المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفرق بين الاعتراض النحوي والبياني



حامد الأنصاري
2008-01-23, 09:15 PM
الفرق بين الاعتراض النحوي والبياني .


بسم الله ، والحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسول الله

أما بعد فقد أردت أن أزيل عن أمثالي من طلبة العلم الإشكال في مسألة من المسائل التي كثر فيها اللغظ ، وهي الفرق بين الاعتراض النحوي والبياني والله أسأل أن يوفقني لتوضيح الفرق بينهما فهو على ذلك قدير وبالإجابة جدير ، وهو حسبي ونعم الوكيل .

أقول مستعينا بالله :

قال الأزهري([1]) في تهذيب اللغة: (( ويقال اعترض الشيء ، إذا مَنَع ، كالخشبة المعترضة في الطريق تمنع السالكين سلوكها . )) ([2]) .

ويشتق مِـن هـذه الْمـادة عـدة ألفـاظ ، والْـمهـم منها فـي هـذا البحث مـا يستخـدمه علماء الـنحـو ، والأصـول ، واللغــة ، والْتفسير ، والبلاغة ، ومَـن سَلَك مسلكـهـم مِـن أرباب علـوم العربية والشريعة .

والملاحظ استخدامُهم لفظ ( اعترض ) بمعني ( منع ، وحال وانتصب ) ، وأخذهم هذا المعنى اللُّغوي وإطلاقــه مجازاً على كل كلام فصل بين كلامين يقول ابن فــارس في كتابه الصاحبي في فقـه اللغة : (( إنَّ من سنن العرب أن يعترض بين الكلام وتمامه ، كلام لا يكون إلاَّ مفيداً )) ([3]) ، وهـذا المعترض هو ما اصطلح على تسميته ( الجملة المعترضة ) ؛ يقول الجرجاني في التعريفات : (( الجملة المعترضة هي الّتي تتوسط بين أجزاء الجملة المستقلة لتقرير معنى يتعلق بها ، أو بأحد أجزائها .)) ([4]) ، وسُمَيَّتْ كذلك لأنَّ المتكلم لا يكمل جملته حتى يأتي بها ، وتكون معترضةً نطقَهُ ، يقول الفيروزآبادي في القاموس: (( الاعتراضُ المَنْعُ ، والأصلُ فيه أنَّ الطريق إذا اعتَرَضَ فيه بناءٌ أو غيرهُ ، منع السابلة من سلوكِهِ . )) ([5]).

ـ معنى مادة ( عرض ) اصطلاحاً .


عرف أبوهلال العسكري ([6]) الاعتراض في كتابه الصناعتين بقوله : (( هو اعتراض كلام في كلام لم يتم ، ثمَّ يرجع إليه فيتمه . )) ([7]).

وعرفه الزَّرْكَشِيّ ([8]) فِـي كتابه البرهـان في علوم القرآن بقوله : (( هو أن يؤتى في أثناء الكلام ، أو كلامين متصلين معنى ، بشيء يتم الغرض الأصلي بدونه ولا يفوت بفواته فيكون فاصلاً بين الكلام أو الكلامين لنكتة . )) ([9]) .

ويعرف النحاة الجملة المعترضة اصطلاحاً بـ( أنَّها تفيد تأكيداً وتسديداً للكلام الذي اعترضت بين أجزائه ) ([10]) كما نص على ذلك ابن هشام الأنصاري ([11]) في كتابه المغني ، وهي على هذا الحد لا تقع إلاَّ بين متلازمين ([12]) .

كالمبتدأ والخبر في نحو قول الله سبحانه :{ هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ } [ص : 57] ، فجـملة : ( فَلْيَذُوقُوهُ ) اعتراض بين المبتدأ ( هذا ) وخبره ( حميم ٌ )

وكالجملة الواقعة بين الشرط وجوابه في نحو الله جل وعلا : { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [البقرة : 24] ، فجـملة : ( وَلَن تَفْعَلُواْ ) وقعت بين الشرط وجوابه .

وكالجملة الواقعة بين الصِّفة وموصوفها نحو قوله سبحانه: { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } [الواقعة : 76] فجملة ) ö لَّوْ تَعْلَمُونَ ) واقعة بين المنعوت : ( قسمٌ ) ونعتها : ( عظيمٌ ) ، وهلمَّ جرا في كلِّ متلازمين .

ثُمَّ إنَّ العلماء اتفقوا على جـــواز الاعتراض بـجملة واحــدة ، واختلفوا في جوازه بـجملتين أو أكثر ، فالْجمهـور على جــوازه ، و أبو علي الفارسي ([13]) على منعه ([14]) ، والدَّليل مع الْجمهـور ـ والله أعلم ـ ، بدليل قوله جل جلاله : { فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } [آل عمران : 36] ، فجملة: ( وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ ) الاسمية ، وجملة : ( وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى ) الفعلية معترضتان بين الجملتين المتعاطفتين المتضمنتين كلام امرأة عمران .



الفرق بين الاعتراض النَّحوي والبَيَاني .


يتفق النُّحاة والبيانيّون ([15]) في تسمية ما وقع بين متلازمين اعتراضاً ، ودليل هذا قول ابن الأثير ([16]) في كتابه المثلُ السائر : (( الاعتراض ، وبعضهم يسمية الحشو . وحدُّهُ كل كلام أدخل فيه لفظ مفرد أو مركب لو أسقط لبقى الأول على حاله . )) ([17]) ، وقول الْـخَطِيب الْقَزْوِيني ([18]) في كتابه الإيضاح في علوم البلاغة: (( الاعتراض ، هو أنْ يُؤتى في أثناء الكلام أو بين كلامين متصلين معنى بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب ... كالتنزيه والتعظيم في قوله جل جلاله : { وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ } [النحل : 57] . )) ([19]) ، وقول السيوطي في كتابه همع الهوامع في حد الجملة المعترضة هي : (( التي تفيد تأكيداً وتسديداً للكلام الذي اعترضت بين أجزائه . )) ([20]) .

ويخالف البيانيون النُّحاة في تسميتهم التكميل ، والتتميم ، والتذييل ، اعتراضاً ، يقول الخطيب في كتابه الإيضاح في علوم البلاغة : (( ومن النَّاس من لا يقيد فائدة الاعتراض بما ذكرناه ، بل يجوز أن تكون دفع توهم ما يخالف المقصود . )) ([21]) .

وهؤلاء فرقتان ([22]) :

الفرقــــــة الأولى : فرقة لا تشترط في الاعتراض أن يكون واقعاً في أثناء الكلام أو بين كلامين متصلين معنى ، بل يـجوز أن يقـــــع فـي آخـــر كلام لا يليه كـــلام غير متصل به معنى ، فالاعــــتراض عندهم يشمل التذييل ، كما قال ابن عاشور في التحرير والتنوير عند تفسيره لقول الله جل جلاله : { وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً } [النساء : 122] ، فالواو اعتراضية لأنَّ التذييل من أصناف الاعتراض ، وهو اعتراض في آخر الكلام . )) ([23]) ، ومن التكميل مالا مـحل له من الإعراب ، جملــة كان أو أكثر من جملة .

الفــــرقة الثانية : فرقــــة لا تشترط في الاعتراض أن يكون جـملـــــــة ، فالاعتراض عندهم يشمل من التتميم ما كان واقعاً فـي أحد الموقعين ، ومن التكميل ما كــــــان واقعاً في أحدهــما ولا محل له من الإعراب .

ويفهم من كلام الخطيب القزويني([24]) أنَّ بعض علماء البلاغة خالفوا النُّحاة في مصطلح الاعتراض على قولين :

القول الأول : قول يوافق النُّحاة في أصل الاعتراض ، ويخالفهم في اشتراطهم أن يكون جملة أو أكثر، بل يعترضون بالمفرد ، ومنه قول ابن الأثير في المثل السائر: (( الاعتراض ، وبعضهم يسميه الحشو ، وحدُّه كل كلام أدخل فيه لفظ مفرد أو مركب لو أسقط لبقى الأول على حاله . )) ([25]) .

القول الثاني : قول لا يشترط فيه أن يكون واقعاً بين متلازمين ، بل يجوز أن يقع في آخر كلام لا يليه كلام أو يليه كلام غير متصل به معنى ، وهو المفهوم من عبارات الزَّمخشري في تفسيره إن لم يكن هناك تعارض بين متلازمين كقوله : (( { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } حال من فاعل نعبد ، أو من مفعوله ، لرجوع الهاء إليه في له . ويجوز أن تكون جملة معطوفة على نعبد ، وأن تكون جملة اعتراضية مؤكدة ، أي ومن حالنا أنا له مسلمون مخلصون التوحيد أو مذعنون .)) ([26]) في تفسير ه لقول الله سبحانه وتعالى : { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } [البقرة : 133]

إذا عُلِمَ هذا فليعلم أنَّ البيانيين لا يخالفون النحاة في الاعتراض مطلقاً ، وإنَّما يخالفونهم فيما إذا أرادوا به التكميل ، أوالتتميم ، أوالتذييل لإكمال المعنى ، أو أرادوا به الاعتراض المفرد .

ولذلك يعد مفهوم الاعتراض عند البلاغيين أعمُّ من مفهومِهِ عند النُّحاة ؛ لأنَّ البلاغيين يعدون الجملة الواقعة بين الكلامين المتصلين معنى لا لفظاً ، جملةً معترضةً ، أمَّا النحاةُ فلا يعدونها اعتراضية حتى يكون بين ما قبلها وما بعدها اتصال لفظي ، والجملة الاعتراضية المتوسطة بين متلازمين سقوطها أو بقاؤها لا يؤثر في سياق الجملة المتوسَّط بينها نحوياً ، فلا صلة لها بغيرها ولا محل لها من الإعراب .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل

حرر الطالب : حامد الأنصاري

في 15 / مُحـرم / 1429 هـ











--------------------------------------------------------------------------------

[1])) ـ هو محمد بن أحمد الأزهري بن طلحة الهروي اللُّغوي ( 282هـ ـ 370هـ ) أخذ عن نفطويه ، وابن السراج ، من مصنفاته : التقريب في التفسير ، وتفسير ديوان أبي تمام . ينظر : طبقات الشافعية : 2/106 ، ووفيات الأعيان :3/67 .

([2]) ـ تهذيب اللغة مادة ( عرض ) : 3/2399 .

([3]) ـ الصاحبي في فقه اللغة :63ـ نسخة الشاملة .

([4]) ـ التعريفات : 83

([5]) ـ القاموس المحيط مادة ( عرض ) : 2/335 .

[6])) ـ هو أبو هلال الحسن بن عبد الله ابن سهل بن سعيد بن يحيي بن مهران اللغوي العسكري ( ت بعد : 395 هـ ) كان الغالب عليه الأدب والشعر ، له كتاب التلخيص ، وكتاب صناعتي النظم والنثر . ينظر : معجم الأدباء : 8/258 .

([7]) ـ كتاب الصناعتين : 394

[8])) ـ هو بدرالدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي المصري ( ت 745هـ ) ، أخذ عن الأسنوي ، والبلقيني ، من تصانيفه : شَرح علوم الحديث ، والبرهان في علوم القرآن . ينظر : طبقات الشافعية :3/167، والدرر الكامنة :5/133.

([9]) ـ البرهان في علوم القرآن : 3/56

([10]) ـ مغني اللبيب : 2/386 .

([11]) ـ هو أبومحمد عبدالله جـمال الدين ابن هشام الأنصاري الحنبلي النحوي المصري ( 708هـ ـ 761 هـ ) ، أخذ عن التبريزي ، والفاكهاني ، من تصانيفه : الإعراب عن قواعد الإعراب ، ومغني اللبيب . يُنظر : العبر :6/336 ، والدرر الكامنة :3/93 .

[12])) ـ وليس المرادُ بالكلام هنا ، المسند والمسند إليه فقط ؛ بل جميع ما يتعلق به من الفضلات والتوابع ـ فاصلة سواء أكانا مفردين ، أو كانا جملتين متصلتين معنى ، وذلك لإفادة الكلام تقوية ، أو ايضاحاً وبياناً ، لنكتة سوى دفع الإيهام . ينظر : الخصائص :1/335 ـ 340 . ومغني اللبيب : 2/386 ـ 393 .

[13])) ـ هو أبو علي الحسن بن أحمد عبد الغفار الفارسي الفسوي البغدادي ( 288 هـ ـ 377 هـ ) ولِدَ ببلده فسا ، وعلت منزلته في العربية ، وصنف فيها كتباً كثيرة لم يُسبق إلى مثلها حتى اشتهر ذكره في الآفاق ، له : الإيضاح والتكملة ، وكتاب الحُجَّة في القراءات . ينظر : تاريخ بغداد : 7/275 ، ووفيَّات الأعيان : 2/80 .

[14])) ـ ينظر : الخصائص : 1/388 ، وموصل الطلاب إلى قواعد الإعراب : 59 .

[15])) ـ كلمة البياني نسبة إلى البيانيين ، والمراد بهم عُلماء البلاغة عند المتقدمين لا علماء علم البيان فقط ؛ لأنَّ المتقدمين يطلقون على المشتغل بالبلاغة بيانياً هذا من جهةٍ ، ومن جهةٍ أخرى هذه المسألة ، وهي مسألة الاعتراض من مباحث علم المعاني لا علم البيان ، فعُلِمَ من ذلك إنَّ كلمة البيانيين هي من باب إطلاق الجزء على الكل عند المتأخرين ، وإطلاق الكل على الجزء عند المتقدمين .

[16])) ـ هو أبو الفتح ضياء الدين نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم المعروف بابن الأثير الموصلي ( 555هـ ـ 630 هـ ) . ينظر : وفيات الأعيان : 3/304 ، والنجوم الزاهرة : 6/318 .

[17])) ـ المثلُ السائر في أدب الكاتب والشاعر لابن الأثير :2/ 172.

[18])) ـ هو أبوالمعالي محمد بن عبدالرحمن الخطيب القزويني الشافعي ( 666 هـ ـ 739 هـ ) ، فقيه ، محدث ، أصولي ، عالم بالعربية والمعاني ، والبيان ، من تصانيفه : تلخيص المفتاح ، وشرح الموجز في الطب . ينظر : طبقات الشافعية الكبرى :9/159، والدرر الكامنة :5/249 .

[19])) ـ الإيضاح في علوم البلاغة : 182 .

[20])) ـ همع الهوامع : 2/327 .

[21])) ـ الإيضاح في علوم البلاغة : 184 .

[22])) ـ ينظر : الإيضاح في علوم البلاغة :184 .

[23])) ـ التحرير والتنوير : 5/207 .

[24])) ـ ينظر : الإيضاح في علوم البلاغة : 184 ، 186 .

[25])) ـ المثل السائر : 172 .

([26]) ـ الكشاف :1 /136ـ نسخة الشاملة .

أبو مالك العوضي
2008-01-23, 09:56 PM
جزيت خيرا يا شيخنا الفاضل

وقولك ( وإطلاق الكل على الجزء عند المتقدمين ) لعلك تعيد النظر فيه

جهاد عمران
2015-12-30, 12:24 AM
بوركت شيخنا الفاضل..
ولكن عندي سؤال: هل يشترط في الجملة المعترضة أن تكون مؤكّدة ومسدّدة للكلام الذي اعترضت بين أجزائه؟
يعني لو كانت الجملة أجنبيّة عن الكلام الذي وقعت بين أجزائه ولكنّها ترتبط معه بمناسبة ما، هل يصح لنا حينئذ أن نسميها "جملة معترضة"؟
وهل يفهم ذلك من الكلمات المتقدّمة لابن فارس، والزركشي، والعسكري، باعتبار أنّهم لم يشترطوا ذلك في تعريف الاعتراض؟
وشكراً..