أبوعاصم أحمد بلحة
2013-09-29, 12:24 PM
العامل على الزكاة
الإسلام دينُ المساواة والتراحم والتعاطف والتعاون، ودينٌ قطع دابر كل شر يهدد الفضيلة والأمن والرخاء، فرضت الزكاة لكونها تساهم في إشاعة الأمن والأمان في المجتمع، وهي تنزع الأحقاد من نفوس الفقراء المحرومين، وتطهر قلوب الأغنياء من الشح، لقوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وتزكيهم بها}(التوبة:103)، ففرض الله تعالى من الصدقات حدًّا أدنى ألزم العباد به، وبَيَّن مقاديرَه، قال الدهلوي: إذ لولا التقدير لفرط المفرط ولاعتدى المعتدي(1).
يقصد بالعامل: كل من له عمل في تحصيل الزكاة، من جاب، أو ساع، أو كاتب، أو حافظ، أو راع، أو حامل، أو حارس، أو غير ذلك، ويقصد بالجباية: الجمع والتحصيل، واستخراج الأموال من مظانِّها كما في لسان العرب، وقد استخدمها ابن خلدون في المقدمة بمعنى الحصيلة، حصيلة الجباية، أي: الموارد المالية، أو الدخل بخلاف الخرج، أي: الإنفاق، وحكم الجباية: الوجوب على الدولة، ذكر ذلك الماوردي وغيره(2).ولا غرو أن مَن يُنَصِّبَ السعاة الذين يجمعون الزكاة، أو الجباة الذين يحصون الزكاة عن الأغنياء لتحصيل الزكاة وتفريقها على مستحقيها هو الإمام أو من ينوب عنه، وقد فعل ذلك رسول الله ص حين أرسل معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن، وكان ضمن وصاياه المتعلقة بمعاملته لمن يقوم عليه: «فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» (3)، وفعلها أيضًا الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم، حيث كانوا يرسلون سعاتهم لقبضها، لأن في الناس من يملك المال ولا يعرف ما يجب عليه، ومنهم من يملك المال ويبخل في تطهير مما فيه من حق، أما النائب فهو مَن نَصَّبَه ربُّ المال لتفرقة الزكاة، فهو يشارك العامل على الزكاة في الغرض، وفي النتيجة من ذلك العمل، وهو أخذ الزكاة من رب المال ووضعها في المستحقين لها.المسألة الأولى: شروط العامل على الزكاة (4):الشرط الأول: الإسلام:لا خلاف بين أهل العلم في جواز نيابة المسلم في توزيع الزكاة وتفريقها، وبناءً على هذا الشرط هل يصح أن يكون العامل على الزكاة كافرًا أم لا؟ اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:القول الأول: وهو قول للمالكية(5)، والحنابلة في المذهب (6)، أنه لا يجوز أن يستعمل الكافر على الزكاة، بحيث يكون نائبًا عن أصحابها في تفرقتها، وقد استدلوا على ذلك بالآتي:أولًا: الكتاب الكريم:قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بعض }(المائدة: 51)ووجه الدلالة من هذه الآية: أن الله- عز وجل- نهى عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء، وفي توليتهم أمر الزكاة نوع ولاية، وهذا لا يجوز، لأن النهي يقتضي التحريم، ويدخل في ذلك جميع الكافرين من باب أولى.ثانيًا: المعقول:< إن من شروط العامل الأمانة بالاتفاق، والكافر ليس بأمين، فلا تؤتمن خيانته في تفريقه الزكاة، وتوزيعها حال توليه عليها، فلا يجوز توليها من قبله كما لا تجوز شهادته(7).< إن العمالة على الزكاة ولاية، والكافر ليس من أهلها(8).< إن العمل في الزكاة يفتقر إلى العلم بالنُصُب، ومقاديرها، وما يتبع ذلك من قَبول الأقوال في ادعاء الدفع والصرف ونحو ذلك، والكافر ليس أهلًا لذلك، وليس أهلًا لَأَن يُولَّى على المسلمين.القول الثانـي: ذهب جمهور العلماء من الحنفية (9)، ورواية للمالكية(10)، ومذهب الشافعية(11)، ورواية للحنابلة(12)، إلى أنه يجوز أن يستعمل فيها غير المسلم من ذمي ونحوه، واستدلوا بما يلي:أولًا: الكتاب الكريم:عموم قوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}(التوب ة: 60).ووجه الدلالة من هذه الآية: هو موطن الاستشهاد في قوله تعالى: {وَالْعَامِلِين عَلَيْهَا}، حيث جاء عامًّا يدخل فيه كل عامل على أي صفة كان فتشمل الكافر وغيره(13).ثانيًا: المعقول:< إن الزكاة عبادة مالية محضة، لذا تصح فيها إنابة الذمي، وإن لـم يكن من أهل النية، لأنه يشترط فيها نية الأمر، وهو المالك المسلم، إذ هو المؤدي في الحقيقة، وإنما الذمي لا يعدو كونه عاملًا(14).< القياس على جواز توكيله في ذبح الأضحية، وبيان ذلك: أنه كما يجوز توكيل الكافر الذي تحل ذبيحته في ذبح الأضحية، يجوز توكيله في توزيع الزكاة وتفريقها، بجامع أن كلًا منهما عبادة مالية(15).القول الثالث: وفيه التفصيل، وبيانه: أن بعض كل من المالكية (16)، والشافعية(17)، والحنابلة(18)، يرون أن اشتراط الإسلام في العامل على الزكاة شرط للأخذ منها، وليس شرطًا لمجرد العمل فيها، فلو أعطاه الإمام من بيت المال أجرةً مثلًا، وبيَّن له ما يجب بيانه، بحيث لا يتصرف إلا في حدود ما بين له، فهنا يجوز أن يولَّى على الزكاة حال توفر تلك القيود.واستدلوا بتعليل مفاده: أن ما يأخذه العامل مقابل عمالته في الزكاة، بأخذه أجرة حينئذ لا زكاة، وإجارة الكافر جائزة(19).الشرط الثانـي: التكليف:ويقصد بالتكليف أن يكون عاقلًا بالغًا، وبناء على هذا الشرط لا يجوز تولية المجنون على الزكاة، كما لا يجوز تولية غير البالغ، وهذا يشمل المميز وغيره، أما غير المميز فلا يجوز توليته أيضًا، لأنه مولَّى عليه(20).وفي هذا الشرط قولان:القول الأول: ذهب الشافعية في قول(21)، ورواية للحنابلة(22) إلى أنه لا يشترط كون المولَّى على الزكاة بالغًا، بل يكتفى بكونه مميزًا.واستدلوا بدليل عقلي مفاده: أن المميز من أهل العبادة، ومن ثم يجوز أن يولَّى على الزكاة كالبالغ.القول الثانـي: ذهب المالكية(23)، ورواية أخرى للحنابلة(24) إلى عدم جواز توليته على الزكاة، لأن عموم نصوصهم تشترط البلوغ.واستدلوا بدليل عقلي أيضًا مفاده: أن تفريق الزكاة وتوزيعها ولاية(25)، والولاية يشترط فيمن يقوم بها البلوغ، لأن غير البالغ مولَّى عليه.الشرط الثالث: العدالة:يشترط فيمَن يتولى الزكاة أن يكون عدلًا ثقةً مؤتمنًا، وذلك حتى تؤمن خيانته، ويوثَق منه، فلا يضعها إلا موضعها، وقد اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على هذا الاشتراط في العامل على الزكاة، وكذا الوكيل فيها.ووجه الاشتراط: أن في العمل على الزكاة– جمعًا وتفريقًا– ولاية، والفاسق غير أمين، فهو ليس من أهل الولاية، ولا من أهل الأمانة(26).ومعنى العدالة هنا: ألا يكون فاسقًا، كما سبق، وعدالة كل أحد فيما ولي فيه، فعدالة الجابـي في جبيها، وعدالة المفرق في تفرقتها، وليس المراد عدالة الشهادة؛ لأننا لو قصدنا ذلك لما احتجنا إلى الشرط الأول، وهو الإسلام مع هذا الشرط، إذ مِن لوازم الإسلام كون صاحبه عدلًا(27).الشرط الرابع: العلم بأحكام الزكاة:والمقصود بهذا الشرط أن يكون العامل على الزكاة فقيهًا في أحكام الزكاة، بحيث يعرف مَن تُؤخذ منه، ومَن تُدفع له، وقدر ما يُؤخَذ، وقدر المأخوذ منه، ونحو ذلك مما يتطلبه التولي على الزكاة، لأنه إذا لـم يكن عالمًا صار غير ذي كفاية لهذا الأمر فلا يولَّى(28).وبعبار أخرى: لا تخلو حال المولَّى على الزكاة من أحد أمرين:< كونه مُفوَّضًا بحيث يُسند إليه عموم الأمر بالنسبة للزكاة جبايةً وتفريقًا، فهذا يشترط فيه ما سبق من كونه عالمًا، فقيهًا بأحكام الزكاة عامة.< كونه منفذًا فقط، بحيث يُعَيَّن له ما يَأْخُذ مثلًا، فلا يعتبر فيه كونه فقيهًا، وقد صرح بهذا الشرط المالكية(29)، والشافعية(30)، والحنابلة(31).الش ط الخامس: الذكورية:وبناء على هذا الشرط، فهل يصح أن تتولى المرأة العمالة في الزكاة أم لا؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين:القول الأول: لابد أن يكون العامل على الزكاة ذكرًا، وبهذا قال المالكية(32)، والشافعية(33)، ورواية للحنابلة(34)، واستدلوا على ذلك بالآتي:أولًا: الكتاب الكريم:قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}.ووجه الدلالة من هذه الآية: هو موطن الاستشهاد بالآية قوله تعالى: {وَالْعَامِلِين عَلَيْهَا}، حيث جاء بلفظ المذكر، فيكون غير شامل للمرأة، فلا تكون المرأة عاملة على الزكاة(35).ثانيًا: السنة المطهرة:أخرج البخاري من حديث أبـي بكرة رضي الله عنه قال: لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل لما بلغ النبيص أنَّ فارسًا ملَّكوا ابنة كسرى، فقال: «لن يفلح قوم ولواْ أمرهم امرأة»(36).ووجه الدلالة من هذا الحديث: أنه عام في الدلالة على أن ولاية المرأة دليل على عدم الفلاح، وفي ذلك إشارة إلى عدم توليتها، ومن ذلك عمالتها في الزكاة.ثالثًا: المعقول:< لـم يُنقل عن المسلمين أنَّ امرأة وُلِّيت عمالة زكاة الْبتة، وتركُهم ذلك قديمًا وحديثًا يدل على عدم جوازه(37).< إن العمالة على الزكاة ولاية من الولايات، والمرأة ليست من أهل الولايات(38).القو الثانـي: لا يشترط كون العامل على الزكاة ذكرًا، وعليه يجوز أن تتولى المرأة العمالة على الزكاة، وهذا قول عند الحنابلة(39)، واستدلوا على ذلك:بأن الأصل في الخطاب الشرعي شموله الذكر والأنثى، وإن جاء بلفظ المذكر تغليبًا، ونتمسك بهذا الأصل حتى يرد ما يدل على التخصيص، ومن النصوص الواردة في هذا المقام قوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}، فيلاحظ أن لفظ العاملين الوارد في الآية جاء مذكرًا، لكنه شامل للذكر والأنثى كالألفاظ التي سبقته في صدر الآية، والألفاظ التي لحقت بعده في الآية، ومن هنا يمكن القول بأنه كما يُعطى الفقير من الزكاة تُعطى الفقيرة، وكما يُعطى المسكين تُعطى المسكينة، وكما يعامل عليها الرجل تتعامل عليها المرأة، وهكذا دلت الآية بظاهرها على جواز أن تكون المرأة عاملة على الزكاة.الشرط السادس: الحــريـــة:وبن ء على اشتراط الحرية، فهل يتولى الرقيق العمالة على الزكاة أم لا؟ اختلف العلماء في هذا الشرط على ثلاثة أقوال:القول الأول: الحرية ليست شرطًا، وعليه يجوز استعمال الرقيق على الزكاة، وهو مذهب الحنابلة(40)، واستدلوا بالتالي:أولًا: السنـــة: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول اللهص: «اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة»(41).ووجه الدلالة من هذا الحديث: أن الحديث دل بعمومه على جواز تولية العبد، فيدخل في هذا العموم جعله عاملًا على الزكاة.ثانيًا: المعقول: إن المقصود من التولية على الزكاة يحصل بالعبد كما يحصل بالحر(42).القول الثانـي: الحرية شرط على الإطلاق، وعليه لا يصح عمالة العبد على الزكاة، وهو قول الحنفية(43)، والمالكية(44)، ووجه عند الحنابلة(45).واست لوا بدليل عقلي مفاده: أن العمالة على الزكاة ولاية، والعبد ليس من أهل الولايات(46) لضعفه بالرق.القول الثالث: التفصيل، وبيانه: إن كان الرقيق وكيلًا على الزكاة من صاحبها فلا مانع من ذلك، وكذلك إن كان عاملًا عليها من قبل الإمام بشرط أن يُعَيَّن له الإمام شيئًا معينًا يأخذه.أما كونه عاملًا عليها فلا يجوز، لكونه رقيقًا، والحرية شرط، وإلى هذا ذهب الشافعية(47)، وهو قول عند الحنابلة(48).واست لوا بدليل عقلي مفاده: أن العبد حينئذ يكون رسولًا، لا واليًا، ينفذ فقط ما عين له تنفيذه.الشرط السابع: النسب:يشترط في العامل على الزكاة أن يكون هاشميًّا أو نحوه من آل البيت الذين لا تحل لهم الصدقة، إلا أن الحقيقة في هذا الاشتراط أن يحمل على الأخذ من الصدقة، أما التولية عليها فلا يشترط فيها، وهو ما صرح به في الجملة الحنفية(49)، والمالكية(50)، والشافعية(51)، والحنابلة(52).وبن ء عليه، إن تطوع الهاشمي ونحوه بالعمالة، أو أعطي أجرته من غير الزكاة، فلا مانع من استعماله عليها، واستدلوا على ذلك:أولًا: السنة: فحديث عبدالمطلب بن الحارث وموطن الاستشهاد منه، قوله: يا رسول الله، أنت أبر الناس، وأوصل الناس، وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقة فنؤدي إليك كما يؤدي الناس، ونصيب كما يصيبون، قال: فسكت طويلًا حتى أردنا أن نكلمه، ثم قال: «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس...»(53).ووجه الدلالة من هذا الحديث: إن استعمال قرابة الرسولص على الصدقة لا يجوز، وفهم من تعليل الرسولص بقوله: «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس»، أن العامل على الصدقة من آل محمدص لا يجوز له الأخذ منها، أما كونه من يأخذ من غيرها فلم يتعرض له الحديث، فيبقى على أصل الإباحة كغيره من المسلمين.ثانيًا: المعقول: حيث قالوا: إن ما يأخذه الهاشمي ونحوه على عمله من باب الإجارة لا من باب الصدقة(54)، والهاشمي وغيره في باب الإجارة يستويان.وهناك شروط أخرى للعامل على الزكاة منها:< أن يكون الساعي أو الجابي رفيقًا بالمكلف: فإذا كانت زكاة سوائم مثلًا فلا يأخذ أفضلها، بل يأخذ الوسط منها، لقول رسول اللهص لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: «إياك وكرائم أموالهم»(55)، لأن الزكاة يُراعى فيها حق الفريقين معًا، وهما: حق الفقير الآخذ، وحق الغني الدافع.< أن يكون الساعي أو الجابي لطيفًًا لينًًا في أقواله وأفعاله: فيستحب أن يدعو لدافع الزكاة بمثل هذا الدعاء: آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت(56)، وبالمقابل يستحب للدافع أن يدعو قائلًا: اللهم اجعلها مغنمًا ولا تجعلها مغرمًا(57)، قال تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بها }.المسألة الثانية: أجرة النائب:لا يخلو حال النائب من أحد أمرين:الأمر الأول: أن يكون متطوعًا بعمله في الزكاة، يبتغي بذلك وجه الله، وحينئذ لا أجرة له وأجره على الله.الأمر الثاني: إذا طلب أجرة على ذلك فهذا أمر جائز، ولكن هل يدفعها رب المال من ماله الخاص، أو تؤخذ من الزكاة نفسها لكونه من العاملين عليها؟يجاب على هذا: بأن رب المال يدفع أجرة الوكيل (النائب) من ماله الخاص، لأن أداءها واجب عليه(58)، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كما هو مقرر في علم الأصول(59)، فلا يأخذ في مقابلته عوضًا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لأنها من مؤنة دفع الزكاة وهي على المالك(60).ومن هنا، فليس لرب المال ولا لوكيله أن يأخذ نصيب العامل عليها، لأنه ليس عاملًا، بل إما مالك عليه تأدية زكاته، أو وكيل للمالك فأجرته على المالك نفسه.أما إذا كان عاملًا فقد جعل الله له سهمًا في الزكاة لقوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}، فهو يستحق أجره من الزكاة ولو كان غنيًّا، لقول رسول اللهص: «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل كان له جار مسكين، فتصدق على المسكين فأهداها المسكين للغني»(61).أما القدر الذي يستحقه العامل على الزكاة نظير عمله ففيه أربعة أقوال:القول الأول: ذهب الحنفية(62) إلى أن العامل يعطى بقدر عمله، بشرط ألا يزاد على نصف ما جمع من الزكاة.القول الثاني: ذهب المالكية(63) إلى أن العامل يعطى أجر مثله، من بيت مال الزكاة إن كان فقيرًا، ومن بيت مال المصالح إن كان غنيًّا.القول الثالث: ذهب الشافعية(64) إلى أن الإمام بالخيار: إن شاء بعث العامل من غير شرط، وأعطاه بعد مجيئه أجرة مثله من الزكاة، وإن شاء استأجره بأجرة معلومة من الزكاة.ودليلهم الأول على ذلك: الأحاديث الصحيحة، وأن الحاجة تدعو إليه لجهالة العمل، فتؤخر الأجرة حتى يعرف عمله، فيعطى بقدره.ودليلهم الثاني: القياس، حيث قالوا: إن ما يأخذه العامل يشبه الإجارة من حيث التقدير بأجرة المثل، ويشبه الصدقة من حيث إنه لا يشترط فيها عقد إجارة، أي: لا يجب أن تكون المدة معلومة، ولا العمل معلومًا، كما في الإجارة.القول الرابع: ذهب الحنابلة(65) إلى أن العامل يعطى أجر المثل، إذا عمل من دون شرط، فإذا عمل بشرط وجب الشرط.
الإسلام دينُ المساواة والتراحم والتعاطف والتعاون، ودينٌ قطع دابر كل شر يهدد الفضيلة والأمن والرخاء، فرضت الزكاة لكونها تساهم في إشاعة الأمن والأمان في المجتمع، وهي تنزع الأحقاد من نفوس الفقراء المحرومين، وتطهر قلوب الأغنياء من الشح، لقوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وتزكيهم بها}(التوبة:103)، ففرض الله تعالى من الصدقات حدًّا أدنى ألزم العباد به، وبَيَّن مقاديرَه، قال الدهلوي: إذ لولا التقدير لفرط المفرط ولاعتدى المعتدي(1).
يقصد بالعامل: كل من له عمل في تحصيل الزكاة، من جاب، أو ساع، أو كاتب، أو حافظ، أو راع، أو حامل، أو حارس، أو غير ذلك، ويقصد بالجباية: الجمع والتحصيل، واستخراج الأموال من مظانِّها كما في لسان العرب، وقد استخدمها ابن خلدون في المقدمة بمعنى الحصيلة، حصيلة الجباية، أي: الموارد المالية، أو الدخل بخلاف الخرج، أي: الإنفاق، وحكم الجباية: الوجوب على الدولة، ذكر ذلك الماوردي وغيره(2).ولا غرو أن مَن يُنَصِّبَ السعاة الذين يجمعون الزكاة، أو الجباة الذين يحصون الزكاة عن الأغنياء لتحصيل الزكاة وتفريقها على مستحقيها هو الإمام أو من ينوب عنه، وقد فعل ذلك رسول الله ص حين أرسل معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن، وكان ضمن وصاياه المتعلقة بمعاملته لمن يقوم عليه: «فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» (3)، وفعلها أيضًا الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم، حيث كانوا يرسلون سعاتهم لقبضها، لأن في الناس من يملك المال ولا يعرف ما يجب عليه، ومنهم من يملك المال ويبخل في تطهير مما فيه من حق، أما النائب فهو مَن نَصَّبَه ربُّ المال لتفرقة الزكاة، فهو يشارك العامل على الزكاة في الغرض، وفي النتيجة من ذلك العمل، وهو أخذ الزكاة من رب المال ووضعها في المستحقين لها.المسألة الأولى: شروط العامل على الزكاة (4):الشرط الأول: الإسلام:لا خلاف بين أهل العلم في جواز نيابة المسلم في توزيع الزكاة وتفريقها، وبناءً على هذا الشرط هل يصح أن يكون العامل على الزكاة كافرًا أم لا؟ اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:القول الأول: وهو قول للمالكية(5)، والحنابلة في المذهب (6)، أنه لا يجوز أن يستعمل الكافر على الزكاة، بحيث يكون نائبًا عن أصحابها في تفرقتها، وقد استدلوا على ذلك بالآتي:أولًا: الكتاب الكريم:قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بعض }(المائدة: 51)ووجه الدلالة من هذه الآية: أن الله- عز وجل- نهى عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء، وفي توليتهم أمر الزكاة نوع ولاية، وهذا لا يجوز، لأن النهي يقتضي التحريم، ويدخل في ذلك جميع الكافرين من باب أولى.ثانيًا: المعقول:< إن من شروط العامل الأمانة بالاتفاق، والكافر ليس بأمين، فلا تؤتمن خيانته في تفريقه الزكاة، وتوزيعها حال توليه عليها، فلا يجوز توليها من قبله كما لا تجوز شهادته(7).< إن العمالة على الزكاة ولاية، والكافر ليس من أهلها(8).< إن العمل في الزكاة يفتقر إلى العلم بالنُصُب، ومقاديرها، وما يتبع ذلك من قَبول الأقوال في ادعاء الدفع والصرف ونحو ذلك، والكافر ليس أهلًا لذلك، وليس أهلًا لَأَن يُولَّى على المسلمين.القول الثانـي: ذهب جمهور العلماء من الحنفية (9)، ورواية للمالكية(10)، ومذهب الشافعية(11)، ورواية للحنابلة(12)، إلى أنه يجوز أن يستعمل فيها غير المسلم من ذمي ونحوه، واستدلوا بما يلي:أولًا: الكتاب الكريم:عموم قوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}(التوب ة: 60).ووجه الدلالة من هذه الآية: هو موطن الاستشهاد في قوله تعالى: {وَالْعَامِلِين عَلَيْهَا}، حيث جاء عامًّا يدخل فيه كل عامل على أي صفة كان فتشمل الكافر وغيره(13).ثانيًا: المعقول:< إن الزكاة عبادة مالية محضة، لذا تصح فيها إنابة الذمي، وإن لـم يكن من أهل النية، لأنه يشترط فيها نية الأمر، وهو المالك المسلم، إذ هو المؤدي في الحقيقة، وإنما الذمي لا يعدو كونه عاملًا(14).< القياس على جواز توكيله في ذبح الأضحية، وبيان ذلك: أنه كما يجوز توكيل الكافر الذي تحل ذبيحته في ذبح الأضحية، يجوز توكيله في توزيع الزكاة وتفريقها، بجامع أن كلًا منهما عبادة مالية(15).القول الثالث: وفيه التفصيل، وبيانه: أن بعض كل من المالكية (16)، والشافعية(17)، والحنابلة(18)، يرون أن اشتراط الإسلام في العامل على الزكاة شرط للأخذ منها، وليس شرطًا لمجرد العمل فيها، فلو أعطاه الإمام من بيت المال أجرةً مثلًا، وبيَّن له ما يجب بيانه، بحيث لا يتصرف إلا في حدود ما بين له، فهنا يجوز أن يولَّى على الزكاة حال توفر تلك القيود.واستدلوا بتعليل مفاده: أن ما يأخذه العامل مقابل عمالته في الزكاة، بأخذه أجرة حينئذ لا زكاة، وإجارة الكافر جائزة(19).الشرط الثانـي: التكليف:ويقصد بالتكليف أن يكون عاقلًا بالغًا، وبناء على هذا الشرط لا يجوز تولية المجنون على الزكاة، كما لا يجوز تولية غير البالغ، وهذا يشمل المميز وغيره، أما غير المميز فلا يجوز توليته أيضًا، لأنه مولَّى عليه(20).وفي هذا الشرط قولان:القول الأول: ذهب الشافعية في قول(21)، ورواية للحنابلة(22) إلى أنه لا يشترط كون المولَّى على الزكاة بالغًا، بل يكتفى بكونه مميزًا.واستدلوا بدليل عقلي مفاده: أن المميز من أهل العبادة، ومن ثم يجوز أن يولَّى على الزكاة كالبالغ.القول الثانـي: ذهب المالكية(23)، ورواية أخرى للحنابلة(24) إلى عدم جواز توليته على الزكاة، لأن عموم نصوصهم تشترط البلوغ.واستدلوا بدليل عقلي أيضًا مفاده: أن تفريق الزكاة وتوزيعها ولاية(25)، والولاية يشترط فيمن يقوم بها البلوغ، لأن غير البالغ مولَّى عليه.الشرط الثالث: العدالة:يشترط فيمَن يتولى الزكاة أن يكون عدلًا ثقةً مؤتمنًا، وذلك حتى تؤمن خيانته، ويوثَق منه، فلا يضعها إلا موضعها، وقد اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على هذا الاشتراط في العامل على الزكاة، وكذا الوكيل فيها.ووجه الاشتراط: أن في العمل على الزكاة– جمعًا وتفريقًا– ولاية، والفاسق غير أمين، فهو ليس من أهل الولاية، ولا من أهل الأمانة(26).ومعنى العدالة هنا: ألا يكون فاسقًا، كما سبق، وعدالة كل أحد فيما ولي فيه، فعدالة الجابـي في جبيها، وعدالة المفرق في تفرقتها، وليس المراد عدالة الشهادة؛ لأننا لو قصدنا ذلك لما احتجنا إلى الشرط الأول، وهو الإسلام مع هذا الشرط، إذ مِن لوازم الإسلام كون صاحبه عدلًا(27).الشرط الرابع: العلم بأحكام الزكاة:والمقصود بهذا الشرط أن يكون العامل على الزكاة فقيهًا في أحكام الزكاة، بحيث يعرف مَن تُؤخذ منه، ومَن تُدفع له، وقدر ما يُؤخَذ، وقدر المأخوذ منه، ونحو ذلك مما يتطلبه التولي على الزكاة، لأنه إذا لـم يكن عالمًا صار غير ذي كفاية لهذا الأمر فلا يولَّى(28).وبعبار أخرى: لا تخلو حال المولَّى على الزكاة من أحد أمرين:< كونه مُفوَّضًا بحيث يُسند إليه عموم الأمر بالنسبة للزكاة جبايةً وتفريقًا، فهذا يشترط فيه ما سبق من كونه عالمًا، فقيهًا بأحكام الزكاة عامة.< كونه منفذًا فقط، بحيث يُعَيَّن له ما يَأْخُذ مثلًا، فلا يعتبر فيه كونه فقيهًا، وقد صرح بهذا الشرط المالكية(29)، والشافعية(30)، والحنابلة(31).الش ط الخامس: الذكورية:وبناء على هذا الشرط، فهل يصح أن تتولى المرأة العمالة في الزكاة أم لا؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين:القول الأول: لابد أن يكون العامل على الزكاة ذكرًا، وبهذا قال المالكية(32)، والشافعية(33)، ورواية للحنابلة(34)، واستدلوا على ذلك بالآتي:أولًا: الكتاب الكريم:قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}.ووجه الدلالة من هذه الآية: هو موطن الاستشهاد بالآية قوله تعالى: {وَالْعَامِلِين عَلَيْهَا}، حيث جاء بلفظ المذكر، فيكون غير شامل للمرأة، فلا تكون المرأة عاملة على الزكاة(35).ثانيًا: السنة المطهرة:أخرج البخاري من حديث أبـي بكرة رضي الله عنه قال: لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل لما بلغ النبيص أنَّ فارسًا ملَّكوا ابنة كسرى، فقال: «لن يفلح قوم ولواْ أمرهم امرأة»(36).ووجه الدلالة من هذا الحديث: أنه عام في الدلالة على أن ولاية المرأة دليل على عدم الفلاح، وفي ذلك إشارة إلى عدم توليتها، ومن ذلك عمالتها في الزكاة.ثالثًا: المعقول:< لـم يُنقل عن المسلمين أنَّ امرأة وُلِّيت عمالة زكاة الْبتة، وتركُهم ذلك قديمًا وحديثًا يدل على عدم جوازه(37).< إن العمالة على الزكاة ولاية من الولايات، والمرأة ليست من أهل الولايات(38).القو الثانـي: لا يشترط كون العامل على الزكاة ذكرًا، وعليه يجوز أن تتولى المرأة العمالة على الزكاة، وهذا قول عند الحنابلة(39)، واستدلوا على ذلك:بأن الأصل في الخطاب الشرعي شموله الذكر والأنثى، وإن جاء بلفظ المذكر تغليبًا، ونتمسك بهذا الأصل حتى يرد ما يدل على التخصيص، ومن النصوص الواردة في هذا المقام قوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}، فيلاحظ أن لفظ العاملين الوارد في الآية جاء مذكرًا، لكنه شامل للذكر والأنثى كالألفاظ التي سبقته في صدر الآية، والألفاظ التي لحقت بعده في الآية، ومن هنا يمكن القول بأنه كما يُعطى الفقير من الزكاة تُعطى الفقيرة، وكما يُعطى المسكين تُعطى المسكينة، وكما يعامل عليها الرجل تتعامل عليها المرأة، وهكذا دلت الآية بظاهرها على جواز أن تكون المرأة عاملة على الزكاة.الشرط السادس: الحــريـــة:وبن ء على اشتراط الحرية، فهل يتولى الرقيق العمالة على الزكاة أم لا؟ اختلف العلماء في هذا الشرط على ثلاثة أقوال:القول الأول: الحرية ليست شرطًا، وعليه يجوز استعمال الرقيق على الزكاة، وهو مذهب الحنابلة(40)، واستدلوا بالتالي:أولًا: السنـــة: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول اللهص: «اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة»(41).ووجه الدلالة من هذا الحديث: أن الحديث دل بعمومه على جواز تولية العبد، فيدخل في هذا العموم جعله عاملًا على الزكاة.ثانيًا: المعقول: إن المقصود من التولية على الزكاة يحصل بالعبد كما يحصل بالحر(42).القول الثانـي: الحرية شرط على الإطلاق، وعليه لا يصح عمالة العبد على الزكاة، وهو قول الحنفية(43)، والمالكية(44)، ووجه عند الحنابلة(45).واست لوا بدليل عقلي مفاده: أن العمالة على الزكاة ولاية، والعبد ليس من أهل الولايات(46) لضعفه بالرق.القول الثالث: التفصيل، وبيانه: إن كان الرقيق وكيلًا على الزكاة من صاحبها فلا مانع من ذلك، وكذلك إن كان عاملًا عليها من قبل الإمام بشرط أن يُعَيَّن له الإمام شيئًا معينًا يأخذه.أما كونه عاملًا عليها فلا يجوز، لكونه رقيقًا، والحرية شرط، وإلى هذا ذهب الشافعية(47)، وهو قول عند الحنابلة(48).واست لوا بدليل عقلي مفاده: أن العبد حينئذ يكون رسولًا، لا واليًا، ينفذ فقط ما عين له تنفيذه.الشرط السابع: النسب:يشترط في العامل على الزكاة أن يكون هاشميًّا أو نحوه من آل البيت الذين لا تحل لهم الصدقة، إلا أن الحقيقة في هذا الاشتراط أن يحمل على الأخذ من الصدقة، أما التولية عليها فلا يشترط فيها، وهو ما صرح به في الجملة الحنفية(49)، والمالكية(50)، والشافعية(51)، والحنابلة(52).وبن ء عليه، إن تطوع الهاشمي ونحوه بالعمالة، أو أعطي أجرته من غير الزكاة، فلا مانع من استعماله عليها، واستدلوا على ذلك:أولًا: السنة: فحديث عبدالمطلب بن الحارث وموطن الاستشهاد منه، قوله: يا رسول الله، أنت أبر الناس، وأوصل الناس، وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقة فنؤدي إليك كما يؤدي الناس، ونصيب كما يصيبون، قال: فسكت طويلًا حتى أردنا أن نكلمه، ثم قال: «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس...»(53).ووجه الدلالة من هذا الحديث: إن استعمال قرابة الرسولص على الصدقة لا يجوز، وفهم من تعليل الرسولص بقوله: «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس»، أن العامل على الصدقة من آل محمدص لا يجوز له الأخذ منها، أما كونه من يأخذ من غيرها فلم يتعرض له الحديث، فيبقى على أصل الإباحة كغيره من المسلمين.ثانيًا: المعقول: حيث قالوا: إن ما يأخذه الهاشمي ونحوه على عمله من باب الإجارة لا من باب الصدقة(54)، والهاشمي وغيره في باب الإجارة يستويان.وهناك شروط أخرى للعامل على الزكاة منها:< أن يكون الساعي أو الجابي رفيقًا بالمكلف: فإذا كانت زكاة سوائم مثلًا فلا يأخذ أفضلها، بل يأخذ الوسط منها، لقول رسول اللهص لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: «إياك وكرائم أموالهم»(55)، لأن الزكاة يُراعى فيها حق الفريقين معًا، وهما: حق الفقير الآخذ، وحق الغني الدافع.< أن يكون الساعي أو الجابي لطيفًًا لينًًا في أقواله وأفعاله: فيستحب أن يدعو لدافع الزكاة بمثل هذا الدعاء: آجرك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت(56)، وبالمقابل يستحب للدافع أن يدعو قائلًا: اللهم اجعلها مغنمًا ولا تجعلها مغرمًا(57)، قال تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بها }.المسألة الثانية: أجرة النائب:لا يخلو حال النائب من أحد أمرين:الأمر الأول: أن يكون متطوعًا بعمله في الزكاة، يبتغي بذلك وجه الله، وحينئذ لا أجرة له وأجره على الله.الأمر الثاني: إذا طلب أجرة على ذلك فهذا أمر جائز، ولكن هل يدفعها رب المال من ماله الخاص، أو تؤخذ من الزكاة نفسها لكونه من العاملين عليها؟يجاب على هذا: بأن رب المال يدفع أجرة الوكيل (النائب) من ماله الخاص، لأن أداءها واجب عليه(58)، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كما هو مقرر في علم الأصول(59)، فلا يأخذ في مقابلته عوضًا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لأنها من مؤنة دفع الزكاة وهي على المالك(60).ومن هنا، فليس لرب المال ولا لوكيله أن يأخذ نصيب العامل عليها، لأنه ليس عاملًا، بل إما مالك عليه تأدية زكاته، أو وكيل للمالك فأجرته على المالك نفسه.أما إذا كان عاملًا فقد جعل الله له سهمًا في الزكاة لقوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}، فهو يستحق أجره من الزكاة ولو كان غنيًّا، لقول رسول اللهص: «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل كان له جار مسكين، فتصدق على المسكين فأهداها المسكين للغني»(61).أما القدر الذي يستحقه العامل على الزكاة نظير عمله ففيه أربعة أقوال:القول الأول: ذهب الحنفية(62) إلى أن العامل يعطى بقدر عمله، بشرط ألا يزاد على نصف ما جمع من الزكاة.القول الثاني: ذهب المالكية(63) إلى أن العامل يعطى أجر مثله، من بيت مال الزكاة إن كان فقيرًا، ومن بيت مال المصالح إن كان غنيًّا.القول الثالث: ذهب الشافعية(64) إلى أن الإمام بالخيار: إن شاء بعث العامل من غير شرط، وأعطاه بعد مجيئه أجرة مثله من الزكاة، وإن شاء استأجره بأجرة معلومة من الزكاة.ودليلهم الأول على ذلك: الأحاديث الصحيحة، وأن الحاجة تدعو إليه لجهالة العمل، فتؤخر الأجرة حتى يعرف عمله، فيعطى بقدره.ودليلهم الثاني: القياس، حيث قالوا: إن ما يأخذه العامل يشبه الإجارة من حيث التقدير بأجرة المثل، ويشبه الصدقة من حيث إنه لا يشترط فيها عقد إجارة، أي: لا يجب أن تكون المدة معلومة، ولا العمل معلومًا، كما في الإجارة.القول الرابع: ذهب الحنابلة(65) إلى أن العامل يعطى أجر المثل، إذا عمل من دون شرط، فإذا عمل بشرط وجب الشرط.