تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الأحاديث الواردة في خلق النبي صلى الله عليه وسلم من تربة المدينة التي دفن فيها



احمد ابو انس
2013-02-28, 02:25 PM
الأحاديث الواردة في فضائل المدينة جمعاً ودراسة
د. صالح بن حامد الرفاعي ص 329-342
ط2/1415هـ
المبحث الرابع




الأحاديث الواردة في خلق النبي صلى الله عليه وسلم من تربة المدينة التي دفن فيها



من حجج القائلين بتفضيل المدينة على مكة قولهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم خلق من تربة المدينة التي دفن فيها، والنبي صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق، فظهر أن تلك التربة لها فضيلة بارزة على سائر الأرض، فهي أفضل البقاع، واحتجوا على ذلك بأحاديث منها ما صرحت بخلق النبي صلى الله عليه وسلم من تربة المدينة ومنها ما لم تصرح. فمن الأحاديث المصرحة بذلك:
168- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من افترى على الله كذبا قتل ولا يستتاب ومن سبني قتل ولا يستتاب، ومن سب أبا بكر قتل ولا يستتاب، ومن سب عمر قتل ولا يستتاب، ومن سب عثمان جلد الحد، ومن سب علياً جلد الحد). قيل: يا رسول الله، لم فرقت بين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي؟. قال: (لأن الله خلقني وخلق أبا بكر وعمر من تربة واحدة وفيها ندفن). رواه ابن عيد، وعنه ابن الجوزي في ((الموضوعات)) من طريق يعقوب بن الجهم الحمصي، قال: ((حدثنا محمد بن واقد عن المسعودي، عن عمر مولى غفرة عن أنس بن مالك به)). قال ابن عدي:((وهذا البلاء فيه من يعقوب بن الجهم، والحديث غير محفوظ، ولا يعرف من حديث المسعودي، ولا من حدث عمر مولى غفرة)). وذكر ابن الجوزي هذا الحديث في ((الموضوعات)) - كما تقدم - ولم يتعقبه السيوطي. وقال الذهبي: ((هذا حديث موضوع، قال ابن عدي، البلاء فيه من يعقوب)). وذكره الشوكاني في الفوائد المجموعة، وذكر فيه كلام ابن عيد والذهبي.
169- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا وفي سرته من تربته التي تولد منها. فإذا رد إلى أرذل عمره رد إلى تربته التي خلق منها حتى يدفن فيها، وإني وأبا بكر وعمر خلقنا من تربة واحدة وفيها ندفن). رواه الخطيب البغدادي - وعنه ابن الجوزي في العلل المتناهية - من طريق محمد بن يوسف بن بشر الهروي، حدثنا محمد بن عبد الرحيم - المعروف ببنان - بمصر، حدثني موسى بن سهل أبو هارون الفزاري ببغداد، حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق، حدثنا سفيان الثوري، عن أبي إسحاق الشيباني، عن أبي الأحوص الجشمي، عن ابن مسعود به. قال الخطيب البغدادي: ((غريب من حديث الثورى عن الشيباني، لا أعلم يروى الامن هذا الوجه، وقيل: إن محمد بن مهاجر المعروف بأخي حنيف رواه عن إسحاق الأزرق)).
وقال الذهبي: ((موسى بن سهل بن هارون الرازي، عن إسحاق الأزرق بخير باطل على الثوري عن أبي الأحوص.. رواه عنه نكرة مثله)). يعني: محمد بن عبد الرحيم المعورف بـ ((بنان)) بضم الموحدة وتخفيف النون. ورواه أيضاً ابن عساكر، وابن الجوزي في ((الموضوعات)) من طريق أحمد بن سعيد الإخميمي قال: حدثنا محمد بن زكريا بن يحيى النيسابوري، قال: حدثنا أحمد بن صالح، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي اليسع، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود به بنحو الحديث السابق. قال ابن الجوزي: ((هذا حديث لا يصح، محمد وأحمد مطعون فيهما، وفيه مجاهيل منهم أبو اليسع)). وأحمد بن سعيد بن فرضخ الإخميمي قال فيه الدارقطني: ((روى.... أحاديث في ثواب المجاهدين والمرابطين والشهداء، موضوعة كلها وكذب، لا تحل روايتها، والحمل فيها على ابن فرضخ، فهو المتهم بها، فإنه كان يركب الأسانيد ويضع عليها أحاديث)). وقال الحافظ ابن حجر: ((رأيت له تصانيف منها كتاب ((الاحتراف))، ذكر في أحاديث وآثاراً في فضائل التجارة لا أصل لها...)). فالحديث موضوع، وقد ذكره الشوكاني في ((الفوائد المجموعة)).
170- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما من آدمي إلا ومن تربته في سرته، فإذا دنا أجله قبضه الله في التربة التي منها خلق، وفيها يدفن وخلقت أنا وأبو بكر وعمر من طينة واحدة، وندفن فيها في بقعة واحدة). رواه ابن عساكر من طريق أحمد بن الحسن بن أبان المصري، عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة به. وأحمد بن الحسن قال فيه ابن حبان: ((كذاب دجال من الدجاجلة، يضع الحديث على الثقات وضعاً)). وقال ابن عدي: ((حدث عن أبي عاصم بأحاديث مناكير عن ابن عون... يسرق الحديث، ضعيف)). وقال الدارقطني: ((كذاب متروك)). وابن عون: هو محمد بن عون الخراساني ((متروك)). ورواه أبو نعيم الأصبهاني من طريق أخرى عن أبي عاصم النبل، عن ابن عون به بلفظ: (ما من مولود إلا وقد ذر عليه من تراب حفرته).
قال أبو عاصم: ما نجد لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فضيلة مثل هذه، لان طينتهما من طينة رسول الله صلى الهل عليه وسلم. قال أبو نعيم: ((هذا حديث غريب من حديث ابن عون، عن محمد- يعني ابن سيرين -، لم نكتبه إلا من حديث أبي عاصم النبيل عنه، وهو أحد الثقات الأعلام من أهل البصرة)). والحديث ضعيف جداً بهذا اللفظ بسبب محمد بن عون، وهو موضوع باللفظ الأول، وأشار ابن عراق الكناني إلى أن قوله في اللفظ الأول: (وخلقت أنا وأبو بكر وعمر من طينة واحدة...) هو كلام أبي عاصم النبيل السابق، أدرجه ذلك الكذاب - أحمد بن الحسن - في متن الحديث)). ورواه عبد الرزاق عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، قال: اخبرني نوح بن أبي بلال عن أبي سليمان الهذلي عن أبي هريرة، قال: (ما من مولود يولد إلا بعث الله ملكاً، فأخذ من الأرض تراباً، فجعله على مقطع سرته، فكان فيه شفاؤه، وكان قبره في موضع أخذ التراب منه). وإبراهيم ((متروك))، والهذلي لم أعرفه. فالحديث: إسناده ضعيف جداً، وهو موقوف على أبي هريرة. 171- وعن محمد بن سيرين رحمه الله، أنه قال: (لو حلفت، حلفت صادقاً، باراً غير شاك ولا مستثن، أن الله عز وجل ما خلق نبيه صلى الله عليه وسلم ولا أبا بكر ولا عمر رضي الله عنهما إلا من طينة واحدة، ثم ردهم إلى تلك الطينة). رواه الحكيم الترمذي من طريق بركة بن محمد الحلبي، قال: حدثنا أبو عبد الرحمن المصري، عن إبراهيم بن يزيد الخوزي، قال: سمعت ابن سيرين. فذكره. وبركة بن محمد الحلبي قال فيه عبد الله بن أحمد الأهوازي المعروف بـ ((عبدان)) ((رأيت بركة هذا بحلب، وتركته على عمد، ولم أكتب عنه لأنه كان يكذب)). وقال ابن حبان: ((كان يسرق الحديث، وربما قلبه، وإذا أدخل عليه حديث حدث به، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد)). وقال الدارقطني: ((يضع الحديث)). وإبراهيم بن يزيد الخوري: ((متروك الحديث)). فهذا القول موضوع على ابن سيرين والمتهم به بركة. ومن الأحاديث التي احتجوا بها ولم تصرح بخلق النبي صلى الله عليه وسلم من تربة المدينة:
172- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بالمدينة فرأى جماعة يحفرون قبراً، فسأل عنه، فقالوا: حبشي قدم فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا إله إلا الله، سيق من أرضه وسمائه إلى التربة التي خلق منها). رواه البزار من طريق عبد الله بن جعفر بن نجيح، حدثنا أبي، حدثنا أنيس بن أبي يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد به. قال البزار: ((لا نعلمه عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد، وأنيس وأبوه صالحان حديث عن أنيس بن إسماعيل، وعبد العزيز الدواوردي وصفوان بن عيسى وغيرهم، وابن نجيح لا نعلم روى عنه إلا ابنه)). وقال الهيثمي: ((رواه البزار وفيه عبد الله والد علي بن المديني، وهو ضعيف)). وجعفر ذكره البخاري، وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً وذكره ابن حبان في ((الثقات)).
ولم ينفرد به جفعر بن نجيح، بل تابعه عبد العزيز بن محمد الدراوردي، فقد رواه الحاكم، من طريق عثمان بن سعيد الدارمي، قال: ثنا يحيى بن صالح الوحاظي، ثنا عبد العزيز بن محمد، حدثني أنيس بن أبي يحيى مولى الأسلميين، عن أبيه به. قال الحاكم: ((هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وأنيس بن أبي يحيى الأسلمي، هو عم إبراهيم بن أبي يحيى، وأنيس ثقة معتمد، ولهذا الحديث شواهد، وأكثرها صحيحة)). ورواه ابن النجار من طريق محمد بن الحسن بن زبالة، عن عبد العزيز بن محمد عن أنيس بن أبي يحيى، قال: (لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة...) الحديث. هكذا رواه ابن زبالة، وقد قصر في إسناده. والصواب عن أنيس عن أبيه، عن أبي سعيد كما تقدم. 173- ورواه أبو عبد الله محمد بن علي الحكيم الترمذي قال: ((حدثنا عمر بن أبي عمر، قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم الجمحي، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي، قال: حدثني أنيس بن أبي يحيى، عن أبيه عن أبي هريرة فذكر نحو الحديث السابق. وعمر بن أبي عمر هو عمر بن رياح - بكسر أوله وتحتانية - العبدي الضرير، قال فيه عمرو بن علي الفلاس: ((دجال)). وقال النسائي والدارقطني وابن حجر: ((متروك الحديث)). وقد أخطأ في سند هذا الحديث حيث جعله عن أبي يحيى عن أبي هريرة والصواب عن أبي سعيد الخدري كما تقدم.
174- ورواه الطبراني، وأبو نعيم في ((أخبار أصبهان))، والخطيب البغدادي في ((الموضح)). كلهم من طريق عبد الله بن عيسى الخزاز، قال: ((حدثنا يحيى البكاء، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن حبشياً دفن في المدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دفن في الطينة التي خلق منها). قال الهيثمي: ((رواه الطبراني في الكبير، وفيه عبد الله بن عيسى الخزاز وهو ضعيف)). وفيه أيضاً يحيى بن مسلم - او ابن سليم - البكاء ضعيف جداً.
175- ورواه الطبراني في ((الأوسط)) (*) من طريق عبد الله بن عمر بن أبان - المعروف بـ ((مشكدانه)) - قال: ((كنا عند أبي أسامة يوماً فقال للمستملي: خذ إليك، حدثني الأحوص بن حكيم، عن راشد بن سعد وأبي الزاهرية قالا: سمعنا أبا الدرداء يقول: مر بنا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نحفر قبراً فقال: (ما تصنعون)؟ قلنا: نحفر قبراً لهذا الأسود. فقال: (جاءت به منيته إلى تربته). قال أبو أسامة: تدرون يا أهل الكوفة لم حدثتكم بهذا الحديث؟ لأن أبا بكر وعمر خلقا من تربة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الطبراني: ((لا يروى هذا الحديث عن أبي الدرداء إلا بهذا الإسناد، تفرد به أبو أسامة)). يعني حماد بن أسامة. قال الهيثمي: ((فيه الأحوص بن حكيم وثقه العجلي، وضعفه الجمهور)) وقال الحافظ ابن حجر: ((ضعيف الحفظ)).
وأصح الطرق المتقدمة طريق الحاكم، والحديث صحيح بمجموع طرقه، وقد حسنه الشيخ ناصر الدين الألباني بدون ذكر طرق الحاكم. وقال أبو محمد بن حزم في الرد على من يفضل المدينة على مكة: ((واحتجوا بأخبار موضوعة يجب التنبيه عليها والتحذير منها، منها خبر رويناه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في ميت رآه: (دفن في التربة التي خلق منها). قالوا: والنبي عليه الصلاة والسلام دفن بالمدينة، فمن تربتها خلق، وهو أفضل الخلق، فهي أفضل البقاع. وهذا خبر موضوع لأن في أحد طريقيه محمد بن الحسن بن زبالة، وهو ساقط بالجملة، قال فيه يحيى بن معين: ليس بثقة، وهو بالجملة متفق على إطراحه، ثم هو عن أنيس بن يحيى مرسل، ولا يدري من أنيس بن يحيى، والطريق الأخرى من رواية أبي خالد، وهو مجهول، عن يحيى البكاء، وهو ضعيف، ثم لو صح لما كانت فيه حجة، لأنه إنما يكون الفضل لقبره عليه الصلاة والسلام فقط، والا فقد دفن فيها المنافقون، وقد دفن الأنبياء عليهم السلام من إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، وموسى، وهارون، وسليمان، وداود عليهم السلام، وغيرهم بالشام، ولا يقول مسلم: إنها أفضل من مكة)). وفي كلام أبي محمد رحمه الله هذا عدة ملحوظات: أولاً: قوله: ((لأن في أحد طريقيه محمد بن الحسن بن زبالة....)) فابن زبالة لم يتفرد بهذا الحديث، بل تابعه يحيى بن صالح الوحاظي، عن الدراوردي وتابع الدراوردي جعفر بن نجيح السعدي كما تقدم. ثانياً: قوله: ((ثم هو عن أنيس بن يحيى مرسل، ولا يدري من أنيس بن يحيى)). والصواب: أنيس بن أبي يحيى، وهو ثقة. وثقة يحيى بن معين وأبو حاتم الرازي وغيرهما، وقد تقدم قول البزار والحاكم فيه.
ثم إن حديثه هذا إنما ورد مرسلاً في رواية ابن زبالة فقط، وقد رواه البزار والحاكم موصولاً كما تقدم. ثالثاً: قوله: ((والطريق الأخرى من رواية أبي خالد وهو مجهول، عن يحيى البكاء وهو ضعيف)). والصواب: أبو خلف وهو عبد الله بن عيسى الخزار المتقدم في إسناد حديث ابن عمر. وقد ذكره الخطيب البغدادي في كتاب ((الموضح لأوهام الجمع والتفريق)) وروى هذا الحديث من طريقه ثم قال:((وهو أبو خلف صاحب الحرير الذي روى عنه عمر بن شبة هذا الحديث)). رابعاً: حكم أبي محمد على هذا الحديث بأنه موضوع ليس بصحيح، وعذره في ذلك أنه لم يقف على الحديث إلا من هاتين الطريقين اللتين ذكرهما، وفيهما ضعفاء وجاهيل عنده، ولذلك حكم على الحديث بالوضع، والحديث صحيح من غير هاتين الطريقين كما تقدم.
176- عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي، عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء). قال: (إذا وقعت النطفة في الأرحام طارت في الجسد أربعين يوماً، ثم تكون علقة أربعين يوما ً، ثم تكون مضغة أربعين يوماً، فإذا بلغ ان يخلق بعث الله ملكاً يصورها، فيأتي الملك بتراب بين أصبعيه فيخلطه في المضغة، ثم يعجنه بها، ثم يصورهما كما يؤمر، فيقول: أذكر أو أنثى؟، أشقي أو سعيد؟ وما رزقه؟، وما أثره؟ وما مصائبه؟، فيقول الله، ويكتب الملك، فإذا مات ذلك الجس، دفن حيث أخذ ذلك التراب).
رواه محمد بن جرير الطبري - واللفظ له -، والحكيم الترمذي - بمعناه -، كلاهما من طريق عمرو بن حماد بن طلحة القناد، عن أسباط بن نصر الهمداني، عن السدي به، وهذا إسناد ظاهرة أنه لا بأس به، ولكن فيه علة خفية، وذلك أن السدي أورد هذا الإسناد في أول كتابه الذي صنفه في التفسير، مشيراً بذلك إلى أن ما أورده في تفسيره لا يخرج عن إحدى هذه الطرق الأربع وهي:
السـدي :
1- عن أبي مالك عن ابن عباس.
2- عن أبي صالح عن ابن عباس.
3- عن مرة الهمداني عن ابن مسعود.
4- عن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وأبو مالك هو غزوان الغفاري ثقة، وأبو صالح اسمه باذام - وقيل آخره نون - مولى أم هاني، مختلف فيه، ورجح الحافظ ابن حجر تضعيفه، وكان مجاهد ينهى عن تفسير أبي صالح، وصرح ابن حبان، بأنه لم ير ابن عباس، ولا سمع منه شيئاً. وفي الإسناد الرابع انقطاع، حيث لم يذكروا للسدي سماعاً من الصحابة إلا من أنس بن مالك رضي الله عنه. فهذه الطرق الأربع اثنتان منها صحيحتان (رقم 1، 3) واثنتان ضعيفتان (2، 4)، ولم يميز السدي روايات كل طريق، ولذلك تكلم العلماء في رواياته في التفسير، فقال الإمام أحمد: ((هو حسن الحديث، وحديثه مقارب، إلا أن هذا التفسير الذي يجئ به أسباط عنه - فجعل يستعظمه ويقول-: من أين قد جعل له أسانيد؟! ما أدرى ما ذاك)). وقد أكثر أبو جعفر بن جرير الطبري الرواية من طريق السدي مصدراً كل رواية بالإسناد السابق، ومع ذلك فقد صرح بأنه مرتاب في هذا الإسناد، حيث قال في أحد المواضع: ((وقد ذكرنا الخبر الذي روي عن ابن مسعود وابن عباس أنهما كانا يقولان: إن المنافقين إذا حضروا مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخلوا أصابعهم في آذانهم...)) ثم قال أبو جعفر: ((فإن ذلك صحيحاً - ولست أعلمه صحيحاً إذ كنت بإسناده مرتاباً...)). وقد عد الحافظ ابن حجر رواية السدي في التفسير ضمن الروايات الضعيفة عن ابن عباس. فقال: (ومنهم إسماعيل بن عبد الرحمن السدي - بضم المهملة، وتشديد الدال وهو كوفي صدوق، لكنه جمع التفسير من طرق منها: عن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة بن شراحيل عن ابن مسعود، عن ناس من الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم،وخلط روايات الجميع، فلم تتميز روايات الثقة من الضعيف ولم يلق السدي من الصحابة إلا أنس بن مالك)). وعلق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله على قول أبي جعفر الطبري السابق: ((إذ كنت بإسناده مرتاباً))، فقال: ((وحق لأبي جعفر رحمه الله أن يرتاب في إسناده، فإن هذا الإسناد فيه تساهل كثير، من جهة مفرق التفاسير عن الصحابة في سياق واحد تجمعه هذه الأسانيد..))، ثم أشار رحمه الله إلى ان قبول هذا الإسناد محل نظر وارتياب.
وقد انتقد أحمد شاكر رحمه الله الذين أوردوا روايات من تفسير السدي وصدورها بإسناده السابق كابن جرير الطبري والحاكم وغيرهما، فإن هذا الصنيع يوهم بأن تلك الرواية التي ساقوها قد وردت بالأسانيد الأربعة المشار إليها سابقاً - كهذه الرواية التي بين أيدينا - وليس الأمر كذلك، بل ربما وردت من إحدى الطريقين الضعيفتين. ولذلك فإن هذه الرواية ضعيفة لا تقوم بها حجة.
177- عن عكرمة مولى ابن عباس انه قال: (يدفن كل إنسان في التربة التي خلق منها). رواه عبد الرزاق من طريق عمر بن عطاء بن وراز - بفتح الواو والراء آخره زاي - عن عكرمة به، وعمر بن عطاء ((ضعيف)) فلا يصح هذا الاثر عن عكرمة. وهذه الأحاديث المتقدمة بعضها موضوع، والبعض الآخر ضعيف لا تقوم به حجة، إلا حديث أبي سعيد الخدري في قصة الحبشي فهو صحيح، وليس فيه أن كل الناس كذلك، وقد تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الموضوع بكلام شاف، فقال رحمه الله: ((.... وما ذكره بعضهم من الإجماع على تفضيل قبر من القبور على المساجد كلها، فقول محدث في الإسلام، لم يعرف عن أحد من السلف، ولكن ذكره بعض المتأخرين، فأخذه عنه آخر وظنه إجماعاً، لكون أجساد الأنبياء أنفسها أفضل من المساجد، فقولهم يعم المؤمنين كلهم، فأبدانهم أفضل من كل تراب في الأرض، ولا يلزم من كون أبدانهم أفضل أن تكون مساكنهم أحياء وأمواتاً أفضل، بل قد علم بالاضطرار من دينهم أن مساجدهم أفضل من مساكنهم. وقد يحتج بعضهم بما روي من أن ((كل مولود يذر عليه من تراب حفرته)) فيكون قد خلق من تراب قبره، وهذا الاحتجاج باطل لوجهين: أحدهما: أن هذا لا يثبت، وما روي فيه كله ضعيف، والجنين في بطن امه يعلم قطعاً أنه لم يذر عليه تراب، ولكن آدم نفسه هو الذي خلق من تراب... وبسط هذا له موضع آخر. والمقصود هنا: التنبيه على مثل هذه الاجماعات التي يذكرها بعض الناس، ويبنون عليها مايخالف دين المسلمين: الكتاب والسنة والإجماع. الوجه الثاني: انه لو ثبت ان الميت خلق من ذلك التراب، فمعلوم ان خلق الإنسان من مني أبويه اقرب من خلقه من التراب، ومع هذا فالله يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، يخرج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن... فإذا كانت المادة القريبة التي يخلق منها الأنبياء والصالحون لا يجب ان تكون مساوية لأبدانهم في الفضيلة... فالمادة البعيدة وهي التراب أولى أن لا تساوي أبدان الأنبياء والصالحين، وهذه الأبدان عبدت الله وجاهدت فيه، ومستقرها الجنة، وأما المواد التي خلقت منها هذه الابدان، فما استحال منها وصار هو البدن فحكمه حكم البدن، وأما ما فضل منها فذاك بمنزلة أمثاله. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في موضع آخر: ((وأما التربة التي دفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم فلا أعلم أحداً من الناس قال إنها أفضل من المسجد الحرام، أو المسجد النبوي، أو المسجد الاقصى إلا القاضي عياض، فذكر ذلك إجماعاً، وهو قول لم يسبقه إليه احد فيما علمنا، ولا حجة عليه، بل بدن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من المساجد، وأما ما منه خلق أو فيه دفن فلا يلزم إذا كان هو أفضل أن يكون ما منه خلق أفضل...)).