مشاهدة النسخة كاملة : صفات الصراط المستقيم وحال أهله
ابو العبدين البصري
2013-03-15, 10:34 AM
صفات الصراط المستقيم وحال أهله
قال تعالى:{ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ }. وَلَا تَكُونُ الطَّرِيقُ صِرَاطًا حَتَّى تَتَضَمَّنَ خَمْسَةَ أُمُورٍ:
1_ الِاسْتِقَامَةَ : فَوَصْفُهُ بِالِاسْتِقَامَ ةِ يَتَضَمَّنُ قُرْبَهُ، لِأَنَّ الْخَطَّ الْمُسْتَقِيمَ هُوَ أَقْرَبُ خَطٍّ فَاصِلٍ بَيْنَ نُقْطَتَيْنِ، وَكُلَّمَا تَعَوَّجَ طَالَ وَبَعُدَ.
2_ وَالْإِيصَالَ إِلَى الْمَقْصُودِ: وَاسْتِقَامَتُه ُ تَتَضَمَّنُ إِيصَالَهُ إِلَى الْمَقْصُودِ.
3_ وَالْقُرْبَ: فَإِنَّ الْخَطَّ الْمُسْتَقِيمَ: هُوَ أَقْرَبُ خَطٍّ مُوَصِّلٍ بَيْنَ نُقْطَتَيْنِ كما هو معلوم.
4_ وَسَعَتَهُ لِلْمَارِّينَ عَلَيْهِ: وَنَصْبُهُ لِجَمِيعِ مَنْ يَمُرُّ عَلَيْهِ يَسْتَلْزِمُ سَعَتَهُ.
5_ وَتَعَيُّنَهُ طَرِيقًا لِلْمَقْصُودِ: وَإِضَافَتُهُ إِلَى الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ وَوَصْفُهُ بِمُخَالَفَةِ صِرَاطِ أَهْلِ الْغَضَبِ وَالضَّلَالِ يَسْتَلْزِمُ تَعَيُّنَهُ طَرِيقًا.
وَلَا يَخْفَى تَضَمُّنُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ لِهَذِهِ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ.
وَذَكَرَ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ مُفْرَدًا مُعَرَّفًا تَعْرِيفَيْنِ: تَعْرِيفًا بِاللَّامِ، وَتَعْرِيفًا بِالْإِضَافَةِ، وَذَلِكَ يُفِيدُ تَعَيُّنَهُ وَاخْتِصَاصَهُ، وَأَنَّهُ صِرَاطٌ وَاحِدٌ، وَأَمَّا طُرُقُ أَهْلِ الْغَضَبِ وَالضَّلَالِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَجْمَعُهَا وَيُفْرِدُهَا، كَقَوْلِهِ:{وَأَ نَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] فَوَحَّدَ لَفْظَ الصِّرَاطِ وَسَبِيلِهِ، وَجَمَعَ السُّبُلَ الْمُخَالِفَةَ لَهُ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ:" خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا، وَقَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، وَقَالَ: هَذِهِ سُبُلٌ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153] ".
وَهَذَا لِأَنَّ الطَّرِيقَ الْمُوَّصِلَ إِلَى اللَّهِ وَاحِدٌ، وَهُوَ مَا بَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ، لَا يَصِلُ إِلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ، وَلَوْ أَتَى النَّاسُ مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ، وَاسْتَفْتَحُوا مِنْ كُلِّ بَابٍ، فَالطُّرُقُ عَلَيْهِمْ مَسْدُودَةٌ، وَالْأَبْوَابُ عَلَيْهِمْ مُغَلَّقَةٌ إِلَّا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ الْوَاحِدِ، فَإِنَّهُ مُتَّصِلٌ بِاللَّهِ، مُوَصِّلٌ إِلَى اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} [الحجر: 41].
قَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ صِرَاطٌ إِلَيَّ مُسْتَقِيمٌ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ: أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ مِنْ بَابِ إِقَامَةِ الْأَدَوَاتِ بَعْضِهَا مَقَامَ بَعْضٍ، فَقَامَتْ أَدَاةُ " عَلَى " مَقَامَ " إِلَى ".
وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ التَّفْسِيرَ عَلَى الْمَعْنَى، وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِطَرِيقِ السَّلَفِ، أَيْ صِرَاطٌ مُوَّصِلٌ إِلَيَّ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْحَقُّ يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ، وَعَلَيْهِ طَرِيقُهُ، لَا يُعَرَّجُ عَلَى شَيْءٍ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ الْحَسَنِ وَأَبْيَنُ مِنْهُ، وَهُوَ مِنْ أَصَحِّ مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ، وَقِيلَ: عَلَيَّ فِيهِ لِلْوُجُوبِ، أَيْ عَلَيَّ بَيَانُهُ وَتَعْرِيفُهُ وَالدِّلَالَةُ عَلَيْهِ، وَالْقَوْلَانِ نَظِيرُ الْقَوْلَيْنِ فِي آيَةِ النَّحْلِ، وَهِيَ:{وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} [النحل: 9].
وَالصَّحِيحُ فِيهَا كَالصَّحِيحِ فِي آيَةِ الْحِجْرِ: أَنَّ السَّبِيلَ الْقَاصِدَ وَهُوَ الْمُسْتَقِيمُ الْمُعْتَدِلُ يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ، وَيُوَصِّلُ إِلَيْهِ، قَالَ طُفَيْلٌ الْغَنَوِيُّ:
مَضَوْا سَلَفًا قَصْدُ السَّبِيلِ عَلَيْهِمُ ... وَصَرْفُ الْمَنَايَا بِالرِّجَالِ تُشَقْلَبُ
أَيْ مَمَرُّنَا عَلَيْهِمْ، وَإِلَيْهِمْ وُصُولُنَا( 1).
يتبع.....
_______________
( 1) ينظر مدارج السالكين : (ج1_ص53_ص60) ط_دار طيبة . بتصرف .
أم علي طويلبة علم
2013-03-15, 03:15 PM
[center]
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ:" خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا، وَقَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، وَقَالَ: هَذِهِ سُبُلٌ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153] ".
وَهَذَا لِأَنَّ الطَّرِيقَ الْمُوَّصِلَ إِلَى اللَّهِ وَاحِدٌ، وَهُوَ مَا بَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ، لَا يَصِلُ إِلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ، وَلَوْ أَتَى النَّاسُ مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ، وَاسْتَفْتَحُوا مِنْ كُلِّ بَابٍ، فَالطُّرُقُ عَلَيْهِمْ مَسْدُودَةٌ، وَالْأَبْوَابُ عَلَيْهِمْ مُغَلَّقَةٌ إِلَّا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ الْوَاحِدِ، فَإِنَّهُ مُتَّصِلٌ بِاللَّهِ، مُوَصِّلٌ إِلَى اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} [الحجر: 41].
.
جزاكم الله خيرا ،، الطريق الموصل واحد : الكتاب .. السنة .. منهج السلف الصالح
ابو العبدين البصري
2013-03-15, 06:14 PM
جزاكما الله خيرا.
فَصْلٌ: [رَفِيقُ طَالِبِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ هُمُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ]
وَلَمَّا كَانَ طَالِبُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ طَالِبَ أَمْرٍ أَكْثَرُ النَّاسِ نَاكِبُونَ عَنْهُ، مُرِيدًا لِسُلُوكِ طَرِيقٍ مُرَافِقُهُ فِيهَا فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ وَالْعِزَّةِ، وَالنُّفُوسُ مَجْبُولَةٌ عَلَى وَحْشَةِ التَّفَرُّدِ، وَعَلَى الْأُنْسِ بِالرَّفِيقِ، نَبَّهَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الرَّفِيقِ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ، وَأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ {أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِين َ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69] فَأَضَافَ الصِّرَاطَ إِلَى الرَّفِيقِ السَّالِكِينَ لَهُ، وَهُمُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، لِيَزُولَ عَنِ الطَّالِبِ لِلْهِدَايَةِ وَسُلُوكِ الصِّرَاطِ وَحْشَةُ تَفَرُّدِهِ عَنْ أَهْلِ زَمَانِهِ وَبَنِي جِنْسِهِ، وَلِيَعْلَمَ أَنَّ رَفِيقَهُ فِي هَذَا الصِّرَاطِ هُمُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَلَا يَكْتَرِثُ بِمُخَالَفَةِ النَّاكِبِينَ عَنْهُ لَهُ، فَإِنَّهُمْ هُمُ الَأَقَلُّونَ قَدْرًا، وَإِنْ كَانُوا الْأَكْثَرِينَ عَدَدًا، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: " عَلَيْكَ بِطَرِيقِ الْحَقِّ، وَلَا تَسْتَوْحِشْ لِقِلَّةِ السَّالِكِينَ، وَإِيَّاكَ وَطَرِيقَ الْبَاطِلِ، وَلَا تَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ الْهَالِكِينَ "، وَكُلَّمَا اسْتَوْحَشْتَ فِي تَفَرُّدِكَ فَانْظُرْ إِلَى الرَّفِيقِ السَّابِقِ، وَاحْرِصْ عَلَى اللَّحَاقِ بِهِمْ، وَغُضَّ الطَّرْفَ عَمَّنْ سِوَاهُمْ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَإِذَا صَاحُوا بِكَ فِي طَرِيقِ سَيْرِكَ فَلَا تَلْتَفِتْ إِلَيْهِمْ، فَإِنَّكَ مَتَى الْتَفَتَّ إِلَيْهِمْ أَخَذُوكَ وَعَاقُوكَ.
وَقَدْ ضَرَبْتُ لِذَلِكَ مَثَلَيْنِ، فَلْيَكُونَا مِنْكَ عَلَى بَالٍ:
الْمَثَلُ الْأَوَّلُ: رَجُلٌ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الصَّلَاةِ، لَا يُرِيدُ غَيْرَهَا، فَعَرَضَ لَهُ فِي طَرِيقِهِ شَيْطَانٌ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ، فَأَلْقَى عَلَيْهِ كَلَامًا يُؤْذِيهِ، فَوَقَفَ وَرَدَّ عَلَيْهِ، وَتَمَاسَكَا، فَرُبَّمَا كَانَ شَيْطَانُ الْإِنْسِ أَقْوَى مِنْهُ، فَقَهَرَهُ، وَمَنَعَهُ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْمَسْجِدِ، حَتَّى فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ، وَرُبَّمَا كَانَ الرَّجُلُ أَقْوَى مِنْ شَيْطَانِ الْإِنْسِ، وَلَكِنِ اشْتَغَلَ بِمُهَاوَشَتِهِ عَنِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَكَمَالِ إِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ، فَإِنِ الْتَفَتَ إِلَيْهِ أَطْمَعَهُ فِي نَفْسِهِ، وَرُبَّمَا فَتَرَتْ عَزِيمَتُهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ وَعِلْمٌ زَادَ فِي السَّعْيِ وَالْجَمْزِ(1 ) بِقَدْرِ الْتِفَاتِهِ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ أَعْرَضَ عَنْهُ وَاشْتَغَلَ لِمَا هُوَ بِصَدَدِهِ، وَخَافَ فَوْتَ الصَّلَاةِ أَوِ الْوَقْتِ لَمْ يَبْلُغْ عَدُوُّهُ مِنْهُ مَا شَاءَ.
الْمَثَلُ الثَّانِي: الظَّبْيُ أَشَدُّ سَعْيًا مِنَ الْكَلْبِ، وَلَكِنَّهُ إِذَا أَحَسَّ بِهِ الْتَفَتَ إِلَيْهِ فَيَضْعُفُ سَعْيُهُ، فَيُدْرِكُهُ الْكَلْبُ فَيَأْخُذُهُ.
وَالْقَصْدُ: أَنَّ فِي ذِكْرِ هَذَا الرَّفِيقِ مَا يُزِيلُ وَحْشَةَ التَّفَرُّدِ، وَيَحُثُّ عَلَى السَّيْرِ وَالتَّشْمِيرِ لِلَّحَاقِ بِهِمْ.
وَهَذِهِ إِحْدَى الْفَوَائِدِ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ " «اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ»( 2). أَيْ أَدْخِلْنِي فِي هَذِهِ الزُّمْرَةِ، وَاجْعَلْنِي رَفِيقًا لَهُمْ وَمَعَهُمْ.
وَالْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ تَوَسُّلٌ إِلَى اللَّهِ بِنِعَمِهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَى مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِالْهِدَايَةِ أَيْ قَدْ أَنْعَمْتَ بِالْهِدَايَةِ عَلَى مَنْ هَدَيْتَ، وَكَانَ ذَلِكَ نِعْمَةً مِنْكَ، فَاجْعَلْ لِي نَصِيبًا مِنْ هَذِهِ النِّعْمَةِ،
وَاجْعَلْنِي وَاحِدًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ، فَهُوَ تَوَسُّلٌ إِلَى اللَّهِ بِإِحْسَانِهِ.
وَالْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: كَمَا يَقُولُ السَّائِلُ لِلْكَرِيمِ: تَصَدَّقْ عَلَيَّ فِي جُمْلَةِ مَنْ تَصَدَّقْتَ عَلَيْهِمْ، وَعَلِّمْنِي فِي جُمْلَةِ مَنْ عَلَّمْتَهُ، وَأَحْسِنْ إِلَيَّ فِي جُمْلَةِ مَنْ شَمِلْتَهُ بِإِحْسَانِكَ( 3).
__________________
( 1) الجمز: سرعة السير والعدو وهو دون الركض الشديد.
(2 ) رواه ابو داود برقم : (1425) والترمذي : (464) وصححه الألباني في الإرواء : (429).
( 3) انظر : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين : ( ج1_ص70_ص72).
ابو العبدين البصري
2013-03-16, 11:07 PM
( تضمن الصراط المستقيم معرفة الحق والعمل به )
والصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ مُتَضَمِّنٌ مَعْرِفَةَ الْحَقِّ، وَإِيثَارَهُ، وَتَقْدِيمَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَمَحَبَّتَهُ وَالِانْقِيَادَ لَهُ، وَالدَّعْوَةَ إِلَيْهِ، وَجِهَادَ أَعْدَائِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ.
وَالْحَقُّ: هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، وَمَا جَاءَ بِهِ عِلْمًا وَعَمَلًا فِي بَابِ صِفَاتِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ، وَأَسْمَائِهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ، وَفِي حَقَائِقِ الْإِيمَانِ، الَّتِي هِيَ مَنَازِلُ السَّائِرِينَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَكُلُّ ذَلِكَ مُسَلَّمٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دُونَ آرَاءِ الرِّجَالِ وَأَوْضَاعِهِمْ وَأَفْكَارِهِمْ وَاصْطِلَاحَاتِ هِمْ.
فَكُلُّ عِلْمٍ أَوْ عَمَلٍ أَوْ حَقِيقَةٍ، أَوْ حَالٍ أَوْ مَقَامٍ خَرَجَ مِنْ مِشْكَاةِ نُبُوَّتِهِ، وَعَلَيْهِ السِّكَّةُ الْمُحَمَّدِيَّ ةُ، بِحَيْثُ يَكُونُ مِنْ ضَرْبِ الْمَدِينَةِ، فَهُوَ مِنَ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهُوَ مِنْ صِرَاطِ أَهْلِ الْغَضَبِ وَالضَّلَالِ، فَمَا ثَمَّ خُرُوجٌ عَنْ هَذِهِ الطُّرُقِ الثَّلَاثِ:
1_ طَرِيقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ.
2_ وَطَرِيقِ أَهْلِ الْغَضَبِ،وَهِي َ طَرِيقُ مَنْ عَرَفَ الْحَقَّ وَعَانَدَهُ.
3_ وَطَرِيقِ أَهْلِ الضَّلَالِ وَهِيَ طَرِيقُ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَنْهُ.
وَلِهَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ:" الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ: هُوَ الْإِسْلَامُ ".
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:" هُوَ الْقُرْآنُ ".
وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ فِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ:" طَرِيقُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ".
وَقَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ:" طَرِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ عِلْمًا وَعَمَلًا وَهُوَ مَعْرِفَةُ الْحَقِّ وَتَقْدِيمُهُ، وَإِيثَارُهُ عَلَى غَيْرِهِ، فَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ. وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمَة ِ دَالَّةٌ عَلَيْهِ جَامِعَةٌ لَهُ.
فَبِهَذَا الطَّرِيقِ الْمُجْمَلِ يُعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا خَالَفَهُ فَبَاطِلٌ، وَهُوَ مِنْ صِرَاطِ الْأُمَّتَيْنِ: الْأُمَّةِ الْغَضَبِيَّةِ، وَأُمَّةِ أَهْلِ الضَّلَالِ(1 ).
___________
(1 ) انظر مدارج السالكين : (ج1_ص133).
ابو العبدين البصري
2013-03-17, 11:37 AM
فَصْلٌ
[فِي بَيَانِ تَضَمُّنِهَا لِلرَّدِّ عَلَى الرَّافِضَةِ]
وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ:{اهْدِن َا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] إِلَى آخِرِهَا. وَوَجْهُ تَضَمُّنِهِ إِبْطَالَ قَوْلِهِمْ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَسَّمَ النَّاسَ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
1_ مُنْعَمٌ عَلَيْهِمْ وَهُمْ أَهْلُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، الَّذِينَ عَرَفُوا الْحَقَّ وَاتَّبَعُوهُ.
2_ وَمَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ وَهُمُ الَّذِينَ عَرَفُوا الْحَقَّ وَرَفَضُوهُ.
3_ وَضَالُّونَ وَهُمُ الَّذِينَ جَهِلُوهُ فَأَخْطَئُوهُ.
فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَعْرَفَ لِلْحَقِّ، وَأَتْبَعَ لَهُ كَانَ أَوْلَى بِالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هُمْ أَوْلَى بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنَ الرَّوَافِضِ، فَإِنَّهُ مِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ جَهِلُوا الْحَقَّ وَعَرَفَهُ الرَّوَافِضُ، أَوْ رَفَضُوهُ وَتَمَسَّكَ بِهِ الرَّوَافِضُ.
ثُمَّ إِنَّا رَأَيْنَا آثَارَ الْفَرِيقَيْنِ تَدُلُّ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ مِنْهُمَا، فَرَأَيْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَحُوا بِلَادَ الْكُفْرِ، وَقَلَبُوهَا بِلَادَ إِسْلَامٍ، وَفَتَحُوا الْقُلُوبَ بِالْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ وَالْهُدَى، فَآثَارُهُمْ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ هُمْ أَهْلُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَرَأَيْنَا الرَّافِضَةَ بِالْعَكْسِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، فَإِنَّهُ قَطٌّ مَا قَامَ لِلْمُسْلِمِينَ عَدُوٌّ مِنْ غَيْرِهِمْ إِلَّا كَانُوا أَعْوَانَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَكَمْ جَرُّوا عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ مِنْ بَلِيَّةٍ؟ وَهَلْ عَاثَتْ سُيُوفُ الْمُشْرِكِينَ عُبَّادِ الْأَصْنَامِ مِنْ عَسْكَرِ هُولَاكُو وَذَوِيهِ مِنَ التَّتَارِ إِلَّا مِنْ تَحْتِ رُءُوسِهِمْ؟
وَهَلْ عُطِّلَتِ الْمَسَاجِدُ، وَحُرِّقَتِ الْمَصَاحِفُ، وَقُتِلَ سَرَوَاتُ الْمُسْلِمِينَ وَعُلَمَاؤُهُمْ وَعُبَّادُهُمْ وَخَلِيفَتُهُمْ ، إِلَّا بِسَبَبِهِمْ وَمِنْ جَرَّائِهِمْ؟ وَمُظَاهَرَتُهُ مْ لِلْمُشْرِكِينَ وَالنَّصَارَى مَعْلُومَةٌ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، وَآثَارُهُمْ فِي الدِّينِ مَعْلُومَةٌ.
فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ؟ وَأَيُّهُمْ أَحَقُّ بِالْغَضَبِ وَالضَّلَالِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ؟
وَلِهَذَا فَسَّرَ السَّلَفُ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وَأَهْلَهُ: بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَهُوَ كَمَا فَسَّرُوهُ، فَإِنَّهُ صِرَاطُهُمُ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ، وَهُوَ عَيْنُ صِرَاطِ نَبِيِّهِمْ، وَهُمُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَغَضِبَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، وَحُكِمَ لِأَعْدَائِهِمْ بِالضَّلَالِ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ رَفِيعٌ الرِّيَاحِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَهُمَا مِنْ أَجَلِّ التَّابِعِينَ:" الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَاهُ".
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ:{صِرَاط َ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}. هُمْ آلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ "، وَهَذَا حَقٌّ، فَإِنَّ آلَهُ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ عَلَى طَرِيقٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ، وَمُوَالَاةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَثَنَاؤُهُمْ عَلَيْهِمَا، وَمُحَارَبَةُ مَنْ حَارَبَا، وَمُسَالَمَةُ مَنْ سَالَمَا مَعْلُومَةٌ عِنْدَ الْأُمَّةِ خَاصِّهَا وَعَامِّهَا، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ:الَّذِ نَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْمُنْعَمَ عَلَيْهِمْ هُمْ أَتْبَاعُهُ، وَالْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمْ هُمُ الْخَارِجُونَ عَنِ اتِّبَاعِهِ، وَأَتْبَعُ الْأُمَّةِ لَهُ وَأَطْوَعَهُمْ أَصْحَابُهُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ، وَأَتْبَعُ الصَّحَابَةِ لَهُ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ، أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَأَشَدُّ الْأُمَّةِ مُخَالَفَةً لَهُ هُمُ الرَّافِضَةُ، فَخِلَافُهُمْ لَهُ مَعْلُومٌ عِنْدَ جَمِيعِ فِرَقِ الْأُمَّةِ، وَلِهَذَا يُبْغِضُونَ السُّنَّةَ وَأَهْلَهَا، وَيُعَادُونَهَا وَيُعَادُونَ أَهْلَهَا، فَهُمْ أَعْدَاءُ سُنَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَأَتْبَاعُهُ مِنْ بَنِيهِمْ أَكْمَلُ مِيرَاثًا؟ بَلْ هُمْ وَرَثَتُهُ حَقًّا. فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ طَرِيقُ أَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ، وَطَرِيقُ أَهْلِ الْغَضَبِ وَالضَّلَالِ طَرِيقُ الرَّافِضَةِ.
وَبِهَذِهِ الطَّرِيقِ بِعَيْنِهَا يُرَدُّ عَلَى الْخَوَارِجِ، فَإِنَّ مُعَادَاتَهُمُ الصَّحَابَةَ مَعْرُوفَةٌ( 1).
______________
( 1) انظر مدارج السالكين : ( ج1_ص156).
ابو العبدين البصري
2013-03-17, 11:45 AM
( حكاية مشهورة تضرب مثلاً في رحمة الرب بعبده )
وَهَذَا مَوْضِعُ الْحِكَايَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ بَعْضِ الْعَارِفِينَ أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ شُرُودٌ وَإِبَاقٌ مِنْ سَيِّدِهِ، فَرَأَى فِي بَعْضِ السِّكَكِ بَابًا قَدْ فُتِحَ، وَخَرَجَ مِنْهُ صَبِيٌّ يَسْتَغِيثُ وَيَبْكِي، وَأُمُّهُ خَلْفَهُ تَطْرُدُهُ، حَتَّى خَرَجَ، فَأَغْلَقَتِ الْبَابَ فِي وَجْهِهِ وَدَخَلَتْ، فَذَهَبَ الصَّبِيُّ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ وَقَفَ مُفَكِّرًا، فَلَمْ يَجِدْ لَهُ مَأْوًى غَيْرَ الْبَيْتِ الَّذِي أُخْرِجَ مِنْهُ، وَلَا مَنْ يُئْوِيهِ غَيْرَ وَالِدَتِهِ، فَرَجَعَ مَكْسُورَ الْقَلْبِ حَزِينًا، فَوَجَدَ الْبَابَ مُرَتَّجًا، فَتَوَسَّدَهُ وَوَضَعَ خَدَّهُ عَلَى عَتَبَةِ الْبَابِ وَنَامَ، فَخَرَجَتْ أُمُّهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَمْ تَمْلِكْ أَنْ رَمَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ، وَالْتَزَمَتْهُ تُقَبِّلُهُ وَتَبْكِي، وَتَقُولُ:يَا وَلَدِي، أَيْنَ تَذْهَبُ عَنِّي؟ وَمَنْ يُئْوِيكَ سِوَايَ؟
أَلَمْ أَقُلْ لَكَ: لَا تُخَالِفْنِي، وَلَا تَحْمِلْنِي بِمَعْصِيَتِكَ لِي عَلَى خِلَافِ مَا جُبِلْتُ عَلَيْهِ مِنَ الرَّحْمَةِ بِكَ، وَالشَّفَقَةِ عَلَيْكَ، وَإِرَادَتِي الْخَيْرَ لَكَ؟
ثُمَّ أَخَذَتْهُ وَدَخَلَتْ.
فَتَأَمَّلْ قَوْلَ الْأُمِّ: لَا تَحْمِلْنِي بِمَعْصِيَتِكَ لِي عَلَى خِلَافِ مَا جُبِلْتُ عَلَيْهِ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ.
وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا»( 1). وَأَيْنَ تَقَعُ رَحْمَةُ الْوَالِدَةِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ؟ فَإِذَا أَغْضَبَهُ الْعَبْدُ بِمَعْصِيَتِهِ فَقَدِ اسْتَدْعَى مِنْهُ صَرْفَ تِلْكَ الرَّحْمَةِ عَنْهُ، فَإِذَا تَابَ إِلَيْهِ فَقَدِ اسْتَدْعَى مِنْهُ مَا هُوَ أَهْلُهُ وَأَوْلَى بِهِ.
فَهَذِهِ نُبْذَةٌ يَسِيرَةٌ تُطْلِعُكَ عَلَى سِرِّ فَرَحِ اللَّهِ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ أَعْظَمَ مِنْ فَرَحِ هَذَا الْوَاجِدِ لِرَاحِلَتِهِ فِي الْأَرْضِ الْمُهْلِكَةِ، بَعْدَ الْيَأْسِ مِنْهَا. وَوَرَاءَ هَذَا مَا تَجْفُو عَنْهُ الْعِبَارَةُ، وَتَدِقُّ عَنْ إِدْرَاكِهِ الْأَذْهَانُ( 2).
_________
(1 ) رواه البخاري : ( 5999) , ومسلم : (2754).
( 2) انظر المدارج : ( ج1_ ص376_ص386_ص393).
Powered by vBulletin® Version 4.2.2 Copyright © 2025 vBulletin Solutions، Inc. All rights reserved.