أبوعاصم أحمد بلحة
2013-10-21, 07:45 PM
نقل لي أحد المتابعين رسالة جاءته ، يقول صاحبها :
((السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحياكم الله تعالى بداية اظن انكم لاحظتم المد اللادينى غير الطبيعى فى الآونة الأخيرة مما كان يشكل ارضية لنقاشات واسعة حول امور عدة أجمل لكم أهمها فى التالى1- دلائل النبوة: اثبات وجود الله ووحدانيته اثباتا عقليا بالمقام الاول اما مناقشة اللادينى فلا تتأتى الا بثبوت صحة الرسالة المحمدية ثبوتا جازما وللاسف لا امتلك الا ترجيحات وامور بين الاخذ والرد والغريب انى دارس سابق للاسلاميات - حوالى عشر سنوات- ولكنى لم انتبه لخطورة هذا الأمر وكذا الكثيرين.2- إشكال الشرق أوسطية : وجود الرسالات والنبين والكتب فى منطقة الحجاز ومصر والهلال الخصيب فقط وباقى العالم خال الا من ظنون لا نملك عليها أدلة ومن خلال بحثى استطعت ضم ايران ترجيحا بناءا على ظنى فى اصل الزرادشتية اما الهند والصين واوربا والعالم الجديد بقاراته الثلاث فلا على الرغم من ان بعض تلك الحضارات احتفظت بتاريخها بما فيها التاريخ الدينى مما يكون اشكالا مفاده ان مسئلة الوسطاء بين الله والانسن مجرد استمزاجات شرق اوسطية.3- عدم وجود معجزة للنبى مطلقا بنص الكتاب - بم كان يقنع اهل بيداء الحجاز؟؟؟؟؟4- وجود بعض التعارضات العلمية بين الكتاب والعلم الحديث ففى المسائل الفلكية على سبيل المثال مسئلة الشهب الراجمة للشياطين وخلق الارض وتقديرها فى اربعة ايام مقابل يومين للسماوات وسبق خلق الارض على السماء ولم اجد احدا يأول هذه الامور تأويلا مقنعا.5- عدم وجود دلائل تاريخية على شخصية ابراهيم والنبى وشخصيات كثر.6- وجود بعض الامور فى الكتاب مبهمة كالاحرف المقطعة وبعضها فى القصص - فقبضت قبضة من اثر الرسول فنبذتها - والقينا على كرسيه جسدا ثم اناب مم اضطر المفسرين الى اللجأ لاهل الكتاب للبيان وفتح بابا للخرافات والاسرائيليات7- هل باقى اهل العالم معذبون وهم لا يعرفون العربية ولم يقرأوا الكتاب ناهيك من افتقارنا للدلائل القاطعة.أعلم أنى أكثرت عليكم وإن كان غيضا من فيض وآمل أن تساهموا برأيكم أو باحالات على كتب وأبحاث تساهم وتقارب فى حل هاتيك الإشكالات.ونتمن لكم التوفيق من الله وانتظر اجابتكم)) .هذه رسالته بنصها ، وبأخطائها اللغوية والإملائية .فقلت في جوابه :أولا : هذا مثال من أمثلة الفكر الذي يسير عليه عدنان إبراهيم وأمثاله ، في الغرور الثقافي ، والاعتراض به على الوحي ؛ غير أن عدنان إبراهيم بدأ هذا الغرور مع السنة ، فطبق هذا السائل منهجه نفسه على القرآن ! وهذا ما كنا نحذر منه : أن منهج الاعتراض الجاهل الذي يمارسه عدنان إبراهيم لو طُبق على القرآن الكريم لخرج بالنتائج نفسها التي يخرج بها عدنان إبراهيم مع السنة : من التشكيك فيها ، وادعاء تصفيتها من الكذب والدس الذي وقع فيها ، بمنهجه الجاهل المغرور نفسه . فجاءت هذه الأسئلة لتظهر خطر امتداد ذلك المنهج ، وأن نهايته هي الكفر وتكذيب الإسلام !!!ثانيا : بخصوص دلائل النبوة : هناك دلائل نبوة يقينية ظاهرة لا شك في يقينيتها ، تقوم ببعضها الحجة على العباد ، فكيف بها مجتمعة ! لكنها مع يقينيتها لا تصل حد يقين الحس القوي المباشر ، أو حدّ نتائج العمل العقلي الصِّرف (كواحد + واحد = اثنان) . ونقصت يقينية دلائل النبوة عن أعلى درجات اليقين (الحسية والعقلية الصرفة) لحكمة الابتلاء ولعدم رفع التكليف بالإيمان ، ولولا ذلك لانكشفت الـحُجُب ، ولزال فضلُ الإيمان بالغيب .ومن مشكلات الإنسان المعاصر ، ومع غلبة الماديات عليه ، أصبح يريد يقينا من نمط يقينيات الحس ( المشاهدة والسماع واللمس والذوق والشم ) ، ويظن كل ما لا يبلغ هذه الدرجة فهو ليس يقينا ! وكل ما أورد إليه من الاحتمال والتشكيك فهو مما ينزله عن درجة اليقين ، وهذا غير صحيح ؛ فاليقين مراتب بعضها فوق بعض ، كما أن التشكيك في اليقين لا يُصيره ظنا أو شكا بمجرد التشكيك ، فبهذا وصل أصحاب الشك للشك في الحس والعقل وكل شيء .ثالثا : من أمثلة الغرور الثقافي السؤال عن إشكالية الرسالات وعدم وجودها في أطراف العالم كالصين وأوربا والعالم الجديد !فالجواب عن ذلك : يبدأ بالتذكير أننا نجهل الكثير عن حضارات كثيرة كانت فبادت ، ولم يبق لنا منها إلا آثار قليلة ، نحاول أن نتلمس فيها شيئا يسيرا من حياة تلك الأمم ! فأصبحت تلك الآثار التي صادفت ظروفا استثنائية حفظتها من التلف وكأنها سجل يومي يؤرخ لتلك الحضارات ! وكأنها أرشيف يقيد كل صادر ووارد !! وهي مجرد نُتف من هنا وهناك ، وكبضع كلمات متقاطعة لا تتجاوز العشرة من ديوان يتكون من عشرات المجلدات !! ثم نريد أن ننفي بهذه الآثار المكتشفة وجود ما لا يجيز لي الاكتشاف نفسه أن أنفيه ؛ إلا بالجهل والغرور ، وهو ما أسميه بالغرور الثقافي .وبذلك يتبين أن وجود أنبياء ورسل في كل أمم الأرض لا يمكن أن يكون في آثار الأمم الغابرة ما ينفيه ؛ لأن تلك الآثار ما هي إلا قطرة من بحر الحقيقة الغائبة لذلك الغيب السحيق في القدم . ويجب أن نعلم أن الآثار تنفع في الإثبات ، ولكنها لا تكاد تنفع في النفي.وهذا يذكرني بدعوى عدنان إبراهيم أن عدم اكتشاف حفريات تثبت طول آدم عليه السلام من أدلة عدم صحة الحديث الوارد فيه ! مع أن الحفريات تثبت الوجود ، ولا يمكن أن تثبت العدم . وهنا حجة عدنان إبراهيم تُستخدم في إنكار الدين والقرآن ، فهنيئا له هذا التأصيل الذي يضل عباد الله !!ثم هل ينسى صاحب هذا التشكيك : أن الهند والصين وأوربا كانت دولا قائمة في زمن الرسالات ، ولشعوبها علاقات بشعوب الشرق الأوسط ، فلو كانت فكرة الوسطاء (الأنبياء والرسل عليهم السلام) فكرة شرق أوسطية مكذوبة ، كان من السهل أن يسمي أولئك الأدعياء الكذابون أنبياء صينيين ورسلا أوربيين ووسطاء هنودا ، لكي يصححوا دعاواهم في وجوب النبوة للبشرية ! فلماذا لم يخبرنا القرآن الكريم عن نبي صيني أو هندي أو أوربي ؟! لن يكون السبب هو عدم العلم بوجود تلك الشعوب ، ولا لعدم وجود علاقات تجارية وسياسية بها ؟ فلو كان القرآن الكريم مفترى كان يجب أن يذكر شيئا عن أنبياء المشرق والمغرب ، لكي يصحح دعواه : في أنه ما من أمة إلا خلا فيها نذير !!لكن القرآن الكريم بعد أن أقام الدليل اليقيني على صحة النبوة ببلاغته وأسلوبه وتشريعه وأخباره وغير ذلك من دلائل ربانيته ، وبعد أن أخبرنا بعدد كبير من الأنبياء ، قال تعالى { رُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ } ، ليبين لنا أن الأنبياء والرسل المذكورين في القرآن ليسوا سوى نماذج مذكورة للتعلم من سيرهم وللعظة والاقتداء ، ولم يُذكروا فيه بغرض الحصر والاستيعاب . وهو بذلك قد ترك للعاقل أن يدرك أن الشعوب التي لم يذكر فيها نبيا لا يكون عدم ذكره دليلا على عدم وجوده ، وإنما تُرك ذكرها لعدم حاجة الإيمان (صحته وكماله) إلى ذكرها .فلما لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم نبيا في الصين والهند وأوربا ، مع عدم وجود ما يمنع من ذكره ، ومع العلم بالصين والهند وأوربا واحتكاك العرب بهم ، ومع تقريره أنه { وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ } = فهذا يدل على أنه إنما ترك ذكره لأنه لم يوح إليه فيهم شيء . ولو كان صلى الله عليه وسلم يقول القرآن من عند نفسه : مفترى (وحاشاه صلى الله عليه وسلم) لذكر أنبياء في كل بقاع العالم ، وادعاهم في غابر الأزمان ، لكي لا تكذبه الشعوب التي زعم فيها الأنبياء ، ولكان ذلك أدعى (فيما يظن المفتري) لقبول دعواه ولتصديقها .ثم هذا الاعتراض مفترضٌ في حالة تصديق الأمم لأنبيائها ورسلها ، بمعنى أنه يفترض أن الأمم آمنت وصدقت بالنبي ، ولذلك أوجب هذا الافتراضُ أن تُحفظ أخباره وأن تُتنقل سيرته ، ولو عند تلك الشعوب فقط وفي تراثها خاصة . لكنه لم يستحضر حالة النبي الذي يكذبه قومه ، فلا يؤمن له إلا قليل ، فهؤلاء المؤمنون القليلون يندثرون بسرعة ، ويُعادون ، حتى يتفانى ذكرهم . ولم يستحضر هذا الاعتراضُ أيضًا حالةَ النبي الذي لا يؤمن له أحد ، والذي قد يقتله قومه من شدة تكذيبه ومعاداته ومعاداة دعوته . وهما حالتان واردتان عقلا ، ومحتملتان احتمالا كبيرا في سير المصلحين أو زعماء الفكر التغيييري في المجتمعات الإنسانية ، فضلا عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا عن وجود أنبياء يأتون يوم القيامة وليس معهم إلا الرجل والرجلان ، ويأتي بعضهم يوم القيامة وليس معه أحد ، بل قال الله تعالى عن أطول رسالة عرفتها البشرية ، وهي رسالة نوح عليه السلام { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ } . ففي حالة تكذيب النبي يكون الأصلُ هو أن لا تُحفظ أخباره ، فالعادة أن الأمم تحفظ سير المعظمين عندها ، لا سير المفترين في نظرها !وهذا الافتراض مفترض أيضًا في حالة التسامح الديني أيضا ؛ لأنه في حالة الإقصاء الديني يكون هناك حرص كبير لدى الشعوب على إفناء آثار ورموز المخالفين لها في الدين بالحرق والهدم وشتى صنوف الإتلاف والمحو ، كما يشهد بذلك الواقع المعاش والتاريخ القريب والبعيد . وفي حالة أن الأصل في العالم القديم وجود هذا الإقصاء وشدة العداوة للمخالف في الدين ، فإن ادعاء استنطاق الآثار الباقية لنفي وجود ديانات سماوية في الصين والهند وأوربا سيكون كاستنطاق حجر لا يتكلم ، ولن أقول إنه كاستنطاق أخرس فقَدَ القدرة على الكلام . وبذلك من المحتمل أن يكون هناك أنبياء ورسل في الصين والهند وأوربا ، ونجحت دعوتهم ، وكثر أتباعهم ، وربما أقاموا دولة ؛ لكن أفنتهم بعد ذلك الحروب ، واستولت الديانات الكفرية على مدنهم ودولهم ، فأفنوها حرقا ومحوا من الوجود . ورود هذا الاحتمال ، مع عامل الزمن الشديد القسوة أيضا على الآثار الصخرية (من المباني والنقوش) ، فضلا عن الآثار الفكرية = يجعل إغفاله إغفالا لا يقبله العقل ولا قلب الباحث عن الحق .ثم هذا الافتراض نشأ عن جهل بحقيقة لا يدفعها الإسلام : وهي وجود أهل فترة ، أي وجود أمة من الناس لا تقوم عليها الحجة الرسالية ، وإن قامت على أسلافهم . كما حصل للعرب قبيل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ } ، وكما قال تعالى {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } ، وقال تعالى { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ } ، وقال تعالى { وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ } ، وقد أضافت السنة إلى القرآن الكريم تفاصيل عن حكم هؤلاء من أهل الفترة ، وعن حالهم يوم القيامة مع عدم قيام الحجة الرسالية عليهم . والمقصود : أن من الأمم ما لم تقم عليها حجة الأنبياء ، ولهؤلاء حكمهم الخاص عند الله تعالى . فلا يصح الاعتراض بوجود هذه الأمم على إنكار النبوات ، ما دامت النبوات قد ذكرتهم وأجابت في بيان حالهم ! أو بعبارة أخرى : النبوات نفسها قد ذكرت وجود أمم لم تبلغها رسالة نبي ، وتحدثت عن مصيرها ، فكيف يُستدرك على النبوات وتُكذَّب بوجود ما أثبتت هي وجوده ؟! بل بأي منطق بعد ذلك تُنكَر النبوات بعد جوابها عن حجة المنكر لها قبل ذكر حجته ؟!!
((السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحياكم الله تعالى بداية اظن انكم لاحظتم المد اللادينى غير الطبيعى فى الآونة الأخيرة مما كان يشكل ارضية لنقاشات واسعة حول امور عدة أجمل لكم أهمها فى التالى1- دلائل النبوة: اثبات وجود الله ووحدانيته اثباتا عقليا بالمقام الاول اما مناقشة اللادينى فلا تتأتى الا بثبوت صحة الرسالة المحمدية ثبوتا جازما وللاسف لا امتلك الا ترجيحات وامور بين الاخذ والرد والغريب انى دارس سابق للاسلاميات - حوالى عشر سنوات- ولكنى لم انتبه لخطورة هذا الأمر وكذا الكثيرين.2- إشكال الشرق أوسطية : وجود الرسالات والنبين والكتب فى منطقة الحجاز ومصر والهلال الخصيب فقط وباقى العالم خال الا من ظنون لا نملك عليها أدلة ومن خلال بحثى استطعت ضم ايران ترجيحا بناءا على ظنى فى اصل الزرادشتية اما الهند والصين واوربا والعالم الجديد بقاراته الثلاث فلا على الرغم من ان بعض تلك الحضارات احتفظت بتاريخها بما فيها التاريخ الدينى مما يكون اشكالا مفاده ان مسئلة الوسطاء بين الله والانسن مجرد استمزاجات شرق اوسطية.3- عدم وجود معجزة للنبى مطلقا بنص الكتاب - بم كان يقنع اهل بيداء الحجاز؟؟؟؟؟4- وجود بعض التعارضات العلمية بين الكتاب والعلم الحديث ففى المسائل الفلكية على سبيل المثال مسئلة الشهب الراجمة للشياطين وخلق الارض وتقديرها فى اربعة ايام مقابل يومين للسماوات وسبق خلق الارض على السماء ولم اجد احدا يأول هذه الامور تأويلا مقنعا.5- عدم وجود دلائل تاريخية على شخصية ابراهيم والنبى وشخصيات كثر.6- وجود بعض الامور فى الكتاب مبهمة كالاحرف المقطعة وبعضها فى القصص - فقبضت قبضة من اثر الرسول فنبذتها - والقينا على كرسيه جسدا ثم اناب مم اضطر المفسرين الى اللجأ لاهل الكتاب للبيان وفتح بابا للخرافات والاسرائيليات7- هل باقى اهل العالم معذبون وهم لا يعرفون العربية ولم يقرأوا الكتاب ناهيك من افتقارنا للدلائل القاطعة.أعلم أنى أكثرت عليكم وإن كان غيضا من فيض وآمل أن تساهموا برأيكم أو باحالات على كتب وأبحاث تساهم وتقارب فى حل هاتيك الإشكالات.ونتمن لكم التوفيق من الله وانتظر اجابتكم)) .هذه رسالته بنصها ، وبأخطائها اللغوية والإملائية .فقلت في جوابه :أولا : هذا مثال من أمثلة الفكر الذي يسير عليه عدنان إبراهيم وأمثاله ، في الغرور الثقافي ، والاعتراض به على الوحي ؛ غير أن عدنان إبراهيم بدأ هذا الغرور مع السنة ، فطبق هذا السائل منهجه نفسه على القرآن ! وهذا ما كنا نحذر منه : أن منهج الاعتراض الجاهل الذي يمارسه عدنان إبراهيم لو طُبق على القرآن الكريم لخرج بالنتائج نفسها التي يخرج بها عدنان إبراهيم مع السنة : من التشكيك فيها ، وادعاء تصفيتها من الكذب والدس الذي وقع فيها ، بمنهجه الجاهل المغرور نفسه . فجاءت هذه الأسئلة لتظهر خطر امتداد ذلك المنهج ، وأن نهايته هي الكفر وتكذيب الإسلام !!!ثانيا : بخصوص دلائل النبوة : هناك دلائل نبوة يقينية ظاهرة لا شك في يقينيتها ، تقوم ببعضها الحجة على العباد ، فكيف بها مجتمعة ! لكنها مع يقينيتها لا تصل حد يقين الحس القوي المباشر ، أو حدّ نتائج العمل العقلي الصِّرف (كواحد + واحد = اثنان) . ونقصت يقينية دلائل النبوة عن أعلى درجات اليقين (الحسية والعقلية الصرفة) لحكمة الابتلاء ولعدم رفع التكليف بالإيمان ، ولولا ذلك لانكشفت الـحُجُب ، ولزال فضلُ الإيمان بالغيب .ومن مشكلات الإنسان المعاصر ، ومع غلبة الماديات عليه ، أصبح يريد يقينا من نمط يقينيات الحس ( المشاهدة والسماع واللمس والذوق والشم ) ، ويظن كل ما لا يبلغ هذه الدرجة فهو ليس يقينا ! وكل ما أورد إليه من الاحتمال والتشكيك فهو مما ينزله عن درجة اليقين ، وهذا غير صحيح ؛ فاليقين مراتب بعضها فوق بعض ، كما أن التشكيك في اليقين لا يُصيره ظنا أو شكا بمجرد التشكيك ، فبهذا وصل أصحاب الشك للشك في الحس والعقل وكل شيء .ثالثا : من أمثلة الغرور الثقافي السؤال عن إشكالية الرسالات وعدم وجودها في أطراف العالم كالصين وأوربا والعالم الجديد !فالجواب عن ذلك : يبدأ بالتذكير أننا نجهل الكثير عن حضارات كثيرة كانت فبادت ، ولم يبق لنا منها إلا آثار قليلة ، نحاول أن نتلمس فيها شيئا يسيرا من حياة تلك الأمم ! فأصبحت تلك الآثار التي صادفت ظروفا استثنائية حفظتها من التلف وكأنها سجل يومي يؤرخ لتلك الحضارات ! وكأنها أرشيف يقيد كل صادر ووارد !! وهي مجرد نُتف من هنا وهناك ، وكبضع كلمات متقاطعة لا تتجاوز العشرة من ديوان يتكون من عشرات المجلدات !! ثم نريد أن ننفي بهذه الآثار المكتشفة وجود ما لا يجيز لي الاكتشاف نفسه أن أنفيه ؛ إلا بالجهل والغرور ، وهو ما أسميه بالغرور الثقافي .وبذلك يتبين أن وجود أنبياء ورسل في كل أمم الأرض لا يمكن أن يكون في آثار الأمم الغابرة ما ينفيه ؛ لأن تلك الآثار ما هي إلا قطرة من بحر الحقيقة الغائبة لذلك الغيب السحيق في القدم . ويجب أن نعلم أن الآثار تنفع في الإثبات ، ولكنها لا تكاد تنفع في النفي.وهذا يذكرني بدعوى عدنان إبراهيم أن عدم اكتشاف حفريات تثبت طول آدم عليه السلام من أدلة عدم صحة الحديث الوارد فيه ! مع أن الحفريات تثبت الوجود ، ولا يمكن أن تثبت العدم . وهنا حجة عدنان إبراهيم تُستخدم في إنكار الدين والقرآن ، فهنيئا له هذا التأصيل الذي يضل عباد الله !!ثم هل ينسى صاحب هذا التشكيك : أن الهند والصين وأوربا كانت دولا قائمة في زمن الرسالات ، ولشعوبها علاقات بشعوب الشرق الأوسط ، فلو كانت فكرة الوسطاء (الأنبياء والرسل عليهم السلام) فكرة شرق أوسطية مكذوبة ، كان من السهل أن يسمي أولئك الأدعياء الكذابون أنبياء صينيين ورسلا أوربيين ووسطاء هنودا ، لكي يصححوا دعاواهم في وجوب النبوة للبشرية ! فلماذا لم يخبرنا القرآن الكريم عن نبي صيني أو هندي أو أوربي ؟! لن يكون السبب هو عدم العلم بوجود تلك الشعوب ، ولا لعدم وجود علاقات تجارية وسياسية بها ؟ فلو كان القرآن الكريم مفترى كان يجب أن يذكر شيئا عن أنبياء المشرق والمغرب ، لكي يصحح دعواه : في أنه ما من أمة إلا خلا فيها نذير !!لكن القرآن الكريم بعد أن أقام الدليل اليقيني على صحة النبوة ببلاغته وأسلوبه وتشريعه وأخباره وغير ذلك من دلائل ربانيته ، وبعد أن أخبرنا بعدد كبير من الأنبياء ، قال تعالى { رُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ } ، ليبين لنا أن الأنبياء والرسل المذكورين في القرآن ليسوا سوى نماذج مذكورة للتعلم من سيرهم وللعظة والاقتداء ، ولم يُذكروا فيه بغرض الحصر والاستيعاب . وهو بذلك قد ترك للعاقل أن يدرك أن الشعوب التي لم يذكر فيها نبيا لا يكون عدم ذكره دليلا على عدم وجوده ، وإنما تُرك ذكرها لعدم حاجة الإيمان (صحته وكماله) إلى ذكرها .فلما لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم نبيا في الصين والهند وأوربا ، مع عدم وجود ما يمنع من ذكره ، ومع العلم بالصين والهند وأوربا واحتكاك العرب بهم ، ومع تقريره أنه { وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ } = فهذا يدل على أنه إنما ترك ذكره لأنه لم يوح إليه فيهم شيء . ولو كان صلى الله عليه وسلم يقول القرآن من عند نفسه : مفترى (وحاشاه صلى الله عليه وسلم) لذكر أنبياء في كل بقاع العالم ، وادعاهم في غابر الأزمان ، لكي لا تكذبه الشعوب التي زعم فيها الأنبياء ، ولكان ذلك أدعى (فيما يظن المفتري) لقبول دعواه ولتصديقها .ثم هذا الاعتراض مفترضٌ في حالة تصديق الأمم لأنبيائها ورسلها ، بمعنى أنه يفترض أن الأمم آمنت وصدقت بالنبي ، ولذلك أوجب هذا الافتراضُ أن تُحفظ أخباره وأن تُتنقل سيرته ، ولو عند تلك الشعوب فقط وفي تراثها خاصة . لكنه لم يستحضر حالة النبي الذي يكذبه قومه ، فلا يؤمن له إلا قليل ، فهؤلاء المؤمنون القليلون يندثرون بسرعة ، ويُعادون ، حتى يتفانى ذكرهم . ولم يستحضر هذا الاعتراضُ أيضًا حالةَ النبي الذي لا يؤمن له أحد ، والذي قد يقتله قومه من شدة تكذيبه ومعاداته ومعاداة دعوته . وهما حالتان واردتان عقلا ، ومحتملتان احتمالا كبيرا في سير المصلحين أو زعماء الفكر التغيييري في المجتمعات الإنسانية ، فضلا عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا عن وجود أنبياء يأتون يوم القيامة وليس معهم إلا الرجل والرجلان ، ويأتي بعضهم يوم القيامة وليس معه أحد ، بل قال الله تعالى عن أطول رسالة عرفتها البشرية ، وهي رسالة نوح عليه السلام { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ } . ففي حالة تكذيب النبي يكون الأصلُ هو أن لا تُحفظ أخباره ، فالعادة أن الأمم تحفظ سير المعظمين عندها ، لا سير المفترين في نظرها !وهذا الافتراض مفترض أيضًا في حالة التسامح الديني أيضا ؛ لأنه في حالة الإقصاء الديني يكون هناك حرص كبير لدى الشعوب على إفناء آثار ورموز المخالفين لها في الدين بالحرق والهدم وشتى صنوف الإتلاف والمحو ، كما يشهد بذلك الواقع المعاش والتاريخ القريب والبعيد . وفي حالة أن الأصل في العالم القديم وجود هذا الإقصاء وشدة العداوة للمخالف في الدين ، فإن ادعاء استنطاق الآثار الباقية لنفي وجود ديانات سماوية في الصين والهند وأوربا سيكون كاستنطاق حجر لا يتكلم ، ولن أقول إنه كاستنطاق أخرس فقَدَ القدرة على الكلام . وبذلك من المحتمل أن يكون هناك أنبياء ورسل في الصين والهند وأوربا ، ونجحت دعوتهم ، وكثر أتباعهم ، وربما أقاموا دولة ؛ لكن أفنتهم بعد ذلك الحروب ، واستولت الديانات الكفرية على مدنهم ودولهم ، فأفنوها حرقا ومحوا من الوجود . ورود هذا الاحتمال ، مع عامل الزمن الشديد القسوة أيضا على الآثار الصخرية (من المباني والنقوش) ، فضلا عن الآثار الفكرية = يجعل إغفاله إغفالا لا يقبله العقل ولا قلب الباحث عن الحق .ثم هذا الافتراض نشأ عن جهل بحقيقة لا يدفعها الإسلام : وهي وجود أهل فترة ، أي وجود أمة من الناس لا تقوم عليها الحجة الرسالية ، وإن قامت على أسلافهم . كما حصل للعرب قبيل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ } ، وكما قال تعالى {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } ، وقال تعالى { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ } ، وقال تعالى { وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ } ، وقد أضافت السنة إلى القرآن الكريم تفاصيل عن حكم هؤلاء من أهل الفترة ، وعن حالهم يوم القيامة مع عدم قيام الحجة الرسالية عليهم . والمقصود : أن من الأمم ما لم تقم عليها حجة الأنبياء ، ولهؤلاء حكمهم الخاص عند الله تعالى . فلا يصح الاعتراض بوجود هذه الأمم على إنكار النبوات ، ما دامت النبوات قد ذكرتهم وأجابت في بيان حالهم ! أو بعبارة أخرى : النبوات نفسها قد ذكرت وجود أمم لم تبلغها رسالة نبي ، وتحدثت عن مصيرها ، فكيف يُستدرك على النبوات وتُكذَّب بوجود ما أثبتت هي وجوده ؟! بل بأي منطق بعد ذلك تُنكَر النبوات بعد جوابها عن حجة المنكر لها قبل ذكر حجته ؟!!