ناصر عبد الغفور
2013-09-17, 02:50 AM
بسم اله الرحمن الرحيم
وقفة تأمل مع قوله تعالى:" :" زين للذين كفروا الحياة الدنيا و يسخرون من الذين آمنوا و الذين اتقوا فوقهم يوم القيامة و الله يرزق من يشاء بغير حساب"- البقرة:212
يقول تعالى:" زين للذين كفروا الحياة الدنيا و يسخرون من الذين آمنوا و الذين اتقوا فوقهم يوم القيامة و الله يرزق من يشاء بغير حساب"- البقرة:212
من المزين هل هو الله تعالى أم إبليس اللعين؟ يحتمل الأمرين: فالشيطان ما سمي بالغرور إلا لأنه يغر و يزين، و أما التزيين من الله جل و علا فجزاء وفاقا على كفرهم و استدراجا لهم، كما قال:" فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون".
و في الحقيقة أن تزيين الدنيا عام لكل الناس: مؤمنين و كفار، أبرار و فجار كما قال تعالى:" إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا"-الكهف:7-،و الآية خرجت مخرج العموم و لم تخص التزيين بنوع من البشر دون نوع، فتحمل على عمومها و هي أن الدنيا قد زينت بما فيها من المتاع و النساء و الأموال و الملذات المختلفة، و العلة في هذا التزيين:" لنبلوهم" فاللام هنا للتعليل، فتزيين الأرض إنما هو للابتلاء و الاختبار و تمييز المحسن الذي لا يغتر بها من المسيء الذي ينغمس فيها و في ملذاتها و شهواتها سواء كانت حلالا أو حراما.
و نحو هذا نجده في قوله تعالى:" زين للناس حب الشهوات من النساء و البنين و القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة و الخيل المسومة و الأنعام و الحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا و الله عنده حسن المئاب"- آل عمران:14-.
كذلك من الآيات الدالة على ما قلت و هو أن التزيين عام قوله تعالى في سورة الحديد:" اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب و لهو و زينة و تفاخر بينكم و تكاثر في الأموال و الأموال..."-20-.
و قد صح عن النبي الكريم عليه من ربه أفضل الصلاة و التسليم أحاديث في هذا المعنى منها قوله:" إن الدنيا خضرة حلوة و إن الله مستخلفكم فيها لينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا و اتقوا النساء" و في رواية:" اتقوا الدنيا فإنها خضرة حلوة".
لكن شتان شتان بين التزيينين، فالمؤمن و إن كانت هذه الدنيا قد زينت و زخرفت يعلم يقينا أن ذالك اختبار من الله تعالى له و ابتلاء منه جل في علاه، فلا ينخدع بها و لا يغتر، بل يأخذ منها ما يبلغه في سفره إلى ربه، و يعلم أن ما فيها من شهوات و ملذات –محرمة- إنما هي بريد إلى نار تلظى كما قال صلى الله عليه و سلم:" و حفت النار بالشهوات"، فيكون فيها كما أمره رسوله:" كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، فتجد واقفا عند حدود الله لا يتعداها بل لا يقربها، لأنه يوقن بقول ربه:" و من يعص الله و رسوله و يتعدى حدوده يدخله نارا خالدا فيها و له عذاب مهين" فلا يطمئن لها و لا يركن إليها البتة، قلبه متعلق بدار الآخرة، حيث الحياة الحقيقية.
أما الكافر فإن كل همه في تحصيل أقصى لذة في هذه الدنيا و عدم تضييع أدنى فرصة في ذلك، لأنه لا إيمان له بدار أخرى بل لسان حاله و مقاله:" ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت و نحيا و ما يهلكنا إلا الدهر"- الجاثية:24-، فلا حدود عنده، و لا تمييز عنده بين حلال و حرام، و هذا من أسباب سخريته بالمؤمن الذي يعلم حدود الله و يقف عندها، و كل حركة و سكنة عنده بميزان" و يسخرون من الذين آمنوا"، كما قال تعالى في آية أخرى:" إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون و إذا مروا بهم يتغامزون..."-المطففين:29-30-، و كما قال جل شأنه معاتبا للكافرين:" إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا و ارحمنا و أنت خير الراحمين، فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري و كنتم منهم تضحكون"- المؤمنون:109-110-.
" و الذين اتقوا فوقهم يوم القيامة...": و هذا من باب "الجزاء من جنس العمل": فلما كان المؤمنون في الدنيا عرضة للاستهزاء و السخرية و الضحك من طرف الكافرين الذين كانوا يرونهم في منزلة دنيا منحطة، يجازيهم الله بجعلهم في علو و فوقية، و من وجه آخر هذه الفوقية جزاء لاستعلائهم-أي المؤمنين- على شهوات الدنيا و ملذاتها و زينتها، إذن فهي فوقية في الآخرة مقابل ما كان يعتقده الكفار في المؤمنين من دنو و سفول، و كذلك هي فوقية مقابل الاستعلاء على زينة الدنيا و عدم الاغترار بها.
و الله أعلم و أحكم.
وقفة تأمل مع قوله تعالى:" :" زين للذين كفروا الحياة الدنيا و يسخرون من الذين آمنوا و الذين اتقوا فوقهم يوم القيامة و الله يرزق من يشاء بغير حساب"- البقرة:212
يقول تعالى:" زين للذين كفروا الحياة الدنيا و يسخرون من الذين آمنوا و الذين اتقوا فوقهم يوم القيامة و الله يرزق من يشاء بغير حساب"- البقرة:212
من المزين هل هو الله تعالى أم إبليس اللعين؟ يحتمل الأمرين: فالشيطان ما سمي بالغرور إلا لأنه يغر و يزين، و أما التزيين من الله جل و علا فجزاء وفاقا على كفرهم و استدراجا لهم، كما قال:" فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون".
و في الحقيقة أن تزيين الدنيا عام لكل الناس: مؤمنين و كفار، أبرار و فجار كما قال تعالى:" إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا"-الكهف:7-،و الآية خرجت مخرج العموم و لم تخص التزيين بنوع من البشر دون نوع، فتحمل على عمومها و هي أن الدنيا قد زينت بما فيها من المتاع و النساء و الأموال و الملذات المختلفة، و العلة في هذا التزيين:" لنبلوهم" فاللام هنا للتعليل، فتزيين الأرض إنما هو للابتلاء و الاختبار و تمييز المحسن الذي لا يغتر بها من المسيء الذي ينغمس فيها و في ملذاتها و شهواتها سواء كانت حلالا أو حراما.
و نحو هذا نجده في قوله تعالى:" زين للناس حب الشهوات من النساء و البنين و القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة و الخيل المسومة و الأنعام و الحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا و الله عنده حسن المئاب"- آل عمران:14-.
كذلك من الآيات الدالة على ما قلت و هو أن التزيين عام قوله تعالى في سورة الحديد:" اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب و لهو و زينة و تفاخر بينكم و تكاثر في الأموال و الأموال..."-20-.
و قد صح عن النبي الكريم عليه من ربه أفضل الصلاة و التسليم أحاديث في هذا المعنى منها قوله:" إن الدنيا خضرة حلوة و إن الله مستخلفكم فيها لينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا و اتقوا النساء" و في رواية:" اتقوا الدنيا فإنها خضرة حلوة".
لكن شتان شتان بين التزيينين، فالمؤمن و إن كانت هذه الدنيا قد زينت و زخرفت يعلم يقينا أن ذالك اختبار من الله تعالى له و ابتلاء منه جل في علاه، فلا ينخدع بها و لا يغتر، بل يأخذ منها ما يبلغه في سفره إلى ربه، و يعلم أن ما فيها من شهوات و ملذات –محرمة- إنما هي بريد إلى نار تلظى كما قال صلى الله عليه و سلم:" و حفت النار بالشهوات"، فيكون فيها كما أمره رسوله:" كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، فتجد واقفا عند حدود الله لا يتعداها بل لا يقربها، لأنه يوقن بقول ربه:" و من يعص الله و رسوله و يتعدى حدوده يدخله نارا خالدا فيها و له عذاب مهين" فلا يطمئن لها و لا يركن إليها البتة، قلبه متعلق بدار الآخرة، حيث الحياة الحقيقية.
أما الكافر فإن كل همه في تحصيل أقصى لذة في هذه الدنيا و عدم تضييع أدنى فرصة في ذلك، لأنه لا إيمان له بدار أخرى بل لسان حاله و مقاله:" ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت و نحيا و ما يهلكنا إلا الدهر"- الجاثية:24-، فلا حدود عنده، و لا تمييز عنده بين حلال و حرام، و هذا من أسباب سخريته بالمؤمن الذي يعلم حدود الله و يقف عندها، و كل حركة و سكنة عنده بميزان" و يسخرون من الذين آمنوا"، كما قال تعالى في آية أخرى:" إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون و إذا مروا بهم يتغامزون..."-المطففين:29-30-، و كما قال جل شأنه معاتبا للكافرين:" إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا و ارحمنا و أنت خير الراحمين، فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري و كنتم منهم تضحكون"- المؤمنون:109-110-.
" و الذين اتقوا فوقهم يوم القيامة...": و هذا من باب "الجزاء من جنس العمل": فلما كان المؤمنون في الدنيا عرضة للاستهزاء و السخرية و الضحك من طرف الكافرين الذين كانوا يرونهم في منزلة دنيا منحطة، يجازيهم الله بجعلهم في علو و فوقية، و من وجه آخر هذه الفوقية جزاء لاستعلائهم-أي المؤمنين- على شهوات الدنيا و ملذاتها و زينتها، إذن فهي فوقية في الآخرة مقابل ما كان يعتقده الكفار في المؤمنين من دنو و سفول، و كذلك هي فوقية مقابل الاستعلاء على زينة الدنيا و عدم الاغترار بها.
و الله أعلم و أحكم.