أحمد بن مسفر العتيبي
2013-03-01, 10:03 PM
أحكام حراك السُّود في بلاد الحرمين
تشهد بلاد الحرمين في هذه الأيام حراكا مُنظَّما فيما يبدو للتسلُّل والنزوح في مناطق واسعة ولأهداف غير مُحدَّدة . وقد ترتب على هذا الحراك أمران هما : الاختطاف والاختطاب .
والمقصود بالاختطاف : الاعتداء على الناس ونهب أموالهم وتهديد أعراضهم، بدعوى الفقر والجوع .
والمقصود بالاختطاب : المناداة باهدار دماء هؤلاء السُّود من الناس والإذن بقتلهم والترصُّد لهم بدون العودة إلى القضاء وأهل الولاية .
وكلاهما من المصالح الملغاة شرعا كما قرر الأصوليون .
وتداعي السُّود الى أرض الحرمين كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، ليس مُحرَّما لذاته ، فإن الملايين من البِيض والسُّود يتداعون إلى بلادنا في كل يوم وفي كل عام ،من أنحاء المعمورة لأغراض شتى ، وإنما التحريم لأمور متعدية بعضها شرعيُّ والبعض الآخر يتعلق بصيانة النفس عن الهجرة الى بلد يُذُّل فيه الانسان .
ولا يخفى أن الهجرة غير النظامية إلى بلد لم يُؤذن للانسان بدخولها سبب لإذلال النفس وركوب لمخاطر لا طاقة للجسد على تحمُّلها ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم :" لا ينبغي للمسلم أن يُذلَّ نفسه ، قالوا : وكيف يُذلُّ نفسه ؟ قال : يعرض نفسه من البلاء لما لا يطيق ". أخرجه الترمذي بإسناد صحيح .
وثبت في المرفوع :" من أعطى الذِّلة من نفسه طائعاً غير مكره ، فليس مِنا ". أخرجه الطبراني باسناد حسن .
• وهذه بعض الفوائد والقواعد لأحكام حراك السُّود في بلاد الحرمين :
1- السود الأحباش ليسوا على طبقة واحدة . فمنهم الفُسَّاق والمجرمون ومنهم دون ذلك . بل منهم مؤمنون وأهل خير لكن شبح الفاقة والمجاعة والتصارع في بلادهم ، أجبرتهم على التسلُّل والهجرة والتشرُّد في الأرض .قال الله تعالى : " اعدلوا هو أقرب للتقوى " ( المائدة : 8 ) .
2- هجرة هؤلاء الأحباش بدعوى الفقر لا مُبرِّر شرعي لها ، فقد يتعرضون للضياع في البحر أو في الصحراء أو يتردَّون من الجبال ،أو تأكلهم السِّباع ، وقد يهلكون أو يعتقلون ويضيع بهلاكهم من خلفهم من أهاليهم وأسرهم ، قال تعالى : وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (البقرة: 195) وقال سبحانه : وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (النساء: 29) ، ولهذا فإنها تحرم الهجرة غير النظامية لهذه التعليلات .
3- لا يجوز قتل هؤلاء السُّود إلا بقضاء الشرع ومعرفة الحاكم . وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن أكل الصيد الذي وقع في الماء بقوله : " وإن وجدته غريقا فلا تأكله، فإنك لا تدري الماء قتله أو كلبك " متفق عليه .فكيف بآدميِّ يهيم في الأرض لا يُعرف حاله ويُقتل ابتداءاً ؟! . ولهذا قال الأصوليون : الاستصحاب حجة إلى أن يرد ما يُغيِّره .
4- هؤلاء السُّود فيهم مسلمون مُوحِّدون ،وجنايتهم ليست كجناية العجماء التي توجب الهدر .بل لهم حقوق مضمونة شرعاً، حتى ولو كان بعضهم نصارى .
ويجب على الدولة محاسبتهم أو اعادتهم إلى بلادهم احساناً وإغاثة للملهوف .
5- القصاص من هؤلاء السُّود دون القتل ،جائز شرعاً إذا ظهرت أذيتهم وبان شرهم ،ويكون هذا من باب دفع الصائل .ودفعه بالقتل يُورِّط المسلم فيما هو غنيُّ عنه .
6- حمل السلاح من الجماعات والقبائل بدعوى الحماية الجماعية للقبيلة ،من الأسباب التى تفتح أبواب الجريمة وذريعة للتعصُّب القبلي وخروج من وحدة الصف والكلمة ، ومنازعة لأهل الولاية بغير موجب شرعي .
7- يجوز تطبيق أحكام الظَّفر في مسألة حراك السُّود ، بشرط عدم الاسراف في العقوبة . فإن أحكام الظَّفر تختلف باختلاف الحق المراد أخذه . فمن ظفر بحقِّه مع إنسان ، فله أخذه بدون تعدِّي أو احداث فتنة .
8- المعاملة بالمثل جائزة ما لم يترتب عليها مُحرَّم . ومن الناس من يتأوَّل بعض الآيات الكريمات على غير وجهها الصحيح ، كما في قول سبحانه : " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"( البقرة : 19 ) وقوله : "وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عُوقبتم به " (النحل : 126) وقوله : " وجزاءُ سيئةٍ سيئةٌ مثلها " (الشورى : 40) . قال المفسرون : هذه الآيات فيمن أصيب بظلامة لا ينال من ظالمه إذا تمكن منه إلا مثل ظلامته ، لا يتعدَّاها إلى غيرها .
9- من وقع عليه اعتداء من هؤلاء السُّود الأحباش فهو مُخيَّر بين ثلاثة أُمور :
الأول:أن يعفو ويصفح، لينال أجر المتقين الصابرين ومعية الله وعونه، كما قال تعالى: "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين "(آل عمران : 133) .
الثاني: الإمساك عن العفو والصفح ، ليلقى المذنب ربَّه بما اقترف من الإثم. لكن كما قال بعض السلف :" ما يفيدك أن يُعذِّب الله أحداً لأجلك؟ مع ما يفوتك من أجر العفو، لو عفوت" .
الثالث: القصاص بشروطه ، أو الدية المُقدَّرة شرعاً، والقصاص والدِّية إنما يكون لدى القاضي الشرعي، ولا يستوفي القصاص آحاد الناس ، مجنيَّا عليه أو غيره .
10- هذه الفتن سببها الظلم وعدم اعطاء الناس حقوقهم . وقد كتب عامل إلى عمر بن عبد العزيز(ت: 101هـ) رحمه الله تعالى: أن مدينتنا قد تشعَّث سورها فأرسِل لنا مالًا نُرمِّمُها، فردَّ عليه رحمه الله بقوله: "حَصِّنها بالعدل ونقِّ طرقها من الظُّلم ، فتلك مرمتها والسلام " .
وقد أعجبتني عبارة البروفيسور البنجلاديشي الفائز بجائزة نوبل للسلام "محمد يونس" وفقه الله تعالى حين قال : " الفقر خطر على السلام " وقوله "ما ينجم عن الفقر المشين من إحباط وحقد وغضب، لا يمكن أن يضمن السلام في أي مجتمع ".
وهو مفكر ذكي ، له برنامج اقتصادي لانقاذ الفقراء عبر القروض الصغيرة ، بدأ تطبيقه في البلاد الغربية الكبرى .
فأين التجار والمفكرون من الافادة والتخطيط لانقاذ الناس من شبح الجوع ؟! .
هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
أ/أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصه
(منقول)
تشهد بلاد الحرمين في هذه الأيام حراكا مُنظَّما فيما يبدو للتسلُّل والنزوح في مناطق واسعة ولأهداف غير مُحدَّدة . وقد ترتب على هذا الحراك أمران هما : الاختطاف والاختطاب .
والمقصود بالاختطاف : الاعتداء على الناس ونهب أموالهم وتهديد أعراضهم، بدعوى الفقر والجوع .
والمقصود بالاختطاب : المناداة باهدار دماء هؤلاء السُّود من الناس والإذن بقتلهم والترصُّد لهم بدون العودة إلى القضاء وأهل الولاية .
وكلاهما من المصالح الملغاة شرعا كما قرر الأصوليون .
وتداعي السُّود الى أرض الحرمين كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، ليس مُحرَّما لذاته ، فإن الملايين من البِيض والسُّود يتداعون إلى بلادنا في كل يوم وفي كل عام ،من أنحاء المعمورة لأغراض شتى ، وإنما التحريم لأمور متعدية بعضها شرعيُّ والبعض الآخر يتعلق بصيانة النفس عن الهجرة الى بلد يُذُّل فيه الانسان .
ولا يخفى أن الهجرة غير النظامية إلى بلد لم يُؤذن للانسان بدخولها سبب لإذلال النفس وركوب لمخاطر لا طاقة للجسد على تحمُّلها ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم :" لا ينبغي للمسلم أن يُذلَّ نفسه ، قالوا : وكيف يُذلُّ نفسه ؟ قال : يعرض نفسه من البلاء لما لا يطيق ". أخرجه الترمذي بإسناد صحيح .
وثبت في المرفوع :" من أعطى الذِّلة من نفسه طائعاً غير مكره ، فليس مِنا ". أخرجه الطبراني باسناد حسن .
• وهذه بعض الفوائد والقواعد لأحكام حراك السُّود في بلاد الحرمين :
1- السود الأحباش ليسوا على طبقة واحدة . فمنهم الفُسَّاق والمجرمون ومنهم دون ذلك . بل منهم مؤمنون وأهل خير لكن شبح الفاقة والمجاعة والتصارع في بلادهم ، أجبرتهم على التسلُّل والهجرة والتشرُّد في الأرض .قال الله تعالى : " اعدلوا هو أقرب للتقوى " ( المائدة : 8 ) .
2- هجرة هؤلاء الأحباش بدعوى الفقر لا مُبرِّر شرعي لها ، فقد يتعرضون للضياع في البحر أو في الصحراء أو يتردَّون من الجبال ،أو تأكلهم السِّباع ، وقد يهلكون أو يعتقلون ويضيع بهلاكهم من خلفهم من أهاليهم وأسرهم ، قال تعالى : وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (البقرة: 195) وقال سبحانه : وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (النساء: 29) ، ولهذا فإنها تحرم الهجرة غير النظامية لهذه التعليلات .
3- لا يجوز قتل هؤلاء السُّود إلا بقضاء الشرع ومعرفة الحاكم . وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن أكل الصيد الذي وقع في الماء بقوله : " وإن وجدته غريقا فلا تأكله، فإنك لا تدري الماء قتله أو كلبك " متفق عليه .فكيف بآدميِّ يهيم في الأرض لا يُعرف حاله ويُقتل ابتداءاً ؟! . ولهذا قال الأصوليون : الاستصحاب حجة إلى أن يرد ما يُغيِّره .
4- هؤلاء السُّود فيهم مسلمون مُوحِّدون ،وجنايتهم ليست كجناية العجماء التي توجب الهدر .بل لهم حقوق مضمونة شرعاً، حتى ولو كان بعضهم نصارى .
ويجب على الدولة محاسبتهم أو اعادتهم إلى بلادهم احساناً وإغاثة للملهوف .
5- القصاص من هؤلاء السُّود دون القتل ،جائز شرعاً إذا ظهرت أذيتهم وبان شرهم ،ويكون هذا من باب دفع الصائل .ودفعه بالقتل يُورِّط المسلم فيما هو غنيُّ عنه .
6- حمل السلاح من الجماعات والقبائل بدعوى الحماية الجماعية للقبيلة ،من الأسباب التى تفتح أبواب الجريمة وذريعة للتعصُّب القبلي وخروج من وحدة الصف والكلمة ، ومنازعة لأهل الولاية بغير موجب شرعي .
7- يجوز تطبيق أحكام الظَّفر في مسألة حراك السُّود ، بشرط عدم الاسراف في العقوبة . فإن أحكام الظَّفر تختلف باختلاف الحق المراد أخذه . فمن ظفر بحقِّه مع إنسان ، فله أخذه بدون تعدِّي أو احداث فتنة .
8- المعاملة بالمثل جائزة ما لم يترتب عليها مُحرَّم . ومن الناس من يتأوَّل بعض الآيات الكريمات على غير وجهها الصحيح ، كما في قول سبحانه : " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"( البقرة : 19 ) وقوله : "وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عُوقبتم به " (النحل : 126) وقوله : " وجزاءُ سيئةٍ سيئةٌ مثلها " (الشورى : 40) . قال المفسرون : هذه الآيات فيمن أصيب بظلامة لا ينال من ظالمه إذا تمكن منه إلا مثل ظلامته ، لا يتعدَّاها إلى غيرها .
9- من وقع عليه اعتداء من هؤلاء السُّود الأحباش فهو مُخيَّر بين ثلاثة أُمور :
الأول:أن يعفو ويصفح، لينال أجر المتقين الصابرين ومعية الله وعونه، كما قال تعالى: "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين "(آل عمران : 133) .
الثاني: الإمساك عن العفو والصفح ، ليلقى المذنب ربَّه بما اقترف من الإثم. لكن كما قال بعض السلف :" ما يفيدك أن يُعذِّب الله أحداً لأجلك؟ مع ما يفوتك من أجر العفو، لو عفوت" .
الثالث: القصاص بشروطه ، أو الدية المُقدَّرة شرعاً، والقصاص والدِّية إنما يكون لدى القاضي الشرعي، ولا يستوفي القصاص آحاد الناس ، مجنيَّا عليه أو غيره .
10- هذه الفتن سببها الظلم وعدم اعطاء الناس حقوقهم . وقد كتب عامل إلى عمر بن عبد العزيز(ت: 101هـ) رحمه الله تعالى: أن مدينتنا قد تشعَّث سورها فأرسِل لنا مالًا نُرمِّمُها، فردَّ عليه رحمه الله بقوله: "حَصِّنها بالعدل ونقِّ طرقها من الظُّلم ، فتلك مرمتها والسلام " .
وقد أعجبتني عبارة البروفيسور البنجلاديشي الفائز بجائزة نوبل للسلام "محمد يونس" وفقه الله تعالى حين قال : " الفقر خطر على السلام " وقوله "ما ينجم عن الفقر المشين من إحباط وحقد وغضب، لا يمكن أن يضمن السلام في أي مجتمع ".
وهو مفكر ذكي ، له برنامج اقتصادي لانقاذ الفقراء عبر القروض الصغيرة ، بدأ تطبيقه في البلاد الغربية الكبرى .
فأين التجار والمفكرون من الافادة والتخطيط لانقاذ الناس من شبح الجوع ؟! .
هذا ما تيسر تحريره ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
أ/أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
عضو هيئة التدريس بقوات الأمن الخاصه
(منقول)