المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وعند دمشق عانقتُ الحضارة



الطيب كمال الجزائري
2013-05-07, 06:27 AM
وعند دمشق عانقتُ الحضارة
عندما تُعاكِس العقلية الماديَّةُ البشريةَ بلا استحياء فَتُنسِيهَا معاني الأخلاقِ والقيم. عندما يصبح ميزان التَّعامل والاحتكاك البشريِّ ماديًا مَصْلحيًا فتذوب الثَّوابت والمبادئ للأمم. عندما يُتَعامَلُ مَعَكَ على أنَّك ما في جَيبِك لا عقلك فيَطغَى السُّلوك الجَاهِلُ للجَاهِلِ ويخْفِتُ صَوتُ العِلْمِ للعِالِمِ فتئنُّ البشرية ولا مِن مغيث ولا مَن فَهِمْ. عندها تَنفُر الأنفس المغلوبة عن صنم الحضارة الغربية المادية على مافيها من إيجابيات إلى روح الحضارة الإسلامية العريقة ومافيها من قيم ومبادئ وأخلاقيات.
غَادَرتُ دبي ومافيها من عُلوٍّ بنيانيٍّ وسحرٍ مادي إلى دمشق الشام وما أدراك ما دمشق الشام. مدينةٌ كَبُرَ كل شيء فيها ولم تكبر. قديمة ببنيانها جديدة بنسماتها الروحانية الحضارية التي توقظ في المسلم ضميره الغائب. أحسست فيها ما لم أحسَّ في دبي ومارأيت فيها مارأيت في دبي.
عند أسوارها استقبلتني روحانيات الحضارة الإسلامية الدمشقية بابتسامة تخفي تساؤلات. عجبت من كبرياءها وهي مطئطئة الرأس!!!. أخذتني في رحلة تاريخية إلى قلعة صلاح الدين فاستذكرت عزّة الأمَّة وهيبتها، فقالت: هذا زمانهم فأين زمانكم؟. قصدنا الجامع الأموي وحلقاته العلمية فرأيت وقار العلم والعلماء وسكينتهم، فقالت: هكذا كانوا فأين أنتم؟. تجولنا بين رفوف المكتبة الظاهرية والجوزية فعجبت من مؤلفاتها، فقالت: عملوا بعلمهم وماعملتم؟. تأمَّلنا فنَّهم المعماري وإبداعاتهم الزخرفية فقالت: هذا من صُنعهم فهل صَنعتم؟. طالت رحلتنا التاريخية وكثرة أسئِلتها التأنيبية إلى أن عانقتها قائلا: قد حَزِنتي فحزِنَّا، غِبتي وماغبنا، فلِلَّه ثم الأمَّة والبشرية والتاريخ، نعود كما كنَّا لنقود كما قدنا لتعودي سيدة الأمم والحضارات.
دُمتِ يادمشقُ عزيزةً عاليةً لاتنزلين، صغيرة بجمالك لا تكبرين كبيرة بهيبتكي لا تصغرين. وللجيش الحرّ من الحبيبة الجزائر ونُخبتها تحية ودٍّ واحترام.
م. الطيب كمال