زياني
2013-03-11, 09:51 PM
بسم الله وبعد :
فقد اختلف الناس في تعْيين الأحرف السبعة التي بها أنزل القرآن الكريم، وهل هي موجودة أم لا، وما هي نسبة وجودها وما الحكمة منها ؟
وللإجابة عن تلكم التساءلات لا بد من أن نتعرف على ما يلي :
المطلب الأول : مراحل جمع وتدوين القرآن الكريم :
لقد مر ذلك بثلاثة مراحل:
المرحلة الأولى: جمع القرآن في عهد الرسول عليه السلام: حيث كان له ثمانية عشر من كتبة الوحي الرسميُّون كعلي ومعاوية وأبيّ وزيد بن ثابت وسالم وغيرهم، فكان يبين لهم مكان وضع الآياتِ المتفرّقات، فيكتبونها في الرقاع والصحف والأضلاع والعسب والحجر ونحو ذلك، كما قال تعالى: {يتلوا صحفا}، وقال :{ في رق منشور} .
المرحلة 2: في زمن أبي بكر رضي الله عنه: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم حدثت حروب الردة، وقتل من قراء الصحابة الكثير، كما روى زيد بن ثابت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء إلى أبي بكر فقال: إنَّ القتل قدْ أسرع في قرَّاء القرآن، وقد خشيت أن يهلك القرآن فاكتبه"، فتردّدَ، ثم قال لزيد: إنك رجل شاب قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمع القرآن واكتبه"، فتردّد ثمَّ اجتمع رأيه ورأي الصحابة رضي الله عنهم على ذلك، فقال زيد: فجعلت أتَتبع القرآن من صدور الرجال ومن الرقاع والأضلاع والعسب والصُّحف مما شهد على كتابته اثنان... حتى وجدت آخر سورة التوبة مع خزيمة"..، {من المومننين} {لقد جاءكم} قال: فكانت تلك الصحف عند أبي بكر حتى مات ثم كانت عند عمر حتى مات، ثم كانت عند حفصة ".
المرحلة 3: في زمن عثمان رضي الله عنه : ففي خلافته رضي الله عنه توسعت الخلافة الإسلامية فحضر حذيفة بن اليمان الفتوح ، " ثم قدم على عثمان فقال له: قد سمعت الناس اختلفوا في القرآن كثيرا"، - بسبب عجمتهم أو عدم علمهم بالقراءات، إضافة إلى إقراء الصحابة ببعض الروايات الشاذة التي لم يعلموا بنسخها أو برفع القراءة بها في العرضة الأخيرة، كما في صحيح مسلم (1452) عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: «كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات يحرمن، فنسخن بخمس رضعات، فتوفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهن فيما يتلى من القرآن»، فحدث التنازع، مما جعل عثمان يزيد في شروط إثبات القرآن على ما كان في الجمع الأول - ،" فأرسَلَ عثمان إلى حفصة أن ائتنا بالنّسخ ننسخها في مصاحف، ثم جمع الصحابة وأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث وثمانية آخرين أن ينسخوا العرضة الأخيرة مرتبةً توقيفيّا كما أمروا، في مصحف واحد بلسان قريش – غالبا-، ثم نسخوا منه أربعة ويقال سبعة مصاحف وجهها إلى الأمصار، مُمسكا لنفسه منها مصحفا، ثم أمر بحرق سائر النسخ وردّ الصحف - التي اعتمدوا عليها - إلى حفصة، وبهذا تم الاتفاق على كتابة المصاحف على المنهج المذكور .
ومما ينبغي التنبيه إليه دعوى بعض المستشرقين بأن عبد الله بن مسعود قد خالف الصحابة رضي الله عهم في هذه المصاحف، وهذا كذب بين عليه، فإنه لم يخالف الصحابة فيما كتبوه، بل وافقهم، وإنما خالفهم في مصحفه هو، ورفض أن يحرق مصحفه وأمر تلاميذه بأن لا يحرقوها، فقال لهم: يأهل العراق، اكتموا المصاحف التي عندكم وغلوها، فإن الله عز وجل يقول:{ ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} فالقوا الله بالمصاحف"، وعليه فقد وقع الاختلاف في مصحف عبد الله وأصحابه وفي القراآت الشاذة التي قُرئ بها، وإذ ذلك كذلك فإن من شروط القرآن التواتر والاتفاق، وقبول قول من تواترت رواياته واتفقت عليه الأمة، أولى بقوْل من اختلف الناس عنه، وعليه فمصحف عثمان اتفقت عليه جميع الصحابة والمسلمين وتواترت رواياته فيجب قبوله ، وأما مصحف عبد الله فلم يقبله إلا هو وبعض أصحابه فوجب أن يُعتقَد بشذوده ولا يُقرأ به أبدا , ثم اختلف العلماء في حكم الأخذ بما في القراآت الشاذة من أحكام وفوائد، هل هي سنة أم يؤخذ بتقييداتها كتقييد الصوم بالتتابع ؟ وهل هي منسوخة تلاوة وحكما ؟ أم أنها منسوخةٌ تلاوةً وباقيةٌ حكما ؟ والله أعلم .
وكان السبب في رفض عبد الله حرق مصحفه أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لم يختاراه في جمع القرآن، ورأى أنه أكبر من زيد وأصحابه، وأقدمهم إسلاما، وأكثرهم حفظا ، وأعلمهم قرآنا كما في الصحيح، وورد عنه أنه قال :" كنت أكتب القرآن وزيد يلعب مع الصبيان، "، بينما خالفه الخلفاء في هذه النظرة ورأوا أن زيدا أحفظ وأعلم منه بكتاب الله وجمعه فعينوه .
المطلب الثاني : الأحرف السبعة في القرآن :
المسألة الأولى : هل الأحرف السبعة موجودة الآن ؟ وهل هي في كل آية ؟ :
إذا ما تساءلنا وقلنا : هل هذه الأحرف هي القراآت المتواترة أم هي القراء المعروفون ؟ وهل هي موجودة أم أنها منسوخة ؟ فإن مما لا شك فيه عند القراء أن المراد بها هي السبع روايات أو القراءات التي بها أنزل القرآن الكريم ، وأن القراء السبع هم جزء ممن قرأ بهذه القراءات السبعة .
وأما عن قضية وجودها فالأصح أنها موجودة وليست منسوخة للأدلة التالية :
أولاها أن عثمان رضي الله عنه قد أمر الصحابة بكتابة القرآن، وما اختلفوا فيه فليكتبوه بلسان قريش ، على أن قريشا نفسُها فيها عدة قبائل ولهجات أيضا .
والثاني: أن الصحابة رضي الله عنهم قد كتبوا خمسة مصاحف في زمن عثمان رضي الله عنه، وذلك حتى تشتمل على جميع أحرف القرآن السبعة التي سيأتي ذكرها .
والثالث : أنه لا يجوز للأمة أن تُهمل نقل شيء من القرآن، وقد أجمع الصحابة على نقل المصاحف العثمانية من الصحف التي كتبها أبو بكر، ومن المعلوم أنها تحتوي على كل الروايات، ثم إن الصحابة اعتمدوا على العرضة الأخيرة التي بها نُسخت القراآت الشاذة .
والرابع : ما نقله القرطبي في أحكام القرآن: قال القاضي ابن الطيب:" معنى قول عثمان" نزل بلسان قريش"، يريد معظمه وأكثره، ولم تقم دلالة قاطعة على أن القرآن بأسره منزل بلغة قريش فقط، إذ فيه كلمات وحروف هي خلاف لغة قريش، وقد قال الله تعالى:" إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا» ولم يقل قرشيا"،
والخامس: إن وقوع بعض الكلمات الأعجمية في القرآن على قولٍ ، ليدل بالأولى على وجود بعض اللهجات العربية، بل هي موجودة في بعض آيات القرآن الكريم كما سيأتي.
والسادس: أن الحكمة من الأحرف السبعة هي التيسير على الأمة والتسهيل عليها كما صحت بذلك الأحاديث، وهذه الحكمة ليس يمكن أن تُنسخ أبدا .
وإذ ذلك كذلك فهل هذا يعني أن كل آية من القرآن لها سبع قراءات ؟ أم أن مجموع القراءات موجود في القرآن ؟ ثم ما هي نسبة الآيات التي وردت فيها السبع الروايات ؟
إن المتأمل في القرآن الكريم بقراءاته السبع يجد عامته وأكثره بصورةٍ وقراءةٍ واحدة، - حرف واحد- إلا أنه قد وقع اختلاف التنوع في رسم أو قراءة أو كيفية قراءة بعض آياته فقط ، ولا يعني ذلك أن هؤلاء الآيات المنتوعة فيها سبع قراءات مختلفة ، بل فيها ما فيه القراءتان أو الثلاث أو أكثر أو أقل ، إلا أن مجموع هذه القراءات لا يخرج عن سبعة أحرف أو أوجه سيأتي ذكرها ، وقد قلت جدا الكلمات التي قرت بسبعة أوجه، كما قال الخطابي: على أن في القران ما قد قرئ بسبعة أوجه، وهو قوله:" وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ»، وقوله:" أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ"، وقوله :" أف ".
إلا أنّ السؤال المطروح هنا : هل في ورود ذلك حكمة أم لا ؟ .
المسألة الثانية : ما الحكمة من ورودها :
يخطئ بعض المستشرقين بدعواهم وجود الاختلاف في القرآن، ذلك أن الاختلاف على نوعين : اختلاف تضاد وتناقض، وليس يوجد هذا في القرآن، بل ولا السنة أبدا، والثاني: اختلاف تنوع، وهذا موجود، ومصدره من الله نفسه، فهو الذي تكلم بالقرآن بأحرفه السبعة مع جبريل، وتكلم بها جبريل مع النبي عليه السلام الذي علمها لأمته، فقد ثبت في الصحيح في قصة اختصام عمر وهشام في بعض القراآت، قال عمر: " فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرسله، اقرأ يا هشام"، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذلك أنزلت"، ثم قال: "اقرأ يا عمر"، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذلك أنزلت. إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه " .
لكن يا ترى ما هو السر والحكمة من ورودها حتى ننقض بمعرفة ذلك كلّ شبهات المستشرقين ؟
إن السر من ذلك يظهر في ثلاثة أمور والله أعلم :
أولاها : هو تكثيرُ المعاني واختصار المباني كما سيتبين في أمثلة الأحرف السبعة .
والثاني: تفسير أو تقييد قراءة بأخرى : وهو ما يندرج في تفسير القرآن بالقرآن، ألا ترى أن الله تعالى قد قال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المادة 38]، فإنه قد بين ما هي اليد التي تُقطع في قراءة أخرى فقال:{ فاقطعوا أيمانهما }، وقس على ذلك .
والثالث : التخفيف عن الأمة لاختلاف لهجاتها، فبعض العرب يميل إلى لغة الفتح أو التفخيم أو التحقيق ويستصعب لهجة الإمالة أو الترقيق أو التسهيل وهكذا، وكذلك العكس أيضا، مثل :{والضحى}، {تكبيرا}، {أأمنتم} ...
فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إنَّ ربّي أرسل إليَّ أنْ أقرأ القرآن على حرف ، فرددت إليه أن هوّنْ على أمتي ، ولم يزلْ يردد حتى بلغ سبعة أحرف ".
المسألة الثالثة : تنبيه في شروط ثبوت الأحرف السبعة :
ثم اعلم أنه ليس كل ما سُمع فهو مُقال أو صحيح ، فإن في القراءات ما لم يثبت فلا يُنسب إلى الله، وفيها ما ثبت لكنه شاذ لم تتوفر فيه شروط الرواية الصحيحة التي اشترطها الصحابة في زمن عثمان ومنها :
- حفظ السطر : بأن تكون الآية مكتوبة منذ عصر النبوة بواسطة كتبته المعروفين، ثم جُمعت في جمْع زمن أبي بكر ووضعت في المكان الذي وضعوا فيه الصحف وهو بيت حفصة، ثم يتفق عليه هولاء الكتبة الاثنا عشر الذين عينهم عثمان رضي الله عنه .
- حفظ الصدر: بأن تكون تلك الآيات مما حفظها سائر الصحابة الآخرين عن النبي عليه السلام .
- أن يكون كل ذلك من العرضة الأخيرة التي عارضها جبرائيل في رمضان عدة مرات مع النبي عليه السلام قبيل وفاته ، فإن فيها ارتفعت بعض الآيات، ثم لم يزل بعض آحاد الصحابة يقرأ بها لعدم علمهم برفعها، فتكون بذلك شاذة .
- أن تكون الآيات بلسان قبائل العرب المعروفة، لكن عند الاختلاف تغلب لغة قريش ، كما قال عثمان :" وما اختلفتم في شيء فاكتبوه بلسان قريش "، وفي هذا دليل بيّن على أن كتبة عثمان رضي الله عنهم قد أثبتوا كتابة جميع الأحرف ، إلا ما حدث من اختلاف بيّن، فقد كتبوه بلغة قريش على أن قريشا فيها عدة قبائل ولهجات.
وبناءا على ذلك فقد اشترط العلماء في القراءة ثلاثة شروط وهي :
1- الموافقة للرسم العثماني ولو احتمالا: حيث كتبوا أربع مصاحف حتى تشتمل على سائر الروايات كما سيأتي في أمثلة الأحرف السبعة .
2- الموافقة مع قواعد النحو العربي ولو بوجه: لأن القرآن الكريم أنزل بلهجات قبائل العرب السبعة الأصلية الفصحى، ذلك أن أصول قبائل العرب تنتهي إلى سبعة ، إلا أنهم اختلفوا في تعيينها بعد اتفاقهم على أن قريشا رأسها، كما روى أنس في قصة جمع القرآن وأن عثمان قال للصحابة: وما اختلفتم فيه فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم" ، والأشهر أنها : لغة قريش، وهذيل، وتميم، والأزد، وربيعة، وهوازن، وسعد بن بكر.
3- صحة السند: بحيث اشترط الصحابة النقل المتواتر بواسطة جمع عن جمع عن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم، ولذلك لم يكتبوا القراآت الشاذة التي كانت عند آحاد الصحابة .
المسألة الرابعة : ما المقصود بالأحرف السبعة :
إن الأحرف في اللغة: جمْع حرفٍ وهو الطرف والحافة، أو القطعة أو الوجه، بدليل قوله تعالى: { ومن الناس من يعبد الله على حرف}، كما يُطلق على حروف التهجي لأنها قطعة من الكلمة .
وأما في الشرع فقد اختلف العلماء في تفسيرها، وفي كيفية تصنيفها، اختلافا كثيرا، أقربها ما قاله ابن الجزري في النشر:" وذلك أني تتبعت القراءات صحيحها وشاذها وضعيفها ومنكرها ، فإذا هو يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه من الاختلاف لا يخرج عنها "، ثم ذكرها كعادة غيره، ثم إن معظمها متداخلة يرجع بعضها إلى بعض، وجلها تدخل فيما سأذكر بعون الله تعالى ، ولذلك كان الأرجح أن نفسرها بتعريف يجمع بين أجزاء تعاريفهم واختياراتهم فنقول بأنها :
" سبعة أوجه من اختلاف التنوع، متفرقةٌ في القرآن، مندرجةٌ ضمْن السبع اللغات واللهجات الأصلية الفصحى التي تكلمت بها قبائل العرب – السابقة -"، وقد مضى الدليل على أن عثمان رضي الله عنهم قد أمرهم بإثبات كتابة جميع الأحرف، إلا ما حدث من اختلاف بيّن، فقد غلبوا كتابته بلغة قريش .
وهذه الأحرف أو الأوجه السبعة قد حدث اختلاف كثير في كيفية تصنيفها، وأرى أن تُصنّف بتصنيف جامع لجميع ما قالوه، فتكون كالتالي والله أعلم :
الوجه الأول: اختلاف اللغات في اللهجات والنطق : من فتحٍ وإمالة، وترقيق وتفخيم، وإدغام وإظهار، وتحقيق وتسهيل وسكْت، ومد وقصر وصلة، وإشباع وإشمام ونحو ذلك، فمن الفتح والإمالة: {والضحى..}، ومن الترقيق والتفخيم: {تكبيرا} ، {ظلم}، ومن الإدغام والإظهار: {كيف فعل ربك}، ومن التحقيق والتسهيل، والمد بست أو أربع، والقصر بحركتين، وكذا النقل، وسائر ما هو معروف في أحكام الهمزة ونحوها .
الوجه الثاني: الاختلاف في الإعراب أي الشكل فقط : ويكون دوما مع اتحاد صورة الخط: وله حالتان :
ح1ـ مع اتحاد المعنى: نحو:{ هن أطهرُ لكم} و( أطهرَ ) بالنصب على الحال، و: {هل نُجَازِي إلا الكفورَ} { يُجَازى إلا الكفورُ} و: {مَيْسُرَةٍ} {ميسَرَة}، و:{ إذ تلقَّوْنه}: {تلقونه}، و:{فتلقى آدمُ}{آدمَ} { وَما أنسانِيهُ} {عليهُ}. (للِناسِ حَسناً){حُسنا}، و: { (فكَّ رقبةً أوْ أطعَمَ}
ح2 ـ مع اختلاف المعنى: نحو: {لا تقربوهن حتى يَطْهُرْنَ}، بفعل الله، و:{يطَّهَرْن} باغتسالهن، ونحو: {وأَرجُلَكُم} بالخفض، وبالنصب، ونحو: {وما بينهما الرحمنِ} والضم . و {بعد أُمة} {بعد أَمْهٍ أمَه} أي نسيان، { بعد إِمَّه } أي نعمة . {اتخِذوا من} {اتَّخَذوا} ...
الوجه الثالث: القلب والإبدال في حرف بآخر : وله ثلاثة أحوال :
1ـ مع اتحاد الصورة والمعنى [والحركة ]: نحو ( وانظر إلى العظام كيف ننشرها) و {ننشزها} و: {إذا فزّع عن قلوبهم} وشذّ ( فُرِغ )، و كذا (ننحيك ببدنك) و( ننجيك ببدنك)، ونحو ذلك مما يختلف باختلاف تصريف الأفعال وما يسند إليها من ماضي ومضارع وأمر وإسناد إلى مذكر أو مؤنث ومتكلم ومخاطب ونحو ذلك، كقوله: {ومن يقنت} {تقنت} و: {يعلمون} { تعلمون }،...
2 ـ مع اتحاد الصورة واختلاف المعنى : { هنالك تبلوا}، من الابتلاء، و:{تتلوا} أي تتبع أو تقرأ، والحكمة منه تكثير المعاني ، مع اختصار المباني، وذلك بآية واحدة اشتملت على قراءتين ومعنييْن صحيحيْن.
3 ـ مع الاختلاف في الصورة: مثل قوله:{ بصطة} (بسطة) و {الصراط} و (السراط)و: { بمسيطر) } وبالصاد .
وكذا مصحف عثمان لأهل المدينة " فلا يخاف عقبها "، ولأهل العراق " ولا يخاف ".
{حتى حين}{عتى عين}،في لغة تميم، و:{ في سدر مخضود وطلح منضود}، وقرأ علي شذوذا: {مخضود وطلع منضود}،
الوجه الرابع: القلب والإبدال في كلمة بأخرى : وهو قليل عن سابقه، وله حالتان :
1 ـ الاختلاف في الصورة مع اتحاد المعنى: نحو: { صيحة واحدة} قرأ ابن مسعود : (زقية واحدة ) و:{ كالعهن المنفوش} و: ( كالصوف )، وقوله: { فاسعوا إلى ذكر الله}، و ( فامضوا )، و: { لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا} {للذين آمنوا أمهلونا} .
2 ـ مع اختلاف المعنى: {وليقولوا: (درست) أي قرأت، (درَسَ) (دُورسَت) (دارَسَ) (ادارَسَت) أي انمحت.
الوجه الخامس : الاختلاف في الجمل: بحيث تختلف الحركة والمعنى مع الصورة، كقوله تعالى: {درسوا ما فيه} و {درسوه} .
الوجه السادس: الاختلاف بالزيادة والنقص والجمع والإفراد: ولهذه الزيادة صور:
1. الزيادة لِحرف مع تشابه الصورة : - وقد يتفق المعنى مثل: {لأمانتهم} وبالمد،{ ربنا بعِّد} و {باعِد}،
- وقد يختلف المعنى مثل :{باعَد}، و:(أَوْ لَامَسْتُمُ)، (أَوْ لَمَسْتُمُ) أحدهما يدل على اللمس، والثاني يدل على الجماع.
2. الزيادة لحرف مع اختلاف الصورة: نحو قوله: ( وما عملت أيديهم ) و:{ عملته} في مصاحف أهل الكوفة ، و: {لا تخزوني } و:{تخزون} و: ( وأوصى} { ووصى }. { طعام مساكين}{مسكين} و: { ساحران تظهرا " سحران}، وفي مصاحف أهل الشام زيادة الباء" بالبينات وبالزبر وبالكتب "، {تَجْرِي [مِنْ] تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}بز ادة "من" على قراءة ابن كثير من المصحف المكي.
3. الزيادة لكلمة: نحو: {إن الله [هو] الغني الحميد} ففي مصاحف أهل المدينة والشام بغير " هو "، ومن ذلك : { له تسع وتسعون نعجة [أنثى] } وقراءة: {أيام [متتاليات]}، لو صحت فإنها تكون من باب التقييد للمطلق .
4. الزيادة لجملة وشبهها : نحو قراءة سعد: {وله أخ أو أخت [من أم]}، و{ [ما خلق]الذكر والأنثى}.
الوجه السابع: الاختلاف بالتقديم والتأخير: نحو:{ وجاءت سكرة الحق بالموت}، وقوله:{ سكرة الموت بالحق}.
وكقوله: { فيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُون} والعكس، ولنا أن نقول هنا بأن الاختلاف في الإعراب فيرجع إلى الوجه الثاني وبالله التوفيق .
فهذه هي الأوجه السبعة التي لا يخرج الاختلاف عنها، وكل من وجد مثالا فإنما يندرج في أحدها والله تعالى أعلى وأعلم .
فقد اختلف الناس في تعْيين الأحرف السبعة التي بها أنزل القرآن الكريم، وهل هي موجودة أم لا، وما هي نسبة وجودها وما الحكمة منها ؟
وللإجابة عن تلكم التساءلات لا بد من أن نتعرف على ما يلي :
المطلب الأول : مراحل جمع وتدوين القرآن الكريم :
لقد مر ذلك بثلاثة مراحل:
المرحلة الأولى: جمع القرآن في عهد الرسول عليه السلام: حيث كان له ثمانية عشر من كتبة الوحي الرسميُّون كعلي ومعاوية وأبيّ وزيد بن ثابت وسالم وغيرهم، فكان يبين لهم مكان وضع الآياتِ المتفرّقات، فيكتبونها في الرقاع والصحف والأضلاع والعسب والحجر ونحو ذلك، كما قال تعالى: {يتلوا صحفا}، وقال :{ في رق منشور} .
المرحلة 2: في زمن أبي بكر رضي الله عنه: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم حدثت حروب الردة، وقتل من قراء الصحابة الكثير، كما روى زيد بن ثابت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء إلى أبي بكر فقال: إنَّ القتل قدْ أسرع في قرَّاء القرآن، وقد خشيت أن يهلك القرآن فاكتبه"، فتردّدَ، ثم قال لزيد: إنك رجل شاب قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمع القرآن واكتبه"، فتردّد ثمَّ اجتمع رأيه ورأي الصحابة رضي الله عنهم على ذلك، فقال زيد: فجعلت أتَتبع القرآن من صدور الرجال ومن الرقاع والأضلاع والعسب والصُّحف مما شهد على كتابته اثنان... حتى وجدت آخر سورة التوبة مع خزيمة"..، {من المومننين} {لقد جاءكم} قال: فكانت تلك الصحف عند أبي بكر حتى مات ثم كانت عند عمر حتى مات، ثم كانت عند حفصة ".
المرحلة 3: في زمن عثمان رضي الله عنه : ففي خلافته رضي الله عنه توسعت الخلافة الإسلامية فحضر حذيفة بن اليمان الفتوح ، " ثم قدم على عثمان فقال له: قد سمعت الناس اختلفوا في القرآن كثيرا"، - بسبب عجمتهم أو عدم علمهم بالقراءات، إضافة إلى إقراء الصحابة ببعض الروايات الشاذة التي لم يعلموا بنسخها أو برفع القراءة بها في العرضة الأخيرة، كما في صحيح مسلم (1452) عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: «كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات يحرمن، فنسخن بخمس رضعات، فتوفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهن فيما يتلى من القرآن»، فحدث التنازع، مما جعل عثمان يزيد في شروط إثبات القرآن على ما كان في الجمع الأول - ،" فأرسَلَ عثمان إلى حفصة أن ائتنا بالنّسخ ننسخها في مصاحف، ثم جمع الصحابة وأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث وثمانية آخرين أن ينسخوا العرضة الأخيرة مرتبةً توقيفيّا كما أمروا، في مصحف واحد بلسان قريش – غالبا-، ثم نسخوا منه أربعة ويقال سبعة مصاحف وجهها إلى الأمصار، مُمسكا لنفسه منها مصحفا، ثم أمر بحرق سائر النسخ وردّ الصحف - التي اعتمدوا عليها - إلى حفصة، وبهذا تم الاتفاق على كتابة المصاحف على المنهج المذكور .
ومما ينبغي التنبيه إليه دعوى بعض المستشرقين بأن عبد الله بن مسعود قد خالف الصحابة رضي الله عهم في هذه المصاحف، وهذا كذب بين عليه، فإنه لم يخالف الصحابة فيما كتبوه، بل وافقهم، وإنما خالفهم في مصحفه هو، ورفض أن يحرق مصحفه وأمر تلاميذه بأن لا يحرقوها، فقال لهم: يأهل العراق، اكتموا المصاحف التي عندكم وغلوها، فإن الله عز وجل يقول:{ ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} فالقوا الله بالمصاحف"، وعليه فقد وقع الاختلاف في مصحف عبد الله وأصحابه وفي القراآت الشاذة التي قُرئ بها، وإذ ذلك كذلك فإن من شروط القرآن التواتر والاتفاق، وقبول قول من تواترت رواياته واتفقت عليه الأمة، أولى بقوْل من اختلف الناس عنه، وعليه فمصحف عثمان اتفقت عليه جميع الصحابة والمسلمين وتواترت رواياته فيجب قبوله ، وأما مصحف عبد الله فلم يقبله إلا هو وبعض أصحابه فوجب أن يُعتقَد بشذوده ولا يُقرأ به أبدا , ثم اختلف العلماء في حكم الأخذ بما في القراآت الشاذة من أحكام وفوائد، هل هي سنة أم يؤخذ بتقييداتها كتقييد الصوم بالتتابع ؟ وهل هي منسوخة تلاوة وحكما ؟ أم أنها منسوخةٌ تلاوةً وباقيةٌ حكما ؟ والله أعلم .
وكان السبب في رفض عبد الله حرق مصحفه أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لم يختاراه في جمع القرآن، ورأى أنه أكبر من زيد وأصحابه، وأقدمهم إسلاما، وأكثرهم حفظا ، وأعلمهم قرآنا كما في الصحيح، وورد عنه أنه قال :" كنت أكتب القرآن وزيد يلعب مع الصبيان، "، بينما خالفه الخلفاء في هذه النظرة ورأوا أن زيدا أحفظ وأعلم منه بكتاب الله وجمعه فعينوه .
المطلب الثاني : الأحرف السبعة في القرآن :
المسألة الأولى : هل الأحرف السبعة موجودة الآن ؟ وهل هي في كل آية ؟ :
إذا ما تساءلنا وقلنا : هل هذه الأحرف هي القراآت المتواترة أم هي القراء المعروفون ؟ وهل هي موجودة أم أنها منسوخة ؟ فإن مما لا شك فيه عند القراء أن المراد بها هي السبع روايات أو القراءات التي بها أنزل القرآن الكريم ، وأن القراء السبع هم جزء ممن قرأ بهذه القراءات السبعة .
وأما عن قضية وجودها فالأصح أنها موجودة وليست منسوخة للأدلة التالية :
أولاها أن عثمان رضي الله عنه قد أمر الصحابة بكتابة القرآن، وما اختلفوا فيه فليكتبوه بلسان قريش ، على أن قريشا نفسُها فيها عدة قبائل ولهجات أيضا .
والثاني: أن الصحابة رضي الله عنهم قد كتبوا خمسة مصاحف في زمن عثمان رضي الله عنه، وذلك حتى تشتمل على جميع أحرف القرآن السبعة التي سيأتي ذكرها .
والثالث : أنه لا يجوز للأمة أن تُهمل نقل شيء من القرآن، وقد أجمع الصحابة على نقل المصاحف العثمانية من الصحف التي كتبها أبو بكر، ومن المعلوم أنها تحتوي على كل الروايات، ثم إن الصحابة اعتمدوا على العرضة الأخيرة التي بها نُسخت القراآت الشاذة .
والرابع : ما نقله القرطبي في أحكام القرآن: قال القاضي ابن الطيب:" معنى قول عثمان" نزل بلسان قريش"، يريد معظمه وأكثره، ولم تقم دلالة قاطعة على أن القرآن بأسره منزل بلغة قريش فقط، إذ فيه كلمات وحروف هي خلاف لغة قريش، وقد قال الله تعالى:" إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا» ولم يقل قرشيا"،
والخامس: إن وقوع بعض الكلمات الأعجمية في القرآن على قولٍ ، ليدل بالأولى على وجود بعض اللهجات العربية، بل هي موجودة في بعض آيات القرآن الكريم كما سيأتي.
والسادس: أن الحكمة من الأحرف السبعة هي التيسير على الأمة والتسهيل عليها كما صحت بذلك الأحاديث، وهذه الحكمة ليس يمكن أن تُنسخ أبدا .
وإذ ذلك كذلك فهل هذا يعني أن كل آية من القرآن لها سبع قراءات ؟ أم أن مجموع القراءات موجود في القرآن ؟ ثم ما هي نسبة الآيات التي وردت فيها السبع الروايات ؟
إن المتأمل في القرآن الكريم بقراءاته السبع يجد عامته وأكثره بصورةٍ وقراءةٍ واحدة، - حرف واحد- إلا أنه قد وقع اختلاف التنوع في رسم أو قراءة أو كيفية قراءة بعض آياته فقط ، ولا يعني ذلك أن هؤلاء الآيات المنتوعة فيها سبع قراءات مختلفة ، بل فيها ما فيه القراءتان أو الثلاث أو أكثر أو أقل ، إلا أن مجموع هذه القراءات لا يخرج عن سبعة أحرف أو أوجه سيأتي ذكرها ، وقد قلت جدا الكلمات التي قرت بسبعة أوجه، كما قال الخطابي: على أن في القران ما قد قرئ بسبعة أوجه، وهو قوله:" وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ»، وقوله:" أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ"، وقوله :" أف ".
إلا أنّ السؤال المطروح هنا : هل في ورود ذلك حكمة أم لا ؟ .
المسألة الثانية : ما الحكمة من ورودها :
يخطئ بعض المستشرقين بدعواهم وجود الاختلاف في القرآن، ذلك أن الاختلاف على نوعين : اختلاف تضاد وتناقض، وليس يوجد هذا في القرآن، بل ولا السنة أبدا، والثاني: اختلاف تنوع، وهذا موجود، ومصدره من الله نفسه، فهو الذي تكلم بالقرآن بأحرفه السبعة مع جبريل، وتكلم بها جبريل مع النبي عليه السلام الذي علمها لأمته، فقد ثبت في الصحيح في قصة اختصام عمر وهشام في بعض القراآت، قال عمر: " فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرسله، اقرأ يا هشام"، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذلك أنزلت"، ثم قال: "اقرأ يا عمر"، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذلك أنزلت. إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه " .
لكن يا ترى ما هو السر والحكمة من ورودها حتى ننقض بمعرفة ذلك كلّ شبهات المستشرقين ؟
إن السر من ذلك يظهر في ثلاثة أمور والله أعلم :
أولاها : هو تكثيرُ المعاني واختصار المباني كما سيتبين في أمثلة الأحرف السبعة .
والثاني: تفسير أو تقييد قراءة بأخرى : وهو ما يندرج في تفسير القرآن بالقرآن، ألا ترى أن الله تعالى قد قال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المادة 38]، فإنه قد بين ما هي اليد التي تُقطع في قراءة أخرى فقال:{ فاقطعوا أيمانهما }، وقس على ذلك .
والثالث : التخفيف عن الأمة لاختلاف لهجاتها، فبعض العرب يميل إلى لغة الفتح أو التفخيم أو التحقيق ويستصعب لهجة الإمالة أو الترقيق أو التسهيل وهكذا، وكذلك العكس أيضا، مثل :{والضحى}، {تكبيرا}، {أأمنتم} ...
فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إنَّ ربّي أرسل إليَّ أنْ أقرأ القرآن على حرف ، فرددت إليه أن هوّنْ على أمتي ، ولم يزلْ يردد حتى بلغ سبعة أحرف ".
المسألة الثالثة : تنبيه في شروط ثبوت الأحرف السبعة :
ثم اعلم أنه ليس كل ما سُمع فهو مُقال أو صحيح ، فإن في القراءات ما لم يثبت فلا يُنسب إلى الله، وفيها ما ثبت لكنه شاذ لم تتوفر فيه شروط الرواية الصحيحة التي اشترطها الصحابة في زمن عثمان ومنها :
- حفظ السطر : بأن تكون الآية مكتوبة منذ عصر النبوة بواسطة كتبته المعروفين، ثم جُمعت في جمْع زمن أبي بكر ووضعت في المكان الذي وضعوا فيه الصحف وهو بيت حفصة، ثم يتفق عليه هولاء الكتبة الاثنا عشر الذين عينهم عثمان رضي الله عنه .
- حفظ الصدر: بأن تكون تلك الآيات مما حفظها سائر الصحابة الآخرين عن النبي عليه السلام .
- أن يكون كل ذلك من العرضة الأخيرة التي عارضها جبرائيل في رمضان عدة مرات مع النبي عليه السلام قبيل وفاته ، فإن فيها ارتفعت بعض الآيات، ثم لم يزل بعض آحاد الصحابة يقرأ بها لعدم علمهم برفعها، فتكون بذلك شاذة .
- أن تكون الآيات بلسان قبائل العرب المعروفة، لكن عند الاختلاف تغلب لغة قريش ، كما قال عثمان :" وما اختلفتم في شيء فاكتبوه بلسان قريش "، وفي هذا دليل بيّن على أن كتبة عثمان رضي الله عنهم قد أثبتوا كتابة جميع الأحرف ، إلا ما حدث من اختلاف بيّن، فقد كتبوه بلغة قريش على أن قريشا فيها عدة قبائل ولهجات.
وبناءا على ذلك فقد اشترط العلماء في القراءة ثلاثة شروط وهي :
1- الموافقة للرسم العثماني ولو احتمالا: حيث كتبوا أربع مصاحف حتى تشتمل على سائر الروايات كما سيأتي في أمثلة الأحرف السبعة .
2- الموافقة مع قواعد النحو العربي ولو بوجه: لأن القرآن الكريم أنزل بلهجات قبائل العرب السبعة الأصلية الفصحى، ذلك أن أصول قبائل العرب تنتهي إلى سبعة ، إلا أنهم اختلفوا في تعيينها بعد اتفاقهم على أن قريشا رأسها، كما روى أنس في قصة جمع القرآن وأن عثمان قال للصحابة: وما اختلفتم فيه فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم" ، والأشهر أنها : لغة قريش، وهذيل، وتميم، والأزد، وربيعة، وهوازن، وسعد بن بكر.
3- صحة السند: بحيث اشترط الصحابة النقل المتواتر بواسطة جمع عن جمع عن النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم، ولذلك لم يكتبوا القراآت الشاذة التي كانت عند آحاد الصحابة .
المسألة الرابعة : ما المقصود بالأحرف السبعة :
إن الأحرف في اللغة: جمْع حرفٍ وهو الطرف والحافة، أو القطعة أو الوجه، بدليل قوله تعالى: { ومن الناس من يعبد الله على حرف}، كما يُطلق على حروف التهجي لأنها قطعة من الكلمة .
وأما في الشرع فقد اختلف العلماء في تفسيرها، وفي كيفية تصنيفها، اختلافا كثيرا، أقربها ما قاله ابن الجزري في النشر:" وذلك أني تتبعت القراءات صحيحها وشاذها وضعيفها ومنكرها ، فإذا هو يرجع اختلافها إلى سبعة أوجه من الاختلاف لا يخرج عنها "، ثم ذكرها كعادة غيره، ثم إن معظمها متداخلة يرجع بعضها إلى بعض، وجلها تدخل فيما سأذكر بعون الله تعالى ، ولذلك كان الأرجح أن نفسرها بتعريف يجمع بين أجزاء تعاريفهم واختياراتهم فنقول بأنها :
" سبعة أوجه من اختلاف التنوع، متفرقةٌ في القرآن، مندرجةٌ ضمْن السبع اللغات واللهجات الأصلية الفصحى التي تكلمت بها قبائل العرب – السابقة -"، وقد مضى الدليل على أن عثمان رضي الله عنهم قد أمرهم بإثبات كتابة جميع الأحرف، إلا ما حدث من اختلاف بيّن، فقد غلبوا كتابته بلغة قريش .
وهذه الأحرف أو الأوجه السبعة قد حدث اختلاف كثير في كيفية تصنيفها، وأرى أن تُصنّف بتصنيف جامع لجميع ما قالوه، فتكون كالتالي والله أعلم :
الوجه الأول: اختلاف اللغات في اللهجات والنطق : من فتحٍ وإمالة، وترقيق وتفخيم، وإدغام وإظهار، وتحقيق وتسهيل وسكْت، ومد وقصر وصلة، وإشباع وإشمام ونحو ذلك، فمن الفتح والإمالة: {والضحى..}، ومن الترقيق والتفخيم: {تكبيرا} ، {ظلم}، ومن الإدغام والإظهار: {كيف فعل ربك}، ومن التحقيق والتسهيل، والمد بست أو أربع، والقصر بحركتين، وكذا النقل، وسائر ما هو معروف في أحكام الهمزة ونحوها .
الوجه الثاني: الاختلاف في الإعراب أي الشكل فقط : ويكون دوما مع اتحاد صورة الخط: وله حالتان :
ح1ـ مع اتحاد المعنى: نحو:{ هن أطهرُ لكم} و( أطهرَ ) بالنصب على الحال، و: {هل نُجَازِي إلا الكفورَ} { يُجَازى إلا الكفورُ} و: {مَيْسُرَةٍ} {ميسَرَة}، و:{ إذ تلقَّوْنه}: {تلقونه}، و:{فتلقى آدمُ}{آدمَ} { وَما أنسانِيهُ} {عليهُ}. (للِناسِ حَسناً){حُسنا}، و: { (فكَّ رقبةً أوْ أطعَمَ}
ح2 ـ مع اختلاف المعنى: نحو: {لا تقربوهن حتى يَطْهُرْنَ}، بفعل الله، و:{يطَّهَرْن} باغتسالهن، ونحو: {وأَرجُلَكُم} بالخفض، وبالنصب، ونحو: {وما بينهما الرحمنِ} والضم . و {بعد أُمة} {بعد أَمْهٍ أمَه} أي نسيان، { بعد إِمَّه } أي نعمة . {اتخِذوا من} {اتَّخَذوا} ...
الوجه الثالث: القلب والإبدال في حرف بآخر : وله ثلاثة أحوال :
1ـ مع اتحاد الصورة والمعنى [والحركة ]: نحو ( وانظر إلى العظام كيف ننشرها) و {ننشزها} و: {إذا فزّع عن قلوبهم} وشذّ ( فُرِغ )، و كذا (ننحيك ببدنك) و( ننجيك ببدنك)، ونحو ذلك مما يختلف باختلاف تصريف الأفعال وما يسند إليها من ماضي ومضارع وأمر وإسناد إلى مذكر أو مؤنث ومتكلم ومخاطب ونحو ذلك، كقوله: {ومن يقنت} {تقنت} و: {يعلمون} { تعلمون }،...
2 ـ مع اتحاد الصورة واختلاف المعنى : { هنالك تبلوا}، من الابتلاء، و:{تتلوا} أي تتبع أو تقرأ، والحكمة منه تكثير المعاني ، مع اختصار المباني، وذلك بآية واحدة اشتملت على قراءتين ومعنييْن صحيحيْن.
3 ـ مع الاختلاف في الصورة: مثل قوله:{ بصطة} (بسطة) و {الصراط} و (السراط)و: { بمسيطر) } وبالصاد .
وكذا مصحف عثمان لأهل المدينة " فلا يخاف عقبها "، ولأهل العراق " ولا يخاف ".
{حتى حين}{عتى عين}،في لغة تميم، و:{ في سدر مخضود وطلح منضود}، وقرأ علي شذوذا: {مخضود وطلع منضود}،
الوجه الرابع: القلب والإبدال في كلمة بأخرى : وهو قليل عن سابقه، وله حالتان :
1 ـ الاختلاف في الصورة مع اتحاد المعنى: نحو: { صيحة واحدة} قرأ ابن مسعود : (زقية واحدة ) و:{ كالعهن المنفوش} و: ( كالصوف )، وقوله: { فاسعوا إلى ذكر الله}، و ( فامضوا )، و: { لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا} {للذين آمنوا أمهلونا} .
2 ـ مع اختلاف المعنى: {وليقولوا: (درست) أي قرأت، (درَسَ) (دُورسَت) (دارَسَ) (ادارَسَت) أي انمحت.
الوجه الخامس : الاختلاف في الجمل: بحيث تختلف الحركة والمعنى مع الصورة، كقوله تعالى: {درسوا ما فيه} و {درسوه} .
الوجه السادس: الاختلاف بالزيادة والنقص والجمع والإفراد: ولهذه الزيادة صور:
1. الزيادة لِحرف مع تشابه الصورة : - وقد يتفق المعنى مثل: {لأمانتهم} وبالمد،{ ربنا بعِّد} و {باعِد}،
- وقد يختلف المعنى مثل :{باعَد}، و:(أَوْ لَامَسْتُمُ)، (أَوْ لَمَسْتُمُ) أحدهما يدل على اللمس، والثاني يدل على الجماع.
2. الزيادة لحرف مع اختلاف الصورة: نحو قوله: ( وما عملت أيديهم ) و:{ عملته} في مصاحف أهل الكوفة ، و: {لا تخزوني } و:{تخزون} و: ( وأوصى} { ووصى }. { طعام مساكين}{مسكين} و: { ساحران تظهرا " سحران}، وفي مصاحف أهل الشام زيادة الباء" بالبينات وبالزبر وبالكتب "، {تَجْرِي [مِنْ] تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}بز ادة "من" على قراءة ابن كثير من المصحف المكي.
3. الزيادة لكلمة: نحو: {إن الله [هو] الغني الحميد} ففي مصاحف أهل المدينة والشام بغير " هو "، ومن ذلك : { له تسع وتسعون نعجة [أنثى] } وقراءة: {أيام [متتاليات]}، لو صحت فإنها تكون من باب التقييد للمطلق .
4. الزيادة لجملة وشبهها : نحو قراءة سعد: {وله أخ أو أخت [من أم]}، و{ [ما خلق]الذكر والأنثى}.
الوجه السابع: الاختلاف بالتقديم والتأخير: نحو:{ وجاءت سكرة الحق بالموت}، وقوله:{ سكرة الموت بالحق}.
وكقوله: { فيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُون} والعكس، ولنا أن نقول هنا بأن الاختلاف في الإعراب فيرجع إلى الوجه الثاني وبالله التوفيق .
فهذه هي الأوجه السبعة التي لا يخرج الاختلاف عنها، وكل من وجد مثالا فإنما يندرج في أحدها والله تعالى أعلى وأعلم .