أبوعاصم أحمد بلحة
2013-08-22, 03:56 AM
يقول السائل ..ما الذي يلزم على القول بخلق القران حتى عده السلف كفرا ؟ وهل قول الاشاعرة بالكلام النفسي شبيه به ؟
الجواب :
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ، وآله وصحبه أجمعين :
أولا : القول بخلق القرآن ، ووجه كونه كفرا :
1 ـ ممهدات :
1 - لما كان كلام المتكلم وصفا قائما به ؛ فإنه يكون تابعا للمتكلم فيما يليق به وما يتنزه عنه ، وهذه قاعدة عقلية كلية ، فإن كلام الرجل غير كلام المرأة ، وكلام الحكيم غير كلام المجنون ، فكذلك يكون كلام المخلوق مخلوقا ، وكلام غير المخلوق غيرَ مخلوق .
وقد استدل أئمة السنة بهذا المعنى على كون القرآن غير مخلوق .
قال مالك وأحمد : كلام الله من الله ، ولا يكون من الله شيء مخلوق " [1] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn1) .
وقال الحسن بن حماد: سأل رجل محمد بن الحسن عن القرآن ، مخلوق هو؟ ، فقال : " القرآن كلام الله ، وليس من الله شيء مخلوق " [2] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn2) .
وروي عن وكيع بن الجراح أنه قال: " من زعم أن القرآن مخلوق ؛ فقد زعم أشياء من الله مخلوقة ، فقلت: يا أبا سفيان ، من أين قلت هذا؟ ، قال: لأن الله تبارك وتعالى يقول: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} ، ولا يكون من الله شيء مخلوق " [3] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn3) .
2 – ولذلك ففي بحث الاعتقاد ، يقرر أهل العلم قاعدة أن ( الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات ) [4] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn4).
3 - فكما يقال في ذات الله : إنها تليق بالله ، ولا يلزم من إثباتها مماثلة ذوات المخلوقين ؛ فكذلك يقال في الوجه واليد والاستواء والضحك ، وكذا الكلام .
4 - وكما أنه لا يسع مسلما أن يقول إن وجه الله مخلوق ، أو رحمته مخلوقة ؛ فإنه يلزمه أن يقول إن كلامه غير مخلوق .
ـ فالقول إن القرآن كلام الله ، غير مخلوق ، عليه إجماع السلف ، لا مخالف بينهم فيه ، وتتبع مقالاتهم لا يدخل تحت الحصر إلا بالجهد الجهيد .
قال شيخ الإسلام : " والصواب الذي عليه سلف الأمة - كالإمام أحمد ، والبخاري صاحب الصحيح ، وغيره وسائر الأئمة قبلهم وبعدهم - ؛ اتباع النصوص الثابتة وإجماع سلف الأمة وهو : أن القرآن جميعه ؛ كلام الله : حروفه ، ومعانيه ، ليس شيء من ذلك كلاما لغيره؛ ولكن أنزله على رسوله ، وليس القرآن اسما لمجرد المعنى ، ولا لمجرد الحرف ؛ بل لمجموعهما ، وكذلك سائر الكلام ليس هو الحروف فقط ؛ ولا المعاني فقط. كما أن الإنسان المتكلم الناطق ليس هو مجرد الروح ولا مجرد الجسد؛ بل مجموعهما. وأن الله تعالى يتكلم بصوت ، كما جاءت به الأحاديث الصحاح ، وليس ذلك كأصوات العباد ، لا صوت القارئ ، ولا غيره. وأن الله ليس كمثله شيء ، لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله. فكما لا يشبه علمه وقدرته وحياته علم المخلوق وقدرته وحياته ؛ فكذلك لا يشبه كلامه كلام المخلوق ، ولا معانيه تشبه معانيه ، ولا حروفه تشبه حروفه ، ولا صوت الرب يشبه صوت العبد .
فمن شبه الله بخلقه ؛ فقد ألحد في أسمائه وآياته ، ومن جحد ما وصف به نفسه ؛ فقد ألحد في أسمائه وآياته " [5] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn5).
2 ـ كفر من قال : القرآن مخلوق :
بناء على ما سبق فقد استفاض عن السلف القول بإكفار من قال بخلق القرآن ، وهو إجماع السلف قاطبة
وعدَّ اللالكائي أسماء كثيرة من طبقات شتى ، ثم قال : " قالوا كلهم: القرآن كلام الله غير مخلوق ، ومن قال مخلوق فهو كافر.
فهؤلاء خمس مائة وخمسون نفسا ، أو أكثر ، من التابعين ، وأتباع التابعين ، والأئمة المرضيين ، سوى الصحابة الخيرين ، على اختلاف الأعصار ، ومضي السنين والأعوام. وفيهم نحو من مائة إمام ، ممن أخذ الناس بقولهم ، وتدينوا بمذاهبهم ، ولو اشتغلت بنقل قول المحدثين ؛ لبلغت أسماؤهم ألوفا كثيرة ، لكني اختصرت ، وحذفت الأسانيد للاختصار ، ونقلت عن هؤلاء عصرا بعد عصر ، لا ينكر عليهم منكر ، ومن أنكر قولهم استتابوه أو أمروا بقتله أو نفيه أو صلبه " [6] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn6) .
وقال الحافظ الذهبي : " أما تَكْفِير من قَالَ بِخلق الْقُرْآن ؛ فقد ورد عَن سَائِر أَئِمَّة السّلف ، فِي عصر مَالك وَالثَّوْري ، ثمَّ عصر ابْن الْمُبَارك ووكيع ، ثمَّ عصر الشَّافِعِي وَعَفَّان والقعنبي ، ثمَّ عصر أَحْمد ابْن حَنْبَل وَعلي بن الْمَدِينِيّ ، ثمَّ عصر البُخَارِيّ وَأبي زرْعَة الرَّازِيّ، ثمَّ عصر مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي وَالنَّسَائِيّ وَمُحَمّد بن جرير وَابْن خُزَيْمَة " [7] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn7) .
وهو سبب محنة الإمام أحمد المعروفة .
3 – وجه كفر من قال بخلق القرآن :
أطلق السلف القول بتكفير من قال بخلق القرآن لأوجه شتى ، من أهمها :
1- أظهرها أن القول إن القرآن مخلوق ، وهو كلام الله ، هو من تشبيه الله بخلقه ، وهذا كفر ، قال الطحاوي : " َمَنْ وَصَفَ اللَّهَ بِمَعْنًى مِنْ مَعَانِي الْبَشَرِ ؛ فقد كفر " [8] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn8) ، وقد تقدم الكلام في أن ما كان من المخلوق مخلوق ، وما كان من غير المخلوق غير مخلوق ، وكيف أن السلف تواردوا على تلك العبارة .
2- ولأن الصفة إذا قيل إنها مخلوقة ؛ لم يخل أن يقال : إن الله خلقها أو لم يخلقها ؛ فإن قيل لم يخلقها ؛ كان مربوبا مخلوقا ، وكان خالقها أولى منه بالربوبية ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، وهذا كفر عظيم .
وإن قيل هو خلقها ؛ لزم أن تكون ذاته منتفية عن الاتصاف بها قبل خلقها ، ولا تخلو تلك الصفات أن تكون كمالا أو نقصا ، فإن كانت نقصا ؛ فهذا مناف لكمال الله المطلق ، ولا يقوله مسلم ، وإن كانت كمالا ؛ لزم أن ذاته لم تكن متصفة بكل كمال فيما كان ، وما يكون ، وهذا مناف لكماله المطلق ؛ فوجب أن تكون كل صفات الله غير مخلوقة .
لا يقال ؛ هذه حجة الرازي في نفي قيام الأفعال الاختيارية ؛ لأن محل البحث في نفس الاتصاف بالكلام ، لا في آحاده ، ولا يخالف أحد في أن الله لو لم يكن متصفا بجنس الصفة ثم اتصف بها لكان مستفيدا كمالا لم يكن متصفا به ، بخلاف عدم قيام الفعل الحادث به مع اتصافه بجنس الفعل .
فإن الساكت مع قدرته على الكلام لا يكون ناقصا ، بخلاف الأبكم الذي لا يقدر على الكلام ، وهذا قريب من التالي .
3- أن هذا يلزم منه أن الله لم يكن متصفا بكونه متكلما في الأزل ، بل خلق الكلام بعد أن لم يكن متكلما ، وفي هذا وصفه بالبكم والخرس ، وهذا نقص ، إثباته لله كفر .
قال أبو الحسن الأشعري : " واعلموا - رحمكم الله - أن قول الجهمية: " إن كلام الله مخلوق "، يلزمهم به أن يكون الله تعالى لم يزل كالأصنام ، التي لا تنطق ولا تتكلم، لو كان لم يزل غير متكلم؛ لأن الله تعالى يخبر عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه لما قالوا له: { أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم} ، { قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون} ، فاحتج عليهم بأن الأصنام إذا لم تكن ناطقة متكلمة ؛ لم تكن آلهة، وأن الإله لا يكون غير ناطق ولا متكلم " [9] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn9) .
وهذه الحجة ذائعة في كلام أهل السنة ، من قولهم : الحي لا يخلو من كونه متكلما أو أبكم ، فإن لم يكن متكلما كان أبكم .
4- أن القول بخلق القرآن ؛ لا يخلو إما أن يكون خلقه في ذاته ، أو في غيره ، أو لا في محل ، والثالث قول المعتزلة ، وهو باطل غير معقول ، لامتناع قيام العرض في غير محل .
وأما القول بأنه خلقه في نفسه ؛ فقد تقدم التعليق عليه .
أما الجهمية ؛ فقالوا : إنه خلقه في غيره ، ومن ذلك الشجرة ، التي كلم الله موسى عندها ، وإذا كانت الصفة راجعة لمن قامت به ؛ كان الكلام ثابتا للمتكلم ، فتكون الشجرة قائلة : أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني ، وهذا كفر .
قال الآجري : " فإن قال قائل: إن الله تعالى خلق كلاماً في الشجرة، فكلم به موسى قيل: هذا هو الكفر، لأنه يزعم أن الكلام مخلوق، تعالى الله عز وجل عن ذلك ويزعم أن مخلوقاً يدعي الربوبية، وهذا من أقبح القول وأسمجه. وقيل له: يا ملحد، هل يجوز لغير الله أن يقول: إنني أنا الله؟ نعوذ بالله أن يكون قائل هذا مسلما، هذا كافر يستتاب، فإن تاب ورجع عن مذهبه السوء وإلا قتله الإمام، فإن لم يقتله الإمام ولم يستتبه وعلم منه أن هذا مذهبه هجر ولم يكلم، ولم يسلم عليه. ولم يصل خلفه، ولم تقبل شهادته. ولم يزوجه المسلم كريمته " [10] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn10).
وقال الأشعري : " ويقال لهم: كما لا يجوز أن يخلق الله إرادته في بعض المخلوقات، كذلك لا يجوز أن يخلق كلامه في بعض المخلوقات، ولو كانت إرادة الله مخلوقة في بعض المخلوقات لكان ذلك المخلوق هو المريد بها، وذلك يستحيل، وكذلك يستحيل أن يخلق الله كلامه في مخلوق؛ لأن هذا يوجب أن ذلك المخلوق متكلم به، ويستحيل أن يكون كلام الله كلاما للمخلوق " [11] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn11) .
5- أن في القرآن أسماء الله ، وفيه علم الله ، والقول إن هذا مخلوق ؛ كفر .
قال الإمام أحمد : " القرآن من علم الله ، ألا تراه يقول: {عَلَّمَ الْقُرْآنَ} ، والقرآن فيه أسماء الله -عز وجل- ، أي شيء تقولون؟ ، ألا يقولون إن أسماء الله -عز وجل- غير مخلوقة؟ ، مَنْ زعم أن أسماء الله -عز وجل- مخلوقة ؛ فقد كفر، لم يزل الله -عز وجل- قديرًا عليمًا عزيزًا حكيمًا سميعًا بصيرًا، لسنا نشك أن أسماء الله ليست بمخلوقة ، ولسنا نشك أن علم الله تبارك وتعالى ليس بمخلوق، وهو كلام الله -عز وجل- ولم يزل الله -عز وجل- حكيمًا.
ثم قال أبو عبد الله: وأي كفر أبين من هذا؟! ، وأي كفر أكفر من هذا؟! ، فإذا زعموا أن القرآن مخلوق فقد زعموا أن أسماء الله مخلوقة ، وأن علم الله مخلوق، ولكن الناس يتهاونون بهذا ويقولون: إنما يقولون القرآن مخلوق، فيتهاونون ويظنون أنه هين ولا يدرون ما فيه من الكفر " [12] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn12) .
قال الأشعري : " فكيف يكون القرآن مخلوقا وأسماء الله في القرآن؟ ، هذا يوجب أن تكون أسماء الله مخلوقة، ولو كانت أسماؤه مخلوقة ؛ لكانت وحدانيته مخلوقة، وكذلك علمه وقدرته. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا " [13] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn13) .
ـ فيلزم من هذا أنه لم يكن لله اسم ، قبل أن تخلق هذه الأسماء ، وفي هذا من النقص ما لا يجوز وصف الله به .
قال الدارمي : " ثُمَّ اعْتَرَضَ الْمُعَارِضُ أَسْمَاءَ اللَّهِ الْمُقَدَّسَةَ ، فَذَهَبَ فِي تَأْوِيلِهَا مَذْهَبَ إِمَامِهِ الْمَرِيسِيِّ. فَادَّعَى أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ غَيْرَ اللَّهِ، وَأَنَّهَا مستعارة مخلوقة ، كَمَا أَن قَدْ يَكُونُ شَخْصٌ بِلَا اسْمٍ. فَتَسْمِيَتُهُ لَا تَزِيدُ فِي الشَّخْصِ، وَلَا تَنْقُصُ، يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ كَانَ مَجْهُولًا كَشَخْصٍ مَجْهُولٍ. لَا يُهْتَدَى لِاسْمِهِ. وَلَا يُدْرَى مَا هُوَ، حَتَّى خَلَقَ الْخَلْقَ فَابْتَدَعُوا لَهُ أَسْمَاءً مِنْ مَخْلُوقِ كَلَامِهِمْ. فَأَعَارُوهَا إِيَّاهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْرَفَ لَهُ اسْمٌ قَبْلَ الْخَلْقِ " [14] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn14) .
ودفع المريسي ما يتوهم من أن الاسم لا علاقة له بالمسمى ؛ فيما يتعلق بالحق تعالى ، فإن أسماءه متضمنة لصفاته دالة عليها ، فقال : " وَلَا تُقَاسُ أَسْمَاءُ اللَّهِ بِأَسْمَاءِ الْخَلْقِ؛ لِأَنَّ أَسْمَاءَ الْخَلْقِ مَخْلُوقَةٌ مُسْتَعَارَةٌ. وَلَيْسَت أَسْمَاءَهُم نَفْسَ صِفَاتِهِمْ بَلْ هِيَ مُخَالِفَةٌ لِصِفَاتِهِمْ. وَأَسْمَاءُ اللَّهِ صِفَاتُهُ، لَيْسَ شَيْءٌ مُخَالِفًا لِصِفَاتِهِ ، وَلَا شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِهِ مُخَالِفًا لِلْأَسْمَاءِ "[15] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn15) .
ورد على قول من يقول إن كون الأسماء الحسنى مخلوقة لا يلزم منه قول باطل ؛ لأن الاسم غير المسمى ، فقال : "ثُمَّ احْتَجَّ الْمُعَارِضُ لِتَرْوِيجِ مَذْهَبِهِ بِأَقْبَحِ قِيَاسٍ: فَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَتَبْتَ اسْمًا فِي رُقْعَةٍ ثُمَّ احْتَرَقَتِ الرُّقْعَةُ، أَلَيْسَ إِنَّمَا تَحْتَرِقُ الرُّقْعَةُ وَلَا تَضُرُّ النَّارُ الاسْمَ شَيْئًا؟
فَيُقَالُ لِهَذَا التَّائِهِ الَّذِي لَا يَدْرِي مَا يَخْرُجُ من رَأسه: إِنَّ الرُّقْعَةَ وَكِتَابَةَ الِاسْمِ لَيْسَ كَنَفْسِ الِاسْمِ. إِذَا احْتَرَقَتِ الرُّقْعَةُ احْتَرَقَ الْخَطُّ وَبَقِيَ اسْمُ اللَّهِ لَهُ وَعَلَى لِسَانِ الْكَاتِبِ ، كَمَا لَمْ يَزَلْ قَبْلَ أَنْ يُكْتَبَ، لَمْ تُنْقِصِ النَّارُ مِنَ الِاسْمِ وَلَا مِمَّنْ لَهُ الِاسْمُ شَيْئًا. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ أَسْمَاءَ الْمَخْلُوقِينَ ، لَمْ تُنْقِصِ النَّارُ مِنْ أَسْمَائِهِمْ وَلَا مِنْ أَجْسَامِهِمْ شَيْئًا. وَكَذَلِكَ لَوْ كَتَبْتَ اللَّهَ بِهِجَائِهِ فِي رُقْعَة لَاحْتَرَقَتِ الرُّقْعَةُ ، وَكَانَ اللَّهُ بِكَمَالِهِ عَلَى عَرْشِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ صُوِّرَ رَجُلٌ فِي رُقْعَةٍ، ثُمَّ أُلْقِيَتْ فِي النَّارِ لَاحْتَرَقَتِ الرُّقْعَةُ، وَلَمْ يَضُرَّ الصُّورَةَ شَيْئًا " [16] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn16) .
فقال : " أَرَأَيْتُمْ قَوْلَكُمْ: إِنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ مَخْلُوقَةٌ ، فَمَنْ خَلَقَهَا؟ ، أَوْ كَيْفَ خَلَقَهَا؟ ، أَجَعَلَهَا أَجْسَامًا وَصُوَرًا تَشْغَلُ أَعْيَانُهَا أَمْكِنَةً دُونَهُ مِنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ؟ ، أَمْ مَوْضِعًا دُونَهُ فِي الْهَوَاءِ؟.
فَإِنْ قُلْتُمْ: لَهَا أَجْسَامٌ دُونَهُ، فَهَذَا مَا تَنْفِيهِ عُقُولُ الْعُقَلَاءِ.
وَإِنْ قُلْتُمْ: خَلَقَهَا عَلَى أَلْسِنَةِ الْعِبَادِ، فَدَعَوْهُ بِهَا، وَأَعَارُوهَا إِيَّاهُ، فَهُوَ مَا ادَّعَيْنَا عَلَيْكُمْ: إِنَّ اللَّهَ بِزَعْمِكُمْ كَانَ َمجْهُولًا لَا اسْمَ لَهُ ، حَتَّى حَدَثَ الْخَلْقُ فَأَحْدَثُوا أَسْمَاءً مِنْ مَخْلُوقِ كَلَامِهِمْ. وَهَذَا هُوَ الْإِلْحَادُ بِاللَّهِ وَفِي أَسْمَائِهِ وَالتَّكْذِيبِ بِهَا. قَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } " [17] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn17) .
ولذلك يحكي شيخ الإسلام أن السلف في ردهم على من قال الاسم غير المسمى كانوا يقصدون الجهمية ، فهم من كان في ذلك الوقت يقول الاسم غير المسمى ، قال : " اختلف في الاسم والمسمى: هل هو هو ، أو غيره ، أو لا يقال: هو هو، ولا يقال: هو غيره أو هو له؟ ، أو يفصل في ذلك؟ ؛ فإن الناس قد تنازعوا في ذلك ، والنزاع اشتهر في ذلك بعد الأئمة ، بعد أحمد وغيره، والذي كان معروفًا عند أئمة السنة أحمد وغيره الإنكار على الجهمية الذين يقولون: أسماء الله مخلوقة. فيقولون: الاسم غير المسمى ، .. ، والمقصود هنا أن المعروف عند أئمة السنة إنكارهم على من قال: أسماء الله مخلوقة، وكان الذين يطلقون القول بأن الاسم غير المسمى هذا مرادهم " [18] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn18) .
ففي ذلك القول فوق الإلزام الشنيع أن الله لم يكن له اسم ، ثم تسمى ؛ أن فيه الاحتياج للمخلوق ، فلا شك أن الأسماء من الكمال ، وأن المجهول الذي لا اسم له أنقص من المسمى ، والأسماء ؛ حسنى لله عز وجل ، فيكون الباري قد استفاد كمالا لم يكن متصفا به البتة ، وفي هذا من الاحتياج والافتقار ما لا يليق بالغني الحميد .
قال شيخ الإسلام : " أسماء الله هي في القرآن ، فمن قال : هو مخلوق ، والمخلوق هو الصوت القائم ببعض الأجسام ؛ يكون ذلك الجسم هو الذي سمى الله بتلك الأسماء ، ولم يكن قبل ذلك الجسم وصوته لله اسمٌ ، بل يكون ذلك الاسم قد نحله إياه ذلك الجسم " .
ثم قال : " ولهذا روى البخاري في صحيحه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أنه سأله سائل عن قوله: وكان الله غفورا رحيما عزيزا حكيما سميعا بصيرا، فكأنه كان ، ثم مضى ، فقال ابن عباس: وكان الله غفورا رحيما ، سمى نفسه ذلك ، وذلك قوله أني لم أزل كذلك، هذا لفظ البخاري .
وهو رواه مختصرا ، ولفظ البوشنجي : محمد بن إبراهيم الإمام ، عن شيخ البخاري ، الذي رواه من جهته البرقاني في صحيحه: فإن الله سمى نفسه ذلك ، ولم ينحله غيره ، فذلك قوله: { وكان الله } ، أي : لم يزل كذلك . هكذا رواه البيهقي عن البرقاني.
وذكر الحميدي لفظه : فإن الله جعل نفسه ذلك ، وسمى نفسه ، وجعل نفسه ذلك ولم ينحله أحدا غيره، { وكان الله } أي : لم يزل كذلك، ولفظ يعقوب بن سفيان عن يوسف بن عدي شيخ البخاري: فإن الله سمى نفسه ذلك ، ولم يجعله غيره ، { وكان الله } ، أي : لم يزل كذلك " [19] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn19) .
قال الدارمي : " وَأَيُّ تَأْوِيلٍ أَوْحَشُ مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ رَجُلٌ أَنَّ اللَّهَ كَانَ وَلَا اسْمَ لَهُ؟! ، مَا مدعي هَذَا بِمُؤْمِنٍ ، وَلَنْ يَدْخُلَ الْإِيمَانُ قَلْبَ رَجُلٍ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ إِلَهًا وَاحِدًا، بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ وَجَمِيعِ صِفَاتِهِ، لَمْ يَحْدُثْ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ كَمَا لَمْ تَزَلْ وَحْدَانِيَّتُه ُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " [20] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn20) .
ـ أما العلم ، فهذا قد ينازع فيه ، بخلاف الأسماء ، إلا أن القرآن دال أنه من علم الله .
قال شيخ الإسلام : " وأما اشتمال القرآن على العلم ؛ فهذا ينازع فيه من يقول : إن القرآن هو مجرد الحروف والأصوات ، فإن هؤلاء لا يجعلون القرآن فيه علم الله ، بل والذين يقولون : الكلام معنى قائم بالذات والخبر والطلب ، وأن معنى الخبر ليس هو العلم ، ومعنى الطلب لا يتضمن الإرادة، ينازعون في أن مسمى القرآن يدخل فيه العلم .
فذكر الإمام أحمد ما يستدل به على أن علم الله في القرآن ، وهو قوله : " فإن القرآن من علم الله ؛ لأن الله أخبر بذلك " ، فذكر أحمد لفظ القرآن الذي يدل على موارد النزاع ، فإن قوله : " القرآن من علم الله " ؛ مطابق لقوله تعالى: {ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير} [البقرة: 120] ، ولقوله تعالى: {ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين} [البقرة: 145] ولقوله: {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم} [آل عمران: 61] الآية ولقوله: {وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق} [الرعد: 37] .
ومعلوم أن المراد بالذي جاءك من العلم في هذه الآيات ؛ إنما هو ما جاءه من القرآن كما يدل عليه سياق الآيات، فدل ذلك على أن مجيء القرآن إليه مجيء ما جاءه من علم الله إليه، وذلك دليل على أن من علم الله ما في القرآن "[21] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn21) .
6- وورد عن بعض السلف أن القول بخلق القرآن كفري لاستلزامه بطلان الشريعة .
قال عبد الله بن أيوب المخرمي: " القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال: إنه مخلوق ؛ فقد أبطل الصوم والحج والجهاد وفرائض الله " [22] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn22).
وبيَّن شيخ الإسلام المراد من ذلك ، فقال : " وكان أهل العلم والإيمان قد عرفوا باطن زندقتهم ونفاقَهم، وأن المقصود بقولهم: إن القرآن مخلوق ؛ أن الله لا يكلم ولا يتكلَّم، ولا قال ولا يقول، وبهذا تتعطل سائر الصفات: من العلم والسمع والبصر وسائر ما جاءتْ به الكتب الإلهية، وفيه أيضاً قدح في نفس الرسالة؛ فإن الرسل إنما جاءت بتبليغ كلام الله، فإذا قُدِح في أن الله يتكلم كان ذلك قدحاً في رسالة المرسلين، فعلموا أن في باطن ما جاؤوا به قدحاً عظيماً في كثير من أصلَي الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله ، لكن كثيرًا من الناس لا يعلمون ذلك كما أن كثيرًا من الناس لا يعلمون باطن حال القرامطة" [23] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn23) .
4 – الحكم بكفر من قال بخلق القرآن حكم مطلق :
والمراد بذلك أن ذلك الحكم الوارد في قول السلف : من قال القرآن مخلوق ؛ فهو كافر ، المراد به حكم القول نفسه ، أو الحكم المطلق ، أما الحكم على الأعيان ، كالقول إن فلانا القائل بخلق القرآن كافر ؛ فهذا أمر آخر ، يحكم به القاضي ، أو العالم المتأهل للكلام في ذلك ، بناء على صحة إيقاع الوصف على المعين ، باستيفائه شروطه ، وانتفاء الموانع المؤثرة عنه .
وتلك قاعدة عامة في باب التكفير ، قال شيخ الإسلام ذاكرا أصلين مهمين في هذا الباب : "
أحدهما : أن العلم والإيمان والهدى فيما جاء به الرسول، وأن خلاف ذلك كفر على الإطلاق، فنفي الصفات كفر، والتكذيب بأن الله يرى في الآخرة، أو أنه على العرش، أو أن القرآن كلامه، أو أنه كلم موسى، أو أنه اتخذ إبراهيم خليلا كفر، وكذلك ما كان في معنى ذلك، وهذا معنى كلام أئمة السنة وأهل الحديث .
والأصل الثانى : أن التكفير العام كالوعيد العام ، يجب القول بإطلاقه وعمومه .
وأما الحكم على المعين بأنه كافر، أو مشهود له بالنار ؛ فهذا يقف على الدليل المعين؛ فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه، وانتفاء موانعه " [24] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn24) .
واستدل الشيخ على ذلك بأن الإمام أحمد – وغيره من السلف – لم يكفر كل من قال بخلق القرآن ، فقال : " إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره. ممن ضربه وحبسه ، واستغفر لهم ، وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر ، ولو كانوا مرتدين عن الإسلام ؛ لم يجز الاستغفار لهم ؛ فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع ، وهذه الأقوال والأعمال منه ومن غيره من الأئمة ؛ صريحة في أنهم لم يكفروا المعينين من الجهمية ، الذين كانوا يقولون: القرآن مخلوق ، وإن الله لا يرى في الآخرة .
وقد نقل عن أحمد ما يدل على أنه كفر به قوما معينين ، فأما أن يذكر عنه في المسألة روايتان ؛ ففيه نظر ، أو يحمل الأمر على التفصيل : فيقال: من كفره بعينه؛ فلقيام الدليل على أنه وجدت فيه شروط التكفير وانتفت موانعه ، ومن لم يكفره بعينه؛ فلانتفاء ذلك في حقه ، مع إطلاق قوله بالتكفير على سبيل العموم. والدليل على هذا الأصل: الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار. أما الكتاب: فقوله سبحانه وتعالى: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به} وقوله تعالى {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أوأخطأنا} " [25] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn25) ، ثم ذكر أدلة الإعذار .
الجواب :
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ، وآله وصحبه أجمعين :
أولا : القول بخلق القرآن ، ووجه كونه كفرا :
1 ـ ممهدات :
1 - لما كان كلام المتكلم وصفا قائما به ؛ فإنه يكون تابعا للمتكلم فيما يليق به وما يتنزه عنه ، وهذه قاعدة عقلية كلية ، فإن كلام الرجل غير كلام المرأة ، وكلام الحكيم غير كلام المجنون ، فكذلك يكون كلام المخلوق مخلوقا ، وكلام غير المخلوق غيرَ مخلوق .
وقد استدل أئمة السنة بهذا المعنى على كون القرآن غير مخلوق .
قال مالك وأحمد : كلام الله من الله ، ولا يكون من الله شيء مخلوق " [1] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn1) .
وقال الحسن بن حماد: سأل رجل محمد بن الحسن عن القرآن ، مخلوق هو؟ ، فقال : " القرآن كلام الله ، وليس من الله شيء مخلوق " [2] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn2) .
وروي عن وكيع بن الجراح أنه قال: " من زعم أن القرآن مخلوق ؛ فقد زعم أشياء من الله مخلوقة ، فقلت: يا أبا سفيان ، من أين قلت هذا؟ ، قال: لأن الله تبارك وتعالى يقول: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} ، ولا يكون من الله شيء مخلوق " [3] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn3) .
2 – ولذلك ففي بحث الاعتقاد ، يقرر أهل العلم قاعدة أن ( الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات ) [4] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn4).
3 - فكما يقال في ذات الله : إنها تليق بالله ، ولا يلزم من إثباتها مماثلة ذوات المخلوقين ؛ فكذلك يقال في الوجه واليد والاستواء والضحك ، وكذا الكلام .
4 - وكما أنه لا يسع مسلما أن يقول إن وجه الله مخلوق ، أو رحمته مخلوقة ؛ فإنه يلزمه أن يقول إن كلامه غير مخلوق .
ـ فالقول إن القرآن كلام الله ، غير مخلوق ، عليه إجماع السلف ، لا مخالف بينهم فيه ، وتتبع مقالاتهم لا يدخل تحت الحصر إلا بالجهد الجهيد .
قال شيخ الإسلام : " والصواب الذي عليه سلف الأمة - كالإمام أحمد ، والبخاري صاحب الصحيح ، وغيره وسائر الأئمة قبلهم وبعدهم - ؛ اتباع النصوص الثابتة وإجماع سلف الأمة وهو : أن القرآن جميعه ؛ كلام الله : حروفه ، ومعانيه ، ليس شيء من ذلك كلاما لغيره؛ ولكن أنزله على رسوله ، وليس القرآن اسما لمجرد المعنى ، ولا لمجرد الحرف ؛ بل لمجموعهما ، وكذلك سائر الكلام ليس هو الحروف فقط ؛ ولا المعاني فقط. كما أن الإنسان المتكلم الناطق ليس هو مجرد الروح ولا مجرد الجسد؛ بل مجموعهما. وأن الله تعالى يتكلم بصوت ، كما جاءت به الأحاديث الصحاح ، وليس ذلك كأصوات العباد ، لا صوت القارئ ، ولا غيره. وأن الله ليس كمثله شيء ، لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله. فكما لا يشبه علمه وقدرته وحياته علم المخلوق وقدرته وحياته ؛ فكذلك لا يشبه كلامه كلام المخلوق ، ولا معانيه تشبه معانيه ، ولا حروفه تشبه حروفه ، ولا صوت الرب يشبه صوت العبد .
فمن شبه الله بخلقه ؛ فقد ألحد في أسمائه وآياته ، ومن جحد ما وصف به نفسه ؛ فقد ألحد في أسمائه وآياته " [5] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn5).
2 ـ كفر من قال : القرآن مخلوق :
بناء على ما سبق فقد استفاض عن السلف القول بإكفار من قال بخلق القرآن ، وهو إجماع السلف قاطبة
وعدَّ اللالكائي أسماء كثيرة من طبقات شتى ، ثم قال : " قالوا كلهم: القرآن كلام الله غير مخلوق ، ومن قال مخلوق فهو كافر.
فهؤلاء خمس مائة وخمسون نفسا ، أو أكثر ، من التابعين ، وأتباع التابعين ، والأئمة المرضيين ، سوى الصحابة الخيرين ، على اختلاف الأعصار ، ومضي السنين والأعوام. وفيهم نحو من مائة إمام ، ممن أخذ الناس بقولهم ، وتدينوا بمذاهبهم ، ولو اشتغلت بنقل قول المحدثين ؛ لبلغت أسماؤهم ألوفا كثيرة ، لكني اختصرت ، وحذفت الأسانيد للاختصار ، ونقلت عن هؤلاء عصرا بعد عصر ، لا ينكر عليهم منكر ، ومن أنكر قولهم استتابوه أو أمروا بقتله أو نفيه أو صلبه " [6] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn6) .
وقال الحافظ الذهبي : " أما تَكْفِير من قَالَ بِخلق الْقُرْآن ؛ فقد ورد عَن سَائِر أَئِمَّة السّلف ، فِي عصر مَالك وَالثَّوْري ، ثمَّ عصر ابْن الْمُبَارك ووكيع ، ثمَّ عصر الشَّافِعِي وَعَفَّان والقعنبي ، ثمَّ عصر أَحْمد ابْن حَنْبَل وَعلي بن الْمَدِينِيّ ، ثمَّ عصر البُخَارِيّ وَأبي زرْعَة الرَّازِيّ، ثمَّ عصر مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي وَالنَّسَائِيّ وَمُحَمّد بن جرير وَابْن خُزَيْمَة " [7] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn7) .
وهو سبب محنة الإمام أحمد المعروفة .
3 – وجه كفر من قال بخلق القرآن :
أطلق السلف القول بتكفير من قال بخلق القرآن لأوجه شتى ، من أهمها :
1- أظهرها أن القول إن القرآن مخلوق ، وهو كلام الله ، هو من تشبيه الله بخلقه ، وهذا كفر ، قال الطحاوي : " َمَنْ وَصَفَ اللَّهَ بِمَعْنًى مِنْ مَعَانِي الْبَشَرِ ؛ فقد كفر " [8] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn8) ، وقد تقدم الكلام في أن ما كان من المخلوق مخلوق ، وما كان من غير المخلوق غير مخلوق ، وكيف أن السلف تواردوا على تلك العبارة .
2- ولأن الصفة إذا قيل إنها مخلوقة ؛ لم يخل أن يقال : إن الله خلقها أو لم يخلقها ؛ فإن قيل لم يخلقها ؛ كان مربوبا مخلوقا ، وكان خالقها أولى منه بالربوبية ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، وهذا كفر عظيم .
وإن قيل هو خلقها ؛ لزم أن تكون ذاته منتفية عن الاتصاف بها قبل خلقها ، ولا تخلو تلك الصفات أن تكون كمالا أو نقصا ، فإن كانت نقصا ؛ فهذا مناف لكمال الله المطلق ، ولا يقوله مسلم ، وإن كانت كمالا ؛ لزم أن ذاته لم تكن متصفة بكل كمال فيما كان ، وما يكون ، وهذا مناف لكماله المطلق ؛ فوجب أن تكون كل صفات الله غير مخلوقة .
لا يقال ؛ هذه حجة الرازي في نفي قيام الأفعال الاختيارية ؛ لأن محل البحث في نفس الاتصاف بالكلام ، لا في آحاده ، ولا يخالف أحد في أن الله لو لم يكن متصفا بجنس الصفة ثم اتصف بها لكان مستفيدا كمالا لم يكن متصفا به ، بخلاف عدم قيام الفعل الحادث به مع اتصافه بجنس الفعل .
فإن الساكت مع قدرته على الكلام لا يكون ناقصا ، بخلاف الأبكم الذي لا يقدر على الكلام ، وهذا قريب من التالي .
3- أن هذا يلزم منه أن الله لم يكن متصفا بكونه متكلما في الأزل ، بل خلق الكلام بعد أن لم يكن متكلما ، وفي هذا وصفه بالبكم والخرس ، وهذا نقص ، إثباته لله كفر .
قال أبو الحسن الأشعري : " واعلموا - رحمكم الله - أن قول الجهمية: " إن كلام الله مخلوق "، يلزمهم به أن يكون الله تعالى لم يزل كالأصنام ، التي لا تنطق ولا تتكلم، لو كان لم يزل غير متكلم؛ لأن الله تعالى يخبر عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه لما قالوا له: { أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم} ، { قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون} ، فاحتج عليهم بأن الأصنام إذا لم تكن ناطقة متكلمة ؛ لم تكن آلهة، وأن الإله لا يكون غير ناطق ولا متكلم " [9] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn9) .
وهذه الحجة ذائعة في كلام أهل السنة ، من قولهم : الحي لا يخلو من كونه متكلما أو أبكم ، فإن لم يكن متكلما كان أبكم .
4- أن القول بخلق القرآن ؛ لا يخلو إما أن يكون خلقه في ذاته ، أو في غيره ، أو لا في محل ، والثالث قول المعتزلة ، وهو باطل غير معقول ، لامتناع قيام العرض في غير محل .
وأما القول بأنه خلقه في نفسه ؛ فقد تقدم التعليق عليه .
أما الجهمية ؛ فقالوا : إنه خلقه في غيره ، ومن ذلك الشجرة ، التي كلم الله موسى عندها ، وإذا كانت الصفة راجعة لمن قامت به ؛ كان الكلام ثابتا للمتكلم ، فتكون الشجرة قائلة : أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني ، وهذا كفر .
قال الآجري : " فإن قال قائل: إن الله تعالى خلق كلاماً في الشجرة، فكلم به موسى قيل: هذا هو الكفر، لأنه يزعم أن الكلام مخلوق، تعالى الله عز وجل عن ذلك ويزعم أن مخلوقاً يدعي الربوبية، وهذا من أقبح القول وأسمجه. وقيل له: يا ملحد، هل يجوز لغير الله أن يقول: إنني أنا الله؟ نعوذ بالله أن يكون قائل هذا مسلما، هذا كافر يستتاب، فإن تاب ورجع عن مذهبه السوء وإلا قتله الإمام، فإن لم يقتله الإمام ولم يستتبه وعلم منه أن هذا مذهبه هجر ولم يكلم، ولم يسلم عليه. ولم يصل خلفه، ولم تقبل شهادته. ولم يزوجه المسلم كريمته " [10] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn10).
وقال الأشعري : " ويقال لهم: كما لا يجوز أن يخلق الله إرادته في بعض المخلوقات، كذلك لا يجوز أن يخلق كلامه في بعض المخلوقات، ولو كانت إرادة الله مخلوقة في بعض المخلوقات لكان ذلك المخلوق هو المريد بها، وذلك يستحيل، وكذلك يستحيل أن يخلق الله كلامه في مخلوق؛ لأن هذا يوجب أن ذلك المخلوق متكلم به، ويستحيل أن يكون كلام الله كلاما للمخلوق " [11] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn11) .
5- أن في القرآن أسماء الله ، وفيه علم الله ، والقول إن هذا مخلوق ؛ كفر .
قال الإمام أحمد : " القرآن من علم الله ، ألا تراه يقول: {عَلَّمَ الْقُرْآنَ} ، والقرآن فيه أسماء الله -عز وجل- ، أي شيء تقولون؟ ، ألا يقولون إن أسماء الله -عز وجل- غير مخلوقة؟ ، مَنْ زعم أن أسماء الله -عز وجل- مخلوقة ؛ فقد كفر، لم يزل الله -عز وجل- قديرًا عليمًا عزيزًا حكيمًا سميعًا بصيرًا، لسنا نشك أن أسماء الله ليست بمخلوقة ، ولسنا نشك أن علم الله تبارك وتعالى ليس بمخلوق، وهو كلام الله -عز وجل- ولم يزل الله -عز وجل- حكيمًا.
ثم قال أبو عبد الله: وأي كفر أبين من هذا؟! ، وأي كفر أكفر من هذا؟! ، فإذا زعموا أن القرآن مخلوق فقد زعموا أن أسماء الله مخلوقة ، وأن علم الله مخلوق، ولكن الناس يتهاونون بهذا ويقولون: إنما يقولون القرآن مخلوق، فيتهاونون ويظنون أنه هين ولا يدرون ما فيه من الكفر " [12] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn12) .
قال الأشعري : " فكيف يكون القرآن مخلوقا وأسماء الله في القرآن؟ ، هذا يوجب أن تكون أسماء الله مخلوقة، ولو كانت أسماؤه مخلوقة ؛ لكانت وحدانيته مخلوقة، وكذلك علمه وقدرته. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا " [13] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn13) .
ـ فيلزم من هذا أنه لم يكن لله اسم ، قبل أن تخلق هذه الأسماء ، وفي هذا من النقص ما لا يجوز وصف الله به .
قال الدارمي : " ثُمَّ اعْتَرَضَ الْمُعَارِضُ أَسْمَاءَ اللَّهِ الْمُقَدَّسَةَ ، فَذَهَبَ فِي تَأْوِيلِهَا مَذْهَبَ إِمَامِهِ الْمَرِيسِيِّ. فَادَّعَى أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ غَيْرَ اللَّهِ، وَأَنَّهَا مستعارة مخلوقة ، كَمَا أَن قَدْ يَكُونُ شَخْصٌ بِلَا اسْمٍ. فَتَسْمِيَتُهُ لَا تَزِيدُ فِي الشَّخْصِ، وَلَا تَنْقُصُ، يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ كَانَ مَجْهُولًا كَشَخْصٍ مَجْهُولٍ. لَا يُهْتَدَى لِاسْمِهِ. وَلَا يُدْرَى مَا هُوَ، حَتَّى خَلَقَ الْخَلْقَ فَابْتَدَعُوا لَهُ أَسْمَاءً مِنْ مَخْلُوقِ كَلَامِهِمْ. فَأَعَارُوهَا إِيَّاهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْرَفَ لَهُ اسْمٌ قَبْلَ الْخَلْقِ " [14] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn14) .
ودفع المريسي ما يتوهم من أن الاسم لا علاقة له بالمسمى ؛ فيما يتعلق بالحق تعالى ، فإن أسماءه متضمنة لصفاته دالة عليها ، فقال : " وَلَا تُقَاسُ أَسْمَاءُ اللَّهِ بِأَسْمَاءِ الْخَلْقِ؛ لِأَنَّ أَسْمَاءَ الْخَلْقِ مَخْلُوقَةٌ مُسْتَعَارَةٌ. وَلَيْسَت أَسْمَاءَهُم نَفْسَ صِفَاتِهِمْ بَلْ هِيَ مُخَالِفَةٌ لِصِفَاتِهِمْ. وَأَسْمَاءُ اللَّهِ صِفَاتُهُ، لَيْسَ شَيْءٌ مُخَالِفًا لِصِفَاتِهِ ، وَلَا شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِهِ مُخَالِفًا لِلْأَسْمَاءِ "[15] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn15) .
ورد على قول من يقول إن كون الأسماء الحسنى مخلوقة لا يلزم منه قول باطل ؛ لأن الاسم غير المسمى ، فقال : "ثُمَّ احْتَجَّ الْمُعَارِضُ لِتَرْوِيجِ مَذْهَبِهِ بِأَقْبَحِ قِيَاسٍ: فَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَتَبْتَ اسْمًا فِي رُقْعَةٍ ثُمَّ احْتَرَقَتِ الرُّقْعَةُ، أَلَيْسَ إِنَّمَا تَحْتَرِقُ الرُّقْعَةُ وَلَا تَضُرُّ النَّارُ الاسْمَ شَيْئًا؟
فَيُقَالُ لِهَذَا التَّائِهِ الَّذِي لَا يَدْرِي مَا يَخْرُجُ من رَأسه: إِنَّ الرُّقْعَةَ وَكِتَابَةَ الِاسْمِ لَيْسَ كَنَفْسِ الِاسْمِ. إِذَا احْتَرَقَتِ الرُّقْعَةُ احْتَرَقَ الْخَطُّ وَبَقِيَ اسْمُ اللَّهِ لَهُ وَعَلَى لِسَانِ الْكَاتِبِ ، كَمَا لَمْ يَزَلْ قَبْلَ أَنْ يُكْتَبَ، لَمْ تُنْقِصِ النَّارُ مِنَ الِاسْمِ وَلَا مِمَّنْ لَهُ الِاسْمُ شَيْئًا. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ أَسْمَاءَ الْمَخْلُوقِينَ ، لَمْ تُنْقِصِ النَّارُ مِنْ أَسْمَائِهِمْ وَلَا مِنْ أَجْسَامِهِمْ شَيْئًا. وَكَذَلِكَ لَوْ كَتَبْتَ اللَّهَ بِهِجَائِهِ فِي رُقْعَة لَاحْتَرَقَتِ الرُّقْعَةُ ، وَكَانَ اللَّهُ بِكَمَالِهِ عَلَى عَرْشِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ صُوِّرَ رَجُلٌ فِي رُقْعَةٍ، ثُمَّ أُلْقِيَتْ فِي النَّارِ لَاحْتَرَقَتِ الرُّقْعَةُ، وَلَمْ يَضُرَّ الصُّورَةَ شَيْئًا " [16] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn16) .
فقال : " أَرَأَيْتُمْ قَوْلَكُمْ: إِنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ مَخْلُوقَةٌ ، فَمَنْ خَلَقَهَا؟ ، أَوْ كَيْفَ خَلَقَهَا؟ ، أَجَعَلَهَا أَجْسَامًا وَصُوَرًا تَشْغَلُ أَعْيَانُهَا أَمْكِنَةً دُونَهُ مِنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ؟ ، أَمْ مَوْضِعًا دُونَهُ فِي الْهَوَاءِ؟.
فَإِنْ قُلْتُمْ: لَهَا أَجْسَامٌ دُونَهُ، فَهَذَا مَا تَنْفِيهِ عُقُولُ الْعُقَلَاءِ.
وَإِنْ قُلْتُمْ: خَلَقَهَا عَلَى أَلْسِنَةِ الْعِبَادِ، فَدَعَوْهُ بِهَا، وَأَعَارُوهَا إِيَّاهُ، فَهُوَ مَا ادَّعَيْنَا عَلَيْكُمْ: إِنَّ اللَّهَ بِزَعْمِكُمْ كَانَ َمجْهُولًا لَا اسْمَ لَهُ ، حَتَّى حَدَثَ الْخَلْقُ فَأَحْدَثُوا أَسْمَاءً مِنْ مَخْلُوقِ كَلَامِهِمْ. وَهَذَا هُوَ الْإِلْحَادُ بِاللَّهِ وَفِي أَسْمَائِهِ وَالتَّكْذِيبِ بِهَا. قَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } " [17] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn17) .
ولذلك يحكي شيخ الإسلام أن السلف في ردهم على من قال الاسم غير المسمى كانوا يقصدون الجهمية ، فهم من كان في ذلك الوقت يقول الاسم غير المسمى ، قال : " اختلف في الاسم والمسمى: هل هو هو ، أو غيره ، أو لا يقال: هو هو، ولا يقال: هو غيره أو هو له؟ ، أو يفصل في ذلك؟ ؛ فإن الناس قد تنازعوا في ذلك ، والنزاع اشتهر في ذلك بعد الأئمة ، بعد أحمد وغيره، والذي كان معروفًا عند أئمة السنة أحمد وغيره الإنكار على الجهمية الذين يقولون: أسماء الله مخلوقة. فيقولون: الاسم غير المسمى ، .. ، والمقصود هنا أن المعروف عند أئمة السنة إنكارهم على من قال: أسماء الله مخلوقة، وكان الذين يطلقون القول بأن الاسم غير المسمى هذا مرادهم " [18] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn18) .
ففي ذلك القول فوق الإلزام الشنيع أن الله لم يكن له اسم ، ثم تسمى ؛ أن فيه الاحتياج للمخلوق ، فلا شك أن الأسماء من الكمال ، وأن المجهول الذي لا اسم له أنقص من المسمى ، والأسماء ؛ حسنى لله عز وجل ، فيكون الباري قد استفاد كمالا لم يكن متصفا به البتة ، وفي هذا من الاحتياج والافتقار ما لا يليق بالغني الحميد .
قال شيخ الإسلام : " أسماء الله هي في القرآن ، فمن قال : هو مخلوق ، والمخلوق هو الصوت القائم ببعض الأجسام ؛ يكون ذلك الجسم هو الذي سمى الله بتلك الأسماء ، ولم يكن قبل ذلك الجسم وصوته لله اسمٌ ، بل يكون ذلك الاسم قد نحله إياه ذلك الجسم " .
ثم قال : " ولهذا روى البخاري في صحيحه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أنه سأله سائل عن قوله: وكان الله غفورا رحيما عزيزا حكيما سميعا بصيرا، فكأنه كان ، ثم مضى ، فقال ابن عباس: وكان الله غفورا رحيما ، سمى نفسه ذلك ، وذلك قوله أني لم أزل كذلك، هذا لفظ البخاري .
وهو رواه مختصرا ، ولفظ البوشنجي : محمد بن إبراهيم الإمام ، عن شيخ البخاري ، الذي رواه من جهته البرقاني في صحيحه: فإن الله سمى نفسه ذلك ، ولم ينحله غيره ، فذلك قوله: { وكان الله } ، أي : لم يزل كذلك . هكذا رواه البيهقي عن البرقاني.
وذكر الحميدي لفظه : فإن الله جعل نفسه ذلك ، وسمى نفسه ، وجعل نفسه ذلك ولم ينحله أحدا غيره، { وكان الله } أي : لم يزل كذلك، ولفظ يعقوب بن سفيان عن يوسف بن عدي شيخ البخاري: فإن الله سمى نفسه ذلك ، ولم يجعله غيره ، { وكان الله } ، أي : لم يزل كذلك " [19] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn19) .
قال الدارمي : " وَأَيُّ تَأْوِيلٍ أَوْحَشُ مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ رَجُلٌ أَنَّ اللَّهَ كَانَ وَلَا اسْمَ لَهُ؟! ، مَا مدعي هَذَا بِمُؤْمِنٍ ، وَلَنْ يَدْخُلَ الْإِيمَانُ قَلْبَ رَجُلٍ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ إِلَهًا وَاحِدًا، بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ وَجَمِيعِ صِفَاتِهِ، لَمْ يَحْدُثْ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ كَمَا لَمْ تَزَلْ وَحْدَانِيَّتُه ُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " [20] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn20) .
ـ أما العلم ، فهذا قد ينازع فيه ، بخلاف الأسماء ، إلا أن القرآن دال أنه من علم الله .
قال شيخ الإسلام : " وأما اشتمال القرآن على العلم ؛ فهذا ينازع فيه من يقول : إن القرآن هو مجرد الحروف والأصوات ، فإن هؤلاء لا يجعلون القرآن فيه علم الله ، بل والذين يقولون : الكلام معنى قائم بالذات والخبر والطلب ، وأن معنى الخبر ليس هو العلم ، ومعنى الطلب لا يتضمن الإرادة، ينازعون في أن مسمى القرآن يدخل فيه العلم .
فذكر الإمام أحمد ما يستدل به على أن علم الله في القرآن ، وهو قوله : " فإن القرآن من علم الله ؛ لأن الله أخبر بذلك " ، فذكر أحمد لفظ القرآن الذي يدل على موارد النزاع ، فإن قوله : " القرآن من علم الله " ؛ مطابق لقوله تعالى: {ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير} [البقرة: 120] ، ولقوله تعالى: {ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين} [البقرة: 145] ولقوله: {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم} [آل عمران: 61] الآية ولقوله: {وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق} [الرعد: 37] .
ومعلوم أن المراد بالذي جاءك من العلم في هذه الآيات ؛ إنما هو ما جاءه من القرآن كما يدل عليه سياق الآيات، فدل ذلك على أن مجيء القرآن إليه مجيء ما جاءه من علم الله إليه، وذلك دليل على أن من علم الله ما في القرآن "[21] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn21) .
6- وورد عن بعض السلف أن القول بخلق القرآن كفري لاستلزامه بطلان الشريعة .
قال عبد الله بن أيوب المخرمي: " القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال: إنه مخلوق ؛ فقد أبطل الصوم والحج والجهاد وفرائض الله " [22] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn22).
وبيَّن شيخ الإسلام المراد من ذلك ، فقال : " وكان أهل العلم والإيمان قد عرفوا باطن زندقتهم ونفاقَهم، وأن المقصود بقولهم: إن القرآن مخلوق ؛ أن الله لا يكلم ولا يتكلَّم، ولا قال ولا يقول، وبهذا تتعطل سائر الصفات: من العلم والسمع والبصر وسائر ما جاءتْ به الكتب الإلهية، وفيه أيضاً قدح في نفس الرسالة؛ فإن الرسل إنما جاءت بتبليغ كلام الله، فإذا قُدِح في أن الله يتكلم كان ذلك قدحاً في رسالة المرسلين، فعلموا أن في باطن ما جاؤوا به قدحاً عظيماً في كثير من أصلَي الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله ، لكن كثيرًا من الناس لا يعلمون ذلك كما أن كثيرًا من الناس لا يعلمون باطن حال القرامطة" [23] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn23) .
4 – الحكم بكفر من قال بخلق القرآن حكم مطلق :
والمراد بذلك أن ذلك الحكم الوارد في قول السلف : من قال القرآن مخلوق ؛ فهو كافر ، المراد به حكم القول نفسه ، أو الحكم المطلق ، أما الحكم على الأعيان ، كالقول إن فلانا القائل بخلق القرآن كافر ؛ فهذا أمر آخر ، يحكم به القاضي ، أو العالم المتأهل للكلام في ذلك ، بناء على صحة إيقاع الوصف على المعين ، باستيفائه شروطه ، وانتفاء الموانع المؤثرة عنه .
وتلك قاعدة عامة في باب التكفير ، قال شيخ الإسلام ذاكرا أصلين مهمين في هذا الباب : "
أحدهما : أن العلم والإيمان والهدى فيما جاء به الرسول، وأن خلاف ذلك كفر على الإطلاق، فنفي الصفات كفر، والتكذيب بأن الله يرى في الآخرة، أو أنه على العرش، أو أن القرآن كلامه، أو أنه كلم موسى، أو أنه اتخذ إبراهيم خليلا كفر، وكذلك ما كان في معنى ذلك، وهذا معنى كلام أئمة السنة وأهل الحديث .
والأصل الثانى : أن التكفير العام كالوعيد العام ، يجب القول بإطلاقه وعمومه .
وأما الحكم على المعين بأنه كافر، أو مشهود له بالنار ؛ فهذا يقف على الدليل المعين؛ فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه، وانتفاء موانعه " [24] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn24) .
واستدل الشيخ على ذلك بأن الإمام أحمد – وغيره من السلف – لم يكفر كل من قال بخلق القرآن ، فقال : " إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره. ممن ضربه وحبسه ، واستغفر لهم ، وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر ، ولو كانوا مرتدين عن الإسلام ؛ لم يجز الاستغفار لهم ؛ فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع ، وهذه الأقوال والأعمال منه ومن غيره من الأئمة ؛ صريحة في أنهم لم يكفروا المعينين من الجهمية ، الذين كانوا يقولون: القرآن مخلوق ، وإن الله لا يرى في الآخرة .
وقد نقل عن أحمد ما يدل على أنه كفر به قوما معينين ، فأما أن يذكر عنه في المسألة روايتان ؛ ففيه نظر ، أو يحمل الأمر على التفصيل : فيقال: من كفره بعينه؛ فلقيام الدليل على أنه وجدت فيه شروط التكفير وانتفت موانعه ، ومن لم يكفره بعينه؛ فلانتفاء ذلك في حقه ، مع إطلاق قوله بالتكفير على سبيل العموم. والدليل على هذا الأصل: الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار. أما الكتاب: فقوله سبحانه وتعالى: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به} وقوله تعالى {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أوأخطأنا} " [25] (http://www.taseel.com/display/pub/default.aspx?id=3300&ct=4&ax=2#_ftn25) ، ثم ذكر أدلة الإعذار .