أبو عبد الرحمن البيضاوي
2008-02-12, 10:38 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها العاتب مهلا .... فنحن أبطال الكرة
و كأني بك أيها العاتب منزويا في رقعة من ذاك الحِواء المتواضع، مطرِق الرأس صارخا في صمت؛ كمن حاز بنات القلوب جميعا فهو يهدي مرتمضا من حرها.
و قد أعْذُرك...فماذا يكون حال رجل يحمل هم هذه الأمة التي رضيت على مضض أن تكون أكلة هنيئة على قصعة الذل و المهانة؛ تتناوشها أيدي الطغام!! غير نُزَّع من الرجال أولي المروءات و الدِّين ما يزالون صامدين كالجلاميد الصم الشامخات، لا تهزها الفتن و لا تميلها المغريات.
و لكن اليد الواحدة لا تصفق، و ماذا يملك الرجل الدين الجلد وسط أمواج متلاطمة من الغثاء حيثما مر السيل انجرفت معه، كالسنبلة الفارغة تنقاد حيث أمالتها الرياح؟
و كأني بتلك العينين الذابلتين اللتان نضب ماؤهما تهمسان إلي فتقولان:
أين تلك الأسود الضواري التي رسمت بالأمس مجدا تليدا في أرض البطولات ؟؟
و كأني بهما تذران بدل الدمع دما على صوامع هدمت و أراضي غصبت!
على حرمات انتهكت، و أعراض أبيحت !..
على نساء دون ذنب ترملت، و أطفال دون جرم تيتمت !..
على رضع في سن الزهور ذبحت، و شيوخ بغير جرم فجعت !...
و كأني بهما و الدم يتحذر مسترسلا على الخدين بدل الدمع يغديه دم القتلى من الأبرياء .. و أصوات العجائز تلهج صارخة بالدعاء: اصطفهم اللهم في الشهداء......
و كأني بك تنظر إلى هذا العالم الصامت نظرة شزراء حيث يقف موقف المحايد كلما كان الضحية هم المسلمين ! . فلا دم اليوم يسفك، و لا عرض يستباح، و لا أرض تغتصب !غير دماء المسلمين .. و عرض المسلمين .. و أراضي المسلمين ..
و كأني بك تسأل عن البطولات هل انقرض رجالها و عفَّى الذُّل و الخنُوع زمانَها فاندرست آثرها، و نُسي - حيث غُيِّب تحت الثرى - أبطالها؟
فمهلا أيها العاتب!! إن البطولات لم تنقض ، و لا رحل زمانها ..!
بل ما يزال في الأمة أبطال مغاوير، يحملون رايات البلاد الإسلامية خفاقة في السماء، و يُدخلون البهجة و السرور على كل القلوب!! أبطال ما يزالون يرسمون البسمة على الشفاه الحالمة بنسمة من ريح البطولات !!
أوَ ما سمعت بأبطال الكرة؟؟ بتلك الفيالق من الفرسان النبلاء الذين غادروا ثكناتهم صوب أرض البطولات و مسرح الإنجازات الباهرة !
ألم تر إليهم و هم يكَوِّنون فيالق متمرسة يكمل بعضها بعضا، حتى إذا خرجت إحداها من ساحة الوغى منهزمة، أو تقهقرت متردية تحمل ذل التخلف يوم الزحف، و عارَ الاندحار عن النصرة و إعادة البسمة للمكروبين الملتاعين!
حتى إذا خيب ذلك الفريق آمال الملايين من الجماهير الحالمة، و التي لم يبق لها سوى الحلم خيطا من أمل تتشبث به! رأيت الحسرة على وجوه تلك الجماهير، و الاستنفار من لدن المسئولين للنظر في هذه النكبة و الوقوف على أسبابها و تداعياتها حتى تتجنب الوقوع في نفس المأساة مستقبلا !!.
و كأني بك تقول : ليتنا فهمنا هذه المعادلة و أدركنا سر ضعفنا و هواننا فنظرنا إلى الأسباب ، فعرفنا الداء و شخصنا الدواء ، و وقفنا وقفة حقيقية لإعادة بريقنا و لمعاننا، و رفع الذلة و الهوان الذي ما فتئ يعصر قلوبنا و ينكس كرامتنا، لنمضي في طريق لاحب و مسلك فسيح أفيح !
كلا لا تقل هذا و من ذا الذي يأبى أن يجد لنفسه ميدانا تبرز فيه مواهبه، و تظهر فيه بطولاته ثم يتخلف عن تحقيق مآربه، و إدخال البسمة على الوجوه البائسة التي نسيت طعم الابتسامة ؟!
و ليتك نظرت أو تحسست أخبار ذلك الفيلق (الفريق) الذي بقي صامدا بعد خروج جميع الفرقاء الأخرى فاستشعر تمثيل الأمة العربية و الإسلامية؛ فحمل العبء لوحده فكان بحق على قدر المسئولية، فقد ظل واقفا أمام جحافل المقاتلين طودا شامخا لا يكل و لا يمل رغم جميع المناورات و المحاولات المشروعة و غير المشروعة من الخصوم !
ألم تعلم أن للسود في إفريقيا طقوسا خاصة، و شعائر وثنية مرعبة ! أجل فقد نازل أبطالنا و هم على الملعب اللاعبين كما نازلوا السحرة و المشعوذين، و للسحر في إفريقيا السوداء أهمية لا تقل عن الماء.
و حسبك بفطنة فرساننا من لاعبين، و دهاء مسيرينا من وفد مرافق و مسئولين فقد أتوا بما لم تتخيله العقول، و لا خطر لهؤلاء السود على قلوب !
فقد أتوهم بسحر مثله يبطل كيدهم و يرد خبثهم و مكرهم !!
و كأني بك تهمهم في صمت و تحذق بعينين ملتهبتين أضناهما الخور تستفسر في عن عمل المسئولين لإبطال كيد السحرة و المشعوذين؟!
ألم تعلم يا صديقي أن الحرب خدعة؟ و من أعظم الخدع أن أضربك بسلاحك و في عقر دارك في الزمان و المكان الذي لا تتوقعه؟.
لقد قام أبطالنا بذبح ثور حنيذ؛ بأمر من مشعبذ مرِيد على باب الملعب . و راح أبطالنا يرفسونه بأرجلهم و يمسحون به ثيابهم متمثلين أنفسهم يخوضون ساحات الوغى التي تطير فيها الجماجم و تشق فيها الرقاب ! و لعل أبطالنا حينها كانوا يتخيلون تلك الدماء، دماء الأبرياء التي تسفك في كل وقت و حين؛ على أرض فلسطين و العراق و كشمير و بورما و أفغانستان و غيرها من الأراضي الجريحة .
فترى أبطالنا و قد هاجت مهجهم و تدفق الشرر من أعينهم كأنما ركبتهم الشياطين فإذا دخلوا ارض الملعب رأيتهم بحق الرجال فلا يخرجون إلا و قد حازوا النصر الأكيد. و قد نبأت أنهم يكررون ذلك قبل كل نزال!!.
و كأني بك تهز رأسك متأففا في أسى و تقول: كأن لم يبق لنا مجال إلا و خضناه ! ، و لا مجالا خضناه إلا و نبغنا فيه و كسبناه! و كنا أسياده و حملة راياته و من أرسى عراه !!!.
كأن لم تبق لنا إلا كرة القدم ميدانا نجلب فيه بخيلنا و رجلنا!!
فما أسعدنا بالكرة! و ما أسعد الكرة بنا!
إننا بحق أبطال و نحن نجوب ميادين الكرة لاعبين؛ أو متفرجين مشجعين!!
إنها البطولة بحق في زمن قلت فيه البطولات!!
ألم تنظروا إلى تك الأقدام المتسابقة خلف تلك القطعة الجلدية الحقيرة سباق المجنون نحو المجهول؟، و إلى تلك السيقان العارية و الأفخاذ الحاسرة البادية و هي تخوض المسالك الوعرة متحدية الصعاب و المهالك، متمطرة تمطر الخيول العِراب ؛ لا في ميادين التحرير و الفضيلة و لكن في ميادين البطولة الجديدة! ميادين الكرة؟؟
و كأني بك تقول في تهكم : ألم ترو إلى ألئك الأبطال و هم يقذفون الكرة في ثبات و ثقة في النفس عالية ! في الوقت الذي تقذف فيها الدبابات أبناء الأمة الإسلامية في الجانب الآخر من الخريطة العربية الإسلامية على مرأى و مسمع من العالم أجمع!!.
على مرأى من المنظمات الدولية!، و الهيئات الحقوقية!!
على مرأى من العرب.. على مرأى من المسلمين !!
لكن حسبي فماذا بوسع المسلمين أن يفعلوا و هم يتبادلون أدوار البطولة على مسرح كأس إفريقيا لكرة القدم بين لاعبين و متفرجين مشجعين!!
على مسرح البطولات الفريد !!
فما أسعدنا بك يا كرة القدم!
ألم تنظروا إلى شوارعنا حال مباريات منتخباتنا البطلة كيف تكون خلوا من السابلة ؟ و إلى مساجدنا كيف تكون في شبه إجازة .
و تلك حسنات الولع بالكرة ! الكرة التي من شأنها أن تعيد لنا مجدنا الغابر !
إنك لتسمع إلى المشجعين و هم يتصايحون بأصوات جهورية و حناجر ملتهبة صيحات لو سمعت في ميادين الفضيلة لخسفت الأرض تحت أقدام إخوة القردة و الخنازير.
و لكنه الضياع ... و ما هناك حيلة!
ألا مهلا أيها العاتب !
فقد كانت الفتوحات العظيمة مصدر عز و كرامة و مجلب فرحة و غبطة، و قد تغير الحال إلى ذل و مهانة و ما برحنا نخلع ثياب الصغار و الغضاضة، و نضع وشاح التبعية عن عواتقنا، و إننا اليوم و إن عجزنا عن إعادة أمجاد لنا أضعناها مع رحيل جيل الصحابة و الفاتحين، فإننا لم نعجز عن خوض ميادين البطولة على ملعب الكرة لإعادة شيء من البسمة إلى الشفاه، و إدخال الفرحة على القلوب. فهل تستكثر الفرحة على ألئك الأطفال الذي خرجوا إلى الشوارع مهللين و مكبرين؟، و على تلك النسوة اللائي أسمعننا زغاريد جفت الحلوق أن تتغنى بها منذ قرون؟.
و كأني بك تقول و الألم يعتصر فؤادك و اللوعة تكتم أنفاسك: لقد سمعت و رأى غيري أن أبنائنا خرجوا مهللين يرفعون عقيرتهم بالتمجيد و الهتافات للأبطال الفاتحين على تلك الجيفة الجلدية! و سمعت أن بناتنا خرجن متعطرات متبذلات يشاركن الرجال الأفراح بالفتح العظيم، و سمعت أن نسائنا خرجن بدورهن بل و حتى العجائز فيا له من عيد عظيم! جمع شمل المسلمين في ساحات البلاد كلها فرحين مسرورين فرحا ذكرني بأعياد الفاتحين .
و كأني بك تصيح: أو ما سمع هؤلاء ما يجري اليوم على أرض فلسطين؟ أو ما استشعروا حقيقة الأخوة في الدين؟، فأين نحن من جراحات المسلمين؟ أما وصلكم قول رسول رب العالمين :
(ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلاّ خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلاّ نصره الله في موطن يحب نصرته)
ألا مهلا أيها العاتب ! أفلا يكفيك خروج أهل غزة ضمن المشجعين ؟ هاتفين مهللين و مكبرين !! أو ما علمت بموقف ذاك الضرغام الجسور من اللاعبين، حيث سطر على قميصه تضامنه مع أهل فلسطين!، حتى لو أدى ذلك إلى شطب اسمه من لائحة اللاعبين، فأي فداء؟، و أي بطولة تبتغي بعد ما شاهدته العين؟. أفلا يحق لنا بعد هذا كله أن نفتخر بأبطالنا أصحاب الفتح المبين ؟!!!.
أيها العاتب مهلا .... فنحن أبطال الكرة
و كأني بك أيها العاتب منزويا في رقعة من ذاك الحِواء المتواضع، مطرِق الرأس صارخا في صمت؛ كمن حاز بنات القلوب جميعا فهو يهدي مرتمضا من حرها.
و قد أعْذُرك...فماذا يكون حال رجل يحمل هم هذه الأمة التي رضيت على مضض أن تكون أكلة هنيئة على قصعة الذل و المهانة؛ تتناوشها أيدي الطغام!! غير نُزَّع من الرجال أولي المروءات و الدِّين ما يزالون صامدين كالجلاميد الصم الشامخات، لا تهزها الفتن و لا تميلها المغريات.
و لكن اليد الواحدة لا تصفق، و ماذا يملك الرجل الدين الجلد وسط أمواج متلاطمة من الغثاء حيثما مر السيل انجرفت معه، كالسنبلة الفارغة تنقاد حيث أمالتها الرياح؟
و كأني بتلك العينين الذابلتين اللتان نضب ماؤهما تهمسان إلي فتقولان:
أين تلك الأسود الضواري التي رسمت بالأمس مجدا تليدا في أرض البطولات ؟؟
و كأني بهما تذران بدل الدمع دما على صوامع هدمت و أراضي غصبت!
على حرمات انتهكت، و أعراض أبيحت !..
على نساء دون ذنب ترملت، و أطفال دون جرم تيتمت !..
على رضع في سن الزهور ذبحت، و شيوخ بغير جرم فجعت !...
و كأني بهما و الدم يتحذر مسترسلا على الخدين بدل الدمع يغديه دم القتلى من الأبرياء .. و أصوات العجائز تلهج صارخة بالدعاء: اصطفهم اللهم في الشهداء......
و كأني بك تنظر إلى هذا العالم الصامت نظرة شزراء حيث يقف موقف المحايد كلما كان الضحية هم المسلمين ! . فلا دم اليوم يسفك، و لا عرض يستباح، و لا أرض تغتصب !غير دماء المسلمين .. و عرض المسلمين .. و أراضي المسلمين ..
و كأني بك تسأل عن البطولات هل انقرض رجالها و عفَّى الذُّل و الخنُوع زمانَها فاندرست آثرها، و نُسي - حيث غُيِّب تحت الثرى - أبطالها؟
فمهلا أيها العاتب!! إن البطولات لم تنقض ، و لا رحل زمانها ..!
بل ما يزال في الأمة أبطال مغاوير، يحملون رايات البلاد الإسلامية خفاقة في السماء، و يُدخلون البهجة و السرور على كل القلوب!! أبطال ما يزالون يرسمون البسمة على الشفاه الحالمة بنسمة من ريح البطولات !!
أوَ ما سمعت بأبطال الكرة؟؟ بتلك الفيالق من الفرسان النبلاء الذين غادروا ثكناتهم صوب أرض البطولات و مسرح الإنجازات الباهرة !
ألم تر إليهم و هم يكَوِّنون فيالق متمرسة يكمل بعضها بعضا، حتى إذا خرجت إحداها من ساحة الوغى منهزمة، أو تقهقرت متردية تحمل ذل التخلف يوم الزحف، و عارَ الاندحار عن النصرة و إعادة البسمة للمكروبين الملتاعين!
حتى إذا خيب ذلك الفريق آمال الملايين من الجماهير الحالمة، و التي لم يبق لها سوى الحلم خيطا من أمل تتشبث به! رأيت الحسرة على وجوه تلك الجماهير، و الاستنفار من لدن المسئولين للنظر في هذه النكبة و الوقوف على أسبابها و تداعياتها حتى تتجنب الوقوع في نفس المأساة مستقبلا !!.
و كأني بك تقول : ليتنا فهمنا هذه المعادلة و أدركنا سر ضعفنا و هواننا فنظرنا إلى الأسباب ، فعرفنا الداء و شخصنا الدواء ، و وقفنا وقفة حقيقية لإعادة بريقنا و لمعاننا، و رفع الذلة و الهوان الذي ما فتئ يعصر قلوبنا و ينكس كرامتنا، لنمضي في طريق لاحب و مسلك فسيح أفيح !
كلا لا تقل هذا و من ذا الذي يأبى أن يجد لنفسه ميدانا تبرز فيه مواهبه، و تظهر فيه بطولاته ثم يتخلف عن تحقيق مآربه، و إدخال البسمة على الوجوه البائسة التي نسيت طعم الابتسامة ؟!
و ليتك نظرت أو تحسست أخبار ذلك الفيلق (الفريق) الذي بقي صامدا بعد خروج جميع الفرقاء الأخرى فاستشعر تمثيل الأمة العربية و الإسلامية؛ فحمل العبء لوحده فكان بحق على قدر المسئولية، فقد ظل واقفا أمام جحافل المقاتلين طودا شامخا لا يكل و لا يمل رغم جميع المناورات و المحاولات المشروعة و غير المشروعة من الخصوم !
ألم تعلم أن للسود في إفريقيا طقوسا خاصة، و شعائر وثنية مرعبة ! أجل فقد نازل أبطالنا و هم على الملعب اللاعبين كما نازلوا السحرة و المشعوذين، و للسحر في إفريقيا السوداء أهمية لا تقل عن الماء.
و حسبك بفطنة فرساننا من لاعبين، و دهاء مسيرينا من وفد مرافق و مسئولين فقد أتوا بما لم تتخيله العقول، و لا خطر لهؤلاء السود على قلوب !
فقد أتوهم بسحر مثله يبطل كيدهم و يرد خبثهم و مكرهم !!
و كأني بك تهمهم في صمت و تحذق بعينين ملتهبتين أضناهما الخور تستفسر في عن عمل المسئولين لإبطال كيد السحرة و المشعوذين؟!
ألم تعلم يا صديقي أن الحرب خدعة؟ و من أعظم الخدع أن أضربك بسلاحك و في عقر دارك في الزمان و المكان الذي لا تتوقعه؟.
لقد قام أبطالنا بذبح ثور حنيذ؛ بأمر من مشعبذ مرِيد على باب الملعب . و راح أبطالنا يرفسونه بأرجلهم و يمسحون به ثيابهم متمثلين أنفسهم يخوضون ساحات الوغى التي تطير فيها الجماجم و تشق فيها الرقاب ! و لعل أبطالنا حينها كانوا يتخيلون تلك الدماء، دماء الأبرياء التي تسفك في كل وقت و حين؛ على أرض فلسطين و العراق و كشمير و بورما و أفغانستان و غيرها من الأراضي الجريحة .
فترى أبطالنا و قد هاجت مهجهم و تدفق الشرر من أعينهم كأنما ركبتهم الشياطين فإذا دخلوا ارض الملعب رأيتهم بحق الرجال فلا يخرجون إلا و قد حازوا النصر الأكيد. و قد نبأت أنهم يكررون ذلك قبل كل نزال!!.
و كأني بك تهز رأسك متأففا في أسى و تقول: كأن لم يبق لنا مجال إلا و خضناه ! ، و لا مجالا خضناه إلا و نبغنا فيه و كسبناه! و كنا أسياده و حملة راياته و من أرسى عراه !!!.
كأن لم تبق لنا إلا كرة القدم ميدانا نجلب فيه بخيلنا و رجلنا!!
فما أسعدنا بالكرة! و ما أسعد الكرة بنا!
إننا بحق أبطال و نحن نجوب ميادين الكرة لاعبين؛ أو متفرجين مشجعين!!
إنها البطولة بحق في زمن قلت فيه البطولات!!
ألم تنظروا إلى تك الأقدام المتسابقة خلف تلك القطعة الجلدية الحقيرة سباق المجنون نحو المجهول؟، و إلى تلك السيقان العارية و الأفخاذ الحاسرة البادية و هي تخوض المسالك الوعرة متحدية الصعاب و المهالك، متمطرة تمطر الخيول العِراب ؛ لا في ميادين التحرير و الفضيلة و لكن في ميادين البطولة الجديدة! ميادين الكرة؟؟
و كأني بك تقول في تهكم : ألم ترو إلى ألئك الأبطال و هم يقذفون الكرة في ثبات و ثقة في النفس عالية ! في الوقت الذي تقذف فيها الدبابات أبناء الأمة الإسلامية في الجانب الآخر من الخريطة العربية الإسلامية على مرأى و مسمع من العالم أجمع!!.
على مرأى من المنظمات الدولية!، و الهيئات الحقوقية!!
على مرأى من العرب.. على مرأى من المسلمين !!
لكن حسبي فماذا بوسع المسلمين أن يفعلوا و هم يتبادلون أدوار البطولة على مسرح كأس إفريقيا لكرة القدم بين لاعبين و متفرجين مشجعين!!
على مسرح البطولات الفريد !!
فما أسعدنا بك يا كرة القدم!
ألم تنظروا إلى شوارعنا حال مباريات منتخباتنا البطلة كيف تكون خلوا من السابلة ؟ و إلى مساجدنا كيف تكون في شبه إجازة .
و تلك حسنات الولع بالكرة ! الكرة التي من شأنها أن تعيد لنا مجدنا الغابر !
إنك لتسمع إلى المشجعين و هم يتصايحون بأصوات جهورية و حناجر ملتهبة صيحات لو سمعت في ميادين الفضيلة لخسفت الأرض تحت أقدام إخوة القردة و الخنازير.
و لكنه الضياع ... و ما هناك حيلة!
ألا مهلا أيها العاتب !
فقد كانت الفتوحات العظيمة مصدر عز و كرامة و مجلب فرحة و غبطة، و قد تغير الحال إلى ذل و مهانة و ما برحنا نخلع ثياب الصغار و الغضاضة، و نضع وشاح التبعية عن عواتقنا، و إننا اليوم و إن عجزنا عن إعادة أمجاد لنا أضعناها مع رحيل جيل الصحابة و الفاتحين، فإننا لم نعجز عن خوض ميادين البطولة على ملعب الكرة لإعادة شيء من البسمة إلى الشفاه، و إدخال الفرحة على القلوب. فهل تستكثر الفرحة على ألئك الأطفال الذي خرجوا إلى الشوارع مهللين و مكبرين؟، و على تلك النسوة اللائي أسمعننا زغاريد جفت الحلوق أن تتغنى بها منذ قرون؟.
و كأني بك تقول و الألم يعتصر فؤادك و اللوعة تكتم أنفاسك: لقد سمعت و رأى غيري أن أبنائنا خرجوا مهللين يرفعون عقيرتهم بالتمجيد و الهتافات للأبطال الفاتحين على تلك الجيفة الجلدية! و سمعت أن بناتنا خرجن متعطرات متبذلات يشاركن الرجال الأفراح بالفتح العظيم، و سمعت أن نسائنا خرجن بدورهن بل و حتى العجائز فيا له من عيد عظيم! جمع شمل المسلمين في ساحات البلاد كلها فرحين مسرورين فرحا ذكرني بأعياد الفاتحين .
و كأني بك تصيح: أو ما سمع هؤلاء ما يجري اليوم على أرض فلسطين؟ أو ما استشعروا حقيقة الأخوة في الدين؟، فأين نحن من جراحات المسلمين؟ أما وصلكم قول رسول رب العالمين :
(ما من امرئ يخذل امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلاّ خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلاّ نصره الله في موطن يحب نصرته)
ألا مهلا أيها العاتب ! أفلا يكفيك خروج أهل غزة ضمن المشجعين ؟ هاتفين مهللين و مكبرين !! أو ما علمت بموقف ذاك الضرغام الجسور من اللاعبين، حيث سطر على قميصه تضامنه مع أهل فلسطين!، حتى لو أدى ذلك إلى شطب اسمه من لائحة اللاعبين، فأي فداء؟، و أي بطولة تبتغي بعد ما شاهدته العين؟. أفلا يحق لنا بعد هذا كله أن نفتخر بأبطالنا أصحاب الفتح المبين ؟!!!.