روضة الادب
2013-04-19, 09:47 PM
الماء في اللغة:
جاء في المعجم الوجيز: ماهت البئر موها: ظهر ماؤها , وموه الشيء: طلاه بفضة أو ذهب إذا لم يكن جوهره منهما ، وموه الحق: لبسه بالباطل , وموه الحديث: زخرفه .. و (الماء): سائل عليه عماد الحياة , يتركب من اتحاد الهيدروجين والأكسجين بنسبة حجمين من الأول إلى حجم من الثاني. وهو في نقائه شفاف لا لون له ولا طعم ولا رائحة , ومنه: العذب , والملح المعدني , والمقطر والماء العسر واليسر ، وماء الزهرة ، والنسبة إلى الماء: مائي وماوي. (1)
وجاء في الصحاح: الماء: الذي يشرب والهمزة فيه مبدلة من الهاء في موضع اللام وأصله: موه بالتحريك. لأنه يجمع على أمواه في القلة ومياه في الكثرة مثل: جمل أو أجمال وجمال , وموهت الشيء: طليته بفضة أو ذهب , ومنه التمويه: التلبيس. (2)
وفي حديث أبى هريرة في البخاري: أمكم هاجر يا بني ماء السماء يريد العرب لأنهم كانوا يتبعون قطر السماء فينزلون حيث كان , و قد أطلق العرب على شهورهم بعض الأسماء ذات العلاقة بالماء , وأحواله في بيئتهم فقالوا: جمادى الأولى , سميت بذلك لتجمد الماء فيها في الأماكن العالية وكذلك جمادى الآخر , كما أطلقوا عليه أسماء وصفات بحسب كميته وكيفيته ، فإذا كان الماء دائما لا ينقطع فمعين أو بئر وهو "عد".
وإذا كان كثيرا عذبا فهو غدق.
وإذا كان تحت الأرض فهو غور.
فإذا كان ظاهرا جاريا على وجه الأرض فهو "معين" و "سنم".
ويروى شبم وهما البارد وبهما روى الحديث "خير الماء السنم".
فإذا غادر السيل منه قطعة فهو "غدير".
فإذا كان إلى الكعبين أو إلى أنصاف السوق فهو "ضحضاح".
فإذا كان قريب القعو فهو "ضحل".
وإذا لم يشربه أحد من نتنه فهو "آسن".
فإذا كان باردا فهو "غساق".
وإذا كان حارا فهو "سخن".
فإذا كان شديد الحرارة فهو "حميم".
فإذا كان بين الحار والبارد فهو "فاتر"
فإذا اجتمعت فيه الملوحة والمرارة فهو "أجاج".
فإذا كان عذبا فهو "فرات".
فإذا كان زاكيا فهو "نمير".
فإذا جمع الصفاء والعذوبة والبرد فهو "زلال" (3)
الماء وبعض حقائقه العلمية:
يتكون الماء من جزيئات صغيرة جدا وكل جزئ من جزيئات الماء يتكون من ذرتي هيدروجين وذرة أكسجين واحدة ويعبر عن جزئ الماء في العلوم بالصيغة h2o .
والماء مركب مستقر كيميائيا إلى درجة كبيرة ولا يتفاعل مع المواد الطبيعية على سطح الأرض إلا بصورة بطيئة وضئيلة. وهذا أحد الأسرار التي تفسر – علميا – وجود الماء بكميات هائلة على سطح الأرض.
ويمكن تحليل الماء كهربائيا إلى عنصريه الأكسجين و الهيدروجين , وهذا العنصر الأخير ينتج طاقة هائلة عند حرقه وهناك اتجاهات لتطوير عملية الحصول على الهيدروجين من الماء ورفع كفاءتها , وإذا نجحت هذه الأبحاث فسيحصل العالم على أرخص مصدر للطاقة وأعظمه.
ويوجد لذرة الهيدروجين عدة نظائر وأحد هذه النظائر يسمى الديوتيريوم تزن أكثر من ذرة الهيدروجين العادي , و يسمى الماء الذي يحوى ذرات الديوتيريوم في تركيبه بالماء الثقيل. وهو نادر الوجود مقارنة بالماء العادي , وله استخدامات في المفاعلات النووية , وقد فصل عالم الكيمياء جيلبرت لويس من جامعة كاليفورنيا الماء الثقيل عن الماء العادي لأول مرة عام 1932م.
ومن المعروف أن لذرة الهيدروجين إلكترونا واحدا فقط وفي حالة جزئ الماء ينتقل هذا الإلكترون من ذرته إلى المجال الخارجي لذرة الأكسجين , وبذلك تتكون رابطة كهربائية تسمى الرابطة الهيدروجينية ويكون جزئ الماء مستقطبا كهربائيا (طرفه الموجب هو الطرف الهيدروجينى وطرفه السالب هو طرفه الأكسجيني) وبسبب هذه الخاصية الكهربائية المستقطبة لجزئ الماء تتجاذب جزيئات الماء و تتماسك بشدة مثلما تتماسك عدة مغناطيسيات.
وبسبب صفته الكهربائية فللماء قدرة كبيرة على الإذابة ويكفي للتدليل على هذه القدرة أن نعرف – أن أكثر من نصف المحاليل المعروفة اليوم يكون الوسيط المذيب فيها هو الماء. وهو المادة الوحيدة على سطح الأرض الذي يوجد في الطبيعة في الحالات الثلاثة المعروفة للمادة: السائلة (الماء الجاري والراكد) والحالة الجامدة (الثلج والجليد) الحالة الغازية (السحب وبخار الماء).
والماء ينكمش ويقل حجمه إذا برد وهذا مسلك جميع المواد ، لكن الماء – في واحد من أعجب خواص الماء الطبيعية – بعكس هذه العادة فإذا وصلت درجة حرارته 4 درجات مئوية , يبدأ حجمه بالزيادة والتمدد وإذا ما برد لأقل من هذه الدرجة وبسبب هذه الخاصية يطفو الثلج على سطح الماء , ولولا هذه الخاصية لأصبحت البحار والمحيطات كتلة من الثلج لا أثر فيها للحياة وفي هذه الخاصية يجد الداعون إلى الله دليلا ملموسا لا يقبل الشك – إضافة لعدد غير محصور من هذه الدلائل – على أن هذا الكون مظهر من مظاهر القصد والحكمة المنسوبة إلى الله عز وجل , يصدمون به ادعاء الطبيعة الخالقة والصدفة المدبرة , وبناء على الحقيقة السابقة تكون أقل كثافة للماء عند درجة حرارة 4 درجات مئوية.
الماء في القران الكريم:
يقول الله في محكم تنزيله "وجعلنا من الماء كل شيء حي" ويقول عز وجل "والله خلق كل دابة من ماء" وقد ورد ذكر الماء هذا الكائن العجيب في القرآن الكريم في ثلاثة وستين موضعا. (4)
ورغم أن التعريف التقليدي للماء والذي تعلمناه في الصغر سرعان ما يردده اللسان وهو أن الماء: سائل عديم اللون والطعم والرائحة إلا أن فقهاء التفسير وعلماء الحياة أجمعوا على أن الماء: عميد الحياة وعصبها وسرها وعمدتها. (5)
و كان عرشه على الماء :
في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه قال: حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح ، حدثنا ابن وهب وأخبرني أبو هاني الخولاني عن أبي عبد الرحمن الجيبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كتب الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة قال: وعرشه على الماء" ويؤيد هذا ما رواه البخاري عن عرار بن حصين قال: قال أهل اليمن لرسول الله صلى الله عليه وسلم جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر فقال: "كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء".
وروى السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: إن الله كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئا غير ما خلق قبل الماء. (6)
ويدل صريح الآية الكريمة السابقة من سورة "هود" والأحاديث الشريفة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى خلق الماء قبل أن يخلق السموات والأرض.
قال تعالى: "وهو الذي خلق السموات والأرض وستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا".
ومما يؤكد على ضرورة الماء واقترانه بالحياة وتشريف القرآن العظيم لهذا المخلوق , أن نجد ذكره في الآية الكريمة السابقة من سورة هود – مقترنا بعرش الرحمن , وهو تشريف ومنزلة تكشف عنها حقائق حيوية جمة سيتناولها البحث إن شاء الله.
وحين يقال أن الماء عصب الحياة , فلا أدل على ذلك من نشوء الحضارات الإنسانية وازدهارها حول منابعه ووديانه ومجاريه وروافده واندثار الكثير من الحضارات القديمة أيضا بسبب نضوبه أو هلاك مصادره , وقيام الكثير من الحروب والصراعات والنزاعات حول منابع المياه على امتداد التاريخ الإنساني , ويتوقع الكثير من الخبراء احتدام هذه النزاعات والصراعات في المستقبل بل واندلاع الحروب بسبب السيطرة على مصادر المياه النقية , وحاليا تتعالى الأصوات من كافة التخصصات في كل من الشرق والغرب ، مطالبة: بالحفاظ على قطرة الماء نظيفة وكفالة وصولها إلى الفرد العادي كحق إنساني مؤكد وخاصة في المجتمعات الفقيرة وتطالب هذه الأصوات أيضا بسن المزيد من القوانين والتشريعات بدءا بالفرد وانتهاءا بالهيئات الدولية وذلك لحماية للماء من التلوث أو الإهدار.
المادة الأساسية للحياة:
يشكل الماء أكثر من 90% من محتويات المادة البروتوبلازمية المكونة للخلية ويوجد بها إما في العصير الخلوي أو في باقي عضيات الخلية الأخرى , كما يدخل في تكوين العديد من الجزيئات الحيوية بالجسم ويمثل وسطا صالحا لعمل الإنزيمات والبروتينات ..... الخ.
ووجود الماء شرط أساسي لحدوث تفاعلات التحلل للمواد المعقدة وتحويلها إلى مواد بسيطة يمكن لخلايا الجسم أن تمتصها وتستفيد منها , ويتم تحويل تلك المواد الغذائية كما يلي:
أ– تتحول المادة الكربوهيدراتية (السكريات المعقدة) إلى سكريات بسيطة بواسطة إنزيمات التحلل السكري في وجود الماء إلى سكريات بسيطة مثل الجلوكوز , والتي تدخل في إطار دورة حيوية داخل الخلية تهدف إلى إنتاج الطاقة اللازمة لاستمرار حياة الخلية.
ب- تتحول المواد الدهنية بواسطة إنزيمات التحلل الدهني إلى مواد أبسط منها تركيبا تعرف بالأحماض الدهنية وفي وجود الماء كوسط ضروري لحدوث التفاعل الإنزيمي.
جـ– تتحول المواد البروتينية المعقدة إلى أحماض أمينية أبسط منها في الناحية التركيبية , وأيسر في عملية امتصاص الجسم لها , ويتم ذلك التحول في وجود الماء.
يدخل الماء أيضا كمكون أساسي في عمليات تحويل المواد الغذائية المعقدة إلى بعضها ، كتحول الكربوهيدرات إلى بروتينات والعكس ، كما يدخل الماء في عمليات تخليق الهرمونات والإنزيمات , وسائر الإفرازات المغذية بالجسم , والتي تسيطر على عمليات الهدم والبناء بالخلية الحية.
ويمثل الماء المركب الأساسي الهام في عملية التمثيل الكلوروفيللى في النبات وهي العملية الأساسية لحياة النبات , وذلك لتخليق المواد الغذائية المختلفة منها , كما يمتص النبات الماء من خلال مجموعه الجذري من التربة , حيث يصعد خلال أوعية الخشب ليدخل في عمليات النمو المختلفة للخلايا الحية , ويصل للورقة التي تمثل المصنع الحيوي للمواد الغذائية بالنبات , حيث توجد المادة الخضراء الكلوروفيل , وفي وجود ضوء الشمس التي تمتصه الورقة وثاني أكسيد الكربون الممتص بواسطة ثغور الورقة من الجو , يتم اختزال المادة الخضراء وتحرير كم الطاقة المطلوب لعمليات البناء الحيوي.
ولا يقتصر دور الماء على عمليات البناء والتحول الغذائي فحسب بل يستخدمه الكائن الحي في إطار عملية حيوية بهدف تعديل الميزان الحراري لخلايا جسمه , حيث يعمل إخراج الماء من جسم الكائن الحي على تلطيف درجة حرارته , وحدوث اختلال في الميزان المائي يؤدي إلى اختلال سير العمليات الحيوية داخل الجسم , وإصابة الجسم بالعديد من نواحي الخلل الوظيفي.
وبالرغم من أننا احتجنا لمعرفة تلك الأدوات والعمليات الحيوية التي يؤديها الماء إلى مئات المراكز البحثية وآلاف الباحثين والعديد من العلوم الحديثة فقد أشار القران إلى ذلك الدور منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان وذلك في قول الله الخالق الحكيم "وجعلنا من الماء كل شيء حي".
والتعبير باستخدام البعضية بحرف (من) هو تعبير أدق لتحديد دور الماء ، فهو لا يمثل الحياة بكاملها بل هو الجزء الأساسي لاستمرار المكونات الحية في أداء عملها.(7)
الله أنزل الماء من السماء:
يقول الحق تبارك و تعالى في كتابه العزيز:
<>·
<>·
<>·
<>·
<>·
تقرر آيات القران العظيم في نحو ستة وعشرين موضعا ، أن الماء منزل من السماء , وأن الله وحده هو الذي ينزله ومن صفات هذا الماء الذي ينزله الله من السماء لتستمر به الحياة أنه: بقدر وطهور ومبارك وثجاج , وذلك تميزا له عن المطر والإمطار الذي يرتبط بالأذى أو العذاب أو الإهلاك.
قال تعالى:
<>·
<>·
<>·
ماء السماء آيات و حقائق و نعم:
يمن الله على عباده بإنزال الماء الذي يشربونه من السحاب , ولو منع الماء مع وجوده في السحاب فلن يستطيعوا إنزاله ولو تمكن الناس من استمطار السحب فسيكون الماء حمضيا .. قال تعالى: "أفرأيتم الماء الذي تشربون ۞ أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ۞ لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون".
والمزن هو السحاب والأجاج هو شديد الملوحة أو هو المر الذي لا ينتفع به في شرب ولا زرع. وعذوبة الماء هي رحمة من الله وحده ، فماء السماء عذب مستساغ شرابه ونؤمن نحن المسلمين بقدرة الله على قلب الماء العذب أجاجا وقد أصبح ذلك واقعا ، فاليوم يوجد ما يعرف بالأمطار الحمضية ففي المدن الصناعية يتفاعل ثاني أكسيد الكربون المتواجد في الجو بنسب عالية في أيامنا هذه لأسباب تتعلق بتلوث الهواء مع بخار الماء ويتكون حمض الكربونيك الذي يزيد من حمضية الماء وكذا الحال يتكون حمض النيتريك من تفاعل أكاسيد النيتروجين , ويمثل تكوين حمض الكبريتيك الناتج من تفاعل الكبريت مع بخار الماء أخطر أنواع الأمطار وتنشأ مشكلة بيئية تسمى الأمطار الحمضية التي تؤثر على الكائنات فتؤدى إلى موت الأسماك في الأنهار والبحيرات ذات الحموضة العالية. (8)
والماء الذي ينزله الله تعالى من السماء لسقيا الإنسان والحيوان والنبات ، يسكن جزء منه الأرض وجزء يسلك ينابيع وجزء ثالث يساق أنهارا يقول الله تعالى:
<>·
<>·
<>·
ولنتأمل هذه الكلمات:
(فأسكناه) (فسلكه) (فسالت) وما فيها من بلاغة ودقة أداء لغوي يعكس حقيقة كل حالة من الحالات الثلاث:
فأسكناه جاءت مع قوله تعالى في الأرض , وسلكه تدل أن الماء أخذ طرقا ليكون بعد ذلك ينابيع في باطن الأرض وسالت تدل على السيل من مكان أعلى على سطح الأرض ، فالسير في أودية.
والأفعال الثلاثة بدأت بحرف الفاء ليفيد التعقيب والسرعة في الحدث الذي يتلو حدثا آخر.
أما عن سقياه للناس والأنعام فيقول تعالى:
<>·
<>·
<>·
ويعلمنا القرآن الكريم ، أن الله تعالى يحيي بالماء الأرض بعد موتها.
يقول عز وجل:
<>·
<>·
<>·
ثم يفصل لنا القرآن كيف يحيي الله الأرض بعد موتها وأنه تعالى يخرج الزرع من هذا الماء بأنواعه وألوانه وأشكاله يقول تعالى:
- "وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم".
- "فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات".
- "وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى".
- "ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرج به من ثمرات مختلفا ألوانها".
والآيات الكريمة تدل هنا على التعامل المباشر بين ماء السماء والأرض ونلاحظ ذلك من العطف المباشر بين الفعلين "أنزل فاخرج" ولكن في آيات أخرى لا تأتي عملية الإخراج مباشرة وهذا يعني أن الماء لم يلتق مع النبات فور نزوله من السماء فلم يتم حينئذ ري مباشر وإنما عن طريق الأنهار وروافدها أو مياه الآبار والعيون وما يشق منها من ترع وقنوات ، ففي قوله تعالى: "وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا" نجد كلمة ثجاجا أي غزيرا منصبا ، ينزل كالشلال أو السيل فلا يحتمله النبات فهو ينزل أولا على الجبال لتتحمل قوته الناتجة عن العصر وفي هذا قوله سبحانه: "وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا".
ونلاحظ ذكر الماء الفرات بعد ذكر الرواسي الشامخات وغالبا ما يكون خلف الرواسي الشامخات شلالات وأنهار يسوقها الله للأرض الجرز , وعلى ذلك يكون الزرع قد خرج بطريقتين: عن طريق ماء السماء مباشرة أو عبر وسائط أخرى كالأنهار وغيرها.
ولعل الفرق بين الأمرين يتضح إذا علمنا أن زكاة الزروع تكون العشر في الزرع المروي من السماء ونصف العشر في غيره ويؤيد ذلك قوله تعالى: "ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه".
فالفعل يخرج مسبوق بحرف العطف "ثم" الذي يفيد التراخي وذلك لأن الإخراج لم يعقب إنزال الماء وإنما تم تخزين الماء أولا في الأرض ليستعمل بعد ذلك وبذلك يكون هذا الزرع الخارج مرويا بالعيون والآبار وهكذا تكون الآيات جميعها قد ذكرت كل أنواع الري. (9)
إشارات قرآنية لعملية إخراج النبات:
يقول الله تعالى: - "هو الذي أنزل من السماء ماء لكم فيه شراب ومنه شجر فيه تسيمون".
- "وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت و أنبتت من كل زوج بهيج".
- "ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت".
في هذه الآيات يستعرض القرآن الكريم ما يحدثه الماء بالأرض وتنقل لنا الآيات حركة الأرض التي تدل على دبيب الحياة فيها بعد الموت وما يجري داخل التربة من عمليات حيوية وتفاعلات كيميائية , وما ينتج عن هذه العمليات ، من نبت الأرض ونمو النبات وكيف ينبت هذا الماء الشجر الضخم العملاق من بذرة لا تكاد ترى من صغرها ودقتها ، فتتحول بالماء إلى هذا الحجم , وفيها من الألوان المبهجة والثمار الطيبة والروائح الذكية.
"ما كان لكم أن تنبتوا شجرها"
ترى أنحن الذين فعلنا ذلك ؟ أنحن الذين أنبتنا وأخرجنا أم أنه الله ؟
"أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون"
هكذا يفعل الماء بالأرض وهكذا ينبت الزرع ويخرج النبات , أشجار وأزهار وفاكهة وثمار وحبوب وخضار ... (10)
الدورة المائية:
كمية الماء ثابتة على سطح الأرض وذلك باستثناء الحالات الإعجازية الإلهية ، وقطرة ماء التي نستهلكها مصيرها إلى المحيط في يوم من الأيام , ثم إلى السحب في يوم آخر , ثم ماء نازلا من السماء في يوم يليه (دورة الماء في الطبيعة) وهكذا يستعمل الماء ثم يعاد استعماله مرات و مرات , ولا يمكن استنفاذه أو إفناؤه إلا بإذن الله ولنتدبر قوله تعالى: "وأنزلنا من السماء ماء بقدر".
ولقد ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: ليس عام بأمطر من عام ، وأثبت العلم أن كمية الماء التي تنزل من السماء كل عام ثابتة وكذلك كمية الماء المتبخر وهي الحقيقة التي أوضحها القرآن في الآية الثامنة عشرة من سورة (المؤمنون) يقول تبارك وتعالى: "وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون".
والشيء الذي يختلف هو توزيع الأمطار من مكان إلى مكان آخر على سطح الأرض.
قال تعالى: "ولقد صرفناه بينهم ليتذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا" والشيء العجيب أن كمية الماء التي تفقد بالبخر من المحيط ، تفوق كمية الماء النازل من السماء إلى المحيط بحوالي 46000كيلو متر مكعب من الماء وذلك نظرا لاتساع السطح المعرض لعمليات البخر , وحتى ينتظم الميزان المائي للمحيط ، يتم تعويض المحيط بنفس المقدار من الماء أي بمقدار 46000كيلو متر مكعب من الماء الجاري على اليابسة والذي يصب في المحيطات.
وتوضح الأرقام التالية نسب توزيع الماء في العالم:
المصدر
النسبة المئوية
المحيطات
الثلاجات و غيرها من الجليد
الماء الجوفي
البحيرات العذبة
البحيرات المالحة
رطوبة الأرض
الغلاف الجوى
الأنهار
97.2 %
2.15 %
0.61%
0.009 %
0.008%
0.005%
0.001%
0.0001%
و إذا كانت الأرض توصف أحيانا بأنها كوكب مائي , فالحقيقة أن أكثر من 97% من الماء الموجود ضمن نطاقها , ماء شديد الملوحة غير صالح لحياة البشر وكثير من الحيوانات (مياه البحار والمحيطات والبحيرات المالحة) و3% تقريبا من مجموع الماء على سطح الأرض ماء عذب وهذا الماء العذب أيضا غير متوافر بصورة كاملة , إذ إن نسبة منه محتجزة في شكل جليد وأنهار جليدية (2.15%) وهذا يعنى أن المتوفر من المياه العذبة لا يتعدى 0.9% معظمها مختزن في باطن الأرض ولا ننسى الماء المعلق في الغلاف الجوى ونسبته لا تتجاوز واحدا من الألف من 1% من المجموع الكلي على سطح الأرض.
وبعد هذا التوضيح لتوزيع نسب المياه على كوكب الأرض نتناول بالحديث التفصيلي مصادر هذه المياه الأرضية على ضوء آيات القرآن الكريم. (11)
مصادر المياه على كوكب الأرض:
أولا الأنهار:
تعتبر الأنهار من أهم مصادر المياه العذبة على سطح الأرض , والأنهار عبارة عن مسطحات مائية تنساب على اليابسة في مجرى طويل. وتبدأ معظم الأنهار من أعالي الجبال والتلال أو من جبال جليدية أو ينابيع أو بحيرات وتصب في نهاية المطاف في البحار والمحيطات وأطول أنهار العالم (نهر النيل) في قارة أفريقيا , إذ يبلغ طوله 6.671 كيلو متر , يليه في الطول نهر (الأمازون) في أمريكا الجنوبية بطول 6.437 كيلو مترا , لكن هذا الأخير يحمل من المياه أكثر من أي نهر آخر ثم يأتي بعد ذلك نهر (يانجتسي) في الصين بطول 6300 كيلو مترا.
والمياه الدولية أو النهر الدولي , مصطلح يعنى المياه التي تتصل في حوض طبيعي داخل دولتين أو أكثر ويشمل المجرى الرئيسي للنهر وروافده. (12)
ظواهر متعلقة بالأنهار:
يقول الحق تبارك و تعالى: "أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها" والآية الكريمة تشير إلى ظواهر في الطبيعة متعلقة بالأنهار منها:
أ- رتبة الأنهار:
حيث تصب الأنهار الصغيرة في الأنهار الكبيرة , وبذلك توجد أنهار رئيسية وروافد لها , و النهر ذو الرتبة الأولى روافد والنهر ذو الرتبة الثانية ينشأ من التقاء نهرين من أنهار الرتبة الأولى وهكذا بقية الرتب.
ب- حمولة النهر:
تحتوى معظم أنهار العالم الكبيرة على ما يقرب من 110 – 120 جزءا من المليون من الأيونات الذائبة , أي أن كل لتر من ماء الأنهار يحتوي على 1/10 من الجرام من المواد الذائبة وتحمل أغلب أنهار العالم الجزء الأكبر من حمولتها في هيئة معلقات , ومن أمثلة الأنهار الطبيعية في العالم النهر الأصفر في الصين ونهر جانجا في الهند , حيث يحمل كل منهما ما يزيد على 1.5 مليون طن من الرواسب.
وتبلغ حمولة نهر المسيسبي 450 مليون طن سنويا , و توجد حمولة القاع على هيئة حمولة متدحرجة أو منزلقة أو منقذفة ومما لا شك فيه أن معظم الحمولة سواء كانت معلقة أو حتى ذائبة بالإضافة إلى حمولة القاع فمصيرها ، أن تستقر على قاع بعملية الترسيب ، مكونة الرواسب المختلفة التي تتماسك بعد ترسيبها وتكون الصخور الرسوبية وتلك الحمولة المستقرة تتحدث عنها الآية الكريمة: "وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" وتعطي الآية مدخلا لدراسة نوعين من الرواسب.
<>·توجد علاقة حميمة بين الذهب والصخور النارية ويتم تركيز الذهب بطريقة ميكانيكية , فعلى سبيل المثال يقوم نهر النيل بتركيز الذهب الذي تحمله المياه من الجبال الحبشية وأيضا تقوم الأدوية التي تسيل بالمياه بتركيز الذهب من المناطق الجبلية التي تخترقها ويتركز الذهب ومعه كثير من المعادن الثقيلة ذات الأوزان النوعية العالية مثل: الفضة والجرانيت والروتيل والفلورايت وغيرها , حيث تمكث في قاع النهر , ففي الولايات المتحدة الأمريكية يستخرج الذهب بنسبة 5 – 10 من الإنتاج من رواسب المكث.
<>·
تتكون الرواسب النوعية مثل رواسب المكث السابقة في قاع النهر أو على شاطئ البحر وتكون الرواسب بصفة عامة الأراضي الخصبة في دلتاوات الأنهار , وقد تحتوى على ثروات الغاز الطبيعي كمصدر مهم من مصادر الطاقة , ويتسع مدلول قوله تعالى: "ما ينفع الناس" ليشمل رواسب الرمل المستخدمة في صناعة الزجاجات ومواد البناء , وكذا رواسب الطين المستخدمة في صناعة الزخرفيات والأسمنت وغيرها ويتسع مفهوم المنفعة إلى الرواسب التي تحتملها الأنهار إلى قاع البحر وهكذا نجد أن الآية تشير إلى علم أساسي من علوم الأرض وهو علم الصخور الرسوبية.
جـ- الأنهار البديعة:
من بديع صنع الله ومن المحير حقا ، أن تشق الأنهار مجاريها ذات الجوانب الحادة في سلاسل الجبال في تحد عجيب! ولكن لماذا ينحت النهر مجراه في السلسلة الجبلية وليس فيما حولها ؟
وقد حاول العلماء الإجابة على هذا السؤال فأعطى المداخل التالية:
عادة ما ينشا النهر في الأصل في الأرض الممهدة ذات الانحدار اللطيف التي تغطى سلسلة الجبال المدفونة تحت سطحها , أي أن يركب فوقها , وينحت النهر رواسب الأرض ويكون أخدودا في السلسلة الجبلية , إنها يد القدرة التي مكنت وأوحت إلى النهر أن يتحدى الجبال الراسيات , وكثير من السبل في الجبال ما هي إلا أودية جافة وصدق الله العظيم حين قال: "وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون".
ويذهب الأستاذ عيد الورداني ، أن الأنهار مخلوقة وليست مكونة بفعل الماء يقول: (فهذه الأنهار التي تجرى في الأرض قد خلقت في يومي المرحلة الثانية للخلق ولا صحة أبدا لما يقوله التجريبيون أن هذه الأنهار تكونت بفعل الماء , بل إن الثابت أن الأنهار شقها الله عز وجل "ثم شققنا الأرض شقا" وليست من فعل الماء , ويقول تعالى: "وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا"
ويعلل الأستاذ الورداني لظاهرة ارتباط ذكر الأنهار بذكر الجبال بقوله: وذلك لأن الأنهار تجري ومن ثم ستكون دائما في حاجة لمدها بالماء فهو تعالى قد خلق الأنهار بادئة من وراء الجبال الرواسي حتى إذا ما نزل ماء السحاب عليها لم يتفرق في كل جهة بل يتجه إلى حيث يوجهه الله "أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز". (13)
د- الأسر النهري أو الأنهار الأسيرة:
نادرا ما يأسر نهر نهرا آخر مجاورا له ولكن يجري في اتجاه معاكس لاتجاه جريانه على جانبي السلسلة الجبلية. وفي هذه الحالة ينحت النهر الآسر مجراه بسرعة تفوق سرعة النهر الأسير وربما يرجع السبب في ذلك لوقوعه على الجانب الذي يستقبل كمية أكبر من المياه أو لأن صخور مجراه أقل قساوة من صخور مجرى النهر الآخر , حينئذ يزول الحاجز و يأسر النهر القوي النهر الضعيف. (14)
ثانيا مياه المحيطات و البحار:
وهي تشكل أكثر من 97% من المياه الموجودة على سطح الأرض , وتتكون قشرة المحيط من البازلت ذي الكثافة العالية ويصل سمكها إلى 100 كم فقط وعلى العكس من ذلك فإن قشرة القارة تتكون من جرانيت الكثافة المنخفضة ويصل متوسط سمكها حوالي 30 كيلو مترا , وبالتالي فإن القارات تطفو بارزة بينما تهبط قيعان المحيطات.
كيف تكونت المحيطات و البحار :
وللإجابة على هذا السؤال يتصور العلماء: أن الأرض كانت في مهدها كويكبا ، تكون من بقايا سديم كان يحيط بالشمس وحينما أخذت الأرض في التكوين , بدأت تسخن بسبب الحرارة الناتجة عن تصادم مكوناتها وبسبب جاذبيتها ، ونتيجة تحلل العناصر المشعة واستمرار الحرارة في الزيادة انصهر حديد الأرض وغاص في المركز مكونا اللب واستمر النشاط البركاني وأخرجت الأرض كميات كبيرة من بخار الماء وغازات أخرى غطتها فيما يشبه بحرا من الحمم الحمراء الساخنة وبعد ذلك أخذت الأرض تبرد رويدا رويدا وسمحت هذه البرودة بتكثف السحب وبخار الماء البركاني وسقوط الأمطار وبذلك نشأت المحيطات والبحار منذ قرابة 4 مليون سنة ثم أصبحت مياهها مالحة نتيجة لاتحاد الكلورين الموجود في الغازات البركانية بالصوديوم الناتج عن التجوية الكيميائية لمكونات القشرة , أي أن مصدر الماء قد أتى من باطنها وهذا هو الذي قرره القرآن الكريم قبل أن يتوصل إليه العلم في أيامنا هذه وصدق الله العظيم إذ يقول "والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها". (15)
ظواهر متعلقة بالبحار و المحيطات:
1- مرج البحرين وبرزخ الملتقى:
تحدث القرآن عن مرج البحرين وعن برزخ بينهما في آيتين من آياته قال تعالى: "هو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا".
وقال تعالى: "مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان" وقد كشف العلم عن بعض أوجه الإعجاز فيما يتعلق بمرج البحرين والبرزخ بينهما على ضوء:
قانون التمدد السطحي:
أو ما يسمى قانون المط السطحي والذي يفصل بين السائلين حيث يختلف تجاذب الجزيئات من سائل لآخر ولذا يحتفظ كل سائل باستقلاليته في مجاله.
2- برزخ بين المحيطات:
تذكر آية سورة الفرقان: أن البحرين أحدهما عذب فرات وأن الآخر ملح أجاج "وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا" بينما لم يرد تحديد للبحرين المذكورين في آية سورة الرحمن في قوله تعالى: "مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان" إلا أن الآية التي تليها قد أشارت إلى أن ماء البحرين ماء مالح لأن اللؤلؤ والمرجان لا يخرجان إلا من الماء المالح , إذن فلا بد أن يكون بين البحرين برزخ عند التقائهما , ولكن الفروق بين الآيتين تدعونا أيضا إلى التساؤل ما الفرق بين البرزخين عن قانون التمدد السطحي وكذلك مستوى القاعدة لكل من النهر والبحر أو البحر والمحيط.
فالبرزخ بين المالحين لا يمنع الاختلاط فماء كل منهما مالح ولكن دون أن يبغي أحدهما على الآخر (لا يبغيان) أما البرزخ بين المالح والعذب فإنه يمنع الاختلاط منعا باتا لقوله تعالى: "وحجرا محجورا". (16)
3- المد و الجزر:
على شاطئ فرنسا الشمالي الغربي حيث يوجد جبل سانت مايكل المشهور ببناء أثري مشيد على صخرته المخروطية ... اعتاد الناس هناك أن يروا هذا الجبل يصير جزيرة مرتين كل يوم ، إذ يغطي البحر تماما الأرض المحيطة به ومن ثم فأثناء ذلك يغدو الوصول إلى الصخرة ذات البناء الأثري الجميل مقصورا فقط على طريق ضيق منشأ خصيصا للوصول إليه .. إن هذه الظاهرة التي تحدث هنالك يوميا هي التي تسمى ظاهرة المد والجزر. (17)
كيف تحدث الظاهرة ؟
تتعرض الأرض إلى تأثيرات قوى الجاذبية من جانب الشمس والقمر , وحسب قوانين نيوتن في الجاذبية فإن قوة الجذب بين جسمين تتناسب طرديا مع حاصل ضرب كتلتهما وعكسيا مع مربع المسافة بين مركز ثقلهما , ونتيجة لاختلاف الخصائص الفيزيقية بين الشمس والأرض والتي تختلف عنها بين الأرض والقمر لكننا حين نتطرق إلى مسألة المد والجذر فإن الأمر الذي يهمنا هو الفارق بين قوى الجاذبية المؤثرة على نقطة على سطح الأرض , وسبب الاهتمام في هذا الفارق يعود إلى أنه يشكل العامل الأساسي في حركة المد والجزر.
جاء في المعجم الوجيز: ماهت البئر موها: ظهر ماؤها , وموه الشيء: طلاه بفضة أو ذهب إذا لم يكن جوهره منهما ، وموه الحق: لبسه بالباطل , وموه الحديث: زخرفه .. و (الماء): سائل عليه عماد الحياة , يتركب من اتحاد الهيدروجين والأكسجين بنسبة حجمين من الأول إلى حجم من الثاني. وهو في نقائه شفاف لا لون له ولا طعم ولا رائحة , ومنه: العذب , والملح المعدني , والمقطر والماء العسر واليسر ، وماء الزهرة ، والنسبة إلى الماء: مائي وماوي. (1)
وجاء في الصحاح: الماء: الذي يشرب والهمزة فيه مبدلة من الهاء في موضع اللام وأصله: موه بالتحريك. لأنه يجمع على أمواه في القلة ومياه في الكثرة مثل: جمل أو أجمال وجمال , وموهت الشيء: طليته بفضة أو ذهب , ومنه التمويه: التلبيس. (2)
وفي حديث أبى هريرة في البخاري: أمكم هاجر يا بني ماء السماء يريد العرب لأنهم كانوا يتبعون قطر السماء فينزلون حيث كان , و قد أطلق العرب على شهورهم بعض الأسماء ذات العلاقة بالماء , وأحواله في بيئتهم فقالوا: جمادى الأولى , سميت بذلك لتجمد الماء فيها في الأماكن العالية وكذلك جمادى الآخر , كما أطلقوا عليه أسماء وصفات بحسب كميته وكيفيته ، فإذا كان الماء دائما لا ينقطع فمعين أو بئر وهو "عد".
وإذا كان كثيرا عذبا فهو غدق.
وإذا كان تحت الأرض فهو غور.
فإذا كان ظاهرا جاريا على وجه الأرض فهو "معين" و "سنم".
ويروى شبم وهما البارد وبهما روى الحديث "خير الماء السنم".
فإذا غادر السيل منه قطعة فهو "غدير".
فإذا كان إلى الكعبين أو إلى أنصاف السوق فهو "ضحضاح".
فإذا كان قريب القعو فهو "ضحل".
وإذا لم يشربه أحد من نتنه فهو "آسن".
فإذا كان باردا فهو "غساق".
وإذا كان حارا فهو "سخن".
فإذا كان شديد الحرارة فهو "حميم".
فإذا كان بين الحار والبارد فهو "فاتر"
فإذا اجتمعت فيه الملوحة والمرارة فهو "أجاج".
فإذا كان عذبا فهو "فرات".
فإذا كان زاكيا فهو "نمير".
فإذا جمع الصفاء والعذوبة والبرد فهو "زلال" (3)
الماء وبعض حقائقه العلمية:
يتكون الماء من جزيئات صغيرة جدا وكل جزئ من جزيئات الماء يتكون من ذرتي هيدروجين وذرة أكسجين واحدة ويعبر عن جزئ الماء في العلوم بالصيغة h2o .
والماء مركب مستقر كيميائيا إلى درجة كبيرة ولا يتفاعل مع المواد الطبيعية على سطح الأرض إلا بصورة بطيئة وضئيلة. وهذا أحد الأسرار التي تفسر – علميا – وجود الماء بكميات هائلة على سطح الأرض.
ويمكن تحليل الماء كهربائيا إلى عنصريه الأكسجين و الهيدروجين , وهذا العنصر الأخير ينتج طاقة هائلة عند حرقه وهناك اتجاهات لتطوير عملية الحصول على الهيدروجين من الماء ورفع كفاءتها , وإذا نجحت هذه الأبحاث فسيحصل العالم على أرخص مصدر للطاقة وأعظمه.
ويوجد لذرة الهيدروجين عدة نظائر وأحد هذه النظائر يسمى الديوتيريوم تزن أكثر من ذرة الهيدروجين العادي , و يسمى الماء الذي يحوى ذرات الديوتيريوم في تركيبه بالماء الثقيل. وهو نادر الوجود مقارنة بالماء العادي , وله استخدامات في المفاعلات النووية , وقد فصل عالم الكيمياء جيلبرت لويس من جامعة كاليفورنيا الماء الثقيل عن الماء العادي لأول مرة عام 1932م.
ومن المعروف أن لذرة الهيدروجين إلكترونا واحدا فقط وفي حالة جزئ الماء ينتقل هذا الإلكترون من ذرته إلى المجال الخارجي لذرة الأكسجين , وبذلك تتكون رابطة كهربائية تسمى الرابطة الهيدروجينية ويكون جزئ الماء مستقطبا كهربائيا (طرفه الموجب هو الطرف الهيدروجينى وطرفه السالب هو طرفه الأكسجيني) وبسبب هذه الخاصية الكهربائية المستقطبة لجزئ الماء تتجاذب جزيئات الماء و تتماسك بشدة مثلما تتماسك عدة مغناطيسيات.
وبسبب صفته الكهربائية فللماء قدرة كبيرة على الإذابة ويكفي للتدليل على هذه القدرة أن نعرف – أن أكثر من نصف المحاليل المعروفة اليوم يكون الوسيط المذيب فيها هو الماء. وهو المادة الوحيدة على سطح الأرض الذي يوجد في الطبيعة في الحالات الثلاثة المعروفة للمادة: السائلة (الماء الجاري والراكد) والحالة الجامدة (الثلج والجليد) الحالة الغازية (السحب وبخار الماء).
والماء ينكمش ويقل حجمه إذا برد وهذا مسلك جميع المواد ، لكن الماء – في واحد من أعجب خواص الماء الطبيعية – بعكس هذه العادة فإذا وصلت درجة حرارته 4 درجات مئوية , يبدأ حجمه بالزيادة والتمدد وإذا ما برد لأقل من هذه الدرجة وبسبب هذه الخاصية يطفو الثلج على سطح الماء , ولولا هذه الخاصية لأصبحت البحار والمحيطات كتلة من الثلج لا أثر فيها للحياة وفي هذه الخاصية يجد الداعون إلى الله دليلا ملموسا لا يقبل الشك – إضافة لعدد غير محصور من هذه الدلائل – على أن هذا الكون مظهر من مظاهر القصد والحكمة المنسوبة إلى الله عز وجل , يصدمون به ادعاء الطبيعة الخالقة والصدفة المدبرة , وبناء على الحقيقة السابقة تكون أقل كثافة للماء عند درجة حرارة 4 درجات مئوية.
الماء في القران الكريم:
يقول الله في محكم تنزيله "وجعلنا من الماء كل شيء حي" ويقول عز وجل "والله خلق كل دابة من ماء" وقد ورد ذكر الماء هذا الكائن العجيب في القرآن الكريم في ثلاثة وستين موضعا. (4)
ورغم أن التعريف التقليدي للماء والذي تعلمناه في الصغر سرعان ما يردده اللسان وهو أن الماء: سائل عديم اللون والطعم والرائحة إلا أن فقهاء التفسير وعلماء الحياة أجمعوا على أن الماء: عميد الحياة وعصبها وسرها وعمدتها. (5)
و كان عرشه على الماء :
في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه قال: حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح ، حدثنا ابن وهب وأخبرني أبو هاني الخولاني عن أبي عبد الرحمن الجيبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كتب الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة قال: وعرشه على الماء" ويؤيد هذا ما رواه البخاري عن عرار بن حصين قال: قال أهل اليمن لرسول الله صلى الله عليه وسلم جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر فقال: "كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء".
وروى السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: إن الله كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئا غير ما خلق قبل الماء. (6)
ويدل صريح الآية الكريمة السابقة من سورة "هود" والأحاديث الشريفة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى خلق الماء قبل أن يخلق السموات والأرض.
قال تعالى: "وهو الذي خلق السموات والأرض وستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا".
ومما يؤكد على ضرورة الماء واقترانه بالحياة وتشريف القرآن العظيم لهذا المخلوق , أن نجد ذكره في الآية الكريمة السابقة من سورة هود – مقترنا بعرش الرحمن , وهو تشريف ومنزلة تكشف عنها حقائق حيوية جمة سيتناولها البحث إن شاء الله.
وحين يقال أن الماء عصب الحياة , فلا أدل على ذلك من نشوء الحضارات الإنسانية وازدهارها حول منابعه ووديانه ومجاريه وروافده واندثار الكثير من الحضارات القديمة أيضا بسبب نضوبه أو هلاك مصادره , وقيام الكثير من الحروب والصراعات والنزاعات حول منابع المياه على امتداد التاريخ الإنساني , ويتوقع الكثير من الخبراء احتدام هذه النزاعات والصراعات في المستقبل بل واندلاع الحروب بسبب السيطرة على مصادر المياه النقية , وحاليا تتعالى الأصوات من كافة التخصصات في كل من الشرق والغرب ، مطالبة: بالحفاظ على قطرة الماء نظيفة وكفالة وصولها إلى الفرد العادي كحق إنساني مؤكد وخاصة في المجتمعات الفقيرة وتطالب هذه الأصوات أيضا بسن المزيد من القوانين والتشريعات بدءا بالفرد وانتهاءا بالهيئات الدولية وذلك لحماية للماء من التلوث أو الإهدار.
المادة الأساسية للحياة:
يشكل الماء أكثر من 90% من محتويات المادة البروتوبلازمية المكونة للخلية ويوجد بها إما في العصير الخلوي أو في باقي عضيات الخلية الأخرى , كما يدخل في تكوين العديد من الجزيئات الحيوية بالجسم ويمثل وسطا صالحا لعمل الإنزيمات والبروتينات ..... الخ.
ووجود الماء شرط أساسي لحدوث تفاعلات التحلل للمواد المعقدة وتحويلها إلى مواد بسيطة يمكن لخلايا الجسم أن تمتصها وتستفيد منها , ويتم تحويل تلك المواد الغذائية كما يلي:
أ– تتحول المادة الكربوهيدراتية (السكريات المعقدة) إلى سكريات بسيطة بواسطة إنزيمات التحلل السكري في وجود الماء إلى سكريات بسيطة مثل الجلوكوز , والتي تدخل في إطار دورة حيوية داخل الخلية تهدف إلى إنتاج الطاقة اللازمة لاستمرار حياة الخلية.
ب- تتحول المواد الدهنية بواسطة إنزيمات التحلل الدهني إلى مواد أبسط منها تركيبا تعرف بالأحماض الدهنية وفي وجود الماء كوسط ضروري لحدوث التفاعل الإنزيمي.
جـ– تتحول المواد البروتينية المعقدة إلى أحماض أمينية أبسط منها في الناحية التركيبية , وأيسر في عملية امتصاص الجسم لها , ويتم ذلك التحول في وجود الماء.
يدخل الماء أيضا كمكون أساسي في عمليات تحويل المواد الغذائية المعقدة إلى بعضها ، كتحول الكربوهيدرات إلى بروتينات والعكس ، كما يدخل الماء في عمليات تخليق الهرمونات والإنزيمات , وسائر الإفرازات المغذية بالجسم , والتي تسيطر على عمليات الهدم والبناء بالخلية الحية.
ويمثل الماء المركب الأساسي الهام في عملية التمثيل الكلوروفيللى في النبات وهي العملية الأساسية لحياة النبات , وذلك لتخليق المواد الغذائية المختلفة منها , كما يمتص النبات الماء من خلال مجموعه الجذري من التربة , حيث يصعد خلال أوعية الخشب ليدخل في عمليات النمو المختلفة للخلايا الحية , ويصل للورقة التي تمثل المصنع الحيوي للمواد الغذائية بالنبات , حيث توجد المادة الخضراء الكلوروفيل , وفي وجود ضوء الشمس التي تمتصه الورقة وثاني أكسيد الكربون الممتص بواسطة ثغور الورقة من الجو , يتم اختزال المادة الخضراء وتحرير كم الطاقة المطلوب لعمليات البناء الحيوي.
ولا يقتصر دور الماء على عمليات البناء والتحول الغذائي فحسب بل يستخدمه الكائن الحي في إطار عملية حيوية بهدف تعديل الميزان الحراري لخلايا جسمه , حيث يعمل إخراج الماء من جسم الكائن الحي على تلطيف درجة حرارته , وحدوث اختلال في الميزان المائي يؤدي إلى اختلال سير العمليات الحيوية داخل الجسم , وإصابة الجسم بالعديد من نواحي الخلل الوظيفي.
وبالرغم من أننا احتجنا لمعرفة تلك الأدوات والعمليات الحيوية التي يؤديها الماء إلى مئات المراكز البحثية وآلاف الباحثين والعديد من العلوم الحديثة فقد أشار القران إلى ذلك الدور منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان وذلك في قول الله الخالق الحكيم "وجعلنا من الماء كل شيء حي".
والتعبير باستخدام البعضية بحرف (من) هو تعبير أدق لتحديد دور الماء ، فهو لا يمثل الحياة بكاملها بل هو الجزء الأساسي لاستمرار المكونات الحية في أداء عملها.(7)
الله أنزل الماء من السماء:
يقول الحق تبارك و تعالى في كتابه العزيز:
<>·
<>·
<>·
<>·
<>·
تقرر آيات القران العظيم في نحو ستة وعشرين موضعا ، أن الماء منزل من السماء , وأن الله وحده هو الذي ينزله ومن صفات هذا الماء الذي ينزله الله من السماء لتستمر به الحياة أنه: بقدر وطهور ومبارك وثجاج , وذلك تميزا له عن المطر والإمطار الذي يرتبط بالأذى أو العذاب أو الإهلاك.
قال تعالى:
<>·
<>·
<>·
ماء السماء آيات و حقائق و نعم:
يمن الله على عباده بإنزال الماء الذي يشربونه من السحاب , ولو منع الماء مع وجوده في السحاب فلن يستطيعوا إنزاله ولو تمكن الناس من استمطار السحب فسيكون الماء حمضيا .. قال تعالى: "أفرأيتم الماء الذي تشربون ۞ أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ۞ لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون".
والمزن هو السحاب والأجاج هو شديد الملوحة أو هو المر الذي لا ينتفع به في شرب ولا زرع. وعذوبة الماء هي رحمة من الله وحده ، فماء السماء عذب مستساغ شرابه ونؤمن نحن المسلمين بقدرة الله على قلب الماء العذب أجاجا وقد أصبح ذلك واقعا ، فاليوم يوجد ما يعرف بالأمطار الحمضية ففي المدن الصناعية يتفاعل ثاني أكسيد الكربون المتواجد في الجو بنسب عالية في أيامنا هذه لأسباب تتعلق بتلوث الهواء مع بخار الماء ويتكون حمض الكربونيك الذي يزيد من حمضية الماء وكذا الحال يتكون حمض النيتريك من تفاعل أكاسيد النيتروجين , ويمثل تكوين حمض الكبريتيك الناتج من تفاعل الكبريت مع بخار الماء أخطر أنواع الأمطار وتنشأ مشكلة بيئية تسمى الأمطار الحمضية التي تؤثر على الكائنات فتؤدى إلى موت الأسماك في الأنهار والبحيرات ذات الحموضة العالية. (8)
والماء الذي ينزله الله تعالى من السماء لسقيا الإنسان والحيوان والنبات ، يسكن جزء منه الأرض وجزء يسلك ينابيع وجزء ثالث يساق أنهارا يقول الله تعالى:
<>·
<>·
<>·
ولنتأمل هذه الكلمات:
(فأسكناه) (فسلكه) (فسالت) وما فيها من بلاغة ودقة أداء لغوي يعكس حقيقة كل حالة من الحالات الثلاث:
فأسكناه جاءت مع قوله تعالى في الأرض , وسلكه تدل أن الماء أخذ طرقا ليكون بعد ذلك ينابيع في باطن الأرض وسالت تدل على السيل من مكان أعلى على سطح الأرض ، فالسير في أودية.
والأفعال الثلاثة بدأت بحرف الفاء ليفيد التعقيب والسرعة في الحدث الذي يتلو حدثا آخر.
أما عن سقياه للناس والأنعام فيقول تعالى:
<>·
<>·
<>·
ويعلمنا القرآن الكريم ، أن الله تعالى يحيي بالماء الأرض بعد موتها.
يقول عز وجل:
<>·
<>·
<>·
ثم يفصل لنا القرآن كيف يحيي الله الأرض بعد موتها وأنه تعالى يخرج الزرع من هذا الماء بأنواعه وألوانه وأشكاله يقول تعالى:
- "وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم".
- "فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات".
- "وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى".
- "ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرج به من ثمرات مختلفا ألوانها".
والآيات الكريمة تدل هنا على التعامل المباشر بين ماء السماء والأرض ونلاحظ ذلك من العطف المباشر بين الفعلين "أنزل فاخرج" ولكن في آيات أخرى لا تأتي عملية الإخراج مباشرة وهذا يعني أن الماء لم يلتق مع النبات فور نزوله من السماء فلم يتم حينئذ ري مباشر وإنما عن طريق الأنهار وروافدها أو مياه الآبار والعيون وما يشق منها من ترع وقنوات ، ففي قوله تعالى: "وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا" نجد كلمة ثجاجا أي غزيرا منصبا ، ينزل كالشلال أو السيل فلا يحتمله النبات فهو ينزل أولا على الجبال لتتحمل قوته الناتجة عن العصر وفي هذا قوله سبحانه: "وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا".
ونلاحظ ذكر الماء الفرات بعد ذكر الرواسي الشامخات وغالبا ما يكون خلف الرواسي الشامخات شلالات وأنهار يسوقها الله للأرض الجرز , وعلى ذلك يكون الزرع قد خرج بطريقتين: عن طريق ماء السماء مباشرة أو عبر وسائط أخرى كالأنهار وغيرها.
ولعل الفرق بين الأمرين يتضح إذا علمنا أن زكاة الزروع تكون العشر في الزرع المروي من السماء ونصف العشر في غيره ويؤيد ذلك قوله تعالى: "ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه".
فالفعل يخرج مسبوق بحرف العطف "ثم" الذي يفيد التراخي وذلك لأن الإخراج لم يعقب إنزال الماء وإنما تم تخزين الماء أولا في الأرض ليستعمل بعد ذلك وبذلك يكون هذا الزرع الخارج مرويا بالعيون والآبار وهكذا تكون الآيات جميعها قد ذكرت كل أنواع الري. (9)
إشارات قرآنية لعملية إخراج النبات:
يقول الله تعالى: - "هو الذي أنزل من السماء ماء لكم فيه شراب ومنه شجر فيه تسيمون".
- "وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت و أنبتت من كل زوج بهيج".
- "ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت".
في هذه الآيات يستعرض القرآن الكريم ما يحدثه الماء بالأرض وتنقل لنا الآيات حركة الأرض التي تدل على دبيب الحياة فيها بعد الموت وما يجري داخل التربة من عمليات حيوية وتفاعلات كيميائية , وما ينتج عن هذه العمليات ، من نبت الأرض ونمو النبات وكيف ينبت هذا الماء الشجر الضخم العملاق من بذرة لا تكاد ترى من صغرها ودقتها ، فتتحول بالماء إلى هذا الحجم , وفيها من الألوان المبهجة والثمار الطيبة والروائح الذكية.
"ما كان لكم أن تنبتوا شجرها"
ترى أنحن الذين فعلنا ذلك ؟ أنحن الذين أنبتنا وأخرجنا أم أنه الله ؟
"أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون"
هكذا يفعل الماء بالأرض وهكذا ينبت الزرع ويخرج النبات , أشجار وأزهار وفاكهة وثمار وحبوب وخضار ... (10)
الدورة المائية:
كمية الماء ثابتة على سطح الأرض وذلك باستثناء الحالات الإعجازية الإلهية ، وقطرة ماء التي نستهلكها مصيرها إلى المحيط في يوم من الأيام , ثم إلى السحب في يوم آخر , ثم ماء نازلا من السماء في يوم يليه (دورة الماء في الطبيعة) وهكذا يستعمل الماء ثم يعاد استعماله مرات و مرات , ولا يمكن استنفاذه أو إفناؤه إلا بإذن الله ولنتدبر قوله تعالى: "وأنزلنا من السماء ماء بقدر".
ولقد ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: ليس عام بأمطر من عام ، وأثبت العلم أن كمية الماء التي تنزل من السماء كل عام ثابتة وكذلك كمية الماء المتبخر وهي الحقيقة التي أوضحها القرآن في الآية الثامنة عشرة من سورة (المؤمنون) يقول تبارك وتعالى: "وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون".
والشيء الذي يختلف هو توزيع الأمطار من مكان إلى مكان آخر على سطح الأرض.
قال تعالى: "ولقد صرفناه بينهم ليتذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا" والشيء العجيب أن كمية الماء التي تفقد بالبخر من المحيط ، تفوق كمية الماء النازل من السماء إلى المحيط بحوالي 46000كيلو متر مكعب من الماء وذلك نظرا لاتساع السطح المعرض لعمليات البخر , وحتى ينتظم الميزان المائي للمحيط ، يتم تعويض المحيط بنفس المقدار من الماء أي بمقدار 46000كيلو متر مكعب من الماء الجاري على اليابسة والذي يصب في المحيطات.
وتوضح الأرقام التالية نسب توزيع الماء في العالم:
المصدر
النسبة المئوية
المحيطات
الثلاجات و غيرها من الجليد
الماء الجوفي
البحيرات العذبة
البحيرات المالحة
رطوبة الأرض
الغلاف الجوى
الأنهار
97.2 %
2.15 %
0.61%
0.009 %
0.008%
0.005%
0.001%
0.0001%
و إذا كانت الأرض توصف أحيانا بأنها كوكب مائي , فالحقيقة أن أكثر من 97% من الماء الموجود ضمن نطاقها , ماء شديد الملوحة غير صالح لحياة البشر وكثير من الحيوانات (مياه البحار والمحيطات والبحيرات المالحة) و3% تقريبا من مجموع الماء على سطح الأرض ماء عذب وهذا الماء العذب أيضا غير متوافر بصورة كاملة , إذ إن نسبة منه محتجزة في شكل جليد وأنهار جليدية (2.15%) وهذا يعنى أن المتوفر من المياه العذبة لا يتعدى 0.9% معظمها مختزن في باطن الأرض ولا ننسى الماء المعلق في الغلاف الجوى ونسبته لا تتجاوز واحدا من الألف من 1% من المجموع الكلي على سطح الأرض.
وبعد هذا التوضيح لتوزيع نسب المياه على كوكب الأرض نتناول بالحديث التفصيلي مصادر هذه المياه الأرضية على ضوء آيات القرآن الكريم. (11)
مصادر المياه على كوكب الأرض:
أولا الأنهار:
تعتبر الأنهار من أهم مصادر المياه العذبة على سطح الأرض , والأنهار عبارة عن مسطحات مائية تنساب على اليابسة في مجرى طويل. وتبدأ معظم الأنهار من أعالي الجبال والتلال أو من جبال جليدية أو ينابيع أو بحيرات وتصب في نهاية المطاف في البحار والمحيطات وأطول أنهار العالم (نهر النيل) في قارة أفريقيا , إذ يبلغ طوله 6.671 كيلو متر , يليه في الطول نهر (الأمازون) في أمريكا الجنوبية بطول 6.437 كيلو مترا , لكن هذا الأخير يحمل من المياه أكثر من أي نهر آخر ثم يأتي بعد ذلك نهر (يانجتسي) في الصين بطول 6300 كيلو مترا.
والمياه الدولية أو النهر الدولي , مصطلح يعنى المياه التي تتصل في حوض طبيعي داخل دولتين أو أكثر ويشمل المجرى الرئيسي للنهر وروافده. (12)
ظواهر متعلقة بالأنهار:
يقول الحق تبارك و تعالى: "أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها" والآية الكريمة تشير إلى ظواهر في الطبيعة متعلقة بالأنهار منها:
أ- رتبة الأنهار:
حيث تصب الأنهار الصغيرة في الأنهار الكبيرة , وبذلك توجد أنهار رئيسية وروافد لها , و النهر ذو الرتبة الأولى روافد والنهر ذو الرتبة الثانية ينشأ من التقاء نهرين من أنهار الرتبة الأولى وهكذا بقية الرتب.
ب- حمولة النهر:
تحتوى معظم أنهار العالم الكبيرة على ما يقرب من 110 – 120 جزءا من المليون من الأيونات الذائبة , أي أن كل لتر من ماء الأنهار يحتوي على 1/10 من الجرام من المواد الذائبة وتحمل أغلب أنهار العالم الجزء الأكبر من حمولتها في هيئة معلقات , ومن أمثلة الأنهار الطبيعية في العالم النهر الأصفر في الصين ونهر جانجا في الهند , حيث يحمل كل منهما ما يزيد على 1.5 مليون طن من الرواسب.
وتبلغ حمولة نهر المسيسبي 450 مليون طن سنويا , و توجد حمولة القاع على هيئة حمولة متدحرجة أو منزلقة أو منقذفة ومما لا شك فيه أن معظم الحمولة سواء كانت معلقة أو حتى ذائبة بالإضافة إلى حمولة القاع فمصيرها ، أن تستقر على قاع بعملية الترسيب ، مكونة الرواسب المختلفة التي تتماسك بعد ترسيبها وتكون الصخور الرسوبية وتلك الحمولة المستقرة تتحدث عنها الآية الكريمة: "وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" وتعطي الآية مدخلا لدراسة نوعين من الرواسب.
<>·توجد علاقة حميمة بين الذهب والصخور النارية ويتم تركيز الذهب بطريقة ميكانيكية , فعلى سبيل المثال يقوم نهر النيل بتركيز الذهب الذي تحمله المياه من الجبال الحبشية وأيضا تقوم الأدوية التي تسيل بالمياه بتركيز الذهب من المناطق الجبلية التي تخترقها ويتركز الذهب ومعه كثير من المعادن الثقيلة ذات الأوزان النوعية العالية مثل: الفضة والجرانيت والروتيل والفلورايت وغيرها , حيث تمكث في قاع النهر , ففي الولايات المتحدة الأمريكية يستخرج الذهب بنسبة 5 – 10 من الإنتاج من رواسب المكث.
<>·
تتكون الرواسب النوعية مثل رواسب المكث السابقة في قاع النهر أو على شاطئ البحر وتكون الرواسب بصفة عامة الأراضي الخصبة في دلتاوات الأنهار , وقد تحتوى على ثروات الغاز الطبيعي كمصدر مهم من مصادر الطاقة , ويتسع مدلول قوله تعالى: "ما ينفع الناس" ليشمل رواسب الرمل المستخدمة في صناعة الزجاجات ومواد البناء , وكذا رواسب الطين المستخدمة في صناعة الزخرفيات والأسمنت وغيرها ويتسع مفهوم المنفعة إلى الرواسب التي تحتملها الأنهار إلى قاع البحر وهكذا نجد أن الآية تشير إلى علم أساسي من علوم الأرض وهو علم الصخور الرسوبية.
جـ- الأنهار البديعة:
من بديع صنع الله ومن المحير حقا ، أن تشق الأنهار مجاريها ذات الجوانب الحادة في سلاسل الجبال في تحد عجيب! ولكن لماذا ينحت النهر مجراه في السلسلة الجبلية وليس فيما حولها ؟
وقد حاول العلماء الإجابة على هذا السؤال فأعطى المداخل التالية:
عادة ما ينشا النهر في الأصل في الأرض الممهدة ذات الانحدار اللطيف التي تغطى سلسلة الجبال المدفونة تحت سطحها , أي أن يركب فوقها , وينحت النهر رواسب الأرض ويكون أخدودا في السلسلة الجبلية , إنها يد القدرة التي مكنت وأوحت إلى النهر أن يتحدى الجبال الراسيات , وكثير من السبل في الجبال ما هي إلا أودية جافة وصدق الله العظيم حين قال: "وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون".
ويذهب الأستاذ عيد الورداني ، أن الأنهار مخلوقة وليست مكونة بفعل الماء يقول: (فهذه الأنهار التي تجرى في الأرض قد خلقت في يومي المرحلة الثانية للخلق ولا صحة أبدا لما يقوله التجريبيون أن هذه الأنهار تكونت بفعل الماء , بل إن الثابت أن الأنهار شقها الله عز وجل "ثم شققنا الأرض شقا" وليست من فعل الماء , ويقول تعالى: "وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا"
ويعلل الأستاذ الورداني لظاهرة ارتباط ذكر الأنهار بذكر الجبال بقوله: وذلك لأن الأنهار تجري ومن ثم ستكون دائما في حاجة لمدها بالماء فهو تعالى قد خلق الأنهار بادئة من وراء الجبال الرواسي حتى إذا ما نزل ماء السحاب عليها لم يتفرق في كل جهة بل يتجه إلى حيث يوجهه الله "أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز". (13)
د- الأسر النهري أو الأنهار الأسيرة:
نادرا ما يأسر نهر نهرا آخر مجاورا له ولكن يجري في اتجاه معاكس لاتجاه جريانه على جانبي السلسلة الجبلية. وفي هذه الحالة ينحت النهر الآسر مجراه بسرعة تفوق سرعة النهر الأسير وربما يرجع السبب في ذلك لوقوعه على الجانب الذي يستقبل كمية أكبر من المياه أو لأن صخور مجراه أقل قساوة من صخور مجرى النهر الآخر , حينئذ يزول الحاجز و يأسر النهر القوي النهر الضعيف. (14)
ثانيا مياه المحيطات و البحار:
وهي تشكل أكثر من 97% من المياه الموجودة على سطح الأرض , وتتكون قشرة المحيط من البازلت ذي الكثافة العالية ويصل سمكها إلى 100 كم فقط وعلى العكس من ذلك فإن قشرة القارة تتكون من جرانيت الكثافة المنخفضة ويصل متوسط سمكها حوالي 30 كيلو مترا , وبالتالي فإن القارات تطفو بارزة بينما تهبط قيعان المحيطات.
كيف تكونت المحيطات و البحار :
وللإجابة على هذا السؤال يتصور العلماء: أن الأرض كانت في مهدها كويكبا ، تكون من بقايا سديم كان يحيط بالشمس وحينما أخذت الأرض في التكوين , بدأت تسخن بسبب الحرارة الناتجة عن تصادم مكوناتها وبسبب جاذبيتها ، ونتيجة تحلل العناصر المشعة واستمرار الحرارة في الزيادة انصهر حديد الأرض وغاص في المركز مكونا اللب واستمر النشاط البركاني وأخرجت الأرض كميات كبيرة من بخار الماء وغازات أخرى غطتها فيما يشبه بحرا من الحمم الحمراء الساخنة وبعد ذلك أخذت الأرض تبرد رويدا رويدا وسمحت هذه البرودة بتكثف السحب وبخار الماء البركاني وسقوط الأمطار وبذلك نشأت المحيطات والبحار منذ قرابة 4 مليون سنة ثم أصبحت مياهها مالحة نتيجة لاتحاد الكلورين الموجود في الغازات البركانية بالصوديوم الناتج عن التجوية الكيميائية لمكونات القشرة , أي أن مصدر الماء قد أتى من باطنها وهذا هو الذي قرره القرآن الكريم قبل أن يتوصل إليه العلم في أيامنا هذه وصدق الله العظيم إذ يقول "والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها". (15)
ظواهر متعلقة بالبحار و المحيطات:
1- مرج البحرين وبرزخ الملتقى:
تحدث القرآن عن مرج البحرين وعن برزخ بينهما في آيتين من آياته قال تعالى: "هو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا".
وقال تعالى: "مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان" وقد كشف العلم عن بعض أوجه الإعجاز فيما يتعلق بمرج البحرين والبرزخ بينهما على ضوء:
قانون التمدد السطحي:
أو ما يسمى قانون المط السطحي والذي يفصل بين السائلين حيث يختلف تجاذب الجزيئات من سائل لآخر ولذا يحتفظ كل سائل باستقلاليته في مجاله.
2- برزخ بين المحيطات:
تذكر آية سورة الفرقان: أن البحرين أحدهما عذب فرات وأن الآخر ملح أجاج "وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا" بينما لم يرد تحديد للبحرين المذكورين في آية سورة الرحمن في قوله تعالى: "مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان" إلا أن الآية التي تليها قد أشارت إلى أن ماء البحرين ماء مالح لأن اللؤلؤ والمرجان لا يخرجان إلا من الماء المالح , إذن فلا بد أن يكون بين البحرين برزخ عند التقائهما , ولكن الفروق بين الآيتين تدعونا أيضا إلى التساؤل ما الفرق بين البرزخين عن قانون التمدد السطحي وكذلك مستوى القاعدة لكل من النهر والبحر أو البحر والمحيط.
فالبرزخ بين المالحين لا يمنع الاختلاط فماء كل منهما مالح ولكن دون أن يبغي أحدهما على الآخر (لا يبغيان) أما البرزخ بين المالح والعذب فإنه يمنع الاختلاط منعا باتا لقوله تعالى: "وحجرا محجورا". (16)
3- المد و الجزر:
على شاطئ فرنسا الشمالي الغربي حيث يوجد جبل سانت مايكل المشهور ببناء أثري مشيد على صخرته المخروطية ... اعتاد الناس هناك أن يروا هذا الجبل يصير جزيرة مرتين كل يوم ، إذ يغطي البحر تماما الأرض المحيطة به ومن ثم فأثناء ذلك يغدو الوصول إلى الصخرة ذات البناء الأثري الجميل مقصورا فقط على طريق ضيق منشأ خصيصا للوصول إليه .. إن هذه الظاهرة التي تحدث هنالك يوميا هي التي تسمى ظاهرة المد والجزر. (17)
كيف تحدث الظاهرة ؟
تتعرض الأرض إلى تأثيرات قوى الجاذبية من جانب الشمس والقمر , وحسب قوانين نيوتن في الجاذبية فإن قوة الجذب بين جسمين تتناسب طرديا مع حاصل ضرب كتلتهما وعكسيا مع مربع المسافة بين مركز ثقلهما , ونتيجة لاختلاف الخصائص الفيزيقية بين الشمس والأرض والتي تختلف عنها بين الأرض والقمر لكننا حين نتطرق إلى مسألة المد والجذر فإن الأمر الذي يهمنا هو الفارق بين قوى الجاذبية المؤثرة على نقطة على سطح الأرض , وسبب الاهتمام في هذا الفارق يعود إلى أنه يشكل العامل الأساسي في حركة المد والجزر.