تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الدين ... والهوى ... ( دع أحدهما : تنل الآخر ) // أبو معاذ الخريف



سعيد الرميح
2013-11-14, 01:04 PM
الدين ... والهوى ( دع أحدهما تنل الآخر )
لم يكن بكل تأكيد جمالا عاديا ذاك الذي جعل رجلا عاقلا يلتفت إلى فتاة جميلة وهي تطوف في بيت الله العتيق وينشدها :
أهوى هوى الدين واللذات تعجبني فكيف لي بهوى اللذات والدين
ولعمر الحق فإنها جمعت مع جمالها عقلا راجحا ولسانا صادقا وذلك حين ردت عليه بهدوء قائلة : (( دع أحدهما تنل الآخر ))
كما الليل والنهار والحق والباطل والكثير من المتضادات فإن الدين لا يجتمع مع الهوى وإن اجتمع الليل والنهار في لحظات مضللة , والحق والباطل فإن وجود أحدهما مع الآخر حالة تحمل الكثير من الارتباك والتذبذب وسيفسد أحدهما الآخر بحسب تمكنه وغلبته .
ولا يزال الإنسان في هذه الدنيا في لوم وممانعة حتى يظفر بقلبه أحد الأمرين ويغلب عليه , أو يظل لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء فارغا كورقة تتقاذفها اتجاهات الرياح أينما يممت .
لم ينجح الذين غلب دينهم هواهم وأزاحه بعيدا مصادفة أو بناء على واسطة أو حظ , كما لم ينغمس أصحاب الأهواء في ملذاتهم المتنوعة ويسلموا قياد أنفسهم لهواهم بسبب سطوة من عدو أو تسلط من مرض , ولكنها المجاهدة للنفس والمغالبة , ومنذ البدايات حتى تشب النفس قوية على نزعات الهوى فتية في مواجهة سطوات الشهوة واللذة المعنوية والمادية .
وتبقى الأفكار والقناعات قائدا للأفعال والممارسات ثم هي مؤدية للعادات والتوجهات ثم الأخيرة صانعة للسلوك وراسمة تكوين المرء لا هيكلا بل معنا وهوية .
إن حصر الهوى في شهوة جسد إغماض عن نسبة كبيرة من الحقيقة .
فبينما يتراقص الهوى في قلب شاب شوقا لفتاة فلربما اهتز بعنف في قلب رجل لمنصب أو جاه أو حفنة مال , وكل وحظه العاثر حيث يتلاعب به هواه في منعرجات طريق الحياة الطويل .
والفاصل في الأمر أن الموفق هو من دحر بصمود هواه أن يمسك بتلابيب قلبه , وقاسى لسنوات مغالبة الهوى بأنواعه حتى أصبح سيدا عليه مطاعا مهاب الجانب .
وبقدر ضعف القلب يمكن للأمور أن تكون غير واضحة وللألوان أن تكون متداخلة ليدخل الهوى من ثقوب وفتحات في القلب برفقة الكثير من المبررات .
ويمكن أن يكون تغيير الأسماء لعبة مسلية للقلب في غشيان المسميات الكالحة إذا غيّر أسماءها فحسب .
ولكنّ الأمر لن يدوم كذلك طويلا , فما أسرع أن يغلب الهوى ولا تسأل ساعتها عن قلب المرء فإنه لن يكون له دور في ردع أو ندم .
إن أكثر الذين غلبوا هواهم كانوا أصدق الناس تعاملا منذ البدء مع ذواتهم , وأسرعهم محاسبة لأنفسهم على هفواتهم , وأدقهم شعورا في تفقد مدهم وجزرهم مع قلوبهم .
إن توصيف النفس اللوامة يتناسب مع الحالة الطويلة التي تسبق السيطرة على الهوى وهي حالة المصالحة التامة التي تكون الغلبة فيها للمرء على هواه بعد جهود مضنية .
إن أول ما يأتيك كما أوصى النفس الزكية ولده قبل اتخاذ القرار والعزمة الأولى هو غالبا الهوى , ولطالما كانت الخطوات المبكرة في الأمور خاسرة , ولذلك دع القرار الأول دون تنفيذ .
انتصار الإنسان على هواه يتطلب مجاهدة وإيمانا ضارب الجذور وإذا كان الإيمان يزيد كلما زادت الطاعات وخاصة التي يمارسها المرء سرا للمزيد من منسوب الإخلاص والصدق فإن أكثر السبل جدوى وأضمنها نهاية السير في طريق التزود المستمر من القربات المعنوية والحسية .
وحتى نجاحات الدنيا لا تتحقق إلا بالمزيد من الانتصارات على الهوى .
وإذا : فإن المفلحين هم الذين جاهدوا أهواءهم أولا ...

عبدالعزيز عبدالرحمن
2013-11-15, 11:53 AM
لعل لي عودة وتعقيب أو إضافة .

عبدالعزيز عبدالرحمن
2013-11-15, 12:05 PM
جزاك الله خير على المقال الطيب .
وهنا سؤال موجه للجميع وهو مرتبط بالموضوع :
هل الهوى يخالف الدين ويناقضه ؟
أوليس الهوى أحياناً يكون سلماً للدار الآخرة كقوله عليه السلام وفي بضع أحدكم أجر .
أوليس الهوى أحياناً يكون مطلوب شرعاً ؟
من منا كمسلمين لايتمنى رؤية الله عز وجل ؟ ومن منا كمسلم لايتمنى نعيم الجنة ؟
أوليس الله عز وجل ذكر نعمته على أصحاب نبيه رضوان الله عليهم إذ قال "ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم "
أولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم " ولنفسك عليك حقاً "
أولم يقرر أهل العلم بأن المباحات المحبوبة للنفس قد ينال بها العبد القربى عند الله إذا نوى بها التقرب لله من حيث الاستغناء عن الحرام واستشعاره إباحتها من ربها حال مباشرتها لها واتخاذها سبيلاً للتقوي على طاعة الله .
أوليس في ديننا الفسحة ؟
أقول والله أعلم بأن الشهوات على صنفين :
الأول : شهوات محرمة وهي كل شهوة مضرة للعبد في جسده أو دينه سواء علمنا بالمضرة أم جهلناها , علماً بأن كل شهوة محرمة فهي شهوة متى ماقطعنا أسبابها وسددنا ذرائعها فالنفس تنفطم عنها بعد مدة .
الثاني شهوات مباحة وهي كل شهوة مفيدة للعبد في دينه أو دنياه أو كلاهما أو على الأقل لاتكون مضرة .
وختاماً الهوى المذموم هو ماخالف الشرع فقط .