تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : دعوة لمدارسة لامية شيخ الإسلام



محمد طه شعبان
2013-12-20, 01:02 AM
هذه دعوة للإخوة المشاركين في المجلس لمدارسة المنظومة اللامية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وهذه هي المنظومة pdf بعد ضبطها بالشكل
9324

عبد الله عمر المصري
2013-12-20, 06:40 AM
أعجبني قوله رحمه الله :
قبحاً لمن نبذ القران وراءه ******** وإذا استدل يقول قال الأخطلُ

ولكن ما معنى مدارستها وهي أصلاً قصيرة وموضوعاتها غير مبسوطة بل وليست شاملة لرؤوس عناوين العقيدة كالبراءة من الشرك والنبوات وأركان الإيمان قول وعمل القلب وقول اللسان وعمل الجوارح

محمد طه شعبان
2013-12-20, 02:20 PM
أعجبني قوله رحمه الله :
قبحاً لمن نبذ القران وراءه ******** وإذا استدل يقول قال الأخطلُ

ولكن ما معنى مدارستها وهي أصلاً قصيرة وموضوعاتها غير مبسوطة بل وليست شاملة لرؤوس عناوين العقيدة كالبراءة من الشرك والنبوات وأركان الإيمان قول وعمل القلب وقول اللسان وعمل الجوارح
طالب العلم لا بد له أن يتدرج؛ فيبدأ بالمختصرات, ثم بالأوسع فالأوسع, ومن أخذ العلم جملة ذهب عنه جملة

محمد طه شعبان
2013-12-20, 09:42 PM
يَا سَائِلِي عَنْ مَذْهَبي وَعَقِيدَتِي



رُزِقَ الْهُدَى مَنْ لِلْهِدَايةِ يَسْأَلُ



اسْمَعْ كَلامَ مُحَقِّقٍ فِي قَوْلِهِ



لَا يَنْثَنِي عَنْهُ وَلَا يَتَبَّدَّلُ



حُبُّ الصَّحَابةِ كُلِّهِمْ لِي مَذْهَبٌ



وَمَوَدَّةُ القُرْبَى بِهَا أَتَوَسَّــلُ



وَلِكُلِّهِمْ قَدْرٌ وَفَضْلٌ سَاطِعٌ



لَكِنَّمَا الصِدِّيقُ مِنْهُمْ أَفْضَلُ



وَأَقُولُ فِي الْقُرْآنِ مَا جَاءَتْ بِهِ



آيَاتُهُ فَهُوَ الْكَرِيمُ المُنْزَلُ



وَأَقُولُ: قَالَ اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ



وَالمُصْطَفَى الْهَادِي وَلَا أَتَأَوَّلُ



وَجَمِيعُ آيَاتِ الصِّفَاتِ أُمِرُّهَا



حَقًّا كَمَا نَقَلَ الطِّرَازُ الْأَوَّلُ



وَأَرُدُّ عُهْدَتَهَا إِلَى نُقَّالِهَا



وَأَصُونُهَا عَنْ كُلِّ مَا يُتَخَيَّلُ



قُبْحًا لِمَنْ نَبَذَ الْقُرَانَ وَرَاءَهُ



وَإِذَا اسْتَدَلَّ يَقُولُ قَالَ الْأَخْطَلُ



وَالْمُؤْمِنُون َ يَرَونَ حَقًّا رَبَّهُمُ



وِإِلَى السَّمَاءِ بِغَيرِ كَيْفٍ يَنْزِلُ



وَأُقِرُّ بِالْمِيزَانِ وَالْحَوْضِ الَّذِي



أَرْجُو بِأَنِّي مِنْهُ رِيًّا أنْهَلُ



وَكَذَا الصِّرَاطُ يُمَدُّ فَوْقَ جَهَنَّمٍ



فَمُوحِّدٌ نَاجٍ وَآخَرُ مُهْمَلُ



وَالنَّارُ يَصْلَاها الشَّقِيُّ بِحِكْمَةٍ



وَكَذَا التَّقِيُّ إِلَى الْجِنَانِ سَيَدْخُلُ



وَلِكُلِّ حَيٍّ عَاقِلٍ فِي قَبْرِهِ



عَمَلٌ يُقَارِنُهُ هُنَاكَ وَيُسْأَلُ



هَذَا اعْتِقَادُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ



وَأَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ أَحْمَدَ يُنْقَلُ



فَإِنِ اتَّبَعْتَ سَبِيلَهُمْ فَمُوَفَّقٌ



وَإِنِ ابْتَدَعْتَ فَمَا عَلَيْكَ مُعَوَّلُ

محمد طه شعبان
2013-12-20, 09:43 PM
قوله: (يا سَائِلِي عَن مَذْهَبي وعَقِيدتِي)؛ يدل على أن السبب في تأليفه هذا النظم هو إجابة بعض السائلين، ويدل على تواضع ابن تيمية رحمه الله، وأدبه، حيث لم يأنف عندما سُئِل عن عقيدته، مع مكانته وعلمه، وشهرته بين الناس.

ابوخزيمةالمصرى
2013-12-21, 01:57 PM
سددكم الله شيخنا
هلا استعنتم بزيادات الحلبي عليها فقد جاوزت بزياداته السبعين
وقد استعان بالزيادات شيخنا أبي عمير مجدي بن عرفات حفظه الله
على شرحه
وعلى كل أنا متابع سددك الله

ابوخزيمةالمصرى
2013-12-21, 01:59 PM
ما هو المذهب ؟
وما هي العقيدة ؟

عبد الله عمر المصري
2013-12-21, 04:28 PM
وما هي العقيدة ؟
العقيدة: عَقدُ القلب على تصديق ما أخبر الله به وتنفيذ أمره
وهي لها أحد مصدرين:
العقد : وهذا في مجال تنفيذ الأمر، عَقْدٌ بينك وبين ربك أن تنفذ أوامره
العقدة : وهذا في مجال تصديق الخبر، أن تعقد قلبك كالعُقَد المربوطة مع بعضها على تصديق خبر الله " فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها "

محمد طه شعبان
2013-12-21, 04:52 PM
قوله: (مَذْهَبي)؛ أي: ما ذهب إليه الشيخ في عقيدته؛ لأن مذاهب الناس كثيرة، ومختلفة؛ فهناك مذهب الخوارج، ومذهب المرجئة، ومذهب المعتزلة، ومذهب الأشاعرة، ومذهب الرافضة، ومذهب أهل السنة والجماعة، وغيرها من المذاهب والعقائد المختلفة.

محمد طه شعبان
2013-12-21, 04:56 PM
قوله: (وعَقِيدتِي)؛ العقيدة لغة: قال ابن فارس: العين، والقاف، والدال، أصل واحد يدل على شدّ وشدّة وثوق، وإليه ترجع فروع الباب كلها([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
وعقد الحبل، والبيع، والعهد، يعقده: شده([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
واعتقد الشيء: اشتد، وصَلُبَ.
والعقيدة: الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقده([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
ومنه قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} المائدة: ٨٩
فمادة "عقد" في اللغة تدور حول الثبوت على الشيء، والالتزام به، والتأكد منه والاستيثاق به.
واصطلاحا، هي:
الإيمان الجازم بالله تعالى، وبما يجب له من التوحيد، والإيمان بملائكته وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشرِّه، وبما يتفرع عن هذه الأصول ويلحق بها مما هو من أصول الدين([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4)).[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ((معجم مقاييس اللغة)) 4/ 86.

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((القاموس المحيط)) (383).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((المعجم الوسيط)) 2/ 614.

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((مخصر تسهيل العقيدة الإسلامية)) للشيخ عبد الله بن جبرين، (3).

أبو مالك المديني
2013-12-21, 06:51 PM
بارك الله فيك أبا يوسف ، ونفع بك.
رحم الله شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية، وكما قال الحافظ ابن حجر ـ في تقريظ له على الرد الوافر لابن ناصر الدمشقي ـ : وقفت على هذا التأليف النافع والمجموع الذي هو للمقاصد التي جمع لها جامع فتحققت سعة اطلاع الإمام الذي صنفه وتضلعه من العلوم النافعة بما عظمه بين العلماء وشرفه وشهرة إمامه الشيخ تقي الدين ابن تيمية أشهر من الشمس وتلقيبه بشيخ الإسلام باق إلى الآن على الألسنة الزكية ويستمر غدا لما كان بالأمس ولا ينكر ذلك إلا من جهل مقداره وتجنب الإنصاف فما أكثر غلط من تعاطى ذلك وأكثر غباره فالله تعالى هو المسئول أن يقينا شرور أنفسنا وحصائد ألسنتنا بمنه وفضله . ولو لم يكن من فضل هذا الرجل إلا ما نبه عليه الحافظ الشهير علم الدين البرزالي في تاريخه أنه لم يوجد في الإسلام من اجتمع في جنازته لما مات ما اجتمع في جنازة الشيخ تقي الدين لكفى وأشار إلى أن جنازة الإمام أحمد كانت حافلة جدا شهدها مؤون ألوف لكن لو كان بدمشق من الخلائق نظير ما كان ببغداد بل أضعاف ذلك لما تاخر أحد منهم من شهود جنازته وأيضا فجميع من كان في بغداد إلا الأقل كانوا يعتقدون إمامة الإمام أحمد وكان أمير بغداد وخليفة الوقت إذ ذاك في غاية المحبة له والتعظيم بخلاف ابن تيمية وكان أمير البلد حين مات غائبا وكان أكثر من في البلد من الفقهاء قد تعصبوا عليه حتى مات محبوسا بالقلعة ومع هذا فلم يتخلف منهم عن حضور جنازته والترحم والتأسف عليه إلا ثلاثة أنفس تأخروا خشية على أنفسهم من العامة ومع حضور هذا الجمع العظيم فلم يكن لذلك باعث إلا اعتقاد إمامته وبركته لا بجمع سلطان ولا غيره وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أنتم شهداء الله في الأرض ..أهـ

أبو مالك المديني
2013-12-21, 06:53 PM
وقال أيضا : فكيف لا ينكر على من أطلق عليه أنه كافر بل من أطلق على من سماه شيخ الإسلام الكفر وليس في تسميته بذلك ما يقتضي ذلك فإنه شيخ مشايخ الإسلام في عصره بلا ريب والمسائل التي أنكرت عليه ما كان يقولها بالتشهي ولا يصر على القول بها بعد قيام الدليل عليه عنادا وهذه تصانيفه طافحة بالرد على من يقول بالتجسيم والتبري منه ومع ذلك فهو بشر يخطئ ويصيب فالذي اصاب فيه وهو الأكثر يستفاد منه ويترحم عليه بسببه والذي أخطأ فيه لا يقلد فيه بل هو معذور؛ لأن علماء الشريعة شهدوا له بأن ادوات الاجتهاد اجتمعت فيه حتى كان أشد المتعصبين عليه العاملين في إيصال الشر إليه وهو الشيخ كمال الدين الزملكاني شهد له بذلك وكذلك الشيخ صدر الدين بن الوكيل الذي لم يثبت لمناظرته غيره ومن أعجب العجب ان هذا الرجل كان من أعظم الناس قياما على أهل البدع من الروافض والحلولية والاتحادية وتصانيفه في ذلك كثيرة شهيرة وفتاويه فيهم لا تدخل تحت الحصر فياقرة أعينهم ـ أي أهل البدع ـ إذا سمعوا تكفيره ، وياسرورهم إذا رأوا من يكفره من أهل العلم، فالواجب على من يلتبس بالعلم وكان له عقل أن يتأمل كلام الرجل من تصانيفه المشهورة أو من السنة من يوثق به من اهل النقل فيفرد من ذلك ما ينكر فليحذر منه قصد النصح ويثني عليه بفضائله فيما أصاب من ذلك كدأب غيره من العلماء الأنجاب . ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب إلا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية صاحب التصانيف النافعة السارة التي انتفع بها الموافق والمخالف لكان غاية في الدلالة على عظيم منزلته فكيف وقد شهد له بالتقدم في العلوم والتمييز في المنطوق والمفهوم ائمة عصره من الشافعية وغيرهم فضلا عن الحنابلة فالذي يطلق عليه مع هذه الأشياء الكفر أو على من سماه شيخ الإسلام لا يلتفت إليه ولا يعول في هذا المقام عليه بل يجب ردعه عن ذلك إلى أن يراجع الحق ويزعن للصواب والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وحسبنا الله ونعم الوكيل قال: وكتبه أحمد بن علي بن محمد بن حجر الشافعي عفا الله عنه وذلك في اليوم التاسع من شهر ربيع الأول عام خمسة وثلاثين وثمان مئة ، حامدا ومصليا على محمد ومسلما . هذا آخر كلامه .

أم علي طويلبة علم
2013-12-21, 09:45 PM
هذه دعوة للإخوة المشاركين في المجلس لمدارسة المنظومة اللامية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وهذه هي المنظومة pdf بعد ضبطها بالشكل
9324


بارك الله فيكم ،، لا يقوم دين العبد إلا بالاعتقاد الصحيح والإيمان الواجب ، فإذا فسدت عقيدة المرء أو تطرق إليها الخلل في أي جانب منها فإنه يكون على شفا هلكة ، فإما يرتد ويصبح كافرا و أما أن يقع في البدع والضلالات ، فالعقيدة الصحيحة تفسر له وجوده ووجود الكائنات من حوله ، وهذه الحياة وما فيها من خير وشر إنما هي محل ابتلاء واختبار قال تعالى : (( ونبلوكم بالشر والخير فتنة و إلينا ترجعون )) .
فالعقيدة الصحيحة ليست مجرد تصديق جازم بأمور معينة ، وإنما ينبغي أن يكون لهذه العقيدة أثر فعال في سلوك الإنسان وتصرفاته .
​وعلم العقيدة له أسماء أخرى ترادفه ، فمن مسميات هذا العلم عند أهل السنة :العقيدة ، التوحيد ،السنة ، أصول الدين ، الفقه الأكبر، الشريعة ، الإيمان .
وهناك أسماء بدعية تطلقها الفرق - غير أهل السنة - على هذا العلم ومن أشهر ذلك :
علم الكلام ، الفلسفة ، التصوف ، الإلهيات ، ما وراء الطبيعة أوالميتافيزيقيا .

ابوخزيمةالمصرى
2013-12-24, 03:15 AM
هلا شيخنا سرت على مذهبين فيها
الأول كما تسير في الشرح ثم تستخلص المراد مما يناسب المعنى إختصارا
فلو أن طالبا أراد فك المتن بيسر فلا يسعه التوسع إنما يكفيه جملة أو اثنتين
نفترض حفظتها منذ سنين عددا نظرت عليها شروحا عدة فما استقر بذهني إلا يسيرا وتبخر كله
لأني لم أجد شروحا ميسرة بجمة أو سطر
ولكن بينما أحدثك الساحة فوجئت أني بحوزتي شرحا مختصرا جدا عليها وعلى الحائية وأصول السنة للحميدي

وبإذن الله سأرفعه استقلالا حتى يسهل على الطالب حفظ الشرح والله المستعان
ومرحبا بيوسف بن أبي يوسف وأبيه

محمد طه شعبان
2013-12-24, 08:45 PM
هلا شيخنا سرت على مذهبين فيها
الأول كما تسير في الشرح ثم تستخلص المراد مما يناسب المعنى إختصارا
فلو أن طالبا أراد فك المتن بيسر فلا يسعه التوسع إنما يكفيه جملة أو اثنتين
نفترض حفظتها منذ سنين عددا نظرت عليها شروحا عدة فما استقر بذهني إلا يسيرا وتبخر كله
لأني لم أجد شروحا ميسرة بجمة أو سطر
ولكن بينما أحدثك الساحة فوجئت أني بحوزتي شرحا مختصرا جدا عليها وعلى الحائية وأصول السنة للحميدي

وبإذن الله سأرفعه استقلالا حتى يسهل على الطالب حفظ الشرح والله المستعان
ومرحبا بيوسف بن أبي يوسف وأبيه
مرحبًا بك أخانا أبا خزيمة, وكلامك جيد وجميل, وأنا أرجو منك ومن إخواني في المجلس أن يساعدوني, وأن يتدارسوا معي المتن

ابوخزيمةالمصرى
2013-12-24, 11:30 PM
الحمد لله وبعد شيخنا حفظكم الله جميعا

العجب من اعتماد الجهلة على قول الأخطل النصراني الكافر
لما استوى بشر على العراق من غير سيف ولا دم مهراق


وهو القائل لعنه الله



ولست بصائم رمضان عمري - ولست بآكل لحم الاضاحي

ولست بزائـــــر بيتا عتيقــــا - بمكة ابتغي فيه صلاحي


ولست براكب عيسا بكـــــور - الى بطحاء مكة للنجاح

ولست بقائم كالعير ادعــــوا - مع الاصباح 'حي على الفلاح'

ولكني ساشربها شمـــــــولا - واسجد عند منبلج الصباح

الأخطل
يدل على الهوى المطلق منهم

محمد طه شعبان
2013-12-25, 04:36 PM
الحمد لله وبعد شيخنا حفظكم الله جميعا

العجب من اعتماد الجهلة على قول الأخطل النصراني الكافر
لما استوى بشر على العراق من غير سيف ولا دم مهراق


وهو القائل لعنه الله



ولست بصائم رمضان عمري - ولست بآكل لحم الاضاحي

ولست بزائـــــر بيتا عتيقــــا - بمكة ابتغي فيه صلاحي


ولست براكب عيسا بكـــــور - الى بطحاء مكة للنجاح

ولست بقائم كالعير ادعــــوا - مع الاصباح 'حي على الفلاح'

ولكني ساشربها شمـــــــولا - واسجد عند منبلج الصباح

الأخطل
يدل على الهوى المطلق منهم
وهذا من الباطل البيِّن: أن يتركوا الكتاب والسنة ويتركوا ما صح من الأحاديث بحجة أنها آحاد, ثم يحتجون بقول فلان وفلان ممن ليست أقوالهم حجة, بل ممن ليسوا من المسلمين.
فالحمد لله تعالى على أن هدانا للسنة

عبد الله عمر المصري
2013-12-25, 09:15 PM
الاحتجاج بكون الأخطل نصراني لا يهم الأشاعرة لأنهم يردون على ذلك بـــــ :
وهل لا نستدل على معاني اللغة من أشعار العرب قبل الإسلام لأنهم أهل جاهلية ؟

لذلك أرى أن أفضل رد عليهم أن :
الضلال في الذهاب لقول الأخطل وترك قول مجاهد بن جبر تلميذ ابن العباس رضي الله عنهما الذي نقل عنه البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد باب " وكان عرشه على الماء " أن استوى معناها علا على العرش

محمد طه شعبان
2013-12-25, 10:39 PM
الاحتجاج بكون الأخطل نصراني لا يهم الأشاعرة لأنهم يردون على ذلك بـــــ :
وهل لا نستدل على معاني اللغة من أشعار العرب قبل الإسلام لأنهم أهل جاهلية ؟

لذلك أرى أن أفضل رد عليهم أن :
الضلال في الذهاب لقول الأخطل وترك قول مجاهد بن جبر تلميذ ابن العباس رضي الله عنهما الذي نقل عنه البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد باب " وكان عرشه على الماء " أن استوى معناها علا على العرش
احتج اللغويون بأشعار العرب الجاهليين قبل الإسلام, وأما بعد الاسلام, وبعد انتهاء عصر الاحتجاج اللغوي, فلا يصح أن يُحتج بقول شاعر نصراني, فقد يكون أراد إفساد دين الإسلام, لو ثبتت هذه الأبيات عنه, وهي لم تثبت, فهي ليست في ديوانه

عبد الله عمر المصري
2013-12-25, 11:05 PM
احتج اللغويون بأشعار العرب الجاهليين قبل الإسلام, وأما بعد الاسلام, وبعد انتهاء عصر الاحتجاج اللغوي, فلا يصح أن يُحتج بقول شاعر نصراني, فقد يكون أراد إفساد دين الإسلام, لو ثبتت هذه الأبيات عنه, وهي لم تثبت, فهي ليست في ديوانه

لما قمت بالبحث في الجوجل عن عصر الاحتجاج بدايته ونهايته وجدت اللغويين مختلفين فيه ولم يتفقوا على رأي واحد كما هو الحال مثلاً عند فقهاء الحنابلة الذين اتفقوا على المعيار الزمني لتحديد : المتقدمين - كالخرقي - والمتوسطين - كابن قدامة والمجد ابن تيمية - والمتأخرين - كالبهوتي صاحب كشاف القناع - من الحنابلة .

ابوخزيمةالمصرى
2013-12-26, 12:30 AM
مثلهم كمثل
تمخض الجبل فولد فأرا
لم تنطق العرب أصلا بكلمة استوى يعني استولى فلا حجة لهم ولكن كما يقول المثل المصري العامي
(الغريق يتعلق بقشة) فالأخطل قشتهم لذا غرقوا ههههههههههههههه ههههه

محمد طه شعبان
2013-12-26, 12:34 AM
كما تعلقوا بقوله:
إن الكلام لفي الفؤاد * * * وإنما جعل الكلام على الفؤاد دليل
فغرقوا أيضًا

ابوخزيمةالمصرى
2013-12-26, 01:01 AM
احتج اللغويون بأشعار العرب الجاهليين قبل الإسلام, وأما بعد الاسلام, وبعد انتهاء عصر الاحتجاج اللغوي, فلا يصح أن يُحتج بقول شاعر نصراني, فقد يكون أراد إفساد دين الإسلام, لو ثبتت هذه الأبيات عنه, وهي لم تثبت, فهي ليست في ديوانه

هنا مقال للشيخ عبدالرحمن السحيم أثبت النص استشهادا
http://www.saaid.net/Doat/assuhaim/21.htm


وهنا في [ المستطرف في كل فن مستظرف - للأبشيهي ]

أثبتهhttp://islamport.com/w/adb/Web/2854/135.htm

وروى ابن الكلبي قال لما أفضت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز وفدت إليه الشعراء كما كانت تفد على الخلفاء من قبله فأقاموا ببابه أياما لا يؤذن لهم في الدخول حتى قدم عدي بن أرطأة عليه وكان منه بمكانة فتعرض له جرير وقال
( يا أيها الرجل المزجى مطيته ... هذا زمانك أني قد خلا زمني )
( أبلغ خليفتنا ان كنت لاقيه ... أني لدي الباب كالمشدود في قرن )

http://islamport.com/w/adb/Web/2854/137.htm#

وهذه القصيد مثبوته في الموسوعة العالمية للشعر العربي

http://www.adab.com/modules.php?name=Sh3er&doWhat=shqas&qid=17449

وكذلك مثبوتة في العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي


وكذلك ذكرها بن العربي في كتابه الجامع لأحكام القرآن تفسير الشعراء

http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?bk_no=46&ID=1875&idfrom=1881&idto=1891&bookid=46&startno=10

عبد الله عمر المصري
2013-12-26, 03:37 AM
وأخيرا سمعت بعضهم يقول أن بيت الأخطل ليس في زمن الاحتجاج اللغوي

هو أول من سمعته يقول هذا ولذلك قلت لك:

لما قمت بالبحث في الجوجل عن عصر الاحتجاج بدايته ونهايته وجدت اللغويين مختلفين فيه ولم يتفقوا على رأي واحد كما هو الحال مثلاً عند فقهاء الحنابلة الذين اتفقوا على المعيار الزمني لتحديد : المتقدمين - كالخرقي - والمتوسطين - كابن قدامة والمجد ابن تيمية - والمتأخرين - كالبهوتي صاحب كشاف القناع - من الحنابلة .

أما عن قولك :

مثلهم كمثل
تمخض الجبل فولد فأرا
لم تنطق العرب أصلا بكلمة استوى يعني استولى فلا حجة لهم ولكن كما يقول المثل المصري العامي
(الغريق يتعلق بقشة) فالأخطل قشتهم لذا غرقوا ههههههههههههههه ههههه

لا أحب السخرية خصوصاً لما يكون الواقع يقول بخلاف مقولتك ، فقد ذكر الطبري في تفسيره أن الاستيلاء من معاني الاستواء

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْع سَمَوَات } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اُخْتُلِفَ فِي تَأْوِيل قَوْله : { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى اسْتَوَى إلَى السَّمَاء , أَقْبَلَ عَلَيْهَا , كَمَا تَقُول : كَانَ فُلَان مُقْبِلًا عَلَى فُلَان ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى يُشَاتِمنِي واستوى إلي يُشَاتِمنِي , بِمَعْنَى : أَقْبَلَ عَلَيَّ وَإِلَيَّ يُشَاتِمنِي . وَاسْتُشْهِدَ عَلَى أَنَّ الِاسْتِوَاء بِمَعْنَى الْإِقْبَال بِقَوْلِ الشَّاعِر : أَقُول وَقَدْ قَطَعْنَ بِنَا شَرَوْرَي سَوَامِدَ وَاسْتَوَيْنَ مِنْ الضَّجُوع فَزَعَمَ أَنَّهُ عَنَى بِهِ أَنَّهُنَّ خَرَجْنَ مِنْ الضَّجُوع , وَكَانَ ذَلِكَ عِنْده بِمَعْنَى أَقْبَلْنَ . وَهَذَا مِنْ التَّأْوِيل فِي هَذَا الْبَيْت خَطَأ , وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْله : " وَاسْتَوَيْنَ مِنْ الضَّجُوع " عِنْدِي : اسْتَوَيْنَ عَلَى الطَّرِيق مِنْ الضَّجُوع خَارِجَات , بِمَعْنَى اسْتَقَمْنَ عَلَيْهِ . وَقَالَ بَعْضهمْ : لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ اللَّه جَلَّ ذِكْره بِتَحَوُّلٍ , وَلَكِنَّهُ بِمَعْنَى فِعْله , كَمَا تَقُول : كَانَ الْخَلِيفَة فِي أَهْل الْعِرَاق يُوَالِيهِمْ ثُمَّ تَحَوَّلَ إلَى الشَّام , إنَّمَا يُرِيد تَحَوُّل فِعْله . وَقَالَ بَعْضهمْ : قَوْله { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء } يَعْنِي بِهِ : اسْتَوَتْ كَمَا قَالَ الشَّاعِر : أَقُول لَهُ لَمَا اسْتَوَى فِي تُرَابه عَلَى أَيّ دِين قَتَّلَ النَّاس مُصْعَب وَقَالَ بَعْضهمْ : { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء } : عَمِدَ إلَيْهَا . وَقَالَ : بَلْ كُلّ تَارِك عَمَلًا كَانَ فِيهِ إلَى آخِره فَهُوَ مُسْتَوٍ لِمَا عَمِدَ وَمُسْتَوٍ إلَيْهِ . وَقَالَ بَعْضهمْ : الِاسْتِوَاء : هُوَ الْعُلُوّ , وَالْعُلُوّ : هُوَ الِارْتِفَاع . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الرَّبِيع بْن أَنَس . 491 - حُدِّثْت بِذَلِكَ عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر عَنْ أَبِيهِ عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس : { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء } يَقُول : ارْتَفَعَ إلَى السَّمَاء . ثُمَّ اخْتَلَفَ مُتَأَوِّلُو الِاسْتِوَاء بِمَعْنَى الْعُلُوّ وَالِارْتِفَاع فِي الَّذِي اسْتَوَى إلَى السَّمَاء , فَقَالَ بَعْضهمْ : الَّذِي اسْتَوَى إلَى السَّمَاء وَعَلَا عَلَيْهَا : هُوَ خَالِقهَا وَمُنْشَئِهَا . وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ الْعَالِي إلَيْهَا الدُّخَان الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه لِلْأَرْضِ سَمَاء . قَالَ أَبُو جَعْفَر : الِاسْتِوَاء فِي كَلَام الْعَرَب مُنْصَرِف عَلَى وُجُوه : مِنْهَا انْتِهَاء شَبَاب الرَّجُل وَقُوَّته , فَيُقَال إذَا صَارَ كَذَلِكَ : قَدْ اسْتَوَى الرَّجُل , وَمِنْهَا اسْتِقَامَة مَا كَانَ فِيهِ أَوَدٌ مِنْ الْأُمُور وَالْأَسْبَاب , يُقَال مِنْهُ : اسْتَوَى لِفُلَانٍ أَمْره : إذَا اسْتَقَامَ لَهُ بَعْد أَوَدٍ . وَمِنْهُ قَوْل الطِّرِمَّاح بْن حَكِيم : طَالَ عَلَى رَسْم مَهْدَدٍ أَبَدُهْ وَعَفَا وَاسْتَوَى بِهِ بَلَدُهْ يَعْنِي : اسْتَقَامَ بِهِ . وَمِنْهَا الْإِقْبَال عَلَى الشَّيْء بِالْفِعْلِ , كَمَا يُقَال : اسْتَوَى فُلَان عَلَى فُلَان بِمَا يَكْرَههُ وَيَسُوءهُ بَعْد الْإِحْسَان إلَيْهِ . وَمِنْهَا الِاحْتِيَاز وَالِاسْتِيلَاء كَقَوْلِهِمْ : اسْتَوَى فُلَان عَلَى الْمَمْلَكَة , بِمَعْنَى احْتَوَى عَلَيْهَا وَحَازَهَا . وَمِنْهَا الْعُلُوّ وَالِارْتِفَاع , كَقَوْلِ الْقَائِل : اسْتَوَى فُلَان عَلَى سَرِيره , يَعْنِي بِهِ عُلُوّهُ عَلَيْهِ .

فلو كان الأخطل نصراني فهل الطبري نصراني ؟
أنا لا أميل إلا لقول مجاهد بن جبر: (استوى) علا (على العرش)
لكن لا تقول أن العرب لا تعرف الاستواء بمعنى الاستيلاء والواقع يثبت موافقة نقل الطبري لأحد معاني الاستواء عند العرب لقول الأخطل

أم علي طويلبة علم
2013-12-26, 10:09 AM
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح الواسطية - مع الاختصار - :

" وفسره أهل التعطيل بأن المراد به الاستيلاء ، وقالوا معنى : { ثم استوى على العرش } ؛ يعني ثم استولى عليه .
واستدلوا لتحريفهم هذا بدليل موجب وبدليل سالب :
أما الدليل الموجب ؛ فقالوا : إننا نستدل بقول الشاعر :

قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف أو دم مهراق

قالوا : وهذا بيت من رجل عربي ، ولا يمكن أن يكون المراد به استوى على العراق ؛ يعني علا على العراق ! لا سيما أنه في ذلك الوقت لا طائرات يمكن أن يعلو على العراق بها .

... الرد عليهم من وجوه :

... أنه مخالف لظاهر اللفظ ؛ لأن مادة الاستواء إذا تعدت بــ ( على ) ؛ فهي بمعنى العلو والاستقرار ، وهذا ظاهر اللفظ ، وهذه مواردها في القرآن وفي كلام العرب .
... وأما استدلالهم بالبيت ؛ فنقول :
1- أثبتوا لنا سند هذا البيت وثقة رجاله ، ولن يجدوا إلى ذلك سبيلا . (1)
2- من هذا القائل ؟ أفلا يمكن أن يكون قاله بعد تغير اللسان ؟ لأن كل قول يستدل به على اللغة العربية بعد تغير اللغة العربية فإنه ليس بدليل ؛ لأن العربية بدأت تتغير حين اتسعت الفتوح ودخل العجم مع العرب فاختلف اللسان ، وهذا فيه احتمال أنه بعد تغير اللسان .
3- أن تفسيركم (( استوى بشر على العراق )) بــــ ( استولى ) تفسير تعضده القرينة ، لأنه من المتعذر أن بشرا يصعد فوق العراق فيستوى عليه كما يستوي على السرير أو على ظهر الدابة فلهذا نلجأ إلى تفسيره بــــ ( استولى ) .


______________________________ ____________________
(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( ولم يثبت نقل صحيح أنه شعر عربي ، وكان غير واحد من أئمة اللغة أنكروه وقالوا : إنه بيت مصنوع لا يعرف في اللغة ، وقد علم أنه لو احتج بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحتاج إلى صحته ، فكيف ببيت من الشعر لا يعرف إسناده ؟ وقد طعن فيه أئمة اللغة ) مجموع الفتاوى ( 5 / 146 )

محمد طه شعبان
2013-12-26, 11:09 AM
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح الواسطية - مع الاختصار - :

" وفسره أهل التعطيل بأن المراد به الاستيلاء ، وقالوا معنى : { ثم استوى على العرش } ؛ يعني ثم استولى عليه .
واستدلوا لتحريفهم هذا بدليل موجب وبدليل سالب :
أما الدليل الموجب ؛ فقالوا : إننا نستدل بقول الشاعر :

قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف أو دم مهراق

قالوا : وهذا بيت من رجل عربي ، ولا يمكن أن يكون المراد به استوى على العراق ؛ يعني علا على العراق ! لا سيما أنه في ذلك الوقت لا طائرات يمكن أن يعلو على العراق بها .

... الرد عليهم من وجوه :

... أنه مخالف لظاهر اللفظ ؛ لأن مادة الاستواء إذا تعدت بــ ( على ) ؛ فهي بمعنى العلو والاستقرار ، وهذا ظاهر اللفظ ، وهذه مواردها في القرآن وفي كلام العرب .
... وأما استدلالهم بالبيت ؛ فنقول :
1- أثبتوا لنا سند هذا البيت وثقة رجاله ، ولن يجدوا إلى ذلك سبيلا . (1)
2- من هذا القائل ؟ أفلا يمكن أن يكون قاله بعد تغير اللسان ؟ لأن كل قول يستدل به على اللغة العربية بعد تغير اللغة العربية فإنه ليس بدليل ؛ لأن العربية بدأت تتغير حين اتسعت الفتوح ودخل العجم مع العرب فاختلف اللسان ، وهذا فيه احتمال أنه بعد تغير اللسان .
3- أن تفسيركم (( استوى بشر على العراق )) بــــ ( استولى ) تفسير تعضده القرينة ، لأنه من المتعذر أن بشرا يصعد فوق العراق فيستوى عليه كما يستوي على السرير أو على ظهر الدابة فلهذا نلجأ إلى تفسيره بــــ ( استولى ) .


______________________________ ____________________
(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( ولم يثبت نقل صحيح أنه شعر عربي ، وكان غير واحد من أئمة اللغة أنكروه وقالوا : إنه بيت مصنوع لا يعرف في اللغة ، وقد علم أنه لو احتج بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحتاج إلى صحته ، فكيف ببيت من الشعر لا يعرف إسناده ؟ وقد طعن فيه أئمة اللغة ) مجموع الفتاوى ( 5 / 146 )


وهذا تحقيق رائع من العلامة ابن عثيمين رحمه الله

أبو مالك المديني
2013-12-26, 05:35 PM
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( ولم يثبت نقل صحيح أنه شعر عربي ، وكان غير واحد من أئمة اللغة أنكروه وقالوا : إنه بيت مصنوع لا يعرف في اللغة ، وقد علم أنه لو احتج بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحتاج إلى صحته ، فكيف ببيت من الشعر لا يعرف إسناده ؟ وقد طعن فيه أئمة اللغة ) مجموع الفتاوى ( 5 / 146 )

نفع الله بكم .
وقال شيخ الإسلام أيضا : وأنه ـ أي بيت الشعرـ لو كان صحيحا لم يكن فيه حجة . فإنهم لم يقولوا : استوى عمر على العراق لما فتحها ولا استوى عثمان على خراسان ولا استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن . وإنما قيل هذا البيت إن صح في بشر بن مروان لما دخل العراق واستوى على كرسي ملكها . فقيل هذا كما يقال : جلس على سرير الملك أو تحت الملك ويقال : قعد على الملك والمراد هذا . وأيضا فالآيات الكثيرة والأحاديث الكثيرة وإجماع السلف يدل على أن الله فوق العرش كما قد بسط في مواضع .

أبو مالك المديني
2013-12-26, 05:46 PM
وقال شيخ الإسلام قال : قال ابن الأعرابي : إن العرب لا تعلم استوى بمعنى استولى ومن قال ذلك فقد أعظم . قال : وإنما يقال " استولى فلان على كذا " إذا كان بعيدا عنه غير متمكن ثم تمكن منه والله سبحانه وتعالى لم يزل مستوليا على الأشياء . والبيتان لا يعرف قائلهما كذا قال ابن فارس اللغوي . ولو صحا لم يكن حجة فيهما لما بينا من استيلاء من لم يكن مستوليا نعوذ بالله من تعطيل الملحدة وتشبيه المجسمة .

وقال تلميذه ابن القيم في اجتماع الجيوش الاسلامية : .. ولا يجوز أن يكون معنى استوائه على العرش هو استيلاؤه ، كما قال الشاعر : قد استوى بشر على العراق
لأن الاستيلاء والقدرة والقهر ، والله تعالى لم يزل قادرا قاهرا عزيزا مقتدرا وقوله : ثم استوى . يقتضي استفتاح هذا الوصف بعد أن لم يكن فبطل ما قالوه ..

عبد الله عمر المصري
2013-12-26, 08:25 PM
وهذا تحقيق رائع من العلامة ابن عثيمين رحمه الله
نعم لكنه لا يتناول الحديث عن ما قاله الطبري في تفسيره ولا يصح تجاهله لمن وُضِعَ أمامه

وقال شيخ الإسلام قال : قال ابن الأعرابي : إن العرب لا تعلم استوى بمعنى استولى ومن قال ذلك فقد أعظم .
قالها الطبري نقلاً عن أبي جعفر فيما سبق نقله لكم : فهل أعظم الطبري وأبو جعفر ؟

ابوخزيمةالمصرى
2013-12-27, 12:30 AM
رويدا يرحمكم الله

كلنا أخوة وأرى أن الحديث قد انحدر للشدة منه للتراحم
وللانتصار منه لبيان الحق

فإن كنت أخطأت فعفا الله عني وعنكم
ولنعد للموضوع إبدأ أبا يوسف

عبد الله عمر المصري
2013-12-27, 01:46 AM
لا يا أخي الحبيب
لا يوجد شدة
الأمر كله أني منذ أن دخلت في قضية الصفات ولم أجد أحد تناول هذه العبارة
فلا أريد أن تُهمَل في بحثنا هذا وإلا سيكون مدارستنا تكرار لما سمعناه مرارً وتكراراً فالتجديد يقتضي طرح ما لم يتم نقاشه من قبل طالما وجدنا في أنفسنا الأهلية لمناقشة هذا الموضوع
خصوصاً وأني غير متصل بالعلماء فلعل أحد منكم ممن له اتصال بالعلماء يعرف لنا الرد على هذا الإشكال

محمد طه شعبان
2013-12-27, 07:40 AM
نعم لكنه لا يتناول الحديث عن ما قاله الطبري في تفسيره ولا يصح تجاهله لمن وُضِعَ أمامه

قالها الطبري نقلاً عن أبي جعفر فيما سبق نقله لكم : فهل أعظم الطبري وأبو جعفر ؟
وما المانع أن يخطئ الطبري.
وللعلم فإن الطبري هو أبو جعفر, ولكنك تجد في تفسير الطبري: قال أبو جعفر؛ وإنما الذي قال ذلك هو من يروي الكتاب عن أبي جعفر الطبري, فيقول: (قال أبو جعفر) يقصد الطبري

محمد طه شعبان
2013-12-27, 07:48 AM
ثم إني بحثت في تفسير الطبري فلم أجد تفسيره استوى بمعنى استولى, فأرجو أن تدلني على رقم الجزء والصفحة

عبد الله عمر المصري
2013-12-27, 07:49 AM
وما المانع أن يخطئ الطبري.
وللعلم فإن الطبري هو أبو جعفر, ولكنك تجد في تفسير الطبري: قال أبو جعفر؛ وإنما الذي قال ذلك هو من يروي الكتاب عن أبي جعفر الطبري, فيقول: (قال أبو جعفر) يقصد الطبري

ارجع من فضلك لما نقلته من تفسير الطبري والذي فيه جملة باللون الأحمر
فهذا تكملة كلامه في التفسير بعد الكلمة التي وقفت عندها
قال الطبري تكلمة على ما سبق:
" وَأَوْلَى الْمُعَافِي بِقَوْلِ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ } عَلَا عَلَيْهِنَّ وَارْتَفَعَ فَدَبَّرَهُنَّ بِقُدْرَتِهِ وَخَلَقَهُنَّ سَبْع سَمَوَات . وَالْعَجَب مِمَّنْ أَنْكَرَ الْمَعْنَى الْمَفْهُوم مِنْ كَلَام الْعَرَب فِي تَأْوِيل قَوْل اللَّه : { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء } الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْعُلُوّ وَالِارْتِفَاع هَرَبًا عِنْد نَفْسه مِنْ أَنْ يُلْزِمهُ بِزَعْمِهِ إذَا تَأَوَّلَهُ بِمَعْنَاهُ الْمُفْهِم كَذَلِكَ أَنْ يَكُون إنَّمَا عَلَا وَارْتَفَعَ بَعْد أَنْ كَانَ تَحْتهَا , إلَى أَنْ تَأَوَّلَهُ بِالْمَجْهُولِ مِنْ تَأْوِيله الْمُسْتَنْكِر , ثُمَّ لَمْ يَنْجُ مِمَّا هَرَبَ مِنْهُ . فَيُقَال لَهُ : زَعَمْت أَنَّ تَأْوِيل قَوْله : { اسْتَوَى } أَقْبَلَ , أَفَكَانَ مُدْبِرًا عَنْ السَّمَاء فَأَقْبَلَ إلَيْهَا ؟ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِقْبَالِ فِعْل وَلَكِنَّهُ إقْبَال تَدْبِير , قِيلَ لَهُ : فَكَذَلِكَ فَقُلْ : عَلَا عَلَيْهَا عُلُوّ مُلْك وَسُلْطَان لَا عُلُوّ انْتِقَال وَزَوَال . ثُمَّ لَنْ يَقُول فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا إلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَر مِثْله , وَلَوْلَا أَنَّا كَرِهْنَا إطَالَة الْكِتَاب بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسه لَأَنْبَأْنَا عَنْ فَسَاد قَوْل كُلّ قَائِل قَالَ فِي ذَلِكَ قَوْلًا لِقَوْلِ أَهْل الْحَقّ فِيهِ مُخَالِفًا , وَفِيمَا بَيَّنَّا مِنْهُ مَا يُشْرِف بِذِي الْفَهْم عَلَى مَا فِيهِ لَهُ الْكِفَايَة إنَّهُ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : أَخْبِرْنَا عَنْ اسْتِوَاء اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إلَى السَّمَاء , كَانَ قَبْل خَلْق السَّمَاء أَمْ بَعْده ؟ قِيلَ : بَعْده , وَقَبْل أَنْ يُسَوِّيهِنَّ سَبْع سَمَوَات , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا } 41 11 وَالِاسْتِوَاء كَانَ بَعْد أَنْ خَلَقَهَا دُخَانًا , وَقَبْل أَنْ يُسَوِّيهَا سَبْع سَمَوَات . وَقَالَ بَعْضهمْ : إنَّمَا قَالَ اسْتَوَى إلَى السَّمَاء وَلَا سَمَاء , كَقَوْلِ الرَّجُل لِآخَر : " اعْمَلْ هَذَا الثَّوْب " وَإِنَّمَا مَعَهُ غَزْل ." انتهى

هل لك أن تفسر الجملة التي باللون الأحمر هنا ؟
أليس علو الملك والسلطان هو عينه الاستيلاء ؟
يرجى الإيضاح

محمد طه شعبان
2013-12-27, 09:43 AM
هناك أمر لا بد أن يُتَنَبَّه له, وهو: أنه إذا ورد عن إمام من أئمة أهل السنة, كلام يحتمل معانٍ, فالأولى أن يُحمل على ما يوافق كلام أهل السنة؛ لأنه منهم, وكلام الإمام الطبري هنا - وإن كان هو قد صوب أن استوى بمعنى علا وارتفع, وهذا تصريح منه - ولكن لو قلنا أنه يحتمل التأويل, فلا بد من حمله على الوجه الحسن

عبد الله عمر المصري
2013-12-27, 02:56 PM
ما وجه الحُسن في قوله: " فَكَذَلِكَ فَقُلْ : عَلَا عَلَيْهَا عُلُوّ مُلْك وَسُلْطَان لَا عُلُوّ انْتِقَال وَزَوَال " ؟؟
أرجو ألا تكتفي بكلمة ورد غطاها في عبارة تجعل الأشعري - بالتعبير المصري - " يفرد عضلاته على السلفي " في كون الطبري كان موافق لعقيدة الأشاعرة

أم علي طويلبة علم
2013-12-27, 03:16 PM
قال الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله - مع الاختصار - :

- قال تعالى : { يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ } ... قوله : { ورافعك إليّ } : الشاهد هنا ؛ فإن { إليّ } تفيد الغاية ، وقوله : { ورافعك إليّ } : يدل على أن المرفوع إليه كان عاليا ، وهذا يدل على علو الله عز وجل .
فلو قال قائل : المراد : رافعك منزلة ؛ كما قال الله تعالى : { وجيها في الدنيا والأخرة ومن المقربين } .
قلنا : هذا لا يستقيم ؛ لأن الرفع هنا عُدِّيَ بحرف يختص بالرفع الذي هو الفوقية ؛ رفع الجسد ، وليس رفع المنزلة .

* ... فالكتاب تنوعت دلالته على علو الله ؛ فتارة بذكر العلو ، وتارة بذكر الفوقية ، وتارة بذكر نزول الأشياء من عنده ، وتارة بذكر صعودها إليه ، وتارة بكونه في السماء ...
1) فالعلو مثل قوله : { وهو العلي العظيم } ، { سبح اسم ربك الأعلى } .
2) والفوقية : { وهو القاهر فوق عباده } ، { يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون } .
3) ونزول الأشياء منه ؛ مثل قوله : { يدبر الأمر من السماء إلى الأرض } ، { إنا نحن نزلنا الذكر } ... وما أشبه ذلك .
4) وصعود الأشياء إليه ؛ مثل قوله { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } ، ومثل قوله : { تعرج الملائكة والروح إليه } .
5) كونه في السماء ؛ مثل قوله : { ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض } .

*... وأما السنة فقد تواترت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله وإقراره :
1) فأما قول الرسول عليه الصلاة والسلام :
فجاء بذكر العلو والفوقية ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : ( سبحان ربي الأعلى ) ، وقوله لما ذكر السماوات ؛ قال : ( والله فوق العرش ) .
وجاء بذكر أن الله في السماء ؛ مثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء ) .
2) وأما الفعل ؛ فمثل رفع أصبعه إلى السماء ، وهو يخطب الناس في أكبر جمع ، وذلك في يوم عرفة ، عام حجة الوداع ؛ فإن الصحابة لم يجتمعوا اجتماعا أكبر من ذلك الجمع ... وكان يقول : ( اللهم اشهد ) ؛ يشير إلى السماء بأصبعه ، وينكتها إلى الناس .
ومن ذلك رفع يديه إلى السماء في الدعاء .
وهذا إثبات للعلو بالفعل .
3) وأما التقرير ؛ فإنه في حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه ؛ أنه أتى بجارية يريد أن يعتقها ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ( أين الله ؟ ) . قالت : في السماء . فقال : ( من أنا ؟ ) . قالت : رسول الله . قال : ( أعتقها ؛ فإنها مؤمنة ) ...

* ... وأما دلالة الإجماع ؛ فقد أجمع السلف على أن الله تعالى بذاته في السماء ، من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا .
إن قلت : كيف أجمعوا ؟
نقول : إمرارهم هذه الآيات والأحاديث مع تكرار العلو فيها والفوقية ونزول الأشياء منه وصعودها إليه دون أن يأتوا بما يخالفها إجماع منهم على مدلولها .
ولهذا لما قال شيخ الإسلام : ( إن السلف مجمعون على ذلك ) ؛ قال : ( ولم يقل أحد منهم : إن الله ليس في السماء ، أو : إن الله في الأرض ، أو : إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصل ولا منفصل ، أو : إنه لا تجوز الإشارة الحسية إليه ) .

أم علي طويلبة علم
2013-12-27, 03:34 PM
تابع :


*... وأما دلالة العقل ؛ فنقول : لا شك أن الله عز وجل إما أن يكون في العلو أو في السفل ، وكونه في السفل مستحيل ؛ لأنه نقص يستلزم أن يكون فوقه شيء من مخلوقاته فلا يكون له العلو التام والسيطرة التامة والسلطان التام ؛ فإذا كان السفل مستحيلا ؛ كان العلو واجبا .
وهناك تقرير عقلي آخر ، وهو أن نقول : أن العلو صفة كمال باتفاق العقلاء ، وإذا كان صفة كمال ؛ وجب أن يكون ثابتا لله ؛ لأن كل صفة كمال مطلقة ؛ فهي ثابتة لله .
وقولنا : ( مطلقة ) : احترازا من الكمال النسبي ، الذي يكون كمالا في حال دون حال ؛ فالنوم مثلا نقص ، ولكن لمن يحتاج إليه ويستعيد قوته به كمال .

* ... وأما دلالة الفطرة : فأمر لا يمكن منازعة فيها ولا المكابرة ؛ فكل إنسان مفطور على أن الله في السماء ، ولهذا عندما يفجؤك الشيء الذي لا تستطيع دفعه ، وإنما تتوجه إلى الله تعالى بدفعه ؛ فإن قلبك ينصرف إلى السماء حتى الذين ينكرون علو الذات لا يقدرون أن ينزلوا أيديهم إلى الأرض .
وهذه الفطرة لا يمكن إنكارها ...

عبد الله عمر المصري
2013-12-27, 07:56 PM
يا أخوتي في الله انا حافظ كل هذا ولا أشكك في علو الله بذاته كما يليق به
لكن لا أحب أن نقف ساكتين ونرد بأدلة عامة وقد وقع تحت أيدينا قول نريد التأكد من معناه
لأن المقولة التي لم يرد عليها أحد حتى الآن تعضد موقف الأشعري في عَدّه للطبري من علماء الأشاعرة طالما أني لم أجد سلفي حتى الآن يرد على عبارة الطبري خصوصاً

محمد طه شعبان
2013-12-27, 09:56 PM
أخانا عبد الله بارك الله فيك, هناك أمران: الأمر الأول: أن الأشاعرة لا حجة لهم في كون الطبري أو غيره من العلماء وافقهم في مسألة؛ لأن الحجة ليست في كلام الطبري, وإنما في الكتاب والسنة, فلو افترضنا أن الطبري رحمه الله تعالى له كلام ظاهره موافق لكلام الأشاعرة, ثم نحن نافحنا عنه, فكيف نقول فيما وقع فيه ابن حجر والنووي من بعض التأويلات.
إذن لا بد أن تعلم أن أي عالم معرض لأن يقع في الخطأ, وخطؤه لا يؤخذ منه. هذا هو الأمر الأول.
الأمر الثاني: أنه ليس كل من وقع في خطإ وافق فيه الأشعرية أو غيرهم يكون أشعريًا, بل قد يكون العالم من أئمة أهل السنة والجماعة ويقع في خطإ عقدي, وأضرب لك مثالًا بابن حجر والنووي

عبد الله عمر المصري
2013-12-27, 11:31 PM
هل هذا يعني أننا نعتبر الطبري أخطأ في هذه المسألة أم هناك توجيه لكلامه يجعله - أي كلام الطبري المذكور في الاستواء وليس الطبري نفسه - متوافقاً مع معتقد السلف ؟ هذا هو السؤال الذي طال البحث عنه بصدد تفسير الطبري لهذه الآية

أم علي طويلبة علم
2013-12-28, 01:11 PM
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في كتاب العلم ( ص 198 - 201 ) :

سئل الشيخ ـ غفر الله له ـ: ما قولكم فيما يحصل من البعض من قدح في الحافظين النووي وابن حجر وأنهما من أهل البدع؟
وهل الخطأ من العلماء في العقيدة ولو كان عن اجتهاد وتأويل يلحق صاحبه بالطوائف المبتدعة؟
وهل هناك فرق بين الخطأ في الأمور العلمية والعملية؟

فأجاب فضيلته بقوله:


إن الشيخين الحافظين ( النووي ابن حجر) لهما قدم صدق ونفع كبير في الأمة الإسلامية ولئن وقع منهما خطأ في تأويل بعض نصوص الصفات إنه لمغمور بما لهما من الفضائل والمنافع الجمة ولا نظن أن ما وقع منهما إلا صادر عن اجتهاد وتأويل سائغ - ولو في رأيهما - وأرجو الله تعالى أن يكون من الخطأ المغفور وأن يكون ما قدماه من الخير والنفع من السعي المشكور وأن يصدق عليهما قول الله تعالى :
{ إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ }.


والذي نرى أنهما من أهل السنة والجماعة، ويشهد لذلك خدمتهما لسنة رسوله الله صلى الله عليه وسلم وحرصهما على تنقيتها مما ينسب إليها من الشوائب، وعلى تحقيق ما دلت عليه من أحكام ولكنهما خالفا في آيات الصفات وأحاديثها أو بعض ذلك عن جادة أهل السنة عن اجتهاد أخطئا فيه، فنرجو الله تعالى أن يعاملهما بعفوه.

وأما الخطأ في العقيدة: فإن كان خطأ مخالفاً لطريق السلف، فهو ضلال بلا شك ولكن لا يحكم على صاحبه بالضلال حتى تقوم عليه الحجة، فإذا قامت عليه الحجة، وأصر على خطئه وضلاله، كان مبتدعاً فيما خالف فيه الحق، وإن كان سلفيًّا فيما سواه، فلا يوصف بأنه مبتدع على وجه الإطلاق، ولا بأنه سلفي على وجه الإطلاق، بل يوصف بأنه سلفي فيما وافق السلف، مبتدع فيما خالفهم، كا قال أهل السنة في الفاسق: إنه مؤمن بما معه من الإيمان، فاسق بما معه من العصيان، فلا يعطي الوصف المطلق ولا ينفى عنه مطلق الوصف، وهذا هو العدل الذي أمر الله به، إلا أن يصل المبتدع إلى حد يخرجه من الملة فإنه لا كرامة له في هذه الحال .


* وأما الفرق بين الخطأ في الأمور العلمية والعملية: فلا أعلم أصلاً للتفريق بين الخطأ في الأمور العلمية والعملية لكن لما كان السلف مجمعين فيما نعلم على الإيمان في الأمور العلمية الحيوية والخلاف فيها إنما هو في فروع من أصولها لا في أصولها كان المخالف فيها أقل عدداً وأعظم لوماً. وقد اختلف السلف في شيء من فروع أصولها كاختلافهم، هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه في اليقظة واختلافهم في اسم الملكين اللذين يسألان الميت في قبره، واختلافهم في الذي يوضع في الميزان أهو الأعمال أم صحائف الأعمال أم العامل؟ واختلافهم هل يكون عذاب القبر على البدن وحده دون الروح؟ واختلافهم هل يسأل الأطفال وغير المكلفين في قبورهم؟ واختلافهم هل الأمم السابقة يسألون في قبورهم كما تسأل هذه الأمة؟ واختلافهم في صفة الصراط المنصوب على جهنم؟ واختلافهم هل النار تفنى أو مؤبدة، وأشياء أخرى وإن كان الحق مع الجمهور في هذه المسائل، والخلاف فيها ضعيف.
وكذلك يكون في الأمور العملية خلاف يكون قويًّا تارة وضعيفاً تارة.
وبهذا تعرف أهمية الدعاء المأثور: اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

عبد الله عمر المصري
2013-12-28, 03:08 PM
هذا كلام عام وأريد كلام خاص بالطبري
هل هذا يعني أننا نعتبر الطبري أخطأ في هذه المسألة أم هناك توجيه لكلامه يجعله - أي كلام الطبري المذكور في الاستواء وليس الطبري نفسه - متوافقاً مع معتقد السلف ؟

محمد طه شعبان
2013-12-28, 04:57 PM
واضح من كلام الإمام الطبري رحمه الله أنه موافق لكلام السلف, وليس مخالفًا لهم.
حيث قال (1/ 457): ((وَأَوْلَى الْمَعَانِي بِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ} [البقرة: 29] عَلَا عَلَيْهِنَّ وَارْتَفَعَ فَدَبَّرَهُنَّ بِقُدْرَتِهِ وَخَلَقَهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ))ا ه.
وقال في موضع آخر (1/ 464): فَمَعْنَى الْكَلَامِ إِذًا: هُوَ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ، فَخَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَسَخَّرَهُ لَكُمْ تَفَضُّلًا مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَيْكُمْ، لِيَكُونَ لَكُمْ بَلَاغًا فِي دُنْيَاكُمْ، وَمَتَاعًا إِلَى مُوَافَاةِ آجَالِكُمْ، وَدَلِيلًا لَكُمْ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ رَبِّكُمْ. ثُمَّ عَلَا إِلَى السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَهِيَ دُخَانٌ، فَسَوَّاهُنَّ وَحَبَكَهُنَّ، وَأَجْرَى فِي بَعْضِهِنَّ شَمْسَهُ وَقَمَرَهُ وَنُجُومَهُ، وَقَدَّرَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَا قَدَّرَ مِنْ خَلْقِهِ))ا ه.
وقوله: ((عَلَا عَلَيْهَا عُلُوَّ مُلْكٍ وَسُلْطَانٍ لَا عُلُوَّ انْتِقَالٍ وَزَوَالٍ))ا ه.
فمعناه صحيح حيث يرد على من قال: علو انتقال وزوال, فقال بأن هذا الاستواء الذي معناه: العلو والارتفاع, هو استواء ملك وسلطان, وليس استواء انتقال وزوال

عبد الله عمر المصري
2013-12-28, 05:55 PM
وقوله: ((عَلَا عَلَيْهَا عُلُوَّ مُلْكٍ وَسُلْطَانٍ لَا عُلُوَّ انْتِقَالٍ وَزَوَالٍ))ا ه.
فمعناه صحيح حيث يرد على من قال: علو انتقال وزوال, فقال بأن هذا الاستواء الذي معناه: العلو والارتفاع, هو استواء ملك وسلطان, وليس استواء انتقال وزوال

باللهجة المصرية وليس باللغة العربية : ما هو قوله " علو ملك وسلطان " هو عينه " استيلاء وقهر " ؟؟

محمد طه شعبان
2013-12-28, 09:15 PM
باللهجة المصرية وليس باللغة العربية : ما هو قوله " علو ملك وسلطان " هو عينه " استيلاء وقهر " ؟؟
ليس مثله؛ لأنه وضَّح قبل ذلك فقال: (علا وارتفع) وقال أيضًا: (ثُمَّ عَلَا إِلَى السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَهِيَ دُخَانٌ), والأشاعرة لا يقولون ذلك.

محمد طه شعبان
2013-12-28, 11:26 PM
هذا كلام عام وأريد كلام خاص بالطبري
هل هذا يعني أننا نعتبر الطبري أخطأ في هذه المسألة أم هناك توجيه لكلامه يجعله - أي كلام الطبري المذكور في الاستواء وليس الطبري نفسه - متوافقاً مع معتقد السلف ؟


هذا كلام خاص في الطبري من العلامة ابن عثيمين رحمه الله, وقال بأنه قول السلف.
قال ابن عثيمين رحمه الله ((القواعد المثلى)) (52):
(({ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} .والجواب: أن لأهل السنة في تفسيرها قولين:
أحدهما: أنها بمعنى ارتفع إلى السماء. وهو الذي رجحه ابن جرير قال في تفسيره بعد أن ذكر الخلاف: (وأولى المعاني بقول الله جل ثناؤه: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ} : علا عليهن وارتفع، فدبرهن بقدرته، وخلقهن سبع سماوات) اه. وذكره البغوي في تفسيره قول ابن عباس وأكثر مفسري السلف، وذلك تمسكا بظاهر لفظ {اسْتَوَى} ، وتفويضا لعلم كيفية هذا الارتفاع إلى الله عز وجل.
القول الثاني: أن الاستواء هنا بمعنى القصد التام. وإلى هذا القول ذهب ابن كثير في تفسير سورة البقرة، والبغوي في تفسير سورة فصلت، قال ابن كثير: (أي: قصد إلى السماء، والاستواء هاهنا ضُمِّنَ معنى القصد والإقبال، لأنه عدي بإلى) . وقال البغوى: (أي: عمد إلى خلق السماء) .
وهذا القول ليس صرفا للكلام عن ظاهره، لأن الفعل {اسْتَوَى} اقترن بحرف يدل على الغاية والانتهاء، فانتقل إلى معنى يناسب الحرف المقترن به. ألا ترى إلى قوله تعالى: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} حيث كان معناها يَروَى بها عباد الله، لأن الفعل {يَشْرَبُ} اقترن بالباء فانتقل إلى معنى يناسبها وهو يروى، فالفعل يُضَمَّن معنى يناسب معنى الحرف المتعلق به ليلتئم الكلام))ا ه.

محمد طه شعبان
2013-12-30, 10:59 PM
قوله: (رُزِقَ الهُدَى مَن لِلْهِدَايةِ يَسْأَلُ)؛ لأن السؤال قد يكون على وجه التعنت والاستهزاء والاستكبار، كما كانت كفار قريش تسأل النبي صلى الله عليه وسلم: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} المؤمنون: 82 .
وقولهم:{مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78]، وغير ذلك.
وهذا لا يزيدُ صاحبَه إلا خِذلانا وعمى وضلالا.
وقد يكون السؤال لأجل التعلم والمعرفة، واتباع الحق، وهذا هو الذي يُوفق صاحبُه إلى الحق، ويُهدى إلى الصواب؛ كما قال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} التوبة: 124 - 125
ولذلك قال ابن تيمية - رحمه الله -: (رُزِقَ الهُدَى مَن لِلْهِدَايةِ يَسْأَلُ).
والهداية هدايتان:
الأولى: هداية دلالة ودعوة وإرشاد؛ وهذه لله تعالى ولغيره من الأنبياء والصالحين ليرشدوا جميع البشر، ويدعوهم إلى طريق الله تعالى، وهذه الهداية هي المذكورة في قوله تعالى:{وَهَدَيْن َاهُ النَّجْدَيْنِ} البلد: 10 ، وقوله تعالى: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} الرعد: 7
وقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} الشورى: 52.
الثانية: هداية توفيق وتسديد؛ وهذه لا تكون إلا لله تعالى فقط، وهي المذكورة في قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} القصص: 56، وقوله تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}ا أعراف: 178.
وهذا النوع الثاني من الهداية – وهي هداية التوفيق والسداد -هي المقصودة هنا؛ فالله تعالى يهدي من يشاء ويعصم ويعافي فضلا، ويُضل من يشاء ويخِذل ويبتلي عدلا، والعباد يتقلبون بين فضل الله تعالى وعدله؛ فمن هداه ووفقه وسدده فبفضله تعالى، ومن خذله وأضله فبعدله تعالى، {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} الكهف: 49.
وذلك أن الهداية والتوفيق؛ هي عبارة عن إعانة الله تعالى للمخلوق على فعل الطاعات والبعد عن المحرمات.
وأما الخِذلان والإضلال؛ فهو عبارة عن سلب هذه الإعانة، عن المخلوق فيتركه الله تعالى ونفسَه، وهذا السلب لا يكون ظلما؛ لأن الله تعالى هو الملك المالك المتصرف؛ فيعطي من يشاء؛ وهذا فضل، ويمنع من يشاء؛ وهذا عدل وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم هذه المسألة أتم توضيح، فعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنه سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ العَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُوتِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ، فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِيَ أَهْلُ الإِنْجِيلِ الإِنْجِيلَ، فَعَمِلُوا إِلَى صَلاَةِ العَصْرِ، ثُمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِينَا القُرْآنَ، فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِينَا قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، فَقَالَ: أَهْلُ الكِتَابَيْنِ: أَيْ رَبَّنَا، أَعْطَيْتَ هَؤُلاَءِ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، وَأَعْطَيْتَنَا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، وَنَحْنُ كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا؟ قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالُوا: لاَ، قَالَ: فَهُوَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ "([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
قوله: (اسْمَعْ كَلامَ مُحَقِقٍ في قَولِهِ)؛ فيه تزكية للنفس، وتزكية النفس جائزة للضرورة والمصلحة؛ كما قال يوسف عليه السلام: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} يوسف: 55.
قال ابن كثير – رحمه الله -: ((قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ نَزَلَتْ، وَلَا أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ فِيمَنْ نَزَلَتْ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي تَبْلُغُهُ الْإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ.
قال: وَهَذَا كُلُّهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ، وَهُوَ مِنْ إِخْبَارِ الرَّجُلِ بِمَا يَعْلَمُ عَنْ نَفْسِهِ مَا قَدْ يَجْهَلُهُ غَيْرُهُ، فَيَجُوزُ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ يُوسُفَ لَمَّا قَالَ لِصَاحِبِ مِصْرَ: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} يوسف: 55.))([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)). [1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) صحيح: أخرجه البخاري (557)،

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((تفسير ابن كثير))، 1/ 52.

أم علي طويلبة علم
2014-01-01, 12:06 AM
وقد يكون السؤال لأجل التعلم والمعرفة، واتباع الحق، وهذا هو الذي يُوفق صاحبُه إلى الحق، ويُهدى إلى الصواب؛ كما قال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} التوبة: 124 - 125


اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك ،، اللهم وفقنا لما تحب وترضى

محمد طه شعبان
2014-01-03, 10:04 PM
قوله: (لا يَنْثَنِي عَنْهُ ولا يَتَبَّدلُ)؛ فهكذا يجب أن يكون المؤمن؛ لا يتغير ولا يتبدل، ولا يتزعزع عن عقيدته؛ بل يَظَلُ راسخا ثابتا على عقيدته إلى أن يلقى الله تعالى، ودائما وأبدا يسألُ اللهَ تعالى الثباتَ على الإيمان، والموتَ عليه، وهذا هو دأب الصالحين، كما جاء عن يوسف عليه السلام: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } [يوسف: 101].
وقالت سحرة فرعون – بعدما آمنوا -: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} [الأعراف: 126].
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: " يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ " قَالَ: فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: فَقَالَ: " نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يُقَلِّبُهَا"([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) صحيح: أخرجه الترمذي (2140)، وأحمد( 12107)، وصححه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد))، (527).

محمد طه شعبان
2014-01-21, 01:11 PM
قوله: (حُبُّ الصَّحَابةِ كُلِّهم لِي مَذْهَبٌ)؛ فإن حب الصحابة -رضوان الله عليهم - عند أهل السنة والجماعة دين وإيمان وإحسان، كما قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الأَنْصَارُ لاَ يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ»([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
وفي لفظ: «آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ»([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وقد وردت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة بينت فضلَ الصحابة رضوان الله عليهم، وأوضحت أن حبهم وموالاتِهم دِين يدان به إلى الله تعالى، ويُتقرب إليه سبحانه وتعالى به، وأن ذلك من المعلوم بالضرورة في دِين الله عز وجل؛ من هذه النصوص:
قوله تعالى: {وَالسَّابِقُون الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100].
وقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [الفتح: 19].
وقوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29].
وقوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِي نَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}[التوبة: 117].
وقوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}[الحديد: 10].
وقوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنَ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:8، 9]
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 74].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ»([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))»
وعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ؟ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الجَنَّةُ، أَوْ: فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))"
وعن أُمِّ مُبَشِّرٍ، أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ، إِنْ شَاءَ اللهُ، مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ، الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا» قَالَتْ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ، فَانْتَهَرَهَا، فَقَالَتْ حَفْصَةُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71] فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقُوا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 72] ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
وفي لفظ: «لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ»([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْنَا الْمَغْرِبَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قُلْنَا: لَوْ جَلَسْنَا حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَهُ الْعِشَاءَ قَالَ فَجَلَسْنَا، فَخَرَجَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: «مَا زِلْتُمْ هَاهُنَا؟» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّيْنَا مَعَكَ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ قُلْنَا: نَجْلِسُ حَتَّى نُصَلِّيَ مَعَكَ الْعِشَاءَ، قَالَ «أَحْسَنْتُمْ أَوْ أَصَبْتُمْ» قَالَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَكَانَ كَثِيرًا مِمَّا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: «النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ»([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: فِيكُمْ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ "([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ»([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10)).
وعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا دَامَ فِيكُمْ مَنْ رَآنِي وَصَاحَبَنِي، وَاللَّهِ لَا تَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا دَامَ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي وَصَاحَبَ مَنْ صَاحَبَنِي»([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11)).[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) متفق عليه: أخرجه البخاري (3783)، ومسلم (75)، من حديث أنس رضي الله عنه.

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) متفق عليه: أخرجه البخاري (3784)، ومسلم (74).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) متفق عليه: أخرجه البخاري (3673)، ومسلم (2540).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) متفق عليه: أخرجه البخاري (2652)، ومسلم (2533).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) متفق عليه: أخرجه البخاري (3983)، ومسلم (2494).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) صحيح: أخرجه مسلم (2496).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) صحيح: أخرجه أبوداود (4653)، والترمذي (3860)، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»، وأحمد (14778).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) صحيح: أخرجه مسلم (2531).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) متفق عليه: أخرجه البخاري (3594)، ومسلم (2532).

([10]) صحيح: أخرجه مسلم (50).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف))، (32417)، وابن أبي عاصم في ((السنة))، (1481)، وصححه الألباني في ((الصحيحة))، (3283).

محمد طه شعبان
2014-02-09, 10:44 PM
قَوْلُهُ: (وَمَوَدَّةُ الْقُرْبَى بِهَا أَتَوَسَّــلُ)؛ فَنَحْنُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ نُحِبُّ قَرَابَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنُوِدُّهُمْ مَوَدَّةً خَاصَّةً؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْصَانَا بِهِمْ؛ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23].
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا، بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ» فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي»، فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ؟ يَا زَيْدُ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؟ قَالَ: نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ، قَالَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلُّ هَؤُلَاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
مَنْ هُمْ أَهْلُ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟
أَهْلُ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هُمُ الَّذِينَ حُرِمُوا الصَّدَقَةَ، وَهُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَبَّاسٍ، كَمَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ الْمُتَقَدِّمِ.
وَيَدْخُلُ مَعَ هَؤُلَاءِ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَيْضًا؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى وَصَفَهُمْ بِذَلِكَ، قَالَ تَعَالَى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33].
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: ((فَفِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى أَزْوَاجِهِ وَكَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ:
إِحْدَاهُمَا: لَسْنَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؛ وَهُوَ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَم الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ.
وَالثَّانِيَةُ: هُنَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ قَالَ: «وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ» ، وَقَوْلِهِ: {إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}، وَقَوْلِهِ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ: {رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ}؛ وَقَدْ دَخَلَتْ سَارَّةُ، وَلِأَنَّهُ اسْتَثْنَى امْرَأَةَ لُوطٍ مِنْ آلِهِ؛ فَدَلَّ عَلَى دُخُولِهَا فِي الْآلِ، وَحَدِيثُ الْكِسَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَحَسَنًا وَحُسَيْنًا أَحَقُّ بِالدُّخُولِ فِي أَهْلِ الْبَيْتِ مِنْ غَيْرِهِمْ،كَمَ ا أَنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ الْمُؤَسَّسِ عَلَى التَّقْوَى: «هُوَ مَسْجِدِي هَذَا» يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِذَلِكَ وَأَنَّ مَسْجِدَ قُبَاءٍ أَيْضًا مُؤَسَّسٌ عَلَى التَّقْوَى؛ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ نُزُولُ الْآيَةِ وَسِيَاقُهَا، وَكَمَا أَنَّ أَزْوَاجَهُ دَاخِلَاتٌ فِي آلِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ نُزُولُ الْآيَةِ وَسِيَاقُهَا، وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ دُخُولَ أَزْوَاجِهِ فِي آلِ بَيْتِهِ أَصَحُّ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))ا ه.
وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ رحمه الله: ((ثُمَّ الَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ مَنْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ أَنَّ نِسَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَاخِلَاتٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}؛ فَإِنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ مَعَهُنَّ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} أَيِ: اعْمَلْنَ بِمَا يُنْزِلُ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))))ا ه.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ قَرَابَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ صلى الله عليه وسلم وَصَدَّقُوهُ فَحَسْبْ، دُونَ مَنْ عَارَضُوهُ وَكَذَّبُوا بِهِ وَجَحَدُوا رِسَالَتَهُ؛ فَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنْ آلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَا تَنْفَعُهُمْ قَرَابَتُهُ، فَإِنَّ نُوحًا عليه السلام لَمَّا قَالَ: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود: 45]، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}[هود: 46].
وَأَفْضَلُ الْآلِ هُمْ أَصْحَابُ الْكِسَاءِ؛ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَّلَ عَلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ كِسَاءً، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَخَاصَّتِي، أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا»، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وَأَنَا مَعَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِنَّكِ إِلَى خَيْرٍ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))».
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))، مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
فَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ آلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُمْ مَيْزَةٌ خَاصَّةٌ، وَأَنَّنَا مَأْمُورُونَ بِحُبِّهِمْ وَمَوَدَّتِهِمْ ؛ لِذَلِكَ قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: ((وَمَوَدَّةُ القُرْبَى بِهَا أَتَوَسَّــلُ))؛ لِأَنَّ حَبَّهُمْ وَمَوَدَّتَهُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ وَالتَّوَسُّلُ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَشْرُوعٌ. ([1]) صحيح: أخرجه مسلم (2408).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((مجموع الفتاوى)) (22/ 460، 461).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((تفسير ابن كثير)) (6/ 415).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) صحيح لغيره: أخرجه الترمذي (3871)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا البَابِ
وأحمد (26508)، وصححه الألباني في ((الصحيحة))، (4/527،529،530).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) المروط: أكسية من صوف، وَرُبمَا كَانَت من شعر؛ ومِرْطٌ مُرَحَّل: عَلَيْهِ تَصَاوِيرُ الرِّحَالِ؛ وهي المتاع.

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) صحيح: أخرجه مسلم (2424).

محمد طه شعبان
2014-02-11, 08:45 AM
قَوْلُهُ: (وَلِكُلِّهِمْ قَدْرٌ وَفَضْلٌ سَاطِعٌ ... لَكِنَّمَا الصِّدِّيقُ مِنْهُمْ أَفْضَلُ)؛ جَمِيعُ صَحَابَةِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَهُمْ قَدْرٌ وَفَضْلٌ؛ كَمَا بَيَّنَّاهُ فَيمَا تَقَدَّمَ؛ وَلَكِنَّ الصِّدِّيقَ أَبَا بَكْرٍ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه هُوَ خَيْرُهُمْ وَأَفْضَلُهُمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَذَلِكَ بِإِجْمَاعِ كُلِّ مَنْ يُعْتَدُّ بَإِجْمَاعِهِمْ ، لَا يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ؛ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ نُصُوصٌ كَثِيرَةٌ؛ مِنْهَا:
حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ»، فَقُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: «أَبُوهَا»، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ» فَعَدَّ رِجَالًا([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
وَأَنَّهُ رضي الله عنه هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْهِجْرَةِ بِصُحْبَتِهِ، وَأَطْلَقَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ صِفَةَ الصُّحْبَةِ؛ قَالَ تَعَالَى {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ} [التوبة: 40].
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، عَاصِبٌ رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلًا لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ خُلَّةُ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ، سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)) فِي هَذَا المَسْجِدِ، غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ»([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)).
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ» فَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الخَطَّابِ شَيْءٌ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَأَبَى عَلَيَّ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ، فَقَالَ: «يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ» ثَلاَثًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ، فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ، فَسَأَلَ: أَثَّمَ أَبُو بَكْرٍ؟ فَقَالُوا: لَا، فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ، فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَعَّرُ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))، حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ، مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي» مَرَّتَيْنِ، فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ، مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ»، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: هَلْ أَنَا وَمَالِي إِلَّا لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))
وَقَدَّمَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلصَّلَاةِ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا تَقْدِيمٌ لَهُ رضي الله عنه وَتَفْضِيلٌ عَلَى سَائِرِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
فعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاشْتَدَّ مَرَضُهُ، فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّهُ رَجُلٌ رَقِيقٌ، إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، قَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ» فَعَادَتْ، فَقَالَ: «مُرِي أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ»، فَصَلَّى بِالنَّاسِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا اسْتُعِزَّ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)) بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عِنْدَهُ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ دَعَاهُ بِلَالٌ إِلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ: «مُرُوا مَنْ يُصَلِّي لِلنَّاسِ» فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمْعَةَ فَإِذَا عُمَرُ فِي النَّاسِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ غَائِبًا، فَقُلْتُ: يَا عُمَرُ قُمْ فَصَلِّ بِالنَّاسِ، فَتَقَدَّمَ فَكَبَّرَ، فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ وَكَانَ عُمَرُ رَجُلًا مُجْهِرًا، قَالَ: «فَأَيْنَ أَبُو بَكْرٍ؟ يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُون َ، يَأْبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُون َ» فَبَعَثَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَجَاءَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى عُمَرُ تِلْكَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتِ الْأَنْصَارُ: مِنَّا أَمِيرٌ، وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَأَتَاهُمْ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَؤُمَّ النَّاسَ؟ فَأَيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: نَعُوذُ بِاللهِ أَنْ نَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10)).
وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه، قَالَ: أَتَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، قَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ؟ كَأَنَّهَا تَقُولُ: المَوْتَ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))».
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ لِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ: «ادْعِي لِي أَبَا بَكْرٍ أَبَاكِ، وَأَخَاكِ، حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولُ قَائِلٌ: أَنَا أَوْلَى، وَيَأْبَى اللهُ وَالْمُؤْمِنُون َ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12))».
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، ثُمَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13)).
وعَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ، وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ، قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟ قَالَ: مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14)).
وَقَدْ نَقَلَ الْإِجَمْاعَ عَلَى أَفْضَلِيَةِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ:
قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: ((أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ وَأَتْبَاعُهُمْ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ ثُمَّ عَليٍّ([15] (http://majles.alukah.net/#_ftn15))))ا ه
وَقال النَّوَوِيُّ رحمه الله: ((وَاتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ([16] (http://majles.alukah.net/#_ftn16))))ا ه.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: ((وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى مَا تَوَاتَرَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا([17] (http://majles.alukah.net/#_ftn17))))ا ه.
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: ((اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ عُظَمَاءُ الْمِلَّةِ وَعُلَمَاءُ الْأُمَّةِ أَنَّ أَفْضَلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ثُمَّ عُمَرُ([18] (http://majles.alukah.net/#_ftn18))))ا ه.[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) متفق عليه: أخرجه البخاري (3662)، ومسلم (2384).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) الخوخة: باب صغير كالنافذة الكبيرة، وتكون بين بيتين ينصب عليها باب. ((نهاية)).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) صحيح: أخرجه البخاري (467).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) يتمعر: أَي: يتَغَيَّر؛ وأصل التمعر قلَّة النضارة وَعدم إشراق اللَّوْن، يُقَال: مَكَان أمعر إِذا كَانَ مجدبًا

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) صحيح: أخرجه البخاري (3661).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) صحيح: أخرجه أحمد (7446)، وابن ماجه (94)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع))، (5808).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) متفق عليه: أخرجه البخاري (664)، ومسلم (418).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) ((استعز برسول الله صلى الله عليه وسلم)): أي: اشتد به المرض وأشرف على الموت، يقال: عَزَّ يَعِزُّ بالفتح؛ إذا اشتد، واستَعَزَّ به المرض وَغَيْرُهُ، واستَعَزَّ عليه إذا اشتد عليه وغلبه، و((استَعَزَّ فلان بحقي)) أي: غلبني، ((واسْتُعِزَّ بفلان)) أي غُلِبَ في كل شيء من عاهة أو مرض أو غيره. ((النهاية)) و((اللسان)).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) صحيح: أخرجه أيو داود (4660)، وأحمد (18906)، وصححه الألباني في ((الصحيحة)) (2/305).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) إسناده حسن: أخرجه أحمد (133)، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح، قلت: وفيه عاصم بن أبي النجود، وهو حسن الحديث.

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) متفق عليه: أخرجه البخاري (3659)، ومسلم (2386).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) صحيح: أخرجه مسلم (2387).

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) صحيح: أخرجه البخاري (3655).

[14] (http://majles.alukah.net/#_ftnref14))) صحيح: أخرجه البخاري (3671).

[15] (http://majles.alukah.net/#_ftnref15))) ذكره ابن حجر رحمه الله في ((فتح الباري)) (7/ 17).

[16] (http://majles.alukah.net/#_ftnref16))) ((شرح صحيح مسلم)) (15/ 148).

[17] (http://majles.alukah.net/#_ftnref17))) ((مجموع الفتاوى)) (3/ 405، 406).

[18] (http://majles.alukah.net/#_ftnref18))) ((الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة)) (1/ 169).

محمد طه شعبان
2014-02-14, 11:08 PM
قَوْلُهُ: (وَأَقُولُ فِي الْقُرْآنِ مَا جَاءَتْ بِهِ ... آيَاتُهُ فَهُوَ الْكَرِيمُ الْمُنْزَلُ)؛ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة: 77].
وَالْكَرَمُ: هُوَ الْإِعْطَاءُ بِسُهُولَةٍ.
وَالْكَرِيمُ: مَنْ يُوصِلُ النَّفْعَ بِلَا عِوَضٍ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
وَلِذَلِكَ وُصِفَ الْقُرْآنُ بِكَوْنِهِ كَرِيمًا؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالْمَنَافِعِ.
وَقَالَ ابْنُ مَنْظُورٍ رحمه الله: ((قُرْآنٌ كَرِيمٌ)) أَيْ: قُرْآنٌ يُحْمَدُ مَا فِيهِ مِنَ الْهُدَى وَالْبَيَانِ وَالْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيمًا}؛ أَيْ: سَهْلًا ليِّنًا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا}؛ أَيْ: كَثِيرًا، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا}؛ قَالُوا: حَسَنًا؛ وَهُوَ الْجَنَّةُ، وَقَوْلُهُ: {هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ}؛ أَيْ: فَضَّلْتَ، وَقَوْلُهُ: {رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}؛ أَيِ: الْعَظِيمِ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
وَالْقُرْآنُ الْكَرِيمُ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهُوَ كَلَامُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَصِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ؛ وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ كَمَا زَعَمَ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ.
وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ نُصُوصُ الْشَّرِيعَةِ:
فَأَمَّا أَدِلَّةُ كَوْنِهِ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَى:
فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42].
وَقَالَ تَعَالَى: {تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [فصلت: 2].
وَقَالَ تَعَالَى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [السجدة: 2].
وَقَالَ تَعَالَى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصَا لَّهُ الدِّينَ} [الزمر:1، 2].
وَقَالَ تَعَالَى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [غافر: 2].
وَقَالَ تَعَالَى: {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الواقعة: 80].
وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2].
وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: 3].
وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1].
وَقَالَ تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185].
وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء:192- 194].
وَقَالَ تَعَالَى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [الأنبياء: 50].
وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ} [المائدة: 48].
وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} [النساء: 174].
وَقَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} [البقرة: 176].
وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} [الزمر: 23].
وَقَالَ تَعَالَى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1].
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا} [الكهف: 2].
وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا} [الإنسان: 23].
وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
وَقَالَ تَعَالَى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106].
قَالَ ابْنُ أَبِي الْعِزِّ الْحَنَفِيُّ رحمه الله:
((وَقَدْ أُورِدَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ إِنْزَالَ الْقُرْآنِ نَظِيرُ إِنْزَالِ الْمَطَرِ، أَوْ إِنْزَالِهِ الْحَدِيدَ، وَإِنْزَالِ ثَمَانِيَةِ أَزْوَاجٍ مِنَ الْأَنْعَامِ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ إِنْزَالَ الْقُرْآنِ مَذْكُورٌ فِيهِ أَنَّهُ إِنْزَالٌ مِنَ اللَّهِ, قَالَ تَعَالَى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [غافر: 2]، وَقَالَ تَعَالَى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الزمر: 2]، وَإِنْزَالُ الْمَطَرِ مُقَيَّدٌ بِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَ السَّمَاءِ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]؛ وَالسَّمَاءُ: الْعُلُوُّ.
وَقَدْ جَاءَ فِي مَكَانٍ آخَرَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَ الْمُزْنِ، وَالْمُزْنُ: السَّحَابُ، وَفِي مَكَانٍ آخَرَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَ الْمُعْصِرَاتِ، وَإِنْزَالُ الْحَدِيدِ وَالْأَنْعَامِ مُطْلَقٌ، فَكَيْفَ يُشَبَّهُ هَذَا الْإِنْزَالُ بِهَذَا الْإِنْزَالِ؟! فَالْحَدِيدُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الْمَعَادِنِ الَّتِي فِي الْجِبَالِ، وَهِيَ عَالِيَةٌ عَلَى الْأَرْضِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ كُلَّمَا كَانَ مَعْدِنُهُ أَعْلَى كَانَ حَدِيدُهُ أَجْوَدَ، وَالْأَنْعَامُ تُخْلَقُ بِالتَّوَالُدِ الْمُسْتَلْزِمِ إِنْزَالَ الذُّكُورِ الْمَاءَ مِنْ أَصْلَابِهَا إِلَى أَرْحَامِ الْإِنَاثِ، ثُمَّ الْأَجِنَّةُ تَنْزِلُ مِنْ بُطُونِ الْأُمَّهَاتِ إِلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَنْعَامَ تَعْلُو فُحُولُهَا إِنَاثَهَا عِنْدَ الْوَطْءِ، وَيَنْزِلُ مَاءُ الْفَحْلِ مِنْ عُلْوٍ إِلَى رَحِمِ الْأُنْثَى، وَتُلْقِي وَلَدَهَا عِنْدَ الْوِلَادَةِ مِنْ عُلْوٍ إِلَى سُفْلٍ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)))).
وَأَمَّا أَدِلَّةُ كَوْنِهِ كَلَامُ اللهِ:
فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {أَفَتَطْمَعُون أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 75].
وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} [التوبة: 6].
وَقَالَ تَعَالَى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} [الفتح: 15].
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ تَعَالَى؛ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّعَوُّذُ بِمَخْلُوقٍ.
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ، وَيَقُولُ: «إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))».
وَعَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ، قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))».
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ، قَالَ «أَمَا لَوْ قُلْتَ، حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ تَضُرَّكَ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))».[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ((التعريفات)) للجرجاني، باب: الكاف.

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((لسان العرب)) (12/ 315).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((شرح الطحاوية)) (143).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) صحيح: أخرجه البخاري (3371).

([5]) صحيح: أخرجه مسلم (2708).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) صحيح: أخرجه مسلم (2709).

محمد طه شعبان
2014-02-16, 10:02 AM
قَوْلُهُ: (وَأَقُولُ: قَالَ اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ ... وَالْمُصْطَفَى الْهَادِي وَلَا أَتَأَوَّلُ)؛ فَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُصْطَفًى؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى اصْطَفَاهُ وَاخْتَارَهُ مِنْ بَيْنِ الْعَالَمِينَ لِيَكُونَ نَبِيًّا رَسُولًا.
وَهُوَ هَادٍ؛ بِمَعْنَى هِدَايَةِ الدَّلَالَةِ وَالْإِرْشَادِ وَالتَّوْجِيهِ؛ فَهُوَ صلى الله عليه وسلم يَدُلُّ النَّاسَ وَيُرْشِدُهُمْ وَيُوَجِّهُهُمْ إِلَى الْحَقِّ وَالْخَيْرِ، وَالطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ}[الشورى:51، 52].

محمد طه شعبان
2014-02-18, 12:39 AM
قَوْلُهُ: (وَلَا أَتَأَوَّلُ)؛ يُبَيِّنُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله فِي هَذَا الْبَيْتِ مَنْهَجَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَأَنَّهُمْ يَقْبَلُونَ جَمِيعَ مَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَا يَتَدَخَّلُونَ فِيهِ بِعُقُولِهِمْ؛ فَكُلُّ مَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنَ اسْمٍ أَوْ صِفَةٍ أَوْ فِعْلٍ؛ فَنُثْبِتُهُ للهِ تَعَالَى، وَنَقْبَلُهُ، وَلَا نَتَدَخَّلُ فِيهِ بِآرَائِنَا وَعُقُولِنَا.
وَالتَّأْوِيلُ لُغَةً: مَعْنَاهُ الرُّجُوعُ؛ آلَ إِلَى الشَّيْءِ أَوْلًا وَمَآلًا: رَجَعَ، وَأَوَّلَ إِلَيْهِ الشَّيْءَ رَجَّعَهُ، وَأُلْتُ عَنِ الشَّيْءِ ارْتَدَدْتُ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
وَالتَّأْوِيلُ يَأْتِي عَلَى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ فِي الشَّرْعِ وَاصْطِلَاحِ الْعُلَمَاءِ:
الْمَعْنَى الْأَوَّلُ: التَّفْسِيرُ وَالْبَيَانُ: وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِابْنِ عَبَّاسٍ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: ((التَّأْوِيلُ بِمَعْنَى التَّفْسِيرِ، هَذَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُفَسِّرِينَ لِلْقُرْآنِ؛ كَمَا يَقُولُ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ فِي التَّفْسِيرِ: وَاخْتَلَفَ عُلَمَاءُ التَّأْوِيلِ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))))ا ه.
وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله: ((وَأَمَّا التَّأْوِيلُ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَالسَّلَفِ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ، فَمُرَادُهُمْ بِهِ مَعْنَى التَّفْسِيرِ وَالْبَيَانِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ جَرِيرٍ وَغَيْرِهِ: الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى كَذَا وَكَذَا؛ يُرِيدُ تَفْسِيرَهُ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))ا ه.
الْمَعْنَى الثَّانِي: الْحَقِيقَةُ الَّتِي يَئُولُ إِلَيْهَا الْكَلَامُ: فَإِنْ كَانَ خَبَرًا، فَتَأْوِيلُهُ وُقُوعُهُ، وَتَصْدِيقُ الْمُكَلَّفِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ أَمْرًا، فَتَأْوِيلُهُ تَنْفِيذُهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله: ((لَمَّا كَانَ الْكَلَامُ نَوْعَيْنِ: خَبَرٌ وَطَلَبٌ، وَكَانَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْخَبَرِ تَصْدِيقُهُ، وَمِنَ الطَّلَبِ امْتِثَالُهُ، كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ تَأْوِيلِ الْخَبَرِ هُوَ تَصْدِيقُ مُخْبَرِهِ، وَمِنْ تَأْوِيلِ الطَّلَبِ هُوَ امْتِثَالُهُ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))))ا ه.
فَمِثَالُ تَأْوِيلِ الْخَبَرِ:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} [يوسف: 100]؛ أَيْ: وُقُوعُ رُؤْيَايَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف: 53]؛ يَعْنِي: هَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا وُقُوعَ مَا وُعِدُوا بِهِ.
وَقَوُلُهُ تَعَالَى: {وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} [يونس: 39].
قَالَ الْبَغَوِيُّ رحمه الله: (({وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} أَيْ: عَاقِبَةُ مَا وَعَدَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ، أَنَّهُ يَؤُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))))ا ه.
وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ رحمه الله: (({وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ}؛ وَلَمْ يَأْتِهِمْ بَعْدُ حَقِيقَةُ مَا وُعِدُوا فِي الْكِتَابِ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))))ا ه.
وَمِثَالُ تَأْوِيلِ الْأَمْرِ:
مَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، يَتَأَوَّلُ القُرْآنَ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).
تَعْنِي رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ يُنَفِّذُ أَمْرَ اللهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3].
الْمَعْنَى الثَّالِثُ – وَهُوَ مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُو نَ -: هُوَ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنِ الْمَعْنَى الرَّاجِحِ إِلَى الْمَعْنَى الْمَرْجُوحِ: وَهَذَا الصَّرْفُ عَنِ الظَّاهِرِ، أَوْ عَنِ الْمَعْنَى الرَّاجِحِ، إِنْ كَانَ بِدَلِيلٍ، فَهُوَ تَأْوِيلٌ مَقْبُولٌ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، فَهُوَ تَأْوِيلٌ مَرْدُودٌ؛ وَلَا يَسْتَعْمِلُهُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ؛ وَإِنَّمَا يَسْتَعْمِلُهُ أَهْلُ الْكَلَامِ وَالْأَهْوَاءِ؛ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَحْرِيفٌ وَلَيْسَ تَأْوِيلًا.
وَهَذَا النَّوْعُ – وَهُوَ التَّأْوِيلُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ – هُوَ الَّذِي عَنَاهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله بِقَوْلِهِ: ((وَلَا أَتَأَوَّلُ)).
فَمِنْ أَمْثِلَةِ صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِدَلِيلٍ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67]، فَقَدْ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، النِّسْيانَ هُنَا بِمَعْنَى التَّرْكِ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
وَهَذَا تَأْوِيلٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ تَأْوِيلٌ بِدَلِيلٍ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64].
وَمِنْ أَمْثِلَةِ صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ: تَأْوِيلُ الْأَشَاعِرَةِ صِفَةَ الْيَدِينِ بِأَنَّهَا النِّعْمَةُ أَوِ الْقُدْرَةُ، وَتَأْوِيلُهُمُ الِاسْتِوَاءَ بِالِاسْتِيلَاء ِ، وَتَأْوِيلُهُمُ النُّزُولَ بِمَعْنَى نُزُولِ الرَّحْمَةِ أَوِ النِّعْمَةِ، أَوْ نُزُولِ مَلَكٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ.
وَكُلُّ هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَأْوِيلٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ؛ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَإِلْحَادٌ فِي أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى وَآيَاتِهِ؛ ((لِأَنَّ التَّأْوِيلَ إِخْبَارٌ عَنْ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ، لَا إِنْشَاءٌ؛ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ فَهْمَ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ بِكَلَامِهِ، فَإِذَا قِيلَ: مَعْنَى اللَّفْظِ كَذَا وَكَذَا، كَانَ إِخْبَارًا بِالَّذِي عَنَاهُ الْمُتَكَلِّمُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْخَبَرُ مُطَابِقًا كَانَ كَذِبًا عَلَى الْمُتَكَلِّمِ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10)))).
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ رحمه الله: ((وَالتَّأْوِيلُ نَقْلُ اللَّفْظِ عَمَّا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُهُ وَعَمَّا وُضِعَ لَهُ فِي اللَّغَةِ إِلَى مَعْنًى آخَرَ؛ فَإِنْ كَانَ نَقْلُهُ قَدْ صَحَّ بِبُرْهَانٍ، فَهُوَ حَقٌّ، وَإِنْ كَانَ نَقْلُهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ اطُّرِحَ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ، وَحُكِمَ لِذَلِكَ النَّقْلِ بِأَنَّهُ بَاطِلٌ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))))ا ه.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: ((وَأَمَّا التَّأْوِيلُ بِمَعْنَى صَرِفِ اللَّفْظِ عَنِ الِاحْتِمَالِ الرَّاجِحِ إِلَى الِاحْتِمَالِ الْمَرْجُوحِ؛ كَتَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَ: اسْتَوَى، بِمَعْنَى اسْتَوْلَى، وَنَحْوِهِ؛ فَهَذَا عِنْدَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ بَاطِلُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ، بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَالْإِلْحَادِ فِي أَسْمَاءِ اللهِ وَآيَاتِهِ.
فَلَا يُقَالُ فِي مِثْلِ هَذَا التَّأْوِيلِ: لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهَ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، بَلْ يُقَالُ فَيهِ: {قَلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} [يونس: 18]؛ كَتَأْوِيلَاتِ الْجَهْمِيَّةِ وَالْقَرَامِطَة ِ الْبَّاطِنِيَّة ِ؛ كَتَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ: بِمَعْرِفَةِ أَسْرَارِهِمْ، وَالصِّيَامَ، بِكِتْمَانِ أَسْرَارِهِمْ، وَالْحَجَّ: بِزِيَارَةِ شُيُوخِهِمْ، وَالْإِمَامَ الْمُبِينَ: بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَئِمَّةَ الْكُفْرِ: بِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ: بِبَنِي أُمَيَّةِ، وَاللُّؤْلُؤَ وَالْمَرْجَانَ: بِالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَالتِّينَ وَالزَّيْتُونَ وَطُورَ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدَ الْأَمِينَ: بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَالْبَقَرَةَ: بِعَائِشَةَ، وَفِرْعَوُنَ: بِالْقَلْبِ، وَالنَّجْمَ وَالْقَمَرَ وَالشَّمْسَ: بِالنَّفْسِ وَالْعَقْلِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
فَهَذِهِ التَّأْوِيلَاتُ مِنْ بَابِ التَّحْرِيفِ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَالْإِلْحَادِ فِي آيَاتِ اللهِ، وَهِيَ مِنْ بَابِ الْكَذِبِ عَلَى اللهِ وَعَلَى رَسُولِهِ وَكِتَابِهِ، وَمِثْلُ هَذِهِ لَا تُجْعَلُ حَقًّا حَتَّى يُقَالَ إِنَّ اللهَ اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِهَا، بَلْ هِيَ بَاطِلٌ.
وَأَصْلُ وُقُوعِ أَهْلِ الضَّلَالِ فِي مِثْلِ هَذَا التَّحْرِيفِ: الْإِعْرَاضُ عَنْ فَهْمِ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا فَهِمَهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ ، وَمُعَارَضَةُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ بِمَا يُنَاقِضُهُ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَادَّةِ للهِ وَلِرَسُولِهِ، لَكِنْ عَلَى وَجْهِ النِّفَاقِ وَالْخِدَاعِ([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12))))ا ه.

[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ((المحكم والمحيط الأعظم)) لابن سيده (10/ 448).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) صحيح: أخرجه البخاري (143) بدون لفظة: ((وعلمه التأويل))، وأحمد (2397)، والحاكم (6280)، وقال: ((هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه)) ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في ((الصحيحة)) (2589).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((مجموع الفتاوى)) (3/ 55).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة)) (1/ 178).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة)) (1/ 206).

([6]) ((تفسير البغوي)) (1/ 134).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) ((التفسير الوسيط)) (2/ 548).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) متفق عليه: أخرجه البخاري (784)، ومسلم (484).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) ((تفسير البغوي)) (1/ 135).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) ((الصواعق المرسلة)) (1/ 202).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) ((الإحكام في أصول الأحكام)) (1/ 42).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) ((درء تعارض العقل والنقل)) (5/ 352، 353).

محمد طه شعبان
2014-02-19, 09:47 AM
قَوْلُهُ: (وَجَمِيعُ آيَاتِ الصِّفَاتِ أُمِرُّهَا ... حَقًّا كَمَا نَقَلَ الطِّرَازُ الْأَوَّلُ)؛ أَيْ: جَمِيعَ مَا وَردَ فِي صِفَاتِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ فَنَحْنُ نَقْبَلُهُ وَنُمِرُّهُ، عَلَى ظَاهِرِهِ، وَحَقِيقَتِهِ، وَلَا نَتَأَوَّلُهُ، وَلَا نَقُولُ: كَيْفَ.
وَنَقُولُ: الْمَعْنَى مَعْلُومٌ، وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ.
فَمَعْنَى صِفَةِ الِاسْتِوَاءِ مَعْلُومٌ، وَلَكِنَّ كَيْفِيَّتَهُ مَجْهُولَةٌ لَنَا لَا نَعْلَمُهَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّنَا لَمْ نَرَ اللهَ تَعَالَى وَلَمْ نَرَ لَهُ مَثِيلًا، وَكَذَلِكَ مَعْنَى السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْيَدِينِ وَالْعَيْنَيْنِ ، وَسَائِرِ الصِّفَاتِ مَعْلُومٌ، وَلَكِنَّ الْكَيْفِيَّةَ مَجْهُولَةٌ بِالنِّسْبَةِ لَنَا.
قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ: سَأَلْتُ الْأَوْزَاعِيَّ , وَالثَّوْرِيَّ, وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ, وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ عَنِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا الصِّفَاتُ؟ فَكُلُّهُمْ قَالَ: أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلا كَيْفٍ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
وعَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ , فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، كَيْفَ اسْتَوَى؟ قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ مَالِكًا وَجَدَ مِنْ شَيْءٍ كَمَوْجِدَتِهِ مِنْ مَقَالَتِهِ, وَعَلَاهُ الرُّحَضَاءُ - يَعْنِي الْعَرَقَ - قَالَ: وَأَطْرَقَ الْقَوْمُ, وَجَعَلُوا يَنْتَظِرُونَ مَا يَأْتِي مِنْهُ فِيهِ, قَالَ: فَسُرِّيَ عَنْ مَالِكٍ, فَقَالَ: الْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالِاسْتِوَاءُ مِنْهُ غَيْرُ مَجْهُوَلٍ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ, فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ ضَالًّا, وَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)).
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله: ((فَقَوْلُ رَبِيعَةَ وَمَالِكٍ: "الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ" مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْبَاقِينَ: "أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفٍ" فَإِنَّمَا نَفَوْا عِلْمَ الْكَيْفِيَّةِ وَلَمْ يَنْفُوا حَقِيقَةَ الصِّفَةِ، وَلَوْ كَانَ الْقَوْمُ قَدْ آمَنُوا بِاللَّفْظِ الْمُجَرَّدِ مِنْ غَيْرِ فَهْمٍ لِمَعْنَاهُ - عَلَى مَا يَلِيقُ بِاَللَّهِ - لَمَا قَالُوا: "الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ" وَلَمَا قَالُوا: "أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفٍ" فَإِنَّ الِاسْتِوَاءَ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مَعْلُومًا بَلْ مَجْهُولًا بِمَنْزِلَةِ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إِلَى نَفْيِ عِلْمِ الْكَيْفِيَّةِ إِذَا لَمْ يُفْهَمْ عَنِ اللَّفْظِ مَعْنًى؛ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَى نَفْيِ عِلْمِ الْكَيْفِيَّةِ إِذَا أُثْبِتَتِ الصِّفَاتُ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ مَنْ يَنْفِي الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةَ، أَوِ الصِّفَاتِ مُطْلَقًا، لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَقُولَ بِلَا كَيْفٍ، فَمَنْ قَالَ: "إنَّ اللَّهَ لَيْسَ عَلَى الْعَرْشِ" لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ: "بِلَا كَيْفٍ" فَلَوْ كَانَ مَذْهَبُ السَّلَفِ نَفْيَ الصِّفَاتِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَمَا قَالُوا: "بِلَا كَيْفٍ".
وَأَيْضًا: فَقَوْلُهُمْ: "أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ" يَقْتَضِي إِبْقَاءَ دَلَالَتِهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهَا جَاءَتْ أَلْفَاظٌ دَالَّةٌ عَلَى مَعَانٍ؛ فَلَوْ كَانَتْ دَلَالَتُهَا مُنْتَفِيَةً لَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ: "أَمِرُّوا لَفْظَهَا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهَا غَيْرُ مُرَادٍ" أَوْ: "أَمِرُّوا لَفْظَهَا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ لَا يُوصَفُ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ حَقِيقَةً" وَحِينَئِذٍ فَلَا تَكُونُ قَدْ أُمِرَّتْ كَمَا جَاءَتْ وَلَا يُقَالُ حِينَئِذٍ: بِلَا كَيْفٍ؛ إِذْ نَفْيُ الْكَيْفِ عَمَّا لَيْسَ بِثَابِتِ لَغْوٌ مِنَ الْقَوْلِ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))))ا ه.
وَقَالَ أَيْضًا رحمه الله: ((فَقَوْلُهُمْ رضي الله عنهم: "أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ" رَدٌّ عَلَى الْمُعَطِّلَةِ، وَقَوْلُهُمْ: "بِلَا كَيْفٍ" رَدٌّ عَلَى الْمُمَثِّلَةِ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))ا ه.[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) أخرجه الآجري في ((الشريعة))، (721)، وابن بطه في ((الإبانة))، (183)، واللالكائي في ((شرح السنة))، (930)، والبيهقي في ((الكبرى))، (4654)، وفي ((الأسماء والصفات))، (955)، والبغوي في ((شرح السنة))، 1/171.

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه اللالكائي (664)، وغيره، وورد نحوه عن أم سلمة رضي الله عنها، وربيعة رحمه الله.

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((مجموع الفتاوى)) (5/ 41، 42)، و((الفتوى الحموية))، (306، 307).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الفتوى الحموية)) (301).

محمد طه شعبان
2014-02-20, 09:17 AM
قَوْلُهُ: (وَأَرُدُّ عُهْدَتَهَا إِلَى نُقَّالِهَا)؛ أَيْ: أَرُدُّ عُهْدَةَ مَا وَرَدَ مِنْ أَسْمَاءٍ وَصِفَاتٍ للهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى مَنْ نَقَلَهَا مِنَ الرُّوَاةِ؛ فَالْعُهْدَةُ عَلَى هَؤُلَاءِ الرُّوَاةِ الثِّقَاتِ الَّذِينَ قَبِلَ الْأَئِمَّةُ مَرْوِيَّاتِهِم ْ.
قَوْلُهُ: (وَأَصُونُهَا عَنْ كُلِّ مَا يُتَخَيَّلُ)؛ أَيْ: أَصُونُ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى عَنْ كُلِّ مَا يُتَخَيَّلُ مِنَ الْمُشَابَهَةِ وَالتَّمْثِيلِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11].

محمد طه شعبان
2014-02-22, 06:22 PM
قَوْلُهُ: (قُبْحًا([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)) لِمَنْ نَبَذَ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2)) الْقُرَانَ وَرَاءَهُ...وَإِ َا اسْتَدَلَّ يَقُولُ قَالَ الْأَخْطَلُ)؛ تَقَدَّمَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ فِي الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ لِأَنَّ التَّشْرِيعَ حَقٌّ للهِ تَعَالَى، فَلَا يُنَازِعُهُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ، وَهَذَا مَا سَارَ عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ؛ وَقَدْ خَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ؛ فَقَدَّمُوا آرَاءَ الرِّجَالِ عَلَى كَلَامِ اللهِ تَعَالَى وَكَلَامِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا فَعَلَتْهُ الْأَشَاعِرَةُ؛ حَيْثُ تَرَكُوا كَلَامَ اللهِ تَعَالَى وَكَلَامَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، وَاسْتَدَلُّوا بِكَلَامِ شَاعِرٍ نَصْرَانِيٍّ اسْمُهُ الْأَخْطَلُ.
وَالْأَخْطَلُ، هُوَ: ((غِيَاثُ بْنُ غَوْثٍ التَّغْلِبِيُّ النَّصْرَانِيُّ ؛ شَاعِرُ زَمَانِهِ.
قِيْلَ لِلْفَرَزْدَقِ: مَنْ أَشْعَرُ النَّاسِ؟
قَالَ: كَفَاكَ بِيَ إِذَا افْتَخَرْتُ، وَبِجَرِيْرٍ إِذَا هَجَا، وَبِابْنِ النَّصْرَانِيَّ ةِ إِذَا امْتَدَحَ.
وَكَانَ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ يُجْزِلُ عَطَاءَ الْأَخْطَلِ، وَيُفَضِّلُهُ فِي الشِّعْرِ عَلَى غَيْرِهِ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)))).
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِبَعْضِ كَلَامِهِ أَهْلُ الْبِدَعِ وَقَدَّمُوهُ عَلَى كَلَامِ اللهِ تَعَالَى وَكَلَامِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَدِ اسْتَدَلَّ الْأَشَاعِرَةُ بِبَيْتِ شِعْرٍ مَنْسُوبٍ إِلَى الْأَخْطَلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:
اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ ... مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مِهْرَاقِ
فَقَالُوا: هَذَا الْبَيْتُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِوَاءَ فِي اللُّغَةِ يَأْتِي بِمَعْنَى الِاسْتِيلَاءِ!
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: ((وَهُوَ مُنْكَرٌ عِنْدَ اللُّغَوِيِّينَ ، قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ : إِنَّ الْعَرَبَ لَا تَعْلَمُ اسْتَوَى بِمَعْنَى اسْتَوْلَى، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ أَعْظَمَ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))اهـ.
وَاسْتَدَلُّوا – أَيْضًا – عَلَى قَوْلِهِمْ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ بِبَيْتِ شِعْرٍ لِلْأَخْطَلِ، يَقُولُ فِيهِ:
إِنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا ... جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلًا
فَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ: (إِنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ) عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللهِ تَعَالَى كَلَامٌ نَفْسَانِيٌّ؛ أَيْ: فِي دَاخِلِ النَّفْسِ، لَا حَرْفَ فِيهِ وَلَا صَوْتَ.
وَقَالُوا بِأَنَّ هَذَا الْبَيْتَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا فِي دَاخِلِ النَّفْسِ يُسَمَّى كَلَامًا!
وَهَذَا مِنْ أَبْطَلِ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا اللهَ تَعَالَى كَالْأَخْرَسِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْكَلَامَ، تَعَالَى اللهُ عَنْ قَوْلِهِمْ عُلُوًّا كَبِيرًا.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: ((وبِالْجُمْلَةِ فَمَنِ احْتَاجَ إِلَى أَنْ يَعْرِفَ مُسَمَّى الْكَلَامِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَالْفُرْسِ وَالرُّومِ وَالتُّرْكِ وَسَائِرِ أَجْنَاسِ بَنِي آدَمَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ فَإِنَّهُ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَةِ طُرُقِ الْعِلْمِ. ثُمَّ هُوَ مِنْ الْمُوَلَّدِينَ ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))؛ وَلَيْسَ مِنَ الشُّعَرَاءِ الْقُدَمَاءِ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ كَافِرٌ مُثَلِّثٌ، وَاسْمُهُ الْأَخْطَلُ؛ وَالْخَطَلُ فَسَادٌ فِي الْكَلَامِ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))))اهـ.
وَقَالَ – أَيْضًا - رحمه الله: ((وَقَدْ نَصَّ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ أَحْمَدُ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ يُنَادِي بِصَوْتٍ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُهُ، تَكَلَّمَ بِهِ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ، لَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ كَلَامًا لِغَيْرِهِ لَا جِبْرِيلَ وَلَا غَيْرِهِ، وَأَنَّ الْعِبَادَ يَقْرَءُونَهُ بِأَصْوَاتِ أَنْفُسِهِمْ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))))اهـ.[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) (القُبْحُ): ضِدَّ الحُسْنِ؛ وَالْفِعْلُ قَبُحَ يَقْبُح قُبْحاً، ومنه قوله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ } [القصص: 42]؛ أي: مِنَ المُبْعَدين الْمَلْعُونِينَ . ((لسان العرب)) (2/552).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) (نبذ): النَّبْذُ: طَرْحُكَ الشَّيْءَ مِنْ يَدِكَ أَمامك أَو وَرَاءَكَ. نَبَذْتُ الشَّيْءَ أَنْبِذُه نَبْذاً إِذا أَلقيته مِنْ يَدِكَ، ونَبَّذته، شُدِّدَ لِلْكَثْرَةِ. وَنَبَذْتُ الشَّيْءَ أَيضاً إِذا رَمَيْتَهُ وأَبعدته؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
فَنَبَذَ خَاتَمَهُ، فَنَبَذَ النَّاسَ خَوَاتِيمَهُمْ، وَفِي التَّنْزِيلِ: {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [آل عمران: 187]. ((لسان العرب)) (3/511).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((سير أعلام النبلاء)) (4/ 589).
قال محقق "ديوان الأخطل" في المقدمة: ((وقد تضاربت الآراء حول تسميته بالأخطل، و لم تتفق حول سبب هذا اللقب وتاريخه وأصله.
فقال الجواليقي : "سمي الأخطل بذلك من قولك: خطل في كلامه يخطل خطلًا؛ إذا كان مضطرب الكلام" وقال الزبيدي: "رجلٌ أخطل اللسان: مضطربه، وبه لُقب الشاعر" وزعم ابن قتيبة "أن الأخطل مشتق من الخطل و هو استرخاء الأذن، ومنه قيل لكلاب الصيد"
وقد عقب البطليوسي على ذلك بقوله : "لا أعلم أحدًا ذكر أنَّ الأخطل كان طويل الأذنين مسترخيهما، فيقال: إنه لُقب بالأخطل لذلك"
و جاء في "لسان العرب": "إنما سمي بذلك لطول لسانه، وقيل: هو من الخطل في القول"
و جاء في "الأغاني" أيضا عن ابن السكيت أن عتبة بن الوغل التغلبي حمل حمالة، فأتى قومه يطلب عونهم، فجعل الأخطل يتكلم، وهو يومئذ غلام، فقال عتبة: من هذا الغلام الأخطل؟
وفي "الأغاني" أيضًا عن أبي عبيدة أن غياث بن غوث هجا رجلًا من قومه، فقال له: "يا غلامُ إنك لأخطلٌ، فلُقِّب به".
وكما اختلف المؤرخون حول سبب لقبه، فقد أغفلوا تاريخ ولادته، ولم يذكروا تاريخًا محددًا لها، إلا أننا نستعين برواية ابن سلام الجمحي في كتابه "طبقات فحول الشعراء" حيث يعطينا طرفًا يدلنا على تاريخ ولادة الأخطل على وجه التقريب فهو يقول : "كان الأخطل أسن أهل طبقته" ومن الثابت أن شعراء هذه الطبقة هم الفرزدق، وجرير، والراعي، والأخطل، أما الراعي فلا نعرف من تاريخ ميلاده شيئًا ، وأما جرير فقد ولد نحو سنة 28، وأما الفرزدق فقد قيل: إنه توفي بالبصرة سنة عشر ومائة بعد أن قارب المائة؛ فهو إذًا وُلد بين سنة عشرة وسنة خمس عشرة، وبذلك يكون مولد الأخطل قبيل السنة العاشرة من الهجرة، ولا نبعد عن الحقيقة إذا زعمنا أنه في أواخر السنة الثامنة.
دامت حياة الأخطل نيفًا و سبعين سنة قضاها في تهتك وهجاء وفخر ومديح، ومات في خلافة الوليد بن عبد الملك، ودليلنا على ذلك قول الوليد: "ما أخرج لسان ابن النصرانية ما في صدره من الشعر حتى مات"
وكانت وفاته عام 92 للهجرة)).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((مجموع الفتاوى)) (16/404).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) الشعراء المولَّدون: هم الذين جاءوا بعد عصر الاحتجاج اللغوي؛ فهم ليسوا من طبقة الجاهليين الذين عاشوا قبل الإسلام، ولا من المخضرمين الذين حضروا الجاهلية والإسلام، ولا من الإسلاميين الذين حضروا عصر النبوة؛ وإنما هم جاءوا بعد ذلك، فأحدثوا في اللغة، وأدخلوا فيها كلامًا من عندهم؛ فسُمُّوا مولَّدين لأنهم ولَّدوا في اللغة ما ليس منها.

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((مجموع الفتاوى)) (7/140).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) ((مجموع الفتاوى)) (12/584).
وقد استدل أهل السنة بأن الله تعالى يتكلم بحرف وصوت بأدلة؛ أولها: أن الكلام لا يكون إلا بحرف وصوت، وأما ما في القلب فلا يسمى كلاما.
ثانيها: قوله تعالى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه: 13]، قال ابن تيمية رحمه الله ((مجموع الفتاوى)) (6/531): ((أَنَّ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ تَكْلِيمِ مُوسَى وَسَمْعِ مُوسَى لِكَلَامِ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَلَّمَهُ بِصَوْتِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُسْمَعُ إلَّا الصَّوْتُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ عَنْ مُوسَى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه: 13])).
ثالثها: ألفاظ النداء الواردة في الكتاب والسنة؛ نحو: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، وقوله تعالى: {يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النمل: 9].
قال ابن تيمية رحمه الله ((مجموع الفتاوى)) (6/351): ((وَالنِّدَاءُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ هُوَ صَوْتٌ رَفِيعٌ؛ لَا يُطْلَقُ النِّدَاءُ عَلَى مَا لَيْسَ بِصَوْتِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا)).
رابعها: التصريح بلفظ الصوت؛ أخرج البخاري في ((صحيحه)) (7483)، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللَّهُ: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَيُنَادَى بِصَوْتٍ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ"
وأخرج أحمد في ((المسند)) (16042)، والبخاري في ((خلق أفعال العباد)) (40)، وفي ((صحيحه)) 9/141معلقا بصيغة الجزم، عن عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ - أَوْ قَالَ: الْعِبَادُ - عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا " قَالَ: قُلْنَا: وَمَا بُهْمًا؟ قَالَ: " لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مِنْ بُعْدٍ كَمَا يَسْمَعُهُ مِنْ قُرْبٍ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ.
قال ابن حجر رحمه الله ((الفتح)) (13/460): ((وَقَالَتِ الْأَشَاعِرَةُ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلَا صَوْتٍ وَأَثْبَتَتِ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ وَحَقِيقَتُهُ مَعْنًى قَائِمٌ بِالنَّفْسِ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ عَنْهُ الْعِبَارَةُ كَالْعَرَبِيَّة ِ وَالْعَجَمِيَّة ِ وَاخْتِلَافُهَا لَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ وَالْكَلَامُ النَّفْسِيُّ هُوَ ذَلِكَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ وَأَثْبَتَتِ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ اللَّهَ مُتَكَلِّمٌ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ أَمَّا الْحُرُوفُ فَلِلتَّصْرِيحِ بِهَا فِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَأَمَّا الصَّوْتُ فَمَنْ مَنَعَ قَالَ إِنَّ الصَّوْتَ هُوَ الْهَوَاءُ الْمُنْقَطِعُ الْمَسْمُوعُ مِنَ الْحَنْجَرَةِ وَأَجَابَ مَنْ أَثْبَتَهُ بِأَنَّ الصَّوْتَ الْمَوْصُوفَ بِذَلِكَ هُوَ الْمَعْهُودُ مِنَ الْآدَمِيِّينَ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَصِفَاتُ الرَّبِّ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْذُورُ الْمَذْكُورُ مَعَ اعْتِقَادِ التَّنْزِيهِ وَعَدَمِ التَّشْبِيهِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ الْحَنْجَرَةِ فَلَا يَلْزَمُ التَّشْبِيهَ . . . وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ سَأَلْتُ أَبِي عَنْ قَوْمٍ يَقُولُونَ لَمَّا كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى لَمْ يَتَكَلَّمْ بِصَوْتٍ فَقَالَ لِي أَبِي بَلْ تَكَلَّمَ بِصَوْتٍ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُرْوَى كَمَا جَاءَتْ)).

محمد طه شعبان
2014-02-24, 11:55 PM
قَوْلُهُ: (وَالْمُؤْمِنُو َ يَرَوْنَ حَقًّا رَبَّهُمُ)؛ فَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يُؤْمِنُونَ وَيَعْتَقِدُونَ بِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ سَوْفَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ رُؤْيَةً حَقِيقِيَّةً بِأَبْصَارِهِمْ ، وَلَيْسَتْ رُؤْيَةً مَجَازِيَّةً.
وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ النُّصُوصُ الْقُرْآنِيَّةُ ، وَالْأَحَادِيثُ النَّبَوِّيَّةُ ؛ بَلْ بَلَغَتِ النُّصُوصُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِثْبَاتِهَا حَدَّ التَّوَاتُرِ، وَكَمَا قَالَ النَّاظِمُ:
مِمَّا تَوَاتَرَ حَدِيثُ مَنْ كَذَبْ ... وَمَنْ بَنَى للهِ بَيْتًا وَاحْتَسَبْ
وَرُؤْيَةٌ شَفَاعَةٌ وَالْحَوْضُ ... وَمَسْحُ خُفَّيْنِ وَهَذِي بَعْضُ
وَالْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَدِلَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:
الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22، 23].
الدَّلِيلُ الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15].
عن الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: ((سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ, وَبَلَغَهُ عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ , فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَ: مَنْ قَالَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَقَدْ كَفَرَ, عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ, أَلَيْسَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22، 23].
وَقَالَ تَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15].
هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))اهـ.
وقَالَ رَجُلٌ لِمَالِكٍ: ((يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَلْ يَرَى الْمُؤْمِنُونَ رَبَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: لَوْ لَمْ يَرَ الْمُؤْمِنُونَ رَبَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمْ يُعَيِّرِ اللَّهُ الْكُفَّارَ بِالْحِجَابِ, فَقَالَ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
وقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: (({كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15].
دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ يَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَبْصَارِ وُجُوهِهِمْ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))))اهـ.
وعن الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ((حَضَرْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيَّ وَقَدْ جَاءَتْهُ رُقْعَةٌ مِنَ الصَّعِيدِ فِيهَا: مَا تَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15].
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَمَّا أَنْ حُجِبُوا هَؤُلَاءِ فِي السَّخَطِ كَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ فِي الرِّضَا قَالَ الرَّبِيعُ: قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَبِهِ تَقُولُ؟ قَالَ: نَعَمْ, وَبِهِ أَدِينُ, اللَّهَ لَوْ لَمْ يُوقِنْ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ أَنَّهُ يَرَى اللَّهَ لَمَا عَبْدَ اللَّهَ تَعَالَى([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))اهـ.
وقَالَ أَبُو صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ: ((أَمْلَى عَلَيَّ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ وَسَأَلْتُهُ فِيمَا أَحْدَثَتِ الْجَهْمِيَّةُ, فَقَالَ: لَمْ يَزَلْ يُمْلِي لَهُمُ الشَّيْطَانُ حَتَّى جَحَدُوا قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22، 23]، فَقَالُوا: لَا يَرَاهُ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَجَحَدُوا وَاللَّهِ أَفْضَلَ كَرَامَةِ اللَّهِ الَّتِي أَكْرَمَ بِهَا أَوْلِيَاءَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ وَنَضْرَتِهِ إِيَّاهُمْ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ، فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَيَجْعَلَنَّ رُؤْيَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْمُخْلِصِينَ لَهُ ثَوَابًا لِيُنْضِرَ بِهَا وُجُوهَهُمْ دُونَ الْمُجْرِمِينَ، وَيَفْلِجَ بِهَا حُجَّتَهُمْ عَلَى الْجَاحِدِينَ وَشِيعَتِهِمْ، وَهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ مَحْجُوبُونَ لَا يَرَوْنَهُ كَمَا زَعَمُوا أَنَّهُ لَا يُرَى وَلَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَكَيْفَ لَمْ يَعْتَبِرْ – وَيْلَهُ - بِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15]، أَفَيَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يُقْصِيهِمْ وَيُغْنِيهِمْ وَيُعَذِّبُهُمْ بِأَمْرٍ يَزْعُمُ الْفَاسِقُ أَنَّهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ فِيهِ سَوَاءٌ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))))اهـ.
الدَّلِيلُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26]
فَقَدْ فَسَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الزِّيَادَةَ بِأَنَّهَا الرُّؤْيَةِ.
عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ نُودُوا: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، إِنَّ لَكُمْ مَوْعِدًا عِنْدَ اللهِ مَوْعِدًا لَمْ تَرَوْهُ، فَقَالُوا: وَمَا هُوَ؟ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا وَتُزَحْزِحْنَا عَنِ النَّارِ، وَتُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ؟ قَالَ: فَيُكْشَفُ الْحِجَابُ، فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَوَاللهِ مَا أَعْطَاهُمُ اللهُ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْهُ، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26]([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))».
الدَّلِيلُ الرَّابِعُ: عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَقَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)) لَا تُضَامُونَ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)) فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، فَافْعَلُوا»، ثُمَّ قَرَأَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39]([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
الدَّلِيلُ الْخَامِسُ: عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الكِبْرِ، عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))».[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) أخرجه الآجري في ((الشريعة)) (577).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) أخرجه اللالكائي (808) وابن بطه (54).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) أخرجه ابن بطه في ((الإبانة)) (55).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) أخرجه اللالكائي (883).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) السابق (873).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) صحيح: أخرجه مسلم (297)، وأحمد (18935)، والفظ له.

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) قال بن تيمية رحمه الله ((مجموع الفتاوى)) (3/ 47): ((فَشَبَّهَ الرُّؤْيَةَ بِالرُّؤْيَةِ وَلَمْ يُشَبِّهْ الْمَرْئِيَّ بِالْمَرْئِيِّ)) .

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) (لاَ تُضَامُونَ)؛ يجوز ضم التاء وفتحها؛ وهو بتشديد الميم من الضم؛ أي: لا ينضم بعضكم إلى بعض، ولا يقول: أرنيه، بل كل ينفرد برؤيته، ورُوي بتخفيف الميم؛ من الضيم، وهو الظلم، يعني: لا ينالكم ظلم بأن يرى بعضكم دون بعض، بل تستوون كلكم في رؤيته تعالى.

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) متفق عليه: أخرجه البخاري (4851)، ومسلم (633).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) متفق عليه: أخرجه البخاري (4878)، ومسلم (180).

محمد طه شعبان
2014-02-26, 12:44 PM
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الرَّدُّ عَلَى شُبُهَاتِ الْمُخَالِفِينَ فِي مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ:
تَقَدَّمَ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَثْبَتُوا الرُّؤْيَةَ عَلَى حَقِيقَتِهَا؛ بِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ بِعَيْنِ أَبْصَارِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ وَذَلِكَ بِمُوجَبِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ سَالِفَةِ الذِّكْرِ، وَقَدْ خَالَفَ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَوَائِفُ سَلَكُوا مَذْهَبَيْنِ:
الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ: مَذْهَبُ الْجَهْمِيَّةِ، وَالْمُعْتَزِلَ ةِ، وَالْخَوَارِجِ، وَالرَّوَافِضِ، وَالزَّيْدِيَّة ِ؛ وَهَؤُلَاءِ نَفَوْا الرُّؤْيَةَ مُطْلَقًا؛ وَقَالُوا بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143].
وَالرَّدُّ عَلَى هَذَا الِاسْتِدْلَالِ مِنْ وُجُوهٍ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا يُظَنُّ بِكَلِيمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الْكَرِيمِ وَأَعْلَمِ النَّاسِ بِرَبِّهِ فِي وَقْتِهِ أَنْ يَسْأَلَ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَالِ.
الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ سُؤَالَهُ، وَلَمَّا سَأَلَ نُوحٌ رَبَّهُ نَجَاةَ ابْنِهِ أَنْكَرَ سُؤَالَهُ، وَقَالَ: {إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 46].
الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {لَنْ تَرَانِي}، وَلَمْ يَقُلْ: "إِنِّي لَا أُرَى"، أَوْ: "لَا تَجُوزُ رُؤْيَتِي"، أَوْ: "لَسْتُ بِمَرْئِيٍّ" وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَوَابَيْنِ ظَاهِرٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ كَانَ فِي كُمِّهِ حَجَرٌ فَظَنَّهُ رَجُلٌ طَعَامًا فَقَالَ: أَطْعِمْنِيهِ، فَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ، أَمَّا إِذَا كَانَ طَعَامًا صَحَّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَأْكُلَهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مَرْئِيٌّ، وَلَكِنَّ مُوسَى لَا تَحْتَمِلُ قُوَاهُ رُؤْيَتَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ، لِضَعْفِ قُوَى الْبَشَرِ فِيهَا عَنْ رُؤْيَتِهِ تَعَالَى.
الرَّابِعُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف: 143]، فَأَعْلَمَهُ أَنَّ الْجَبَلَ مَعَ قُوَّتِهِ وَصَلَابَتِهِ لَا يَثْبُتُ لِلتَّجَلِّي فِي هَذِهِ الدَّارِ، فَكَيْفَ بِالْبَشَرِ الَّذِي خُلِقَ مِنْ ضَعْفٍ؟
الْخَامِسُ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَلَّقَ الرُّؤْيَةَ عَلَى مُمْكِنٌ؛ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ الْجَبَلَ مُسْتَقِرًّا، وَلَو كَانَ مُحَالا لَعَلَّقَهُ عَلَى مُحَالٍ.
السَّادِسُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف: 143]، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَتَجَلَّى لِلْجَبَلِ الَّذِي هُوَ جَمَادٌ لَا ثَوَابَ لَهُ وَلَا عِقَابَ، فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَتَجَلَّى لِرُسُلِهِ وَأَوْلِيَائِهِ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ؟
السَّابِعُ: وَأَمَّا دَعْوَاهُمْ تَأْيِيدُ النَّفْيِ بِـ (لَنْ) وَأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الرُّؤْيَةِ فِي الْآخِرَةِ، فَفَاسِدٌ؛ فَإِنَّهَا لَوْ قُيِّدَتْ بِالتَّأْبِيدِ لَا يَدُلُّ عَلَى دَوَامِ النَّفْيِ فِي الْآخِرَةِ، فَكَيْفَ إِذَا أُطْلِقَتْ؟ قَالَ تَعَالَى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} [البقرة: 95]، مَعَ قَوْلِهِ: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77]، فَثَبَتَ أَنَّ (لَنْ) لَا تَقْتَضِي النَّفْيَ الْمُؤَبَّدَ.
قَالَ ابْنُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:
وَمَنْ رَأَى النَّفْيَ بِلَنْ مُؤَبَّدًا فَقَوْلُهُ ارْدُدْ وَسِوَاهُ فَاعْضُدَا([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
كَمَا اسْتَدَلُّوا - أَيْضًا – عَلَى نَفِيِ الرُّؤْيَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام: 103].
قَالَ ابْنُ أَبِي الْعِزِّ الْحَنَفِيُّ رحمه الله: ((والْاسْتِدْلَا لُ بِهَا عَلَى الرُّؤْيَةِ مِنْ وَجْهٍ حَسَنٍ لَطِيفٍ؛ وَهُوَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا ذَكَرَهَا فِي سِيَاقِ التَّمَدُّحِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَدْحَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ ، وَأَمَّا الْعَدَمُ الْمَحْضُ فَلَيْسَ بِكَمَالٍ فَلَا يُمْدَحُ بِهِ؛ وَإِنَّمَا يُمْدَحُ الرَّبُّ تَعَالَى بِالنَّفْيِ إِذَا تَضَمَّنَ أَمْرًا وُجُودِيًّا؛ كَمَدْحِهِ بِنَفْيِ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ، الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ الْقَيُّومِيَّة ِ، وَنَفْيِ الْمَوْتِ الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ الْحَيَاةِ، وَنَفْيِ اللُّغُوبِ وَالْإِعْيَاءِ، الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ الْقُدْرَةِ، وَنَفْيِ الشَّرِيكِ وَالصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ وَالظَّهِيرِ، الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ رُبُوبِيَّتِهِ وَإِلَهِيَّتِهِ وَقَهْرِهِ، وَنَفْيِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ صَمَدِيَّتِهِ وَغِنَاهُ، وَنَفْيِ الشَّفَاعَةِ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ تَوَحُّدِهِ وَغِنَاهُ عَنْ خَلْقِهِ، وَنَفْيِ الظُّلْمِ، الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ عَدْلِهِ وَعِلْمِهِ وَغِنَاهُ، وَنَفْيِ النِّسْيَانِ وَعُزُوبِ شَيْءٍ عَنْ عِلْمِهِ، الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ عِلْمِهِ وَإِحَاطَتِهِ، وَنَفْيِ الْمِثْلِ، الْمُتَضَمِّنِ لِكَمَالِ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَتَمَدَّحْ بِعَدَمٍ مَحْضٍ لَمْ يَتَضَمَّنْ أَمْرًا ثُبُوتِيًّا، فَإِنَّ الْمَعْدُومَ يُشَارِكُ الْمَوْصُوفَ فِي ذَلِكَ الْعَدَمِ، وَلَا يُوصَفُ الْكَامِلُ بِأَمْرٍ يَشْتَرِكُ هُوَ وَالْمَعْدُومُ فِيهِ، فَإِنَّ الْمَعْنَى: أَنَّهُ يُرَى وَلَا يُدْرَكُ وَلَا يُحَاطُ بِهِ، فَقَوْلُهُ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}، يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ عَظَمَتِهِ، وَأَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ لِكَمَالِ عَظَمَتِهِ لَا يُدْرَكُ بِحَيْثُ يُحَاطُ بِهِ، فَإِنَّ الْإِدْرَاكَ هُوَ الْإِحَاطَةُ بِالشَّيْءِ، وَهُوَ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى الرُّؤْيَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا} [الشعراء: 61، 62]، فَلَمْ يَنْفِ مُوسَى الرُّؤْيَةَ، وَإِنَّمَا نَفَى الْإِدْرَاكَ، فَالرُّؤْيَةُ وَالْإِدْرَاكُ كُلٌّ مِنْهُمَا يُوجَدُ مَعَ الْآخَرِ وَبِدُونِهِ، فَالرَّبُّ تَعَالَى يُرَى وَلَا يُدْرَكُ، كَمَا يُعْلَمُ وَلَا يُحَاطُ بِهِ عِلْمًا([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
وَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ النَّظَرَ الْوَارِدَ فِي الْقُرْآنِ؛ وَقَالُوا: مَعْنَاهُ الِانْتِظَارَ، أَيِ: انْتِظَارَ الثَّوَابِ؛ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ النَّظَرُ!!
وَرَدَّ عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ هَذَا: عُلَمَاءُ اللُّغَةِ وَأَئِمَّةُ السُّنَّةِ:
قَالَ ابْنُ أَبِي الْعِزِّ الْحَنَفِيُّ رحمه الله:
((فَإِنَّ النَّظَرَ لَهُ عِدَّةُ اسْتِعْمَالَاتٍ ، بِحَسَبِ صِلَاتِهِ وَتَعَدِّيهِ بِنَفْسِهِ: فَإِنْ عُدِّيَ بِنَفْسِهِ فَمَعْنَاهُ: التَّوَقُّفُ وَالِانْتِظَارُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13] ، وَإِنْ عُدِّيَ بِـ "فِي" فَمَعْنَاهُ: التَّفَكُّرُ وَالِاعْتِبَارُ ، كَقَوْلِهِ تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ}[الأعراف: 185]، وَإِنْ عُدِّيَ بِـ "إِلَى" فَمَعْنَاهُ: الْمُعَايَنَةُ بِالْأَبْصَارِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} [الأنعام: 99]، فَكَيْفَ إِذَا أُضِيفَ إِلَى الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ مَحِلُّ الْبَصَرِ؟([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))))اهـ.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ رحمه الله: ((وَمن قَالَ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {إِلَى ربِّها نَاظِرَةٌ} بِمَعْنَى مُنْتَظِرَةٍ، فَقَدْ أَخْطَأَ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَقُولُ: نَظَرْتُ إِلَى الشَّيْءِ بِمَعْنَى انْتَظَرْتُهُ؛ إِنَّمَا تَقُولُ: "نَظَرْتُ فَلَانًا"؛ أَيِ: انْتَظَرْتُهُ، فَإِذَا قُلْتَ: "نَظَرْتُ إِلَيْهِ" لَمْ يَكُنْ إِلَّا بِالْعَيْنِ، وَإِذَا قُلْتَ: "نَظَرْتُ فِي الْأَمْرِ" احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ تَفَكُّرًا، وَتَدَبُّرًا بِالْقَلْبِ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))اهـ.
الْمَذْهَبُ الثَّانِي: مَذْهَبُ الْأَشَاعِرَةِ، وَهَؤُلَاءِ قَالُوا: يُرَى؛ وَلَكِنْ لَا إِلَى جِهَةٍ.
قَالَ ابْنُ أَبِي الْعِزِّ الْحَنَفِيُّ رحمه الله:
((وَمَنْ قَالَ: "يُرَى لَا فِي جِهَةٍ" فَلْيُرَاجِعْ عَقْلَهُ! فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُكَابِرًا لِعَقْلِهِ وَفِي عَقْلِهِ شَيْءٌ، وَإِلَّا فَإِذَا قَالَ يُرَى لَا أَمَامَ الرَّائِي وَلَا خَلْفَهُ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلَا عَنْ يَسَارِهِ وَلَا فَوْقَهُ وَلَا تَحْتَهُ، رَدَّ عَلَيْهِ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ بِفِطْرَتِهِ السَّلِيمَةِ؛ وَلِهَذَا أَلْزَمَ الْمُعْتَزِلَةُ مَنْ نَفَى الْعُلُوَّ بِالذَّاتِ بِنَفْيِ الرُّؤْيَةِ، وَقَالُوا: كَيْفَ تُعْقَلُ رُؤْيَةٌ بِغَيْرِ جِهَةٍ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))))اهـ.[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) انظر هذه الردود: ((شرح الطحاوية)) لابن أبي العز (211- 214).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) السابق (214، 215).

([3]) السابق (209).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((تهذيب اللغة)) (14/ 371)

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) السابق (219، 220).

محمد طه شعبان
2014-02-26, 12:45 PM
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: هَلْ يُرَى اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الدُّنْيَا؟
مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّاسَ – مِنْ غَيْرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ - فِي مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ بَيْنَ طَرَفَيْ نَقِيضٍ؛ فَهُمْ بَيْنَ مُفْرِطٍ وَمُفَرِّطٍ؛ فَأَمَّا الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَ ةُ، فَفَرَّطُوا فِي الْأَمْرِ، وَقَالُوا: اللهُ تَعَالَى لَا يُرَى لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ؛ وَأَمَّا الصُّوفِيَّةُ فَأَفْرَطُوا فِي الْأَمْرِ، وَقَالُوا: بَلْ يُرَى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَهُمْ وَسَطٌ بَيْنَ تِلْكَ الْفِرَقِ وَالطَّوَائِفَ؛ حَيْثُ جَمَعُوا بَيْنَ نُصُوصِ الْبَابِ الثَّابِتَةِ، وَأَخَذُوا بِهَا جَمِيعًا.
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: ((وَالنَّاسُ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَالصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَأَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُرَى فِي الْآخِرَةِ بِالْأَبْصَارِ عِيَانًا وَأَنَّ أَحَدًا لَا يَرَاهُ فِي الدُّنْيَا بِعَيْنِهِ؛ لَكِنْ يُرَى فِي الْمَنَامِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَوْلُ نُفَاةِ الْجَهْمِيَّةِ: أَنَّهُ لَا يُرَى فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ.
وَالثَّالِثُ: قَوْلُ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُرَى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))اهـ.
وَقَدْ دَلَّتِ نُصُوصُ الْبَابِ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُرَى فِي الدُّنْيَا؛ وَإِنَّمَا يُرَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْآخِرَةِ فَقَطْ؛ وَأَدِلَّةُ ذَلِكَ:
قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
وَأَيْضًا قَوْلُ اللهِ تَعَالَى لِمُوسَى: {لَنْ تَرَانِي}؛ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُرَى فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّ طَبِيعَةَ الْبَشَرِ فِي الدُّنْيَا لَا تَتَحَمَّلُ هَذَا.
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: ((وَقَدْ ثَبَتَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ أَنَّ مُوسَى قِيلَ لَهُ: {لَنْ تَرَانِي}، وَأَنَّ رُؤْيَةَ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ إِنْزَالِ كِتَابٍ مِنَ السَّمَاءِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء: 153]، فَمَنْ قَالَ: إِنَّ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ يَرَاهُ؛ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَدَعْوَاهُ أَعْظَمُ مِنْ دَعْوَى مَنِ ادَّعَى أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))))اهـ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْعِزِّ رحمه الله: ((وَإِنَّمَا لَمْ نَرَهُ فِي الدُّنْيَا لِعَجْزِ أَبْصَارِنَا، لَا لِامْتِنَاعِ الرُّؤْيَةِ، فَهَذِهِ الشَّمْسُ إِذَا حَدَّقَ الرَّائِي الْبَصَرَ فِي شُعَاعِهَا ضَعُفَ عَنْ رُؤْيَتِهَا، لَا لِامْتِنَاعٍ فِي ذَاتِ الْمَرْئِيِّ، بَلْ لِعَجْزِ الرَّائِي، فَإِذَا كَانَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ أَكْمَلَ اللَّهُ قُوَى الْآدَمِيِّينَ حَتَّى أَطَاقُوا رُؤْيَتَهُ. وَلِهَذَا لَمَّا تَجَلَّى اللَّهُ لِلْجَبَلِ، خَرَّ مُوسَى صَعِقًا([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))اهـ.
وَأَمَّا رُؤْيَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ، فَإِنَّمَا رَآى نُورًا، وَلَمْ يَرَى رَبَّهُ؛ وَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.
وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ اتِّفَاقَ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَبَيَّنُوا أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - كَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهم - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
فَقَدْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: قَالَ: أَتَعْجَبُونَ أَنْ تَكُونَ الْخُلَّةُ لِإِبْرَاهِيمَ، وَالْكَلَامُ لِمُوسَى، وَالرُّؤْيَةُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)).
وَفِي قَوْلِهِ تَعَالىٰ: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم:13، 14].
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: قَدْ رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6)).
وعَنِهُ أَيْضًا، قَالَ: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: 11]، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} قَالَ: رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7)).
وَأَمَّا مَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها:
عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنْتُ مُتَّكِئًا عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا عَائِشَةَ، ثَلَاثٌ مَنْ تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ، قُلْتُ: مَا هُنَّ؟ قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللهِ الْفِرْيَةَ، قَالَ: وَكُنْتُ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْظِرِينِي، وَلَا تُعْجِلِينِي، أَلَمْ يَقُلِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ}، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}، فَقَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ»، فَقَالَتْ: أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللهَ يَقُولُ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103].
أَوَ لَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللهَ يَقُولُ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيُّ حَكِيمٌ} [الشورى: 51]([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)).
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ - أَيْضًا - عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللهِ لَقَدْ قَفَّ شَعَرِي لِمَا قُلْتَ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9)).
فَكَلَامُ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم، ظَاهِرُهُ التَّعَارُضُ؛ فَظَاهِرُهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يُثْبِتُ رُؤْيَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِرَبِّهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ، وَأَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها تَنْفِي ذَلِكَ.
وَلَكِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ جَمَعُوا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَبَيَّنُوا أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله: ((وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ: هَلْ رَأَى رَبَّهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ أَمْ لَا؟ فَصَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ، وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: (رَآهُ بِفُؤَادِهِ).
وَصَحَّ عَنْ عائشة وَابْنِ مَسْعُودٍ إِنْكَارُ ذَلِكَ، وَقَالَا: إِنَّ قَوْلَهُ: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم:13، 14]؛ إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ.
وَصَحَّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ سَأَلَهُ: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ: نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ، أَيْ: حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ رُؤْيَتِهِ النُّورُ، كَمَا قَالَ فِي لَفْظٍ آخَرَ: (رَأَيْتُ نُورًا) .
وَقَدْ حَكَى عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ اتِّفَاقَ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابن تيمية قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: وَلَيْسَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ رَآهُ مُنَاقِضًا لِهَذَا، وَلَا قَوْلُهُ: رَآهُ بِفُؤَادِهِ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))))اهـ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله: ((جَاءَتْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَخْبَارٌ مُطْلَقَةٌ وَأُخْرَى مُقَيَّدَةٌ؛ فَيَجِبُ حَمْلُ مُطْلَقِهَا عَلَى مُقَيَّدِهَا.... وَعَلَى هَذَا فَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ إِثْبَاتِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَنَفْيِ عَائِشَةَ، بِأَنْ يُحْمَلَ نَفْيُهَا عَلَى رُؤْيَةِ الْبَصَرِ وَإِثْبَاتُهُ عَلَى رُؤْيَةِ الْقَلْبِ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِرُؤْيَةِ الْفُؤَادِ رُؤْيَةُ الْقَلْبِ لَا مُجَرَّدَ حُصُولِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَالِمًا بِاللَّهِ عَلَى الدَّوَامِ، بَلْ مُرَادُ مَنْ أَثْبَتَ لَهُ أَنَّهُ رَآهُ بِقَلْبِهِ أَنَّ الرُّؤْيَةَ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُ خُلِقَتْ فِي قَلْبِهِ، كَمَا يَخْلُقُ الرُّؤْيَةَ بِالْعَيْنِ لِغَيْرِهِ، وَالرُّؤْيَةُ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا شَيْءٌ مَخْصُوصٌ عَقْلًا، وَلَوْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِخَلْقِهَا فِي الْعَيْنِ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))))اهـ.[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ((مجموع الفتاوى)) (2/ 336، 337).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) صحيح: أخرجه مسلم (2245).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((مجموع الفتاوى)) (2/ 336).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((شرح الطحاوية)) (220).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (577)، النسائي في «الكبرىٰ» (11539)، والحاكم (1/ 15) بسند صحيح.

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) حسن صحيح: أخرجه الترمذي (3280)، وقال: حديث حسن، وابن حبان (57)، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (933)، وقال الألباني في «صحيح الترمذي»: حسن صحيح.

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) صحيح: أخرجه مسلم (285).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) صحيح: أخرجه مسلم (289).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) التخريج السابق.

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) ((زاد المعاد)) (3/ 33).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) ((فتح الباري)) (8/ 608).

محمد طه شعبان
2014-02-26, 12:47 PM
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: هَلْ يُرَى اللهُ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ؟
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتَانِي رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّي وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الأَعْلَى؟ قُلْتُ: رَبِّ لَا أَدْرِي، فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ فَوَجَدْتُ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيَّ فَعَلِمْتُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلَأُ الأَعْلَى؟ قُلْتُ: فِي الدَّرَجَاتِ وَالْكَفَّارَات ِ، وَفِي نَقْلِ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، وَإِسْبَاغِ الْوُضُوءِ فِي الْمَكْرُوهَاتِ ، وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَمَنْ يُحَافِظْ عَلَيْهِنَّ عَاشَ بِخَيْرٍ وَمَاتَ بِخَيْرٍ، وَكَانَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
قَالَ الْإِمَامُ سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ الدَّارِمِيُّ رحمه الله: ((وَإِنَّمَا هَذِهِ الرُّؤْيَةُ كَانَتْ فِي الْمَنَامِ؛ وَفِي الْمَنَام يُمْكِنُ رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ حَالٍ وَفِي كُلِّ صُورَةٍ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
وَقَالَ الْإِمَامُ الْبَغَوِيُّ رحمه الله: ((رُؤْيَةُ اللَّهِ فِي الْمَنَامِ جَائِزَةٌ، قَالَ مُعَاذٌ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «إِنِّي نَعَسْتُ فَرَأَيْتُ رَبِّي».
وَتَكُونُ رُؤْيَتُهُ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ ظُهُورَ الْعَدْلِ، وَالْفَرَجِ، وَالْخِصْبِ، وَالْخَيْرِ لأَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَإِنْ رَآهُ فَوَعَدَ لَهُ جَنَّةً، أَوْ مَغْفِرَةً، أَوْ نَجَاةً مِنَ النَّارِ، فَقَوْلُهُ حَقٌّ، وَوَعْدُهُ صِدْقٌ، وَإِنْ رَآهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَهُوَ رَحْمَتُهُ، وَإِنْ رَآهُ مُعْرِضًا عَنْهُ، فَهُوَ تَحْذِيرٌ مِنَ الذُّنُوبِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77].
وَإِنْ أَعْطَاهُ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا فَأَخَذَهُ، فَهُوَ بَلاءٌ، وَمِحَنٌ، وَأَسْقَامٌ تُصِيبُ بَدَنَهُ، يَعْظُمُ بِهَا أَجْرُهُ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))))اهـ.
وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رحمه الله اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رحمه الله: ((وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ صِحَّةِ رُؤْيَةِ اللهِ فِي الْمَنَامِ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))اهـ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: ((وَمَا زَالَ الصَّالِحُونَ وَغَيْرُهُمْ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي الْمَنَامِ وَيُخَاطِبُهُمْ ، وَمَا أَظُنُّ عَاقِلًا يُنْكِرُ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ وُجُودَ هَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ؛ إِذِ الرُّؤْيَا تَقَعُ لِلْإِنْسَانِ بِغَيْرِ اخْتِيارِهِ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مَعْرُوفَةٌ، وَقَدْ ذَكَرَهَا الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي أُصُولِ الدِّينِ، وَحَكَوْا عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، إِنْكَارَ رُؤْيَةِ اللهِ، وَالنَّقْلُ بِذَلِكَ مُتَوَاتِرٌ عَمَّنْ رَأَى رَبَّهُ فِي الْمَنَامِ؛ وَلَكِنْ لَعَلَّهُمْ قَالُوا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ رَأَى رَبَّهُ فِي الْمَنَامِ؛ فَيَكُونُونَ قَدْ جَعَلُوا مِثْلَ هَذَا مِنْ أَضْغَاثِ الْأَحْلَامِ، وَيَكُونُونَ مِنْ فَرْطِ سَلْبِهِمْ وَنَفْيهِمْ، نَفَوْا أَنْ تَكُونَ رُؤْيَةُ اللهِ فِي الْمَنَامِ رُؤْيَةً صَحِيحَةً كَسَائِرِ مَا يُرَى فِي الْمَنَامِ، فَهَذَا مِمَّا يَقُولُهُ الْمُتَجَهِّمَة ُ، وَهُوَ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا؛ بَلْ وَلِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ عَامَّةُ عُقَلَاءِ بَنِي آدَمَ، وَلَيْسَ فِي رُؤْيَةِ اللهِ فِي الْمَنَامِ نَقْصٌ وَلَا عَيْبٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بَحَسَبِ حَالِ الرَّائِي، وَصِحَّةِ إِيمَانِهِ وَفَسَادِهِ، وَاسْتِقَامَةِ حَالِهِ وَانْحِرَافِه.
وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ: مَا خَطَرَ بِالْبَالِ، أَوْ دَارَ فِي الْخَيَالِ فَاللهُ بِخِلَافِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ إِذَا حُمِلَ عَلَى مِثْلِ هَذَا كَانَ مَحْمَلًا صَحِيحًا، فَلَا نَعْتَقِدُ أَنَّ مَا تَخَيَّلَهُ الْإِنْسَانُ فِي مَنَامِهِ أَوْ يَقَظَتِهِ مِنَ الصُّورِ، أَنَّ اللهَ فِي نَفْسِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ هُوَ فِي نَفْسِهِ مِثْلَ ذَلِكَ؛ بَلْ نَفْسُ الْجِنِّ وَالْمَلَائِكَة ِ، لَا يَتَصَوَّرُهَا الْإِنْسَانُ، وَيَتَخَيَّلُهَ ا عَلَى حَقِيقَتِهَا، بَلْ هِيَ عَلَى خِلَافِ مَا يَتَخَيَّلُهُ، وَيَتَصَوَّرُهُ فِي مَنَامِهِ وَيَقَظَتِهِ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))))اهـ.
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ – أَيْضًا - رحمه الله: ((وَمَنْ رَأَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمَنَامِ فَإِنَّهُ يَرَاهُ فِي صُورَةٍ مِنَ الصُّوَرِ بِحَسَبِ حَالِ الرَّائِي؛ إِنْ كَانَ صَالِحًا رَآهُ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ؛ وَلِهَذَا رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))))اهـ.
وَقَالَ – أَيْضًا- رحمه الله: ((وَقَدْ يَرَى الْمُؤْمِنُ رَبَّهُ فِي الْمَنَامِ فِي صُوَرٍ مُتَنَوِّعَةٍ عَلَى قَدْرِ إِيمَانِهِ وَيَقِينِهِ؛ فَإِذَا كَانَ إِيمَانُهُ صَحِيحًا لَمْ يَرَهُ إِلَّا فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ، وَإِذَا كَانَ فِي إِيمَانِهِ نَقْصٌ رَأَى مَا يُشْبِهُ إِيمَانَهُ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))))اهـ.
وَقَالَ أَيْضًا رحمه الله: ((فَالْإِنْسَانُ قَدْ يَرَى رَبَّهُ فِي الْمَنَامِ، وَيُخَاطِبُهُ، فَهَذَا حَقٌّ فِي الرُّؤْيَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى فِي نَفْسِهِ، مِثْلَ مَا رَأَى فِي الْمَنَامِ؛ فَإِنَّ سَائِرَ مَا يُرَى فِي الْمَنَامِ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُمَاثِلًا([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8))))اهـ.
وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله: ((جَوَّزَ أَهْلُ التَّعْبِيرِ رُؤْيَةَ الْبَارِي عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمَنَامِ مُطْلَقًا، وَلَمْ يُجْرُوا فِيهَا الْخِلَافَ فِي رُؤْيَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ ذَلِكَ بِأُمُورٍ قَابِلَةٍ لِلتَّأْوِيلِ فِي جَمِيعِ وُجُوهِهَا؛ فَتَارَةً يُعَبَّرُ بِالسُّلْطَانِ وَتَارَةً بِالْوَالِدِ وَتَارَةً بِالسَّيِّدِ وَتَارَةً بِالرَّئِيسِ فِي أَيِّ فَنٍّ كَانَ، فَلَمَّا كَانَ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَةِ ذَاتِهِ مُمْتَنِعًا، كَانَتْ رُؤْيَاهُ تَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ دَائِمًا بِخِلَافِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا رؤى عَلَى صِفَتِهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا - وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ - كَانَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَقًّا مَحْضًا لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ
وَقَالَ الْغَزَّالِيُّ . . . وَمِثْلُ ذَلِكَ مَنْ يَرَى اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْمَنَامِ فَإِنَّ ذَاتَهُ مُنَزَّهَةٌ عَنِ الشَّكْلِ وَالصُّورَةِ، وَلَكِنْ تَنْتَهِي تَعْرِيفَاتُهُ إِلَى الْعَبْدِ بِوَاسِطَةِ مِثَالٍ مَحْسُوسٍ مِنْ نُورٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمِثَالُ حَقًّا فِي كَوْنِهِ وَاسِطَةً فِي التَّعْرِيفِ؛ فَيَقُولُ الرَّائِي: "رَأَيْتُ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ" لَا يَعْنِي أَنِّي رَأَيْتُ ذَاتَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يَقُولُ فِي حَقِّ غَيره.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْقُشَيْرِيُّ مَا حَاصِلُهُ: إِنَّ رُؤْيَاهُ عَلَى غَيْرِ صِفَتِهِ لَا تَسْتَلْزِمُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ؛ فَإِنَّهُ لَوْ رَأَى اللَّهَ عَلَى وَصْفٍ يَتَعَالَى عَنْهُ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، لَا يَقْدَحُ فِي رُؤْيَتِهِ، بَلْ يَكُونُ لِتِلْكَ الرُّؤْيَا ضَرْبٌ مِنَ التَّأْوِيلِ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9))))اهـ كلام ابن حجر.
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ بَازٍ رحمه الله، وَقَدْ سُئِلَ: مَا حُكْمُ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ قَدْ رَأَى رَبَّ الْعِزَّةِ فِي الْمَنَامِ؟ وَهَلْ كَمَا يَزْعُمُ الْبَعْضُ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ قَدْ رَأَى رَبَّ الْعِزَّةِ وَالْجَلَالِ فِي الْمَنَامِ أَكْثَرَ مِنْ مِئَةِ مَرَّةٍ؟
فَأَجَابَ رحمه الله: ((ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله وَآخَرُونَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَرَى الْإِنْسَانُ رَبَّهُ فِي الْمَنَامِ؛ وَلَكِنْ يَكُونُ مَا رَآهُ لَيْسَ هُوَ الْحَقِيقَةُ؛ لِأَنَّ اللهَ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، قَالَ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، فَلَيْسَ يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، لَكِنْ قَدْ يَرَى فِي النَّوْمِ أَنَّهُ يُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، وَمَهْمَا رَأَى مِنَ الصُّوَرِ فَلَيْسَتْ هِيَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا؛ لِأَنَّ اللهَ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَلَا شَبِيهَ لَهُ وَلَا كُفْءَ لَهُ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))))اهـ.
وَقَدْ وَرَدَ نَحْوُ هَذَا عَنِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ عُثَيْمِينَ، وَالْعَلَّامَةِ صَالِحِ آلِ الشَّيْخِ، وَالْعَلَّامَةِ الْبَرَّاكِ، وَالْعَلَّامَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الرَّاجِحِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.
وَسُئِلَ الشَّيْخُ الْأَلْبَانِيُّ رحمه الله عَنْ رُؤْيَةِ اللهِ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ، وَهَلْ هِيَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ صلى الله عليه وسلم أَمْ لَا؟ حَيْثُ يَكْثُرُ فِي كُتُبِ التَّرَاجِمِ: رَأَيْتُ رَبِّي وَرَأَى فُلَانٌ رَبَّهُ.
فَأَجَابَ رحمه الله: ((لَيْسَ هُنَاكَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ ([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))))اهـ.[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) صحيح: أخرجه الترمذي (3234)، وأحمد (2580)، وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وصححه الألباني ((تخريج المشكاة)) (748).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((الرد على المريسي)) (2/ 738).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((شرح السنة)) (12/ 227).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((إكمال المعلم شرح صحيح مسلم)) (7/ 220).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((بيان تلبيس الجهمية)) (1/ 326- 328).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) ((مجموع الفتاوى)) (5/ 251).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) السابق (3/ 390).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) ((بيان تلبيس الجهمية)) (1/ 326).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) ((فتح الباري)) (12/ 388).

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) ((مجموع فتاى ابن باز)) (6/ 367).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) ((سلسلة الهدى والنور)) شريط (411).

محمد طه شعبان
2014-02-26, 12:48 PM
الْمَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ: رُؤْيَةُ اللهِ تَعَالَى فِي أَرْضِ الْمَحْشَرِ:
عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَخْبَرَهُ أَنَّ نَاسًا قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ؛ يَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ ، فَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ، وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمُ اللهُ تَعَالَى فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتَّبِعُونَه ُ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ نَاسًا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ» قَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ صَحْوًا لَيْسَ مَعَهَا سَحَابٌ؟ وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ صَحْوًا لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «مَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا، إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ لِيَتَّبِعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْصَابِ إِلَّا يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَغُبَّرِ أَهْلِ الْكِتَابِ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))، فَيُدْعَى الْيَهُودُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ، فَمَاذَا تَبْغُونَ؟ قَالُوا: عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا، فَاسْقِنَا، فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيَتَسَاقَطُون َ فِي النَّارِ، ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ، كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا تَبْغُونَ؟ فَيَقُولُونَ: عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا، فَاسْقِنَا، قَالَ: فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ أَلَا تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيَتَسَاقَطُون َ فِي النَّارِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ تَعَالَى مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ أَتَاهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا قَالَ: فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا، فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ لَا نُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ، فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ بِهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلَّا أَذِنَ اللهُ لَهُ بِالسُّجُودِ، وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً إِلَّا جَعَلَ اللهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً، كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ، وَيَقُولُونَ: اللهُمَّ سَلِّمْ، سَلِّم([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))».
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ رَبُّ العَالَمِينَ، فَيَقُولُ: أَلَا يَتْبَعُ كُلُّ إِنْسَانٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، فَيُمَثَّلُ لِصَاحِبِ الصَّلِيبِ صَلِيبُهُ، وَلِصَاحِبِ التَّصَاوِيرِ تَصَاوِيرُهُ، وَلِصَاحِبِ النَّارِ نَارُهُ، فَيَتْبَعُونَ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَيَبْقَى الْمُسْلِمُونَ فَيَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ رَبُّ العَالَمِينَ، فَيَقُولُ: أَلَا تَتَّبِعُونَ النَّاسَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، اللَّهُ رَبُّنَا، وَهَذَا مَكَانُنَا حَتَّى نَرَى رَبَّنَا، وَهُوَ يَأْمُرُهُمْ وَيُثَبِّتُهُمْ ، ثُمَّ يَتَوَارَى ثُمَّ يَطَّلِعُ فَيَقُولُ: أَلَا تَتَّبِعُونَ النَّاسَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ اللَّهُ رَبُّنَا، وَهَذَا مَكَانُنَا حَتَّى نَرَى رَبَّنَا، وَهُوَ يَأْمُرُهُمْ وَيُثَبِّتُهُمْ » قَالُوا: وَهَلْ نَرَاهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «فَإِنَّكُمْ لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ تِلْكَ السَّاعَةَ، ثُمَّ يَتَوَارَى ثُمَّ يَطَّلِعُ فَيُعَرِّفُهُمْ نَفْسَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّبِعُونِي، فَيَقُومُ الْمُسْلِمُونَ وَيُوضَعُ الصِّرَاطُ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))».
فَدَلَّتِ الْأَحَادِيثُ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُرَى فِي أَرْضِ الْمَحْشَرِ، وَهَذَا مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا: هَلْ يَرَاهُ سُبْحَانَه وَتَعَالَى فِي أَرْضِ الْمَحْشَرِ جَمِيعُ الْخَلْقِ مُؤْمِنُهُمْ وَكَافِرُهُمْ، أَمْ يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُنَافِقُو نَ، أَمْ يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ فَقَطْ؟
عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ.
قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: ((وَالْأَقْوَالُ ثَلاثَةٌ فِي رُؤْيَةِ الْكُفَّارِ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَرَوْنَ رَبَّهُمْ بِحَالٍ؛ لَا الْمُظْهِرُ لِلْكُفْرِ وَلَا الْمُسِرُّ لَهُ.
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِي نَ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ عُمُومُ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِي نَ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ.
الثَّانِي: أَنَّهُ يَرَاهُ مَنْ أَظْهَرَ التَّوْحِيدَ مِنْ مُؤْمِنِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَمُنَافِقِيهَا وَغُبَّرَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ وَذَلِكَ فِي عَرْصَةِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَحْتَجِبُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ ، فَلَا يَرَوْنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى نَحْوَهُ فِي حَدِيثِ إِتْيَانِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهُمْ فِي الْمَوْقِفِ، الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْكُفَّارَ يَرَوْنَهُ رُؤْيَةَ تَعْرِيفٍ وَتَعْذِيبٍ؛ كَاللِّصِّ إِذَا رَأَى السُّلْطَانَ ثُمَّ يَحْتَجِبُ عَنْهُمْ؛ لِيَعْظُمَ عَذَابُهُمْ وَيَشْتَدَّ عِقَابُهُمْ.
وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ سَالِمٍ وَأَصْحَابِهِ وَقَوْلِ غَيْرِهِمْ؛ وَهُمْ فِي الْأُصُولِ مُنْتَسِبُونَ إِلَى الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِلَى سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْتَسْتَرِيِّ.
وَهَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَ اللِّقَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِالرُّؤْيَةِ؛ إِذْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ - مِنْهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ الْإِمَامُ - قَالُوا فِي قَوْلِ اللَّهِ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: 6]: إِنَّ اللِّقَاءَ يَدُلُّ عَلَى الرُّؤْيَةِ وَالْمُعَايَنَة ِ.
وَمِنْ أَقْوَى مَا يَتَمَسَّكُ بِهِ الْمُثْبِتُونَ: مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَأَلَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ لَيْسَتْ فِي سَحَابٍ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ فِي سَحَابٍ؟» قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ إلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا، قَالَ: فَيَلْقَى الْعَبْدَ فَيَقُولُ: أَيْ فُلَانٌ أَلَمْ أُكْرِمْك؟ أَلَمْ أُسَوِّدْك؟ أَلَمْ أُزَوِّجْك؟ أَلَمْ أُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَأَتْرُكْكَّ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلَاقِيَّ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لَا، قَالَ: فَالْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي، قَالَ: فَيَلْقَى الثَّانِيَ، فَيَقُولُ: أَلَمْ أُكْرِمْكَ؟ أَلَمْ أُسَوِّدْكَ؟ أَلَمْ أُزَوِّجْكَ؟». الْحَدِيثَ.
وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ؛ وَفِيهِ أَنَّ الْكَافِرَ وَالْمُنَافِقَ يَلْقَى رَبَّهُ.
وَيُقَالُ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخَلْقَ جَمِيعَهُمْ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فَيَلْقَى اللَّهُ الْعَبْدَ عِنْدَ ذَلِكَ؛ لَكِنْ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُمَا: اللِّقَاءُ الَّذِي فِي الْخَبَرِ غَيْرُ التَّرَائِي؛ لَا أَنَّ اللَّهَ تَرَاءَى لِمَنْ قَالَ لَهُ هَذَا الْقَوْلَ.
وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: هَلْ نَرَى رَبَّنَا؟ وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْكَافِرَ يَلْقَى رَبَّهُ فَيُوَبِّخُهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَتَّبِعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ.
وَأَمَّا الَّذِينَ خَصُّوا بِالرُّؤْيَةِ أَهْلَ التَّوْحِيدِ فِي الظَّاهِرِ - مُؤْمِنُهُمْ وَمُنَافِقُهُمْ - فَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمَي ْنِ كَمَا ذَكَرْنَاهُمَا.
وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُثْبِتُونَ رُؤْيَتَهُ لِكَافِرِ وَمُنَافِقٍ، إِنَّمَا يُثْبِتُونَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لِمُنَافِقِينَ "رُؤْيَةَ تَعْرِيفٍ" ثُمَّ يَحْتَجِبُ عَنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْعَرْصَةِ.
وَأَمَّا الَّذِينَ نَفَوْا الرُّؤْيَةَ مُطْلَقًا عَلَى ظَاهِرِهِ الْمَأْثُورِ عَنِ الْمُتَقَدِّمِي نَ فَاتِّبَاعٌ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15].
وَالْمُخْتَلِفُ ونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أعذرُ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ أَمَّا الْجُمْهُورُ فَعُذْرُهُمْ ظَاهِرٌ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَمَا نُقِلَ عَنِ السَّلَفِ؛ وَأَنَّ عَامَّةَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الرُّؤْيَةِ لَمْ تَنُصَّ إِلَّا عَلَى رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمْ نَصٌّ صَرِيحٌ بِرُؤْيَةِ الْكَافِرِ، وَوَجَدُوا الرُّؤْيَةَ الْمُطْلَقَةَ قَدْ صَارَتْ دَالَّةً عَلَى غَايَةِ الْكَرَامَةِ وَنِهَايَةِ النَّعِيمِ.
وَأَمَّا الْمُثْبِتُونَ عُمُومًا وَتَفْصِيلًا فَقَدْ ذَكَرْتُ عُذْرَهُمْ، وَهُمْ يَقُولُونَ: قَوْلُهُ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15]؛ هَذَا الْحَجْبُ بَعْدَ الْمُحَاسَبَةِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ: "حَجَبْتُ فُلَانًا عَنِّي" وَإِنْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ الْحَجْبَ نَوْعُ رُؤْيَةٍ؛ وَهَذَا حَجْبٌ عَامٌّ مُتَّصِلٌ وَبِهَذَا الْحَجْبِ يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَتَجَلَّى لِلْمُؤْمِنِينَ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ بَعْدَ أَنْ يُحْجَبَ الْكُفَّارُ؛ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَة ُ، ثُمَّ يَتَجَلَّى لَهُمْ فِي الْجَنَّةِ عُمُومًا وَخُصُوصًا دَائِمًا أَبَدًا سَرْمَدًا؛ وَيَقُولُونَ: "إِنَّ كَلَامَ السَّلَفِ مُطَابِقٌ لِمَا فِي الْقُرْآنِ؛ ثُمَّ إِنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الرُّؤْيَةِ الَّذِي هُوَ عَامٌ لِلْخَلَائِقِ قَدْ يَكُونُ نَوْعًا ضَعِيفًا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الرُّؤْيَةِ الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ؛ فَإِنَّ الرُّؤْيَةَ أَنْوَاعٌ مُتَبَايِنَةٌ تَبَايُنًا عَظِيمًا لَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ طَرَفَاهَا".
وَهُنَا آدَابٌ تَجِبُ مُرَاعَاتُهَا:
مِنْهَا: أَنَّ مَنْ سَكَتَ عَنِ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَدْعُ إِلَى شَيْءٍ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ هَجْرُهُ؛ وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ؛ فَإِنَّ الْبِدَعَ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ مِنْهَا لَا يُهْجَرُ فِيهَا إِلَّا الدَّاعِيَةُ؛ دُونَ السَّاكِتِ فَهَذِهِ أَوْلَى.
وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَجْعَلُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِحْنَةً وَشِعَارًا يُفَضِّلُونَ بِهَا بَيْنَ إِخْوَانِهِمْ وَأَضْدَادِهِمْ ؛ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا مِمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
وَكَذَلِكَ لَا يُفَاتِحُوا فِيهَا عَوَامَّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي عَافِيَةٍ وَسَلَامٍ عَنِ الْفِتَنِ؛ وَلَكِنْ إِذَا سُئِلَ الرَّجُلُ عَنْهَا أَوْ رَأَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِتَعْرِيفِهِ ذَلِكَ أَلْقَى إِلَيْهِ مِمَّا عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ مَا يَرْجُو النَّفْعَ بِهِ.
بِخِلَافِ الْإِيمَانِ بِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ؛ فَإِنَّ الْإِيمَانَ بِذَلِكَ فَرْضٌ وَاجِبٌ؛ لِمَا قَدْ تَوَاتَرَ فِيهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَابَتِهِ وَسَلَفِ الْأُمَّةِ.
وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُطْلِقَ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْكُفَّارَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الرُّؤْيَةَ الْمُطْلَقَةَ قَدْ صَارَ يُفْهَمُ مِنْهَا الْكَرَامَةُ وَالثَّوَابُ فَفِي إِطْلَاقِ ذَلِكَ إِيهَامٌ وَإِيحَاشٌ، وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُطْلِقَ لَفْظًا يُوهِمُ خِلَافَ الْحَقِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْثُورًا عَنِ السَّلَفِ، وَهَذَا اللَّفْظُ لَيْسَ مَأْثُورًا([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))))اهـ.[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) متفق عليه: أخرجه البخاري (806)، ومسلم (182).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) قال القاضي عياض رحمه الله في ((مشارق الأنوار على صحاح الآثار)) (2/ 128): ((وغُبَّر أهل الْكتاب: كَذَا هُوَ بِضَم الْغَيْن وَتَشْديد الْبَاء؛ أَي: بقاياهم))اهـ.

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) متفق عليه: أخرجه البخاري (4581)، ومسلم (183).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) صحيح: أخرجه الترمذي (2557)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيح، وابن خزيمة في ((التوحيد)) (215)، وابن منده في ((الإيمان)) (815)، وصححه الألباني في ((تخريج الطحاوية)) (576).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) ((مجموع الفتاوى)) (6/ 487- 504)، مختصرًا.

محمد طه شعبان
2014-03-01, 07:41 AM
قَوْلُهُ: (وَإِلَى السَّمَاءِ بِغَيْرِ كَيْفٍ يَنْزِلُ)؛ دَلَّ عَلَى صِفَةِ النُّزُولِ – وَهِيَ صِفَةٌ فِعْلِيَّةٌ - حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
قوله: (بِغَيْرِ كَيْفٍ)؛ أَيْ: بِغَيْرِ كَيْفٍ مَعْلُومٍ لَنَا.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رحمه الله: ((فَإِنْ قَالَ لَنَا: كَيْفَ النُّزُولُ مِنْهُ جَلَّ وَعَزَّ؟ قُلْنَا: لَا نَحْكُمُ عَلَى النُّزُولِ مِنْهُ بِشَيْءٍ؛ وَلَكِنَّا نُبَيِّنُ كَيْفَ النُّزُولُ مِنَّا وَمَا تَحْتَمِلُهُ اللُّغَةُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ رحمه الله: ((يَنْزِلُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا؛ فَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ التَّنَازُعَ فِيهِ، وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: يَنْزِلُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُصَدِّقُونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا يُكَيِّفُونَ، وَالْقَوْلُ فِي كَيْفِيَّةِ النُّزُولِ كَالْقَوْلِ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِوَاءِ وَالْمَجِيءِ، وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ وَاحِدَةٌ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))))اهـ.
وَقَدْ أَوَّلَتْ بَعْضُ الْفِرَقِ صِفَةَ النُّزُولِ؛ فَقَالُوا: تَنْزِلُ رَحْمَتُهُ، وَيِنْزِلُ ثَوَابُهُ، وَيَنْزِلُ أَمْرُهُ، أَوْ مَلَكٌ مِنْ مَلَائِكَتِهِ جَلَّ وَعَلَا.
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سَعِيدٍ سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ الدَّارِمِيُّ رحمه الله: ((فَيُقَالُ لِهَذَا الْمُعَارِضِ: وَهَذَا أَيْضًا مِنْ حُجَجِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَمَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ بَيَانٌ، وَلَا لِمَذْهَبِهِ بُرْهَانٌ؛ لِأَنَّ أَمْرَ اللَّهِ وَرَحْمَتَهُ يَنْزِلُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَوَقْتٍ وَأَوَانٍ، فَمَا بَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحُدُّ لِنُزُولِهِ اللَّيْلَ دُونَ النَّهَارِ؟
وَيُوَقِّتُ مِنَ اللَّيْلِ شَطْرَهُ أَوِ الْأَسْحَارَ؟ أَفَبِأَمْرِهِ وَرَحْمَتِهِ يَدْعُو الْعِبَادَ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ ؟ أَوْ يُقَدِّرُ الْأَمْرَ وَالرَّحْمَةَ أَنْ يَتَكَلَّمَا دُونَهُ فَيَقُولَا: "هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأُجِيبَ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ؟ " فَإِنْ قَرَّرْتَ مَذْهَبَكَ لَزِمَكَ أَنْ تَدَّعِي أَن الرَّحْمَةَ وَالْأَمْرَ اللَّذَيْنِ يَدْعُوَانِ إِلَى الْإِجَابَةِ وَالِاسْتِغْفَا رِ بِكَلَامِهِمَا دُونَ اللَّهِ؛ وَهَذَا مُحَالٌ عِنْدَ السُّفَهَاءِ، فَكَيْفَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ؟! وَقَدْ عَلِمْتُمْ ذَلِكَ وَلَكِنْ تُكَابِرُونَ.
وَمَا بَالُ رَحْمَتِهِ وَأَمْرِهِ يَنْزِلَانِ مِنْ عِنْدِهِ شَطْرَ اللَّيْلِ، ثُمَّ لَا يَمْكُثَانِ إِلَّا إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ يُرْفَعَانِ؛ لِأَنَّ رِفَاعَةَ يَرْوِيهِ يَقُولُ فِي حَدِيثِهِ: "حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ".
وَقَدْ عَلِمْتُمْ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ أَبْطَلُ بَاطِلٍ، لَا يَقْبَلُهُ إِلَّا كُلُّ جَاهِلٍ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))اهـ.[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) متفق عليه: أخرجه البخاري (7494)، ومسلم (758).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) ((مجموع الفتاوى)) (5/ 406)

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((التمهيد)) (7/ 143).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) ((الرد على بشر المريسي)) (215).

محمد طه شعبان
2014-03-02, 02:29 PM
قَوْلُهُ: (وَأُقِرُّ بِالْمِيزَانِ)؛ أَيِ: الْمِيزَانَ الْحَقِيقِيَّ الَّذِي يُنْصَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتُوزَنُ فِيهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، وَصَحَائِفُ أَعْمَالِهِمْ، كَمَا يُوزَنُ فِيهِ الْعِبَادُ أَنْفُسُهُمْ.
وَهُوَ مَا ثَبَتَ فِي نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47].
وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف:8، 9].
وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون:102- 104].
وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:6- 11].
وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِين َ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف:103- 105].
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُصَاحُ بِرَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ، فَيُنْشَرُ لَهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَلْ تُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ فَيَقُولُ: لَا، يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَظَلَمَتْكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا، ثُمَّ يَقُولُ: أَلَكَ عُذْرٌ، أَلَكَ حَسَنَةٌ؟ فَيُهَابُ الرَّجُلُ، فَيَقُولُ: لَا، فَيَقُولُ: بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَاتٍ، وَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَتُخْرَجُ لَهُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ، مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ، فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ، وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ، وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: الْبِطَاقَةُ: الرُّقْعَةُ؛ وَأَهْلُ مِصْرَ يَقُولُونَ لِلرُّقْعَةِ: بِطَاقَةً([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)).
فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الصَّحَائِفَ تُوزَنُ.
وعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآَنِ - أَوْ تَمْلَأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))».
وعَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ مَوْلًى لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَخٍ بَخٍ، لَخَمْسٌ مَا أَثْقَلُهُنَّ فِي الْمِيزَانِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ وَسُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالْوَلَدُ الصَّالِحُ يُتَوَفَّى فَيَحْتَسِبُهُ، وَالِدَاهُ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))».
فَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَالَ تُوزَنُ.
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنَ الْأَرَاكِ، وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ، فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِمَّ تَضْحَكُونَ؟» قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))».
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَقَالَ: اقْرَءُوا: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))».
فَدَلَّ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ عَلَى أَنَّ الشَّخْصَ نَفْسَهُ يُوزَنُ.
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: قَالَ: «أَنَا فَاعِلٌ» قَالَ: فَأَيْنَ أَطْلُبُكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: «اطْلُبْنِي أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ» قَالَ: قُلْتُ: فَإِذَا لَمْ أَلْقَكَ عَلَى الصِّرَاطِ؟ قَالَ: «فَأَنَا عِنْدَ الْمِيزَانِ» قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عِنْدَ الْمِيزَانِ؟ قَالَ: «فَأَنَا عِنْدَ الْحَوْضِ، لَا أُخْطِئُ هَذِهِ الثَّلَاثَ مَوَاطِنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))».
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رحمه الله: ((وَقَدْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْآثَارِ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كُلُّهُ صَحِيحًا؛ فَتَارَةً تُوزَنُ الْأَعْمَالُ، وَتَارَةً تُوزَنُ مَحَالُّهَا، وَتَارَةً يُوزَنُ فَاعِلُهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8))))اهـ.
وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله: ((قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ: أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى الْإِيمَانِ بِالْمِيزَانِ، وَأَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ تُوزَنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّ الْمِيزَانَ لَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ وَيَمِيلُ بِالْأَعْمَالِ، وَأَنْكَرَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الْمِيزَانَ وَقَالُوا: هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْعَدْلِ، فَخَالَفُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَضَعُ الْمَوَازِينَ لِوَزْنِ الْأَعْمَالِ لِيَرَى الْعِبَادُ أَعْمَالَهُمْ مُمَثَّلَةً لِيَكُونُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ شَاهِدِينَ، وَقَالَ ابْنُ فَوْرَكٍ: أَنْكَرَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الْمِيزَانَ بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَعْرَاضَ يَسْتَحِيلُ وَزْنُهَا؛ إِذْ لَا تَقُومُ بِأَنْفُسِهَا([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9))))اهـ.[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) صحيح: أخرجه ابن ماجه (4300)، وأحمد (6994)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (8095).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) صحيح: أخرجه مسلم (223).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) صحيح: أخرجه الترمذي (2002)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وأحمد (27532)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (1977).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) صحيح: أخرجه أحمد (15662)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (2817).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) صحيح: أخرجه أحمد (3991)، وصححه الألباني ((الصحيحة)) (2750).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) متفق عليه: أخرجه لبخاري (4729)، ومسلم (2785).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) صحيح: أخرجه الترمذي (2433)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وأحمد (12825)، وصححه الألباني ((ظلال الجنة)) (772).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) ((تفسير ابن كثير)) (3/ 390).

[9] (http://majles.alukah.net/#_ftnref9))) ((فتح الباري)) (13/ 539).

محمد طه شعبان
2014-03-03, 11:29 AM
قَوْلُهُ: (وَالْحَوْضِ الَّذِي أَرْجُو بِأَنِّي مِنْهُ رِيًّا أَنْهَلُ)؛ أَيْ: وَأُقِرُّ بِحَوْضِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، الَّذِي يَكُونُ فِي أَرْضِ الْمَحْشَرِ.
وَقَدْ وَرَدَ ذِكْرُ الْحَوْضِ فِي نُصُوصٍ كَثِيرَةٍ؛ مِنْهَا:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلَا يَظْمَأُ أَبَدًا([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: «حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ، وَمَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ الْوَرِقِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَا يَظْمَأُ بَعْدَهُ أَبَدًا».
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ قَدْرَ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَصَنْعَاءَ مِنَ الْيَمَنِ، وَإِنَّ فِيهِ مِنَ الأَبَارِيقِ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا، فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى المَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المِنْبَرِ، فَقَالَ: «إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ، وَإِنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ - أَوْ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ - وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))».
وَعَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «حَوْضُهُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَالْمَدِينَةِ» فَقَالَ لَهُ الْمُسْتَوْرِدُ : أَلَمْ تَسْمَعْهُ قَالَ: «الْأَوَانِي»؟ قَالَ: لَا، فَقَالَ الْمُسْتَوْرِدُ : «تُرَى فِيهِ الْآنِيَةُ مِثْلَ الْكَوَاكِبِ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))».
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا آنِيَةُ الْحَوْضِ؟ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَآنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ وَكَوَاكِبِهَا، أَلَا فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ الْمُصْحِيَةِ، آنِيَةُ الْجَنَّةِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا لَمْ يَظْمَأْ آخِرَ مَا عَلَيْهِ، يَشْخَبُ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5)) فِيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الْجَنَّةِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ، عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ، مَا بَيْنَ عَمَّانَ إِلَى أَيْلَةَ، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ([6] (http://majles.alukah.net/#_ftn6))».
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي([7] (http://majles.alukah.net/#_ftn7))».
وعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنِّي لَبِعُقْرِ([8] (http://majles.alukah.net/#_ftn8)) حَوْضِي أَذُودُ النَّاسَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ أَضْرِبُ بِعَصَايَ حَتَّى يَرْفَضَّ عَلَيْهِمْ([9] (http://majles.alukah.net/#_ftn9))» فَسُئِلَ عَنْ عَرْضِهِ فَقَالَ: «مِنْ مَقَامِي إِلَى عَمَّانَ» وَسُئِلَ عَنْ شَرَابِهِ فَقَالَ: «أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، يَغُتُّ فِيهِ مِيزَابَانِ يَمُدَّانِهِ مِنَ الْجَنَّةِ، أَحَدُهُمَا مِنْ ذَهَبٍ، وَالْآخَرُ مِنْ وَرِقٍ([10] (http://majles.alukah.net/#_ftn10))».
وعَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ رضي الله عنه، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، فَمَنْ وَرَدَهُ شَرِبَ مِنْهُ، وَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أَبَدًا، لَيَرِدُ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ» قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَنِي النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ وَأَنَا أُحَدِّثُهُمْ هَذَا، فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتَ سَهْلًا، فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فِيهِ قَالَ: «إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي([11] (http://majles.alukah.net/#_ftn11))».
وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ حَتَّى أَنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ، وَسَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي، فَيُقَالُ: هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ، وَاللَّهِ مَا بَرِحُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ» فَكَانَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا، أَوْ نُفْتَنَ عَنْ دِينِنَا([12] (http://majles.alukah.net/#_ftn12)).
وعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ تِسْعَةٌ؛ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعَةٌ؛ أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ مِنَ العَرَبِ وَالآخَرُ مِنَ العَجَمِ، فَقَالَ: «اسْمَعُوا، هَلْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ؟ فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ وَلَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَيَّ الْحَوْضَ، وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ بِكَذِبِهِمْ فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَيَّ الحَوْضَ([13] (http://majles.alukah.net/#_ftn13))».
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَأَذُودَنَّ عَنْ حَوْضِي رِجَالًا كَمَا تُذَادُ الْغَرِيبَةُ مِنَ الْإِبِلِ([14] (http://majles.alukah.net/#_ftn14))».[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) متفق عليه: أخرجه البخاري (6579)، ومسلم (2292).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) متفق عليه: أخرجه البخاري (6580)، ومسلم (2303).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1344)، ومسلم (2296).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) متفق عليه: أخرجه البخاري (6592)، ومسلم (2298).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) قال النووي رحمه الله: ((وَأَمَّا يَشْخُبُ: فَبِالشِّينِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَتَيْ نِ وَالْيَاءُ مَفْتُوحَةٌ وَالْخَاءُ مَضْمُومَةٌ وَمَفْتُوحَةٌ، وَالشَّخْبُ: السَّيَلَانُ، وَأَصْلُهُ مَا خَرَجَ مِنْ تحت يد الحالب عند كل عمرة وَعَصْرَةٍ لِضَرْعِ الشَّاةِ. ((شرح مسلم)) (15/ 60).

[6] (http://majles.alukah.net/#_ftnref6))) صحيح: أخرجه مسلم (2300).

[7] (http://majles.alukah.net/#_ftnref7))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1196)، ومسلم (1391).

[8] (http://majles.alukah.net/#_ftnref8))) قال النووي رحمه الله: (((إِنِّي لَبِعُقْرِ حَوْضِي) هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَهُوَ مَوْقِفُ الْإِبِلِ مِنَ الْحَوْضِ إِذَا وَرَدَتْهُ وَقِيلَ مُؤَخَّرُهُ)). ((شرح مسلم))(15/ 62).

([9])قال النووي رحمه الله: ((مَعْنَاهُ أَطْرُدُ النَّاسَ عَنْهُ غَيْرَ أَهْلِ الْيَمَنِ؛ لِيَرْفَضَّ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ؛ وَهَذِهِ كَرَامَةٌ لِأَهْلِ الْيَمَنِ فِي تَقْدِيمِهِمْ فِي الشُّرْبِ مِنْهُ مُجَازَاةً لَهُمْ بِحُسْنِ صَنِيعِهِمْ وَتَقَدُّمِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ، وَالْأَنْصَارُ مِنَ الْيَمَنِ، فَيَدْفَعُ غَيْرَهُمْ حَتَّى يَشْرَبُوا كَمَا دَفَعُوا فِي الدُّنْيَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْدَاءَهُ وَالْمَكْرُوهَا تِ، وَمَعْنَى يَرْفَضَّ عَلَيْهِمْ: أَيْ يَسِيلُ عَلَيْهِمْ)). ((شرح مسلم))

[10] (http://majles.alukah.net/#_ftnref10))) صحيح: أخرجه مسلم (2301).

[11] (http://majles.alukah.net/#_ftnref11))) متفق عليه: أخرجه البخاري (7050)، ومسلم (2290).

[12] (http://majles.alukah.net/#_ftnref12))) متفق عليه: أخرجه البخاري (6593)، ومسلم (2292).

[13] (http://majles.alukah.net/#_ftnref13))) صحيح لغيره: أخرجه الترمذي (2259)، وأحمد (15284)، وقال الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2246): صحيح لغيره.

[14] (http://majles.alukah.net/#_ftnref14))) متفق عليه: أخرجه البخاري (2367)، ومسلم (2302).

محمد طه شعبان
2014-03-04, 09:50 AM
هَلِ الْحَوْضُ هُوَ الْكَوْثَرُ؟
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، فَقُلْنَا: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ» فَقَرَأَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [الكوثر:1- 3]، ثُمَّ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟» فَقُلْنَا اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ، فَيُخْتَلَجُ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1)) الْعَبْدُ مِنْهُمْ، فَأَقُولُ: رَبِّ، إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي فَيَقُولُ: مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَتْ بَعْدَكَ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
فَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْكَوْثَرَ هُوَ الْحَوْضُ الَّذِي تَرِدُ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ فِي أَرْضِ الْمَحْشَرِ؛ وَلَكِنَّ الْأَحَادِيثَ الْأُخْرَى الْمَذْكُورَةَ فِي الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَوْضَ غَيْرُ نَهْرِ الْكَوْثَرِ، وَأَنَّ الْكَوْثَرَ فِي الْجَنَّةِ، وَهُوَ مَنْبَعُ الْحَوْضِ؛ حَيْثُ يَشْخُبُ مِنْهُ مِيزَابَانِ إِلَى الْحَوْضِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي الْعِزِّ – بَعْدَ مَا ذَكَرَ حَدِيثَ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمَ –: ((وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَشْخُبُ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنْ ذَلِكَ الْكَوْثَرِ إِلَى الْحَوْضِ، وَالْحَوْضُ فِي الْعَرَصَاتِ قَبْلَ الصِّرَاطِ؛ لِأَنَّهُ يُخْتَلَجُ عَنْهُ، وَيُمْنَعُ مِنْهُ أَقْوَامٌ قَدِ ارْتَدُّوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ، وَمِثْلُ هَؤُلَاءِ لَا يُجَاوِزُونَ الصِّرَاطَ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))))اهـ.
وَقَالَ أَيْضًا رحمه الله: ((وَالَّذِي يَتَلَخَّصُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي صِفَةِ الْحَوْضِ: أَنَّهُ حَوْضٌ عَظِيمٌ، وَمَوْرِدٌ كَرِيمٌ، يُمَدُّ مِنْ شَرَابِ الْجَنَّةِ، مِنْ نَهْرِ الْكَوْثَرِ([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))))اهـ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَوْثَرَ غَيْرُ الْحَوْضِ:
حَدِيثُ أَنَسٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي الجَنَّةِ، إِذَا أَنَا بِنَهَرٍ، حَافَتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ المُجَوَّفِ، قُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ، الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ، فَإِذَا طِينُهُ - أَوْ طِيبُهُ - مِسْكٌ أَذْفَرُ([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))».[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) يختلج: أي: يُنتزع.

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) صحيح: أخرجه مسلم (400).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) ((شرح الطحاوية)) (200).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) السابق (201).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) صحيح: أخرجه البخاري (6581).
(مسك أذفر): شديد الرائحة الذكية.

محمد طه شعبان
2014-03-05, 10:11 AM
قَوْلُهُ: (وَكَذَا الصِّرَاطُ يُمَدُّ فَوْقَ جَهنَّمٍ ... فَمُوَحِّدٌ نَاجٍ وَآخَرُ مُهْمَلُ)؛ أَيْ: وَأُقِرُّ – أَيْضًا - بِالصِّرَاطِ الَّذِي يُمَدُّ فَوْقَ جَهَنَّمَ.
وَقَدْ وَرَدَ ذِكْرُ الصِّرَاطِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ؛ مِنْهَا:
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَبِهِ كَلالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهَا لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ، فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ ، مِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ، ثُمَّ يَنْجُو([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ» قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ؟ قَالَ: «أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ؟ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ، وَشَدِّ الرِّجَالِ، تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ، حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلَا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلَّا زَحْفًا، قَالَ: وَفِي حَافَتَيِ الصِّرَاطِ كَلَالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنِ اُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ، وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الجَسْرُ؟ قَالَ: مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلاَلِيبُ، وَحَسَكَةٌ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3)) مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ، تَكُونُ بِنَجْدٍ، يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ، الْمُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ، وَكَأَجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا([4] (http://majles.alukah.net/#_ftn4))».
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ؛ وَالصِّرَاطُ كَحَدِّ السَّيْفِ دَحْضُ مَزِلَّةٍ فَيُقَالُ: انْجُوا عَلَى قَدْرِ نُورِكُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَانْقِضَاضِ الْكَوْكَبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالطَّرْفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالرِّيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَشَدِّ الرَّجُلِ، وَيَرْمُلُ رَمَلًا، فَيَمُرُّونَ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ حَتَّى يَمُرَّ الَّذِي نُورُهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ قَالَ: يَجُرُّ يَدًا وَيُعَلِّقُ يَدًا وَيَجُرُّ رِجْلًا وَيُعَلِّقُ رِجْلًا وَتَضْرِبُ جَوَانِبَهُ النَّارُ، قَالَ: فَيَخْلَصُوا فَإِذَا خَلَصُوا قَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنْكِ بَعْدَ الَّذِي أَرَانَاكِ، لَقَدْ أَعْطَانَا اللَّهُ مَا لَمْ يُعْطِ أَحَدًا([5] (http://majles.alukah.net/#_ftn5))».[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) متفق عليه: أخرجه البخاري (6573)، ومسلم (299).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) صحيح: أحرجه مسلم (329).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) (حَسَكَةٌ) هِيَ: شَوكة صُلْبة مَعْرُوفَةٌ. (نهاية).

[4] (http://majles.alukah.net/#_ftnref4))) متفق عليه: أخرجه البخاري (7439)، ومسلم (302).

[5] (http://majles.alukah.net/#_ftnref5))) صحيح: أخرجه الحاكم (3424)، وصححه الألباني ((صحيح الترغيب)) (3629).

محمد طه شعبان
2014-03-06, 08:16 AM
قَوْلُهُ: (وَالنَّارُ يَصْلَاهَا الشَّقِيُّ بِحِكْمَةٍ ... وَكَذَا التَّقِيُّ إِلَى الْجِنَانِ سَيَدْخُلُ)؛ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَوْصُوفٌ بِالْحِكْمَةِ، وَمِنْ أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: "الْحَكِيمُ"، قَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 18].
فمِنْ حِكْمَةِ اللهِ تَعَالَى أَنْ خَلَقَ النَّاسَ فِي هَذَا الْكَوْنِ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَمِنْهُمُ الطَّائِعُ وَالْعَاصِي، وَلَوْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى لَجَعَلَنَا أُمَّةً وَاحِدَةً؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [المائدة: 48]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:93، 94]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [هود:118، 119].
فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللهِ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ النَّاسُ مُخْتَلِفِينَ؛ مِنْهُمُ الشَّقِيُّ وَمِنْهُمُ السَّعِيدُ.
وَمِنْ حِكْمَتِهِ – أَيْضًا - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: اخْتِيَارُ الْمَحَلِّ الَّذِي يَصْلُحُ لِأَنْ يُوَفَّقَ إِلَى التَّقْوَى، وَالْمَحَلِّ الَّذِي لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ.
فَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَرْسَلَ لِلنَّاسِ الرُّسُلَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْكُتُبَ، وَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10]؛ ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقْبَلُ هُدَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْبَلُ ذَلِكَ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَقْضِيٌّ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبِحِكْمَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
قَالَ ابْنُ أَبِي الْعِزِّ الْحَنَفِيُّ رحمه الله: ((وَتَفْصِيلُ حِكْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ، يَعْجِزُ عَنْ مَعْرِفَتِهَا عُقُولُ الْبَشَرِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))))اهـ.
وَقَالَ - أَيْضًا - رحمه الله: ((وَلَا يَلْزَمُ مِنْ خَفَاءِ حِكْمَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا عَدَمُهَا، وَلَا مِنْ جَهْلِنَا انْتِفَاءُ حِكْمَتِهِ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))))اهـ.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى بِحِكْمَتِهِ يُوَفِّقُ شَخْصًا لِلْخَيْرِ – وَالتَّوْفِيقُ هُوَ الْإِعَانَةُ – وَلَا يُوَفِّقُ الْآخَرَ – وَهُوَ سَلْبُ الْإِعَانَةِ – وَكُلُّ ذَلِكَ لِحِكْمَةٍ يَعْلَمُهَا اللهُ تَعَالَى، لَا يَسْتَطِيعُ الْإِنْسَانُ الْإِحَاطَةَ بِهَا؛ لِأَنَّ الْحِكْمَةَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا؛ وَالْمَخْلُوقُ لَا يَسْتَطِيعُ الْإِحَاطَةَ بِاللهِ تَعَالَى وَلَا بِصِفَاتِهِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110].[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) ((شرح الطحاوية)) (84).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) السابق (343).

محمد طه شعبان
2014-03-07, 10:13 PM
قَوْلُهُ: (وَلِكُلِّ حَيٍّ عَاقِلٍ فِي قَبْرِهِ ... عَمَلٌ يُقَارِنُهُ هُنَاكَ وَيُسْأَلُ)؛ وَكَذَلِكَ نُؤْمِنُ بِسُؤَالِ الْقَبْرِ وَنَعِيمِهِ وَعَذَابِهِ؛ فَكُلُّ حَيٍّ عَاقِلٍ سَوْفَ يُسْأَلُ فِي قَبْرِهِ؛ ثُمَّ – بَعْدَ ذَلِكَ - إِمَّا إِلَى جَنَّةٍ وَإِمَّا إِلَى نَارٍ.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ العَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ ، فَيَقُولَانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَّا المُؤْمِنُ، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الجَنَّةِ، فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا» - قَالَ قَتَادَةُ: وَذُكِرَ لَنَا: أَنَّهُ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ - قَالَ: «وَأَمَّا الْمُنَافِقُ وَالْكَافِرُ فَيُقَالُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَالُ: لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ، وَيُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ([1] (http://majles.alukah.net/#_ftn1))».
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ - أَوْ قَالَ: أَحَدُكُمْ - أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ، يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا: الْمُنْكَرُ، وَلِلْآخَرِ: النَّكِيرُ، فَيَقُولَانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: مَا كَانَ يَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا، ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ، ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ، نَمْ، فَيَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخْبِرُهُمْ، فَيَقُولَانِ: نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ، حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مُنَافِقًا قَالَ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ، فَقُلْتُ مِثْلَهُ، لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ، فَيُقَالُ لِلْأَرْضِ: الْتَئِمِي عَلَيْهِ، فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ، فَتَخْتَلِفُ فِيهَا أَضْلَاعُهُ، فَلَا يَزَالُ فِيهَا مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ([2] (http://majles.alukah.net/#_ftn2))».
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ – وَهِيَ سُؤَالُهُ -عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ، وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ عَنِّي خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ([3] (http://majles.alukah.net/#_ftn3))».[1] (http://majles.alukah.net/#_ftnref1))) متفق عليه: أخرجه البخاري (1374)، ومسلم (2870).

[2] (http://majles.alukah.net/#_ftnref2))) حسن: أخرجه الترمذي (1071)، وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وحسنه الألباني ((صحيح الجامع))، (724).

[3] (http://majles.alukah.net/#_ftnref3))) صحيح: أخرجه البخاري (6368).

محمد طه شعبان
2014-03-08, 12:02 PM
قَوْلُهُ: (هَذَا اعْتِقَادُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ ... وَأَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ أَحْمَدَ يُنْقَلُ)؛ أَيْ: هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ هُوَ اعْتِقَادُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ ؛ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ.
وَهُوَ أَيْضًا اعْتِقَادُ غَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ؛ وَإِنَّمَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله الْأَئِمَّةَ الْأَرْبَعَةَ كَمِثَالٍ فَقَطْ؛ لِشُهْرَتِهِمْ عِنْدَ النَّاسِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنِ اتَّبَعْتَ سَبِيلَهُمْ فَمُوَفَّقٌ ... وَإِنِ ابْتَدَعْتَ فَمَا عَلَيْكَ مُعَوَّلُ)؛ أَيْ: إِنِ اتَّبَعْتَ سَبَيلَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ، وَسَبَيلَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَسَوْفَ تُوَفَّقُ وَتُسَدَّدُ؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17]، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرْضَ بِسَبِيلِهِمْ وَطَرِيقِهِمْ، وَابْتَدَعَ فِي الدِّينِ، فَلَنْ يُوَفِّقَهُ اللهُ تَعَالَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأعراف: 186]، وَلَنْ يُعرَّجَ عَلَيْهِ، وَلَنْ يُوثَقَ بِكَلَامِهِ.

الشريف حازم
2014-03-17, 01:19 AM
جزاك الله خيرا شيخنا
وجزاك على إهتمامك بأمور العقيدة

ابوخزيمةالمصرى
2014-06-23, 04:03 AM
موفق مسدد إن شاء الله أبا يوسف

محمد طه شعبان
2014-06-25, 12:48 AM
جزاك الله خيرا شيخنا
وجزاك على إهتمامك بأمور العقيدة
بارك الله فيكم أخانا الحبيب الشريف حازم

محمد طه شعبان
2014-06-25, 12:48 AM
موفق مسدد إن شاء الله أبا يوسف
وفقكم الله أبا خزيمة، وسددكم، وبارك فيكم

محمد طه شعبان
2015-03-22, 11:55 AM
قَوْلُهُ: (هَذَا اعْتِقَادُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ ... وَأَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ أَحْمَدَ يُنْقَلُ)؛
نسأل الله تعالى أن يرزقنا حسن اتباع السلف الصالح

أبو البراء محمد علاوة
2015-08-25, 01:52 PM
التعليقات المختصرة على لامية ابن تيمية رحمه الله (http://majles.alukah.net/t145418/)

محمد طه شعبان
2016-05-07, 01:30 AM
التعليقات المختصرة على لامية ابن تيمية رحمه الله (http://majles.alukah.net/t145418/)


جزاك الله خيرًا.