأستاذ الشلوبين- رحمه الله تعالى، وهي شبهة قوية لو لم يكن في هذا الباب إلا معرفتها والجواب عنها، وذلك كان المقصود من وضع هذا الباب فإنها قد تعرض للإنسان في نفسه من غير أن يثبت عنده ما قاله الشلوبين رحمه الله، فاعلم ذلك)[2].


قال: ذكرت أن من شروط الاستثناء الاتصال بالمستثنى منه لفظا
______________________________ __________________
[1] صحيح: رواه البخاري ومسلم
[2] الاستغناء في الاستثناء للقرافي 433 ت. محمد عبد القادر عطا ط. دار الكتب العلمية

د:ابراهيم الشناوى
2017-01-21, 12:17 AM
قلت: نعم
قال: أرأيت لو تأخر المستثنى عن المستثنى منه
قلت: إن كان تأخره على وجه لا يدل على أن المتكلم قد استوفى غرضه من الكلام كالسكوت لانقطاع النَّفَسِ أو لابتلاع ريق أو سعال ونحو ذلك فهذا لا يُعَدُّ انفصالا عُرْفا بل هذا من الاستثناء الذي تحقق فيه شرط الاتصال
قال: أرأيت الفصل بينهما (أي المستثنى والمستثنى منه) بالكلام الطويل أو سكتة تعب
قلت: الشرطُ ألا يُفْصَلَ بينهما بالزمن فصلا تقضي العادة فيه أن يكون الكلام الثاني غير مرتبط بالكلام الأول، فإن كان الفصل بينهما لطول الكلام المستثنى منه فإنه لا يضر بل يُعَدُّ في العادة متصلا، أما إن كان الانقطاع بسبب الأخذ في كلام آخر فإن هذا يُعَدُّ تركًا وإعراضا عُرفا[1].
قال: كأن هذا الشرط مجمع عليه
قلت: لا، بل دعوى الإجماع غير صحيحة
قال: فهل خالف في هذا أحدٌ؟
قلت: نعم
قال: مَنْ؟
قلت: ابن عباس رضي الله عنه فقد نُقِلَ عنه جواز انفصال الاستثناء إلى شهر ونقل عنه إلى سنة ونقل عنه إلى الأبد يعني مدة حياة المتكلم فله أن يستثنى في أي وقت
ونقل عن مجاهد جواز الاستثناء إلى سنتين
ونقل عن سعيد بن جبير جوازه إلى يوم أو أسبوع او أربعة أشهر أو سنة
وعن عطاء والحسن أنه يجوز الاستثناء ما دام في المجلس
وعن عطاء جوازه بمقدار حلب الناقة الغزيرة[2].
قال: فما تقول في هذا؟
قلت: أقول بقول حامل البَقْلِ.
فنظر إليَّ متعجبا وقال: ماذا؟!
قلت: هو ما سمعتَ؛ أقول بقول حاملِ البقلِ.
قال: وما لِحامل البقل والاستثناء؟! يا أخي دعنا من مزاحِكَ
قلت: إذن أقول فيها بآخر قولَيْ هارون الرشيد
فقال وهو مستشيطٌ غضبا: يا هذا ألا ترعوي عن مزاحك قليلا حتى ننتهي من هذا الموضوع الصعب
قلت له: أنا لا أمزح
فانفجر قائلا: كيف لا تمزح؟! ما لِهارون الرشيدِ والاستثناء؟! بل ما لحامل البقل وقولِ ابن عباس رضي الله عنه في الاستثناء؟! إن كنتَ حقا لا تمزح فلا شك أنك تهزأُ بي، وما هكذا يكون الطلب، فإِنْ كُكْككْككْ
فوضعتُ يدي على فيه وقلت له: اصمت قليلا حتى أستطيع أن أبين لك الأمر وحتى تعلم أني لا أمزح ولا أَهزأ
فسكتَ قليلا ثم قال: ها أنا ذا قد سكت، فما قول حامل البقل؟ وما قصته؟ وما قصة الرشيد؟
______________________________ ____________________
[1] نهاية السول في شرح منهاج الأصول للإسنوي/ البيضاوي، ومعه حاشية سلم الوصول لشرح نهاية السول للعلامة محمد بخيت المطيعي 2/ 410 ط. عالم الكتب، وشرح البدخشي مناهج العقول شرح منهاج الأصول ومعه نهاية السول للإسنوي 2/ 95 ط. محمد علي صبيح وأولاده، وأصول الفقه للعلامة الشيخ محمد أبو النور زهير 2/ 224 ط. المكتبة الأزهرية للتراث، والبحر المحيط للزركشي 3/ 284 تحرير د. عمر سليمان الأشقر ط. وزارة الأوقاف بالكويت
[2] إرشاد الفحول للشوكاني 2/ 651 ت. أبي حفص سامي بن العربي الأثري ط. دار الفضيلة

د:ابراهيم الشناوى
2017-03-24, 10:03 PM
قلت: أما حامل البقل: فقد حكى ابن النجار في (تاريخ بغداد) أن أبا إسحاق الشيرازي أراد مرة الخروج من بغداد فاجتاز في بعض الطرق وإذا برجل على رأسه سلة فيها بَقْلٌ وهو يقول لآخر معه: مذهب ابن عباس في الاستثناء غيرُ صحيح؛ إذ لو كان صحيحا لَمَا قال تعالى لأيوب عليه الصلاة والسلام: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ} [ص: 44] بل كان يقول له: استَثْنِ، ولا حاجة إلى هذا التَّحَيُّلِ في البِرِّ. قال: فقال أبو إسحاق: بلدةٌ فيها رجل يحمل البقل وهو يَرُدُّ على ابن عباس لا تستحق أن تَخْرُجَ منها.
فتهلل وجه صاحبي ثم قال: قد ظلمتك
قلت: لا تثريب عليك غفر الله لنا ولك
قال: فما قصة هارون الرشيد؟ وما آخرُ قَوْلَيْه؟
قلت: حُكِيَ أن الرشيد استدعى أبا يوسف القاضي وقال له: كيف مذهب ابن عباس في الاستثناء؟ فقال له أبو يوسف: إن الاستثناء المنفصل يُلْحَقُ بالخطاب ويُغَيِّرُ حكمه ولو بعد زمان. فقال: عزمتُ عليك أن تفتي به ولا تخالفه. وكان أبو يوسف لطيفا فيما يورده، متأنيا فيما يريده، فقال له: رأيُ ابن عباس يفسد عليك بيعتك؛ لأن من حلف لك وبايعك رجع إلى منزله واستثنى؛ فانتبه الرشيد وقال: إياك أن تُعَرِّفَ الناس مذهب ابن عباس، فاكتمْه[1].
فضحك صاحبي وسكتَ
ثم قال: المصنفُ ذكر شرطين للاستثناء وهما: أن يبقى من المستثنى منه شيء، وأن يكون متصلا بالكلام
قلت: نعم
قال: ولم يذكر الشرط المشهور عند الأصوليين
قلت: وما هو ؟
قال: ألا يكون مستغرِقا
قلت: أنى لك هذا الفهم ؟
قال: هو مِنْ ذكاوة العقل
فضحكت وقلت: ما أعظمها من ذكاوة !
قال: أأأأ
فبادرتُه قائلا: انتظرْ انتظرْ
قال: لماذا أنتظرُ ؟ إني أريد أن أسأل سؤالا
قلت: وهل انتهينا مما سبق ؟
قال: نعم، قد انتهينا
قلت: بل لم ننتهِ بَعْدُ
قال: فماذا بقي ؟
قلت: بقي أن تعلم أن جوابك الذي هو من ذكاوة العقل – خطأ
قال: كيف هذا ؟
قلت: لا أدري كيف هذا ولكنه خطأ
قال: فما الصواب ؟
قلت: الصواب أن قول المصنف: "أن يبقى من المستثنى منه شيء" مُساوٍ لقول الأصوليين: "ألا يكون مستغرِقا"
فنظر إليَّ متعجبا ثم قال: حقا!
قلت: نعم، حقا.
قال: تعني أن الأول تعبير المصنف والثاني تعبير الأصوليين
قلت: نعم، هو ما تقول
قال: فما معنى قولهم: "مستغرِقا" ؟
قلت: معناه أن من شروط الاستثناء ألا يكون المستثنى مستغرِقا كل المستثنى منه
قال: فهل هذا الشرط متفق عليه ؟
قلت: نعم، في العدد دون الصفة
قال: ما معنى في العدد دون الصفة ؟
قلت: معناه أن المتفق عليه بين العلماء أن من شروط الاستثناء: ألا يكون المستثنى مستغرِقا للمستثنى منه لكن هذا حينما يكون الاستثناء من العدد، أما إذا كان الاستثاء من الصفة فقد قال كثير من العلماء: يمكن أن يكون المستثنى مستغرِقا للمستثنى منه كله
هل فهمتَ ؟
قال: فهمتُ بعضًا ولم أفهم بعضا
قلت:...
______________________________ ________
[1] البحر المحيط 3/ 285- 286.

د:ابراهيم الشناوى
2017-03-31, 10:03 PM
قلت: سأضرب لك مثالين
قال: ولِمَ ؟ وهل أنت قوي ؟
قلت: ما هذا ؟ ماذا تقول ؟
قال: أقول: (ولِمَ ؟ وهل أنت قوي ؟) أحسب أن كلامي مفهوم جدا
قلت: أنا لا أفهم شيئا مما تقول؛ فعن أي شيء تسأل بقولك: (ولِمَ؟) ولماذا تقول: (وهل أنت قوي؟)
قال: سبحان الله ! كلامي واضح جدا، وعلى كل فلا بأس بتوضيحه لك
قلت: هاتِ
قال: ألم تقُل: (سأضرب لك مثالين) ؟
قلت: بلى
قال:فلماذا تضربهما
فسكتُّ
قال: وإذا استطعت أن تضرب رجلين فأنت رجل قوي أليس كذلك؟
قلت له: هداك الله ؛ أتحسب أن المثالين اللذين أريد أن أضربهما رجلين من الناس فأنا لذلك رجل قوي، وتسأل عن الحكمة في ضربي إياهما؟
قال: نعم، هو ذاك
قلت: سأضربهما ليس لأني قوي فحسب، بل لأني مُفْتَرٍ أيضا
قال: وهل يليق بطالب العلم أن يتصف بهذه الصفات الذميمة
قلت له: يا أخي قد أتعبتني، أتظن أن هذا ضربٌ حِسِّيٌّ؟ وأن المثالين رجلان من الناس؟! ووو
فأشار إلي أن اسكت فقد انتبهتُ، وفي الحقيقة لا أدري ماذا كنت أقول فقد أصابني ذهول
قلت: وهل هذا ذهول ؟
قال: دعنا من هذا وخبرني لماذا يقولون: ضرب مثالا، وسيضرب مثالا، واضرب مثالا ... الخ؟
قلت: الضَّرْبُ يقع على جميع الأَعمال إِلا قليلاً؛ يقال: ضَرَبَ الدِّرْهمَ يَضْرِبُه ضَرْباً: طَبَعَه. وضَرَبَتِ العَقْربُ تَضْرِبُ ضَرْباً: لَدَغَتْ. وضَرَبَ العِرْقُ والقَلْبُ يَضْرِبُ ضَرْباً وضَرَباناً نَبَضَ وخَفَقَ. ومنه ما هنا: ضرب مثالا أي ذكَرَهُ
قال: نعم، أحسنت فاضرب لي مثالا، لا، بل مثالين
قلت: على ماذا ؟
قال: على ما ذكرتَ سابقا
قلت: وما هو ؟ لقد أُنْسِيتُ ما كنا فيه
قال: قلتَ: "إن المتفق عليه بين العلماء أن من شروط الاستثناء: ألا يكون المستثنى مستغرِقا للمستثنى منه لكن هذا حينما يكون الاستثناء من العدد، أما إذا كان الاستثاء من الصفة فقد قال كثير من العلماء: يمكن أن يكون المستثنى مستغرِقا للمستثنى منه كله" ثم قلتَ: "سأضرب لك مثالين" يعني على هاتين المسألتين
قلت: نعم، تذكرتُ، سأضرب أأأأ ، أعني: سأذكر لك مثالين على ما سبق
الأول - الاستثناء المستغرِق من العدد نحو: (له عندي عشرة إلا عشرة) وهذا كما سبق لا يجوز بل هو استثناء باطل
قال: وما وجه بطلانه ؟
قلت: وجهه: أنك أبطلتَ عين ما أَثْبَتَّ، فصرتَ كالساكت، ولم يُفِدْ كلامُكَ شيئا، لكن العلماء أيضا قالوا: إن محل هذا في غير الوصية فلو قال: (أوصيت له بمائة إلا مائة) صح الاستثناء وكان رجوعا عن الوصية
قال:فهذا يجرنا إلى الحديث عن استثناء الأكثر أو الأقل نحو: (عندي عشرة إلا ستة) و(إلا أربعة)
قلت: نعم يجرنا إلى هذا، لكن لو أخرناه قليلا حتى نذكر مثال الصفة كان أفضل
قال: نعم، لا بأس، هذا أفضل
قلت: المثال الثاني - الاستثناء المستغرِق من الصفة نحو: (أعطِ مَنْ في الدار إلا الأغنياء) ثم كان كلُّ من في الدار أغنياء، فهنا أصبح الاسثناء من حيث الواقع مستغرِقا لكن من حيث المعنى العام ليس مستغرِقا؛ لأن القائل ربما لا يدري هل في الدار فقراء أو ليس فيهم فقراء
قال: ثَمَّتَ أسئلة على ما ذكرتَ من هذين المثالين وما يتعلق بهما
قلت: هاتِ
قال:أولا ما سبق السؤال عنه وهو: هل يجوز أن يكون المستثنى أقل من المستثنى منه نحو: (له عندي عشرة إلا أربعة)؟
قلت: نعم، يجوز، وشذ قوم فقالوا: لا يجوز إلا لضرورة وهذا مردود
قال: فهل على الجواز دليل
قلت: نعم، أدلة منها: قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا } [العنكبوت: 14] فاستثنى الخمسين من الأَلْفِ وهو استثناء الأقل من الأكثر
ومنها قوله تعالى: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُ مْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 82، 83] فاستثنى (المخلَصين) وهم الأقل من (الغاوين) وهم الأكثر
قال: وما أدراك أن (المخلصين) أقل من (الغاوين) ؟
قلت: أدلة أيضا منها قوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13]
قال: نعم، قد علمت الآن أنه يجوز استثناء الأقل من الأكثر، فهل يجوز عكسه؟ أي: استثناء الأكثر من الأقل؟
قلت: فيه قولان للنحاة:
أحدهما- لا يجوز، وإليه ذهب الزجاج وابن جني وابن قتيبة وغيرهم، وهو مذهب البصريين
ثانيهما- يجوز، وإليه ذهب السيرافي وأبو عبيد وأكثر الكوفيين، وأجازه أيضا أكثر الأصوليون
قال: فما الراجح في ذلك ؟
قلت: الثاني وهو الجواز
قال: فهل عليه دليل ؟
قلت: بلى، أدلة منها قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42] وكما سبق فـ (الغاوون) المتبعون لإبليس أكثر من (المخلصين)
قال: بقيت مسألة
قلت: وما هي ؟
قال: استثناء النصف نحو: (له عندي عشرة إلا خمسة)
قلت: نعم، الراجح جوازها أيضا:
فأما على مذهب من أجاز استثناء الأكثر نحو: (عندي عشرة إلا تسعة) فظاهر أن استثناء المساوي نحو: (عندي عشرة إلا خمسة) أشد جوازا
وأما على مذهب مَن منع استثناء الأكثر فقد اختلفوا على قولين فأجازه بعضهم ومنعه بعضهم
قال: فما الراجح في هذا ؟
قلت: الراجح الجواز كما تقدم
قال: فهل عليه دليل ؟
قلت: بل أدلة منها قوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ} [المزمل: 2، 3][1]
قال: ولكن يمكن أن يجاب عن ذلك بيييييييـــ....
فأشرت إليه: أن اسكت ثم قلت: لا شك أن كل دليل عليه جوابات وأَخْذٌ ورَدٌّ ويمكنك أن تطلبها في المطولات، ولكن الراجح هو ما ذكرت لك
قال: ذكرتَ أنه يجوز الاستثناء من غير الجنس بأن يكون المستثنى من غير جنس المستثنى منه نحو: (جاء القوم إلا حمارا) فالمستثنى (حمارا) ليس من جنس المستثنى منه (القوم)
قلت: نعم
قال: فكيف يصح استثناء الحمار والثعبان والأسد من القوم
قلت: وهل ذكرتُ لك أنه يجوز استثناء (الثعبان والأسد من القوم)
قال: لا، ولكن ذكرتَ أنه يجوز استثناء (الحمار) منهم،
قلت: نعم
قال: فأي فرق بين الحمار والأسد والثعبان والعقرب والنسر ...الخ؟!
قلت: بينها فرق ربما لا يظهر لك
قال: وما هو ؟
______________________________ ______________________________ __
[1] البحر المحيط 3/ 288- 290.

د:ابراهيم الشناوى
2017-04-14, 10:18 PM
قلت: الشرط في الاستثناء المنقطع: أن يكون بين المستثنى والمستثنى منه ملابسة كما في المثال: (قام القوم إلا حمارا) وهذه الملابسة لا توجد في (الثعبان والأسد ...الخ)
قال: لم أفهم هذا، لماذا صحت الملابسة مع (الحمار)، ما وجْهُ صحة هذه الملابسة؟ ولماذا تصح مع (الثعبان والأسد ...الخ)؟ في الحقيقة لم أفهم شيئا
قلت: هوِّن على نفسك؛ سأنبئك بالسر في ذلك
قال: عَجِّلْ؛ فإني إلى جوابه بالأشواق
قلت: اعلم أن بين (القوم) و(الحمار) ملابسة من جهة كونه مركوبَهم ويحملون عليه ونحو ذلك بخلاف (الأسد والثعبان ونحوهما) فإنه لا ملابسة بينها وبين (القوم) بل بينهما غاية المنافرة[1].
______________________________ _____
[1] حاشية السوسي على قرة العين 104.

د:ابراهيم الشناوى
2017-04-21, 09:38 PM
(2) الشرط
قال المصنف رحمه الله تعالى:

وَالشَّرْطُ يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنِ الْمَشْرُوطِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْمَشْرُوطِ.

______________________________ __________________
(وَ): حرف عطف
(الشَّرْطُ): مبتدأ
(يَجُوزُ): فعل مضارع
(أَنْ): حرف مصدري ونصب
(يَتَأَخَّرَ): فعل مضارع منصوب بـ (أن) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، والفاعل ضمير مستتر تقديره (هو) يعود على (الشرط)،
وجملة (يتأخر هو) من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب صلة (أَنْ)
و(أنْ) وما دخلت عليه في تأويل مصدر تقديره (تأَخُّرُهُ) يقع فاعلا للفعل (يجوز)
وجملة (يجوز أن يتأخر) من الفعل والفاعل وما تعلق بهما في محل رفع خبر للمبتدأِ (الشرط)
وجملة (الشرط يجوز ...الخ) من المبتدإ والخبر لا محل لها من الإعراب معطوفة على جملة (والاستثناء إخراج ...الخ)
(عَنِ الْمَشْرُوطِ): ظرف لغو متعلق بـ (يتأخر)
(وَ): عاطفة
(يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْمَشْرُوطِ): يعرف إعرابه مما سبق، والجملة في محل رفع معطوفة على جملة الخبر (يجوز أن يتأخر ...الخ)

د:ابراهيم الشناوى
2017-04-28, 10:18 PM
المعنى
هذا النوع الثاني من المخصص المتصل، وهو الشرط اللغوي، وهو: تعليق شيء بشيء بـ (إِنْ) الشرطية أو إحدى أخواتها نحو: إن جاء زيد أكرمته.
والشرط المخَصِّص يجوز أن يتأخر عن المشروط نحو: أَكْرِمْ زيدًا إنْ جاءك
ويجوز أن يتقدم الشرط على المشروط نحو: إِنْ جاء زيد فأكرمْه

د:ابراهيم الشناوى
2017-05-05, 10:09 PM
قال صاحبي
قال: ذكر المصنفُ أن الشرط من أنواع المخصصات للعموم
قلت: نعم
قال: أليست الطهارةُ شرطا لصحة الصلاة ؟
قلت: بلى
قال: هل يمكن أن يوصف أحد بأنه عالم إذا لم يكن حيًّا ؟
قلت: لا
قال: فأنت تُقِرُّ بأن الحياة شرط للعلم
قلت: نعم، وأي شيء في هذا ؟!
قال: أردت أن أقول: إذا كانت الطهارة شرطا للصلاة، والحياةُ شرطا للعلم فأيُّ تخصيص في كون الطهارة شرطا للصلاة والحياةُ شرطا للعلم
قلت: اعلم أن الشرط أنواع منها:

- الشرط اللغوي: وهو ما تقدم ذِكْرُه
- الشرط الشرعي: نحو اشتراط الطهارة للصلاة وقد تقدم في الأحكام الوضعية
- الشرط العقلي: وهو ما لا يمكن وجود المشروط إلا به كاشتراط الحياة للعلم
قال: فكان ماذا ؟
قلت: كان أن تعلم أن الشرط المُخَصِّصَ هو الشرط اللغوي فقط وأما الشرط الشرعي والشرط العقلي فلا دخل لهما هنا
قال: ذكرتَ أن الشرط اللغويَّ هو التعليق بـ (إِنْ) أو إحدى أخواتها
قلت: نعم
قال: فمَنْ أخواتها ؟
قلت: أتظن أن أخواتها عقلاء ؟!
قال: لا، ولِمَ ؟
قلت: لقولك: ومَنْ أخواتها ؟
قال: وأي شيء في هذا ؟
قلت: ألا تعلم أن (مَنْ) للعاقل ؟
قال: بلى
قلت: إذن فلا تقلْ: فمَنْ أخواتها ؟
قال: فكيف أقول ؟
قلت: قل: فما أخواتها ؟
قال: فما أخواتها ؟
قلت: (إِنْ) الشرطية هي أُمُّ الباب
وأما أخواتها فـ : (إذا)، و(ما) الشرطية، و(مَنْ)، و(أَيّ)، و(متى)، و(أيان)، و(أَنَّى)، و(مهما)، و(حيثما)، و(أينما)، و(إذما)

و(إِنْ) حرف، وأخواتها أسماء إلا (إذما) فهي حرف عند سيبويه وظرف عند المبرد وابن السراج والفارسي.
قال: فاضرب مثالا على كل أداة
قلت:
- (إِنْ) نحو قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284]


- و(إذا) كقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة: 11]


- و(ما) نحو قوله تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [البقرة: 197]


- و(مَنْ) نحو قوله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } [النساء: 123]


و(أي) نحو قوله تعالى: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110]


- و(متى) كقول الشاعر:

متى تأْتِهِ تَعْشُو إلى ضَوْءِ نارِهِ *** تَجِدْ خيرَ نارٍ عندها خيرُ مَوقِدِ
- و(أيان) كقول الشاعر:

أيان نُؤَمِّنْكَ تَأْمَنْ غيرنا *** وإذا لم تُدْرِكِ الأَمْنَ مِنَّا لم تَزَلْ حَذِرَا
- و(أنى) كقول الشاعر:

خليلَيَّ أنَّى تأتياني تأتِيا *** أخا غيرَ ما يرضيكما لا يحاول


- و(مهما) نحو: قوله تعالى: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 132]
- و(حيثما) كقول الشاعر:

حيثما تستقِمْ يُقَدِّرْ لك الله *** نجاحا في غابر الأزمان
- و(أينما) كقول الشاعر:

*** أينما الريح تُمَيِّلْها تَمِلْ ***
- و(إذما) كقول الشاعر:

وإنك إذما تأْتِ ما أنت آمِرٌ *** به تُلْفِ مَنْ إياه تأمُرُ آتيا

د:ابراهيم الشناوى
2017-05-12, 09:56 PM
(3) التقييد بالصفة
قال المصنف رحمه الله تعالى:

وَالْمُقَيَّدُ بِالصِّفَةِ يُحْمَلُ عليه الْمُطْلَقُ: كَالرَّقَبَةِ قُيِّدَتْ بِالْإِيمَانِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَأُطْلِقَتْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ؛ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ.
______________________________ ________________
(وَ): عاطفة
(الْمُقَيَّدُ): مبتدأ
(بِالصِّفَةِ): متعلق بـ (المقيد)، أو بمحذوف حال منه والتقدير: والمقيد حالة كون التقييد كائنا بالصفة
(يُحْمَلُ): فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة
(عليه): متعلق بـ (يحمل)
(الْمُطْلَقُ): نائب فاعل
والجملة من الفعل ونائب الفاعل وما تعلق بهما في محل رفع خبر
وجملة المبتدإ وخبره لا محل لها من الأعراب معطوفة على جملة (الاستثناء إخراج ... )
(كَالرَّقَبَةِ): متعلق بمحذوف خبر لمبتدإ محذوف والتقدير: وذلك كائن كالرقبة، فـ (ذلك) مبتدأ، و(كائن) خبر وهو الذي تعلق به الظرف (كالرقبة)
(قُيِّدَتْ): فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، وتاء التأنيث الساكنة حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب
ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره (هي) يعود على الرقبة
والجملة من الفعل ونائب الفاعل وما تعلق بهما في محل جر صفة لـ (الرقبة)
(بِالْإِيمَانِ): متعلق بـ (قيدت)
(فِي بَعْضِ): متعلق بمحذوف حال والتقدير: حالة كون التقييد بالإيمان كائنا في بعض المواضع، و(بعض) مضاف
(الْمَوَاضِعِ): مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة
(وَأُطْلِقَتْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ): يعرف إعرابه مما سبق، والجملة في محل جر معطوفة على جملة (قيدت بالإيمان في بعض المواضع)
(فَـ): فاء السببية
(يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ): يعرف إعرابه مما سبق

د:ابراهيم الشناوى
2017-05-19, 08:02 PM
المعنى
هذا المخصص الثالث من المخصصات المتصلة التي تأتي مع العموم في خطاب واحد
الأول- الاستثناء
الثاني- الشرط
وهذا الثالث- وهو التقييد بالصفة، وهو بحث المطلق والمقيد فإذا ورد اللفظ مطلقا من غير تقييد ثم ورد مقيدا حُمِلَ المطلق على المقيد في أحوال ستعرفها
______________________________ _

[قال صاحبي]
قال: أرأيت قوله: "التقييد بالصفة" ما المراد بالصفة؟
قلت: المراد: ما أشعر بمعنى تتصف به أفراد العامّ[1].
فنظرَ إليَّ كأنه لم يسمع شيئا، فعلمتُ أنه لم يفهم شيئا وأنه منتظر للجواب
فقلت: المراد قَصْرُ الصفة على بعض أفراد العامّ
قال: مثل ماذا ؟
قلت: مثل قولك: (أكرم بني تميم العلماء)[2]. فـ (بني تميم) جمع مضاف (بني مضاف، وتميم مضاف إليه) فيعُمّ بني تميم كلهم فلما قال: (العلماء) قَصَرَ عموم هذا الجمع على بعض أفراده وهم (العلماء).
قال: فهذا في التقييد بالصفة
قلت: نعم
قال: ولكني أجد التقييد بغير الصفة أيضا
قلت: مثل ماذا ؟
قال: مثل قوله صلى الله عليه وسلم : "في سائمة الغنم الزكاة".
فسكتُّ قليلا ثم قلت: نعم، نعم، فهمت ما تريد، تريد أن تقول: إن (سائمة) هنا ليست صفة للغنم وإنما هي مضاف و(الغنم) مضاف إليه
قال: نعم، هو ذاك
قلت: ولكني لم أقف على الحديث بهذا اللفظ، ولكني ربما لم أراجع ألفاظه جيدا
قال: فما لفظه الذي وقفتَ عليه
قلت: لفظه: " ... وفي صدقة الغنم في سائمتها"[3].
قال: فما إعراب: "في سائمتها"
قلت: متعلق بمحذوف صفة لـ (صدقة) أي: صدقة الغنم الكائنة في سائمتها
قال: فهي هنا صفة
قلت: نعم
قال: فأذكر لك مثالا آخر وقع التقييد فيه بغير الصفة
قلت: هاتِ
قال: قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } [آل عمران: 97]
قلت: فأين التقييد بغير الصفة ؟
قال: {الناس} لفظ عام يشمل الكبير والصغير والمستطيع وغير المستطيع، فلما قال بعد ذلك: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} خصَّصْنا هذا الحكم وقلنا: المراد المستطيع فقط
قلت له: فهذا تقييد بماذا ؟
فسكتَ، ثم قال: لا أدري ولكنه ليس تقييدا بالصفة
قلت له: أين موضع الشاهد من الآية ؟
فسكتَ مُرَدّدًا[4] وقال حائرا: {الناس}؟
قلت له: أحسنت ...
لو أكملتَ
فسكتَ وقال: لا أدري
قلت: {الناس ... مَنِ استطاع} فـ {مَنْ} بدل من {النَّاس} بدل بعض من كل
قال: نعم، صحيح ... ولكن
قلت: (ولكن) ماذا ؟
قال: ولكن أين الرابط ؟
قلت: مقدر تقديره: (منهم)
قال: نعم، وهذا يدل على أن التقييد هنا ليس بالصفة بل بالبدل
قلت: نعم، هو ما تقول
قال: فالمصنف لم يذكر التقييد بالبدل مراعاة لحال المبتدئ المقصود بهذا الكتاب
قلت: لا
فتعجب ثم قال: فلماذا لم يذكر التقييد بالبدل ؟
قلت: ومَنْ زعم أن المصنف لم يذكر ذلك ؟
قال: أنت تمزح طبعا
قلت: لا
فقال متعجبا: أفتزعم أن المصنف ذكر التقييد بالبدل ؟
قلت: نعم، أزعم ذلك
قال: فأين ذَكَرَه ؟


______________________________ _______
[1] غاية المأمول في شرح ورقات الأصول للرملي 168.
[2] شرح الورقات لابن إمام الكاملية 138.
[3] صحيح: رواه البخاري في مواضع منها (1454) وأطرافه تجدها في (1448)
[4] مُرَدَّدًا: أي حائرا

د:ابراهيم الشناوى
2017-05-26, 10:38 PM
فقال متعجبا: أفتزعم أن المصنف ذكر التقييد بالبدل ؟
قلت: نعم، أزعم ذلك
قال: فأين ذَكَرَه ؟
قلت: هنا في قوله: "والمقيد بالصفة يحمل عليه المطلق".
قال: فأين قال: والمقيد بالبدل ؟
قلت: هو هذا
قال: المصنف قال: "المقيد بالصفة" ولم يقل: "المقيد بالبدل"
قلت: نعم، هذا ما أردت أن أبينه لك
قال: إيهِ
قال: قوله: "المقيد بالصفة" يريد به (الصفة) عند الأصوليين لا عند النحويين
قال: فبينهما فَرْقٌ ؟
قلت: نعم، (الصفة) عند النحويين هي (النعت)
وأما (الصفة) عند الأصوليين فهي أوسع من ذلك؛ إذ تشمل (النعت) وغيره
قال: إيهِ
قلت: (الصفة) عند الأصوليين تشمل :
1- النعت: نحو: أكرم الطلابَ المجتهدين
2- الإضافة: كالحديث الذي ذكرتَه: "في سائمة الغنم الزكاة"
3- البدل: كالآية السابقة: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]
4- الحال: نحو: وَقَفْتُ على أولادي سالِكِي الطرقِ الحميدة، وأكرم مَنْ جاءك راكبا
5- التمييز: نحو: له عندي مِلْءُ هذا ذهبا
6- الظرف: نحو: أعطِ زيدا اليوم
7- الجار والمجرور: نحو: أكرم زيدا في مكان كذا
8- المفعول له: وهو يفيد التصريح بالعلة التي وقع الفعل لأجلها نحو: (ضربتُهُ تأديبا) فيفيد تخصيص ذلك الفعل بتلك العلة
9- المفعول معه: وهو يفيد تقييد الفعل بما تضمنه من المعنى نحو: ضربْتُهُ وزيدا، فيفيد تقييد الضرب الواقع على المفعول به (الهاء في ضربته) بتلك الحالة أي حالة المصاحبة بين ضربه وضربِ زيدا.
قال: أيُّ نوعٍ من أنواع البدل يُقَيِّد ؟
قلت: بدل البعض من كل كما في الآية السابقة، وكقوله تعالى: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} [المائدة: 71] فـ{كَثِيرٌ مِنْهُمْ} بدل بعض من كل من الضمير (الواو) في {عَمُوا وَصَمُّوا}.
ويلحق بدل الاشتمال ببدل البعض في التخصيص أيضا لأن كل واحد منهما فيه بيان وتخصيص[1].
قال: ذكرتَ أن (الحال) من المخصصات
قلت: نعم
قال: أرأيتَ وقوع حالٍ واحدة بعد جملتين أو أكثر، ترى أي جملة تخصصها؟
قلت: مثل ماذا ؟
قال: مثل قولك: أكرمْ بني تميم، وأعط بني هاشمٍ نازلين بك.
قلت: تخصص الكلَّ على رأي الشافعي، والجملةَ الأخيرة فقط على رأي أبي حنيفة
قال: وذكرتَ من المخصصات (الظرفَ والجار والمجرور)
قلت: نعم
قال: فلو جاء أحدهما بعد أكثر من جملة فبأيها يختص
قلت: بالجميع على قول الشافعي، وبالأخيرة على قول أبي حنيفة
قال: فلو توسط بين الجمل نحو: أعطيت زيدا يوم الجمعة وعمرا
قلت: كلام الحنفية يقتضي أنه يتعلق بالثاني
______________________________ ____
[1] إرشاد الفحول للشوكاني 2/ 674- 675، البحر المحيط 3/ 350.

د:ابراهيم الشناوى
2017-06-02, 11:29 PM
قال: حسنا، فلنَعُدْ إلى قول المصنف: "كالرقبة قيدت بالإيمان ...الخ"
قلت: نعم
قوله: "كالرقبة قيدت بالإيمان في بعض المواضع وأطلقت في بعض المواضع"
قُيِّدَتِ الرقبة بالإيمان في كفارة القتل، قال تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا } [النساء: 92]
وأُطْلِقَت في ثلاثة مواضع:
1- كفارة الحنث في اليمين في قوله تعالى: { لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [المائدة: 89]
2- كفارة الظهار في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 3]
3- اقتحام العقبة في قوله تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ } [البلد: 11 - 18] والمراد باقتحام العقبة: شُكْرُ النعم التي أنعمها الله عز وجل عليه بها وهي قوله: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)} [البلد: 8 - 10] فلم يشكر هذه النعم بالأعمال الصالحة من فكِّ الرقاب وإطعام الطعام ثم بالإيمان الذي هو أصل كل طاعة
قال: فقوله: "فيحمل المطلق على المقيد"
قلت: ذكر العلماء أن للمطلق مع المقيد أربع أحوال:
1- أن يتحد النصان (المطلق والمقيد) في السبب والحكم: كقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] فـ (الدم) في هذه الآية مطلق غير مقيد بشيء، وقد جاء مقيدا بكونه مسفوحا في قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ } [الأنعام: 145] وقد اتفق النصان (المطلق) (وهو الدم) في الآية الأولى، و(المقيد) وهو{أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} في الآية الثانية= اتفقا في السبب وهو ما في الدم من الإيذاء والمضرة، كما اتفقا في الحكم وهو تحريم تناول الدم؛ فيحمل المطلق في الآية الأولى على المقيد في الثانية فيكون المحرم هو الدم المسفوح
2- أن يختلف النصان (المطلق والمقيد) في السبب والحكم: كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، وقوله تعالى في آية الوضوء: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ } [المائدة: 6] فالأيدي في الآية الأولى مطلقة وفي الثانية مقيدة بكونها إلى المرافق، والسبب مختلف فيهما فالسبب في الآية الأولى: (السرقة)، وفي الآية الثانية: (إرادة القيام إلى الصلاة)، وكذلك الحكم مختلف: ففي الأولى (وجوب القطع) وفي الثانية (وجوب الغسل) ففي هذه الحالة لا يحمل المطلق على المقيد
3- أن يتحد السبب بين النصين (المطلق والمقيد) ويختلف الحكم: كقوله تعالى في الوضوء: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ } [المائدة: 6] وقوله تعالى في التيمم: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } [المائدة: 6] فقد قَيَّدَ غسل الأيدي إلى المرافق في الوضوء لكنه أطلق الأيدي في التيمم، وقد اتحد السبب في النصين كليهما وهو إرادة القيام إلى الصلاة، لكن الحكم مختلف ففي الوضوء غسل مقيد بكونه إلى المرافق وفي التيمم مسح مطلق، وفي هذه الحالة لا يحمل المطلق على المقيد
4- أن يختلف السبب بين النصين (المطلق والمقيد) ويتحد الحكم: كقوله تعالى في كفارة القتل الخطأ: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } [النساء: 92] وفي كفارة الظهار: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] فقيدت الرقبة بالإيمان في الموضع الأول وأطلقت في الموضع الثاني، والسبب مختلف بين النصين فهو في الأول (القتل الخطأ) وفي الثاني (الظهار)، والحكم فيهما متحد وهو تحرير رقبة، فيحمل المطلق هنا على المقيد على رأي الجمهور وخالف الحنفية فقالوا: يعمل بكل نص كما ورد؛ فتجزئ عندهم الرقبة الكافرة في كفارة الظهار[1].
قال: فهذا النزاع بين الجمهور والحنفية في جواز عتق الكافر في الكفارات؟
قلت: نعم
قال: أرأيته في غير الكفارات؟
قلت: يجوز عتق الكافر بالإجماع في غير الكفارات
قال: أخبرني: هل يجب التنافي بين المطلق والمقيد لكي نحمله عليه بحيث يكون أحدهما منفيا والآخر مثبتا ؟
قلت: لا.
______________________________ ________
[1] الشرح الوسيط على الورقات 94- 97، شرح الورقات سعد بن ناصر الشثري 113- 115.

د:ابراهيم الشناوى
2017-06-09, 10:36 PM
قال المصنف رحمه الله تعالى:

وَيَجُوزُ: تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ، وَتَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ.
وَتَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ، وَتَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ.
وَتَخْصِيصُ النُّطْقِ بِالْقِيَاسِ.
وَنَعْنِي بِالنُّطْقِ: قَوْلَ اللهِ تَعَالى، وَقَوْلَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم.

______________________________ _________
(وَ): استئنافية
(يَجُوزُ): فعل مضارع
(تَخْصِيصُ): فاعل، ومضاف
(الْكِتَابِ): مضاف إليه
(بِالْكِتَابِ): متعلق بـ (تخصيص)، أو بمحذوف حال منه والتقدير: حالة كون التخصيص كائنا بالكتاب
(وَ): عاطفة
(تَخْصِيصُ): معطوف على (تخصيص) الأولى، ومضاف
(الْكِتَابِ): مضاف إليه
(بِالسُّنَّةِ): مثل: (بالكتاب)
(وَتَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ): يعرف إعرابه مما تقدم
(وَتَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ): يعرف إعرابه مما تقدم
(وَتَخْصِيصُ النُّطْقِ بِالْقِيَاسِ): يعرف إعرابه مما تقدم
(وَ): للاستئناف البياني؛ فإنه لما قال: "وتخصيص النطق بالقياس" كأن قائلا قال له: وما النطق؟ فقال: ونعني بالنطق ...الخ
(نَعْنِي): فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها الثقل، والفاعل مستتر وجوبا تقديره نحن
(بِالنُّطْقِ): متعلق بـ (نعني)
(قَوْلَ): مفعول به، ومضاف
(اللهِ): اسم الجلالة مضاف إليه
(تَعَالى): فعل ماض مبني على فتح مقدر على آخره منع من ظهوره التعذر، والفاعل مستتر جوازا تقديره هو يعود على اسم الجلالة
(وَ): عاطفة
(قَوْلَ): معطوف على (قولَ الله)، وهو مضاف
(الرَّسُولِ): مضاف إليه
(صلى): فعل ماض مبني على فتح مقدر منع من ظهوره التعذر
(الله): فاعل
(عليه): متعلق بـ (صلى)، وجملة (صلى الله عليه) لا محل لها من الإعراب دعائية
(و): عاطفة
(سلم): فعل ماض والفاعل مستتر جوازا تقديره هو يعود إلى اسم الجلالة (الله)، وحذف (عليه) هنا لدلالة الأول عليه أي: وسلَّمَ عليه، والجملة من الفعل والفاعل وما تعلق بهما لا محل لها من الإعراب معطوفة على جملة (صلى الله عليه)

د:ابراهيم الشناوى
2017-06-16, 10:48 PM
المعنى
بعد أن انتهى من المخصص المتصل شرع في بيان المخصص المنفصل وأنواعه خمسة:
1- تخصيص الكتاب بالكتاب: بأن يكون النصُّ العامّ من القرآن والمخصِّصُ من القرآن أيضا


2- تخصيص الكتاب بالسنة: بأن يكون العامّ من القرآن والمخصص من السنة


3- تخصيص السنة بالكتاب: بأن يكون العامّ من السنة والمخصص من الكتاب


4- تخصيص السنة بالسنة: بأن يكون العام من السنة والمخصص من السنة أيضا


5- تخصيص الكتاب أو السنة بالقياس: بأن يكون العامّ من الكتاب والمخصص من القياس أو العامّ من السنة والمخصص من القياس

د:ابراهيم الشناوى
2017-09-22, 10:56 PM
قال صاحبي
قال: اضرب لي مثالا على كل نوع مما سبق
قلت: أما تخصيص الكتاب بالكتاب فقوله تعالى: { والْمُطَلَّقَات ُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فهذه الآية عامة في كل مطلقة أن عليها عدة، وأن عدتها ثلاثة قروء.
قال: مِن أين استفدنا العموم في الآية ؟
قلت: من لفظ {المطلقات}
قال: وكيف ذلك ؟
قلت: لأنه جَمْعُ واااا
فقاطعني قائلا: جمع مؤنث سالم وقد قلت إن جمع المذكر والمؤنث السالم من جموع القلة لا الكثرة
قلت: نعم، ولكن كونهما من جموع القلة مشروط –كما تقدم- بألا يقترنا بـ(أل) التي للاستغراق وألا يضافا إلى ما يدل على الكثرة وإلا انصرفا إلى الكثرة نحو: {إِنَّ الْمُسْلِمينَ وَالْمُسْلِمَات ِ}
قال: نعم نعم، تذكرت الآن، فتريد أن تقول إن {الْمُطَلَّقاتُ} في الآية جمع مقترن بـ(أل) الاستغراقية فيفيد العموم فيشمل المطلقةَ الحاملَ والحائلَ، والمدخولَ بها وغيرَ المدخول بها
قلت: نعم، هو ذا.
قال: أكمل
قلت: فالحكم هنا وجوب العدة على المطلقة وقدرها ثلاثة قروء لكن خرج من هذا الحكم صنفان: المطلقة الحامل، والمطلقة قبل الدخول بها
قال: فما دليل تخصيص الحامل ؟
قلت: قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]
قال: فالحامل تنتهي عدتها بوضع الحمل
قلت: نعم
قال: ولو وضعت بعد يوم
قلت: نعم
قال: فما دليل تخصيص غير المدخول بها ؟
قلت: قوله تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُن َّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عليهنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا } [الأحزاب: 49]
قال: فغيرُ المدخولِ بها لا عدة عليها
قلت: نعم
قال: قد فهمت تخصيص الكتاب بالكتاب، فاضرب لي مثالا على تخصيص الكتاب بالسنة
قلت: أما تخصيص الكتاب بالسنة فكقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } [النساء: 11] فقوله: {أَوْلَادِكُمْ} جمع مضاف فيَعُمّ
قال: يَعُمُّ ماذا ؟ أولادكم يعني أولادكم أيُّ عموم هنا ؟
قلت: يعُمُّ الولد المؤمن والولد الكافر
قلت: آآآآآآآآآآآ هذا ممكن، لم يَرِدْ هذا على ذهني،
قلت: فخرج الولدُ الكافرُ من الميراث بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يرث المسلمُ الكافرَ ولا الكافرُ المسلمَ"
قال: نعم، ولكن هل تخصيص الكتاب بالسنة عامّ ؟
قلت: ما معنى عامّ ؟
قال: أريد أن أقول: هل السنة المتواترة والآحاد تخصص الكتاب أم هذا مقصور على السنة المتواترة فقط؟
قلت: أما السنة المتواترة فتخصص الكتاب بالإجماع
وأما الآحاد فالأئمة الأربعة على أنها تخصص الكتاب أيضا
قال: تقول إن السنة المتواترة تخصص الكتاب بالإجماع ؟
قلت: نعم
قال: أرأيت السنة المتواترة الفعلية ألا تعلم أن في التخصيص بها خلافا؟
قلت: بلى، ولكن الخلاف ليس من حيث كونها سنة ولكن من حيث كونها سنة فعلية فمَنْ ذهب إلى أنها لا تخصص هو من ذهب إلى أن فِعْلَ الرسول صلى الله عليه وسلم لا يُخَصِّص
قال: نعم، أكمل
قلت: وأما تخصيص السنة بالكتاب فكقوله صلى الله عليه وسلم: "ما قُطِعَ من البهيمة وهي حيةٌ فهو ميتةٌ" [1]. فهذا مخصوص بقوله تعالى: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إلى حِينٍ} [النحل: 80]
قال: إيهِ
قلت: وأما تخصيص السنة بالسنة فكقوله صلى الله عليه وسلم: "فيما سقت السماءُ العشر" [2] فهذا نص بأن كل ما سقته السماء ففيه العشر قليلا كان أو كثيرا ففيه العشر وإلى هذا ذهب الإمام أبو حنيفة [3] بيد أن هذا النص قد خصص بقوله صلى الله عليه وسلم : "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" [4].
قال: بقي تخصيص النُّطْقِ بالقياس
قلت: نعم
قال: ولكن كيف نخصص كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بآرائنا واجتهاداتنا؟!
قلت: للعلماء ثلاثة أقوال في تخصيص عمومات القرآن والسنة بالقياس:
الأول – أنه جائز مطلقا وقالوا: إنه دليل من أدلة الشرع فيجوز التخصيص به مطلقا
الثاني – أنه غير جائز مطلقا وهؤلاء هم نُفَاةُ القياس من الظاهرية ومن وافقهم
الثالث – أن العلة إذا كانت منصوصة جاز التخصيص به، وأما إن كانت مستنبطة باجتهاد العلماء فلا يجوز التخصيص به (أي بالقياس)
قال: كأن هذا الرأي الثالث هو الأظهر
قلت: نعم، أظن ذلك؛ لأن النص على العلة يفيدنا وجود الحكم كلما وجدت هذه العلة
قال: فاضرب لي مثالا على تخصيص الكتاب والسنة بالقياس
قلت: نعم، مثال ذلك قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] فـ {الْبَيْع} مفرد مُعَرَّف بأل الجنسية فيفيد العموم فكل بيع حلال
قال: نعم
قلت: ثم ورد في السنة أنه صلى الله عليه وسلم *(نهى عن بيع المزابنة)[5]. فـَ فـَ فـَ
فقاطعني قائلا: وما بيعُ المزابنة ؟
قلت: هو بيعُ التمْرِ الجاف المكنوز بالرُّطَبِ الذي جُنِيَ حديثا من النخل
قال: نعم، أكمل
قلت: ففي الآية حِلُّ جميع أنواع البيوع وتحريم الربا، وفي الحديث تخصيص نوع من أنواع البيوع بالنهي عنه وهو بيع المزابنة
قال: فهذا يصلُحُ مثالا لتخصيص الكتاب بالسنة
قلت: نعم، بارك الله فيك
قال: فأين التخصيص بالقياس هنا
قلت: فإذا جاءت مسألة أخرى مشابهة لها فإننا نقيسها عليها
قال: لم أفهم شيئا، أريد مثالا واضحا على ذلك
قلت: لا بأس، قد جاءت مسألةٌ مشابهةٌ لبيع المزابنة المنهيِّ عنه في الحديث (وهو بيعُ التمْر الجافِّ المكنوز بالرُّطبِ المَجْنِيِّ حديثا من النخل)
قال: وما هي ؟
قلت: بيعُ العِنب بالزبيب: فالزبيبُ عنبٌ مجفف والعنب هو المَجْنِيُّ حديثا من الشجر، فحينئذ نقول: إن بيع العنب بالزبيب حرام قياسا على بيع الرطب بالتمر الجاف
قال: قد تفرعت المسألةُ فأين التخصيص ؟
قلت: هل فهمتَ - أولا - ما سبق ؟
قال: نعم، فهمته
قلت: فعلمتَ أن قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] عامٌّ ؟
قال: نعم، عرفتُ ذلك
قلت: وعرفتَ أن بيعَ العِنبِ بالزبيب منهيٌّ عنه قياسا على بيع الرطب بالتمر ؟
قال: نعم، عرفت هذا أيضا
قلت: فعلمتَ أن بيعَ العنب بالزبيب مستثنى من حِلِّ البيع الذي في الآية
قال: نعم
قلت: فهذا هو التخصيص، فقد خُصَّ عمومُ قوله تعالى: : {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] بالقياس في مسألة بيع العنب بالرطب على مسألة بيع الرطب بالتمر.
قال: نعم نعم، فهمت هذا أيضا
ثم قال: أرأيت قوله: "ونعني بالنطق: قولَ الله تعالى، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم " ؟
قلت: نعم، قد سار هنا على منهج أهل السنة والجماعة في أن القولَ هو النطق دون المعاني النفسية خلافا لمنهج الأشاعرة[6].
______________________________ _

[1] حسن: رواه أبو داود (4/ 479/ رقم2858) ط. الرسالة، والترمذي (3/ 145/ رقم1480) ط. دار الغرب الإسلامي، وأحمد (36/ 233/ رقم21903، 21904) ط. الرسالة، وهو لفظه، من حديث أبي واقد الليثي.
[2] صحيح: متفق عليه
[3] الشرح الوسيط على الورقات 99.
[4] صحيح: متفق عليه
[5] صحيح: رواه مسلم (1539)
[6] شرح الورقات د. سعد الشثري 120.

د:ابراهيم الشناوى
2017-09-29, 10:20 PM
قال المصنف رحمه الله تعالى:

وَالْمُجْمَلُ: مَا يَفْتَقِرُ إِلَى الْبَيَانِ.
وَالْبَيَانُ: إِخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنْ حَيِّزِ الْإِشْكَالِ إِلَى حَيِّزِ التَّجَلِّي.
______________________________ ___
(وَ): عاطفة
(الْمُجْمَلُ): مبتدأ
(مَا): خبر
(يَفْتَقِرُ): فعل مضارع والفاعل مستتر جوازا تقديره هو يعود على (ما)
(إِلَى الْبَيَانِ): متعلق بـ (يفتقر) والجملة من المبتدإ والخبر وما تعلق بهما لا محل لها من الإعراب معطوفة على قوله: "فأما أقسام الكلام"


(وَ): عاطفة
(الْبَيَانُ): مبتدأ
(إِخْرَاجُ): خبر، ومضاف
(الشَّيْءِ): مضاف إليه
(مِنْ حَيِّزِ): متعلق بالخبر (إخراج) أو بمحذوف حالٍ منه أي حالة كون الإخراج كائنا من حيز، و(حيز) مضاف
(الْإِشْكَالِ): مضاف إليه
(إِلَى حَيِّزِ): متعلق بما تعلق به (من حيز) و(حيز) مضاف
(التَّجَلِّي): مضاف إليه، والجملة من المبتدإ والخبر وما تعلق بهما لا محل لها من الإعراب معطوفة على جملة: "فأما أقسام الكلام"

د:ابراهيم الشناوى
2017-10-06, 08:42 PM
المعنى
تكلم المصنف هنا على أقسام الكلام من حيث الإبهام والبيان فقسمه إلى: مُجْمَلٍ ومُبَيِّنٍ، ثم عرف كلا منهما:

فأما (المجمل)
فهو في اللغة: مأخوذ من الجَمْل وهو الجَمْعُ، وجُمْلَةُ الشيء: مجموعه، فـ (المجمل) هو المجموع، ومقابله: المُفَصَّل.
وفي الاصطلاح: هو ما افتقر إلى البيان



وأما (البيان)
فهو في اللغة: الظهور والوضوح
وفي الاصطلاح: إخراج الشيء من حيز الإشكال (أي الخفاء والإبهام) إلى حيز التجلي (أي الوضوح والظهور)

د:ابراهيم الشناوى
2017-10-13, 09:36 PM
قال صاحبي
قال: ما أسباب الإجمال؟
قلت: الإجمال له أسباب كثيرة منها:
1= غرابة اللفظ: كلفظ (هلوع) في قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} [المعارج: 19] وقد بَيَّنَهُ الله تعالى بعده في قوله: {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج: 20 -21]


ومن ذلك أيضا لفظ (الرويبضة) وقد جاء تفسيره في الحديث بأنه الرجل التافه يتكلم في أمر العامَّة كما في الحديث: «سيأتي على الناس سنوات خداعات يُصَدَّقُ فيها الكاذب ويُكَذَّبُ فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويُخَوَّنُ فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة»[1].[2]


2= تعدد المعاني للكلمة الواحدة: كلفظ (قُرْء) وهو لفظ مجمل يطلق على (الطُّهْرِ) و(الحيض) فذهب مالك والشافعي وأحمد في رواية عنه أن المراد بـ (القُرْء): الطُّهْرُ؛ وعلى هذا تكون عدة المطلقة التي هي من ذوات الحيض ثلاثةُ قروء أي ثلاثةُ أطهار.
وذهب الأحناف وأحمد في رواية عنه، وأكثر الحنابلة عليها، إلى أن المراد بـ (القُرْء): الحيض، وعلى هذا تكون عدة المطلقة التي هي من ذوات الحيض ثلاثة قروء أي ثلاث حيضات[3].


3= نقل اللفظ من معنى معروف في اللغة إلى معنى آخر غير معروف فيها: كلفظ (الصلاة) ومثله (الزكاة والصوم) ونحوها فهذه ألفاظ نقلها الشرع من حقائقها اللغوية إلى حقائق أخرى شرعية تفتقر إلى البيان، ففي قوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ وآتُواْ الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] إجمال بيَّنتْه السُّنَّةُ من حيث تفاصيل أحكام الصلاة والزكاة[4].


قال صاحبي: أليست هذه الألفاظ (الصلاة والزكاة والصوم) حقائق شرعية؟
قلت: بلى
قال: فكيف تكون من باب المجمل؟
قلت: وما الذي يمنع ذلك؟
فسكتَ
قلت: إذا كان اللفظ له معنى معروف في اللغة فهذا معناه أنه لا يحتاج إلى بيان في اللغة، فإذا نُقِلَ إلى معنى شرعيِّ لم يكن له نفس المعنى اللغوي فهذا معناه أن المعنى الشرعيَّ يحتاج إلى بيان فهذا معناه أنه صار مجملا يعني أنت تعرف أن الصلاة في اللغة: الدعاء، فهذا لا يحتاج إلى بيان؛ فليس مجملا، وأما في الشرع: فأقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم، فهذا يحتاج إلى بيان: فما هي هذه الأقوال؟ وكيف تقال؟ ومتى تقال؟ وما هي هذه الأفعال؟ وما صفتها؟ ومتى تفعل؟ ...الخ فهذا إجمال يحتاج إلى بيان


قال: نعم، فهمت
ثم قال: فإذا وجدتُ لفظا مجملا فماذا أفعل؟
قلت: تتوقف عن العمل به حتى تجد دليلا يدل على المراد به، وهذا يسمى: (حكم العمل بالمجمل): وهو أنه لا يعمل به إلا بدليل يدل على المراد منه.
قال: فهذا المجملُ، فما البيانُ؟
______________________________ __
[1] صحيح: رواه بن ماجه وأحمد والحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع (3650) والصحيحة (1888)
[2] الشرح الوسيط على الورقات 104.
[3] الأنجم الزاهرات 167 -168، والشرح الوسيط على الورقات 105.
[4] الشرح الوسيط على الورقات 105.

د:ابراهيم الشناوى
2017-10-20, 08:52 PM
قال: فهذا المجملُ، فما البيانُ؟
قلت: البيان: هو الذي يوضح المراد من الإجمال.
قال: مثل ماذا؟
قلت: مثل ما سبق، فمنه مثلا قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} [المعارج: 19] فقوله: {هَلُوعًا} مجمل، وقوله: {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج: 20 -21] مبين، فالأول إجمال والثاني بيان
قال: دع ما سبق وهات أمثلة أخرى
قلت: ومثل قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } [المائدة: 1]، وقوله: {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [الحج: 30] فهذا مجمل جاء بيانه في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَ ةُ وَالْمَوْقُوذَة ُ وَالْمُتَرَدِّي َةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3]
قال: المصنف قال: "المجمل ما افتقر إلى البيان"
قلت: نعم
قال: فعلى أي شيء تقع (ما)؟
قلت: فما تقول أنت؟
قال: أقول: واقعة على (اللفظ)
قلت: ولمَ؟
قال: لأن اللفظ هو الذي يحتاج إلى بيان
قلت: ولِمَ؟
قال: لأن الإجمال لا يكون إلا في اللفظ
قلت: من أخبرك هذا؟
فسكتَ
قلت: تعني أن الإجمال لا يكون في الفعل؟!
فسكتَ، وطأطأ رأسَه
فقلت: اعلم أن الإجمال كما يكون في اللفظ، يكون كذلك في الفعل، ومَثَّلَ له ابن الحاجب: بما إذا قام النبي صلى الله عليه وسلم من اثنتين تاركا التشهد الأول ولم يُعْلَمْ هل كان قيامُهُ عَمْدًا أو سهوا؛ فصار قيامُه مجملا لا يدل على عدم وجوب التشهد؛ لاحتمال أن يكون قيامُه سهوا، فالصوابُ أن يقال: (ما) في تعريف (المجمل) واقعة على اللفظ والفعل[1].
قال: قلتَ: إن البيان هو الإخراج من حيز الإشكال إلى حيز التجلي
قلت: لا
قال متعجبا: (لا) ماذا؟
قلت: لا، لم أقل هذا
قال: كيف هذا لقد قلته آنفا
قلت: لم أقله، ولكني نقلته عن إمام الحرمين فهو الذي قاله.
قال: يا أخي أتعبتني، وأنسيتني ما كنت أريد أن أسألك عنه
قلت: لا تحزن، إنما أمازحك
قال: يَرِدُ على كلامك ... أقـ أقـ أقـ أقصد كلام المصنف (البيان) ابتداءً من غير وجود إشكال لِتَنْقِلَهُ من حَيِّزِهِ إلى حيز التجلي فهذا (بيان) وليس ثَمَّ إخراج من حيز الإشكال
قلت: هذه مناقشة واهية كما قال العضد
قال: ولِمَ؟
______________________________
[1] حاشية السوسي على قرة العين 109، وانظر أيضا الشرح الكبير 282 و 285.

د:ابراهيم الشناوى
2017-10-27, 08:35 PM
قلت: لأن البيان ابتداء من غير سبق إشكال لا يسمى في الاصطلاح (بيانا) وإنما يسمى (بيانا) لغة[1].
قال: فقد ذكر لفظ (الحيز) في التعريف ومعناه (المكان)، و(الإشكال والتجلي) صفات لا يمكن أن توجد في مكان، وهذا معناه أنه استعمل المجاز في التعريف، والمجاز لا يجوز أن يدخل في الحدود والتعريفات
قلت: هذا ليس على إطلاقه، بل إنما يمتنع المجاز في التعريف إذا خلا عن القرينة[2]
قال: فهنا لا توجد قرينة
قلت: لا نسلم بعدم وجود قرينة هنا
قال: فأين هي؟
قلت: القرينة هنا هي الاستحالة العقلية أن تَحِلَّ الصفة؛ كـ (الإشكال) و(التجلي) هنا، في مكان حقيقي، إذ الصفة معنًى لا ذاتا فاستحال عقلا أن توجد منفردة مستقلة في مكان بل لابد من ذات تحل بها هذه الصفة
قال: فالاستحالة العقلية هنا قرينةٌ مانعة من أن يراد بـ (الحيز) حقيقته
قلت: نعم
____________________________
[1] الشرح الكبير 287 -288.
[2] حاشية السوسي على قرة العين 110 -111، والشرح الكبير 287.

د:ابراهيم الشناوى
2017-11-03, 08:48 PM
النَّص

وَالنَّصُّ: مَا لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا مَعْنًى وَاحِدًا، وَقِيلَ: مَا تَاوِيلُهُ تَنْزِيلُهُ.
وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ مِنَصَّةِ الْعَرُوسِ، وَهُوَ: الْكُرْسِيُّ.

___________________________
(وَ): عاطفة
(النَّصُّ): مبتدأ
(مَا): خبر
(لَا): نافية
(يَحْتَمِلُ): فعل مضارع مرفوع والفاعل مستتر جوازا تقديره هو يعود على (ما)
(إِلَّا): أداة استثناء
(مَعْنًى): منصوب على الاستثناء وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين منع من ظهورها التعذر.
ويجوز في (معنى) الرفع على أنه بدل من فاعل (يحتمل) وهو أولى من النصب على الاستثناء
(وَاحِدًا): صفة لـ (معنى) وصفة المنصوب منصوبة
وجملة (لا يحتمل إلا معنى واحدا) في محل رفع صفة (ما)
وجملة (النص ما ...الخ) من المبتدإ والخبر وما تعلق بهما لا محل لها من الإعراب معطوفة على قوله: "فأما أقسام الكلام"


(وَ): استئنافية
(قِيلَ): فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح لا محل له من الإعراب
(مَا): خبر لمبتدإ محذوف والتقدير: (هو ما) والجملة من المبتدإ والخبر في محل رفع نائب فاعل
(تَأْوِيلُهُ): (تأويل) مبتدأ مرفوع، وهو مضاف والضمير مضاف إليه مبني على الضم في محل جر
(تَنْزِيلُهُ): (تنزيل) خبر مرفوع، وهو مضاف والضمير مضاف إليه
والجملة من المبتدإ والخبر وما تعلق بهما في محل رفع صفة لـ (ما)


(وَ): استئنافية
(هُوَ): ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ
(مُشْتَقٌّ): خبر
(مِنْ مِنَصَّةِ): متعلق بـ (مُشْتَقٌّ)، و(منصة) مضاف
(الْعَرُوسِ): مضاف إليه


(وَ): للاستئناف البياني فإنه لما قال: "منصة العروس" فكأن قائلا قال له: (وما منصةُ العروس؟) فقال: "وهو الكرسي"
(هُوَ): مبتدأ
(الْكُرْسِيُّ): خبر

د:ابراهيم الشناوى
2017-11-10, 10:07 PM
(إِلَّا): أداة استثناء
(مَعْنًى): منصوب على الاستثناء وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين منع من ظهورها التعذر.
ويجوز في (معنى) الرفع على أنه بدل من فاعل (يحتمل) وهو أولى من النصب على الاستثناء
وقع خطأ هنا نبه عليه بعض الإخوة جزاه الله خيرا
والصواب أن
(إِلَّا): أداة حصر
(مَعْنًى): منصوب على المفعولية أي مفعول به لـ "يحتمل"

د:ابراهيم الشناوى
2017-11-11, 08:38 PM
المعنى
ذَكَرَ هنا تعريف (النصِّ) وهو في اللغة مأخوذ من قولهم: (نَصَّ فلانٌ الشيءَ): أي رفَعَه، وَنَصَّ النِّسَاءُ الْعَرُوسَ نَصًّا: رَفَعْنَهَا عَلَى الْمِنَصَّةِ وَهِيَ الْكُرْسِيُّ الَّذِي تَقِفُ عَلَيْهِ فِي جِلَائِهَا.
وأما في الاصطلاح فقد ذكر له تعريفين متقاربين:
أحدهما – (أنه ما لا يحتمل إلا معنى واحدا) وذلك كقوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] فلفظ {عَشَرَة} لا يحتمل إلا معنى واحدا فلا يحتمل أن يكون معناه تسعة مثلا وهذا معنى أن النص: ما لا يحتمل إلا معنى واحدا
ثانيهما – أن النص هو (ما تأويلُهُ) أي معناه (تنزيلُه) أي بمجرد نزوله يُفهَم معناه ولا يتوقف فهم المراد منه على تأويل وتفسير لأنه لا يحتمل إلا معنى واحدا، والمراد من (النزول) في قولهم: (بمجرد نزوله) البلاغ والسماع أي بمجرد وصوله وسماعه.

د:ابراهيم الشناوى
2017-11-17, 08:56 PM
قال صاحبي
قال: ذكرتَ أن (معنًى) منصوب على المفعولية وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين منع من ظهورها التعذر
قلت: نعم
قال: ولكن الألف موجودة وليست محذوفة
قلت: أين هي؟
قال: أليس (معنًى) مُكَوَّنًا من (ميمٍ) و(عين) و(نون) و(ألف)؟
قلت: فأين التنوين؟
قال: نعم، و(تنوينٌ) أيضا
قلت: كيف يجتمعان؟
قال: ما هما؟
قلت: حرف العلة والتنوين
قال: وماذا فيه؟
قلت: فيه أنهما ساكنان
قال: وإِنْ
قلت: رحم الله الشافعي
قال: رحمه الله، ولكن لِمَ ذكرتَ ذلك؟
قلت: لقوله رضي الله عنه: ما جادلني جاهل إلا غلبني
قال: وكيف ذلك؟
قلت: لأن الجاهل لا قواعد عنده يُرْجَعُ إليها فإذا جادلتَه واضطررته إلى المضايق قال لك: لا، لا أوافق على ما تقول، فتقول له: القاعدة كذا فيقول: لا، وهكذا.
قال: فما لنا ولهذا؟
قلت: ألم أقل لك: إنهما ساكنان فأجبتني: وإِنْ؟
قال: بلى
قلت: فما معناه؟
قال: معناه: وإنْ كانا ساكنين
قلت: هذا هو الشاهد؛ فإن القاعدة أنه إذا التقى ساكنان وجب حذف أحدهما
قال: حقا!
قلت: نعم، ألم تسمع قول الشاعر:

يا ساكنا قلبي المُعَنَّى *** وليس فيه سواك ثانِ
لِأَيِّ معنًى كَسَرْتَ قَلْبي *** وما التقى فيه ساكنان
فضحك وقال: لله دَرُّهُ، فمَنْ هذا الظريفُ؟
قلت: هو محمد بن سليمان التلمساني
قال: لا أعرفُه
قلت: من شعراء مصر في العصر المملوكي
قال: لا أعرِفُهُ
قلت: عاش في الفترة بين (661 -695 هـ)
قال: فقد مات شابًّا
قلت: نعم
قال: رحمه الله، ولكني لا أعرِفُه
قلت: يُلَقَّبُ بالشابِّ الظريفِ
قال: حقا! هذا هو الشابُّ الظريف؟
قلت: نعم
قال: إذًا فأنا أعرِفُهُ لكني لم أكن أعلم عنه غير لَقَبِهِ هذا، فجزاك الله خيرا
قلت: وجزاك، ولكن ألا يغضبك أنا قد استطردنا إلى الأدب قليلا
قال: أما أنا فلا؛ فإني مِنْ مُحِبِّي الأدب كما تعلم، وهو يُرَوِّحُ عنّا بعض العناء الذي نلقاه في معاناة هذا العلم الصعب (أصول الفقه) ولكن ...
قلت: ولكن ماذا؟
قال: ولكني لا أدري ما حالُ غيري هل يُرْضيهِ هذا أو لا؟

د:ابراهيم الشناوى
2017-11-24, 09:20 PM
قلت: لا بأس فلنعُدْ إلى ما كنَّا فيه
قال: نعم، لِنَعُدْ
قلت: زعمتَ أن الألفَ في (معنًى) موجودة مع التنوين
قال: نعم، زعمتُ ذلك قبل أن أسمع الشاب الظريفَ وأما الآن فقد علمتُ أنهما لا يجتمعان
قلت: فاعلم أن النص هُـ هٌـ هُـ هو، فتتعتعتُ
وهو يشير إليَّ: حَسْبُك حَسْبُك
قلت: ماذا؟
قال: لم تُبَيِّنْ لي لماذا يُحْذَفُ أحدُ الساكنيْن إذا التقيا؟
قلت: لأنه لم يوجد ذلك في العربية
قال: فلماذا تُحذَف الألف دون التنوين؟
قلت: أأأ ...
فأشار إليّ صبرا صبرا
قلت: ماذا أيضا؟
قال: تقول: إذا التقى حرفان ساكنان حُذف أحدُهما
قلت: نعم، لماذا تعود إلى هذا ثانية؟
قال: فأين الحرفُ الثاني هنا؟
قلت: الألِفُ
قال: الأَلِفُ هو الحرف الأول بل والوحيد فأين الثاني؟
قلت: التنوين
فنظر إليَّ متعجبا وقال: ماذا؟ وهل التنوين حرف؟!
قلت: نعم
فقال ساخرًا: فهو الحرفُ الثلاثون في اللغة العربية
قلت: لا
قال: فأيُّ حرفٍ هو؟
قلت: النون
قال: تعني أن التنوين هو النونُ
قلت: نعم، لا.
قال: رجعتَ لها ثانية، فماذا تريد أن تقول؟
قلت: أما (نعم) فمرادي بها أن التنوين نونٌ ساكنةٌ، وأما (لا) فمرادي أن التنوين ليس نونا متحركة
قال: فالتنوين نصف حرف إذن
قلت: افهمه كما تشاء ولكن العلماء يقولون التنوين حرف
قال: قد علمتُ الآن أن التنوين حرفٌ وهو نونٌ ساكنة وأن هذه النون الساكنة قد التقت مع الألِف التي هي لامُ الكلمة (معنى) فلو وضحتَ لي ما حدث فيها من إعلال
قلت: كلمة (معنىً) تقرأ هكذا (مَعْنَانْ) النون الأخيرة هي نون التنوين الساكنة، قبلها الألف التي هي لام الكلمة وعلى الألف فتحة منع من ظهورها التعذر فالتقى ساكنان
فقاطعني قائلا: إذا كان على الأَلِفِ فتحةٌ فالألِفُ متحركةٌ فكيف تقول التقى ساكنان؟
فقلت: ما أَصْبَرِي! يا أُخَيَّ الأَلِفُ ساكنةٌ دائما لا تقبلُ الحركة بحال ولهذا تُقَدَّرُ عليها الحركةُ للتعذر، يعني لتعذر النطق بالحركة على الألِف
قال: نعم، نعم، أكمل
قلت: التقى ساكنان (الألف) و(نون التنوين الساكنة) فحذفت الألف
قال: لماذا حذفت الألِف ولم يحذف التنوين؟
قلت: لأنها حرف علة
قال: وماذا في هذا؟
قلت: فيه أن حرف العلة أضعف من غيره فهو أولى بالحذف من غيره. وأيضا لوجود الفتحة قبله، والفتحة دليل على الألِف.
قال: نعم، تريد أن تقول: لو حذفنا (الألِف) كان هناك دليل عليها وأما لو حذفنا التنوين فلا يوجد دليل على المحذوف فلا نعلم هل حُذِفَ شيء أو لا؟
قلت: أحسنت
قال: فصارت (معنًى) وتقرأ (مَعْنَنْ)
قلت: ما شاء الله، أحسنت
______________________________ __________


قال: أرأيت قوله: "وهو مشتق من منصة العروس وهو الكرسي" أليس الصواب أن يقول: (وهي الكرسي)
قلت: ولِمَ؟
قال: لأن (المِنَصة) مؤنثة والضمير في (وهو الكرسي) يعود عليها
قلت: فما تقول أنت؟
قلت: ما شاء الله، جهلٌ وتبجُّح وجرأة
قال: وكيف ذاك؟
قلت: أما الجهل فظاهر وذلك أنك لا تعرف القاعدة في مثل هذا
وأما التبجح والجرأة فبسبب الإقدام على تخطئة الإمام قبل البحث والتقصي
قال: فأنت ممن لا يؤمن بأن الإمام يخطيء؟ أو أنك ممن يقول بلسانه: (كلٌ يؤخذ من قوله ويُرَدُّ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم) ثم يخالف ذلك بفعله فلا يُقْدِمُ على تخطئةِ إمامه أبدا ولو ظهر له خطؤه؟!
قلت: كلا، لستُ بذاك والحمد لله، ولكني ممن يعرف للأئمة قدرهم فلا يُقْدِمُ على التخطئة قبل البحث والتقصي والنظر في أقوال الموافقين والمخالفين
قال: هل أفهم من هذا أنك تزعم أن قوله: "وهو الكرسي" صحيح؟
قلت: نعم، صحيح
قال: فما توجيهه؟

د:ابراهيم الشناوى
2017-12-01, 09:05 PM
قلت: ضابط هذا (أن كل لفظتين وُضِعَتا لذاتٍ واحدة إحداهما مؤنثة والأخرى مذكرة وتوسطهما ضمير جاز تأنيث الضمير وتذكيره)[1]
قال: مهلا مهلا، لا أكاد أفهم شيئا، فهلا طبقت ذلك على ما معنا
قلت: نعم، أفعل إن شاء الله
قال: هاتِ
قلت: عندنا هنا لفظتان وُضِعَتا لِذاتٍ واحدة
قال: ما هما؟
قلت:

الأولى – (مِنَصَّة العروس)،
والثانية – (الكرسي)
قال: كيف وضعتا لذات واحدة؟
قلت: يعني أن معناهما واحد؛ فـ:

- (مِنَصَّةُ العروس) هي (الكرسي)،
- و(الكرسي) هو (مِنَصَّةُ العروس)
قال: نعم، هكذا فهمت، أكمل
قلت: وتوسطهما ضمير
قال: نعم، (مشتق من مِنصة العروس وهو الكرسي) فالضمير (هو) وقع بينهما
قلت: فكان حكم هذا الضمير جواز تذكيره وتأنيثه فيجوز أن تقول:

- (مشتق من مِنصة العروس وهو الكرسي)
- وأن تقول: (مشتق من مِنصة العروس وهي الكرسي)
قال: نعم، هكذا وضحت الأمور تماما
قلت: الحمد لله


قال: أليس (النصّ) مصدرا؟
قلت: بلى
قال: فهل (المنصة) مصدرا أيضا؟
قلت: لا
قال: فما هيه؟
قلت: وما هيه؟
قال: "المنصة
قلت: اسم آلة
قال: فكيف يجوز أن يكون المصدر (النص) مشتقا من اسم الآلة (المِنَصة)؟
قلت: هذا لا يجوز فعبارة المصنف فيها تسامح، والصحيح العكس وهو أن اسم الآلة مأخوذ من المصدر لأن المصدر أصل المشتقات، واسم الآلة من المشتقات فالصحيح هنا أن (المِنصة) هي المأخوذة من (النص)


قال: فأخبرني عن (ما) في قوله: "ما لا يحتمل إلا معنى واحدا" وقوله: "ما تأويله تنزيله" على أي شيء تقع؟
قلت: تقع فيهما على (اللفظ) أي:

- (اللفظ الذي لا يحتمل إلا معنى واحدا)
- و(اللفظ الذي تأويله تنزيله)


____________________________
[1] الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب 1/ 15 ت. د. إبراهيم محمد عبد الله ط. دار سعد الدين

د:ابراهيم الشناوى
2017-12-08, 08:36 PM
الظاهر
قال المصنف رحمه الله تعالى:

وَالظَّاهِرُ: مَا احْتَمَلَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَظْهَرُ مِنَ الْآَخَرِ.

المؤول

وَيُؤَوَّلُ الظَّاهِرُ بِالدَّلِيلِ، وَيُسَمَّي ظَاهِرًا بِالدَّلِيلِ.

______________________________
(وَ): عاطفة
(الظَّاهِرُ): مبتدأ
(مَا): خبر، والجملة من المبتدإ والخبر وما تعلق بهما لا محل لها من الإعراب معطوفة على قوله: "فأما أقسام الكلام"
(احْتَمَلَ): فعل ماض، والفاعل مستتر جوازا تقديره هو يعود على (ما) والجملة من الفعل والفاعل وما تعلق بهما في محل رفع صفة لـ(ما)
(أَمْرَيْنِ): مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه مثنى
(أَحَدُهُمَا): (أحد) مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، و(أحد) مضاف و(الهاء) من (هما) ضمير مبني على الضم في محل جر مضاف إليه، و(الميم) حرف عماد مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، و(الألف) علامة التثنية
(أَظْهَرُ): خبر
(مِنَ الْآَخَرِ): متعلق بـ (أظهر)، والجملة من المبتدإ والخبر وما تعلق بهما في محل جر نعت لـ(أمرين)
(وَ): للاستئناف النحوي
(يُؤَوَّلُ): فعل مضارع
(الظَّاهِرُ): فاعل
(بِالدَّلِيلِ): متعلق بـ (يؤول)
(وَ): للاستئناف النحوي أيضا
(يُسَمَّى): فعل مضارع مبني للمجهول، مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر، ونائب الفاعل مستتر تقديره هو يعود على (الظاهر) ونائب الفاعل هو المفعول الأول.
(ظَاهِرًا): مفعول ثان
(بِالدَّلِيلِ): متعلق بـ (يسمى)

د:ابراهيم الشناوى
2017-12-15, 11:04 PM
المعنى
تكلم هنا عن الظاهر والمؤول بعد أن تكلم عن النص وبيان ذلك: أنه إذا ورد عليك نص من كتاب أو سنة فإما أن يكون:
1- غير محتمل لأكثر من معنى بل لا يحتمل إلا معنى واحدًا نحو: (محمد رسول الله) فهذا لا يحتمل تأويلا ولا يفهم منه غير معناه الذي يدل عليه وهذا هو النص
2- وإما أن يحتمل أكثر من معنى وهذا يختلف أيضا:

أ*- فإن كانت كل المعاني المحتمَلَة متساوية فهو المجمل
ب*- وإن كان أحد هذه المعاني راجحا والآخر مرجوحا: فإن استعمل في المعنى الراجح فهو (الظاهر) وإن استعمل في المعنى المرجوح فهو (المؤول)

د:ابراهيم الشناوى
2017-12-22, 07:01 PM
قال صاحبي
قال: ما تفسير (ما) في قوله: "الظاهر ما احتمل ...الخ"؟
قلت: معناها: (اللفظ) أي أن الظاهر هو اللفظ الذي احتمل أمرين ...الخ
قال: ما معنى قوله: "يؤول الظاهر بالدليل ويسمى الظاهر بالدليل"؟
قلت: معناه أن اللفظ الظاهر يصرف عن معناه الراجح إلى معناه المرجوح الخفيّ بسبب دليل يدل على أن المراد به هو المعنى الخفيّ المرجوح لا المعنى الظاهر الراجح
وحينئذ يكون المعنى المرجوح هو (الظاهر) ويسمى (الظاهر بالدليل) كما يسمى (المؤول)
وصَرْفُ اللفظ عن المعنى الظاهر إلى المعنى الخفي لدليل يسمى (تأويلا)
فـ (الظاهر بالدليل) اسمٌ مركَّبٌ؛ كسيبويه، وهو عَلَمٌ على (المؤول)؛ (الظاهر بالدليل) = (المؤول).
قال: أليس التأويل هو التفسير كما يقول ابن جرير دائما في تفسيره: القول في تأويل كذا...الخ؟
قلت: (التأويل) له ثلاثة معان:
الأول – التفسير وهو ما ذكرتَه أنت من قول ابن جرير الطبري وغيره من المفسرين
الثاني -نفس وقوع المخبَرِ به، وإذا ذكر (التأويل) في القرآن فهذا هو المقصود به ومنه قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} [الأعراف: 53]، يعني: وقوعه، وقوله: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} [يونس: 39]، وقوله: {وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} [يوسف: 100].
الثالث-صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل وهو المراد هنا
قال: أرأيت صرف اللفظ عن المعنى الظاهر إلى المعنى الخفيّ لغير دليل؟
قلت: مثل ماذا؟
قال: مثل تأويل قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]، بأن المراد أنه جَرَحَهُ بجروح الحكمة
قلت: هذا تلاعب وهو تأويل فاسد غير مقبول؛ إذ لا دليل عليه
واعلم أن (الكلم) يطلق ويراد به (الكلام) الذي هو حرف وصوت، وهو (ظاهر) في هذا المعنى والمتبادر إلى الذهن عند سماع لفظة (الكلام)
ثم إنه يطلق ويراد به أيضا الجرح الذي يجرح به المرء كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مَكْلُومٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَكَلْمُهُ يَدْمَى، اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ»[1]. لكنه لا يحمل على هذا المعنى إلا بقرينة ودليل يدل على أن هذا المعنى هو المراد كما في الحديث
قال: فما القرينة في الحديث؟
قلت: القرينة قوله: «وَكَلْمُهُ يَدْمَى، اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ» فإن الكلام الذي هو حرف وصوت لا يدمَى ولا لون له ولا ريح فعُلِم أن المراد هو المعنى الآخر الخفيّ فحُمِلَ عليه
قال: فتأويل الكلام في الآية بأنه الجرح تأويل فاسد لعدم الدليل؟
قلت: نعم، هو ذاك
قال: فكأن هذا هو حكم التأويل؟
قلت: نعم، فإن التأويل نوعان:
...
______________________________
[1] صحيح: رواه البخاري (5533) ومسلم (1876)

د:ابراهيم الشناوى
2017-12-27, 08:58 PM
قلت: نعم، فإن التأويل نوعان:

الأول- مقبول: وهو الذي دل عليه دليل


والآخر- فاسد مردود: وهو ما لا دليل عليه
قال: فما حكم الظاهر؟
قلت: يجب العمل به ولا يجوز تركه إلا بدليل

رضا الحملاوي
2017-12-27, 09:26 PM
جزاك الله خيرا ونفع بك شيخ إبراهيم

د:ابراهيم الشناوى
2017-12-29, 08:37 PM
جزاك الله خيرا ونفع بك شيخ إبراهيموجزاك أخي الكريم، ونفع بك

د:ابراهيم الشناوى
2017-12-29, 09:04 PM
أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم
قال المصنف

الْأَفْعَالُ
فِعْلُ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ لَا يَخْلُو:
إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَالطَّاعَةِ.
أَوْ لَا يَكُونُ.
فَإِنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ بِهِ يُحْمَلْ عَلَى الِاخْتِصَاصِ.
وَإِنْ لَمْ يَدُلّْ لَا يَخْتَصّ بِهِ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الْأَحْزَابُ: 21]؛
فَيُحْمَلُ عَلَى الْوُجُوبِ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا،
وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: يُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ،
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُتَوَقَّفُ فِيهِ.
فَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَالطَّاعَةِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْإِبَاحَةِ.

______________________________ ___
(الْأَفْعَالُ): مبتدأ أول
(فِعْلُ): مبتدأ ثان، وهو مضاف
(صَاحِبِ): مضاف إليه، وهو مضاف أيضا
(الشَّرِيعَةِ): مضاف إليه
(لَا): نافية
(يَخْلُو): فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها الثقل، والفاعل مستتر تقديره هو يعود على (فعل) من قوله: "فعل صاحب الشريعة"
والجملة من الفعل والفاعل وما تعلق بهما في محل رفع خبر المبتدإ الثاني
والمبتدإ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدإ الأول
(إِمَّا): حرف تفصيل وتوكيد فيه معنى الشرط
(أَنْ): حرف مصدري ونصب مبني على السكون لا محل له من الإعراب
(يَكُونَ): فعل مضارع مِنْ (كان) الناقصة، منصوب بـ (أن) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، واسمها ضمير مستتر يعود على (فِعْلِ) من (فِعْلِ صاحب الشريعة)
(عَلَى وَجْهِ): متعلق بمحذوف خبر يكون
والجملة من كان واسمها وخبرها لا محل لها من الإعراب صلة (أنْ)
و(أن) وما دخلت عليه في تأويل مصدر منصوب على التوسع على أنه مفعول به للفعل (يخلو) وإلا فالأصل أنه مجرور بحرف جر محذوف والتقدير: (لا يخلو من كونه على وجه القربة ...الخ)
و(وجه) مضاف
(الْقُرْبَةِ): مضاف إليه
(وَ): حرف عطف
(الطَّاعَةِ): معطوف على (القربة) والمعطوف على المجرور مجرور
(أَوْ): حرف عطف
(لَا): نافية
(يَكُونُ): فعل مضارع من كان الناقصة واسمها ضمير مستتر تقديره هو يعود على (فِعْل) وخبرها محذوف للعلم به ووجود الدليل عليه فيما سبق أي: أو لا يكون على وجه القربة والطاعة
(فَـ): فاء الفصيحة
(إِنْ): حرف شرط جازم يجزم فعلين الأول فعل الشرط والثاني جوابه وجزاؤه
(دَلَّ): فعل ماض (وهو فعل الشرط) مبني على الفتح في محل جزم
(دَلِيلٌ): فاعل
(عَلَى الِاخْتِصَاصِ): متعلق بالفعل (دَلَّ)
(بِهِ): متعلق بـ (الاختصاص)
(يُحْمَلْ): فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بـ (إِنْ) (وهو جواب الشرط) وعلامة جزمه السكون، ونائب الفاعل مستتر تقديره هو يعود على (فِعْل) أي يحمل فعل صاحب الشريعة على الاختصاص
(عَلَى الِاخْتِصَاصِ): متعلق بالفعل (يُحْمَلْ)، وحُذِفَ الظرفُ لدلالة ما قبله عليه والتقدير: (يُحْمَلُ على الاختصاص به)
(وَ): عاطفة
(إِنْ): شرطية
(لَمْ): حرف نفي وجزم وقلب
(يَدُلّ): فعل مضارع مجزوم بـ (لم) وعلامة جزمه السكون، والفاعل مستتر جوازا تقديره هو يعود على (دليل)، وحذف المتعلِّق لدلالة ما قبله عليه والتقدير في هذا كله: (وإن لم يدل دليل على الاختصاص به)
(لَا): نافية، والأصل أن يقول: (فلا) لأن جواب الشرط إذا كان منفيا وجب اقترانه بالفاء
(يَخْتَصّ): فعل مضارع مجزوم لوقوعه في جواب شرط جازم، والفاعل مستتر تقديره هو يعود على (فِعْل) أي لا يختص الفعل به
(بِهِ): متعلق بالفعل (يختص)
(لِأَنَّ): اللام حرف جر يفيد التعليل، و(أنَّ) حرف توكيد ونصب
(اللهَ): اسم الجلالة منصوب على التعظيم اسم (أنَّ)
(تَعَالَى): فعل ماض مبني على فتح مقدر على آخره منع من ظهوره التعذر والفاعل مستتر جوازا تقديره (هو) يعود على اسم الجلالة، والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب اعتراضية
(يَقُولُ): فعل مضارع والفاعل مستتر جوازا تقديره هو يعود على اسم الجلالة
والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر (أنّ)
و(أنَّ) واسمها وخبرها في تأويل مصدر مجرور باللام والتقدير: لِقَوْلِ اللهِ تعالى
والجار والمجرور (لِقَوْلِ) متعلق بالفعل (يختص)
({لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}): (اللام) موطئة لقسم محذوف حرف مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، (قد) حرف تحقيق مبني على السكون لا محل له من الإعراب، (كان) فعل ماض، (في رسول) متعلق بمحذوف خبر كان مقدم وجوبا لأن اسمها نكرة و(رسول) مضاف واسم الجلالة (الله) مضاف إليه، (أسوة) خبر كان مؤخر وجوبا، (حسنة) صفة لـ(أسوة) وصفة المرفوع مرفوعة

د:ابراهيم الشناوى
2018-01-12, 08:28 PM
(فَـ): فاء الفصيحة
(يُحْمَلُ): فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، ونائب الفاعل مستتر جوازا والتقدير: فيُحْمَلُ هو أي، الفعلُ، على الوجوب.
والجملة من الفعل ونائب الفاعل وما تعلق بهما لا محل لها من الإعراب استئنافية
(عَلَى الْوُجُوبِ): متعلق بالفعل (يُحْمَلُ)
(عِنْدَ): ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو متعلق بالفعل (يُحْمَلُ)، و(عند) مضاف
(بَعْضِ): مضاف إليه، و(بعض) مضاف
(أَصْحَابِنَا): (أصحاب) مضاف إليه، و(أصحاب) مضاف والضمير (نا) مبني على السكون في محل جر مضاف إليه


(وَ): استئنافية
(مِنْ): حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب
(أَصْحَابِنَا): (أصحاب) مجرور بـ (مِنْ) وعلامة جره الكسرة الظاهرة، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم والتقدير: (كائنٌ من أصحابنا) أي: ومَنْ قال يحمل على الندب كائن من أصحابنا، و(أصحاب) مضاف و(نا) مضاف إليه
(مَنْ): اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدإ مؤخر
(قَالَ): فعل ماض، والفاعل مستتر يعود على المبتدإ (مَنْ)
والجملة لا محل لها من الإعراب صلة (مَنْ)
(يُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ): مثل (يحمل على الوجوب) إلا أن جملة (يحمل على الندب في محل نصب مقول القول


(وَ): عاطفة
(مِنْهُمْ مَنْ قَالَ): مثل (مِنْ أصحابنا من قال)
(يُتَوَقَّفُ): فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل مستتر تقديره (هو) يعود على (العالِم) المفهوم من السياق أي يَتَوَقَّفُ فيه العالِمِ، مثلا، أو القاريء أو السامع.
والجملة من الفعل ونائب الفاعل وما تعلق بهما في محل نصب مقول القول
(فِيهِ): متعلق بـ (يُتَوَقَّف)


(فَـ): فاء الفصيحة
(إِنْ): شرطية
(كَانَ): فعل ماض ناقص مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، واسمها مستتر جوازا تقديره هو يعود على (فِعْل) أي فإنْ كان فِعْلُ صاحب الشريعة على غير ...الخ
(عَلَى غَيْرِ): متعلق بمحذوف خبر كان، و(غير) مضاف
(وَجْهِ): مضاف إليه، و(وجه) مضاف
(الْقُرْبَةِ): مضاف إليه
(وَ): عاطفة
(الطَّاعَةِ): معطوف على (القُرْبَة)
(فَـ): واقعة في جواب الشرط
(يُحْمَلُ): فعل مضارع مبني للمجهول والفاعل مستتر يعود على مفهومٍ من السياق كما سبق أي فيَحْمِلُه العالِمُ أو القاريء أو السامعُ
(عَلَى الْإِبَاحَةِ): متعلق بـ (يُحْمَل)

د:ابراهيم الشناوى
2018-01-12, 09:08 PM
المعنى
فِعْلُ النبي صلى الله عليه وسلم قسم من أقسام السنة لأن السنة هي قول النبي صلى الله عليه وسلم وفِعْلُهُ وتقريرُه فتكلم هنا عن فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وتقريرِهِ ثم ذكر الأقوال بعد ذلك في باب الأخبار
وحاصل ما ذكره المصنف، رحمه الله، هنا أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم تنقسم إلى قسمين:
الأول- ما فَعَلَهُ النبي صلى الله عليه وسلم على وجه التعبد لله والقربة والطاعة له
الثاني- ما فعله على غير وجه القربة والطاعة


فالأول وهو ما كان على وجه القربة والطاعة لا يخلو من حالين:
1- أن يدل دليل على الاختصاص به أي أن يدل دليل على أن هذا الفعل من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم
فحكم هذا الفعل أنه يحمل على الاختصاص به ولا تشاركه فيه أمتُه.
مثاله: حديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يواصل أي: يصوم يومين فأكثر من غير أن يفطر، ونهيُهُ عن الوصال، ومن ذلك زواجه صلى الله عليه وسلم عن طريق الهبة بأن تهب المرأة نفسها له كما قال تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50]
ومنه جَمْعُهُ صلى الله عليه وسلم في النكاح بين أكثر من أربع نسوة ...الخ


2- ألا يدل دليل على الاختصاص به فهذا حُكْمُهُ أن هذا الفعل يكون عاما له صلى الله عليه وسلم ولأمته كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].
فقد أخبرنا الله عز وجل في هذه الآية أن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة يعني قدوة حسنة فعلينا أن نقتدي به فهذا يدل على أن الأصل في فِعْلِهُ صلى الله عليه وسلم أنه عامٌّ للأمّة إلا ما دل الدليل على أنه من خصوصياته صلى الله عليه وسلم كما سبق
ولكن ما حُكْمُ هذا النوع؟
الجواب: حُكْمُهُ أنه مشروع، ثم اختلف العلماء في نوع هذه المشروعية:

= فذهب بعضهم إلى أن الفعل هنا واجب
= وذهب بعضهم إلى أنه مندوب
= وذهب بعضهم إلى التوقف وعدم الجزم بالوجوب أو الندب حتى يدل الدليل
والراجح – إن شاء الله تعالى – أنه مندوب
وهذه الأقوال الثلاثة إذا لم يكن الفعل بيانا لإجمال.


فإن كان بيانا لإجمال: كبيان كيفية الصلاة والصوم والحج ...الخ فهذا يأخذ حكمُ المجمل:

- فإن كان المجملُ واجبا فالفعل واجب
- وإن كان المجملُ مندوبا فالفعل مندوبٌ.
والله أعلم.
وأما الثاني – وهو ما فَعَلَهُ صلى الله عليه وسلم على غير وجه القربة والطاعة بل بالطبيعة الجِبِلِّيَّةِ فهذا حُكْمُهُ للأُمَّةِ أنه مباح، وهذا كالأكل والشرب والقيام والقعود والنوم
وفي الباب تفصيلات أخرى ولكن نكتفي بما سبق ففيه كفاية لغرض المتن، والحمد لله رب العالمين

د:ابراهيم الشناوى
2018-01-19, 08:49 PM
إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم



وَإِقْرَارُ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ عَلَى الْقَوْلِ هُوَ قَوْلُ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ، وَإِقْرَارُهُ عَلَى الْفِعْلِ كَفِعْلِهِ.
وَمَا فُعِلَ فِي وَقْتِهِ، فِي غَيرِ مَجْلِسِهِ، وَعَلِمَ بِهِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا فُعِلَ فِي مَجْلِسِهِ.

______________________________ ________
(وَ): استئنافية
(إِقْرَارُ): مبتدأ، ومضاف
(صَاحِبِ): مضاف إليه، وهو مضاف أيضا
(الشَّرِيعَةِ): مضاف إليه
(عَلَى الْقَوْلِ): متعلق بـ (إقرار)
(هُوَ): ضمير فصل لا محل له من الإعراب
(قَوْلُ): خبر، ومضاف
(صَاحِبِ): مضاف إليه، ومضاف
(الشَّرِيعَةِ): مضاف إليه
والجملة من المبتدإ والخبر وما تعلق بهما لا محل لها من الإعراب استئنافية
(وَ): عاطفة أو استئنافية
(إِقْرَارُهُ): مبتدأ، و(إقرار) مضاف والضمير مضاف إليه
(عَلَى الْفِعْلِ): متعلق بـ (إقرار)
(كَفِعْلِهِ): متعلق بمحذوف خبر
والجملة من المبتدإ والخبر لا محل لها من الإعراب معطوفة على جملة (إقرار صاحب الشريعة ...الخ) الاستئنافية إن جعلت الواو عاطفة، أو لا محل لها من الإعراب استئنافية إن جعلت الواو استئنافية

د:ابراهيم الشناوى
2018-01-26, 09:03 PM
(وَ): عاطفة أو استئنافية
(مَا): اسم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ أول، وهي معرفة تامة بمعنى الشيء أو الفعل أو القول.
(فُعِلَ): فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا يعود على (ما)
وجملة الفعل ونائب الفاعل وما تعلق بهما في محل رفع صفة لـ(ما)
(فِي وَقْتِهِ): الجار والمجرور متعلقان بـ (فُعِلَ) و(وقت) مضاف و(الهاء) ضمير مبني على الكسر في محل جر مضاف إليه
(فِي غَيرِ): متعلق بمحذوف حال من نائب الفاعل، و(غير) مضاف
(مَجْلِسِهِ): (مجلس) مضاف إليه، و(مجلس) مضاف والضمير مضاف إليه
(وَ): واو الحال، وعليه فالأفضل تقدير (قد) محذوفة أي: وقد علم به
(عَلِمَ): فعل ماض، والفاعل مستتر يعود على (صاحب الشريعة) صلى الله عليه وسلم.
والجملة في محل نصب حال
(بِهِ): متعلق بـ (علم)
(وَ): تحتمل أن تكون حالية عند من يجيز تعدد الحال أو عاطفة
(لَمْ): حرف نفي وجزم وقلب
(يُنْكِرْهُ): فعل مضارع مجزوم بـ (لم) وعلامة جزمه السكون، والفاعل مستتر جوازا تقديره هو يعود على صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم والهاء ضمير مبني على الضم في محل نصب مفعول به
والجملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل نصب حال عند من يجيز تعدد الحال أو في محل نصب معطوفة على جملة (علم به)
وتقدير ماسبق: وما فُعِلَ في وقته عالما به غيرَ منكِرٍ له
(فَـ): زائدة لتحسين اللفظ
(حُكْمُهُ): مبتدأ ثان، و(حكم) مضاف والضمير مضاف إليه
(حُكْمُ): خبر، والجملة من المبتدإ الثاني وخبره خبر المبتدإ الأول (ما)، و(حكم) مضاف
(مَا): مضاف إليه
(فُعِلَ): فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل يعود على (ما)
(فِي مَجْلِسِهِ): متعلق بـ (فعل)، و(مجلس) مضاف والهاء مضاف إليه
والجملة من الفعل ونائب الفاعل وما تعلق بهما في محل جر مضاف إليه

د:ابراهيم الشناوى
2018-02-02, 08:54 PM
المعنى
لما تكلم عن أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ناسب أن يتكلم عن إقراره لأنه من السنة أيضا لأن السنة قول أو فعل أو إقرار، فذكر صورتين للإقرار:
إحداهما-أن يقول أحد قولا أو يفعل فعلا في حضوره صلى الله عليه وسلم فيسكت النبي صلى الله عليه وسلم مقرا له فحكم هذا القول أو الفعل الإباحة
الثانية-أن يقول أحد قولا أو يفعل فعلا في غير حضور النبي صلى الله عليه وسلم فيعلمُ به النبي صلى الله عليه وسلم فيسكت عنه ويقره فحكمه أيضا الإباحة.

د:ابراهيم الشناوى
2018-02-10, 10:31 PM
قال صاحبي
قال: مَنْ صاحب الشريعة؟
قلت: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: أليس صاحب الشريعة هو الله تعالى؟
قلت: بلى
قال: فكيف تقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم
قلت: كلامه هنا وفي الأفعال يدل على أنه يريد به الرسول صلى الله عليه وسلم
قال: فكيف ذلك؟ أعني كيف جَعَلَه صاحبَ الشريعة؟
قلت: لأنه صلى الله عليه وسلم هو المبلغ لها عن ربه عز وجل فكل ما جاء عن غير طريقه فليس من الشريعة
قال: كيف يكون إقراره صلى الله عليه وسلم هو قوله؟ أليس الإقرار هو الموافقة؟
قلت: بلى، ولكن ...
فقاطعني قائلا: ثم إن المراد بالقول هنا قولُ شخص آخر غير النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يكون قولُ غيرِ النبي هو قولُ النبي صلى الله عليه وسلم؟
قلت له: حنانيك، هَوِّنْ على نفسِك، فإن الكلام على التشبيه
قال: وكيف ذلك؟
قلت: شبه إقراره صلى الله عليه وسلم بقوله
فنظر إليَّ مُصغيا وقال: ثم ماذا؟
قلت: ثم حذف الأداة والوجه
قال: فهو تشبيه بليغ؟
قلت: نعم
قال: أَفْهَمُ مِنْ هذا أن معنى كلام المصنف (إقرار صاحب الشريعة ... كقوله)؟
قلت: نعم، هو ذا
قال: فما وجه الشبه إذن؟
قلت: الدلالة على أن هذا القول الذي أقر عليه حق
قال: وكيف ذلك؟
قلت: أين المشبه؟
قال: إقراره صلى الله عليه وسلم على (قول شخص آخر غيره)
قلت: فأين المشبه به؟
قال: قوله صلى الله عليه وسلم نفسَ (قولِ الشخص الآخر)
قلت: فما الجامع بين ما سبق
قال: الجامع هو ما وضعته بين قوسين وهو (قول الشخص الآخر) غير النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: حسنا، فهمتَ الآن؟
قال: لا، بل كنت فاهما فصرت غيرَ فاهم
فضحكتُ وقلتُ: لا تحزن فقد بقِيَ سؤالان بل ثلاثة وتفهم الأمر على وجهه
قال: هاتِ
قلت: ...

د:ابراهيم الشناوى
2018-07-05, 10:14 PM
قلت: أليس إقرارُه صلى الله عليه وسلم لقولِ غيرِه (حقا)؟
قال: بلى
قلت: وقوله صلى الله عليه وسلم (حقا)؟
قال: بلى
قلت: فما الجامع بينهما؟
قال: الجامع هو أن كلا من الإقرار والقول (حق)
قلت: وهذا هو وجه الشبه المراد، وهو الدلالة على أن الَقول الذي أقرَّهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حقٌّ
قال: نعم، هكذا فهمتُ
ثم قال: ولكن المصنف صرَّحَ بأداة التشبيه في الموضع الثاني حيث قال: "وإقرارُهُ على الفِعْلِ كفعله"
قلت: نعم
قال: فلماذ فعل ذلك؟
قلت: إما تَفَنُّنًا؛ وهو التنوُّع في القول؛ بأن يذكرَ في موضعٍ فنًّا من القول لا يذكره في الموضع الآخر ويذكرَ في الموضع الآخر ما لا يذكره في الأول.
قال: نعم
قلت: أو بيانا
قال: بيانا لماذا؟
قلت: بيانا لأنه أراد التشبيه في الموضع الأول الذي تحدثنا عنه
قال: نعم
ثم قال: ذكرت أن إقراره صلى الله عليه وسلم على قول أحد أو فعله كقوله هو صلى الله عليه وسلم وكفعله
قلت: نعم
قال: فهذا يدل على أن هذا القول أو الفعل الصادر من أحد حق جائزٌ
قلت: نعم
قال: وحيث دل على الجواز فهل يدل على الإباحة المجردة أو يحتمل الوجوب والندب؟
قلت: لا أستحضر فيه نقلا، لكني أميل إلى الإباحة
قال متعجبا: ماذا؟ ماذا؟
قلت: لا أستحضر ... أأأ
فقاطعني قائلا: ما هذا أتظن نفسك السبكي؟!
قلت متحرجا: وما ذاك؟
قال: السبكي هو الذي قال: (لا أستحضر فيه نقلا) ثم مال إلى الإباحة
فضحت وقلت: قاتلك الله! أَوَ تعلمُ ذلك؟
قال: نعم، أعلمه
فقلت: أردت أن أمازحك
قال: بل أردت أن تدلس عليّ
قلت: لا بأس ولكنك علمته على كل حال
قال: نعم
قلت: هيه
قال: لماذا رجح السبكي الحملَ على الإباحة؟
قلت: لأنها الأصل
قال: لماذا كان إقراره صلى الله عليه وسلم على القول كقوله وعلى الفعل كفعله؟

د:ابراهيم الشناوى
2018-07-05, 10:15 PM
قلت: لأنه لو أقر على:

- قول ليس بحق،
- أو على فعل ليس بجائز
كان مُقِرًّا على المنكر؛ لأن غير الحق وغير الجائز منكر،
وهو صلى الله عليه وسلم معصوم عن أن يقر أحدا على منكر؛ لأن الإقرار على المنكر منكر، وهو معصوم عن المنكر[1].
قال: أيها أقوى: القول أو الفعل أو الإقرار؟
يعني لو تعارضت هذه فأيها يُقَدَّم؟
قلت: الأغلب يميلون إلى:

- تقديم القول
- ثم الفعل
- ثم الإقرار.
قال: ولِمَ؟
قلت: لأن القول لا يوجد فيه احتمال خصوصية أبدا
أما الفعل ففيه احتمال خصوصية
وأما التقرير فإنه يتطرق إليه احتمال لا يتطرق إلى الفعل:
- إذ قد يُفْعَلَ فِعْلٌ والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن منتبها له؛ كأن يكون قد شُغِلَ بشيء آخر، فيأتي الفاعل لهذا الفعل فيقول: "أنا فعلت هذا الفعل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكِرْ عليّ"
- وأيضا فالفِعْلُ قد باشره النبيُّ صلى الله عليه وسلم بنفسه فيكون التقرير أقل رتبة منه.
قال: فهذا التفصيل بين القول والفعل والتقرير دائما
قلت: نعم، إذا لم توجد قرائن
فإن وجدت قرائن فربما يُقَدَّمُ الفعلُ على القول

د:ابراهيم الشناوى
2018-07-05, 10:16 PM
قال: ذكرت أن جملة (وعلم به) حالية وأن الأفضل تقدير (قد)
قلت: نعم
قال: فلماذا كان الأفضل تقديرها
قلت: لأن الجملة الحالية إذا كانت ماضوية فالأكثر أن تقترن بـ (قد)[1].
قال: وذكرتَ أن الواو في قوله: "ولم ينكرْهُ" تحتمل أن تكون واو الحال عند من يجيز تعدد الحال، وأن تكون عاطفة، فما معنى هذا الكلام؟
قلت: إذا سُبِقَتْ الواو التي تحتمل الحالية بجملة حالية، كما هنا، احتملت الواو أن تكون عاطفة فتكون الجملة حالية بالتبعية أو أن تكون الواو حالية فتكون الجملة حالية أصالةً لا تبعا[2].
قال: أنا لا أوافقك على أن الواو هنا واو الحال
قلت: فما تقول أنت؟
قال: أقول: الواو هنا ابتدائية أو استئنافية أو بمعنى (إذْ)
فعلمتُ أنه كعادتِهِ يريد أن يتفلسف بغير علم
فقلت له: أصبتَ مُخْطِأً، أو أخطأتَ مصيبًا
فقال متلعثما: لـِ لـِ لـِ لماذا؟ بل ماذا تقول؟
فضحكتُ وقلتُ: هو ما سمعتَ
فسكتَ قليلا ثم قال: ماذا تريد أن تقول؟
قلت: أريد أن أقول: إنك أصبتَ في قولك إن الواو هنا: ابتدائية أو استئنافية أو بمعنى (إذ)
قال: ثم ماذا؟
قلت: ثم أخطأتَ في ظنِّكَ أن هذه الثلاثة مختلفة، بل هي كلها بمعنى واحد
قال: بل أنت الذي أخطأتَ الآن
قلت: وكيف ذلك؟
قال: ألا تعلم أن أبا البقاء العكبري قال في قوله تعالى: {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} [آل عمران: 154]: "وتسمى هذه الواو واو الحال، وقيل بمعنى (إذ) وليس بشيء"[3]، وقبله قال مكي: "وهذه الواو قيل: هي واو الابتداء، وقيل: واو الحال: وقيل: هي بمعنى (إذ)"[4].
قلت: نعم أعلم ذلك وقد أشرت إلى موضعيهما في كتابيهما في الحاشية
قال: فأنت تُخَطِّؤهما؟
قلت: نعم، هذا وهم منهما
قال: فأنت أعلم منهما
قلت: لا، ولكن العلماء خطؤوهما فتبعتهم لأن قولهما مخالف لما تقرر في علم العربية
قال: فاذكر لي قول مَنْ خَطَّأَهما
قلت: قال ابن هشام: "ووهم أبو البقاء في قوله تعالى: {وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ} [آل عمران: 154]، فقال: "الواو للحال، وقيل بمعنى إذ"، وسبقه إلى ذلك مكي وزاد عليه فقال: "الواو للابتداء وقيل للحال وقيل بمعنى إذ" انتهى، والثلاثة بمعنى واحد، فإن أراد بالابتداء الاستئناف فقولهما سواء[5].
قال: إذن فالواو هنا للابتداء أو للحال أو بمعنى (إذ) كله سواء.
قلت: نعم
_________________________
[1] الجنى الداني في حروف المعاني 164.
[2] مغني اللبيب/ الخطيب 4/ 380 بتصرف.
[3] التبيان في إعراب القرآن لأبي البقاء العكبري 1/ 303 ت. علي محمد البجاوي ط. عيسى البابي الحلبي.
[4] مشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب 1/ 215 ت. حاتم الضامن ط. دار البشاير.
[5] مغني اللبيب – الخطيب 4/ 379.

د:ابراهيم الشناوى
2018-07-05, 10:17 PM
النَّسْخ

قال المصنف

وَأَمَّا النَّسْخُ فَمَعْنَاهُ: الْإِزَالَةُ؛ يُقَالُ: " نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ ": إِذَا أَزَالَتْهُ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: النَّقْلُ؛ مِنْ قَوْلِهِمْ: " نَسَخْتُ مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ ": إِذَا نَقَلْتُهُ.
وَحَدُّهُ: الْخِطَابُ الدَّالُّ عَلَى رَفْعِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى وَجْهٍ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا، مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ.

______________________________ ________
(وَ): استئنافية، أو عاطفة
(أَمَّا): حرف تفصيل فيه معنى الشرط
(النَّسْخُ): مبتدأ، وهو من جملة الجواب كما تقدم مرارا
(فَـ): واقعة في جواب (أمَّا) وهي مزحلقة عن موضعها، والأصل (وأما فالنسخ ...) فزحلقت الفاء عن موضعها من المبتدإ إلى الخبر لضرب من إصلاح اللفظ
(مَعْنَاهُ): (معنى) مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر
و(معنى) مضاف والضمير مضاف إليه مبني على الضم في محل جر
(الْإِزَالَةُ): خبر
والجملة من المبتدإ والخبر في محل رفع خبر المبتدإ (النسخ)
وجملة (النسخ معناه ...) جواب (أمّا) أو (مهما) أو جوابهما معا كما علمت سابقا
وجملة (أما النسخ فمعناه ...) لا محل لها من الإعراب استئنافية أو معطوفة على جملة (فأما أقسام الكلام ...) كما تقدم مرارا أيضا.
(يُقَالُ): فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة،
" نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ ": (نسخ) فعل ماض و(التاء) تاء التأنيث الساكنة وحُرِّكَتْ بالكسر لالتقاء الساكنين، و(الشمس) فاعل، و(الظل) مفعول به
والجملة في محل رفع: نائب فاعل لـ(يقال)
وجملة (يقال ... الظل) لا محل لها من الإعراب ابتدائية
(إِذَا): شرطية غير جازمة، ويقال في إعرابها: ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه
(أَزَالَتْهُ): (أزال): فعل ماض، والتاء تاء التأنيث الساكنة، والفاعل مستتر يعود على (الشمس) و(الهاء) ضمير مبني على الضم في محل نصب مفعول به
والجملة في محل جر بإضافة (إذا) إليها
وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه والتقدير: (إذا أزالت الشمسُ الظلَّ يقال نسخته)

د:ابراهيم الشناوى
2018-07-05, 10:25 PM
(وَ): عاطفة
(قِيلَ): فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح لا محل له من الإعراب
(مَعْنَاهُ): (معنى) مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر، و(معنى) مضاف و(الهاء) ضمير مبني على الضم في محل جر مضاف إليه
(النَّقْلُ): خبر
والجملة في محل رفع نائب فاعل لـ(قيل)
وجملة (قيل ... النقل) في محل رفع معطوفة على جملة (معناه الإزالة) الواقعة خبرا لـ(النسخ)
(مِنْ قَوْلِهِمْ): متعلق بمحذوف نعت لـ(معنى) من قوله: "معناه النقل" أي: (معناه مأخوذ من قولهم: كذا)، و(قول) مضاف و(هم) مضاف إليه، والضمير (هم) يعود على العرب ولم يجر لهم ذكرٌ وثوقا بمعرفة السامع به، وهذا في الكلام كثير: كقوله تعالى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص: 32]، أي الشمس ولم يَجْرِ لها ذِكْرٌ، ومنه قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]، أي القرآن ولم يجر له ذكر في الكلام.
("نَسَخْتُ): (نسخ) فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل، و(التاء) تاء المتكلم ضمير مبني على الضم في محل رفع فاعل
(مَا): اسم موصول بمعنى الذي مبني على السكون في محل نصب مفعول به
(فِي): حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب
(هَذَا): اسم إشارة مبني على السكون المقدر في محل جر بـ (في)، والجار والمجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره (استقر) وشبه الجملة (في هذا) صلةُ (ما) لا محل لها من الإعراب
(الْكِتَابِ"): بدل أو عطف بيان من (هذا) مجرور مثله وعلامة جره الكسرة الظاهرة
وجملة: (نسختُ ما ... الكتاب) في محل نصب مقول القول (قولهم)
(إِذَا): ظرف لما يستقبل من الزمان
(نَقَلْتُهُ): فعل ماض (نقل)، وفاعل (التاء)، ومفعول به (الهاء)، والجملة في محل جر بإضافة (إذا) إليها، والجواب محذوف يدل عليه ما تقدم والتقدير: إذا نقلتُ ما في الكتابِ يقال نسخته.
(وَ): استئنافية
(حَدُّهُ): مبتدأ، ومضاف إليه، ويعود الضمير على (النسخ) بمعنى (الناسخ)، أو على (الناسخ) المفهوم من (النسخ) أي: وحَدُّ الناسخِ.
(الْخِطَابُ): خبر إما للمبتدإ (حَدُّه) أو لمبتدإ محذوف والتقدير: هو الخطابُ، وتكون الجملة في محل رفع خبر المبتدإ (حَدُّه)، وهذا الثاني أقرب؛ للتصريح به في بعض نُسَخِ الورقات فقد ورد هكذا: (وحَدُّهُ هو الخطابُ ...الخ)
(الدَّالُّ): نعت لـ(الخطاب)
(عَلَى رَفْعِ): متعلق بـ (الدال)، و(رفْعِ) مضاف
(الْحُكْمِ): مضاف إليه
(الثَّابِتِ): نعت لـ(الحكم)
(بِالْخِطَابِ): متعلق بـ (الثابت)
(الْمُتَقَدِّمِ) : نعت لـ(الخطاب)
(عَلَى وَجْهٍ): متعلق بمحذوف حال من فاعل (الدَّالّ) العائد على (الخِطَاب)[1] مِنْ قوله: "الخطاب الدال على رفع الحكم"
(لَوْلَاهُ): (لولا) حرف جر يجر الضمير خاصة، والهاء ضمير متصل نائب عن الضمير المنفصل إذ الأصل (لولا هو)، مبني على الضم وله محلان:
الأول–جر بـ (لولا) الامتناعية
والثاني-رفع على أنه مبتدأ، وهو يعود على (الخطاب الدَّالّ)، والخبر محذوف وجوبا أي: لولا الخطابُ الدَّالُّ موجودٌ.
(لَكَانَ): اللام واقعة في جواب (لولا)، و(كان) فعل ماض ناقص واسمها مستتر جوازا تقديره (هو) يعود على (الحكم) أي لكان الحُكْمُ الذي نُسِخَ ثابتا.
(ثَابِتًا): أي مستمرا، وهو خبر كان
وجملة (كان ثابتا) وما تعلق بها لا محل لها من الإعراب جواب شرط غير جازم هو (لولا)
وجملة (لولاه ... ثابتا) في محل جر صفة لـ(وجه) والعائد مقدر أي: معه[2].
(مَعَ): ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وهو متعلق بمحذوف حال من فاعل (الدَّالّ) أيضا أي في حال كونه مصاحبا لتراخيه عنه[3].
و(مع) مضاف
(تَرَاخِيهِ): (تراخي) مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الثقل، و(تراخي) مضاف والهاء مضاف إليه يعود على (الخطاب الثاني)
(عَنْهُ): متعلق بـ (تراخِي)، والضمير يعود على (الخطاب المتقدم)، أي: مع تراخي الخطاب الثاني عن الخطاب المتقدم.
___________________________
[1] حاشية الدمياطي على شرح الورقات للمحلي 14، والشرح الكبير على الورقات لابن قاسم 312، وحاشية السوسي على قرة العين 120.
[2] انظر المراجع السابقة.
[3] السابقة.

د:ابراهيم الشناوى
2018-07-05, 10:25 PM
المعنى


هذا هو الباب العاشر من أبواب أصول الفقه التي ذكرها المصنف هنا في (الورقات) وهو (النسخ) فتكلم عن تعريفه لغة واصطلاحا

فالنسخ لغة: يطلق على أحد شيئين:

الأول -الإزالة وعلى هذا أكثر العلماء.
واعلم أن النسخ بمعنى الإزالة في اللغة على نوعين[1]:

1- نسخٌ إلى بدل؛ كالمثال الذي جاء به المصنف وهو: (نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ) يعني: أن الشمس أزالت الظلَّ وحَلَّتْ مَحَلَّهُ.

2- نسخٌ إلى غير بدل مثل: (نَسَخَتِ الريحُ آثارَ القومِ) أي أزالتْ الريحُ آثارَ القومِ ولكنها لم تَحِلَّ مَحَلَّ آثارهم

الثاني – النقل: نحو: (نَسَخْتُ ما في الكتابِ) إذا نقلت ما فيه وليس المراد إذهابُ ما فيه وإعدامه وإنما نقلُ مثلِ ما فيه

والأكثرون على الأول وهو: الإزالة

واصطلاحا: ما ذكره المصنف بقوله: "وحَدُّهُ رفعُ الخطاب ...الخ" وتوضيحه أن يكون عندنا حكم قد ثبت بخطاب أي (بقول الله تعالى أو بقول رسوله صلى الله عليه وسلم) فهذا خطاب متقدم وحكم متقدم ثم يأتي بعده خطابٌ متأخر بحكم متأخرٍ مخالف للحكم المتقدم فينتج عن ذلك أن يَنْسَخَ الحكمُ المتأخرُ الحكمَ المتقدمَ
______________________
[1] الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي 122 -123 ت. أحمد طنطاوي جوهري ط. المكتبة المكية ودار ابن حزم، والأنجم الزاهرات للمارديني تحقيق د. عبد الكريم النملة 182 هامش رقم (4).

د:ابراهيم الشناوى
2018-07-05, 10:26 PM
قال صاحبي


قال: ما إعراب (وَحْدَهُ) إذا قلت: (أشهد أن لا إله إلا الله وَحْدَهُ لا شريك له)؟

قلت: حال، ولكن ما علاقة هذا بموضوعنا؟

قال: علاقته أنك أعربتَها هنا مبتدأً فأردتُ أن أعرف الفرق بين الموضعين، لماذا أعربتها في الشهادة (حالًا) وأعربتها هنا (مبتدأً)؟

قلت متعجبا: ما هي التي أعربتُها حالا هناك ومبتدأ هنا؟!

قال: كلمة (وَحْدَهُ)

قلت: أنا لا أفهم شيئا، عن أي شيءٍ تسأل؟ أنا لم أتعرض لكلمة الشهادة هنا!

قال: أنا أعلم أنك لم تتعرض لكلمة الشهادة هنا ولكني أردت أن أعرف الفرق بين إعراب (وَحْدَهُ) في كلمة الشهادة حيث إن إعرابَها فيها (حالٌ)، وبين إعرابك هنا لها وأنها (مبتدأ)

قلت: يا أخي هداك الله، وأين لفظ (وَحْدَهُ) هنا الذي أعربتُهُ مبتدأ؟

قال: في قول المصنف: "وحده الخطابُ الدَّالُّ على رفع الحكم ...الخ "

فسكتُّ قليلا مُتَفَكِّرًا فيما يقول ثم ضحكتُ وقلتُ كما قال الأول:


أقول له (زيدٌ) فيسمعها (عَمْرا) *** ويكتبها (بكرًا) وينطقها (بِشْرا)


فأطرقَ خجلا ثم قال: وما ذاك؟

قلت: أتظن أن (وَحَدُّهُ) في كلام المصنف هي (وَحْدَهُ) في كلمة الشهادة؟

قال: بلى

قلت: هل تعرفُ (القِبَعْضَ)؟

قال: لا، فما هو؟

قلت: اجتمع جماعةٌ من الأدباء لتقطيع بعض الأبيات الشعرية فكان منها قول النابغة:


أبا منذرٍ أفنيتَ فاسْتَبْقِ بعضنا *** حنانَيْكَ بعضُ الشرِّ أهونُ مِنْ بعضِ


فقال بعضهم هو من البحر الفلاني
وقال آخرون بل من البحر الفلاني
فتردَّدَ على أفواههم من تقطيعه (قِ بَعْض) يعني (حرف القاف) من كلمة مع كلمة (بعض) من الكلمة الأخرى
فاتفقوا أن يأتوا إلى المبرد ويمتحنوه بكلمة (القِبَعْضِ)
وقد كان المبرد يُتَّهَمُ بالكذبِ لِعِظَمِ حفظه للغة واتساعه فيها
فقالوا له: أنبئنا، أيدك الله، ما (القِبَعْضُ) في كلام العرب؟

فقال المبرد: هو القطنُ، ألم تسمعوا قول الشاعر:


*** كأن سَنامَها حُشِيَ القِبَعْضا ***


فقال بعضهم: تَرَوْنَ الجوابَ والشاهدَ إن كان صحيحا فهو عجيب، وإن كان مُخْتَلَقًا فهو أعجب

قال صاحبي: رحم الله المبرد لقد كان آية في الذكاء والفطنة، ومما يُرْوَى عنه أنه كاكاكا ...

فأشرت إليه أن كفى كفى وقلت له: ما هذا حديثُنا، يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق

فقال منتبها: نعم نعم، يكفي يكفي، ما الذي جَرَّنا إلى هذا الحديث؟ وما لنا وللقبعض؟

فقلت: ذكرنيه تصحيفُك

فقال: تصحيفي؟!

قلت: أجل، وما لك متعجبا!

قال: لأني لا أُصَحِّفُ، وإن حدث فإني لم أُصَحِّفُ الآن

قلت: بلى، قد فعلتَ

قال: فأين ذلك؟

قلت: زعمُكَ أو ظنُّك أن (وَحَدُّه) في كلام المصنف هو (وَحْدَهُ) في كلمة الشهادة، أتُراكَ إن كنت لا تُحْسِن القراءة أفلا تُحْسِنُ الاستماع؟

فسكتَ وعلِمَ أنه قد صَحَّفَ

ثم قال: فما معنى (حَدُّهُ) في كلام المصنف

قلت: المراد بالحَدِّ التعريفُ؛ فالمراد بـ (حَدِّ النسخِ) تعريفُ النسخِ

قال: تقول: إن معنى (الخطاب) في تعريف النسخ هو (قولُ الله أو قولُ رسوله صلى الله عليه وسلم)

قلت: نعم
قال: ...

د:ابراهيم الشناوى
2018-07-05, 10:27 PM
قال: فأين الإجماع والقياس؟ وأين النسخُ بهما؟

قلت: لا نسخَ بـ (الإجماع) ولا بـ (القياس)

قال: ولِمَ؟

قلت: أما (الإجماع) فلأنه لا ينعقد إلا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته لا يمكن النسخ لأنه تشريع

وأما (القياس) فلأن النصَّ مقدَّمٌ عليه ولا يُصارُ إليه إلا عند عدم النص

قال: أرأيت الصلاة أليست فرضا؟

قلت: بلى

قال: ففرض الصلاة قد نسخ الحكم الأول

قلت: وما الحكم الأول؟

قال: عدم فرضيتها، وذلك أن الأصل براءة الذمة من وجوبها ثم جاء خطاب الشارع بفرضها وذلك في قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [في مواضع منها البقرة: 43]، فهذا الخطاب التالي قد رفع الحكم السابق وهو البراءة الأصلية إلى الوجوب فهو نسخ، أليس كذلك؟

قلت: نعم، ليس كذلك

قال: ولِمَ؟

قلت: لأن الشرط في النسخ أن يكون الحكم الأول ثابتا بخطاب الشارع ثم يأتي خطاب آخر فينسخه
وأما ما ذكرتَــه هنا فليس كذلك إذ إن الحكم الأول وهو البراءة الأصلية ليس ثابتا بخطاب الشارع بل هو عام في كل ما لم يرد فيه دليل خاص على الإباحة أو التحريم أو غيرهما فالأصل براءة الذمة من التكليف بشيء حتى يأتي الدليلُ المُلْزِمُ بالتكليف بفعل أو نهي

قال: أفهمُ من هذا أن قولَ المصنف: "الحكم الثابت بالخطاب" احترازٌ عما غيرتْهُ النصوصُ من حكم البراءة الأصلية لأن ذلك لم يكن بخطاب؟

قلت: نعم، هو ذا، ولو كان ما غيرتْهُ النصوصُ من حكمِ البراءةِ الأصليةِ يسمَّى نسخا لكانت الشريعةُ كلُّها نسخا

قال: وكيف ذلك؟

قلت: ألا ترى أن الصلاة والصوم والفرائض كلها على خلاف البراءة الأصلية؟[1]

فسكتَ قليلا متفكِّرًا ثم قال: نعم نعم، صح صح.

قال: ماذا يريد المصنف بقوله: "على وجه لولاه لكان ثابتا"؟
_________________________
[1] شرح الورقات لابن الفركاح 215.

د:ابراهيم الشناوى
2018-07-05, 10:28 PM
قلت: أما قوله: "على وجه" فمعناه: (على حالٍ)

قال: نعم، ولكن ألا ترى الصعوبة في هذا الحَد؟

قلت: نعم، وربما كان ذلك من عدم وضوح مرجع الضمائر

قال: نعم، أكمل، ما الذي أراده بقوله السابق؟

قلت: أراد الاحتراز عن شيئين

قال: وما هما؟

قلت: أما الأول: فالاحتراز عن الحكم الذي له غايةٌ ينتهي إليها
لكنه لم يذكرها في الخطاب الأول المتقدم
ثم جاء الخطاب المتأخر يدل على أن هذا الحكم إذا بلغ الغاية الفلانية فقد انتهى
فإن هذا الخطاب الثاني يرفع حكم الخطاب الأول ولكنه (ليس على وجه لولاه لكان ثابتا)

قال: كيف ذلك؟

قلت: يعني أن الحكم الأول يظل ثابتا، ثم إذا جاء الخطاب الآخر بيَّنَ فقط مدةَ بقائه ثابتا يعني: بيَّنَ الغايةَ التي ينتهي عندها.

قال: لو ضربتَ لي مثالا! فإني أحسبني أفهم ما تقول لكن ليس على الوجه المطلوب

قلت: لا بأس، انظر إلى قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9]، ما الحكم هنا؟

قال: تحريمُ البيعِ وقت النداء لصلاة الجمعة

قلت: أحسنت، فهذا حكمٌ ثبتَ بخطابٍ؟

قال: نعم

قلت: فماذا تفهم من قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة:10]؟

قال: أفهم أن تحريم البيعِ ينتهي بانتهاء صلاة الجمعة

قلت: أحسنت، وهذا هو المطلوب؛
فالحكم الأول وهو تحريم البيع وقت النداء للجمعة ثبت بخطاب
وليس في الخطاب الأول غاية لهذا الحكم
ثم جاء الخطاب الثاني فبيَّن أن هذا الحكمَ مُغَيًّا بغاية
فلم يرفع الحكمُ الثاني الحكمَ الأول وهو تحريم البيع وقت النداء للجمعة بل بيَّنَ أن هذا الحكم يظل ثابتا إلى غاية وهي الانتهاء من الصلاة فعندها ينتهي هذا الحكمُ

قال: نعم، فهمتُ هذا

قلت: فهذا لا يسمى نسخا؛ لأنه لم يرفع الحكمَ بل بيَّنَ أن له غايةً ينتهي عندها

قال: نعم

قلت: وأما الثاني فـ ...

قال: أيُّ ثانٍ تتحدث عنه؟

قلت: يا أخي انتبه قليلا، ألم أقل لك إن قوله: "على وجه لولاه لكان ثابتا" احترازٌ عن شيئين؟

قال: بلى

قلت: وذكرتُ لك أن الأول الذي احترز عنه هو الحكم المـُغَيَّا بغاية وهو ما ذكرناه آنفا؟

قال: أجل، تذكرتُ، فما الشيء الثاني الذي احترز عنه؟

قلت: هو الحكم الذي له علةٌ مذكورة في خطاب متقدم
ثم ورد خطاب متأخر بأنه عند عدم وجود هذه العلة فإن الحكم يكون خلاف الحكم الأول
فهذا لا يسمى نسخا.

قال: مثل ماذا؟

قلت: مثل قوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96]؛ فإن الإحرام علة لتحريم صيد البَــرِّ، وكما تعلمُ فإن صيدَ البَــرِّ حلالٌ لغيرِ المُحْرِمِ

قال: نعم

قلت: فلا يقال: إن قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2]، قد نسخ هذا الحكمَ؛ لأن الإحرام معنًى أوجب التحريم فإذا زالَ زال التحريمُ[1].

قال: نعم

ثم قال: فقوله: "مع تراخيه عنه"

قلت: أي مع مُضِيِّ مدةٍ بين الناسخ والمنسوخ
أراد بذلك الاحتراز عما إذا كان الخطاب الثاني غير متراخٍ بل كان متصلا بالأول فلا يكون نسخا بل بيانا: كالتقييد بالصفة والشرط والاستثناء[2] فإن ذلك يكون متصلا ولا ينفصل بخلاف النسخ فإنه يكون منفصلا

قال: أفهم مما سبق أن للنسخ شروطا؟

قلت: نعم، فهل تستطيع ذِكْرَها؟

قال: نعم

قلت: هاتِ

قال: شروط النسخ هي:

1- أن يكون النسخُ بخطاب شرعي من كتاب أو سنة

2- أن يَرفع حكما شرعيا ثابتا بخطاب من كتاب أو سنة

3- ألا يكون الخطاب الذي رُفِعَ حكمُهُ مُغَيــًّا بغاية أو مُعَلَّلًا بعلة

4- أن يكون الناسخُ متأخرا عن المنسوخ[3].

قال: ولكن لماذا يُشْتَرَطُ في الناسخ أن يكون متأخرا عن المنسوخ؟

قلت: لِيُفارِقَ التخصيصَ في هذا؛ فإن المخصِّصاتِ منها ما هو متصل ومنها ما هو منفصل كما علمت وأما النسخ فكله منفصل ولا يصح أن يكون فيه ناسخ متصل[4].
______________________________
[1] شرح الورقات لابن الفركاح 216، والتحقيقات شرح الورقات لابن قاوان 358.

[2] شرح الورقات لعبد الله الفوزان 87.

[3] تهذيب شرح الورقات 68.

[4] شرح الورقات – سعد الشثري 141.

د:ابراهيم الشناوى
2018-07-05, 10:30 PM
أقسام النسخ باعتبار المنسوخ


قال المصنف:

وَيَجُوزُ نَسْخُ الرَّسْمِ وَبَقَاءُ الْحُكْمِ. وَنَسْخُ الْحُكْمِ وَبَقَاءُ الرَّسْمِ. وَنَسْخُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا.

وَالنَّسْخُ إِلَى بَدَلٍ، وَإِلَى غَيْرِ بَدَلٍ. وَإِلَى مَا هُوَ أَغْلَظُ، وَإِلَى مَا هُوَ أَخَفُّ.

______________________________ ___________________

(وَ): استئنافية

(يَجُوزُ): فعل مضارع

(نَسْخُ): فاعل، ومضاف

(الرَّسْمِ): مضاف إليه

(وَ): عاطفة، ومعناها المعية أي ويجوز نسخ الرسم مع بقاء الحكم، وقد علمت فيما سبق أن الواو قد تأتي للمعية فتعطف الشيء على مُصاحِبه: كقوله تعالى: {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} [العنكبوت:15]، فالنجاة حصلت لنوح وأصحاب السفينة معا.

قال ابن مالك: "وكونها للمعية راجحٌ وللترتيب كثير ولعكسه قليل"[1].

(بَقَاءُ): معطوف على (نسخ)، و(بقاء) مضاف

(الْحُكْمِ): مضاف إليه

(وَ): عاطفة

(نَسْخُ): معطوف على (نسخ الرسم)، و(نسخ) مضاف

(الْحُكْمِ): مضاف إليه

(وَبَقَاءُ الرَّسْمِ): تقدم مثله

(وَ): عاطفة

(نَسْخُ): معطوف على (نسخ الرسم)، و(نسخ) مضاف

(الْأَمْرَيْنِ): مضاف إليه مجرور وعلامة جره الياءُ لأنه مثنى

(مَعًا): حال

(وَ): عاطفة أو استئنافية

(النَّسْخُ): إن جعلت الواو عاطفة فهو معطوف على (نسخ الرسم)، أي ويجوز النسخ إلى بدل

وإن جعلتها استئنافية فالمعنى: وينتقسم النسخ إلى بدل وإلى غير بدل ...الخ

(إِلَى بَدَلٍ): متعلق بـ (يجوز) أو بـ (ينقسم)

(وَ): عاطفة

(إِلَى غَيْرِ): معطوف على (إلى بدل)، و(غير) مضاف

(بَدَلٍ): مضاف إليه

(وَ): استئنافية

(إِلَى): حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب

(مَا): اسم مبني على السكون في محل جر بـ (إلى) والجار والمجرور متعلقان بـ (يجوز) أو بـ (ينقسم)

و(ما) نكرة موصوفة بمعنى حُكْم أي ويجوز النسخُ إلى حكم هو أغلظ

(هُوَ): مبتدأ

(أَغْلَظُ): خبر، والجملة في محل جر صفة لـ(ما)

(وَ): عاطفة

(إِلَى مَا هُوَ أَخَفُّ): تقدم مثله وهو معطوف على قوله: "إلى ما هو أغلظ"
__________________________
[1] مغني اللبيب – الخطيب 4/ 352.

د:ابراهيم الشناوى
2018-07-05, 10:31 PM
المعنى

ذكر هنا أقسام النسخ وهو ينقسم باعتبارين:

الأول- باعتبار المنسوخ
والثاني- باعتبار الناسخ
فبدأ في بيان انقسامه باعتبار المنسوخ فذَكَر أنه أقسام هي:

الأول – نسخ الرسم (أي الكتابة التي في المصحف بحيث لا تظل آيةً تُتْلَى) وبقاءُ الحكم:

يعني: أن تنزل آيةٌ وتُكْتَبُ فيما يُكْتَبُ من القرآن ثم يُرْفَعُ تلاوتُها ويبقي حُكْمُها ثابتا كما كان

مثاله: آيةُ الرجم
فعَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: لَقِيتُ أُبَيِّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَحُكُّ الْمُعَوِّذَتَي ْنِ مِنَ الْمَصَاحِفِ وَيَقُولُ: إِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنَ الْقُرْآنِ فَلَا تَجْعَلُوا فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ
قَالَ أُبَيِّ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَنَا، فَنَحْنُ نَقُولُ.
كَمْ تعدُّون سُورَةَ الْأَحْزَابِ مِنْ آيَةٍ؟
قَالَ: قُلْتُ: ثَلَاثًا وَسَبْعِينَ
قَالَ أُبَيِّ: وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ إِنْ كَانَتْ لَتَعْدِلُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَلَقَدْ قَرَأْنَا فِيهَا آيَةَ الرَّجْمِ: {الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ الله والله عزيز حكيم}[1].

ومعنى: (الشيخ والشيخة) أي: الثَّيِّبُ والثَّيِّبَةُ

الثاني: نسخُ الحُكْمِ وبقاءُ الرسم (الكتابة والتلاوة)
وهو عكس الأول، وهو أكثرُ أنواعِ النَّسْخِ
ومثاله: آيتي الأنفال:
الأولى – قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} [الأنفال: 65]

فقد كان الحكم الأول الذي في هذه الآية هو وجوب ثبات الواحد من المسلمين لعشرة من المشركين فلا يجوز أن يَفِرَّ مِنْ أمامهم ما داموا عشرة فأقل
ثم نُسِخَ هذا الحكمُ بالآية الثانية وهي:
الثانية – قوله تعالى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:66]
فنُسِخَ الحكمُ الأول وهو وجوب الثبات والمصابرة للمسلم الواحد إذا كان من أمامه عشرة من المشركين أو أقل
فنُسِخَ هذا الحكمُ وصار الواجبُ هو وجوبُ الثباتُ والمصابرةُ للواحد من المسلمين إذا كان مَنْ أمامه واحدٌ أو اثنان فقط من المشركين
وأما لو كانوا ثلاثةً فأكثر فلم يَثْبُتْ لهم ولم يصابرهم فلا إثمَ عليه
وهذا نسخٌ للحكم الذي في الآية الأولى مع بقاء تلاوتها
وهو أيضا نسخٌ من الأشد للأخف.

الثالث – نسخُ الأمرَيْنِ معا أي نسخُ الرسمِ والحُكمِ
ومثاله: ما ورد في صحيح مسلم عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: "كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ
ثُمَّ نُسِخْنَ، بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ
فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ "[2]. فتحريمُ الـ (عشرِ رضَعات) نُسِخَ لفظاً وحكما، وأما تحريمُ الـ (خمسِ رضعات) فمنسوخٌ لفظا لا حكما
______________________________
[1] صحيح: رواه ابن حبان انظر التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان للألباني رقم (4412) والسلسلة الصحيحة رقم (2913) فقد ذكر أن آية الرجم قد ثبتت عن عدد من الصحابة هم عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وأبي بن كعب والعجماء خالة أبي أمامة بن سهل وذكرها.

[2] صحيح: رواه مسلم (1452)

د:ابراهيم الشناوى
2018-07-05, 10:31 PM
ثم ذكر أقسام النسخ باعتبار وجود بدل وعدم وجوده
وهذا ليس قسما مستقلا بل يتبع ما سبق من أقسام النسخ باعتبار المنسوخ
فينقسم باعتبار البدل وعدمه إلى قسميْن:

الأول – النسخُ إلى بدلٍ: كنسخِ استقبال بيتِ المقدس إلى استقبالِ الكعبة

الثاني – النسخُ إلى غير بدل: نحو وجوب تقديم صدقة لِمَنْ أراد مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المجادلة: 12]
فنُسِخَ هذا الحُكْمُ بغير بدل

وقد أنكر بعض العلماء وقوع النسخ إلى غير بدل وقالوا لانسخَ بدون بدلٍ

ثم ينقسم (النسخُ إلى بدل) إلى قسمين هما:

الأول – النسخُ إلى بدلٍ أغلظَ: مثل: التخيير بين الإطعام والصيام في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184]
يعني مَنْ كان يستطيع صومَ رمضان فهو مُخَيَّرٌ بين الصيام وبين الفِطْرِ والتكفير عن ذلك بالإطعام عن كل يوم إطعامُ مسكين
ثم نُسِخَ هذا الحُكْمُ إلى وجوب الصيام فقط على المستطيع بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185]، ولا شك أن التخيير كان أهونُ عليهم من إلزام أحد الأمرين

الثاني – النسخُ إلى بدل أخفَّ: كآيتي المصابرة في الأنفال فنُسِخَ وجوبُ المصابرة لعشرة إلى وجوب المصابرة لاثنين فقط.

____________________________

قال صاحبي


قال: ألا ترى أن قوله: "وحَدُّهُ الخطابُ الدالُّ ...الخ" ليس تعريفا للنسخ؟

فسكتُّ قليلا ثم قلت: قاتلكَ الله، كيف عرفتَ هذا؟

قال: أخبرني أولا، أليس هذا صحيحا؟

قلت: بلى، صحيح

قال: فتعريفُ مَهْ؟

قلت: تعريف الناسخ

قال: ولِــمَـهْ؟

قلت: سؤالُكَ السابق يدل على أنك تعرف الجوابَ

قال: بلى، أعرفه ولكني أريد مزيد بيان
قلت: حسنا، فإن ...

د:ابراهيم الشناوى
2018-07-05, 10:42 PM
قلت: حسنا
فإن الناسخ هو: الخطابُ الثاني الدَّالُّ على رفْعِ الحكم الثابت ...الخ
وأما النسخُ فهو: رفْعُ خِطابٍ متأخرٍ ثبوتَ حكم بخطاب متقدم

قال: نعم، هذا هو
ولكن لماذا عبَّر عن (الناسخ) بـ (النسخ)؟
وعلى أي شيء يعود الضمير في قوله: "وَحَدُّهُ: الخطابُ الدَّالُّ ...الخ"؟

قلت: أما الضميرُ في (وَحَدُّهُ) فيعود على (الناسخ) بـِ بِـ بِـ ...

فقاطعني قائلا: ولكن (الناسخ) لم يجرِ له ذكرٌ

فقلت متضجرا: يا أخي أنا أعرف ذلك ولو اصطبرت قليلا لجاءك الجوابُ

قال: معذرة، فأكمِلْ

قلت: الضميرُ في (حَدُّهُ) يعود على (الناسخ) المفهوم من (النسخ) أو على (النسخ) بمعنى (الناسخ)

قال: وكيف ذلك؟

قلت: على طريق الاستخدام

قال: وما الاستخدام؟

قلت: سبق تعريفه عند قول المصنف: "وترد صيغة الأمر والمراد به الإباحة ...الخ"

قال: قوله: "والنسخُ إلى بدل" أفهمُ أن يكون التقدير (وينقسم النسخُ إلى بدل وإلى غير بدل) ولكن لا أفهم كيف يكون التقدير: (ويجوز النسخ إلى بدل)؟

قلت: وما فيه؟

قال: كيف عَدَّى (النسخ) بـ (إلى) مع الفعل (يجوز)؟

قلت: عَدَّى (النسخ) بـ (إلى) لأنه ضمنه معنى (الانتقال) أي: ويجوز نسخُ الشيء منتقلا عنه إلى بدل ...الخ[1].

قال: فأي التقديرين أفضل؟

قلت: الأفضل في الموضعين أن يُجْعَلَ الظرفُ متعلقا بـ (يجوز) لأنه المذكور في الكلام ويكون (النسخُ) مُضَمَّنًا معنى (الانتقال)

قال: فما الحكمةُ في نسخِ الرَّسْمِ وبقاءِ الحكم؟

قلت: لِيَدُلَّ على أن هذه الأُمَّةَ مُتَّبِعَةٌ لنبيِّها صلى الله عليه وسلم ومقتديةٌ به حتى فيما لم يكن مسطورا في القرآن، وحتى فيما كان مسطورا ثم رُفِعَ لفظُهُ
على عكس اليهود الذين كان عندهم في التوراة حَدُّ الرجم فأنكروه.

قال: فما الحكمة من نسخِ الحُكْمِ وبقاءِ الرسم؟

قلت: للتنبيه على فضل الله علينا في مثل آيتي المصابرة اللتين في الأنفال
وبيان كيف كان الأمر شديدا في أول الأمر على الصحابة رضوان الله عليهم وأنهم لم يتأففوا ولم يتتضجروا مع شدة الأمر عليهم
فلما علم اللهُ منهم ذلك خفف عنهم وبيَّنَ لنا ذلك لنتأسى بهم ولنعلمَ أن مع العسرِ يسرا وأن مع الشدة والضيق فرجا
هذا مع ما في بقاء الرسم من ثواب التلاوة وتكرار الموعظة بتكرار القراءة
مع معرفة قَدْرِ الصحابة وعظيم فضلهم وجهادهم وتَحَمُّلِهِم المشاقَّ العظيمة َفي سبيل نصرة دين الله عز وجل
وغير ذلك

قال: أرأيت حديث عائشة رضي الله عنها: "كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ"
فأين هذه الآية من القرآن؟

قلت: قد نُسِخَ حُكْمُها ورَسْمُها كما علمتَ سابقا

قال: فكيف قالت: "فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ"؟!
قلت: ليس المعنى على ما فهمتَ
قال: فكيف هو؟ فقد أشْكَلَ عليَّ.
قلت: المراد أن ...
_______________________
[1] الشرح الكبير على الورقات لابن قاسم 332.

د:ابراهيم الشناوى
2018-07-05, 10:46 PM
قلت: المراد أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قد تُوُفِيَّ وبعضُ الناسِ لم يبلغه أن هذه الآية قد نُسِخَتْ فكان يقرؤها على أنها ما زالت ثابتة
ولهذا قَالَتْ: "وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ" أي يقرؤها بعضُ الناس لأنه لم يبلغه نسخُها
وكأن هذا يشير إلى أن نسخَها كان متأخرا فلم يَعْلَم بنسخها كلُّ الناس
قال: نعم، هكذا زال الإشكال والحمد لله

د:ابراهيم الشناوى
2018-07-05, 10:55 PM
أنواع النسخ باعتبار الناسخ
قال المصنف:
وَيَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ.
وَنَسْخُ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ، وَبِالسُّنَّةِ.
وَيَجُوزُ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بِالْمُتَوَاتِر ِ.
وَنَسْخُ الْآحَادِ بِالْآحَادِ، وَبِالْمُتَوَات ِرِ.
وَلَا يَجُوزُ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ.
______________________________ ____
(وَ): استئنافية
(يَجُوزُ): فعل مضارع مرفوع
(نَسْخُ): فاعل، ومضاف
(الْكِتَابِ): مضاف إليه
(بِالْكِتَابِ): متعلق بـ (نَسْخ)، والجملة لا محل لها من الإعراب استئنافية
(وَ): عاطفة
(نَسْخُ): معطوفة على (نَسْخ) الأولى، و(نسخ) مضاف
(السُّنَّةِ): مضاف إليه
(بِالْكِتَابِ): متعلق بـ (نسخ)
(وَبِالسُّنَّةِ) : معطوف على (بالكتاب)
(وَيَجُوزُ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بِالْمُتَوَاتِر ِ): تقدم مثلها، والواو إما استئنافية فالجملة لا محل لها من الإعراب استئنافية، أو عاطفة فالجملة لا محل لها من الإعراب معطوفة على جملة (ويجوز نسخ الكتاب بالكتاب)
(وَنَسْخُ الْآحَادِ بِالْآحَادِ، وَبِالْمُتَوَات ِرِ): تقدم مثلها
(وَلَا يَجُوزُ نَسْخُ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ): تقدم مثلها و(لا) نافية.

د:ابراهيم الشناوى
2018-07-05, 10:57 PM
المعنى

ذكر هنا أنواع النسخ باعتبار الناسخ وهي:

الأول – نسخُ الكتاب بالكتاب: وهذا النوع لا خلاف فيه وهو كثير ومثاله: آيتي المصابرة في سورة الأنفال كما تقدم وكذا آيتي الصوم في البقرة

الثاني – نسخ السنة بالكتاب: ومثاله: تحريمُ الأكلِ والشربِ والنساءِ في ليالي الصوم في أول الأمر وكان هذا التحريمُ بالسنة فنُسِخَ ذلك بآية البقرة كما في حديث ابن عباس: كان الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذا صَلوا العَتَمَةَ؛ حَرُمَ عليهم الطعامُ والشرابُ والنساءُ، وصاموا إلى القابلة، فاخْتَانَ رجلٌ نَفْسَهُ، فجامع امرأته؛ وقد صلى العشاء ولم يُفْطِرْ، فأراد الله أن يجعل ذلك يُسْراً لمن بقي، ورُخْصةً ومنفعةً، فقال سبحانه: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ } [البقرة: 187]، وكان هذا مما نفع الله به الناس، ورخص لهم ويسَر[1].

ومثاله أيضا: أن استقبال بيتِ المقدس كان ثابتا بالسنة الفعلية بصلاته صلى الله عليه وسلم نحوه ثم نُسِخَ هذا بقوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنّ َكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144].

الثالث – نسخُ السنة بالسنة، ومثاله: حديثُ عَلِيٍّ، "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، وَعَنِ الْأَوْعِيَةِ، وَأَنْ تُحْبَسَ لُحُومُ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلاثٍ"، ثُمَّ قَالَ: "إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمِ الْآخِرَةَ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ الْأَوْعِيَةِ فَاشْرَبُوا فِيهَا، وَاجْتَنِبُوا كُلَّ مَا أَسْكَرَ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ أَنْ تَحْبِسُوهَا بَعْدَ ثَلاثٍ، فَاحْبِسُوا مَا بَدَا لَكُمْ"[2].

الرابع – نسخ المتواتر بالمتواتر: و(المتواتر) إما أن يكون كتابا أو سنة متواترة فهو قسمان:


أحدهما – نسخُ الكتاب بالسنة المتواترة:
والجمهور على جواز هذا النوع
وذهب الإمام الشافعي والإمام أحمد في المشهور عنه إلى عدم الجواز وهو الصحيح، والله أعلم.

ومثلوا لهذا النوع بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِين َ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180]، فنُسِخَتْ هذه الوصية بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا وصيةَ لوارث"[3]. وفيه مناقشات، لكن يكفي في المثال التعرض لموضع الشاهد.

ثانيهما – نسخُ السنة المتواترة بمثلها:
وهذا جائز بالاتفاق لكن لا يكاد يوجد له مثال كما في شرح الكوكب المنير[4].

الخامس – نسخ الآحاد بالآحاد: وهذا جائز بالإجماع وأمثلته كثيرة ومنه حديث عليّ رضي الله عنه السابق في النهي عن زيارة القبور ولحوم الأضاحي والأوعية ثم إباحتها.

السادس – نسخ السنة الآحاد بالسنة المتواترة: وهذا جائز بالاتفاق لأن المتواتر أقوى من الآحاد، لكن لم يقع.

السابع – نسخ الكتاب بالسنة الآحاد: وهذا ذهب المصنف هنا إلى عدم جوازه وعكس ذلك في (البرهان) فذهب إلى جوازه.

الثامن – نسخ المتواتر من الكتاب والسنة بالسنة الآحاد: مثاله حديث عبدِ الله بن عُمر قال: بيْنا النّاسُ بقُباءٍ في صلاةِ الصبْح، إذْ جاءهم آتٍ فقالَ: إنَّ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قد أُنْزلَ عليهِ الليلةَ قرآنٌ، وقد أُمرَ أنْ يستقبلَ الكعبةَ، [ألا فاستقبِلوها]، فاستقبَلوها، وكانت وجوهُهم إلى الشامِ، فاستداروا [بوجوههم] إلى الكعبة[5].

وجه الدلالة: أن وجوب التوجه إلى بيت المقدس كان ثابتا بالسنة المتواترة، فلما جاءهم هذا الصحابيُّ وأخبرهم بتغيير القبلة قبلوا خبرَه وهو خبرُ واحد وعملوا به في نسخ ما تقرر عندهم من السنة المتواترة، ولم ينكر عليهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك، فدلَّ على الجواز، والله أعلم[6].
______________________________ ____
[1] صحيح: رواه أبو داود انظر صحيح وضعيف أبي داود/ الألباني (2313)

[2] صحيح: رواه أحمد (1236) ط. الرسالة.

[3] صحيح: انظر صحيح الجامع (1720).

[4] شرح الورقات لعبد الله الفوزان 93.

[5] صحيح: رواه البخاري، انظر مختصر صحيح البخاري/ الألباني (215)

[6] شرح الورقات لعبد الله الفوزان 94.

د:ابراهيم الشناوى
2018-07-05, 10:58 PM
التعارض بين الأدلة


قال المصنف:


فَصْلٌ فِي التَّعَارُضِ: إِذَا تَعَارَضَ نُطْقَانِ فَلَا يَخْلُو:

إِمَّا أَنْ يَكُونَا عَامَّيْنِ، أَوْ خَاصَّيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا عَامًّا، وَالْآخَرُ خَاصًّا.

أَوْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَامًّا مِنْ وَجْهٍ وَخَاصًّا مِنْ وَجْهٍ.

____________________________
(فَصْلٌ): خبر لمبتدإ محذوف والتقدير: هذا فصلٌ في التعارض

(فِي التَّعَارُضِ): متعلق بمحذوف نعت لـ(فصل) والتقدير (كائن في التعارض)

(إِذَا): ظرف للمستقبل

(تَعَارَضَ): فعل ماض

(نُطْقَانِ): فاعل مرفوع وعلامة رفعه الألف لأنه مثنى

(فَـ): واقعة في جواب (إذا)

(لَا): نافية

(يَخْلُو): فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها الثقل، والفاعل مستتر جوازا تقديره (هو) يعود على (تعارض) أي: فلا يخلو التعارض

وحذف الظرف ومتعلَّقه لفهمه من السياق أي: فلا يخلو التعارض مما يأتي إما أن يكونا ...الخ

(إِمَّا): حرف تفصيل فيه معنى الشرط

(أَنْ): حرف مصدري ونصب

(يَكُونَا): فعل مضارع من (كان) الناقصة منصوب بـ(أن) وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة، و(الأَلِف) ضمير مبني على السكون في محل رفع اسم (يكون)

(عَامَّيْنِ): خبر (يكون) منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه مثنى

(أَوْ): حرف عطف

(خَاصَّيْنِ): معطوف على (عامَّيْن)

(أَوْ): حرف عطف

(أَحَدُهُمَا): (أحد) اسم (يكون) محذوفا لدلالة ما قبله عليه، أي: أو يكون أحدهما عامًّا ...الخ، و(أحد) مضاف و(هما) مضاف إليه

(عَامًّا): خبر (يكون) المحذوف، والجملة معطوفة على جملة (يكونا عامين)

(وَ): عاطفة

(الْآخَرُ): اسم (يكون) محذوفا أيضا

(خَاصًّا): خبر (يكون) المحذوف، والجملة معطوفة على جملة (يكون أحدهما خاصا)

(أَوْ): عاطفة

(كُلُّ): اسم (يكون) محذوفا، وهو مضاف

(وَاحِدٍ): مضاف إليه

(مِنْهُمَا): متعلق بـ (يكون) المحذوف

(عَامًّا): خبر (يكون) المحذوف، والجملة معطوفة على جملة (يكون أحدهما عاما والآخر خاصا)

(مِنْ وَجْهٍ): متعلق بـ (عامًّا)

(وَ): عاطفة

(خَاصًّا): معطوف على (عامًّا)

(مِنْ وَجْهٍ): متعلق بـ (خاصًّا)

د:ابراهيم الشناوى
2018-07-05, 10:59 PM
المعنى

هذا شروع في ذِكْرِ مباحث التعارض بين الأدلة، والأصوليون يذكرونه بعد الكلام على الأدلة الشرعية (الكتاب والسنة والإجماع والقياس) لكن المصنف هنا اقتصر على الكتاب والسنة لقوله: "إذا تعارض نطقان" والمراد بـ (النطقان): قولُ اللهِ وقولُ رسوله صلى الله عليه وسلم.

ومناسبة وضعه هنا أن النَّسْخ طريق من طرق دفع التعارض فأراد المصنف أن يبين بعد الكلام على النسخ أنواع التعارض وكيفية دفعه.

والمراد بـ (التعارض بين الأدلة): أن يدل كل منهما على مُنافِي جميع أو بعض ما يدل عليه الآخر

واعلم أن التعارض لا يمكن أن يقع بين الوحيَيْنِ: (الكتاب والسنة) وإنما التعارض الذي يقع إنما يكون في نظر المجتهد.

وقد ذكر المصنف صور التعارض بين الأدلة وهي أربع:

الأولى-أن يكون التعارض بين دليلين عامَّيْن

الثانية-أن يكون بين دليليْن خاصَّيْن

الثالثة-أن يكون بين دليلين أحدهما عام والآخر خاص

الرابعة-أن يكون بين دليلين كل منهما عام من وجه وخاص من وجه آخر.

د:ابراهيم الشناوى
2018-07-07, 11:49 PM
تعـــــــارض العامَّيــْــــ ـن

قال المصنف:


فَإِنْ كَانَا عَامَّيْنِ:

فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جُمِعَ.

وَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا: يُتَوَقَّفْ فِيهِمَا إِنْ لَمْ يُعْلَمِ التَّارِيخُ.

فَإِنْ عُلِمَ التَّارِيخُ فَيُنْسَخُ الْمُتَقَدِّمُ بِالْمُتَأَخِّر ِ.
______________________________ __
(فَـ): فاء الفصيحة

(إِنْ): شرطية

(كَانَا): (كان) فعل ماض ناقص مبني على الفتح لاتصاله بألف الاثنين في محل جزم لأنه فعل الشرط
و(ألف الاثنين) ضمير مبني على السكون في محل رفع اسم (كان)

(عَامَّيْنِ): خبر (كان) منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه مثنى

(فَـ): واقعة في جواب الشرط، وهو محذوف يفهم من السياق والتقدير مثلا: (فإن كانا عامَّيْنِ فالحاصل ما يأتي، أو فالتعارض كائنٌ كما يأتي، أو فيُنْظَرُ إن أمكن الجمعُ) أو نحو ذلك

(إِنْ): شرطية

(أَمْكَنَ): فعل ماض مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط.

(الْجَمْعُ): فاعل

(بَيْنَهُمَا): (بين) ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو متعلق بمحذوف حال من (الجَمْعِ) والتقدير: (في حالِ كونِ الجمعِ كائنًا بينهما)
و(بين) مضاف و(هما) مضاف إليه

(جُمِعَ): فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح في محل جزم جواب الشرط
ونائب الفاعل محذوف يدل عليه ما تقدم والتقدير: (جُمِعَ بينهما) فـ(بَيْنَ) نائب فاعل ومضاف و(هما) مضاف إليه.

(وَ): عاطفة

(إِنْ): شرطية

(لَمْ): حرف نفي وجزم وقلب

(يُمْكِنِ): مضارع مجزوم بـ (لم) وعلامة جزمه السكون وحُرِّكَ بالكسر للتخلص من التقاء الساكنين، وهو فعل الشرط.

(الْجَمْعُ): فاعل

(بَيْنَهُمَا): سبق مثلها

(يُتَوَقَّفْ): فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم لأنه جواب الشرط وعلامة جزمه السكون

(فِيهِمَا): الضمير (هما) نائب فاعل وحرف الجر (في) موصل العامل (يُتَوَقَّف) إليه كما سبق بيانه عند قول المصنف: "وَالصَّحِيحُ: مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النُّفُوذُ، وَيُعْتَدُّ بِهِ."

(إِنْ لَمْ يُعْلَمِ التَّارِيخُ): مثل (إن لم يمكن الجمع) وجواب الشرط هنا محذوف لدلالة ما قبله عليه أي: إنْ لم يُعْلَمِ التاريخُ يُتَوَقَّفْ فيهما

(فَإِنْ عُلِم التَّارِيخُ): سبق مثله والفاء استئنافية

(فَـ): واقعة في جواب الشرط

(يُنْسَخُ): فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة

(الْمُتَقَدِّمُ) : نائب فاعل

والجملة من الفعل ونائب الفاعل وما تعلق بهما في محل رفع خبر لمبتدإ محذوف، وجملة المبتدإ والخبر جواب الشرط.

(بِالْمُتَأَخِّ ِ): متعلق بـ (يُنْسَخ).

د:ابراهيم الشناوى
2018-07-08, 10:28 PM
المعنى
ذكر المصنف هنا الصور المحتملَة للتعارض بين الأدلة ثم مراتب دفع هذا التعارض الظاهري
أولا-صور التعارض بين الأدلة:
إذا وقع تعارض ظاهري بين الأدلة فله أربع صور محتملَة:
1- أن يكون التعارض بين عامَّيْن
2- أن يكون التعارض بين خاصَّيْن
3- أن يكون التعارض بين دليليْن أحدهما عامٌّ والآخر خاصٌّ
4- أن يكون التعارض بين دليلين كُلٌّ منهما عامٌّ من وجه وخاصٌّ من وجه

ثانيا-مراتب درء التعارض
إذا كان الدليلين المتعارضين عامَّيْنِ أو خاصَّيْنِ فمراتب دفع التعارض بينهما على الترتيب هي:
1- الجمع بين الدليلين إن أمكن. فإن لم يمكن:
2- انتقل إلى النسخ إن عُلِمَ التاريخُ فيُنسَخُ المتقدِّمُ بالمتأخر ويكون العمل بالمتأخر فقط. فإن لم يُعْلَم التاريخُ:
3- انتقل إلى الترجيح بينهما. فإن لم يمكن الترجيح:
4- توقفَ

أما إن كان التعارض بين دليلين أحدهما عام والآخر خاص:

- فيحمل العامُّ على الخاصِّ عند الجمهور
- ويُنسَخُ المتقدم بالمتأخر عند الحنفية
أما إن كان كل واحد من الدليلين المتعارضين عامًّا من وجه وخاصا من وجه:

- فيُحمَلُ عامُّ الأولِ على خاصِّ الثاني
- ويحمل عامُّ الثاني على خاصِّ الأول

د:ابراهيم الشناوى
2018-07-09, 10:17 PM
قال صاحبي
قال: ذكرت أن نائب الفاعل لقوله: "جُمِعَ" محذوف وأن تقديره: (بينهما)

قلت: نعم

قال: فكيف ناب الظرفُ (بَيْنَ) وهو غيرُ متصرف عن الفاعل؟

قلت: ما معنى أن الظرف متصرف؟

قال: معناه: أن يستعمل ظرفا وغير ظرف فلا يكون ملازما للنصب على الظرفية
قلت: حسنا! مثلُ ماذا؟
قال: مثل (يوم):

- تقول: "أجيئُكَ يومَ الجمعة" فتنصبه على الظرفية
- وتقول: "اليومُ الجمعةُ" فترفعه على أنه مبتدأ وما بعده خبر

قلت: إذن فما وجهُ اعتراضِك على (بَيْن)؟

قال: لأنها ملازمة للنصب على الظرفية، فلا تقع إلا ظرفا

قلت: غيرُ صحيح

قال: بل صحيح، وإلا فائتني بمثال على وقوعها غيرَ ظرف

قلت: (بَيْنُكُمْ لا تقطعوه)

قال: ما هذا؟

قلت: البَيْنُ هنا بمعنى الوصل والمعنى: وَصْلُكُمْ لا تقطعوه، فقد وقعت كلمة (بَيْنُ) هنا اسما
قال: هذا مثال من عندك ولا يُسَلَّمُ لك، فإن كان ما تقول صحيحا وأن (بين) يقع اسما كما يقع ظرفا فائتني بشاهد لا بمثال من عند نفسك

فضحكتُ وقلت: أنا حجةٌ في اللغة وكفى بكلامي شاهدًا
فقال: أَيْهَات، لعلك حُصِرْتَ، أو كأنك انقطعتَ، فظهر خطأُ ما تقولُ؛ إذ لم تجدْ شاهدا غير ما اخترعته من هذا المثال الضعيف الذي يُظْهِرُ العِيَّ ووو...
فأشرت إليه: أن كفى

فسكتَ

فقلت له: إن شئتَ أتيتُكَ بشاهد من الكتاب

قال: هيهات، لو كان عند سيبويهِ في الكتاب شاهدٌ لعرفتُه وما خفيَ عليَّ

قلت متعجبا: ما شاء الله! أَبَلَغَتْ معرفتُك بكتاب سيبويه إلى هذه الدرجة

قال: بلى، وأكثر

وكنتُ أعلمُ أنه ذو هواجسَ وظنونٍ فقلت له: على كلٍّ فأنا لا أقصد كتاب سيبويه

قال: فما تقصد؟

قلت: أقصدُ القرآن

فازداد تعجبا وقال: تعني بالكتاب القرآنَ ؟!

قلت: نعم

قال: أتعني أنك ستأتيني بشاهد من القرآن الكريم وأنا لا أعلمه؟!

قلت: أجَلْ، أعني ذلك

قال: فهاتِ

قلت: قال تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: 94]
قوله: {بَيْنَكُمْ} قريء بالوجهين: الرفع والنصب؛

- فقرأ حمزة وشعبة وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر برفع النون {بَيْنُكُمْ}
- وقرأ الباقون بالنصب {بَيْنَكُمْ}
وتأويل الرفع على أنه اسم بمعنى الوصل أي: لقد تقطع وصلُكم، وأما النصب فعلى الظرفية

فاحمرتْ وجنتاه من الخجل وقال: ربما لم أعرف ذلك لأنها قراءة أخرى غير قراءتنا

قلت: أرأيتَ إن أتيتُك بشاهد آخر من قراءتنا؟

قال: أوَ يوجدُ ذلك؟

قلت: بلى

قال: فهاته

أبو البراء محمد علاوة
2018-07-09, 11:18 PM
بارك الله فيك وفيك -صاحبك-
واصل أكرمك الله.

د:ابراهيم الشناوى
2018-07-11, 10:01 PM
بارك الله فيك وفيك -صاحبك-
واصل أكرمك الله.

وصلك الله بفضله وبارك فيك

د:ابراهيم الشناوى
2018-07-11, 10:28 PM
قلت: قوله تعالى: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف: 78]:


فـ(هذا) مبتدأ
و(فراق) خبر وهو مضاف
و(بين) مضاف إليه
و(بين) مضاف
وياء المتكلم مضاف إليه.


قال: فما الشاهد هنا؟

قلت: الشاهد وقوع (بين) مجرورا بالإضافة؛

فقد وقع في القراءة الأولى مرفوعا
وفي الثانية مجرورا
فخرج عن كونه ملازما للنصب على الظرفية،
وظهر كونه متصرفا وجاز وقوعه نائبا للفاعل

قال: نعم، ظهرت صحةُ هذا

ثم قال: قولك: إن الفاء في قول المصنف: "فيُنْسَخُ المتقدمُ بالمتأخرِ" واقعة في جواب الشرط

قلت: نعم

قال: لماذا لم تجعل قوله: "يُنْسَخُ" هو جواب الشرط، أليس هذا هو الصواب؟

قلت: كما تعلم أن (يُنْسَخ) فعل مضارع يصلح لأن يكون شرطا

قال: أجل

قلت: وإذا كان كذلك لم يقترن بالفاء

قال: نعم

قلت: ولكن اقترانه بالفاء ليس ممتنعا

فصمتَ

قلت: إذا كان الجواب يصلح لأن يكون شرطا بأن كان:

- مضارعا:

ليس منفيا بـ (ما) أو بـ (لن)،
ولا مقرونا بحرف تسويف أو (قد)

- أو كان الجواب ماضيا

متصرفا
غير مقرون بـ (قد)
جاز اقترانه بالفاء ولم يجب أو يمتنع
فيجوز أن تقول: (إِنْ فهم محمدٌ يَفْهَمْ عليٌّ) أو (فَيَفْهَمُ عليٌّ)

قال: نعم

قلت: وفي حال جواز الاقتران بالفاء للمضارع مثل: (إِنْ يفهمْ محمد فيفهمُ علي) يكون المضارع (فَيَفْهَمُ) مرفوعا على أنه خبر لمبتدإ محذوف
وتكون الجملةُ جوابَ الشرط.

قال صاحبي: ذكرتَ مراتب درء التعارض بين الدليلين إذا كانا عامين أو خاصين وهي (الجمع والنسخ والترجيح والتعارض) وقلت إنها على الترتيب

قلت: نعم

قال: ما معنى أنها على الترتيب؟

د:ابراهيم الشناوى
2018-07-13, 12:09 AM
قلت: يعني أنه إذا كان التعارض بين دليلين وقد عُلِمَ تاريخُ كلٍّ منهما فلا نبدأ في دفع التعارض بالنسخ بل نبدأ بالجمع بينهما

قال: إذا كان التاريخُ معلوما فلِمَ لا نبدأُ بالنسخ؟

قلت: لأن في الجمع بين الدليلين إعمال لهما جميعا وأما في النسخ ففيه إعمال لأحدهما وترك للآخر ولا شك أن العمل بالدليلين أولى مِنْ تركِ أحدهما

قال: نعم، ولكن أرأيت إن لم يمكن الجمع وانسد باب الترجيح؟

قلت: لا يمكن هذا فقد قال كثير من العلماء: لا يوجد تعادل بين الأدلة بحيث ينسد باب الترجيح تماما أو ينسد باب الجمع بينهما

فنظر إليَّ منتبها

فاستطردت قائلا: وقد كان إمام الأئمة ابنُ خزيمة يقول: "لا يوجد حديثان صحيحان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعارضان ويتعذر الجمع بينهما فمن وجد من ذلك شيئا فليأتني به أنا أُؤَلِّفُ بينه"[1].

قال: لَمْ تضرب أمثلة على مراتب درء التعارض

قلت: أجل، أفتريد أمثلة عليها؟

قال: بلى

قلت: أأأ ...

فقاطعني قائلا: أريد أن أسأل أولا عن عن عن ...

قلت: عن ماذا؟

قال: متى يُعَدُّ الدليلان متعارضيْنِ؟

قلت: هناك أربعة شروط للقول بتعارض الدليلين وهي:

1- صحة الدليليْن، فلا تعارض بين صحيح وضعيف

2- التناقض أو التضاد بينهما، فإن دلَّا على حكم واحد فلا تعارض

3- اتحادهما في الزمان، فلو تقدم أحدهما على الآخر كأن يقول مرة: (لا تأكلوا بالنهار في رمضان) ويقول مرة أخرى: (كلوا بالنهار في غير رمضان) فلا تعارض لوقوع كل منهما في زمان مختلف عن الآخر

4- ألا يقوم دليل يبين أن أحدهما منسوخ بالآخر؛ لأنه إذا قام الدليل على النسخ فلا تعارض[2].

قال: حسنا، فحدثني إذن عن أمثلة دفع التعارض

قلت: هاك هي:

أمثلة على الجمع بين الدليلين إذا كانا عامَّيْن:

1- قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56]، وقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].

ففي الأولى نَفَى الهدايةَ عنه صلى الله عليه وسلم، وفي الثانية أثبتها له.
ووجْهُ الجمع بينهما أنهما هدايتان مختلفتان فالهداية المنفيةُ هي هدايةُ التوفيق، وأما المُثْبَتَةُ فهدايةُ الدلالة والإرشاد
والمعنى: إنك لا تستطيع أن تخلق هداية التوفيق في قلب أحد بحيث يصير مؤمنا مهديًّا فهذه الهداية خاصة بالله تعالى، ولكنك تدل وترشد إلى الطريق المستقيم الذي مَنْ تبعه هُدِيَ

2- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ»[3]. مع حديث عبد الله بن عكيم وهو: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ، قَالَ: أَتَانَا كِتَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ "لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ"[4].

فهذا ظاهره التعارض
ووجُهُ الجمْعِ بينهما: أن (الإهاب) اسم للجلد إذا لم يُدْبَغْ، فإذا دُبِغَ لم يُسَمَّ (إهابا) وإنما يُسَمَّى (شِنًّا وقِرْبَةً)
قال أبو داود: وسمعت أحمد ابنَ شبُّوية، قال: قال النضرُ بنُ شُميلٍ: يُسمى إهاباً ما لم يُدْبَغْ، فإذا دبغ يُقال له: شنٌّ وقربةُ[5].
فيكون النهي عن الانتفاع بالإهاب مالم يدبغ لم يُسَمَّ إهابا فلا يدخل تحت النهي.

أمثلة على النسخ:

تقدم في باب النسخ أمثلتها

قال: قد تقدم، ولكن أخبرني ألستَ تزعم أن طريق معرفة النسخ هو معرفةُ التاريخِ؟

قلت: بلى

قال: أرأيتَ قوله صلى الله عليه وسلم: «نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلَّا فِي سِقَاءٍ، فَاشْرَبُوا فِي الْأَسْقِيَةِ كُلِّهَا، وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا»[6].

قلت: ماذا فيه؟

قال: أليس الأمر بزيارة القبور ناسخ للنهي عنها وكذا ما معها من النهي عن لحوم الأضاحي والنهي عن الانتباذ في الأسقية ثم إباحة ذلك، أليس كل هذا من باب النسخ؟

قلت: بلى، وماذا في هذا؟

قال: أين التاريخ هنا؟

قلت: نعم نعم، فهمتُ ما تريد وسأخبرُك

قال: هاتِ

قلت: اعلم أن طرق معرفة النسخ ثلاثة:....
___________________________
[1] تهذيب شرح الورقات لعياض بن نامي السلمي 75.

[2] شرح الورقات لسعد الشثري 146.

[3] صحيح: رواه مسلم (366)

[4] صحيح: رواه أبو داود (4127) وابن ماجه (3613) وهو لفظه، وصححه الألباني في إرواء الغليل (1/ 76/ رقم 38)

[5] سنن أبي داود 6/ 215 ت. الأرناؤوط، ط. دار الرسالة العالمية.

[6] صحيح: رواه مسلم (977)

د:ابراهيم الشناوى
2018-09-01, 12:53 AM
جزاكم الله خيرا على تثبيت الموضوع
أسأل الله عز وجل أن يثبتنا وإياكم على صراطه المستقيم حتى نلقاه

د:ابراهيم الشناوى
2018-09-01, 12:54 AM
قلت: اعلم أن طرق معرفة النسخ ثلاثة:

1- النص على النسخ: وهو أصرحها ومثاله حديث النهي عن زيارة القبور وعن لحوم الأضاحي السابق.

2- قول الصحابي: كما في حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ» [1].

3- معرفة التاريخ: كقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184]، فهذه الآية تفيد التخيير بين الصيام والإطعام، وأن الصيام أفضل.
وقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]، فهذه الآية تفيد تعيين الصيام أداء في حق غير المريض والمسافر، وأما في حقهما فقضاء.

وهذه الآية متأخرة في النزول عن الآية الأولى فتكون ناسخة لها بدليل قول سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ: «لَمَّا نَزَلَتْ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]. كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ، حَتَّى نَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا»[2].

قال: بقي مثال الترجيح

قلت: أجل، مثال الترجيح بين الدليلين المتعارضين

حديث عبدِ الله بنِ أبي بكر، أنَّه سمع عُروة يقول: دخلتُ على مروانَ بن الحكم، فَذَكَرْنَا ما يكونُ منه الوضوءُ
فقال مَروانُ: ومِنْ مَسِّ الذكرِ.
فقال عُروةُ: ما عَلِمتُ ذلك.
فقال مروانُ: أخبَرَتني بُسْرَةُ بنتُ صَفوان، أنَّها سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مَنْ مَسّ ذَكرَه فليَتَوضأ"[3].
مع حديث قيس بن طَلْق عن أبيه، قال: قَدِمنا على نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجلٌ كأنَّه بَدَويُّ فقال: يا نبيَّ الله، ما ترى في مَسِّ الرجلِ ذَكَرَهُ بعد ما يَتَوَضَّأ؟
فقال: "هل هو إلا مُضغَةٌ منه" أو: "بَضعَةٌ منه"[4].

فالحديث الأول يدل على أن مَسَّ الذَّكرِ ينقض الوضوء
والحديث الثاني يدل على أنه لا ينقضه
ولا يمكن الجمع بينهما فرجَّحَ العلماء الحديث الأول على الثاني لما يأتي:

1- أن العمل به أحوط

2- أنه أكثر طرقا ومصحِّحِيه أكثر

3- أنه ناقل عن البراءة الأصلية وهي عدم إيجاب الوضوء، والقاعدة: (أن الناقل يُقَدَّمُ على الـمُبْقِي)؛ لأن مع الناقل زيادة علمٍ[5].

قال: فما سبق هو الحالة الأولى وهو أن يكون التعارض بين دليلين عامَّيْن

قلت: أجل

قال: حدثتني عن حالتين وهما إذا كان التعارض بين دليلين عامين أو خاصين

قلت: نعم

قال: وذكرتَ أن طرق دفع التعارض بينهما هي: الجمع فالنسخ فالترجيح فالتوقف

قلت: نعم

قال: وبقي حالتان

قلت: نعم، الثالثة والرابعة

قال: إيهِ

قلت: أما الحالة الثالثة ففيها يكون التعارض بين دليلين أحدهما عامٌّ والآخر خاصٌّ.

قال: نعم نعم، هذا هو الثالث، هذه هي الحالة الثالثة، فما طريق دفع التعارض فيها.

قلت: طريق دفع التعارض فيها أن نحمل العامَّ على الخاصِّ

قال: وكيف ذلك؟
______________________________ ____
[1] صحيح: رواه أبو داود (192) والنسائي (185).

[2] صحيح: رواه البخاري (4507) ومسلم (1145)

[3] صحيح: رواه أبو داود (181)

[4] حسن: رواه أبو داود (182)، والترمذي (85)، والنسائي (165)، وابن ماجه (483)، وأحمد (16292، 16295)

[5] شرح الورقات لعبد الله الفوزان 97.

د:ابراهيم الشناوى
2018-09-07, 10:06 PM
قلت: بأن يستثنى من أفراد العامِّ ما ذُكِرَ في الدليل الخاصِّ.

قال: هات مثالا

قلت: عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا[1] العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ»[2].

فهذا الحديث عامٌّ في القليل والكثير، فتجب فيه الزكاة سواءٌ قلَّ أو كثر.

مع حديث أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ مِنَ الإِبِلِ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» [3].
فهذا خاصٌّ أخرج ما نقص عن خمسة أوسق فلا تجب فيه الزكاة.

فيُحْمَلُ الحديث الأول العامُّ على الثاني الخاصِّ فيكون معنى الحديثين معا: فيما سقت السماء والعيون أو كان عَثَرِيًّا العُشْرُ إذا كان أكثر من خمسة أوسق وأما إذا كان أقل من خمسة أوسق فلا تجب الزكاة فيه.

وما سُقِيَ بالنضحِ ففيه نصفُ العُشْرِ إذا كان أكثر من خمسة أوسق وأما إن كان أقل من خمسة أوسق فلا زكاة فيه.

قال: بقيت الحالة الرابعةُ وهي إذا كان كل واحد من الدليلين المتعارِضَيْنِ عاما من وجه وخاصا من وجه آخر.

قلت: نعم، ومثالها أأأ ...

فقاطعني قائلا: قبل المثال بَيِّنْ لي كيفية دفع التعارض بينهما.

قلت: حسنا، طريق دفع التعارض بينهما أن نحملَ عامَّ الأول على خاصِّ الثاني، وعامَّ الثاني على خاصِّ الأول.

قال: هات مثالها الآن.

قلت: مثالها حديثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم اغْتَسَلَتْ مِنَ الْجَنَابَةِ فَتَوَضَّأَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِفَضْلِهَا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ «إِنَّ الْمَاءَ لاَ يُنَجِّسُهُ شَىْءٌ»[4].
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ»[5].

فهذا الحديث:

- عامٌّ مِنْ وجْهٍ وهو أن الماء لا ينجسه شيء. فهذا يشمل القليل والكثير.

- وخاصٌّ من وجه وهو كون الماء لا ينجس ما لم يتغير، فإن تغير ريحُه أو طعمُه أو لونُه نجس

مع حديث ابن عمر قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ بِالْفَلَاةِ مِنْ الْأَرْضِ، وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ"[6].

فهذا الحديث:

- خاصٌّ من وجه وهو أن الماء الذي يبلغ قلتين فأكثر لا يحمل الخبث، فهذا خاصٌّ بالقلتين فما فوقهما

- وعامٌّ من وجه وهو أنه لا يحمل الخبث سواء تغير أم لم يتغير.

فإذا حملت عام الأول على خاص الثاني كان المعنى: الماء لا ينجسه شيء إذا بلغ قلتين

وإذا حملت عام الثاني على خاص الأول كان المعنى: الماء لا يحمل الخبث ما لم يتغير ريحه أو طعمه أو لونه، وصار معنى الحديثين معا: إذا بلغ الماء قلتين لم ينجس إلا بالتغيُّرِ، وما تغيَّر تنجَّسَ سواء قلَّ أو كثُرَ.

قال: قد حدثتني عن أمثلة دفع التعارض

قلت: أجل

قال: هلا أعطيتني مثالا على دليلين متعارضين أحدهما صحيح والآخر ضعيف

قلت: قد علمت أنه في هذه الحالة لا يوجد تعارض

قال: نعم، علمتُ هذا، ولكني أريد مثالا على هذه الحالة

قلت: حسنا، مثاله ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع وعند الرفع من الركوع
ولفظه: عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ، وَقَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ، وَلَا يَرْفَعُهُمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ[7].
فهذا معارَضٌ بما روي عن البراء: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتَتَحَ الصلاةَ رفعَ يديهِ إلى قريبِ من أُذُنَيه، ثم لا يعودُ[8].
ثم رواه أبو داود من طريق أخرى عن سفيانِ (هو ابن عيينة)، عن يزيد، نحوَ حديثِ شريك، لم يقل: "ثم لا يعودُ"
قال سفيان: قال لنا بالكوفة بعد: "ثم لا يعودُ"
قال أبو داود: روى هذا الحديث هُشيم وخالد وابنُ إدريس عن يزيد، لم يذكروا: "ثم لا يعود".

فهنا لا تعارض لأن الأول الذي فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع وعند الرفع من الركوع، حديث صحيح والآخر الذي فيه أنه يرفعهما عند تكبيرة الإحرام ثم لا يعود حديث ضعيف. والله أعلم.
______________________________
[1] (عَثَرِيًّا): ما يشرب من غير سَقْيٍ إما بِعُرُوقِهِ أو بواسطة المطر والسيول والأنهار، وهو ما يسمى بالبعل، سمي بذلك من (العاثوراء) وهي الحفرة لتعثر الماء بها.
(بالنضح): أي بالساقية وفيه من المؤنة والكلفة في استخراجه ما جعل زكاته نصف زكاة ما سقي بغير مؤنة.

[2] صحيح: رواه البخاري (1483).

[3] صحيح: رواه البخاري (1447)

[4] صحيح لغيره: رواه أبو داود (68)، والترمذي (65) وقال: حسن صحيح، والنسائي (325) وهو لفظه، وابن ماجه (370).

[5] ضعيف بهذه الزيادة: (إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه) فإنها لم تصح سندا ولكن العمل عليها عند أهل العلم وحكى ابن المنذر الإجماع على ذلك فقال: أجمع العلماء على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت له طعما أو لونا أو ريحا فهو نجس.

[6] صحيح: رواه أبو داود (64، 65)، والترمذي (67)، وابن ماجه (517، 518) وهو لفظه.

[7] صحيح: رواه البخاري (735، 736، 738، 739) ومسلم (390) وهو لفظه.

[8] ضعيف: رواه أبو داود (750) وفيه يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف، وشريك بن عبد الله وهو سيء الحفظ.

د:ابراهيم الشناوى
2018-09-14, 09:17 PM
الإجماع

قال المصنف رحمه الله تعالى:


وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ: فَهُوَ اتِّفَاقُ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْعَصْرِ عَلَى حُكْمِ الْحَادِثَةِ.
وَنَعْنِي بِالْعُلَمَاءِ: الْفُقَهَاءَ، وَنَعْنِي بِالْحَادِثَةِ: الْحَادِثَةَ الشَّرْعِيَّةَ.
____________________________
(وَ): استئنافية أو عاطفة
(أَمَّا): حرف تفصيل وتوكيد فيه معنى الشرط
(الْإِجْمَاعُ): مبتدأ، وهو من جملة الجواب
(فَـ): فاء الجزاء واقعة في جواب (أما)، ومزحلقة عن موضعها والأصل (فالإجماع هو ...)
(هُوَ): مبتدأ
(اتِّفَاقُ): خبر
وجملة (هو اتفاق) في محل رفع خبر المبتدإ (الإجماع)
وجملة (الإجماع هو اتفاق) جملة جواب (أما)، أو (مهما)، أو جوابهما معا
وجملة (أما الإجماع ...) معطوفة على قوله: "فأما أقسام الكلام" إن جعلت الواو عاطفة، أي: فأما أقسام الكلام فكذا، والأمر كذا، والنهي كذا وأما العامُّ فكذا... وأما الإجماع فكذا ...الخ، أو لا محل لها من الإعراب استئنافية إن جعلت الواو استئنافية
و(اتفاق) مضاف
(عُلَمَاءِ): مضاف إليه، وهو مضاف أيضا
(أَهْلِ): مضاف إليه، وهو مضاف أيضا
(الْعَصْرِ): مضاف إليه
(عَلَى حُكْمِ): متعلق بـ (اتفاق)، و(حكم) مضاف
(الْحَادِثَةِ): مضاف إليه
(وَ): للاستئناف البياني فإنه لما قال: "اتفاق علماء العصر ...الخ" كأن سائلا سأله: ومن علماء العصر؟ فقال: ونعني بالعلماء كذا.
(نَعْنِي): فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها الثقل، والفاعل مستتر وجوبا تقديره نحن، والجملة استئنافية لا محل لها من الإعراب
(بِالْعُلَمَاءِ) : متعلق بـ (نعني)
(الْفُقَهَاءَ): مفعول به
(وَنَعْنِي بِالْحَادِثَةِ الْحَادِثَةَ): مثل (ونعني بالعلماءِ الفقهاءَ)، و(الحادثةَ) مفعول به وهي مضاف
(الشَّرْعِيَّةَ) : مضاف إليه

د:ابراهيم الشناوى
2018-09-15, 08:52 PM
(وَنَعْنِي بِالْحَادِثَةِ الْحَادِثَةَ): مثل (ونعني بالعلماءِ الفقهاءَ)، و(الحادثةَ) مفعول به وهي مضاف
(الشَّرْعِيَّةَ) : مضاف إليه وقع وهم هنا فيما تحته خط باللون الأزرق، نبه عليه بعض الإخوة، والصواب:
(الحادثةَ): مفعول به
(الشرعيةَ): نعت لـ(الحادثةَ) ونعت المنصوب منصوب

د:ابراهيم الشناوى
2018-09-21, 10:44 PM
المعنى
هذا هو الدليل الثالث من أدلة الأحكام الشرعية المتفق عليها وهي: الكتاب والسنة والإجماع والقياس.


والإجماع
في اللغة: يطلق على العزم، والاتفاق:
فأما العزم فمثاله قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ} [يونس: 71]
قال الإمام الطبري: يقول: إن كان شق عليكم مقامي بين أظهركم، وتذكيري بآيات الله، فعزمتم على قتلي أو طردي من بين أظهركم، فعلى الله اتكالي وبه ثقتي، وهو سَنَدي وظهري = {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ}، يقول: فأعدُّوا أمركم، واعزموا على ما تنوُون عليه في أمري[1].

وأما الاتفاق فمن قولهم: (أجْمَعُوا على كذا): اتفقوا عليه[2]. وهو المناسب للمعنى الاصطلاحي.

الإجماع في الاصطلاح: (اتفاق علماء أهل العصر على حكم الحادثة)

- فلو اختلفوا لم يكن هناك إجماع
- ولو اتفق العَوَامُّ على شيء لم يُعْتَدَّ باتفاقهم.

وفسَّرَ المصنفُ المراد بـ (العلماء) بأنهم الفقهاء يعني لو اتفق غير الفقهاء على شيء لم يكن هو الإجماع المراد هنا كاتفاق النحويين على أن الفاء تفيد التعقيب مثلا.

وفسَّرَ المراد بـ (الحادثة) بأنها الحادثة الشرعية: كحِلِّ البيعِ والنكاح، وحرمة قتل النفس بغير حق
_______________________
[1] تفسيرالطبري 15/ 147 ت. شاكر، ط. مكتبة ابن تيمية.

[2] غاية المأمول في شرح ورقات الأصول للشهاب الرملي 243، والشرح الوسيط على الورقات لعبد الحميد الرفاعي 146.

د:ابراهيم الشناوى
2018-09-23, 10:40 PM
قال المصنف رحمه الله تعالى


وَإِجْمَاعُ هَذِهِ الْأُمَّةِ حُجَّةٌ دُونَ غَيْرِهَا؛
لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ."
وَالشَّرْعُ وَرَدَ بِعِصْمَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ.
______________________________ _______
(وَ): استئنافية

(إِجْمَاعُ): مبتدأ، ومضاف

(هَذِهِ): اسم إشارة مبني على الكسر في محل جر مضاف إليه

(الْأُمَّةِ): بدل أو عطف بيان من اسم الإشارة، وبدل المجرور مجرور مثله

(حُجَّةٌ): خبر

(دُونَ): ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة
وهو مضاف

(غَيْرِهَا): (غير) مضاف إليه
و(غير) مضاف، و(ها) مضاف إليه

(لِقَوْلِهِ):

- اللام تعليلية وهي حرف جر مبني على الكسر لا محل له من الإعراب
- و(قول) مجرور باللام وعلامة جره الكسرة الظاهرة
والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدإ محذوف والتقدير (وذلك كائن لقوله)
فـ(ذلك) مبتدأ و(كائن) خبر وهو متعلَّق الظرف
و(قول) مضاف والضمير (الهاء) مضاف إليه

(صلى الله عليه وسلم):

- (صلى) فعل ماضٍ مبني على فتح مقدر لا محل له من الإعراب
- (الله) اسم الجلالة فاعل
- (عليه) متعلق بـ (صلَّى) والجملة استئنافية لا محل لها من الإعراب
- (وسلَّمَ) معطوفة على جملة (صلى الله عليه)
وقد حذف الفاعل والظرف من الثانية لدلالة الأولى عليهما
والتقدير: (وسلم الله عليه)

("لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ"):

- (لا): نافية
- (تجتمعُ): فعل مضارع مرفوع لأنه لم يسبقْهُ ناصب ولا جازم وعلامة رفعه الضمة الظاهرة
- (أُمَّتِي): (أُمَّة) فاعل مرفوع وعلامة رفعه المقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة لمناسبة ياء المتكلم
و(أمَّة) مضاف و(ياء المتكلم) مضاف إليه
- (على ضلالة) متعلق بـ (تجتمع).

والجملة في محل نصب مقول القول (لِقَوْلِهِ)

(وَ): استئنافية

(الشَّرْعُ): مبتدأ

(وَرَدَ): فعل ماض، والفاعل مستتر جوازا تقديره هو يعود على (الشرع)

(بِعِصْمَةِ): متعلق بـ (ورد)، و(عصمة) مضاف

(هَذِهِ): مضاف إليه

(الْأُمَّةِ): بدل أو عطف بيان من اسم الإشارة

والجملة من الفعل والفاعل وما تعلق بهما في محل رفع خبر

د:ابراهيم الشناوى
2018-09-24, 10:37 PM
المعنى
لما فرغ من تعريف الإجماع شرع في بيان حجيته
وجمهور المسلمين على أنه حجة شرعية يجب العمل بها.

واستدل المصنف على حجيته بحديث: "لا تجتمع أمتي على ضلالة" وهو حديث ضعيف وله طرق يمكن أن يصل بمجموعها إلى الحسن.
على أن معناه صحيح، بل قيل: إنه من المتواتر المعنوي[1]
وله شواهد تشهد لصحة معناه: منها: حديثُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَنْ يَزَالَ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ»[2].

ومن أدلة صحة الإجماع:
- قوله تعالى: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان: 15]
- وقوله: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].
______________________________
[1] غاية المرام في شرح مقدمة الإمام للتلمساني 2/ 642.

[2] صحيح: متفق عليه من حديث المغيرة بن شعبة رواه البخاري (3640، 7311، 7459) ومسلم (1921) وهو لفظه

د:ابراهيم الشناوى
2018-10-20, 11:21 PM
قال صاحبي

قال: ذكرت أن الإجماع هو اتفاق علماء العصر على حكم الحادثة

قلت: أجل

قال: وذكرت أن (الاتفاق) يُخْرِجُ الخلافَ

قلت: نعم

قال: أرأيت لو اتفق مائةٌ وخالف واحد هل يَبْطُلُ الإجماعُ بسببه؟

قلت: قبل أن أجيبك أسألك: متى اجتمع مائة مجتهد في عصر واحد؟

قال: ألَمْ يُفَسِّرِ المصنفُ العلماءَ بالفقهاءِ؟

قلت: بلى، ولكن ليس المراد بالفقيه من يحفظ الفروع أو ينقل مذهب إمامه وإنما المراد بالفقهاء المجتهدون منهم

قال: المجتهدون فقط؟

قلت: نعم

قال: لم أكن أعلم هذا ولكن هَبْ أنهم اجتمعوا في عصر واحد فاتفق تسعةٌ وتسعون منهم على حكمٍ وخالف واحدٌ هل يبطل الإجماع أو لا ينعقد بسببه؟

قلت: الراجح أنه إن كان ممن يُعْتَدُّ بخلافه لم ينعقد الإجماع بدونه، وقيل: تَضُرُّ مخالفةُ الاثنين دون الواحد، وقيل: تضر مخالفة الثلاثة دون الواحد والاثنين، وقيل: تضر مخالفتهم إذا بلغوا حد التواتر ولا تضر إن لم يبلغوه[1].

قال: أرأيت لو لم يكن في العصر إلا مجتهد واحد فقط هل يُعَدُّ قولُهُ إجماعًا؟

قلت: لا

قال: ولِمَ؟

قلت: لأنا ذكرنا أن من شروط الإجماع: (الاتفاق)، وأقل ما يَصْدُقُ به الاتفاقُ اثنان.

قال: تقولُ شروط الإجماع؟

قلت: نعم

قال: وما هي؟

قلت: شروط صحة الإجماع هي:

1- الاتفاق، فلو خالف واحد أو أكثر من المجتهدين لم ينعقد الإجماع

2- أن يكون الاتفاق بين المجتهدين فلا عبرة بالعوام ولا المقلدين

3- أن يكون الاتفاق بين المجتهدين الموجودين في عصر واحد، فلا عبرة بمن مات قبل انعقاد الإجماع ولا بمن سيأتي.

4- أن يكون المُجْمِعُون من المسلمين فلا عبرة بمجتهد كافر

5- أن يكون الإجماع بعد وفاته صلى الله عليه وسلم

6- أن يكون الإجماع على أمر شرعي فلا عبرة بالإجماع على الأمور العقلية أو الدنيوية

قال: ذكرت أن من شروط الإجماع أن يكون بين المجتهدين الموجودين في عصر واحد

قلت:نعم

قال: أرأيت التابعيَّ المجتهدَ الذي أدرك الصحابة هل يعتبرُ قوله معهم؟

قلت: نعم؛ لأنه من علماء أهل العصر

قال: وذكرت أن من شروط الإجماع أن يكون بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت: نعم

قال: ولِمَ؟

قلت: لأنه صلى الله عليه وسلم إن وافقهم فالحجة في قوله هو، وإن خالفهم فلا اعتبار بقولهم دونه.

قال: فلماذا لا ينعقد الإجماع مع مخالفة واحد فقط؟

قلت: لأنه لو انعقد بدونه لزمه أن يترك ما أداه إليه اجتهادُه وأن يقلد غيره في اجتهاده، وهذا لا يقول به أحد

قال: فهلا انعقد الإجماع في حقهم دونه؟

قلت:هذا محال أيضا.

قال: ولِمَ؟

قلت: لأنه يلزم عليه أن يكون الإجماع دليلا في حق بعض الأمة (وهم المجتهدون المجمعون) وغير دليل في حق بعض الأمة (وهو المجتهد المخالف) وهذا محال أن يكون الشيء دليلا وغير دليل.

قال: وذكرت أن من شروطه أن يكون المجتهدون من المسلمين دون الكفار

قلت: نعم

قال: أرأيت إن كان أحد المجتهدين فاسقا؟

قلت: الراجح اعتبار موافقة المجتهد الفاسق بناء على عدم اعتبار العدالة في الاجتهاد

قال: فلماذا اختص الإجماع بهذه الأمة؟ ولماذا لم يكن إجماع الأمم السابقة حجة أيضا؟

قلت له: ويحك

فنظر إليَّ مقشعرا

فقلت له: أترى إجماع اليهود حجةً وقد أجمعوا على أن النبيَّ المنتظرَ لم يأتِ بعد؟!

فتلعثم وقال: ل ل ل ل لا.

قلت: أترى إجماع النصارى على التثليث حجة؟

فلم ينبس ببنتِ شَفَه، وعلمَ أن الإجماع خاصٌّ بهذه الأمة.
_____________________
[1] غاية المأمول للرملي 246.

د:ابراهيم الشناوى
2018-10-22, 09:20 PM
من مسائل الإجماع
قال المصنف رحمه الله تعالى:


وَالإجماع حُجَّةٌ عَلَى الْعَصْرِ الثَّانِي وَفِي أَيِّ عَصْرٍ كَانَ.

وَلَا يُشْتَرَطُ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ عَلَى الصَّحِيحِ.

فَإِنْ قُلْنَا: انْقِرَاضُ الْعَصْرِ شَرْطٌ؛ يُعْتَبَرْ قَوْلُ مَنْ وُلِدَ فِي حَيَاتِهِمْ وَتَفَقَّهَ وَصَارَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ.

وَلَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ.
______________________________ ___
(وَ): استئنافية

(الْإِجْمَاعُ): مبتدأ

(حُجَّةٌ): خبر

(عَلَى الْعَصْرِ): متعلق بمحذوف صفة لـ(حجة) أي: حجةٌ كائنةٌ على العصر الثاني

(الثَّانِي): نعت للعصر مجرور وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الثقل

(وَ): عاطفة

(فِي أَيِّ): معطوف على (على العصر)، و(أيّ) مضاف

(عَصْرٍ): مضاف إليه

(كَانَ): تامة وهي فعل ماض مبني على الفتح لا محل له من الإعراب والفاعل مستتر جوازا يعود على (عصر) والجملة من الفعل والفاعل في محل جر صفة لـ(عصر)، أي: والإجماع حجة في أي عصر وُجِدَ، يعني في كل العصور التي توجد إلى يوم القيامة.

(وَ): استئنافية

(لَا): نافية

(يُشْتَرَطُ): فعل مضارع مرفوع لأنه لم يسبقه ناصب ولا جازم وعلامة رفعه الضمة الظاهرة

(انْقِرَاضُ): فاعل، ومضاف

(الْعَصْرِ): مضاف إليه

(عَلَى الصَّحِيحِ): إما أن يقال: إنه متعلق بمحذوف نعت للمصدر المفهوم من قوله: "لا يشترط" أو يقال: إنه متعلق بمحذوف خبر لمبتدإ محذوف والتقدير على الحالين: (عدم الاشتراط كائن على القول الصحيح)، فـ"كائن" نعت على الأول، وخبر على الثاني، فتأمل.

(فَـ): فاء الفصيحة

(إِنْ): شرطية

(قُلْنَا): (قال) فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بـ (نا) الفاعلِين في محل جزم فعل الشرط، و(نا) ضمير رفع متحرك مبني على السكون في محل رفع فاعل

(انْقِرَاضُ): مبتدأ، ومضاف

(الْعَصْرِ): مضاف إليه

(شَرْطٌ): خبر

والجملة في محل نصب مقول القول

(يُعْتَبَرْ): فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط، وأما بالرفع (يعتبرُ) فعلى إضمار الفاء: (فيعتبرُ)، على رأي الكوفيين، أو على أنه دليلُ الجواب لا نفس الجواب.

(قَوْلُ): فاعل، ومضاف

(مَنْ): اسم موصول مبني على السكون في محل جر مضاف إليه

(وُلِدَ): فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، ونائب الفاعل مستتر جوازا يعود على (مَنْ) وهو العائد، وجملة الفعل ونائب الفاعل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول: (مَنْ).

(فِي حَيَاتِهِمْ): متعلق بـ (وُلِدَ)

(وَ): عاطفة

(تَفَقَّهَ): فعل ماض مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، والفاعل مستتر يعود على (مَنْ) والجملة لا محل لها من الإعراب معطوفة على جملة الصلة

(وَ): عاطفة

(صَارَ): فعل ماض ناقص من أخوات كان، واسمه مستتر جوازا يعود على (مَنْ)

(مِنْ أَهْلِ): متعلق بمحذوف خبر (صار)، و(أهل) مضاف

(الِاجْتِهَادِ): مضاف إليه

والجملة لا محل لها من الإعراب معطوفة على جملة الصلة

(وَ): استئنافية

(لَهُمْ): متعلق بمحذوف خبر مقدم

(أَنْ): حرف مصدري ونصب

(يَرْجِعُوا): فعل مضارع منصوب بـ(أنْ) وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة، و(واو الجماعة) فاعل. و(أنْ) والفعل (يرجع) في تأويل مصدر مبتدأ مؤخر

وجملة (يرجعوا) من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب صلة (أَنْ)

(عَنْ ذَلِكَ): متعلق بـ (يرجع) واللام للبعد والكاف حرف خطاب

(الْحُكْمِ): بدل أو عطف بيان من اسم الإشارة (ذا)

د:ابراهيم الشناوى
2018-10-23, 10:10 PM
وقع سهو في إعراب حرفين مما سبق نبه عليه أحد الإخوة جزاه الله خيرا

الأول- "انقراض" نائب فاعل في قول المصنف: "ولا يُشْتَرَطُ انقراضُ العصر"

الثاني- "قول" نائب فاعل في قول المصنف: "يُعْتَبَرُ قولُ مَنْ وُلِدَ"
وهو سهو ظاهر، لكن لزم التنبيه

د:ابراهيم الشناوى
2018-10-23, 10:16 PM
المعنى

ذكر هنا أن الإجماع إذا انعقد في أي عصر من العصور فإنه يكون حجةً على جميع العصور التي بعده إلى يوم القيامة ولا يجوز لِمَنْ بعدهم مخالفته.

ثم ذكَرَ أنه ليس من شروط صحة الإجماع وحُجِّيَّتِهِ اشتراطُ انقراضِ العصرِ، وموتِ جميعِ المُجْمِعينَ، بل إذا انعقد الإجماع في أي وقت صار حجةً مِنْ وَقْتِ انعقاده إلى يوم القيامة، وهذا هو الصحيح.
وذهب قومٌ إلى اشتراط انقراض العصر وهو قولٌ مرجوحٌ.

ثم ذكر أن من ثمرات هذا الخلاف بيانَ حكم هذه المسألة وهي: أن الإجماع إذا انعقد في عصر من العصور ثم وُلِدَ أحدُ المجتهدين في حياةِ هؤلاء المجمعين وتفقَّهَ وصار مجتهدا مثلهم ثم وافقهم على إجماعهم أو خالفهم هل يُعْتَبَرُ قولُهُ معهم أو لا؟ يعني لو خالفهم هل ينتقض الإجماع بمخالفته؟

فعلى الرأي الراجح عند المصنف وهو عدمُ اشتراطِ انقراض العصر لا يُعتبرُ قولُهُ معهم، وأما على قولِ مَنِ اشترط انقراض العصرِ فإن قولَهُ يكون مُعْتَبَرًا فلو خالفهم انتقض الإجماع بمخالفته؛ إذ إنه مِنْ شروط صحة الإجماع انقراضُ العصر، والعصرُ لم ينقرض بعْدُ فالإجماع لم ينعقدْ بعدُ.

ولهم على القول المرجوح أن يرجعوا عن ذلك الحكمِ الذي أجمعوا عليه

وأما على القول الصحيح فليس لهم الرجوعُ عنه

د:ابراهيم الشناوى
2018-10-26, 09:29 PM
قال صاحبي

قال: لماذا حملت قوله: "حجة على العصر الثاني" على أن المراد به جميع العصور التي بعده؟

قلت: لأن هذا هو المراد، فليس من المعقول أن يكون المراد أن الإجماع إذا انعقد في عصر من العصور فإنه يكون حجة على العصر الثاني الذي يليه ثم تنقطع حجيته فلا يكون حجة على العصر الثالث والرابع ... إلى يوم القيامة.

قال: نعم، هذا صحيح، ولكن ألا ترى أن قوله: "وفي أي عصر كان" تكرارًا لقوله: "حجة على العصر الثاني".

قلت: لا، ليس تكرارا

قال: كيف ذلك؟ ألم تذكر في الإعراب أن قوله: "في أي عصر" معطوف على قوله: "على العصر الثاني"؟

قلت: بلى

قال: وهذا معناه أن تأويل كلام المصنف هكذا: (الإجماع حجةٌ على العصر الثاني وحجةٌ في أيِّ عصرٍ كان)

قلت: نعم، هذا هو تأويلُه.

فقال: متعجبا: كيف لا يكون هذا تكرارا؟!

قلت: عندنا هنا جملتان:

الأولى - (الإجماع حُجَّةٌ على العصر الثاني) وهذه المراد بها بيان حجيته على العصور التي تليه إلى يوم القيامة

الثانية - (الإجماع حُجَّةٌ في أي عصرٍ كان) وهذه المراد بها بيان جواز انعقاد الإجماع في أي عصر كان من العصور وأنه لا يختص بعصر الصحابة فقط كما قيل.

فتفكَّرَ قليلا ثم قال: ياااااه، نعم نعم، أهذا هو المراد؟

قلت: نعم

قال: فالأُولى في بيان حجيته إذا انعقد، والثانية في بيان جواز وقوعه وانعقاده في أي عصر من العصور وأنه يكون حجةً إذا انعقد.

قلت: نعم، هذا هو المقصود

قال: أرأيت قول المصنف: "ولهم أن يرجعوا عن ذلك الحكم" مع تصحيحه سابقا عدم اشتراط انقراض العصر، أليس هذا تناقضا؟

قلت: نعم، ليس تناقضا.

قال: وكيف ذلك؟

قلت: لأن قوله: "ولهم أن يرجعوا عن ذلك الحكم" إنما هو على القولِ المرجوح الذي يشترط انقراضَ العصرِ فقد ذكر عليه مسألتين وهما:
- اعتبارُ قولِ مَنْ وُلِدَ في حياتهم وصار فقيها مجتهدا مثلهم
- والثانيةُ هذه وهي: أن لهم أن يرجعوا عن ذلك الحكم الذي أجمعوا عليه.

قال: نعم نعم، كأنه ذكر هذه المسألة على قول مَنِ اشترط انقراضَ العصر لا على ما اختاره من عدم اشتراط ذلك

قلت: نعم، هو ذاك

قال: ولكن أليس قولُ مَنِ اشترطَ انقراضَ العصر هو الصحيحُ؟

قلت: ولِمَ؟

قال: لأن من المعقول جدا أن يخالفَ بعضُهُمُ اجتهادَهُ فيرجعَ عنه، فكيف نقولُ: إن الإجماع إذا انعقد لا يجوز نقضُهُ؟! والإجماع لم ينعقدْ إلا بهم ولم ينتقضْ إلا بهم أيضا، فلا بد من انقراض عصرهم حتى يكون أولُ قولِهِمْ وآخرُهُ واحدا على السواء.

قلت: هذا وإن ساعَدَهُ العقلُ، لم يساعدْهُ النَّقْلُ

قال: وكيف ذلك؟

قلت: ألم يسبق حديثُ: "لا تجتمع أمتي على ضلالة" وذكرنا أن معناه متفق عليه بين العلماء بل ذهب بعضهم إلى أنه من المتواتر المعنوي؟

قال: بلى

قلت: فإذا انعقد الإجماع في وقتٍ من الأوقات ثم انتقض فهذا معناه أن الأمةَ قد اجتمعتْ على ضلالة في وقت من الأوقات ثم رجعت عن هذه الضلالة، وهذا خلاف الثابت من عصمة هذه الأمة من الاجتماع على ضلالة.

د:ابراهيم الشناوى
2018-11-05, 12:21 AM
أنواع الإجماع والإجماع السكوتي


قال المصنف:


وَالإجماع يَصِحُّ بِقَوْلِهِمْ وَبِفِعْلِهِمْ. وَبِقَوْلِ الْبَعْضِ وَبِفِعْلِ الْبَعْضِ.

وَانْتِشَارِ ذَلِكَ وَسُكُوتِ الْبَاقِينَ عَنْهُ.

_____________________________

(وَ): استئنافية

(الْإِجْمَاعُ): مبتدأ

(يَصِحُّ): فعل مضارع والفاعل مستتر جوازا يعود على (الإجماع)

والجملة من الفعل والفاعل وما تعلق بهما في محل رفع خبر

وجملة المبتدإ والخبر لا محل لها من الإعراب استئنافية

(بِقَوْلِهِمْ): (بقول) متعلق بـ (يصح)، و(قول) مضاف و(هم) مضاف إليه

(وَ): عاطفة

(بِفِعْلِهِمْ): معطوف على (بقولهم)

(وَ): عاطفة

(بِقَوْلِ): معطوف على (بقولهم)، و(قول) مضاف

(الْبَعْضِ): مضاف إليه

(وَبِفِعْلِ الْبَعْضِ): مثل (بقول البعض) ومعطوفة عليها لا على (بقولهم)

(وَ): عاطفة

(انْتِشَارِ): معطوف على (بقول... وبفعل) لا على أحدهما فقط من حيث المعنى

و(انتشار) مضاف

(ذَلِكَ): (ذا) اسم إشارة مضاف إليه، واللام للبعد والكاف حرف خطاب، والإشارة إلى (قول البعض) و(فعل البعض)

(وَ): عاطفة

(سُكُوتِ): معطوفة على (انتشار)، و(سكوت) مضاف

(الْبَاقِينَ): مضاف إليه مجرور وعلامة جره الياء لأنه جمع مذكر سالم

(عَنْهُ): متعلق بـ (سكوت)

د:ابراهيم الشناوى
2018-11-09, 10:46 PM
المعنى

ذكر هنا أنواع الإجماع وهي أربعة أنواع:

النوع الأول -الإجماع القولي: بأن يتكلم كل واحد من الفقهاء المجتهدين بذلك الحكم، وهذا يسمَّى: الإجماع الصريح.

النوع الثاني-الإجماع الفعلي: بأن يفعلوا كلهم فعلا واحدا فيدُلّ فعلهم هذا على أن هذا الفعل مأذونٌ فيه إما على أنه مباح أو مندوب أو مكروه.
ومثاله: استعمالهم وسائل النقل الحديثة كالطائرات والسيارات فهذا إجماع فعلي يدل على جواز ركوبها واستعمالها.

وقد قيل إن هذا النوعَ لا يكادُ يتحقق؛ فإن الأمةَ متى فعلتْ شيئا فلابد من متكلم يحكم بذلك الشيء[1].

النوع الثالث -الإجماع المنعقدُ بقول بعض المجتهدين وفعل بعض: مثاله: أن يقول بعض المجتهدين: ركوب الطائرات جائز، ولا يقول الآخرون ذلك لكنهم يركبونها

النوع الرابع-الإجماع السكوتي: وهو أن يقول بعضهم: (حكمُ هذه المسألةِ كذا)، وينتشر هذا القولُ عنهم حتى يَبْلُغَ جميعَ المجتهدين الموجودين في هذا العصر، مع مُضِيِّ مدةٍ يمكنُ فيها النظرُ عادةً، وكونُ المسألة اجتهاديّةٍ تكليفيَّةٍ، وتَجَرُّدُ السكوتِ عن أمارةِ سُخْطٍ أو رِضًا.
______________________________
[1] قرة العين شرح ورقات إمام الحرمين للحطاب الرعيني 140 مطبوع بهامش حاشية الشيخ السوسي على قرة العين، وشرح الورقات لابن الفركاح 269.

د:ابراهيم الشناوى
2018-11-18, 11:15 PM
قال صاحبي
قال: لماذا أعاد الباء في قوله: "بقولهم وبفعلهم"؟
قلت: لأنه لو قال: "والإجماع يصحُّ بقولِهِمْ وفعلِهِم" لأوهمَ أنه لا يصحُّ إلا باجتماعهما
فلما أعاد الباء في (وبفعلهم) قطع هذا الوهمَ وأفاد أنه يصح بكل واحد منهما على انفراده، أي:

- يصح الإجماع بقولهم فقط
- كما يصح بفعلهم فقط.
قال: ذكرتَ أن قوله: "وبفعل البعض" معطوف على قوله: "وبقولِ البعضِ" لا على قوله: "بقولهم"
قلت: نعم
قال: فما وجْهُ ذلك؟
قلت: وجهُهُ: أن المراد: أن الإجماع ينعقد بـ (قول البعض مع فعل البعض الآخر) فالواو للمعية
ولو عطفت على (بقولهم) لانتفت المعية وفسد المعنى.
قال: وكيف يفسد المعنى؟
قلت: يفسد المعنى؛ لأنه يصير هكذا: يصح الإجماع بـ:

(1) قولهم كلِّهم
(2) وفعلِهم كلِّهم
(3) وقولِ البعض فقط لا كلهم دون النظر إلى قول باقيهم أو فعلهم
(4) وفعلِ البعض فقط لا كلهم دون النظر إلى قول باقيهم أو فعلهم.
وهذا فاسد كما ترى؛ لأن الإجماع لا ينعقد إلا باتفاق الجميع.
قال: ذكرتَ أن (انتشارِ) معطوف على (بقول) و(بفعل) لا على أحدهما فقط من حيث المعنى
قلت: نعم
قال: فما وجه ذلك؟
قلت: وجهُهُ:
- أن المعنى على الأول: (يصح الإجماع بقولِ البعض وانتشارِ ذلك القولِ مع سكوت الباقين)
- والمعنى على الثاني (يصح الإجماع بفعلِ البعض وانتشارِ ذلك الفعل مع سكوت الباقين)
قال: قد مثلوا للإجماع الفعليِّ بجمعِ القرآن في المصاحف.
قلت: نعم، ولكن اعترض على ذلك بتقدُّمِ المشورة فيه مِنْ قِبَلِ الصحابة، أي إن القول قد تقدم على الفعل؛ فليس هذا من نوع الإجماع الفعلي.
قال: نعم، ليس منه.
قلت: لكن يمكن أن يقال: إن القول المتقدم لم يكن جازما بل كان مترددا بين الجواز والمنعِ وهذا لا يسمَّى إجماعا.
قال: هذا كلام سليم أيضا، ومعنى هذا أنه مثال صالحٌ للإجماع الفعليِّ
قلت: ربما؛ فإنه قد يُنازَعُ فيه بأن القول كان مترددا بين الجواز والمنع ثم اتفقت أقوالهم على الجواز ففعلوا.
فسكتَ ثم قال: ذكرت أن الإجماع الفعليَّ يدل على أن الفِعْلَ مأذونٌ فيه إما بالإباحة أو الندب أو الكراهة
قلت: بلى
قال: فأين الواجبُ والمحرم؟

د:ابراهيم الشناوى
2018-11-30, 09:33 PM
قال: فأين الواجبُ والمحرم؟

قلت: لا يدلُّ الإجماع الفعليُّ عليهما

قال: ولِمَ؟

قلت: أما المُحَرَّمُ فظاهر

قال: لا، ليس ظاهرا

قلت: ويحك، أفترى أن الأمةَ تُجْمِعُ على فِعْلِ مُحَرَّمٍ؟!

فانتفض وقال: لا لا لا، لا يمكنُ هذا أبدا.

قلت: فالإجماع الفِعْلِيُّ لا يدلُّ على المُحَرَّمِ

قال: نعم نعم، لا يدلُّ عليه

قلت: وأما الواجبُ فلا يدل عليه أيضا؛ لأن الفِعْلَ لا يدلُّ على الطلب الجازم

قال: نعم، صار هذا واضحا أيضا

قال: أرأيت الإجماع السكوتيَّ هل هو حجة؟

قلت: هذا مختلف فيه، والراجح أنه إجماع معتبَرٌ وحجةٌ ويصح الاستدلال به، ولكنه ليس في قوة ما قبله من الأنواع، أي إنه ليس إجماعا قطعيا.

وقيل: إن هذا النوعَ حجةٌ ولكنه ليس إجماعا.

وقيل: ليس حجة ولا إجماعا؛ لأن الأصل أنه لا ينسب لساكتٍ قولٌ.

د:ابراهيم الشناوى
2018-12-07, 10:25 PM
قول الصحابي
قال المصنف:

وَقَوْلُ الْوَاحِدِ مِنَ الصَّحَابَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى غَيْرِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ.
______________________________ _____
(وَ): استئنافية

(قَوْلُ): مبتدأ، ومضاف

(الْوَاحِدِ): مضاف إليه

(مِنَ الصَّحَابَةِ): متعلق بمحذوف حال من (واحد) أي: الواحد حال كونه من الصحابة.

(لَيْسَ): فعل ماض ناقص من أخوات كان مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره هو يعود على (قول)

(بِحُجَّةٍ): الباء زائدة، و(حجة) خبر ليس منصوب وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد

وجملة (ليس بحجة) وما تعلق بها في محل رفع خبر المبتدإ (قول)

(عَلَى غَيْرِهِ): متعلق بمحذوف نعت لـ(حجة) أي: ليس بحجةٍ كائنةٍ على غيره، و(غير) مضاف والهاء مضاف إليه

(عَلَى الْقَوْلِ): متعلق بمحذوف خبر لمبتدإ محذوف والتقدير (وهذا كائن على القول الجديد)

(الْجَدِيدِ): نعت لقول

د:ابراهيم الشناوى
2018-12-15, 09:49 PM
المعنى
تكلم المصنف هنا عن حجية قولِ الصحابي فذكر أنه ليس بحجة على المذهب الجديد للإمام الشافعي، وإن كان حجة في القديم.

والصحابيُّ عند المحدثين: مَنْ رأَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم مُؤْمِنا به ولو مرة واحدة ومات على ذلك

وأما عند الأصوليين فلا يريدون هذا العموم ولكن يريدون الصحابيَّ الفقيه الذي طالت صحبتُه للنبي صلى الله عليه وسلم واكتسب منه العلمَ والفقه.

والمراد بـ (قول الصحابي) ما يشمل قولَه وفعله وتقريره أيضا.

والمراد بـ (قول الواحد من الصحابة) ما يشمل الاثنين فما فوقهما ما لم يبلغ حدَّ الإجماع



وقول الصحابي على ثلاثة أقسام:
الأول- أن يقول الصحابيُّ قولا ويخالفُه غيرُه من الصحابة فهذا فيه تفصيل:

1- أَنْ يخالفَه مثله: فهذا ليس حجةً اتفاقا، وليس قولُ أحدهما أولى بالأخذ به من قول الآخر، ولا يكون قول أحدهما حجة على غيره من الصحابة ولا على غير الصحابة، لكن لا يُهْمَلُ قولُهما بل يكون الترجيح بينهما بطريقة من طرق الترجيح المعروفة.

2- أن يخالفه من هو أعلم منه: كما إذا خالف الخلفاءُ الراشدون أو بعضُهم غيرَهم من الصحابة: فالشق الذي فيه الخلفاء الراشدون أو بعضُهم يكون أرجح من غيره وأولى بالأخذ به من الشق الآخر.
قال ابن القيم: "فإن كان الأربعة في شق فلا شك أنه الصوابُ،
وإن كان أكثرهم في شق فالصوابُ فيه أغلبُ،
وإن كانوا اثنين واثنين فشِقُّ أبي بكر وعمر أقرب إلى الصواب،
فإن اختلف أبو بكر وعمر فالصواب مع أبي بكر.
وهذه جملة لا يَعْرِفُ تفصيلها إلا من له خبرة واطلاع على ما اختلف فيه الصحابة وعلى الراجح من أقوالهم"[1].

الثاني- أن يقولَ الصحابيُّ قولا وينتشر عنه ولا يوجد له مخالفٌ: فهذا يكون إجماعًا سكوتيا وقد سبق الحديث عنه.

الثالث- أن يقول الصحابيُّ قولا ولم ينتشر عنه ولم يوجد له مخالف أيضا، فهذا اختلف فيه العلماء على قولين:

أولهما-أنه ليس بحجة وهذا هو الذي نسبه المصنف للشافعي في الجديد
وذلك لأن الشارع أمر عند الاختلاف بالرجوع إلى الكتاب والسنة
ولم يرد في شيء من النصوص الرجوع إلى قول الصحابي
ومن ذلك قوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10]،
وقوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59].

ثانيهما-أن قول الصحابي حجة وإليه ذهب الجمهور وهو القول القديم للشافعي،
واستدلوا على ذلك بأدلة منها حديث: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" وهو حديث موضوع كما بينته في تخريج أحاديث المنهاج يسَّرَ اللهُ إتمامه.
___________________________
[1] إعلام الموقعين عن رب العالمين 5/ 546 -547 ت. مشهور حسن آل سلمان ط. دار ابن الجوزي.

د:ابراهيم الشناوى
2018-12-21, 11:31 PM
الأخبار
تعريف الخبر وأقسامه
قال المصنف:

وَأَمَّا الْأَخْبَارُ: فَالخَبَرُ مَا يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ._______ __________________
(وَ): استئنافية أو عاطفة

(أَمَّا): حرف تفصيل وتوكيد فيه معنى الشرط

(الْأَخْبَارُ): مبتدأ، وهو من جملة الجواب كما علمت سابقا

(فَـ): واقعة في جواب (أما) ومزحلقة عن موضعها والأصل (وأما فالأخبار الخبر ما ...) فزحلقت الفاء عن موضعها إلى جملة الخبر لضرب من إصلاح اللفظ

(الخَبَرُ): مبتدأ

(مَا): اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر، وهي واقعة على (المركب الإسنادي) أي: الخبر هو المركب الإسنادي الذي يحتمل الصدق والكذب.

والجملة من المبتدإ والخبر: (الخبر ما يدخله ...) وما تعلق بهما في محل رفع خبر المبتدإ (الأخبار)

والجملة من المبتدإ: (الأخبار) والخبر: (الخبر ما يدخله ... الخ) جواب (أما)
وجواب الشرط الذي نابت عنه (أما) محذوف لدلالة جواب (أما) عليه وهذا مذهب سيبويه
وللفارسي قولان:
أحدهما-مثل مذهب سيبويه
والآخر أن الجواب للشرط وجواب (أما) محذوف
وذهب الأخفش إلى أن الجواب لـ(أما) والشرط جميعا[1].

وجملة (أما الأخبار فالخبر ...) لا محل لها من الإعراب معطوفة على قوله: "فأما أقسام الكلام" أي: فأما أقسام الكلام فكذا، والأمر كذا والنهي كذا وأما العامُّ فكذا... وأما الأخبارُ فكذا ... الخ
هذا إن جعلت الواو عاطفة
فإن جعلتها استئنافية فالجملة استئنافية لا محل لها من الإعراب.

(يَدْخُلُهُ): فعل مضارع والهاء مفعول به

(الصِّدْقُ): فاعل، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول لا محل لها من الإعراب صلة الاسم الموصول: (ما).

(وَ): عاطفة

(الْكَذِبُ): معطوف على (الصدق)
______________________________ __
[1] الجنى الداني في حروف المعاني للمرادي 525 -526.

د:ابراهيم الشناوى
2018-12-28, 10:14 PM
المعنى

شرع المصنف هنا في الكلام على الأخبار، والمقصود الأعظم من هذا الباب هو الكلامُ على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم لأن السنة هي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن.

فعرَّفَ المصنفُ:
(الخبر) بأنه: ما يدخله الصدق والكذب

وهذا التعريف يجري على كلام علماء العربية الذين يقسمون الكلام إلى خبر وإنشاء، فالخبرُ ما ذكره المصنف
والإنشاء: ما لا يحتمل الصدق ولا الكذب.

وأما علماء الحديث فإنهم يُعَرِّفُونَ:
(الخبر) باعتباره مرادفا لـ(الحديث) بأنه: ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم من قولٍ أو فعلٍ أو تقرير أو وصفٍ خِلْقِيٍّ أو خُلُقِيٍّ.

وهذا هو الذي ينقسم إلى متواتر وآحاد.

د:ابراهيم الشناوى
2019-01-06, 11:07 PM
قال صاحبي

قال: ذكرتَ أن الخبرَ هو ما يدخله الصدقُ والكذبُ

قلت: نعم


قال: وكيف ذلك؟!

قلت: وما لي أراك متعجبا لا سائلا؟


قال: كيف يدخل الصدقُ والكذبُ معا في الكلام وهما متنافيان؟!

قلت: كأنك فهمت أن الصدق والكذب يدخلان جميعا في كلامٍ واحدٍ وفي وقت واحد ومن جهة واحدة.


قال: نعم، أليس هذا هو المقصود؟

قلت: نعم، ليس هذا هو المقصود قطعا.


قال: فما المقصودُ إذن؟

قلت: المقصودُ أن الكلام يكون محتملا لأن يدخله الصدق كما يكون محتملا لأن يدخله الكذب
فإذا قلت: (قام زيد) فهذا الكلامُ يَحْتَمِلُ الصدقَ والكذبَ: فإن كان زيد قد قام فعلا فهذا الكلام صِدْقٌ وإلا فهو كذبٌ


قال: قلتَ: إن الكلام يكون محتملا لهما

قلت: نعم


قال: فهل هذا الاحتمال يكون متساويا فيهما أو أن أحدهما أرجح من الآخر

قلت: هذه تُعْرَفُ بالقرائن:

- فقد يكون احتماله للصدق والكذبِ متساويا إذا كان القائلُ مجهولا
- وقد يكون الصدقُ راجحا إذا كان قائلُه عَدْلًا
- وقد يكون الكذب راجحا إذا كان قائلُهُ فاسقا.


قال: تقولُ: إن احتمالَهُ للصدق والكذب يكون متساويا إذا كان قائلُه مجهولا!

قلت: نعم


قال: فإذا كان هذا صحيحا فلماذا لا نقبل روايةَ المجهولِ؟ ولماذا نَرُدُّ الحديثَ المُرْسلَ؟

قلت: نردهما خوفا من أن يكونا كذابيْنِ


قال: ولكن قد يكونا صادِقَيْنِ

قلت: نعم، قد يكون هذا؛
ولهذا فنحن لا نكذبُهما بل نجعلهما من باب الضعيف الذي يمكن أن يتقوَّى بغيره
كما في المرسل إذا كان من مراسيل كبار التابعين وجاء من أكثر من طريق إلى آخر شروطه

وهذه الشروط إنما وضعت لتكون قرائنَ على أن الراوي المجهولَ في المرسَلِ غيرُ كذابٍ
وكذلك الأمر في رواية المجهولِ الحال وهو المستور
أما المجهول العين فمن باب الضعف الشديد كما تعلم.


قال: فلماذا عرَّفَ المصنفُ الخبرَ بتعريف أهل اللغة ولم يُعَرِّفْهُ بتعريف المُحَدِّثينَ إذا كان المقصود هو الكلام على السنة باعتبارها المصدر الثاني للتشريع؟

قلت: لِيُبَيِّنُ لكَ ما ذكرتُهُ آنفا


قال: وكيف ذلك؟ لا أفهمُ مرادك

قلت: اعلم أولا أن من الأخبار ما لا يحتمل إلا الصدقَ كخبر الله تعالى وخبرِ رسولِهِ صلى الله عليه وسلم، ومنه المعلوم بالضرورة كقولنا: السماء فوقنا والأرض تحتنا والنارُ حارة ونحو ذلك


قال: نعم

قلت: ومن الأخبار ما لا يحتمل إلا الكذب كما إذا قيل: الواحد نصفُ الخمسة، والنقيضان يجتمعان ونحو ذلك.


قال: نعم

قلت: ومن الأخبار ما يكون محتملا لهما إما مساويا أو برجحان أحدهما كما سبق


قال: نعم


قلت: فالمصنف يُمَهِّدُ بهذا ليقولَ: إن من الأخبار المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم:

- ما لا يحتمل إلا الصدق كالخبر المتواتر
-وما لا يحتمل إلا الكذب كالحديث الموضوع الذي في رواته كذاب
- والمحتمل للقبولِ والرَّدِ وهو الضعيف الذي ضعفه غيرُ شديد.


قال: ذكرت أن علماء الحديث يجعلون (الخبر) مرادفا لـ(الحديث)

قلت: نعم


قال: فهل هم متفقون على هذا
قلت: هذا هو الراجح ولكن بعضهم يجعل (الخبر) أعم من (الحديث) فكل (حديثٍ) (خبرٌ) ولا ينعكس.
وقيل: (الحديث) ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم،
و(الخبرُ) ما نقل عن غيره؛
فلهذا يقال لمن يشتغل بالتاريخ: إخباريّ
ولمن يشتغل بالحديث: مُحَدِّث
وللمبتديء في طلب الحديث: حديثي.

د:ابراهيم الشناوى
2019-01-14, 08:38 PM
تقسيم الخبر إلى متواتر وآحاد
قال المصنف:

وَالْخَبَرُ يَنْقَسِمُ إِلَى: آحَادٍ وَمُتَوَاتِرٍ.
___________________________
(وَ): استئنافية

(الْخَبَرُ): مبتدأ

(يَنْقَسِمُ): فعل مضارع والفاعل مستتر جوازا يعود على (الخبر)
والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر
وجملة المبتدإ والخبر لا محل لها من الإعراب استئنافية

(إِلَى آحَادٍ): متعلق بـ (ينقسم)

(وَ): عاطفة

(مُتَوَاتِرٍ): معطوف على (آحاد)

د:ابراهيم الشناوى
2019-01-19, 10:40 PM
المتـــــواتـــ ــر

قال المصنف:

فَالْمُتَوَاتِر ُ: مَا يُوجِبُ الْعِلْمَ؛ وَهُوَ أَنْ يَرْوِيَ جَمَاعَةٌ لَا يَقَعُ التَّوَاطُؤُ عَلَى الْكَذِبِ مِنْ مِثْلِهِمْ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى الْمُخْبَرِ عَنْهُ، وَيَكُونُ فِي الْأَصْلِ عَنْ مُشَاهَدَةٍ أَوْ سَمَاعٍ، لَا عَنِ اجْتِهَادٍ.


الآحـــــــاد
قال المصنف:

وَالْآحَادُ: هُوَ الَّذِي يُوجِبُ الْعَمَلَ، وَلَا يُوجِبُ الْعِلْمَ.
وَيَنْقَسِمُ إِلَى: مُرْسَلٍ وَمُسْنَدٍ.
________________________
(فَـ): فاء الفصيحة

(الْمُتَوَاتِرُ) : مبتدأ

(مَا): اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر، وهي واقعة على (الخبر) أي أن المتواترَ هو الخبرُ الذي يوجبُ العلمَ.

(يُوجِبُ): فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر يعود على (ما)

(الْعِلْمَ): مفعول به

والجملة من الفعل والفاعل والمفعول لا محل لها من الإعراب صلة (ما)

(وَ): استئنافية

(هُوَ): مبتدأ

(أَنْ): حرف مصدري ونصب

(يَرْوِيَ): فعل مضارع منصوب بـ (أنْ) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة

و(أن) والفعل في تأويل مصدر تقديره (رواية) في محل رفع خبر

(جَمَاعَةٌ): فاعل
والجملة من الفعل والفاعل وما تعلق بهما لا محل لها من الإعراب صلة (أَنْ)

(لَا): نافية

(يَقَعُ): فعل مضارع

(التَّوَاطُؤُ): فاعل
والجملة من الفعل والفاعل وما تعلق بهما في محل رفع نعت لـ(جماعة)

(عَلَى الْكَذِبِ): متعلق بـ (التواطؤ)

(مِنْ مِثْلِهِمْ): متعلق بـ (يقع)
وفي بعض النسخ (عن مثلهم) فهو متعلق بـ (يرويَ)
و(مثل) مضاف و(هم) مضاف إليه وهو العائد على الموصوف: (جماعة)، وأما على نسخة (عن مثلهم) فالعائد محذوف تقديره: (منهم) أي: (لا يقع التواطؤ منهم على الكذب)

(إِلَى): حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب

(أَنْ): حرف مصدري ونصب

(يَنْتَهِيَ): فعل مضارع منصوب بـ (أن) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة
والفاعل مستتر يأتي الكلام عليه قريبا.

و(أنْ) والفعل في تأويل مصدر تقديره (الانتهاء) مجرور بـ (إلى) وعلامة جره الكسرة الظاهرة

والجار والمجرور متعلقان بمحذوف مفهوم من السياق والتقدير: (وتستمر الروايةُ هكذا إلى أن تنتهيَ إلى المخبَر عنه)
وذَكَّرَ الفعل: (ينتهي) على المعنى لأن (الرواية) (خبرٌ) فالمراد إلى أن ينتهيَ الخبرُ إلى المخبر عنه.

(إِلَى الْمُخْبَرِ): متعلق بـ (ينتهي)

(عَنْهُ): متعلق بـ (المخبَر)

(وَ): استئنافية

(يَكُونُ): فعل مضارع من (كان) الناقصة، مرفوع لأنه لم يسبقه ناصب ولا جازم، واسمه ضمير مستتر يعود على (المتواتر).

ووقع في نسخة ابن قاسم (فيكون) بالفاء وجرى شرحه على أنها فاء الفصيحة ثم جوَّزَ كونها عاطفة فقال: "ويجوز أن يجعل الفاء في قوله: (فيكون) لمجرد العطف على قوله: (ينتهيَ) فيستغني عن تكلف ما يتفرع عليه"[1].

(فِي الْأَصْلِ): متعلق بـ (يكون)، أي ويكون في الأصل حاصلا عن مشاهدة.

والمراد بـ (الأصل) أصل السند وهو الطبقة الأولى منه

(عَنْ مُشَاهَدَةٍ): متعلق بمحذوف خبر (يكون)، والجملة استئنافية لا محل لها من الإعراب

(أَوْ): عاطفة

(سَمَاعٍ): معطوف على (مشاهدة)

(لَا): عاطفة

(عَنِ اجْتِهَادٍ): معطوف على (عن مشاهدة)

وشروط العطف بـ (لا) ثلاثة:

1- أن يتقدمها إثبات نحو: جاء زيد لا عمرو

2- ألا تقترن بعاطف فإذا قيل: (جاءني زيد لا بل عمرو) فالعاطف (بل) و(لا) رَدٌّ لما قبلها

3- أن يتعاند متعاطفاها أي لا يَصْدُقُ أحدهما على الآخر فلا يجوز (جاءني رجلٌ لا زيدٌ) لأن (رجل) يصدق على (زيد) ويجوز (جاءني رجل لا امرأة)

(وَ): استئنافية

(الْآحَادُ): مبتدأ

(هُوَ): ضمير فصل

(الَّذِي): خبر

(يُوجِبُ الْعَمَلَ): فعل وفاعل ومفعول

والجملة لا محل لها صلة (الذي)

(وَ): عاطفة

(لَا): نافية

(يُوجِبُ الْعِلْمَ): فعل وفاعل ومفعول

والجملة لا محل لها من الإعراب معطوفة على جملة الصلة

(وَ): استئنافية

(يَنْقَسِمُ): فعل مضارع، والفاعل مستتر يعود على (الآحاد)

(إِلَى مُرْسَلٍ): متعلق بـ (ينقسم)

(وَ): عاطفة

(مُسْنَدٍ): معطوف على (مرسل)
_________________________
[1] الشرح الكبير على الورقات لابن قاسم 2/ 402 ت. سيد عبد العزيز وعبد الله ربيع.

د:ابراهيم الشناوى
2019-02-05, 11:03 PM
المسند
قال المصنف:

فَالْمُسْنَدُ: مَا اتَّصَلَ إِسْنَادُهُ.



المرسل وحجيته
قال المصنف:

وَالْمُرْسَلُ: مَا لَمْ يَتَّصِلْ إِسْنَادُهُ. فَإِنْ كَانَ مِنْ مَرَاسِيلِ غَيْرِ الصَّحَابَةِ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، إِلَّا مَرَاسِيلَ سَعِيدِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ؛ فَإِنَّهَا فُتِّشَتْ فَوُجِدَتْ مَسَانِيدَ.
______________________________ ___
(فَـ): فاء الفصيحة، أي فإذا أردت أن تعرف المسند فالمسند ...الخ
(الْمُسْنَدُ): مبتدأ
(مَا): خبر
(اتَّصَلَ): فعل ماض
(إِسْنَادُهُ): فاعل
و(إسناد) مضاف و(الهاء) مضاف إليه
والجملة من الفعل والفاعل وما تعلق بهما لا محل لها من الإعراب صلة (ما)
(وَ): استئنافية
(الْمُرْسَلُ مَا لَمْ يَتَّصِلْ إِسْنَادُهُ): مثل (المسند ما اتصل إسناده) إلا أن (لم) حرف نفي وجزم وقلب، و(يتصل) مضارع مجزوم بها
(فَـ): فاء الفصيحة
(إِنْ): شرطية
(كَانَ): فعل ماض ناقص مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط، واسمها ضمير مستتر يعود على (المرسل)
(مِنْ مَرَاسِيلِ): متعلق بمحذوف خبر (كان)
و(مراسيل) مضاف
(غَيْرِ): مضاف إليه
و(غير) مضاف أيضا
(الصَّحَابَةِ): مضاف إليه
(فَـ): واقعة في جواب الشرط
(لَيْسَ): فعل ماض ناقص مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، واسمه ضمير مستتر يعود على (المرسل)
(بِحُجَّةٍ): الباء زائدة في خبر ليس
و(حجة) خبر (ليس) مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد
(إِلَّا): أداة استثناء
(مَرَاسِيلَ): منصوب على الاستثناء، وهو مضاف
(سَعِيدِ): مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة
(بْنِ): نعت لـ(سعيد) ونعت المجرور مجرورٌ مثله، و(ابن) مضاف
(الْمُسَيَّبِ): مضاف إليه
(فَـ): تعليلية
(إِنَّهَا): إنَّ واسمها
(فُتِّشَتْ): فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح لا محل له من الإعراب، والتاء تاء التأنيث الساكنة حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب، ونائب الفاعل ضمير مستتر جوازا يعود على (مراسيل)
وجملة (فتشت) من الفعل ونائب الفاعل وما تعلق بهما في محل رفع خبر (إن)
(فَـ): عاطفة
(وُجِدَتْ): مثل (فتشت) ومعطوفة عليها، ونائب الفاعل هو المفعول الأول لـ(وُجِد)
(مَسَانِيدَ): مفعول ثان لـ(وجد) وتُرِكَ تنوينُه لأنه ممنوع من الصرف لأنه على صيغة منتهى الجموع

د:ابراهيم الشناوى
2019-02-15, 10:03 PM
المعنى
ذكر المصنف هنا أن الخبر ينقسم إلى متواتر وآحاد وعرَّفَ كلا منهما اصطلاحا ونحن نذكر طرفا من ذلك فنقول.

المتواتر
لغة: بمعنى المتتابع مأخوذ من تَواتَرَ أي تتابَعَ
واصطلاحا: أن يرويَ جماعةٌ كثيرةٌ لا يقع التواطؤُ منهم على الكذب عن مثلهم في كل طبقة من طبقات السند إلى أن ينتهي إلى المخبَرِ عنه وأن يكون مستندُهم الحسَّ لا الاجتهاد.
وحكمُ المتواترِ: أنه يوجبُ العِلْمَ.



الآحاد
لغة: جمع (واحد) وأخطأ بعضهم فقال: جمعُ أَحَد. قال في تاج العروس: "وروَى الأَزهَرِيُّ عَن أَبي العبّاسِ سُئلِ عَن الْآحَاد أَهِي جَمْعُ الأَحَدِ؟ فَقَالَ: معاذَ الله، لَيْسَ للأَحَدِ جَمْعٌ، وَلَكِن إِن جُعِلَتْ جَمْعَ الواحِد فَهُوَ مُحْتَمَلٌ مثلُ شَاهِدٍ وأَشْهَادٍ، قَالَ: وَلَيْسَ للواحِدِ تَثْنِيَة وَلَا للاثْنينِ واحِدٌ مِن جِنْسِه"[1].
واصطلاحا: ما لم يجمع شروط المتواتر.


وحكم الآحاد: أنه يوجبُ العمل.


وينقسم الآحاد باعتبارات متعددة ذكرَ منها المصنف ما يتعلق باتصال السند وانقطاعه فذكَرَ أنه ينقسم بهذا الاعتبار إلى قسمين: مسنَدٍ ومرسلٍ ثم عرَّفَ كلا منهما كالآتي:

1- المسند
هو ما اتصل إسناده. يعني ما رواه شخص عن شخص من أوله إلى منتهاه.
وأكثر ما يطلق (المسند) على المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.



2- المرسل
ما لم يتصل إسناده. وهذا عند الأصوليين فهو يشمل ما سقط منه راوٍ واحد أو أكثر سواء كان السقط من أول السند أو وسطه أو آخره فيشمل المعلق والمنقطع والمعضل والمرسل
وأما عند المحدثين فالمرسل: ما سقط منه الصحابي.


ثم ذكر المصنف أن المرسلَ غيرُ حجةٍ وأشار إلى أن مراسيل الصحابة حجة بقوله: "فإن كان من مراسيل غير الصحابة فليس بحجة"
وكون مراسيلِ الصحابة حجةً هو الذي عليه جماهير أهل العلم وعليه عمل أئمة الحديث
ثم استثنى من مراسيل غير الصحابة مراسيلَ سعيدِ بنِ المسيب
ثم ذكر سبب ذلك وأن مراسيلَهُ قد فُتِّشَتْ فوُجِدَتْ أنها مسانيدُ من طرق أخرى فلهذا كانت مراسيلُ سعيد بن المسيب حجة.
وقد اقتصر المصنف على ذلك وهي لمحةٌ من علم الحديث وثمت تفصيلات كثيرة محل بحثها في كتب المصطلح


ثم انتقل المصنف بعد ذلك إلى الحديث عن صيغ أداء الحديث ومراتب الرواية فذكرَ:



الْعَنْعَنَةَ
وهي أن يقول الراوي (عن فلان)
ومثلها قوله: (قال فلان).

الْأَنْأَنَةُ
وهي أن يقول الراوي: (أنَّ فلانا)
وهذه الصيغُ (عن، وأنَّ، وقال) محمولة على السماع إلا إذا كان الراوي مُدَلِّسًا فإنها تكون محمولة على الانقطاع حتى يتبيَّنَ خِلافُه.


ثم ذَكَرَ مراتب الرواية
وقد جعلها ابن حجر في (النزهة) ثمانيةَ مراتب
وذكر المصنف منها هنا ثلاثة مراتب:
الأولى-أن يقرأ الشيخُ والتلميذُ يسمع وهذا يسمى (السماع) فيجوز للتلميذ الراوي أن يقول: (حدثني أو أخبرني)
الثانية-أن يقرأ التلميذُ على الشيخِ وهذا يسمَّى (العَرْض) فهنا يقول التلميذُ: (أخبرني) ولا يقول: (حدثني) وقد أجازه بعضهم.
الثالثة-أن يجيزه الشيخُ من غير قراءة فيقول: (أجازني) أو (أخبرني إجازة)
______________________________
[1] تاج العروس من جواهر القاموس 9/ 264 مادة (و.ح.د) ط. وزارة الإعلام بالكويت

د:ابراهيم الشناوى
2019-03-02, 11:05 PM
قال صاحبي
قال: ذكرت في تعريف (المتواتر): أن يكون مستندهم الحسَّ
قلت: نعم
قال: مستندهم في ماذا؟
قلت: مستندُهم في الاتفاق، يعني أن يكون مستندُ اتفاقهم في الشيء الذي رووه محسوسا
قال: لا أكاد أفهمُ المراد فزدني.
قلت: المراد بالحِسِّ أن يكون عن شيء يدرَك بالحواس كأن يكون أصحابُ الطبقة الأولى شاهدوا شيئا من النبي صلى الله عليه وسلم فحكوه أو سمعوا منه شيئا فذكروه لمن بعدهم.
قال: يعني كقولهم: سمعنا أو رأينا أو لمسنا ... أو نحو ذلك
ثم قال: فكيف يكون مستندهم الحسَّ في كل الطبقات؟ ولم يرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ولم يسمعه إلا أصحابُ الطبقة الأولى!
قلت: ليس المراد بقولهم: (أن يكون مستندهم الحسَّ) أن يكون ذلك في كل الطبقات بل المراد أن يكون ذلك في أصل السند أي الطبقة الأولى.
قال: فما مستند الطبقة الثانية والثالثة وهكذا؟ أليس الشرطُ أن يكون مستندُ اتفاقهم الحس؟
قلت: مستندُ كلِّ طبقةٍ السماعُ مما فوقها، وقد ينضم إلى السماع الرؤيةُ مثلا
قال: وكيف ذلك؟
قلت: بأن يفعل أصحابُ الطبقةِ الأولى مثلَ ما فعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم كأن يرويَ الصحابيُّ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم شَبَّكَ أصابعَهُ فيُشَبِّكُ الصحابيُّ أصابعَهُ كما فعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم ثم يشبك التابعيُّ أصابعَه كما شبَّكَ الصحابيُّ وهكذا؛ فيكون مستندهم في مثل هذا: السماعُ والرؤيةُ.
قال: فقولُ المصنف: "المتواترُ ما يوجبُ العلمَ" هل هو تعريف آخرُ للمتواتر؟
قلت: لا، لكن قد يكون من تتمة التعريف وقد يكون المراد: أن حكمَ المتواتر أنه يوجبُ العلمَ
قال: ما معنى أن المتواتر يفيد العلم؟
قلت: أي يفيد العلم اليقيني
قال: فما معنى أن الآحاد لا يفيد العلم؟
قلت: معناه أنه لا يفيد العلم اليقيني الضروري كالمتواتر وإن كان يفيد العلم النظريَّ الاستدلاليَّ
قال: ذكرتَ أن المرسَل غيرُ حجةٍ.
قلت: أجل
قال: كيف ذلك وقد احتجَّ به ثلاثة من الأئمة
قلت: تعني أبا حنيفة ومالك وأحمد في المشهور عنه؟
قال: أجل
قلت: إنما استقر الأمر على أن المرسَل من نوع الحديث المردود لجهالة الراوي الذي لم يُسَمَّ فربما كان ضعيفا أو كذابا
قال: فكيف قَبِلَهُ مَنْ ذكرنا من الأئمة؟
قلت: قَبِلُوهُ من التابعي الثقة محتجين بأنه لا يَسْتَحِلُّ أن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا كان قد سمعه من ثقة.
قال: أوَ ليس هذا صحيحا؟
قلت: قد يكون صحيحا وقد لا يكون كذلك
قال: وكيف ذلك؟
قلت: قد يروي التابعيُّ الثقةُ عن ثقةٍ عنده ولكنه ضعيف في نفس الأمر ولم يظهر حالُه للتابعيِّ الراوي عنه، وكما تعلم فكثير من الضعفاء اشتبه أمرهم على كثير من علماء الجرح والتعديل بَلْه غيرَهم وقد كان الإمام الشافعيُّ رضي الله عنه كثيرا ما يقول: حدثني الثقة مريدا به إبراهيم بن يحيى، وهو ضعيف أو كذاب، فاشتبه أمره على الشافعي وظهر لغيره
قال: فالصحيح في ذلك أن المرسَل لا يحتج به على الإطلاق؟
قلت: لا
قال: فَمَهْ؟
قلت: فيه تفصيل كالآتي:

د:ابراهيم الشناوى
2019-03-08, 09:36 PM
قلت: فيه تفصيل كالآتي:
1- مراسيل الصحابة كأكثر روايات ابن عباس مقبولة
2- مراسيل سعيد بن المسيب مقبولة
3- يُشْتَرَطُ لقبول المراسيلِ غير ما سبق شروطا ذكرها الإمام الشافعي
4- ما لم يتوافر فيه ما سبق فهو مردود
قال: لماذا قُبِلَتْ مراسيلُ سعيد بن المسيب
قلت: لأنها فُتِّشَتْ فوُجِدَتْ مسانيدَ
قال: من الذي فَتَّشَها؟
قلت: الإمام الشافعيُّ
قال: فما شروطُ قبولِ المرسَل؟
قلت: شروط قبول المرسَل:
1- أن يكون المرسِلُ من كبار التابعين الذين أكثر روايتهم عن الصحابة مثل: سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير.
2- أن يكون المُرْسِلُ إذا سَمَّى مَنْ أسْقَطَهُ وأرسلَ عنه لم يُسَمِّ إلا ثقةً
3- أن يكون المرسِلُ ثقةً حافظا بحيث إذا شاركه الحفاظُ المأمونون لم يخالفوه
4- أن ينضمَّ إلى هذه الشروط الثلاثة السابقة واحدٌ مما يأتي:
أ*- أن يُرْوَى الحديثُ من وجه آخر مَسْنَدًا
ب*- أو يُرْوَى من وجه آخر مرسَلا أرسله مَنْ أَخَذَ العلمَ عن غيرِ رجالِ المرسِلِ الأولِ.
ت*- أو يوافق قولَ صحابيٍّ
ث*- أو يفتي بمقتضاه أكثرُ أهل العلم
فإذا تحققت هذه الشروطُ تبيَّنَ صحةُ مَخْرَجِ المرسَلِ وما عضَّدَهُ وأنهما صحيحان[1].
قال: أرأيتَ إِنْ عارضَهُما صحيحٌ جاء من طريق واحد أيهما نرجِّحُ؟
قلت: نَجْمَعُ بينهما كما سبق
قال: فإن تعذر الجمعُ
قلت: نرجحُ طريق المرسل
قال: ولِمَ؟
قلت: بتعدُّدِ الطرق[2].
قال: ذكرت أن الطالبَ إذا قرأ على الشيخ فإنه يقول (أخبرني) ولا يجوز أن يقول (حدثني)
قال: نعم
قال: فما الفرق بين التحديث والإخبار؟
قلت: أما من حيث اللغة فلا فرق، ولكنه في الاصطلاح.
______________________________ ___
[1] تيسير مصطلح الحديث للطحان 58 مركز الهدى للدراسات بالإسكندرية.
[2] السابق.

د:ابراهيم الشناوى
2019-03-17, 11:06 PM
القياس
قال المصنف

وَأَمَّا الْقِيَاسُ: فَهُوَ رَدُّ الْفَرْعِ إِلَى الْأَصْلِ فِي الحُكْمِ بِعِلَّةٍ تَجْمَعُهُمَا.


وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: إِلَى قِيَاسِ عِلَّةٍ، وَقِيَاسِ دَلَالَةٍ، وَقِيَاسِ شَبَهٍ.
______________________________ _____________
(وَ): استئنافية أو عاطفة على أقسام الكلام كما تقدم مرارا
(أَمَّا): حرف تفصيل متضمن معنى الشرط
(الْقِيَاسُ): مبتدأ، وهو من جملة الجواب
(فَـ): واقعة في جواب (أما)، ومزحلقة عن موضعها
(هُوَ): مبتدأ
(رَدُّ): خبر، ومضاف
(الْفَرْعِ): مضاف إليه
وجملة (هو رد ...) من المبتدإ والخبر وما تعلق بهما في محل رفع خبر المبتدإ (القياس)
وجملة (القياس هو رد ...) جواب (أمَّا) على مذهب سيبويه، وجواب (مهما) على أحد قولَيِ الفارسي، وجوابهما معا عند الأخفش
وجملة (أما القياس فهو ...) لا محل لها من الإعراب استئنافية إن جعلت الواو استئنافية أو معطوفة على جملة (أقسام الكلام)
(إِلَى الْأَصْلِ): متعلق بـ (رد)
(فِي الحُكْمِ): متعلق بمحذوف حال من الخبر (ردّ) أي: في حال كون الردِّ كائنا في الحكم لا في غيره
(بِعِلَّةٍ): متعلق بمحذوف حال ثانية من الخبر (ردّ) أيضا، والباء سببية أي: بسبب علة
(تَجْمَعُهُمَا): (تجمع) فعل مضارع والفاعل مستتر تقديره (هي) يعود على (علة) و(هما) مفعول به
والجملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل جر صفة لـ (علة)


(وَ): استئنافية
(هُوَ): مبتدأ
(يَنْقَسِمُ): فعل مضارع والفاعل مستتر يعود على المبتدإ العائد إلى (القياس)
(إِلَى ثَلَاثَةِ): متعلق بـ (ينقسم)، و(ثلاثة) مضاف
(أَقْسَامٍ): مضاف إليه
والجملة من المبتدإ والخبر لا محل لها من الإعراب استئنافية
(إِلَى قِيَاسِ): بدل من (إلى ثلاثة) بدل مفصل من مجمل، و(قياس) مضاف
(عِلَّةٍ): مضاف إليه
(وَ): عاطفة
(قِيَاسِ): معطوف على (قياس) الأول أي (قياس علة)، وهو مضاف
(دَلَالَةٍ): مضاف إليه
(وَ): عاطفة
(قِيَاسِ شَبَهٍ): مثل (قياس دلالة)

د:ابراهيم الشناوى
2019-03-23, 12:07 AM
المعنى
القياسُ هو الدليل الرابع من الأدلة الشرعية التي يُستدَل بها، وذكر المصنف هنا تعريفه اصطلاحا ثم ذكر أقسامه.



تعريف القياس
لغة: التقدير والمساواة
يقال: قِسْتُ النعلَ بالنعلِ، أي قدَّرْتُهُ به فساواه
وقِسْتُ الثوبَ بالذراعِ أي: قدَّرْتُهُ به
وفلانٌ لا يقاس بفلان أي: لا يُساوَى به.
وقد يُعَدَّى بـ (على) لتضمين معنى الابتناء؛ كقولهم: قاس الشيءَ على الشيءِ.


واصطلاحا: (رَدُّ الفرعِ إلى الأصلِ في الحُكْمِ بعلة تجمعهما)
ومعنى: (ردُّ الفرعِ إلى الأصل) أي رجوعُهُ إليه وإلحاقُهُ به وذلك بأن يأخُذَ الفرعُ مثلَ حُكْمِ الأصلِ فيصير حكمُ الفرعِ مثلَ حكمِ الأصلِ فإذا كان الأصل واجبا كان الفرعُ واجبا، وإن كان محرما كان الفرع فمحرما وهكذا.
وإنما يأخذ الفرعُ حُكْمَ الأصلِ إذا اشتركا في علةِ الحكم.


فظهر من هذا التعريف أن للقياس أركان أربعة هي:
الركن الأول-الأصل: وهو المقيس عليه
الركن الثاني-الفرع: وهو المقيس، والمراد به الواقعة المراد معرفةُ حكمها حيث لم يرِدْ في حكمها نص
الركن الثالث-العلة: وهي المعنى المشترك بين الأصل والفرع والذي علَّقَ الشرعُ عليه الحكمَ، أي: جعل حكمَ الأصلِ واجبا أو مندوبا أو مكروها ...الخ بسبب هذه العلة
الركن الرابع-الحُكْمُ: وهو كونُ الشيء واجبا أو مندوبا ... أو صحيحا أو فاسدا، كما سبق في أقسام الحكم الشرعي بنوعيه التكليفي والوضعي.


ثم ذكر المصنف أقسام القياس باعتبار الجامع بين الأصل والفرع، وهي ثلاثة:

1- قياسُ عِلَّةٍ
2- قياسُ دَلالةٍ
3- قياسُ شبَهٍ
وسيأتي بيانُها والكلام عنها فيما بعد.

د:ابراهيم الشناوى
2019-04-07, 12:03 AM
قال صاحبي
قال: ذكرت أن قوله: "إلى قياس" بدل من قوله: "إلى ثلاثة" بدل مفصل من مجمل
قلت: نعم
قال: فما أنواع البدل؟
قلت: بدل مطابِق، وبدل بعض من كل، وبدل اشتمال، وذكروا ثلاثةً أخرى
قال: تعني بدل الإضراب والغلط والنسيان
قلت: بلى
قال: فأين بدل كل من كل؟
قلت: هو المطابِق
قال: فلماذا قلت: (بدل مطابِق) ولم تقل (بدل كل من كل)؟
قلت:هكذا ذكر ابن مالك
قال: فما وجهُه؟
قلت: وجهه أن هذا النوع من البدل يقع في اسم الله تعالى
قال: مثلُ ماذا؟
قلت: مثل قوله تعالى: {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [إبراهيم: 1، 2].
قال: تعني أن اسم الجلالة (الله) بدل مما قبله
قلت: نعم، هو ذا.
قال: فلماذا لا يكون نعتا؟
قلت: لأن اسم الجلالة (الله) عَلَمٌ، والعَلَمُ لا يُنْعَتُ به
قال: نعم، ولكن ما الإشكال في وقوع البدل في اسم الله تعالى؟
قلت: لا إشكال فيه
قال: فلماذا عَدَلَ ابن مالك رحمه الله عن قولهم: "بدل كل من كل" إلى "بدل مطابق" محتجا بوقوعه في اسم الله تعالى؟
قلت: لأن الـ(كُلَّ) إنما يطلق على ذي أجزاء وهو ممتنع هنا
قال: نعم


ثم قال: نعود لِمَا كنا فيه
قلت: نعم، نعود
قال: ذكرتَ أنواع البدل ولم تذكر منها (بدل مُفَصَّل مِنْ مُجْمَل)
قلت: نعم
قال: فقد ذكرت في الإعراب أنه بدل مفصل من مجمل
قلت: نعم
قال: فماذا تريد؟
قلت: اعلم أن من البدل ما يفصل المجمل الذي قبله، وهو قد يكون متعددا في اللفظ نحو: قرأت كتب النووي: المنهاج والروضة والمجموع. وقد يكون متعددا في المعنى كقول أبي العلاء المعري:



ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل *** عفافٌ وإقدامٌ وحَزْمٌ ونائلُ


ففي المثال الأول تجد أن (كتب النووي) جمْعٌ مجملٌ ففصَّلَها في (المنهاج والروضة والمجموع)
وفي المثال الثاني تجد قول أبي العلاء: (ما أنا فاعل) مفردٌ في اللفظ مجموع في المعنى وفَصَّلَهُ بقوله: "عفاف وإقدام وحزم ونائل".
قال: فمِنْ أيِّ أنواع البدل هذا البدل: (المفصَّل من المجمَل)؟
قلت: ذهب فريق من النحاة إلى أن البدل مجموعُ المتعاطفات فيكون من قبيل بدل الكل
ومنهم مَنْ يَعُدُّ البدلَ الأولَ فقط وما بعده معطوف عليه فيكون من قبيل بدل البعض[1].
______________________________ ___


قال: قد ذكرتَ القياسَ ولم تذكر أمثلة عليه
______________________________ __
[1] القواعد الأساسية للغة العربية للسيد أحمد الهاشمي ص292 هامش رقم1، ط. دار الفكر.

د:ابراهيم الشناوى
2019-04-12, 11:28 PM
قلت: هذه أمثلة على ذلك:
1- قياسُ المشروبات الكحولية المُسْكِرَة على الخمر في التحريم:
الأصل: الخمر: وقد ثبت الدليلُ على حرمته


الفرع: المشروبات الكحولية التي لم يرد دليل مستقل بحرمتها


العلة: الإسكار فكل منهما مُسْكِرٌ عادةً، وإن كان بعض مَنْ يشربُها يزعم أنه لا يَسْكَرُ


الحكم: حرمةُ هذه المشروبات الكحولية المسكرة


2- قياسُ الأرز على البُرِّ في كونه لا يجوز بيعُهُ بجنسه متفاضلا:
الأصل: البُرّ؛ لأنه ورد فيه النص بحكمه وهو:
عن مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الحَدَثَانِ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُخْبِرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ»[1].


الفرع: الأرز لأنه لم يرد فيه نص


الحكم: تحريم بيع الأرز بالأرز متفاضلا، كما يحرم بيع البُرِّ بالبُرِّ متفاضلا


العلة: اختلف العلماء في العلة هنا:
فذهب الشافعية إلى أن العلة (الطعم) أي أن كلا من الأرز والبُرِّ من المطعومات
وذهب المالكية إلى أن العلة (الاقتيات والادخار للقوت).
______________________________ __
[1] صحيح: رواه البخاري (2134، 2170، 2174) ومسلم (1586)
وقوله: "هاء وهاء" معناه أن يقول كل واحد من المتبايعين: (ها) فيعطيه ما في يده.
وقيل: معناه هاك وهات أي خُذ وأعط، وهذا مثل قوله: "يدًا بيد".
قال الخطابي: أصحاب الحديث يروونه "ها" ساكنة الألف مقصورة، والصواب بالفتح والمد؛ لأن أصلها هاك أي خذ، فحذفت الكاف وعوضت عنها الهمزة، يقال للواحد: هاء، وللاثنين: هاؤما، والجمع: هاؤم، قال الله تعالى: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ}.

د:ابراهيم الشناوى
2019-04-19, 11:01 PM
أقسام القياس

1 -قياس العلة

فَقِيَاسُ الْعِلَّةِ: مَا كَانَتِ الْعِلَّةُ فِيهِ مُوجِبَةً لِلْحُكْمِ.


2 -قياس الدلالة

وَقِيَاسُ الدَّلَالَةِ: هُوَ الِاسْتِدْلَالُ بِأَحَدِ النَّظِيرَيْنِ عَلَى الْآخَرِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ دَالَّةً عَلَى الْحُكْمِ، وَلَا تَكُونَ مُوجِبَةً لِلْحُكْمِ.


3 -قياس الشبه



وَقِيَاسُ الشَّبَهِ: هُوَ الْفَرْعُ الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ فَيُلْحَقُ بِأَكْثَرِهِمَا شَبَهًا.
______________________________
(فَـ): فاء الفصيحة
(قِيَاسُ): مبتدأ، ومضاف
(الْعِلَّةِ): مضاف إليه
(مَا): اسم موصول أو نكرة موصوفة وهي واقعة على (القياس)، أي القياس الذي أو قياس كانت العلة...الخ، وعلى كل فهي اسم مبني على السكون في محل رفع خبر
(كَانَتِ): فعل ماض ناقص، والتاء تاء التأنيث الساكنة
(الْعِلَّةُ): اسم كان
(فِيهِ): متعلق بمحذوف حال من (العلة)
(مُوجِبَةً): خبر كان
وجملة (كانت... موجبة) وما تعلق بها لا محل لها من الإعراب صلةُ (ما)، أو في محل رفع صفة لها.
وجملة (قياس العلة ما ...) وما تعلق بها لا محل لها من الإعراب ابتدائية
(لِلْحُكْمِ): متعلق بـ (موجبة)


(وَ): عاطفة
(قِيَاسُ الدَّلَالَةِ): مبتدأ ومضاف إليه
(هُوَ): ضمير فصل على الأصح لا محل له من الإعراب
( الِاسْتِدْلَالُ ): خبر
(بِأَحَدِ): متعلق بـ (الاستدلال)، و(أحد) مضاف
(النَّظِيرَيْنِ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الياء لأنه مثنى
(عَلَى الْآخَرِ): متعلق بـ (الاستدلال)
وجملة (قياس الدلالة ... الاستدلال) وما تعلق بها لا محل لها من الإعراب معطوفة على جملة (قياس العلة ما ...)


(وَ): استئنافية
(هُوَ): مبتدأ، يعود على (الاستدلال)
(أَنْ): حرف مصدري ونصب
(تَكُونَ): مضارع من (كان) الناقصة منصوب بـ (أَنْ) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، و(أنْ) والفعل في تأويل مصدر في محل رفع خبر
(الْعِلَّةُ): اسم (تكون)
(دَالَّةً): خبر (تكون)
(عَلَى الْحُكْمِ): متعلق بـ (دالة)
وجملة (تكون ... دالة) وما تعلق بها لا محل لها من الإعراب صلة (أَنْ)
وجملة (هو أن تكون ...) وما تعلق بها لا محل لها من الإعراب استئنافية


(وَ): عاطفة
(لَا): نافية
(تَكُون): معطوفة على (تكون) الأولى من قوله: "وهو أن تكون العلة ...الخ"، واسمها مستتر يعود إلى (العلة)
(مُوجِبَةً): خبر
(لِلْحُكْمِ): متعلق بـ (موجبة)


(وَ): استئنافية
(قِيَاسُ الشَّبَهِ هُوَ الْفَرْعُ): مبتدأ ومضاف إليه وضمير فصل وخبر، والجملة استئنافية
(الْمُتَرَدِّدُ) : نعت لـ(الفرع)
(بَيْنَ): ظرف مكان متعلق بـ (المتردد)، وهو مضاف
(أَصْلَيْنِ): مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى
(فَـ): عاطفة
(يُلْحَقُ): مضارع مبني للمجهول مرفوع، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (الفرع)
( بِأَكْثَرِهِمَا ): الجار والمجرور متعلقان بـ (يُلْحَق)، و(أكثر) مضاف و(هما) مضاف إليه
(شَبَهًا): تمييز، وجملة (يُلْحَقُ) من الفعل ونائب الفاعل وما تعلق بهما في محل رفع معطوفة على (المتردد)

د:ابراهيم الشناوى
2019-04-26, 10:50 PM
المعنى
ذكر المصنف هنا أقسام القياس باعتبار الجامع بين الأصل والفرع وهو ثلاثة أقسام:


الأول-قياس العلة: وهو ما كانت العلةُ فيه موجِبَةً للحكم.
يعني أن تكون العلة في الفرع أقوى منها في الأصل وهذا يسمى (قياس الأَوْلَى أو القياس الجلي)
مثاله: قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23]، فقد حرَّمَ التأفيف؛ (قولَ: أُفٍّ) للوالدين
والعلة هي الإيذاء
ولما كان ضربُ الوالدَينِ أشد إيذاءً لهما من التأفيف كان ضربُ الوالدين حراما بالقياس على التأفيف لأن العلة وهي إيذاء الوالدين أشد ظهورا في الفرع؛ (الضرب) منها في الأصل؛ (التأفيف).


الثاني-قياس الدلالة: وهو الاستدلال بأحد النظيريْن على الآخر.
والمراد بـ (أحد النظيرين): الأصل
وبـ (الآخر): الفرع.
وفي هذا الاستدلال تكون العلةُ غيرَ موجبةٍ للحكم يعني غير ملزمة له بل دالةً عليه؛ دلالة استنباط لا دلالة نص.
يعني أن العلة لا تكون مقتضية للحكم حتما كما في قياس العلة فيجوز أن يثبت الحكم بها في الفرع وهو الظاهر ويجوز ألا تثبت.
مثاله: وجوب الزكاة في مال الصبي قياسا على وجوبها في مال البالغ
والعلة هي: دفع حاجة المستحق بجزء من المال النامي.
ويجوز ألا يُلْحَقَ الصبيُّ بالبالغ في الوجوب، وبه قال أبو حنيفة؛ كالحج، ولضعف نيته بخلاف البالغ[1].


الثالث-قياسُ الشَّبَهِ: وهو إلحاقُ الفرْعِ المتردد بين أصليْنِ بأكثرهما شبها به.
مثاله: المذي؛ (وهو سائل يخرج من الإنسان عند الشهوة) متردد بين:


= أن يُلْحَقَ بالبول فيكون نجسا، ومن ذهب إلى هذا الرأيِ قال: هو أكثر شبها بالبول؛ لأنه لا يتكون منه الولد ويخرج من مخرج البول؛ فيكون نجسا ويجب غسله إذا أصاب الثياب.


= وأن يُلْحَقَ بالمني فيكون طاهرا، ومن ذهب إلى هذا الرأي قال: هو أكثر شبها بالمني؛ لأنه لا يخرج إلا مع الشهوة فيلحق به[2].
______________________________ __


[1] غاية المأمول في شرح ورقات الأصول للرملي 298 -299، والشرح الكبير على الورقات 2/ 473 ط. مؤسسة قرطبة.
[2] تهذيب شرح متن الورقات لعياض بن نامي السلمي 95.

د:ابراهيم الشناوى
2019-05-03, 11:32 PM
من شروط القياس
قال المصنف:

وَمِنْ شَرْطِ الْفَرْعِ: أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا لِلْأَصْلِ.
وَمِنْ شَرْطِ الْأَصْلِ: أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ.
وَمِنْ شَرْطِ الْعِلَّةِ: أَنْ تَطَّرِدَ فِي مَعْلُولَاتِهَا فَلَا تَنْتَقِضُ لَفْظًا وَلَا معنى.
وَمِنْ شَرْطِ الْحُكْمِ: أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْعِلَّةِ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ.
وَالْعِلَّةُ: هِي الْجَالِبَةُ لِلْحُكْمِ.
وَالْحُكْمُ: هُوَ الْمَجْلُوبُ لِلْعِلَّةِ.
______________________________ __
(وَ): استئنافية
(مِنْ شَرْطِ): متعلق بمحذوف خبر مقدم، و(شرط) مضاف
(الْفَرْعِ): مضاف إليه
(أَنْ): حرف مصدري ونصب
(يَكُونَ): مضارع من (كان) الناقصة منصوب بـ (أَنْ) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، واسم (يكون) ضمير مستتر يعود على (الفرع).
و(أَنْ) والفعل في تأويل مصدر في محل رفع مبتدأ مؤخر
(مُنَاسِبًا): خبر (يكون)، وجملة (يكون مناسبا) وما تعلق بها لا محل لها صلة (أَنْ)
(لِلْأَصْلِ): متعلق بـ (مناسبا)


(وَمِنْ شَرْطِ الْأَصْلِ: أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ): مثل (ومن شرط الفرع ...الخ)


(مُتَّفَقٍ): صفة لـ(دليل)
(عَلَيْهِ): متعلق بـ (متفق)
(بَيْنَ): ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة
وهو متعلق بـ (ثابتا) أو بـ (دليل) لا بـ (متفق)؛ لأن المعنى أن الأصلَ ثابتٌ ثبوتا ودلالة بين الخصمين المتنازعين في ثبوت ذلك الحكم في الفرع، سواء كان نفسُ حكمِ ذلك الأصلِ متفقا عليه بينهما أو لم يكن كذلك بأن أنكره الخصمُ الآخرُ فأثبتَهُ المستدِلُّ بالدليل المذكورِ؛ لأن إثباته بمنزلة اعتراف الخصم به[1].
و(بين) مضاف
(الْخَصْمَيْنِ): مضاف إليه مجرور بالياء لأنه مثنى


(وَمِنْ شَرْطِ الْعِلَّةِ: أَنْ تَطَّرِدَ): مثل (ومن شرط الفرع ...الخ)


(فِي مَعْلُولَاتِهَا ): متعلق بـ (تطرد)، و(معلولات) مضاف و(ها) مضاف إليه
(فَـ): استئنافية
(لَا): نافية
(تَنْتَقِضُ): مضارع مرفوع، والفاعل مستتر يعود على (العلة)
(لَفْظًا): تمييز محول عن الفاعل أي فلا ينتقض لفظُها
(وَ): عاطفة
(لَا): زائدة لتأكيد معنى النفي
(معنى): مثل (لفظا)


(وَمِنْ شَرْطِ الْحُكْمِ: أَنْ يَكُونَ مِثْلَ): سبق نحوُه، و(مثلَ) مضاف
(الْعِلَّةِ): مضاف إليه
(فِي النَّفْيِ): متعلق بمحذوف حال من (مثل) أي في حال كونِ المثلية في النفي والإثبات
(وَ): عاطفة
(الْإِثْبَاتِ): معطوف على (النفي)


(وَ): استئنافية
(الْعِلَّةُ): مبتدأ
(هِي): ضمير فصل
(الْجَالِبَةُ): خبر
(لِلْحُكْمِ): متعلق بـ (الجالبة)


(وَالْحُكْمُ: هُوَ الْمَجْلُوبُ لِلْعِلَّةِ): مثل: (والعلة هي الجالبة للحكم)
_____________________
[1] الشرح الكبير على الورقات 2/ 488 -489، ط. قرطبة.

د:ابراهيم الشناوى
2019-05-10, 11:20 PM
المعنى
لما ذكر المصنفُ تعريف القياس وأقسامه شرع في بيان شروطه فذكر لكل ركنٍ من أركانه شرطا، كالآتي:

من شروط الفرع
أن يكون مناسبا للأصل
ومعنى المناسبة هنا أن تتحقق العلة في الفرع بأن تكون متساوية في تحققها بين الأصل والفرع، فإذا كانت العلةُ في تحريم الخمر هي الإسكار فكل طعامٍ أو شرابٍ يثبت أن مِنْ شأنِه الإسكارُ: كالخمر يكون حراما، أما إذا لم يكن من شأنه الإسكار لكن عَرَضَ لبعض الناس أنْ نالتْهُ غيبوبة بسبب تناوُلِهِ لحالٍ عارضة في الشخص أو في الطعام أو الشراب فإنه لا يحرم.



من شروط الأصل
1- أن يكون الحكم الذي أريد تعديته إلى الفرع ثابتا، لأنه لو كان مختلَفًا فيه لاحتيجَ إلى إثباته أولا.
وجَوَّزَ جماعةٌ القياس على الأصل المختلَفِ فيه.


2- أن يكون ثبوتُهُ بدليل متفَق عليه بين الخصمين بأن يكون ثابتا بالكتاب أو السنة، وكذا بالإجماع على الأرجح.
وأما كيفية الاتفاق على الأصل: فأَنْ يتفق عليه الخصمان فقط لتنضبط فائدةُ المناظرة
وذهب بعضهم إلى اشتراط اتفاق الأمة على الأصل ومنعوا القياس على مختلف فيه
والأولُ أصح.
وذكر الشوكاني في إرشاد الفحول اثني عشر شرطا للأصل فراجعها هناك[1].



من شروط العلة
أن تَطَرِدَ في معلولاتها فلا تنتقض لفظا ولا معنى.
يعني: أن تكون العلةُ مطردةً بحيث كلما وُجِدَتْ في فرعٍ ثبتَ فيه حكمُ الأصلِ. وهذا معنى قولِهم: (الحكمُ يدورُ مع علته وجودا وعدما) يعني: متى وُجِدَتْ العلةُ وُجِدَ الحكم.



من شروط الحكم (أي حكم الأصل)
أن يكون مثل العلة في النفي والإثبات:
= فإن كانت العلةُ منفيةً كان الحكمُ منفيا: كقولهم: (العقدُ ليس بصحيح فلا تترتب عليه آثارُه)
فقولهم: (ليس بصحيح) تعليل عدمي منفي
وقولهم في الحكم: (فلا تترتب عليه آثارُه) هذا حكم عدمي منفي
فوافَقَ الحكمُ العلةَ في النفي
= وإن كانت العلةُ مثبتَةً كان الحكمُ مُثْبَتًا كقولهم: (هذا عقد صحيح الأركان مكتمل الشروط فتترتب عليه آثاره)
فالعلة وجودية مُثْبَتَةٌ
والحكمُ مثلُها وجوديٌّ مُثْبَتٌ[2].
وهذا الشرطُ أعمُّ من الشرط الأول المذكور في العلة لأن ذاك خاص بوجود الحكم عند وجود العلة، وهذا عام في الوجود والانتفاء، فالأول هو (الطرْد) والثاني هو (العكس)
وهذا إذا كان الحكم معللا بعلة واحدة: كتحريم الخمر لعِلَّةِ الإسكار، فمتى وجد الإسكار وجد التحريم ومتى انتفى الإسكار انتفى التحريم.
فإن كان للحكم علل متعددة لم يلزم من انتفاء علة معينة منها انتفاء الحكم، بل يثبت بالعلة الأخرى: كالبول والغائط والنوم لنقض الوضوء، فلو لم يوجد البول والغائط انتقض الوضوء بالنوم.
______________________________ _
[1] إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول للشوكاني 2/ 864 ت. أبو حفص سامي الأثري، ط. دار الفضيلة
[2] تهذيب شرح الورقات 97 عياض بن نامي السلمي.

د:ابراهيم الشناوى
2019-05-21, 06:19 PM
واعلم أن:
(الطرد) هو: وجود الحكم عند وجود العلة.
و(العكس) هو: انتفاء الحكم عند انتفاء العلة.

وظاهر كلام المصنف اشتراط الانعكاس في العلة
ومَنْ يشترط ذلك يمنع تعليل الحكم بعلتين؛ لأنه إذا انتفت علة لم ينتفِ الحكم؛ لوجود العلة الأخرى وقيامها مقامها.
والصحيح أن ذلك لا يشترط ونسبه في الشرح الكبير للجمهور، فيجوز تعليل الحكم الواحد بعلتين؛ لأن العلة علامة على وجود الحكم ولا مانع من تعدد العلامات.
ومثاله: ما تقدم من تعليل إيجاب الوضوء بالبول والغائط والريح والنوم
ومثاله أيضا: تعليل حرمة النكاح بالقرابة والصهر والرضاع[1].
______________________________ ____
ثم عَرَّفَ المصنفُ العلة والحكم فقال:
والعلةُ: هي الجالبةُ للحكمِ.
أي أن الشارعَ وهو الله سبحانه جعلها جالبة للحكم، لا أنها جالبة للحكم بذاتها؛ لأن الله تعالى لا يَحْمِلُهُ على شرع الحكم سوى إرادته جل وعلا[2].

والتعريف الأشهر للعلة هو أنها: وصفٌ ظاهرٌ مُنْضَبِطٌ دَلَّ الدليلُ على كونِهِ مَنَاطًا للحكم، أو علَّقَ الشارعُ الحكمَ عليه.
والتفصيل في المطولات
والحكم: هو المجلوب للعلة.
يعني أنه يوجد عند وجودها لأنها تقتضيه
فالتحريم مثلا يوجد عند وجود الإسكار الذي هو علة تحريم الخمر.
ومثل التحريم باقي أنواع الحكم من الوجوب والندب والصحة والفساد ...الخ
______________________________ __
[1] شرح الورقات لعبد الله الفوزان 120، والشرح الكبير على الورقات لابن قاسم العبادي 2/ 497 ط. قرطبة.
[2] تهذيب شرح الورقات 97، وشرح الورقات لعبد الله الفوزان 121.

د:ابراهيم الشناوى
2019-05-25, 12:07 AM
قال صاحبي
قال: أليست (مِنْ) للتبعيض؟

قلت: بلى

قال: فكيف ترى قوله: "ومن شرط الفرع ... ومن شرط الأصل ...الخ" هذا معناه: أن بعض شرط الفرع ما ذكره، أي أن للفرع شرطٌ وسيذكر هو بعض هذا الشرط لا كله، فهل هذا مراده؟

قلت: لا

قال: وأنا أعتقد أيضا أن هذا ليس مرادَه ولكن إذا نظرنا إلى كلامه وجدناه يدل على ذلك

قلت: وكيف ذلك؟

قال: المصنف يقول: "ومِنْ شرط الفرع كذا" و(مِنْ) للتبعيض فلو أبدلناها بمعناها لكان المعنى: (وبعضُ شرطِ الفرع كذا)، فكيف تقول في هذا؟

قلت: أقول المثلَ العاميَّ المصريَّ: (كُلِّ مَا تْعَلِّمْ فِي الْمِتْبَلِّمْ يِصْبَحْ نَاسِيْ)

قال: وما معناه؟

قلت: مهما تجتهد فِي تعليمِ البَلِيدِ الغبيِّ فإنه يصبحُ ناسيا لما قلتَهُ.

قال: ولِمَ؟

قلت: لأنك نسيتَ ما قلناه سابقا

قال: وما هو؟

قلت: كيف ترى الإضافة في قوله: "شرط الفرع"؟

فتفكر قليلا ثم قال: هذا مفرد مضاف

قلت: أحسنت، لكن أين المفرد المضاف؟ هل هو (شرط) أو (الفرع)؟

فتلعثم وقال: لا أدي كل منهما يصلح لذلك

قلت: سبحان الله!! فكيف أجبت على الصواب؟!

قال: لا أدري هكذا جاءت

قلت له: تمهل قليلا وتفكَّرْ في هذا التركيب (شرط الفرع) من أيِّ أنواع التراكيبِ هو؟

قال: تركيب إضافيٌّ

قلت له: أحسنت، ولكن قبل أن نُكْمِلَ هل تعرفُ أنواعا أخرى من أنواع التراكيب؟

قال: نعم

قلت: مثل ماذا؟

قال: التركيب الوصفيُّ مثلُ: (كتابٌ جديدٌ)، والتركيبُ المَزْجِيُّ مثل: (سيبويه)

قلت: ما شاء الله، بارك الله فيك وبك وعليك؛ فلماذا تتلعثمُ إذن وأنت تعرفُ مثلَ هذا؟

فَاسْتَفَزَّهُ ما قلتُهُ وأخذتْهُ الحمِيَّةُ وقال: لن أتلعثم ثانية

قلت له: قل: (إن شاء الله)

فقال: إن شاء الله

قلت: إذن نعود إلى ما كنا فيه

قال: وما ذاك؟

فكدتُ أستشيطُ غضبا

فقال: نعم نعم، تذكرتُ تذكرتُ

قلت: فأيُّ شيء كنا فيه؟

قال: كنت تسأل عن قول المصنف: (شرط الفرع) من أي أنواع التراكيب هو؟ فأجبتُك: بأنه تركيبٌ إضافيٌّ.

فعادَ إليَّ بعضُ ما نَدَّ عني من الهدوء بسبب الغضب ولكن ما زال بيَ الغيظُ لم يَفْتُرْ فقلت له مغتاظا: ثم ماذا؟

فعَلِمَ ما بيَ من الثورةِ والهياجِ فضحك وقال: ثم نريد أن نُفَسِّرَ قولَ المصنف: "مِنْ شرط الفرع" هل يريدُ به بعضُ شرطِ الفرع كما هو ظاهرٌ من قوله: "مِنْ" التي تفيد التبعيض؟ أو يريدُ شيئا آخر؟

فسكتُّ كأنما نزلت عليَّ السكينةُ، ثم قلتُ: بل بقيَ شيءٌ آخرَ

قال: وما هو؟

قلت: قوله: "شرط الفرع" أيُّ الكلمتين من نوعِ المضاف المفرد؟

قال: نعم، أيهما؟

قلت: في التركيب الإضافيِّ تكون الكلمة الأولى مضافا والأخرى مضافا إليه

قال: نعم، أعلمُ هذا

قلت: إذن فالمفرد المضاف هو الكلمة الأولى (شرط) لا الثانية (فرع) لأن الثانية مضاف إليه، والمراد المفرد المضاف وليس المفرد المضاف إليه

قال: نعم، فهمتُ هذا، فأكمل.

قلت: وقد علمتَ مما سبق أن المفرد المضاف من باب العامِّ

قال: نعم

قلت: فقوله: "شرط الفرع" مفرد مضاف فيعُمُّ

قال: نعم، ولكن كيف يكون المعنى مع العموم؟

قلت: يكون المعنى: (ومن شروط الفرع كذا)، وإذن فالتبعيضُ ظاهر؛ إذ المعنى على ذلك: (وبعض شروط الفرع كذا)

قال: نعم، هكذا ظهر المعنى جليا، ولكن هذا يدل على أن للفرع شروطا أخرى لم يذكرها

قلت: نعم، هو ذا.

د:ابراهيم الشناوى
2019-05-31, 08:48 PM
الأصل في الأشياء
قال المصنف:


وَأَمَّا الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْأَشْيَاءَ عَلَى الْحَظْرِ إِلَّا مَا أَبَاحَتْهُ الشَّرِيعَةُ

فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الشَّرِيعَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ يُتَمَسَّكْ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْحَظْرُ.

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ بِضِدِّهِ، وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ إِلَّا مَا حَظَرَهُ الشَّرْعُ.
_____________________________

(وَ): استئنافية، أو عاطفة

(أَمَّا): حرف تفصيل وتوكيد فيه معنى الشرط، وأصلها: مهما يكن من شيء بعد

(الْحَظْرُ): مبتدأ، وهو من جملة الجواب

(وَ): عاطفة

(الْإِبَاحَةُ): معطوفة على (الحظر)

(فَـ): واقعة في جواب (أما)، وهي مزحلقة عن مكانها إذ أصلها أن تدخل على (الحظر) فالأصل: (وأما فالحظر والإباحة) فوجب الفصل بينها وبين (أما) فزُحْلِقَتْ عن مكانها إلى هنا فصار (وأما الحظر والإباحة فـ ...)

والخبر مقدر بعد الفاء والتقدير: (فمختلَفٌ فيهما)

وجملة (الحظر... مختلَف) من المبتدإ والخبر جواب الشرط: (أمَّا) أو (مهما) أو جوابهما معا كما سبق بيانه.
وأصل الكلام: (ومهما يكن من شيء فالحظرُ والإباحةُ مختلَفٌ فيهما)
فـ(مهما) اسم الشرط
و(يكن من شيء) جملة الشرط
و(الفاء) واقعة في جواب (أما)
و(الحظرُ والإباحةُ مختلَفٌ) جواب الشرط
فنابتْ (أما) عن اسم الشرط وفعله فبقيَ الجوابُ: (فالحظر والإباحة مختلف فيهما) مقترنا بالفاء فصار (أما فالحظر...) فوجب الفصل بين (أما) والفاء كما سبق فزحلقت الفاء داخل جملة الجواب عن المبتدإ (الحظر) إلى الخبر (مختلف).

وجملة (أما الحظر ...) لا محل لها من الإعراب استئنافية إن جعلت الواو استئنافية، أو معطوفة على جملة (فأما أقسام الكلام ...) كما تقدم مرارا

(مِنَ النَّاسِ): بيان للاختلاف المذكور في (الحظر والإباحة مختلف فيهما) فـ(مِنْ) بيانية وهي حرف جر، و(الناس) مجرور بها، والمراد بـ (الناس) العلماء، والظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم

(مَنْ): اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر

(يَقُولُ): فعل مضارع مرفوع، والفاعل مستتر جوازا يعود على (مَنْ)

(إِنَّ): حرف توكيد ونصب

(الْأَشْيَاءَ): اسم إِنَّ

(عَلَى الْحَظْرِ): متعلق بمحذوف خبر إنَّ أي (إنَّ الأشياءَ كائنةٌ على الحظر) ومعنى كونها كائنة على الحظر أي أنها متصفة بصفة هي الحظر والتحريم.

(إِلَّا): أداة استثناء

(مَا): إما موصولة أو نكرة موصوفة وعلى كل فهي اسم مبني على السكون في محل نصب على الاستثناء

(أَبَاحَتْهُ الشَّرِيعَةُ): (أباحَ) فعل ماضٍ، والتاء تاء التأنيث الساكنة، والهاء مفعول به يعود على (ما) و(الشريعة) فاعل

والجملة لا محل لها من الإعراب صلة (ما)، أو في محل نصب صفة لها

وجملة (إن الأشياء على الحظر) في محل نصب مقول القول

وجملة (يقول إِنَّ ...) لا محل لها من الإعراب صلة (مَنْ)

د:ابراهيم الشناوى
2019-06-07, 10:49 PM
(فَـ): استئنافية

(إِنْ): شرطية

(لَمْ): حرف نفي وجزم وقلب

(يُوجَدْ): مضارع مبني للمجهول مجزوم بـ (لم) وعلامة جزمه السكون

(فِي الشَّرِيعَةِ): متعلق بـ (يوجد)

(مَا): نائب فاعل، وهي موصولة أو نكرة موصوفة كما تقدم

(يَدُلُّ): مضارع مرفوع، والفاعل مستتر يعود على (ما)، والجملة لا محل لها صلة (ما) أو في محل رفع صفة لها.

(عَلَى الْإِبَاحَةِ): متعلق بـ (يدل)

(يُتَمَسَّكْ): مضارع مبني للمجهول مجزوم بـ (إِنْ) لأنه جواب الشرط وعلامةُ جزمه السكون

(بِالْأَصْلِ): الباء حرف جر
و(الأصل) اسم مجرور بالباء وله محلان إعرابيان:

الأول-الجر بالباء لفظا

والثاني-الرفع محلا على أنه نائب فاعل لـ(يُتَمَسَّكَ)

(وَ): استئنافية

(هُوَ): مبتدأ

(الْحَظْرُ): خبر

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ): تقدم مثلها

(بِضِدِّهِ): متعلق بـ (يقول)
ومقول القول محذوف يدل عليه قوله: "وهو أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا ..."
وليس (بضده) مقول القول بل دليل عليه
والتقدير يُعْلَمُ مما سبق ومما سيأتي فيكون: (ومِنَ الناسِ مَنْ يقولُ: إن الأشياء على الإباحة إلا ما حَظَرَتْهُ الشريعةُ)

ويجوز أن يكون (يقول) بمعنى (يَذْكُرُ)
ويكون المفعول به محذوفا
و(بضده) متعلق بمحذوف صفة للمفعول المحذوف
وتقدير الكلام: (ومن الناسِ مَنْ يَذْكُرُ قولا كائنا بضد ما سبق):

- فـ(قَوْلًا) هو المفعول المحذوف
- و(كائنا) نعت له وهو متعلَّق (بضده)

(وَ): استئنافية

(هُوَ): مبتدأ

(أَنَّ الْأَصْلَ): أَنَّ واسمها

(فِي الْأَشْيَاءِ): متعلق بمحذوف نعت لـ(الأصل)

(الْإِبَاحَةُ): خبر (أَنَّ)

والجملة من (أَنَّ) واسمها وخبرها في محل رفع خبر للمبتدإ (هو)

(إِلَّا مَا حَظَرَهُ الشَّرْعُ): تقدم مثلها

د:ابراهيم الشناوى
2019-06-14, 11:07 PM
المعنى
تكلم المصنف هنا عن مسألة (حكم الأشياء التي سكتَ عنها الشرع) أو (حكم الأشياء قبل ورود الشرع) يعني قبل البعثة، وبعضهم لا يُفَرِّقُ بين حال قبل البعثة وبعد البعثة
وعلى كلٍّ فهذه مسألة كلامية وهي من فروع القول بالتحسين والتقبيح العقليين
وقد جرت عادة الأصوليين أن يتكلموا عليها وعلى مسألة شكر المنعِم هنا، فأعرض المصنف عن المسألة الثانية لأنه لا يكاد يتعلق بها شيء من أحكام الفروع وخص المسألة الأولى (الحظر والإباحة) لتعلق كثير من أحكام الفروع بها؛ فلهذا تعيَّنَ ذِكْرُها فيما وُضِعَ للفقهاء من الأصول.

والصحيحُ التفصيلُ في مسألة (حكم الأشياء التي سكت عليها الشرع) كالآتي:

1- حكم المَضَارِّ التحريم

2- حكم المنافع (أي الأشياء المنتفع بها) اختلف فيه على ثلاثة أقوال:

الأول-الأصل في الأشياء المنتفع بها الحظر والمنع إلا ما أباحته الشريعة، فإن لم يرد في الشريعة ما يدل على الإباحة يُتَمَسَّكْ بالأصل وهو الحظر.

وهذا قول ضعيف ذهب إليه معتزلة بغداد والشيعة الإمامية وبعض الحنفية وأبو بكر الأبهري من المالكية، ومن الحنابلة: أبو يعلى وابن حامد والحلواني، ومن الشافعية: ابن أبي هريرة وأبو عليّ الزبيري وعلي بن أبان الطبري وأبو الحسين بن القطان.

الثاني-الأصل في المنافع الإباحة إلا ما ورد الشرع بتحريمه، وهو قول الجمهور، واستدلوا عليه بأدلة كثيرة منها:

- قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29].

وجه الدلالة: أن الله امتن على عباده بأنه خلق لهم ما في الأرض جميعا وهو سبحانه لا يمتن إلا بمباح؛ إذ لا مِنَّةَ في مُحَرَّمٍ.

- وقوله صلى الله عليه وسلم: عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ المُسْلِمِينَ جُرْمًا، مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ»[1].

وجه الدلالة: أن الأشياء لا تُحَرَّمُ إلا بتحريم خاص لقوله: «لَمْ يُحَرَّمْ»، وأيضا فإن التحريم قد يكون لأجل المسألة فبَيَّنَ بهذا أنها بدون ذلك ليست محرمة.

الثالث-التوقف
والقول الثاني أرجح الأقوال وأقواها دليلا، والله أعلم[2].
______________________________ _____
[1] صحيح: رواه البخاري (6859) ومسلم (2358)

[2] انظر شرح الورقات لعبد الله الفوزان 122 -123، وتهذيب شرح الورقات لعياض السلمي 99، والتحقيقات في شرح الورقات لابن قاوان 573 -576، وشرح الورقات لابن الفركاح 347 -352.

د:ابراهيم الشناوى
2019-06-21, 10:31 PM
استصحاب الحال
قال المصنف:

وَمَعْنَى اسْتِصْحَابِ الْحَالِ: أَنْ يُسْتَصْحَبَ الْأَصْلُ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ.
___________________________
(وَ): استئنافية

(مَعْنَى): مبتدا، وهو مضاف

(اسْتِصْحَابِ): مضاف إليه، وهو مضاف أيضا

(الْحَالِ): مضاف إليه

(أَنْ): حرف مصدري ونصب

(يُسْتَصْحَبَ): مضارع مبني للمجهول
(ويمكن قراءته بالبناء للفاعل: يَسْتَصْحِبْ) منصوب بـ (أن) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.

و(أَنْ) والفعل في تأويل مصدر يقع خبرا للمبتدإ (معنى استصحاب)

(الْأَصْلُ): نائب فاعل إن قرأت (يُسْتَصْحَبُ) بالبناء للمجهول
أو مفعول به (الأصلَ) إن قرأت (يَسْتَصْحِبُ) بالبناء للفاعل ويكون الفاعل ضميرا مستترا يعود على (المجتهد أو المُسْتَدِلّ) المفهوم من الكلام أي أَنْ يَسْتَصْحِبَ المُسْتَدِلُّ الأصلَ.

وجملة (يستصحب الأصل) لا محل لها من الإعراب صلة (أَنْ)

(عِنْدَ): ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة
وهو متعلق بمحذوف حال أي (يستصحب الأصل كائنا هذا الاستصحابُ عند عدم الدليل)
و(عند) مضاف

(عَدَمِ): مضاف إليه
وهو مضاف أيضا

(الدَّلِيلِ): مضاف إليه

(الشَّرْعِيِّ): صفة لـ(الدليل)

د:ابراهيم الشناوى
2019-06-28, 11:11 PM
المعنى
تكلم المصنف هنا عن الاستصحاب باعتباره أحد الأدلة الشرعية التي يلجأ إليها المجتهد عند عدم الدليل من الكتاب والسنة والإجماع، وبعض العلماء يقدم الاستصحاب على القياس ومنهم الغزالي وابن قدامة.

والاستصحاب في اللغة: طلب الصحبة

واصطلاحا: إبقاء ما كان على ما كان حتى يثبت خلافه

وله أقسام بعضها متفق عليه وبعضها مختلف فيه كالآتي:

الأول-استصحاب البراءة الأصلية (أو استصحاب العدم الأصلي)

أمثلة:
- براءة الذمة من التكليفات الشرعية حتى يقوم دليل على التكليف؛ فإن كان صغيرا فببلوغه أوجاهلا فبعلمه، أو في دار حرب فبوصوله إلى دار الإسلام.

- ومَنِ ادعى على آخر حقا فعليه الإثبات، فإذا ادعى زيدٌ أن له دينارا عند عمرو فالأصل براءة ذمة عمرو من الدين حتى يُثْبِتَ زيدٌ دعواه بالبينة والدليلِ أو يُقِرَّ عمرو بذلك، وإلا فاليمين على عمرو أنه ليس عليه شيء لزيد، فالبينةُ على المدعِي واليمين على من أنكر.

والجمهور على أن هذا النوع حجة وادعَى بعضهم الاتفاق على حجيته

الثاني-استصحاب الدليل مع احتمال المعارِض، وهو قسمان:

أ*- استصحاب العموم حتى يَرِدَ تخصيصه؛ لأن تعطيله بدعوى البحث عن مخصص تعطيل للشريعة.

مثال: أجاز فريق من العلماء نكاح الزانية قبل وضع حملها، والصحيح عدم الجواز لقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]، فيجب استصحاب هذا العموم حتى يثبت تخصيصه بما يدل على جواز الصورة المذكورة.

ب*- استصحاب العمل بالنص حتى يرد ناسخ

وهذا النوع بقسميه متفق على صحته والعمل به ولكن وقع نزاع في تسميته استصحابا

الثالث-استصحاب الحكم الذي دل الدليل على ثبوته حتى يثبت خلافه

أمثلة:
- استصحاب بقاء النكاح والزوجية بناء على صحة عقد النكاح
- وكاستصحاب بقاء شغل ذمة مَنْ أتلف شيئا بناءً على ما صدر منه من إتلاف حتى يثبت براءة ذمته من ذلك
- ولو ادعت الزوجة الطلاق فالأصل عدمه وعليها البينة.

الرابع-استصحاب الوصف

أمثلة:
- وصف الماء بالطهارة يستمر قائما حتى يقوم دليل على تنجسه
- وإذا توضأ شخص ثبتت له صفة المتوضيء حتى يقوم الدليل على نقض وضوئه بيقين أو بظن غالب فلو شك هل أحدث أو لا؟ لم يَزُلْ يقينُهُ بالشك
- والمفقود تستمر له صفة الحياة دَفْعًا وإثباتا (كما قال الشافعية والحنابلة)، أو دَفْعًا فقط (كما قال الحنفية والمالكية) حتى يثبت خلاف ذلك أو يحكم القاضي بموته.

فائدة: في معنى قولهم: (المفقود تثبت له صفة الحياة دفعا فقط أو دفعا وإثباتا)

أما الدَّفْعُ فمعناه: المنع، والمراد أن استصحاب صفة الحياة التي كانت ثابتة له قبل فَقْدِهِ تمنع أن تزول عنه الحقوق التي كانت ثابتة له بموجبها؛ يعني أنه يأخذ حكم الأحياء في أمواله فتستمر على ملكه فلا توزع على ورثته، وفي الزوجية فتستمر زوجته على ذمته، وهكذا حتى يتبين موتُه أو يحكم القاضي بموته.

وأما الإثبات فمعناه: أنه يكون صالحا لأن تؤل إليه حقوقٌ جديدةٌ كأن يرثَ غيره أو تئول إليه أموال بوصية أو نحو ذلك.

الخامس-استصحاب الحكم الثابت بالإجماع في محل النزاع

مثال: أن مَنْ تيمم وصلى فصلاته صحيحة بالإجماع فإن رأَى الماء أثناء وقت الصلاة فاختلفوا فيه:

فقال بعضهم: نستصحب حكم الإجماع فتكون صلاته صحيحة؛ لأن الإجماع منعقد على صحتها قبل رؤية الماء.

وقال بعضهم: بل صلاته باطلة لأن الإجماع مشروط بعدم الماء فأما مع وجوده فلا إجماع.

وهذا النوع من الاستصحاب محل خلاف فالجمهور على أنه ليس بحجة، وذهب بعضهم إلى أنه حجة منهم داود الظاهري والآمدي وابن الحاجب وابن القيم والشوكاني.

والله أعلم

د:ابراهيم الشناوى
2019-07-05, 10:57 PM
التعارض والترجيح وترتيب الأدلة
قال المصنف:

وَأَمَّا الْأَدِلَّةُ:


فَيُقَدَّمُ الْجَلِيُّ مِنْهَا عَلَى الْخَفِيِّ.


وَالْمُوجِبُ لِلْعِلْمِ عَلَى الْمُوجِبِ لِلظَّنِّ.


وَالنُّطْقُ عَلَى الْقِيَاسِ.


وَالْقِيَاسُ الْجَلِيُّ عَلَى الْخَفِيِّ.


فَإِنْ وُجِدَ فِي النُّطْقِ مَا يُغَيِّرُ الْأَصْلَ، وَإِلَّا فَيُسْتَصْحَبُ الْحَالُ.
______________________________ _
(وَ): استئنافية أو عاطفة


(أَمَّا): حرف تفصيل فيه معنى الشرط


(الْأَدِلَّةُ): مبتدأ


(فَـ): واقعة في جواب (أما) وهي مزحلقة عن مكانها كما تقدم مرارا والأصل (فالأدلة يُقَدَّمُ)


(يُقَدَّمُ): مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة


(الْجَلِيُّ): نائب فاعل


(مِنْهَا): متعلق بـ (الجلي)


(عَلَى الْخَفِيِّ): متعلق بـ (يُقَدَّم)


وجملة (يقدم الجلي ...) في محل رفع خبر


وجملة (الأدلة يقدم ...) جواب (أمّا) أو (مهما) أو جوابهما معا


وجملة (أما الأدلة ...) لا محل لها من الإعراب استئنافية أو معطوفة على (فأما أقسام الكلام ..)


(وَ): عاطفة


(الْمُوجِبُ): معطوف على (الجلي)


(لِلْعِلْمِ): متعلق بـ (الموجب)


(عَلَى الْمُوجِبِ): متعلق بـ (يُقَدَّم)


(لِلظَّنِّ): متعلق بـ (الموجِب) من قوله: "على الموجب"


(وَالنُّطْقُ عَلَى الْقِيَاسِ): تقدم مثلها


(وَالْقِيَاسُ الْجَلِيُّ عَلَى الْخَفِيِّ): تقدم مثلها، و(الجلي) صفة لـ(القياس)


(فَـ): استئنافية، أو فصيحة


(إِنْ): شرطية جازمة


(وُجِدَ): فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح في محل جزم فعل الشرط


(فِي النُّطْقِ): متعلق بـ (وُجِدَ)


(مَا): نائب فاعل، وهي نكرة موصوفة، وواقعة على (الحكم) أو (النطق) أي: إن وُجِدَ حُكْمٌ يُغَيِّرُ الأصلَ، أو إن وُجِدَ نُطْقٌ يُغَيِّرُ الأصلَ.


(يُغَيِّرُ): مضارع مرفوع والفاعل مستتر يعود على (ما)


(الْأَصْلَ): مفعول به


والجملة من الفعل ونائب الفاعل وما تعلق بها في محل رفع صفة لـ(ما)


وجواب الشرط محذوف للعلم به والتقدير مثلا: (حَكَمْنَا بِهِ) أو (فلا يُستصحب الحال)


(وَ): عاطفة


(إِلَّا): مكونة من (إِنْ) الشرطية و(لا) النافية، وجملة الشرط محذوفة لدلالة ما تقدم عليها والتقدير: (وإن لم يوجد في النطق ما يغير الأصل فيستصحب...)


(فَـ): واقعة في جواب الشرط


(يُسْتَصْحَبُ): مضارع مبني للمجهول مجزوم بـ (إنْ) لأنه جواب الشرط وعلامة جزمه السكون وحُرِّكَ بالضم لأنه الأصل في الحركة


(الْحَالُ): نائب فاعل


وجملة (وإلا فيُستصحب ...) معطوفة على جملة (فإن وُجِدَ ...)

د:ابراهيم الشناوى
2019-07-09, 10:43 PM
المعنى
ترتيب الأدلة باب مهم تظهر ثمرته عند التعارض بين الأدلة
وقد سبق أنه عند التعارض:

- يُقَدَّمُ الجمع بين الأدلة على الترجيح بينها
- فإن لم يمكن الجمع وعُرِفَ التاريخُ فإن المتأخر ينسخ المتقدم
- فإن لم يمكن الجمع ولم يعرف التاريخ فإنا نلجأ إلى الترجيح بينها.
ولمعرفة كيفية الترجيح بينها فلابد من معرفة أيِّ الأدلة أقوى وأيها أضعف لكي يُقَدَّمَ الأقوى عند التعارض وهو المراد بهذا الباب فذكر المصنف كيفية ترتيب الأدلة وهي كالآتي:
______________________________ _
يُقَدَّمُ الدليلُ الجَلِيُّ على الدليلِ الخَفِيِّ:


فمثلا: إذا تعارض دليلان أحدهما (نَصٌّ) والآخر (ظاهر) قُدِّمَ (النَّصُّ) على (الظاهر)


وإذا تعارض دليلان أحدهما بالمنطوق والآخر بالمفهوم قُدِّمَ (المنطوق) على (المفهوم)


فمثال تعارض المفهوم والمنطوق: حديث عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ »1
فمفهومه أن الثلاثَ رضعاتٍ تُحَرِّم
لكن هذا المفهوم مُعَارَضٌ بما ورد أيضا من حديث عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: "كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ: {عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ} ثُمَّ نُسِخْنَ {بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ} فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ"2
فيُقَدَّمُ المنطوقُ وهو حديثُ عائشة رضي الله عنها الثاني على المفهوم
____________________________
يُقَدَّمُ الدليلُ الموجِبُ للعلم على الموجِبِ للظن:


فإذا تعارض نصان أحدهما متواتر والآخر آحادا قُدِّمَ المتواتر على الآحاد إلا أن يكون المتواتر من باب العامّ والآحاد من باب الخاصّ فيُخَصَّصُ المتواترُ العامُّ بالآحاد الخاصِّ.


مثال تخصيص المتواتر العامّ بالآحاد الخاص: قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } [النساء: 11]، فهذا يشمل الولد المسلم والكافر
مع قوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ وَلاَ الكَافِرُ المُسْلِمَ»3.
______________________________ _____
يُقَدَّمُ النُّطْقُ (وهو النصُّ من كتاب أوسنة) على القياس:


فإذا تعارض (نَصٌّ مِنْ كتابٍ أو سنةٍ) مع (قياسٍ) قُدِّمَ (النُّطْقُ) على (القياس) وصار القياسُ فاسدا؛ لأنه لا قياسَ مع نصٍّ.


مثال تعارض القياس مع النص: ما ذهب إليه بعض العلماء من أن شوك الحَرَمِ لا يَحْرُمُ قَطْعُهُ؛ لأنه يؤذي بطبعه فأشبَهَ السباع من الحيوان، وهذا قياس مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: «لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ»4.
______________________________ ____
يُقَدَّمُ القياسُ الجَلِيُّ على القياسِ الخَفِيِّ:


فالقياسُ الجَلِيُّ: هو ما نُصَّ على علتهِ أو أُجْمِعَ عليها أو قُطِعَ فيه بنَفْيِ الفارق بين الأصل والفرعِ


مثاله: تحريم إحراق مالِ اليتيمِ قياسا على تحريم أَكْلِهِ المنصوصِ عليه في آية سورة النساء؛ إذ لا فرق بينهما فكلٌّ منهما فيه إتلافٌ لمال اليتيم وضياعٌ لحقوقه.


والقياسُ الخَفِيُّ: هو ما ثبتت علتُهُ بالاستنباط، ولم يُقْطَعْ فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع


مثاله: قياسُ الأشنان على البُرِّ في الربا بجامع الكيل مثلا، فإنه لم يُقطع بنفي الفارق بين الفرع والأصل لاحتمال أن يقال: البُرُّ مطعوم والأشنانُ غيرُ مطعومٍ.


وإذا تعارض (قياسُ عِلَّةٍ) مع (قياسِ شَبَهٍ) قُدِّمَ (قياسُ العلة) على (قياسِ الشَّبَهِ)
___________________________


وقوله: "فَإِنْ وُجِدَ فِي النُّطْقِ مَا يُغَيِّرُ الْأَصْلَ، وَإِلَّا فَيُسْتَصْحَبُ الْحَالُ". تقدم معنا قريبا والمراد إن وجد في الحادثة نصٌّ حكَمْنا بموجبه وإن لم يوجدْ نصٌّ استصحبنا البراءة الأصلية كما سبق.


والله أعلم.
______________________________ __
1 صحيح: رواه مسلم (1450)


2 صحيح: رواه مسلم (1452)


3 صحيح: متفق عليه


4 صحيح: متفق عليه

د:ابراهيم الشناوى
2019-07-14, 10:22 PM
الاجتهاد والتقليد

شروط المفتي أو المجتهد
قال المصنف:

وَمِنْ شَرْطِ الْمُفْتِي: أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْفِقْهِ؛ أَصْلًا وَفَرْعًا، خِلَافًا وَمَذْهَبًا.
وَأَنْ يَكُونَ:


- كَامِلَ الْآلَةِ فِي الِاجْتِهَادِ.


- عَارِفًا بِمَا يُحْتَاجُ إِلَيهِ فِي اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ مِنَ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ، وَمَعْرِفَةِ الرِّجَالِ، وَتَفْسِيرِ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْأَحْكَامِ، وَالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهَا.
______________________________ ___
(وَ): استئنافية


(مِنْ شَرْطِ): متعلق بمحذوف خبر مقدم
و(مِنْ) تبعيضية
و(شرط) مضاف


(الْمُفْتِي): مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الثقل


(أَنْ): حرف مصدري ونصب


(يَكُونَ): مضارع من كان الناقصة منصوب بـ (أَنْ) وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة
واسمها مستتر يعود على (المفتي)


(عَالِمًا): خبر (يكون)


و(أنْ) والفعل في تأويل مصدر في محل رفع مبتدأ مؤخر


وجملة (يكون عالما) لا محل لها من الإعراب صلة (أَنْ)


(بِالْفِقْهِ): متعلق بـ (عالما)


(أَصْلًا وَفَرْعًا، خِلَافًا وَمَذْهَبًا): إن أعربتها أحوال من (الفقه) كان مراده بقوله (أصلا): دلائل الفقه المذكورة في علم أصول الفقه، وفي إدخالها في (الفقه) من قوله: "عالما بالفقه" مسامحة؛ إذ إنها ليست مِنه، بل هي من علم آخر هو علم أصول الفقه.


أما إن أعربتها تمييزات من (الفقه) محولة عن المضاف لم يلزم عليه شيئا ويكون أصل هذه التمييزات: (عالما بأصلِ الفقهِ وفرعِهِ ...الخ)، ويكون المراد بـ (أصل الفقه) أمهات المسائل التي هي كالقواعد ويتفرع عليها غيرُها، لكن يفوتُهُ التنبيه على (أصول الفقه) إلا أن يدخل في قوله: "كامل الآلة"


ولك جعلُها منصوبة على المفعولية المطلقة (أصل أصلا، وفرع فرعا، وخالف خلافا، وذهب مَذهبا)


وذهب الدمياطي إلى أنها منصوبة على نزع الخافض حيث قال: "قوله: (خلافا ومذهبا) هما منصوبان على نزع الخافض والتقدير: مِنْ مُخالِفِ مذهبِ إمامِهِ ومذهبِ إمامه"1.


(وَ): عاطفة


(أَنْ يَكُونَ كَامِلَ الْآلَةِ فِي الِاجْتِهَادِ.): معطوفة على قوله: "أن يكون عالما بالفقه" وإعرابها مثلها
و(في الاجتهاد) متعلق بـ (كامل)


(عَارِفًا): معطوف على (كامل) بحرف عطف محذوف أي (وعارفا)
أو خبر لـ(يكون) بعد خبر فيكون من باب تعدد الأخبار وهو جائز.


(بِمَا): متعلق بـ (عارفا)، و(ما) موصولة بمعنى الذي


(يُحْتَاجُ): مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (ما)
والجملة من الفعل ونائب الفاعل لا محل لها من الإعراب صلة (ما)


(إِلَيهِ): متعلق بـ (يُحتاج)


(فِي اسْتِنْبَاطِ): متعلق بـ (يُحتاج)، و(استنباط) مضاف


(الْأَحْكَامِ): مضاف إليه


(مِنَ النَّحْوِ): متعلق بـ (يُحتاج) وهو تفسير لـ(ما)


(وَ): عاطفة


(اللُّغَةِ): معطوفة على "النحو"


(وَ): واو المعية، أو عاطفة كما ستعرف


(مَعْرِفَةِ): بالنصب والرفع والجر:
فأما النصب فعلى أنه مفعول معه، والواو للمعية


والرفع على أن الواو عاطفة، و(معرفة) معطوفة على المصدر المؤول في قوله: "أن يكون عالما بالفقه" أي: ومِنْ شرطه كونُهُ عالما بالفقه ومِنْ شرطه معرفةُ الرجال


والجر على أن الواو عاطفة، و(معرفة) معطوفة على (الاجتهاد) من قوله: "وأن يكون كامل الآلة في الاجتهاد" أي وأن يكون كامل الآلة في معرفة الرجال، ويكون الجر بالعطف لا بحذف حرف الجر وبقاء عمله لأنه شاذ ولا يقاس عليه.


ولا شك أن الظاهر أنه معطوف على (النحو) من قوله: "من النحو واللغة" لكنه مشكل من حيث المعنى؛ إذ يصير المعنى أن مِنْ شرط المفتي أن يكون عارفا بمعرفةِ الرجال، وهذا ليس مرادا


و(معرفة) مضاف


(الرِّجَالِ): مضاف إليه


(وَ): عاطفة


(تَفْسِيرِ): معطوف على (معرفة)، وهو مضاف


(الْآيَاتِ): مضاف إليه


(الْوَارِدَةِ): صفة لـ(الآيات) وصفة المجرور مجرورة


(فِي الْأَحْكَامِ): متعلق بـ (الواردة)


(وَ): عاطفة


(الْأَخْبَارِ): معطوف على (الآيات)


(الْوَارِدَةِ فِيهَا): تقدم مثلها
______________________
1 حاشية الدمياطي على شرح الورقات للمحلي 22.

د:ابراهيم الشناوى
2019-09-07, 10:30 PM
المعنى
لما انتهى المصنفُ من الكلام على الأدلة وما يحتاج إليه في الاجتهاد شرع في بيان الاجتهاد ليحصل الحكم المقصود والإفتاء للعمل به، وذكر بعض شروط المفتي والمستفتي.


شروط المفتي:


1- أن يكون عالما بالفقه أصلا وفرعا خلافا ومذهبا، واختلف في مراده بـ (أصل الفقه):


= فقيل: المرادُ دلائلُ الفقه المذكورة في أصول الفقه، وذلك على إعراب (أصلا) حالا من (الفقه)، وكما سبق فإدخال (دلائل الفقه) في (الفقه) مسامحة


= وقيل: يحتمل أن يريد بالأصل أمهاتِ المسائل التي هي كالقواعد ويتفرع عليها غيرُها لكن يفوته التنبيهُ على اشتراط العلمِ بأصول الفقه إلا أن يدخل ذلك في قوله: "كامل الآلة".


ومراده بـ (فرعا): المسائل المدونة في كتب الفقه، ولا يشترط حفظها؛ إذ إنها لا تنتهي بل المراد حفظ جملة صالحة منها ليتمكن من معرفة ما يَرِدُ عليه أثناء الفتوى، وأن تكون عنده ملَكَةٌ راسخة يتمكن بها من استنباط الحكم عند الحاجة إليه


ومراده بـ (خلافا): المسائل المختلَفُ فيها بين العلماء


ومراده بـ (مَذْهَبًا): ما يستقر عليه رأيُهُ هو، هذا إن حُمِلَ على المجتهد المطلق، أما إن حُمِلَ على المجتهد المقيَّد (الذي يتقيد بمذهب من المذاهب) فمرادُهُ بالمَذْهَبِ ما استقرَّ عليه رأيُ إمامِهِ.


واعلم أن الواجب على المفتي النظرُ في الأدلة والإفتاء بمقتضى الدليل سواء وافق مذهبه أو خالفه؛ لأن الله عز وجل لم يتعبدنا إلا بشرعه الذي أنزله في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، والمذاهب كلها فيها الصواب وفيها الخطأ، فمَنِ التزمها وتقيَّدَ بها في كل صغيرة وكبيرة وقع في الخطإ لا محالة.


2- أن يكون كامل الآلة في الاجتهاد، وكمالُ الآلةِ يكون بـ:


معرفته بما يحتاج إليه في استنباط الأحكام من:


النحو ويندرج فيه التصريف


واللغة: وهي الألفاظ الموضوعة لبيان المعاني المفردة، وهذا يبحث عنه في المعاجم كالمصباح المنير والصحاح للجوهري ومختار الصحاح للرازي ولسان العرب للفيروزأبادي ...


ولا بد مع ذلك من معرفة علوم البلاغة؛ لأن الألفاظ الدالَّة على الأحكام الشرعية عربية بليغة، وفيها الحقيقة وفيها المجاز (خلافا لمَنْ نفاه) وفيها من ألوان التشبيه والاستعارات والكنايات وصيغ الخبر والإنشاء والتقديم والتأخير وغير ذلك الشيء الكثير فإن لم يكن المجتهد على معرفة بهذه العلوم قلَّ حظُّه ورتبتُه في الاجتهاد


تنبيه: لا يشترط في المجتهد أن يكون متبحرا في علوم اللغة بل الشرط أن يكون عالما بالقَدْرِ اللازم لفهم الكلام


من كمال الآلة أن يكون على علم جيد بأصول الفقه


3- وأن يكون ذا معرفة بعلم الرجال وهم رواة الأحاديث ليأخذ برواية المقبول منهم دون المجروح، وقد صار هذا الأمر يسيرا بعد انتشار الطباعة والكتب الالكترونية والبرامج البحثية كالشاملة ونحوها


4- أن يكون عالما بالناسخ والمنسوخ لئلا يفتي بالمنسوخ.


5- أن يكون عالما بتفسير آيات الأحكام، وهي نحو خمسمائة آية كما ذكر الإمام الغزالي، لكن هذا لا يمنع أن تكون أكثر من ذلك كما قال القرافي.


وقال العز بن عبد السلام: إنما ضرب الله الأمثال في كتابه تذكيرا ووعْظا، فما اشتمل منها على تفاوت في ثواب أو على إحباط عمل أو على مدح أو ذم أو نحوه فإنه يدل على الأحكام.
ثم قال: "ومعظم آيِ القرآن لا تخلو عن أحكام مشتملة على آداب حسنة وأخلاق جميلة ..."1.


ولا يُشترَطُ حفظُها بل معرفةُ مظانِّها ليراجعها وقت الحاجة.
وقد ألفت فيها كتب كثيرة منها: تفسير القرطبي المسمى (الجامع لأحكام القرآن) و(أحكام القرآن لابن العربي) و(تفسير آيات الأحكام) للإمام الشافعي الذي جمعه البيهقي، و(تفسير آيات الأحكام) للجصاص، و(الإكليل في استنباط التنزيل) للسيوطي، و(تفسير آيات الأحكام) للسايس وغيرها.


6- أن يكون عالما بأحاديث الأحكام، ولا يُشترَطُ حفظُها بل معرفةُ مظانِّها ليراجعها وقت الحاجة. وقد صُنِّفَتْ كتب كثيرة في هذا الأمر منها:


= (عمدة الأحكام) للمقدسي وفيه نحو (400) حديث مما اتفق عليه البخاري ومسلم غالبا وقد يكون في مسلم دون البخاري قليلا


= (بلوغ المرام من جمْع أحاديث الأحكام) لابن حجر وفيه (1451) حديثا إلى آخر كتاب (العتق) ثم ختمه بكتاب (الجامع) أي في الآداب وآخره الحديث رقم (1582)، وقد لخَّصَ فيه (الإلمام) لابن دقيق العيد وزاد عليه كثيرا، وأشهر شروحه (سبل السلام) للأمير الصنعاني


= (منتقى الأخبار) لابن تيمية الجد وفيه (3926) حديثا وقد شرحه الشوكاني في كتابه العظيم (نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار)


وبعضُهم اشترط البلوغ والذكورة والعدالة ولم يشترط ابن الصلاح الذكورة لكن اشترط العدالة، وبعضهم لم يشترطها


ولا يشترط في المجتهد أن يكون حافظا للقرآن
_____________________________
1 الإكليل في استنباط التنزيل للسيوطي (ص12) تصحيح: أبو الفضل عبد الله بن الصديق الغماري، ط. دار الكتاب العربي

د:ابراهيم الشناوى
2019-09-13, 09:38 PM
ما يشترط في المستفتي
قال المصنف:

وَمِنْ شَرْطِ الْمُسْتَفْتِي: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّقْلِيدِ، فَيُقَلِّد الْمْفُتِيَ فِي الْفُتْيَا. وَلَيْسَ لِلْعَالِمِ أَنْ يُقَلِّدَ
_____________________________
(وَ): استئنافية
(مِنْ شَرْطِ): متعلق بمحذوف خبر مقدم، و(شرط) مضاف
(الْمُسْتَفْتِي) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الثقل
(أَنْ يَكُونَ): المصدر المؤول من أنْ والفعل في محل رفع مبتدأ مؤخر، واسم (يكون) مستتر يعود على (المستفتي)
(مِنْ أَهْلِ): متعلق بمحذوف خبر (يكون)، و(أهل) مضاف
(التَّقْلِيدِ): مضاف إليه
وجملة (يكون من أهل) لا محل لها من الإعراب صلة (أَنْ)
وجملة (من شرط ... أن يكون) لا محل لها من الإعراب استئنافية

(فَـ): فاء السببية
(يُقَلِّدُ): مضارع مرفوع، والفاعل مستتر يعود على (المستفتي)
(الْمْفُتِيَ): مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة
(فِي الْفُتْيَا): متعلق بـ (يقلد)، و(الفُتْيَا) اسم مجرور بفي وعلامة جره كسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر
(وَ): استئنافية
(لَيْسَ): فعل ماض ناقص من أخوات (كان) مبني على الفتح لا محل له من الإعراب
(لِلْعَالِمِ): متعلق بمحذوف خبر (ليس) مقدم، وهو جائز
(أَنْ يُقَلِّدَ): المصدر المؤول من أنْ والفعل في محل رفع اسم ليس مؤخر

د:ابراهيم الشناوى
2019-09-21, 12:29 AM
المعنى
بعد أن تكلم عن شروط المفتي ومَنْ يجوز له الإفتاء، تكلم عن شروط المستفتي ومَنْ يجوز له الاستفتاء
فذكر للمستفتي شرطا واحدا وهو: أن يكون مِنْ أهل التقليد، يعني: ليس عالما مِنْ أهل الاجتهاد
ثم ذكر أن العالم لا يجوز له أن يقلد غيره بل يجب عليه أن يبحث عن حكم المسألة بنفسه ويصير إلى ما أداه إليه اجتهادُه.


وهذه المسألة معروفة بـ (حكم تقليد العالِمِ للعالِمِ) وتفصيلُها كالآتي:
أ - إذا نظر العالمُ المجتهدُ في المسألةِ وتبَيَّنَ له رجحان قول على قول فقد أجمع العلماءُ على أنه لا يجوز له تقليد غيرِهِ وتَرْكِ ما تبَيَّنَ له
ب - إذا لم ينظر في المسألة فهل له أن يقلد غيره أو لا؟ اختلفوا في هذه الصورة على أقوال:
الأول - يجوز للعالم أن يقلد غيره إذا لم ينظر في المسألة، أو نظر فيها ولم يتبين له شيء
الثاني - لا يجوز له التقليد بل يجب عليه التوقف حتى ينظر فيها
الثالث - يجوز له أن يقلدَ الأعلمَ منه، ولا يجوز له أن يقلد المساوي أو الأدنَى
الرابع-وهو الراجح، التفصيل: إن ضاقَ عليه الوقتُ جاز عليه التقليدُ وإلا فلا
مثال مَنْ ضاق عليه الوقت: أن يكون في صلاةٍ ثم تَعْرِضُ له مسألةٌ لم يكن قد نظر فيها قبل ذلك ولكنه يعلم قول الشافعي أو أحمد أو غيرهما من الأئمة في هذه المسألة ولكنه لا يعرف دليل الإمام فيها فهنا يجوز له التقليد؛ لأن الوقت قد ضاق ويَصْدُقُ عليه أنه لا يعلم الحكم1.


تنبيه: عدم جواز تقليد العالم لغيره مشروط بعدم التأثير على جماعة المسلمين يعني إذا كان المجتهد نظرَ في مسألة وأداه اجتهادُهُ إلى خلاف ما عليه جمهور المسلمين وإمامهم من الأمور التي تؤثر على المسلمين كالصلح مع العدو وأمور السلْمِ والحرب ونحوها فإن كان العالِمُ يرى رأيا يخالِفُ جماعةَ المسلمين وإمامهم ولو أظهره أدى ذلك إلى اختلاف الناسِ وشقِّ عصا الطاعة لم يَجُزْ للعالِمِ أن يخالفَ إمامَ المسلمين وإنْ ظَنَّ أن ما فعَلَهُ مرجوحا؛ لأن مخالفته تؤدي إلى تفرق كلمة المسلمين2.
______________________________
1 تهذيب شرح الورقات 107.


2 تهذيب شرح الورقات 108.

د:ابراهيم الشناوى
2019-09-27, 09:58 PM
التقليد
قول المصنف:

وَالتَّقْلِيدُ: قَبُولُ قَوْلِ الْقَائِلِ بِلَا حُجَّةٍ؛
فَعَلَى هَذَا قَبُولُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُسَمَّي تَقْلِيدًا.


وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: التَّقْلِيدُ قَبُولُ قَوْلِ الْقَائِلِ وَأَنْتَ لَا تَدْرِي مِنْ أَيْنَ قَالَهُ.
______________________________ _____
(وَ): استئنافية


(التَّقْلِيدُ): مبتدأ


(قَبُولُ): خبر، وهو مضاف


(قَوْلِ): مضاف إليه، وهو مضاف أيضا


(الْقَائِلِ): مضاف إليه


(بِـ): حرف جر


(لَا): نافية للجنس ملغاة لدخول حرف الجر عليها.


وذهب الكوفيون إلى أن (لا) هنا اسم بمعنى (غير) وأنها مجرورة بالباء وهي مضاف وما بعدها مضاف إليه1.
وإلى هذا الرأي ذهب الهروي في (الأُزْهِيَّة)2، والمالقي في (رصف المباني)3.


(حُجَّةٍ): مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة الظاهرة،
والجار والمجرور متعلق بـ (قبول)
وعلى مذهب الكوفيين (لا) مضاف، و(حجة) مضاف إليه


(فَـ): فاء السببة


(عَلَى هَذَا): متعلق بمحذوف حال، أي: (فبناءً على هذا التعريف للتقليد)،
أو متعلق بمحذوف خبر لمبتدإ محذوف والتقدير: (فالكلام الآتي (وهو قبول قول النبي ...الخ) مبنيٌّ على هذا التعريف)


(قَبُولُ): مبتدأ، ومضاف


(قَوْلِ): مضاف إليه، ومضاف أيضا


(النَّبِيِّ): مضاف إليه


(صلى الله عليه وسلم): (صَلَّى): فعل ماض،


واسم الجلالة فاعل،


و(عليه) متعلق بـ (صلى)


والجملة استئنافية لا محل لها من الإعراب.


و(الواو) عاطفة،


و(سَلَّمَ) فعل ماض، والفاعل مستتر يعود على اسم الجلالة،
وحذف الظرف من الثانية لدلالة الأولى عليه والتقدير: (وسلَّمَ عليه)


والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب معطوفة على جملة (صلى الله)


(يُسَمَّي): مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر،
ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على (قبول)


(تَقْلِيدًا): مفعول به ثان لـ(يُسَمَّى)


وجملة (يسمى تقليدا) في محل رفع خبر (قبول)


(وَ): استئنافية


(مِنْهُمْ): متعلق بمحذوف خبر مقدم


(مَنْ): اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر


(قَالَ): فعل ماض،
والفاعل مستتر يعود على العلماء وإن لم يَجْرِ لهم ذِكْرٌ لفهمه من السياق.


(التَّقْلِيدُ): مبتدأ


(قَبُولُ): خبر، ومضاف


(قَوْلِ): مضاف إليه، ومضاف أيضا


(الْقَائِلِ): مضاف إليه


وجملة (التقليد قبول ...) في محل نصب مقول القول


وجملة: (قال التقليد ...) لا محل لها من الإعراب صلة (مَنْ)


وجملة (ومنهم مَنْ ...) لا محل لها من الإعراب استئنافية


(وَ): واو الحال


(أَنْتَ): مبتدأ


(لَا): نافية


(تَدْرِي): مضارع مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها الثقل،
والفاعل مستتر وجوبا تقديره (أنت)


(مِنْ أَيْنَ): متعلق بـ (قال)


(قَالَهُ): فعل ماض وفاعل مستتر والهاء مفعول به،
وليس هنا مقول قول؛ لأن المراد بـ (قالَه) أي أَخَذَهُ، أي وأنت لا تدري مِنْ أين أخذه، أي لا تعلمُ مَحَلَّ أَخْذِهِ.
_________________________
1 مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام 3/ 316 تحقيق: د. عبد اللطيف محمد الخطيب


2 الأزهية في علم الحروف لعلي بن محمد النحوي الهروي ص160 ت. عبد المعين الملّوحي، ط. مجمع اللغة بدمشق


3 رصف المباني في شرح حروف المعاني لأحمد بن عبد النور المالقي 270 -271 ت. أحمد محمد الخراط، ط. مجمع اللغة بدمشق.